الاثنين، 9 مارس 2015

دحض الزعم بأن "الصحابة" مصطلح ديني ج1

دحض الزعم بأن "الصحابة" مصطلح ديني ج1



إن القرءان الكريم هو المرجع الأوحد للمصطلحات القرءانية، فطالما ورد المصطلحُ في القرءان فإن معناه يكون مبيَّنا بالضرورة في الآيات التي ورد فيها وفي فحواها ومقتضاها؛ أي إنه لابد أن فيه من الآيات ما يحدد مدلولاته ومعانيه، فالقرءان كما ذكر الله تعالى مبين ومبيِّن وتبيان لكل شيء، فمن آمنوا بما ذكره الله تعالى فقد أفلحوا، فالقرءان هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاء،ٌ أما الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بما ذكره الله تعالى –وهذا هو حال أكثر المحسوبين على الإسلام- فهو فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى، فالْقُرءانِ هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا، وهو كتاب يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ، ولا شك أن المذاهب المحسوبة على الإسلام تربي أتباعها على الكفر بما ذكره الله تعالى وتجعلهم يؤمنون بعكسه تماما، فالقرءان عندهم مبهم يحتاج إلى بيان مشكل يحتاج إلى إيضاح مجمل يحتاج إلى تفصيل مطلق يحتاج إلى تقييد، وإنما اختلفوا فقط في الوسائل التي يتبعونها للسيطرة على القرءان وتقييده و(كبح جماحه) ومنعه من أداء مهامه.
ولذلك لا يحق لأحد إحداث مصطلح في الدين يجعله من أسسه ويرتب عليه نتائج خطيرة، كما لا يجوز العدول عن مصطلح قرءاني لحساب مصطلحات أحدثها الناس ونفخوا فيها لاعتبارات مذهبية، وكذلك لا يحقُّ أحد أن يفرض على المصطلح القرءاني معانيَ من عنده، إن كل ذلك يكون من باب تحريف الكلم عن مواضعه وتحريف الدين والإحداث في الدين، فهو من كبائر الإثم الخطير والعظيم.
ومراتب أهل القرن الإسلامي الأول التي يجب الإيمان بها لوجوب الإيمان بالقرءان لا وجود فيها لمرتبة اسمها الصحبة أو الصحابة، وإنما هي طبقاً للقرءان، وبالتحديد طبقاً لسورة التوبة وهي من آخر ما نزل منه:
1.                  السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار.
2.                  من اتبعوهم بإحسان.
3.                  من آمن من بعد الفتح (فتح الحديبية)
4.                  من خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا
5.                  المرجون لأمر الله
6.                  الأعراب الذين أسلموا ولمَّا يؤمنوا
7.                  المؤلفة قلوبهم.
8.                  المنافقون، وأخطرهم من مردوا على النفاق.
والقرءان كتاب حقاني موضوعي لا يرتب أية مراتب على ارتباطٍ ما بأحد الصالحين وإنما على الصفات والأعمال، فهو لم يمتدح أو يذم أية طائفة إلا بصفاتها وأعمالها، وكما سبق القول لا يجوز أن يجمع كل هؤلاء مصطلح ديني يترتب عليه التزامات أو أمور دينية، أما المصطلح اللغوي فموجود؛ وهو القرن (الجيل) المسلم الأول، ومسلم هنا بمعنى مذعن! لوجود المنافقين والأعراب الذين لم يؤمنوا!
أما الأسماء التي أطلقها القرءان على من آمن بالرسالة المحمدية فمنها: الذين آمنوا، المؤمنون، المسلمون، من تاب معه (أي مع النبي)، الذين اتبعوه (أي اتبعوا النبي)، ................
ولم ترد في القرءان أبدا أية آية تصف من اتبع النبي بأنهم أصحابه أو صحابته بالمعنى الديني، فلقد وصف القرءان النبي بأنه صاحب قومه على اختلاف أحوالهم! قال تعالى:
{وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُون} [التكوير:22]
فالكلمة مستعملة هاهنا وفي كل موضع ذكرت فيه أو وردت مشتقاتها في القرءان بمعناها اللغوي، ولم يكسبها القرءان أبدا أي معنى اصطلاحي.
إنه يجب من جديد التأكيد على أن القرءان الكريم هو المصدر الأوحد للمصطلحات القرءانية الملزمة، وهو لم يستعمل أبداً لفظ "الصحبة" ولا مشتقاته مثل "الصحابة" بأي معنى اصطلاحي ولم يكسبه أبدًا أية دلالة دينية، فهو باقٍ على أصل معناه اللغوي أو التاريخي.
والمصطلح الذي أحدثه بعض الأشخاص المتمذهبين في القرن الثالث الهجري مصطلح متناقض متهافت مقوَّض تقويضا ذاتيا، وليس من حق أحد إحداث أي مصطلح ديني أو ترتيب أية التزامات دينية على مصطلح مُحدث.
وكل ما هو واجب على المسلمين أن يستغفروا إجمالا لإخوانهم الذين سبقوهم بالإيمان وليس مطلوباً منهم أن يسبحوا بحمدهم ولا أن يقدسوا لهم ولا أن يشركوا بالله ولا أن يهجروا كتابه ويتطاولوا على رسوله من أجلهم.
*******
إن مصطلح "الصحابي" الشائع الآن قد ساهم في وضعه مجموعة من أتباع المذهب السني، ومنهم على بن المديني شيخ البخاري فهو القائل: "من صحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو رآه ولو ساعة من نهار فهو من أصحاب النبي"، هذا الرجل كان من مجموعة صغيرة أعطت لنفسها دون تفويض أو توكيل أو تكليف من الله تعالى أو من أية سلطة دينية رسمية الحق المطلق لتعديل من تشاء من أهل القرون الإسلامية الأولى وتجريح من تشاء منهم، يقول في (اعتقاده) الذي رواه عنه اللالكائي بإسناده في كتابه المسمى (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة): "مَن صَحِبَه سَنةً أو شهراً أو ساعةً، أو رآه أو وفد إليه فهو من أصحابه، له من الصُّحبة على قدر ما صحبَه، فأدناهم صحبةً هو أفضلُ من الذين لَم يروه، ولو لقوا الله عزَّ وجلَّ بجميع الأعمال، كان الذي صحب النَّبِيَّ ورآه بعينيه وآمن به ولو ساعة أفضلَ بصُحبته من التابعين كلِّهم، ولو عملوا كلَّ أعمال الخير".
والمديني –ربما دون أن يتعمد- يتجاهل تماما القرءان كما يتجاهل المنطق، وهو يدلس على الناس، فهو يقصد بالصاحب الصديق والخليل والحميم، وهو مكذب بما ذكره الله تعالى في كتابه من أن الأكرمية عنده بالتقوى والعمل الصالح وليس برؤية النبي، بل إن القرب من النبي هو أدعى إلى مضاعفة التبعات، فتُضاعف العقوبة أو الجزاء، قال تعالى:
{يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31)} الأحزاب
 فالمديني لم يقدم بين يدي زعمه الخطير أي دليل أو برهان يعتد به، بل قدمه كعقيدة ملزمة، وهو بذلك قد اختلس لنفسه سلطة من سلطات ربه وكذَّب بآيات كتابه واعتدى على حقوق الرسول واستكبر في نفسه وعتا عتوا كبيرا وجني علي الإسلام والمسلمين.
والمصطلح الشائع الآن عند أكثر الناس وخاصة السلفية وأهل اللاسنة منهم من بعد القرن التاسع الهجري هو "الصحابي كل من رأى النبي أو لقِيَه من المسلمين"، والمتأخرون يرددون تعريف ابن حجر العسقلاني: "كل من لقي النبي مؤمنا ومات على الإسلام".
وكل هذه الصور من التعريف ليس فيها أي إلزام ديني أو منطقي، وهي تتضمن في بنيتها استحالتها، فلا يمكن لأحد أن يقطع بأن إنسانا ما مضت عليه عدة قرون قد مات على الإسلام، وإذا كان ذلك يمكن من باب حسن الظن افتراض تحققه لبعض السابقين الأولين فلا يمكن ضمان تحققه لأكثر من 117 ألفا أسلموا في أواخر العصر النبوي بعد انتصار الإسلام والمسلمين!
ولقد حمَّل سدنة المذاهب السلفية والأثرية واللاسنية مصطلح "الصحابة" بما لا يحتمله وغلوا في شأنه حتى صار عمليا وواقعيا المصطلح الأقدس في دينهم، ولذلك تراهم لا يبالون إذا تطاول الناس على الله وكتابه ورسوله، ولكنهم يقومون قومة جاهل واحد على أي مسلم آخر إذا تلا عليهم آية قرءانية تذكر شيئا من كبائر الإثم التي اقترفها أحد (الصحابة)! وقد زعم الشيخ طنطاوي شيخ الأزهر السابق أن احترام وتبجيل وتوقير (أي باختصار تقديس) الصحابة هو ركن الإسلام السادس!! (الأهرام: 9-5-2007).
