الاثنين، 9 مارس 2015

التوبة من 97 إلى 103

التوبة من 97 إلى 103
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


{الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98) وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99) وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)} التوبة

تذكر هذه الآيات بعض مراتب أهل القرن الأول، وهم بالترتيب التنازلي من حيث الأفضلية:
1.     السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ
2.     الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ.
3.     مَن مِن الْأَعْرَابِ (سكان البادية) يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ.
4.     من اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ وخَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا.
5.     الأعراب المنافقون ومن مردوا على النفاق من أهل المدينة.
فالْأَعْرَابِ وهم سكان البادية، وهي بيئة شديدة القسوة، يكتسبون في صراعهم من أجل البقاء صفات وحشية، فيصبحون أشد قسوة وعدوانية ودموية وأغلظ قلوبا وأجفى طباعا، يأكل القوي منهم الضعيف، يقدسون القوة والغلظة والقسوة، ويحتقرون الرحمة واللين والرأفة، ويعتبرون ما لدى الآخرين غنيمة لهم عليهم أن يقاتلوا للاستيلاء عليها، وهم لكل ذلك لا يقبلون الرضوخ لسلطة مركزية، ولا يطيقون الاستقرار الحضاري.
فأكثر الأعراب لكل ذلك، وبحكم طبيعتهم أبعد بكثير عن روح الدين وفقهه، ولم يكن من المنتظر منهم أكثر من الإذعان للأمة المؤمنة دون التعويل على إيمان حقيقي على أمل أن يأتي من بعدهم جيل أكثر إيمانا.
ولكون الأعراب كذلك في مجملهم، فهم يعتبرون كل مال ينفقونه لصالح الأمة -التي من المفترض أنهم ينتمون إليها- مغرمة يؤدونها على سبيل النفاق والتقية، ويحاولون في الوقت نفسه التملص من أدائها، وهم يتربصون الدوائر بالأمة ويتمنون لها كل شر لا ليتخلصوا فقط من التزاماتهم كمسلمين، بل ليشاركوا في نهبها.
والآية 97 تُختم بالمثنى العليم الحكيم لبيان أن القول في الأعراب هو حكمة مستخلصة من تفاصيل حياتهم الظاهرة، وليست مجرد تقدير مسبق، وأن الأمة المؤمنة ملزمة بأن تأخذ ذلك في الاعتبار.
ويُلاحظ أن إعلان الرضا والتبشير بالجنة إنما هو للطائفة التي أعلن الله تعالى أنهم "السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ"، فالآية تتحدث عن الأوائل في الترتيب العام، ولو كان الأمر بالسبق الزمني فقط لنصت الآية على المهاجرين كلهم فقط ولما تضمنت من اتبعوهم بإحسان.
وبالطبع يمكن القول بأن من سبقوا إلى الإسلام من المهاجرين، ومن أسلموا من الأنصار قبل الهجرة هم أفضل إجمالا ممن أسلم من بعدهم ومن سائر أهل القرن الأول.
ويُلاحظ أن مجموعة الآيات التي تبين مراتب القرن الإسلامي الأول لم تجعلهم كلهم سواء، بل لقد بدأت بالتنديد بالأعراب وقدمت أسبابا حقانية فقالت إنهم أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ، ولم تعبأ الآيات بما سيقوله عبيد السلف من بعد، وهو أن مجرد رؤيتهم للنبي تجعلهم أفضل من كل من سيأتي بعدهم!
ويُلاحظ أن الآيات استثنت بعض الأعراب من هذا الحكم العام المذكور، وهؤلاء هم كل من يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ، فهؤلاء يتولى أمرهم المثنى الغفور الرحيم، وهذه بشرى معجلة لهم.
وبعد أن أثنت الآيات على من هم "السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ" انتقلت فورا إلى التنديد بمن حول المدينة من الأعراب المنافقين وببعض أهل المدينة الذيم مردوا على النفاق، وأعلنت أن الله وحده هو الذي يعلمهم لتقوض بذلك كل أباطيل عبيد السلف ومذهبيهم وتجتثها من جذورها.
والمنافقون والذين مردوا على النفاق من أخطر الفئات التي ابتلي بهم الإسلام والمسلمون، وكان منهم بعض الأعراب، ومنهم بعض أهل المدينة، فمِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ، ولقد نصت الآيات على أن الرسول لم يكن يعْلَمُهُمْ وأن الله هو الذي يعلَمُهُمْ، وتلك إشارة إلى حرصهم على إخفاء أمرهم، أما مصيرهم فهو أن الله سَيُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ، فالمرتان هما عذابهم بالعيش وسط المؤمنين ورؤية انتصار الإسلام، والعذاب الذي سيذوقونه بمجرد موتهم في البرزخ.
والنص على أن الرسول لم يكن يعلمهم هو حجة ساطعة تدمغ باطل من أحدثوا مصطلح الصحابة وجعلوه المصطلح الأقدس في الإسلام، وجعلوهم أربابا مشرعين في الدين يكون ما يُنسب إليهم بمثابة نصوص دينية، ولا يمكن بأي حالٍ من الأحوال أن يستطيع البخاري وشركاؤه الإحاطة بأحوال أناس عاشوا قبلهم يأكثر من مائتي عام بينما لم يكن الرسول نفسه يعلمهم!
أما الآية التي تأمر الرسول بأخذ الصدقة من الناس فقد أعلنت المقصد منها، وهي أنه يُطَهِّرُهُمْ وَيُزَكِّيهِمْ بِهَا، والله تعالى يأمر الرسول بأن يصلي عليهم، أي بأن يقيم صلات معهم تصل إليهم منها الرحمة ويخرجون بها من الظلمات إلى النور، ومن ذلك الدعاء لهم وتزكيتهم والقيام بكل المهام المنوطة به تجاههم، وأعلنت الآية أن هذه الصلاة هي سَكَنٌ لَهُمْ؛ فهي تملأ قلوبهم بالسكينة والأمن والطمأنينة.
والآيات بكل ذلك تبين أيضا أن القرن الأول لم يكونوا أربابا معصومين بل كانوا في أمسّ الحاجة لمن يخرجهم من الظلمات إلى النور بإذن ربهم ولمن يعلمهم ويزكيهم.
 
*******


هناك تعليقان (2):