ورغم أنه توجد تعريفات مختلفة للـ"الصحابي" متحفظة بعض الشيء عن هذا المصطلح الشائع الآن فقد أبى أكثر الناس إلا التمسك بهذا المصطلح لكون نتائجه أشد كارثية.
وقولنا –في مصطلح (الصحابة) أنه ليس بمصطلح ديني، بل هو مجرد لفظ لغوي أو مصطلح تاريخي غير دقيق ويتضمن اعتداءً سافرا على المصطلحات القرءانية الخاصة بأهل القرن الأول، والقول بأنه ليس بمصطلح ديني يعني أنه لا يجوز ترتيب أية التزامات دينية عليه، فلا علاقة له بالبنيان العام لدين الحق، وقولنا هذا هو قول غير مسبوق ولم يجرؤ أحد على القول به من قبل بل لم يخطر ببال أحد، ذلك لأن القرءان عندنا هو المرجع الأوحد للمصطلحات الدينية، فلا يجوز إحداث مصطلح ديني غير منصوص عليه صراحة فيه، بل هو في تناقض حادٍّ معه، ولا حاجة بعد ذلك لمناقشة ما يترتب على هذا المصطلح مثل (عدالة الصحابي)، فنحن نجتث الباطل من جذوره ولا نبحث عن حلول وسط مع اهله! بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ.
والفرق بين المصطلحات الدينية والمصطلحات التاريخية هو أن المصطلح التاريخي متروك أمره لعلماء التاريخ الحقيقيين يبحثون فيه كيف يشاؤون وفقا للأسس والمناهج التاريخية، ولا يترتب على ذلك أي إلزام ديني، أما المصطلح الديني فيترتب عليه لوازم ومقتضيات دينية، ومن المعلوم أنه ترتب على إحداث مصطلح الصحابة اعتبار كل كلام يُنسب إلى واحد منهم نصا دينيا ملزما يعاملونه نظريا كآيات الكتاب، ولكنهم عمليا يجعلون له الحكم والقضاء عليه ونسخ آياته عند التعارض، فإحداث مصطلحات دينية يترتب عليها التزامات دينية يدخل في باب التشريع في الدين بغير إذن من الله تعالى، وهو من أخطر أنواع الشرك، قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلاَ كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم}[الشورى:21].
وليس في ذلك أية دعوة إلى سبّ (الصحابة) كما يظن عبيد نعال السلف، بل إن المسلم مأمور بأن يستغفر لإخوانه الذين سبقوه بالإيمان وألا يحمل في قلبه غِلَّا لهم، قال تعالى:
{وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيم} [الحشر:10]

ولكن ليس من حق أحد أن يكفر بما ذكره القرءان عنهم أو أن يفرض عليه أهواءه أو أن يقوض دين الحق من أجلهم.
من حقك أن تحب وأن تقدس من تشاء، ولكن ليس من حقك أن تجعل الكلام المنسوب إلى من تحب نصا دينيا عالميا ملزما للناس كافة إلى يوم الدين، ليس من حقك أن تفرض شركك وضلالك على العالمين.
ومصطلح "الصحابة" كمصطلح تاريخي لا يجوز إطلاقه إلا على الفئة المحدودة التي كان يقصدها الرسول عندما كان يحذر خالد بن الوليد من التعرض لهم؛ أي إنهم تاريخيا على أكثر تقدير هم من أسلم من قبل فتح الحديبية، مع التأكيد على أن هذا مصطلح لغوي تاريخي لا شأن له ببنيان الدين، ولا يجوز إلزام أحد به.
والقول بأنه ليس بمصطلح ديني يعني أنه لا يجوز لأحد أن يرتب من عنده عقائد أو التزامات دينية مبنية عليه، ويبقى بذلك القرءان الكريم المرجع الأوحد في كل ما يختص بأمور الدين الكبرى كما أراد الله ورسوله والراسخون في العلم من عباده.
*******
الصحبة لغويا
الفعل "صاحَب" (To accompany, to be with somebody or something ) لا يعني أكثر من التقاء في الزمان والمكان بين كائنين دون أن يكون هناك بالضرورة أي تجانس بينهما، هذا الالتقاء قد يقصر وقد يطول، قد يكون عابرا عارضا، وقد يكون لازما لأي سبب من الأسباب.
والقواميس تعرف المصاحبة بأنها المرافقة والمعاشرة والملازمة، وكل هذه التعريفات غير دقيقة، فلا يوجد مترادفات في اللغة، ولو سألتهم عن معنى شيء من هذه الكلمات مثل المرافقة مثلا لعبروا عنها بالمصاحبة والمعاشرة والملازمة ... الخ مثلما يعمل شارحو الكلمات القرءانية؛ فهم يقولون لشرح معنى "ختم" انها "طبع"، فإذا بحثت عن "طبع" وجدت أنها تعني "ختم"، وهكذا يمكن أن تجد في القاموس: "رافق الشَّخصَ" = "صار مصاحبا له في سفره أو سيره"، وكذلك: "صاحب الشَّخصَ" = "صار مرافقاً له في سفره أو سيره"!!!!  
وعلى العموم فلم يزعم أحد منهم أن المصاحبة هي الصداقة أو الخلة أو الحميمية.
فالصداقة هي علاقة أشد خصوصية من الصحبة، وإن كان الاستعمال العرفي يكاد يخفي كلمة "صديق" لحساب كلمة "صاحب"، و"الحميم" أعلى درجة من درجات "الصديق"، أما الخلة فهي ارتباط وثيق وتفاعل بين الخليلين يسمح بالتأثر والتأثير المتبادل فيما بينهما، لذلك يجب أن يحسن الإنسان اختيار أخلائه، فالمرء بالفعل على دين خليله.  
فالصحبة لا تعني الصداقة ولا الخلة، فهي مجرد تجاور أو اقتراب في العالم الزمكاني رباعي الأبعاد (أو العالم المادي الطبيعي أو عالم الشهادة) بين خطين يمثل كل منهما شخصا:
(A closeness or nearness between two world lines; each line is representing a person in the 4-dimensional space-time or in the real physical world).
والكلمة التي تكافئ الكلمات Friend, Intimate, Comrade, Ami, Intime, Camarade في اللغة العربية هي خليل أو حميم (أو صديق) وليس "صاحب".
والخلة من حيث ذلك هي أيضا تجاور واقتراب، ولكن ذلك يكون في عالم أكثر أبعادا، فهو يتضمن أيضا بعض الأمور الذهنية والوجدانية، وهذا يعني أنه بين الأخلاء يوجد نوع من التجانس في الصفات والطباع والمعتقدات والأفكار والمشاعر، والمرء بالفعل يكون على دين خليله، فالصفات المتشابهة تؤدي إلى تجاذب أصحابها.
وبالطبع يمكن أن يتعدد الأشخاص الذين يمكن أن يكونوا في صحبة، فالصحبة لا تعني أبدًا أي تجانس أو التقاء في الآراء، وقد يكون أحد الصاحبيْن مؤمناً والآخر كافرا ولا يترتب عليها أية مرتبة دينية ولا التزامات دينية ولا درجة علميةً، وبالطبع فزوجة الرجل هي صاحبته وهو صاحبها، وقد تكون على دين غير دينه.
نحن الآن مثلا في صحبة، مع وجود اختلافات وتباينات في العقائد الميول والصفات، هذا لا ينفي تحقق الصحبة، ستنتهي هذه الصحبة بمجرد الخروج من هنا، ولكن يمكن أن يقرر أحد الحضور أن يتلقى مني هذا العلم، هذا مع إمكانية أن يكون كافرا يريد أن يدرس مثلا شيئا عن الإسلام، هذا التعلم قد يستلزم وقد لا يستلزم صحبة، فيمكن له أن يتعلم عن طريق الكتب أو أية وسيلة أخرى، فهاهنا يستجد مفهوم جديد، هو مفهوم طالب العلم، ويمكن أن يؤمن أحد الحضور بأني على حق فيما قلته أو ما يمكن أن أقوله من بعد، فيكون في هذه الحالة مؤمنا بي وتابعا لي، ولكن يستجد هاهنا مفهوم جديد هو مفهوم المؤمن، وهو مفهوم مستقل لا يستلزم أيضا صحبة، والدرجات الدينية مرتبة على الإيمان بالرسول، وليس على الصحبة المذكورة، ولا على مجرد الرغبة في العلم بالشيء، وصاحبة النبي أي زوجته يمكن أن تكون كافرة.
وأعلى مراتب أهل القرن الإسلامي الأول هي مرتبة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، تليها مرتبة من اتبعوهم بإحسان، أما تعريفهم للصحابي فيتضمن كل من يظن الناس أنه كان مؤمنا وأنه مات على الإيمان، وموت الإنسان مؤمنا لا يعلمه العلم الصادق إلا الله تعالى، ولقد قال تعالى:
{وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيم} [التوبة:101]
فهؤلاء المنافقون لم يكن الرسول يعلمهم بنص القرءان، فكيف سيعلمهم المديني والبخاري بعد مائتي سنة؟
فالقول بأن المؤمن المتبع للرسول من السابقين الأولين هو مجرد صاحب هو تقليل من مكانته الحقيقية ومساواة له مثلا بالمنافقين وبزعيم المنافقين "عبد الله بن أبي بن سلول"، أو بزعيم أهل البغي "معاوية"، وعندما طلب بعضهم من النبي أن يقتل عبد الله بن أبي، لم يقبل، قال: "حتى لا يتحدث الناس أنَّ محمدا يقتل أصحابه" فبيَّن بذلك أن كلمة "أصحاب" قد تتضمن كبار المنافقين.
*******
لا وجود لمصطلح "الصحابة" في القرءان
إن القرءان الكريم، هو المرجع الأوحد للمصطلحات القرءانية، فطالما ورد المصطلحُ في القرءان فإن معناه يكون مبيَّنا في الآيات التي ورد فيها وفي فحواها ومقتضاها؛ أي إنه لابد أن فيه من الآيات ما يحدد مدلولاته ومعانيه، ولذلك لا يحقُّ أحد أن يفرض على المصطلح القرءاني معانيَ من عنده، وكذلك لا يحق لأحد إحداث مصطلح في الدين يجعله من أسسه ويرتب عليه نتائج خطيرة، كما لا يجوز العدول عن مصطلح قرءاني لحساب مصطلحات أحدثها الناس ونفخوا فيها لاعتبارات مذهبية، إن كل ذلك يكون من باب تحريف الكلم عن مواضعه وتحريف الدين والإحداث في الدين، فهو من كبائر الإثم الخطير والعظيم.
والقرءان كتاب حقاني موضوعي لا يرتب أية مراتب على ارتباطٍ ما بأحد الصالحين وإنما على الصفات والأعمال، فهو لم يمتدح أو يذم أية طائفة إلا بصفاتها وأعمالها، وكما سبق القول لا يجوز أن يجمع كل هؤلاء مصطلح ديني يترتب عليه التزامات أو أمور دينية، أما المصطلح اللغوي فموجود؛ وهو القرن (الجيل) المسلم الأول، ومسلم هنا بمعنى مذعن! لوجود المنافقين والأعراب الذين لم يؤمنوا!
ويجب من جديد التأكيد على أن القرءان الكريم هو المصدر الأوحد للمصطلحات القرءانية الملزمة، وهو لم يستعمل أبداً لفظ "الصحبة" ولا مشتقاته مثل "الصحابة" بأي معنى اصطلاحي ولم يكسبه أبداً أية دلالة دينية، فهو باقٍ على أصل معناه اللغوي أو التاريخي.
إن الفعل "صحِب" ومشتقاته لم يرد أبداً في القرءان كاصطلاح شرعي ديني أو كصفة لطائفة خاصة من الناس، ولم يرد ما يخرجه عن معناه اللغوي المعلوم، فلقد وُصِف الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ بأنه صاحب قومه من آمن منهم ومن كفر، قال تعالي:
{مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى(2)}(النجم)، {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ(22)}(التكوير)، وورد للدلالة على من صحب الرسول أثناء الهجرة، قال تعالى: {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا....}[التوبة:40].
 وقد يصاحب الكافر المؤمن، قال تعالى: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلا(37)} (الكهف)، وكذلك ورد اللفظ كصفة لمن لزم أمرا وكان من أهله، {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(82)} (البقرة).
بل إن كلمة "صاحب" يمكن أن تُضاف في القرءان إلى الحيوان أو الجماد؛ فيقال: "صاحب الحوت" أو "صاحبا السجن" أو "أَصْحَابَ السَّفِينَةِ" أو "أصحاب الأيكة" أو "أصحاب الرسّ" أو "أصحاب الأخدود" أو "أصحاب الفيل".
فلا تفيد كلمة "صاحب" مدحاً ولا ذمَّا، فهي من الناحية اللغوية كلمة محايدة، وقد تكون الصحبة صحبة حسنة، وقد تكون صحبة سيئة.
وها هي بعض الآيات التي وردت فيها مشتقات كلمة "صحب":
{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِين} [الأعراف:184]، {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيم}[التوبة:40]، {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّار} [يوسف:39]، {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً} [الكهف:37]، {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيد} [سبأ:46]، {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم:2]، {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَر} [القمر:29]، {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُوم} [القلم:48]، {يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيه[المعارج:11] وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيه} [المعارج:12]، {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36)}[عبس]، {وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُون}[التكوير:22]، {وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون}[البقرة:39]، {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون}[البقرة:82]، {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيم}[البقرة:119]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولا}[النساء:47]، {قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَىَ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِين}[الأنعام:71]، {وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُون}[الأعراف:48]، {أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وِأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُون}[التوبة:70]، {وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ لَظَالِمِين}[الحجر:78]، {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ الْمُرْسَلِين}[الحجر:80]، {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا}[الكهف:9]، {قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى}[طه:135]، {وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا}[الفرقان:38]، {فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُون}[الشعراء:61]، {فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِّلْعَالَمِين}[العنكبوت:15]، {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِير} [فاطر:6]، {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُون}[يس:13]، {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَة}[الواقعة:8]، {وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَة}[الواقعة:9]، {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِين}[الواقعة:27]، {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَال}[الواقعة:41]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُور}[الممتحنة:13] {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِين}[القلم:17] {قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُود}[البروج:4]، {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيل}[الفيل:1]
فمن الواضح أن مشتقات كلمة "صحب" لم تُستعمل قطّ خارج معناها اللغوي في القرءان، وآية [الشعراء:61] تجعل كل من خرج مع موسى من بني إسرائيل أصحابه، وهؤلاء هم الذين سيقولون بمجرد نجاتهم: {اجْعَل لَّنَا إِلَـهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ}، وهم الذين اتخذوا العجل وحُكِم عليهم أن يتيهوا في الأرض.
وقد وُصف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ في القرءان كما يتبين من الآيات المذكورة بأنه صاحب قومه مؤمنهم وكافرهم ومشركهم ومنافقهم، وهذا يقوِّض أية محاولة لجعل المصطلح "صاحب" مصطلحا دينيا بمثل ما يقوض تعريفهم للصحابي.
ولم يتحدث القرءان أبدا عمن اتبع النبي في حياته بصفتهم أصحابه، فلم يرد أبدا قول مثل: "قل لأصحابك"، أو "يا أصحاب النبي"، رغم أن ثمة آيات عديدة لا تتحدث إلا عنهم حصرا وقصرا.
ولكن عبيد الباطل يعمدون دائما إلى انتزاع الآيات من سياقها وضرب الآيات ببعضها وتجاهل كل الآيات التي تقوض مزاعمهم، فهم مثلا يأخذون بالآية {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا....} [التوبة:40] لإثبات وجود مرتبة الصحبة وأن أبا بكر من الصحابة، ولذلك يجب العلم بما يلي:
1.      هؤلاء بالطبع يتجاهلون الآيات القرءانية الأخرى التي هي أكثر بكثير والتي تبين أن كلمة "صاحب" هي باقية على أصل معناها اللغوي، ومنها: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِين} [الأعراف:184]، {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّار} [يوسف:39]، {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً} [الكهف:37]، {... مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيد} [سبأ:46]، {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم:2]، {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَر} [القمر:29]، {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُوم} [القلم:48]، {يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيه[المعارج:11] وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيه} [المعارج:12]، {وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُون}[التكوير:22]، {وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون}[البقرة:39]، {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون}[البقرة:82]، {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيم}[البقرة:119]، {وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُون}[الأعراف:48]، {أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وِأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُون}[التوبة:70]، {وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ لَظَالِمِين}[الحجر:78]، {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ الْمُرْسَلِين}[الحجر:80]، {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا}[الكهف:9]، {قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى}[طه:135]، {وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا}[الفرقان:38]، {فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُون}[الشعراء:61]، {فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِّلْعَالَمِين}[العنكبوت:15]، {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِير} [فاطر:6]، {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُون}[يس:13]، {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَة}[الواقعة:8]، {وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَة}[الواقعة:9]، {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِين}[الواقعة:27]، {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَال}[الواقعة:41]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُور}[الممتحنة:13] {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِين}[القلم:17] {قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُود}[البروج:4]، {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيل}[الفيل:1]، فمن الواضح تماما أن كل هذه الآيات بل كل الآيات التي ورد فيها كلمة "صاحب" تستعمله بمعناه اللغوي المعلوم وأنه لا يوجد أي مبرر لأي استثناء.
2.      لا يوجد في هذه الآية ولا في القرءان كله ما يبين أن "الصاحب" هنا كان أبا بكر، ورغم أنَّنا نقول بأنه هو، إلا إنه لا يجوز الاحتكام إلا إلى نصٍّ قرءاني قطعي الدلالة في الأمور الدينية الكبرى ومنه أمر المصطلحات.
3.      رغم أن نفس اللفظ قد يُستعمل بمعنى لغوي وبمعنى اصطلاحي في القرءان إلا أنه يجب إثبات ذلك دائما ببرهان مبين وبتقديم أدلة قطعية بحيث يكون واضحا أن المقصود هو المعنى الاصطلاحي وليس المعنى اللغوي، وهذا ما ليس بمتوفر هنا.
ولقد نصَّ القرءان بطريقة قطعية الدلالة على أن أكثر قوم النبي لم يؤمنوا، وأن من آمنوا لم يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ، قال تعالى:
{وَالْقرءان الْحَكِيمِ{2} إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ{3} عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ{4} تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ{5} لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ{6} لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ{7}}يس7، {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (104) وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105) وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106))} يوسف، {بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} فصلت4.
ومن المعلوم أيضا أن الأعراب أسلموا ولم يؤمنوا، قال تعالى:
{قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيم} [الحجرات:14]
وأنه كان منهم ومن أهل المدينة منافقون ومن مردوا على النفاق، قال تعالى:
{وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيم} [التوبة:101]
فهذه الآيات تتحدث بالتحديد وحصرا وقصرا عن قوم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه وسَلَّمَ، وتقرر أنه قَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ، وتنص على أن الأعراب أسلموا ولما يؤمنوا وتقرر أنه كان منهم منافقون لا يعلمهم إلا الله تعالى، وهؤلاء الأعراب كانوا أكثر أهل القرن الأول.
وهذه الآيات لا تتضمن أحكاماً شرعية، فلا يمكن للمغضوب عليهم والضالين وعبيد نعال السلف أن يقولوا بنسخها كما تعودوا أن يفعلوا بكل ما لا يوافق أهواءهم من الآيات القرءانية، بل هي تتضمن أنباءا وأخبارا، والقول بنسخها يتضمن لا محالة تكذيبها والكفر بها، والآيات تقول بكل وضوح أن من آمن حقاً هم فئة قليلة، أما السابقون فهم كما قال القرءان مجرد ثلة من هذه القلة، وكذلك أصحاب اليمين، ولقد نص القرءان علي أن الأعراب لم يؤمنوا وإنما أسلموا بمعنى أنهم أذعنوا وانقادوا إذ لا دين بلا إيمان، {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } الحجرات14.
وكل ذلك يجعل من التعريف المشهور للصحابة الذي أحدثه بعضهم في القرن الثالث الهجري فصاعدا تكذيباً بآيات الله وكفرا ينبغي أن يتوب المسلمون منه وأن يثوبوا إلى رشدهم.
أما المخلفون من الأعراب ومعتنقو مذاهبهم فيقولون إنهم كلهم صحابة عدول لأن الله تعالى عدَّلهم، فهم أصلا يفترون على الله تعالى الكذب ولا يعبئون بالقرءان ولا بآياته خاصة تلك التي تقوض مزاعمهم، وسيحاولون عبثا صرف الآيات المحكمة عن معانيها وتحريف الكلم عن مواضعه، وسيقولون إن التعريف يتحدث عمن مات على الإيمان دون أن يبينوا للناس كيف يمكن التحقق من ذلك، وسيقولون: نعم إن الرسول لم يكن يعلم المنافقين ومن مردوا على النفاق كما يقول القرءان، ولكن البخاري الذي جاء بعدهم بأكثر من مائتي سنة كان يعلمهم هو ويحيى بن معين وعلي بن المديني وبضعة أشخاص آخرون لا يدري أحد من عينهم أربابا مطلعين على ما تخفي الصدور!!!!!!!!!!!! أو يقولون لك: ائتنا بآية قرءانية تقول بأن البخاري لم يكن يعلم أسماء المنافقين!! أو يقولون: نعم إن الرسول لم يكن يعلم المنافقين ومن مردوا على النفاق كما يقول القرءان، ولكنه مع ذلك كان يعلمهم كما تقول المرويات!!! ما المشكلة؟ أتنكر السنة؟؟!!
فالصحبة لها معناها المعلوم؛ فهي مجرد التقاء في الزمان والمكان، فمن مشي مع أحد الناس إلى مكانٍ ما يقال إنه قد صحبه إليه، ومن تصادف وسافر مع من لم يكن يعرفه إلى مكان آخر يقال إنه صحبه إليه، والصحبة أو الالتقاء في الزمان والمكان لا تعني بالضرورة أبداً تطابقاً بين المتصاحبين، وهي لا تعنى ولا تقتضي أي تشابه أو اتفاق أو اشتراك في الصفات فيما بينهم.
وتعريف "الصحابي" المختلق يتضمن كفرا بآيات القرءان ومقاصد الإسلام، فلقد جعل الله تعالى مناط التفاضل هو التقوى والعمل الصالح وليس صحبة أحد الصالحين أو رؤيته أو حتى الالتصاق به، ولقد قال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} التحريم10، وقال موجهاً الحديث للسيدتين عائشة وحفصة: {إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ }التحريم4، ولقد قال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ لابنته التي هي من صلبه: "اعملي فإني لا أغني عنك من الله شيئاً"، وهو لم يحتفظ بمن أسلم من أعمامه وأبنائهم بجانبه بحجة أنهم يكفيهم رؤيته بل جعلهم دائما في الصف الأول أمام الأخطار، وقد استشهد ثلاثة من أصل أربعة من السابقين إلى الإسلام منهم.
فالانتفاع برؤية وصحبة أحد الصالحين هي تفاعل بين طرفين، ولابد من وجود رغبة في الاستفادة والانتفاع لدى الرائي، ولو كانت رؤية أحد الصالحين كافية بذاتها لانتفعت بها امرأة نوح عليه السلام الذي عمِّر مئات السنين وكان من أولي العزم من الرسل أو لانتفعت به امرأة لوط التي هلكت مع قومها.
ويجب العلم أولا بأن كل ما يتعلق بمصطلح "الصحابي" مستند إلى آثار ومرويات هي بذاتها تفترض صحة هذا المصطلح وما ترتب عليه وما حملوه إياه من معان لكي يكون لها أدنى مصداقية، وهذا هو الاستدلال الدائري أو الدور الباطل وهو خلف.
والدور هو توقف الشيء على ما يتوقف عليه كما يتوقف أ على ب وبالعكس، فالدور في علم المنطق أن يعتمد الأمر على أمر يعتمد هو عليه من الجهة نفسها، فهذا الكلام يخالف القواعد المنطقية، فالقول بصحة المروية يستلزم القول بصحة تعريف الصحابي ومصاديقه وما يترتب عليه، ولكن صحة هذه الأمور لا تثبت إلا عن طريق المرويات!! ولا خروج من هذه الحلقة المفرغة إلا بالرجوع إلى ما كان يجب أولا الأخذ به وهو القرءان الكريم، وكل مسلم هو ملزم بالإيمان بالقرءان الكريم والتسليم بمصداقيته وحقانيته وصدقه المطلق، وإلى هذا المسلم المؤمن نوجه خطابنا.
إن اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا زوجتين لرسولين كريمين، والزواج هو أعلى درجات الصحبة وأشدها خصوصية وحميمية، فالزوجة بنص القرءان هي صاحبة الرجل وأشد الناس التصاقا به، ومن المعلوم أن الرسل الأنبياء هم أفضل البشر، ومع ذلك لم تنتفعا بهذه الصحبة، ولم يعصمهما ذلك من الخيانة والكفر، كما أن شدة قرب زوجتين من زوجات الرسول إليه لم تكسبهما أية عصمة من الذنوب بل من اقتراف الخطأ الجسيم في حقه هو، فكيف يكتسب العدالة والضبط -وهما من العصمة- أحد الأعراب لمجرد أنه قد قيل إنه رأى الرسول؟ وكيف يتم اعتبار الكلام المنسوب إلى هذا الأعرابي من السنة القاضية على كتاب الله والحاكمة عليه؟
فشدة قرب أحد الناس من نبي من الأنبياء لا تعصم الإنسان من الذنوب والشطط، بل لا تعصمه من الكفر، فكيف يأتي أحدهم بعد حوالي مائتي سنة ويجعل من قول منسوب لأحد رجال القرن الأول نصاً دينياً ملزما وقاضياً على آيات القرءان لمجرد أنه قيل إنه رأى الرسول ولو للحظة وعن طريق مروية أيضا؟
ولم يعط القرءان لأحد مزية معينة لوجود صلةٍ ما له بأحد الصالحين وإنما نص على مضاعفة التبعات والمسئولية عليه، من البديهي ألا يكون في دين الحق محسوبيات أو أي شيء مضاد لقواعد العدالة المطلقة!! وهذا ما تقتضيه الفطرة الإنسانية السليمة وهذا ما ارتقى الإنسان إلى إدراكه باطراد التقدم.
ولم يرد في القرءان ما يدل على اكتساب الإنسان أية عصمة من الذنوب لمجرد وجود صلةٍ ما له بأحد الصالحين، ولقد حذَّر القرءان نساء النبي وقد كن أشد الناس التصاقاً به من اقتراف الذنوب وجعل ذلك قرءاناً يتلى، قال تعالى:
{يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً{30} وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً{31} يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً{32} وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً{33} وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً{34} }الأحزاب، {إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ{4} التحريم.
إنه لا وجود لمصطلح الصحابة في القرءان، فالكلمة بذلك باقية على أصل معناها اللغوي، فهي ليست مصطلحاً دينيا، بل هو مصطلح محدث تم تحميله بكثير من الأباطيل، وما بني على باطل فهو باطل، ومن أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو ردّ كما قال الرسول الأعظم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه وسَلَّمَ.
فلفظ "صحابة" لم يرد في القرءان الكريم أبدا، ولم يرد فيه بالطبع أي ثناء مطلق عليهم، أما قولهم الشهير "إن الله أثنى على الصحابة أو عدَّل الصحابة في كتابه" فهو محض كذب وتقول وافتراء على الله تعالى، يرددونه بلا كلل ولا ملل لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ،
فالله سبحانه لم يمتدح إلا الصفات والأفعال الحسنة للناس، كما ندد بالصفات والأفعال السيئة، والقرءان حافل بالآيات الي تندد بكبائر الإثم التي اقترفها بعض من ينطبق عليهم تعريفهم المختلق للـ"الصحابة".
=======
مهام الرسول طبقا للقرءان
يملأ أكثر المجتهدين الجدد ودراويشهم والمسمون بالقرءانبين الدنيا صراخا بأنه لم تكن للرسول إلا مهمة واحدة هي تبليغ الرسالة، والحق هو أنه كان للرسول مهام عديدة مذكورة في القرءان، وها هي مهامُّ الرسول من القرءان بإيجاز حتى يعرف الحق من جهله ويرعوي عن الغيّ من لهج به:
1.                  الدعوةُ إلى الله.
2.                  التبشير.
3.                  الإنذار.
4.                  التبليغ.
5.                  تبيين آيات القرءان.
6.                  تلاوةُ القرءان عليهم.
7.                  تزكيةُ أنفسهم.
8.                  تعليمُهم الكتاب والحكمة.
9.                  تعليمهم ما لم يكونوا يعلمون.
10.              ولايةُ كافة أمورهم.
11.              الحكم (القضاء) بينهم.
12.              أخذُ الصدقات منهم وتوزيعُها عليهم.
13.              الصلاة عليهم.
14.              تشريعُ بعض الأمور بإذن ربه مثل جعل الحج مرة واحدة في العمر.
15.              سن بعض الأذكار والأدعية مثلما هو الحال في الصلاة.
16.              الشهادةُ على أمته.
17.              الشهادةُ على شهداء الأمم
ويجب على الناس أن يعلموا أن القرءانَ يستعملُ أساليب الحصر أحياناً للتأكيد أو للتركيز على المهمة التي يقتضيها السياق أو للتسرية عن الرسول، ومن الواضح أنه لم يكن من مهامه أن يتخذ منهم صديقا أو خليلا، أما الصحبة فهي مجرد التقاء في الزمان والمكان ولا يجوز الزعم بأنها تكافئ معنى صديق أو خليل أو حميم، والنص على أنه شهيد عليهم ينفي كل علاقات تتنافى مع هذه المهمة أو الوظيفة.
فمهام الرسول الأعظم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ منصوص عليها في القرءان الكريم، ومن الآيات التي تذكر تلك المهام:
{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ }البقرة119، {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ }البقرة151، {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَـنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ }الرعد30، {رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً }الإسراء54، {وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً}الإسراء105، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}الأنبياء107، مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً{40} الأحزاب، يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً{45} وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً{46} وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً{47}، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }سبأ28، {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ }فاطر24، {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ}الشورى48، {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }النحل44، {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }النحل64، {الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ }إبراهيم1، {وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكُواْ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ }الأنعام107، {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ }الرعد7، {إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ }الزمر41، {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَولِيَاء اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ}الشورى6، {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقرءان مَن يَخَافُ وَعِيدِ }ق45.
وهكذا فقد كان الرسول شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وبَشِيراً يَتْلُو عَلَيْهمْ آيَاتِ الله تعالى وَيُزَكِّيهمْ وَيُعَلِّمُهمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُهم مَّا لَمْ يكُونُواْ يعْلَمُونَ، وكان من مهامه أن يبيِّن الذكر بالذكر وأن يبين للناس (ولأهل الكتاب) بالكتاب العزيز ما اختلفوا فيه وأن يُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، ونفى الله تعالى عنه أن يكون عليهم جبارا أو حفيظا أو مصيطرا أو وكيلا، وأبى عليه أن يكرههم على الإيمان أو أن يكون أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِهمْ، فهو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، لم يُرسَل ليتخذ منهم خلانا أو أصدقاء أو أصحابا، وكيف يفعل ومن مهامه العظمى أن يكون شهيدا وشاهدا عليهم، وإذا كان يبشرهم أحياناً فقد كان ينذرهم أيضاً في أحيان أخرى، والقول بأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ شهيد عليهم يقوِّض كل الأساطير التي حيكت حول مصطلح الصحبة الذي أحدثوه في الدين وضمنوه ما يُعدّ تكذيبا بالكثير من آيات القرءان الكريم.
أما الرسول فمهامه محددة ومبينة في القرءان، ولا يجوز لأحد أن يفترض له مهاماً أخرى من عنده، فهو الشاهد والمبشر والنذير، وهو الشهيد على أمته، وقد أُرسل فيهم ليتلو عليهم آيات الكتاب ويعلمهم ويزكيهم ويخرجهم من الظلمات إلى النور وليكون ولي أمورهم، وهذه مهام خطيرة وجادة، وحسن القيام بها يتنافى مع اتخاذ بعضهم خلانا، هل يتخذ الأستاذ من تلامذته خلانا؟ وبالأحرى، هل يتخذ النبي والمعلم والمزكي من تلامذته المنوط به تقويمهم والشهادة عليهم خلانا؟ وكيف سيؤدي الشهادة بحياد عنهم أمام ربه وخالقه؟ ولذلك أعلن الرسول بكل قوة ووضوح أنه لم يتخذ أحداً خليلا، وقال الله تعالى: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} الأحزاب40.
ولقد نص القرءان أيضا على وجود منافقين عديدين غير معروفين بين رجال أهل القرن الأول، قال تعالى:
{وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} التوبة101
فهذه الآية تصفع أقفية عبيد نعال السلف الذين يقدسون الآن من كانوا منافقين غير معلومين بالقول بأنهم صحابة، ويتطاولون على الرسول بنسبتهم إليه!!!
وليس لدي من استحدث تعريف الصحابة قائمة بأسمائهم، ومن عجيب أمر هذه الأمة أن يقرر أحد الرجال ويحدث في الدين تعريفا من عنده فتسير الأمة وراءه كالقطيع ولا يراجعه فيه أحد، ولقد دعا الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الناس إلى الإيمان فآمن البعض وكفر البعض وأظهر البعض الإيمان نفاقا، فليس ثمة بشر اكتسبوا أية مرتبة دينية لمجرد أنهم رأوا الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وآمنوا به وصحبوه ولو لساعة من النهار، ويجب العلم بأنه لا بد للتزكية من استعداد لدي الإنسان للاستجابة لتأثير المزكي وإلا فانه لن يزداد من ربه بلقائه إلا بعدا، ولهذا يضل بالقرءان من ليس له قلب أو لم يلق السمع أو كان من الظالمين بل هو في آذان من لم يؤمنوا وقر وهو عليهم عمى، بل هو لا يزيد الظالمين إلا خسارا، ولقد كانت زوجة نوح تصاحبه آناء الليل وأطراف النهار وكذلك كانت زوجة لوط مع زوجها، فلم تنتفع أيهما بشيء من تلك الصحبة، قال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ{10}}، التحريم.
سيقول السفهاء من الناس إن المنافقين ليسوا من "الصحابة"، والحق هو أنهم من الصحابة وفقا للمعنى الأصلي للكلمة وهو الملازمة والعشرة، أما إذا كانوا يقصدون أنهم ليسوا منهم طبقا لاصطلاحهم هم، فعليهم أن يأتوا للناس بقوائم بأسمائهم ولم ولن يفعلوا، فأكثر المنافقين لم يكن يعلمهم أحد من البشر، قال تعالى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} التوبة101
فهذه الآية تصفع أقفية عبيد نعال السلف الذين يقدسون الآن من كانوا منافقين غير معلومين ويتطاولون على الرسول بنسبتهم إليه!!!
ولقد نصَّ القرءان على أن أكثر قوم الرسول قد حقَّ القول عليهم فلم يؤمنوا رغم حرصه الشديد على هدايتهم.
والسؤال الذي يقوض باطل عبيد "الصحابة": "إن سورة التوبة وهي من أواخر السور نزولا تنص على وجود حزب هائل وقوي وعديد وعتيد من المنافقين استدعى الأمر إنذارهم وتهديدهم في آيات كثيرة، ولكن لا وجود لأي ذكر لهم من بعد انتقال الرسول، هل تبخر هؤلاء المنافقون فجأة أم تضاعفت أعدادهم؟" الجواب هو: "بل إن أعدادهم تضاعفت بطريقة أسية Exponential انفجارية Explosive، ذلك لأن الكثيرين من المرتدين المهزومين وأبناء الشعوب المقهورة الموتورين اضطروا إلى إظهار الإسلام وهم مصممون على الثأر منه بعدما رأوا العرب والأعراب يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم وينهبون أموالهم ويستوطنون بلادهم، ومن المستحيل بالطبع معرفة كل هؤلاء المنافقين، ولكن أثرهم ماثل في الفتن التي اندلعت بين المسلمين وما حدث من مذابح لطخت وجه التاريخ وصبغته بالدم وكذلك ماثل في تمزيق الأمة وتفريق الدين ووضع مئات الألوف من المرويات!
ومن الآيات التي تقوض تماما تعريفهم لما أسموه بالصحابي:
{إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ }آل عمران155، {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }التوبة106، {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} التوبة101.
هل يجرؤ أحد سدنة المذهب اللاسني على أن يذكر الآن اسم واحد ممن استزلهم الشيطان ففروا؟ هذا رغم أن أسماءهم مسجلة في كتب التاريخ الأصلية، وهل اختفي المنافقون الذين لم يكن الرسول يعلمهم من بعد انتقاله أم تضاعفت أعدادهم؟
وقال تعالى: {إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} التحريم4، {يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً} الأحزاب30، ألا يعني هذا الأمر أنهن كن غير معصومات؟ إن زوجات الرجل هن أشد الناس صحبة له، فهل اكتسبت نساء النبي أية عصمة بسبب هذه الصحبة؟
إن الله تعالى قد ذكر في القرءان بعض الآثام التي اقرفها أهل القرن الأول في آيات عديدة، وقال ذلك في معرض تحذير للمؤمنين وتأنيب وإنذار من اقترفوها، قال تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} آل عمران155، فالذين تَوَلَّوْاْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ والذين اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ هم من المخاطبين وليسوا من الفرس أو الروم، فهم (الصحابة) وليس غيرهم.
وقال: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ }التوبة25، فالذين ولوا مدبرين في أحد وحنين هم من (الصحابة)، وقال: {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ }النور11، فالَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ هم عُصْبَةٌ من المخاطبين، وهم (الصحابة) أنفسهم.....الخ، وهم الذين في أخريات العصر النبوي انفضوا إلى اللهو والتجارة وتركوه قائما يصلي: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }الجمعة11.
والأمثلة عديدة، فإذا كانوا قد اقترفوا كبائر إثمٍ كهذه في حياة النبي ووجوده بينهم معرضينه هو نفسه للخطر فما الذي يمنعهم من اقتراف مثلها بعد انتقاله، وإذا كانوا غير معصومين من اقتراف الآثام في حياته فهل اكتسبوا عصمة من بعد انتقاله؟ وما هو النص الذي يفيد ذلك؟ والحق هو أن من يحاول أن يكذِّب بالقرءان في سبيل صورة افتعلها له السلف الطالح هو الذي يجب أن يبكي على نفسه بدلا من أن يتطاول على غيره فيستحق عذاباً فوق العذاب.
وقال تعالى: {أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} المجادلة13
والمشكلة هي في زعم عبيد نعال السلف من أجل السلف أن هذه الآية تنسخ الآية السابقة لها والتي تأمرهم بتقديم صدقة بين يدي مناجاة الرسول، وكأن الله تعالى كان ملزما بالتراجع عن أوامره إذا لم تعجب (الصحابة)! وهي تقول:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيم} [المجادلة:12]
والآية 13 تتضمن تقريعا شديدا لهم، وهي لا تلغي الأمر بتقديم الصدقة وإنما تعتبر إشفاقهم من تقديم الصدقات معصية تستوجب التوبة، أما الأوامر التي خُتمت بها الآية فهي ملزمة للمسلمين كافة، وهي مع ذلك تؤكد لهم من جديد وجوب طاعة الله ورسوله، وهو ما لم يلتزموا به هاهنا.
وإليكم بعض الآيات التي تبين بعض الصفات الذميمة لمن يسميهم الناس بالصحابة أو تذكر بعض كبائر الإثم التي اقترفوها أو تبين أنه كان منهم المصلح ومنهم المسيء:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41) لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42)} التوبة
{وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102)} التوبة، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ }الممتحنة1، { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153) ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154) إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155)}آل عمران، {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19)}النور، {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }التوبة61، {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ }التوبة25، أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16) الحديد، {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }الجمعة11، الأنفال، {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) }[الأنفال]
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)} الحجرات.
{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15) قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16) يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17)} الحجرات.
{يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِير}[التوبة:74]، {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (93) يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (94) سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (96) الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98)} التوبة
{يس (1) وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7) إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9) وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (10)} يس، { وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (104)}يوسف، {بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ }فصلت4، {وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ (20) طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ (21)} محمد، {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38)} محمد
ومن الجدير بالذكر أن آية الأنفال الخاصة بالأسرى تندد بما فعله بعض (الصحابة) الذين تركوا القتال وانشغلوا بأخذ الأسرى من سادة قريش طمعاً في أخذ الفدية منهم، فالخطاب هو لمن فعل ذلك وليس للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، وهم الذين أرادوا عرض الدنيا وليس هو، ومع ذلك فإن عبيد السلف اختلقوا قصة مضحكة مبكية متهافتة لتبرئة أولئك (الصحابة) ولتحميل النبي مسئولية الخطأ ولجعل عمر بن الخطاب المصحح الرسمي له الذي لقوله السيادة على ما يسمونه بالـ(الوحي الثاني)، فالخطأ في حق الرسول أهون عندهم من الخطأ في حق (الصحابة)، والأخطر أنهم تطاولوا على رب العالمين وزعموا أنه كان يريد قتل الأسرى!!!! مع أنه قرر في آية محكمة أن حكم الأسير هو المنّ أو الفداء.
*******
مصطلح الصحابة مدحوض بالمنطق
بعد أن تبين أن مصطلح الصحبة هو مجرد اقتراح باطل متناقض مع القرءان، فهل هو صحيح منطقيا؟ إنه لم يبق لهم إلا المرويات لإثبات وجود هذا المصطلح ثم من بعد لإثبات أنه ينطبق على أشخاص بعينهم.
ومن يحتجون بالمرويات لإثبات وجود مصطلح (الصحابة) هم بذلك يظهرون جهلهم بأنه لا يجوز الاستناد إلى مروية لتعريف مصطلح ديني إذا كانت شروط صحة المروية مستندة إلى تعريف نفس المصطلح، فهذا هو المعروف بالدور المنطقي، وهو خلف من القول وباطل!! ولا يجوز الاستناد إليه لإثبات أي شيء!!!!! فالمروية مثلا لا تصح إلا بثبوت وجود المسمى "أبي هريرة"، وأنه ينطبق عليه تعريف الصحابي، ومنه أنه مات مؤمنا، وكل ذلك لا يثبت إلا بمرويات فضلا عن أنه يفترض العلم بالغيبيات!!!
والدور هو توقف الأول على الثاني، والثاني على الأول في الوجود، أو بعبارة أخرى: إن الدور هو أن يكون هناك أمران، كلّ واحد منهما علّة للآخر بواسطة أو دونها، فلا يمكن استناد كل واحد من الشيئين على صاحبه وذلك لأن العلَّة متقدمة على المعلول، فلو كان كلُّ واحد من الشيئين علّة لصاحبه أو لعلّة صاحبه، لزم تقدم الشيء على نفسه بمرتبة واحدة أو بمراتب، وهذا أمر مستحيل على المستوى البشري والكيانات الكبرى والأمور الواقعية التاريخية، ومن الدور أن يقولون إن المروية تكون صحيحة إذا انتهت سلسلة رواتها إلى صحابي، ولكن إثبات أن شخصا بعينه ينطبق عليه تعريفهم للصحابي يحتاج إلى مروية صحيحة.
وبعبارة أخرى لا يجوز الاستناد إلى الاستدلال الدائري Circular reasoning لإثبات أي شيء، فهذه مغالطة واضحة، فلا يحق لك أن تقول إن "س" صحيحة لأن "ص" صحيحة، و"ص" صحيحة لأن "س" صحيحة!
ولا يجوز الاستناد إلى ما يسمونه بشهادة "تابعي"، فهذا أمر أشد تهافتا من الدور المذكور، فتعريف التابعي يعتمد على تعريف الصحابي!
ولا يمكن إلزام المنطق والتاريخ بمصطلح وكل ما يترتب عليه بأثر رجعي، وقد كان الناس في العصر النبوي يطلقون تسمية الصحابي على المؤمن والمنافق، البر والفاجر، ومن ذلك الحديث المشهور "حتى لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه"، فهؤلاء "الأصحاب" قد فعلوا ما يستوجب القتل، فلا يجوز اعتبار ما يُنسب إلى من له هذه المرتبة مرجعا دينيا، والحديث الآخر في صحيح مسلم "في أصحابي اثنا عشر منافقاً"، وهذا يبين بطلان المصطلح المختلق للصحابة.
ومن المعلوم الآن أنه لا توجد أية أدلة تاريخية صلبة ولا أدلة خارجية تثبت وجود أكثر أهل القرن الأول، وقد ثبت أنه تمَّ تأليف بعض الشخصيات وحذف الأخرى أو تهميشها أو تضخيمها لأسباب سياسية قبلية.
أمثله:
لا يوجد أي دليل تاريخي صلب أو خارجي أو مستقل يثبت أن أبا هريرة وُجد أصلا.
شخصية ابن سبأ شخصية مختلقة، وهذا واضح تماما.
تم تهميش شخصيات مثل السيدة خديجة، الأرقم بن أبي الأرقم، خالد بن سعيد بن العاص الأموي، الأشتر، أبي ذر ... الخ
تم تضخيم شخصيات مثل: معاوية، عبد الله بن عمر، ابن عباس، أبي هريرة، أنس بن مالك، ... الخ
ولا يوجد أي دليل على أن الكتاب المنسوب إلى البخاري المتداول الآن –والذي يقولون إنه أصح كتاب بعد كتاب الله- هو الذي كتبه أصلا، هذا من قبل فتح كتاب البخاري والنظر فيما هو مدون فيه! فما هو الحال فيما دونه من الكتب في درجة التوثيق؟
فإذا كان من الممكن أن يتقبل الإنسان الكلام عنهم كأمور تاريخية باعتبار أن التاريخ هو علم إنساني ظني مليء بالافتراضات والتقديرات فلا يمكن القبول به على مستوى الدين العالمي الملزم للناس كافة، فإذا كان ثبوت وجود الملك البريطاني آرثر King Arthur من عدمه لن يغير من الأمر شيئا فإن ثبوت عدم وجود أحد رجال القرن الأول أو ثبوت زيف المعلومات عنه أو تحريفها قد يؤدي إلى نسف المذهب القائم على صورة موهومة عنه.
وإذا كان تعريف الصحابي يتضمن ضرورة أن يكون قد مات على الإيمان فإنه بذلك يصبح مصطلحا مستحيلا من الناحية المنطقية، وليس لدى المسلمين إلا الظن للقول بشيء كهذا، واتباع الظن هو من كبائر الإثم في دين الحق.
*******
المرويات ومصطلح الصحبة
كما سبق القول إن الاحتجاج بالمرويات لإثبات أي شيء خاص بمصطلح "الصحابة" هو مبني على استدلال دائري Circular reasoning، وهو مغالطة منطقية Logical fallacy فيها يبدأ المحتج بما يريد أن يثبته كمقدمة Premise أو مسلمة! ولا يمكن أن يُبنى دين على مغالطة منطقية فجة.
فالمغالطة تقول: الصحابي هو من روى مروية أو ثبت أنه ورد اسمه في مروية، ولكن لا معنى للمروية أصلا إذا لم تكن منسوبة إلى صحابي!!! فإن قالوا لقد ثبت وجود (الصحابي) بالتاريخ، فالتاريخ نفسه هو مجرد مرويات أقل مصداقية من المروية!!!
ومع ذلك يوجد في البخاري نصوص قطعية الدلالة على أن رجالا من (الصحابة) قد ارتدوا على أدبارهم القهقري بعد الرسول وأن الرسول نفسه سيُفاجأ بذلك يوم القيامة، فكيف قطع جامعو المرويات أنهم كلهم عدول وأن كل قول نُسب إليهم يعتبر نصا دينيا له الحكم والقضاء على القرءان الكريم؟ والمشكلة أنهم يعتبرون كل من قيل إنه روى عن الرسول صحابي، في حين أنه لقبول المروية يجب أن تكون قد رويت عن صحابي؟؟ أليس هذا هو الدور المنطقي الباطل؟؟؟!!!
ومن الأمور التي تقوض التعريف الذي أحدثه بعض الدجالين والمدلسين في القرن الهجري الثالث للصحابة وغلوهم في أمرهم هي أنه ورد في صحيح البخاري أن رهطا من (الصحابة) سيدخلون النار وأن الرسول نفسه سيفاجأ بذلك!!!!!!!!!!!! اقرأ في البخاري:
[ 6213 ] وقال أحمد بن شبيب بن سعيد الحبطي حدثنا أبي عن يونس عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي فيجلون عن الحوض فأقول يا رب أصحابي فيقول إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقري"
ماذا سيكون ردّ من يعبدون الصحابة والبخاري؟! لا مشكلة: "صدق البخاري، والصحابة كلهم عدول وهم السادة المقدسون، ومعنى أنهم ارتدوا على أدبارهم القهقري هو أنهم لم يرتدوا على أدبارهم القهقري، ولو كنت متخصصا لعرفت ذلك بنفسك"!! أو سيقولون إن "الصحابة الذين ارتدوا هم الذين حاربهم الصحابة الذين لم يرتدوا"!!!!!
ولكن المشكلة التي غفلوا عنها هي أن تعريف الصحابي لا ينطبق إلا على الصحابي الذي لم يرتد بل مات مؤمنا!!!!! فهم يقرون هاهنا بأن النبي نفسه لا يعرف تعريف الصحابي الذي أحدثوه هم من بعده، أو يلزمهم الإقرار بأنه ليس بمصطلح ديني!!!!!
إن في إلزام الأمة بالاصطلاح الذي أحدثوه للصحابي مخاطر عديدة أدت إلى كوارث هائلة، لذلك يجب العلم بأن هذا التعريف أصلا لم يأت به نص قطعي الورود والدلالة، وهو من محدثات الناس في الدين، وهو من الممكن أن ينطبق علي من قال الله فيهم: { وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ } وكذلك: { وآخَرِينَ مِنْ دُونَهُم لا تَعْلَمُونَهُم اللهُ يَعْلمُهُم } وإلا فليأتِ صاحب هذا التعريف وأتباعه للناس بقوائم بأسماء هؤلاء المنافقين حتى يمكن استبعادهم، ولا يجوز لأحد أن يدعي لمن هو دون رسول الله العلم بهم سواء من المعاصرين له أو ممن أتى من بعده، لذلك كان لابد لاعتماد رواية من يسمونه بالصحابي من وثيقة مكتوبة كما كان الحال بالنسبة  إلى القرءان وخاصة وأنهم اعتبروا المرويات الأصل الديني الثاني نظريا وقدموها على القرءان عمليا، فهذه المرويات تمثل الجانب الأكبر من مادة الدين.
أما المروية التي ورد فيها تحذير لخالد بن الوليد من التعرض لأصحاب الرسول من بعد أن تطاول على عبد الرحمن بن عوف وفحواها أنه لا سبيل لمن هم في طبقته من اللحاق بهم فهي تقوض تعريفهم للصحابي، وتبين أن المصطلح يعني من الناحية التاريخية على أقصى تقديرٍ ممكن من أسلموا قبل خالد؛ أي من حضروا فتح الحديبية، أما في التقدير المتحفظ فقد لا تعني إلا من هم في طبقة عبد الرحمن بن عوف من السابقين الأولين، ولو كان هذا المصطلح مصطلحا دينيا لبادر أحدهم بالسؤال عن المراد بالأصحاب؛ فقد كانوا أحرص الناس على الخير، ولكن الأمر كان معلوماً لديهم أنه ليس أمراً دينيا، وإنما هو متعلق بالأسبقية إلى الإسلام وطول الملازمة للرسول، ومن الواضح أن الرسول لم يستعمل هذا المصطلح إلا بمعناه اللغوي أو على سبيل العهد، ولذلك لم يستغرب أحدهم عندما رأى الرسول يستعمل نفس اللقب للإشارة إلى عبد الله بن أبي بن سلول الملقب بكبير المنافقين، أو للإشارة إلى من تآمروا عليه عند عودته من غزوة تبوك.
ويقول بعضهم:
(نعم يقال لكل من آمن بالرسول ورآه في حياته انه صحابي بدليل عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ َقَالَ: " وَدِدْتُ أَنِّي رَأَيْتُ إِخْوَانِي "، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَسْنَا بِإِخْوَانِكَ؟، قَالَ: " بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِنَّمَا إِخْوَانِي الَّذِينَ يَأْتُونَ مِنْ بَعْدِي").
وفي الحقيقة نحن نتمنى أن تكون المروية الصحيحة، بل هي بالفعل ترجع بالفعل إلى أصل صحيح، فإذا كان "الصحابة" قد تحولوا إلى أرباب مقدسين فما بالك بإخوان النبي، فنحن بنص هذه المروية أفضل بكثير جدا من الصحابة!!! ولذلك لا يجوز لأحد أن يطالبنا بتقديسهم واتخاذهم أربابا!! هل يجوز لك أن تطالب أخاك بعبادة صاحبك؟ وهل يجوز لك أن تقتله إن أبى أن يفعل؟!
وبالطبع كان الرسول يخاطبهم من حيث الواقع الماثل أمامه، ولكنه بالطبع لن يقدم عنهم إلا الشهادة الصادقة، وسيتبرأ من كل من بدَّل وانقلب على عقبيه منهم!
*******
ويقول عبيد "الصحابة" لتبرير ما هم فيه من شرك وضلال مبين إن مقام الصحابة قد تعالى علوا كبيرا، ذلك لأن الله تعالى هو الذي اختار هؤلاء (الصحابة) لصحبة الرسول، وبالتالي يجب -باختصار وبصراحة وبدون نفاقهم وتقيتهم- اتخاذهم أربابا مشرعين وجعلهم فوق كتاب الله والقيم والسنن والقوانين، فهل كلامهم صحيح؟ كلا للأسباب الآتية:
1.            قولهم أصلا لا وجود لأي دليل قرءاني عليه، ولا يمكن هاهنا الاحتجاج بالمرويات التي من شروط صحتها أن تكون منسوبة إلى صحابي! وهذا هو الاستدلال الدائري، وهو باطل ومغالطة.
2.            قولهم يعني أنه كان للناس كلهم وجود حقيقي قبل وجودهم فاختار الله تعالى بعضهم ليكونوا (صحابة) للرسول، وهذا قول خطأ وباطل، وهو يتضمن شركا لما فيه من زعم تعدد القدماء.
3.            قولهم هو الجبرية المحض، وهي خطأ محض.
4.            قولهم يتضمن معرفتهم بحقيقة الاختيار الإلهي، فهم يزعمون أن الله تعالى اختار للرسول أفضل الناس وأحسن الناس وأكمل الناس وأعلاهم في الدرجات، فكيف كانوا كذلك من قبل أن يوجدوا أصلا؟ إن كل ما زعموه مترتب على الوجود والتحقق الحقيقي والاختبارات والابتلاءات!
5.            قولهم يتضمن اتهاماً لله تعالى في حقانيته وعدله، فهم يزعمون أنه اختار للرسول مسبقا أفضل الناس وأحسن الناس ليكونوا صحابته، وهم بذلك أيضاً يقلبون الأمور رأسا على عقب!
6.            ومن أدراهم أن الله تعالى اختار للرسول (صحابة) من أفضل الناس؟ لماذا لا يكون قد اختار له أشد الناس شراسة ومن كانوا في ضلال مبين ابتلاءً له، ألم يذكر القرءان أنهم كانوا في ضلال مبين؟ ألم يذكر أن الرسول لو أنفق ما في الأرض جميعا ما ألف بين قلوبهم؟ ألم يقل الرسول ما معناه إنه كان أشد الناس تعرضاً للابتلاء وكانوا هم من آلات هذا الابتلاء؟ وقد ذكر القرءان العديد من كبائر الإثم التي اقترفوها.
7.            ولم يثبت تاريخيا أبدا أن كل من زعموا له مرتبة (الصحابة) كانوا الأفضل مطلقا، والقرءان حافل بالآيات التي تندد بأفعالهم في مواطن عديدة وخاصة أواخر السور نزولا!!!
8.            إن الله تعالى قد شاء أصلا أن يكون أهل القرن الأول شديدي التنوع ويمثلون الناس من كافة الأنواع وألا يكونوا معصومين لكي يتم بهم إظهار وتجسيد التشريع للناس على اختلاف أنواعهم، وهذا ما حدث بالفعل، وهذا ما ذكره القرءان بالفعل، فالقرءان يتحدث عن بشر طبيعيين؛ يطيعون ويعصون، يخطئون ويصيبون، يثبتون في المعارك ويفرون، منهم من يريد الدنيا ومنهم من يريد الآخرة ومنهم من يبتغي وجه ربه الأعلى، منهم من يبخل ومنهم من يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومنهم من يطعم الطعام على حبه مسكيناً ويتيما وأسيرا، منهم من يتصدق ومنهم من يلمز النبي في الصدقات، منهم من صدق من عاهد الله عليه ومنهم من انقلب على عقبيه،..........
أما من يسيء الأدب مع خاتم النبيين زاعما أنه بذلك غير واقع في الشرك فقد جمع إلى شركه الأصلي الذي هو مغمور فيه ما يوجب قطع الصلة بينه وبين خاتم النبيين، ولن يفلح بذلك أبدا، بل يُخشى عليه من سوء الخاتمة.
وأكثر من أساء إلى النبي المعاصرون له الذين يسميهم المضلون صحابته، وكان منهم –كما ذكر القرءان- من فروا من حوله في أشد لحظات القتال حرجا ومن قذفوا بالإفك أهل بيته ومن انفضوا عنه إلى اللهو والتجارة وتركوه قائما يصلي ومن تآمر على قتله وهموا بما لم ينالوا ومن أقسم ليتزوجن امرأته من بعده ومن رفعوا أصواتهم فوق صوته ومن آذى أهل بيته ومن حاول إبادتهم، ثم أساءوا إليه بما يسمونه بالسيرة التي اختلقوا أكثر ما فيها، ثم أساءوا إليه بمرويات كارثية لصد الناس عن رسالته.
وها هم الخلف الطالح يقدسون كل من أساء إلى النبي وكل مروية تسيء إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، ويطالبون بمعاقبة كل من حاول الدفاع عنه!

*******






هناك 3 تعليقات:

  1. استعراض لغوي فلسفي؛ لا طائل علمي مفيد إفادة علمية عملية، تُذكر من خلاله.
    وعليه: فلا مشاحة ولا ضير؛ إذ يتوجه الاحترام والإجلال والتوقير لـ(أناس) (صحبوا) هذا النبي صلى الله عليه وسلم.
    ثم؛ أكل هذه السطور لنفي (اللفظ والمصطلح).. أم لنفي (الصحبة).. أم لنفي حقيقة التعامل الواجب معهم؟!!!

    ردحذف
  2. (فمن الواضح أن مشتقات كلمة "صحب" لم تُستعمل قطّ خارج معناها اللغوي في القرءان...).
    بهذه الجملة؛ تنقض مقالك الطويل !!!

    ردحذف