الاثنين، 25 أغسطس 2014

الجهاد في سبيل الله ، الجزء 1

الركن السابع عشر
الجهاد في سبيل الله
الجزء 1

إن الجهاد هو ركن من أركان الدين الملزمة لكل الكيانات الإنسانية من الفرد إلى الأمة، وهو يتضمن جميع الأعمال والإجراءات والتدابير التي يجب اتخاذها من قبل الكيان المسلم ضد كل ما يعوق سعيه للقيام بأركان الإسلام ودعم وتوطيد وترسيخ قيمه ومثله وسننه وتحقيق أهدافه ومقاصده، وأخطر ما يعوق هذا السعي هو نفس الكيان.
فالجهاد يعني أن يبذل الكيان الإنساني غاية الجهد لتحقيق مقصد كلي أو فرعي من مقاصد الدين أو للقيام بركن من أركان الدين أو لدعم وترسيخ قيمه وسننه وذلك في وجود ما يمكن أن يحول بينه وبين ذلك من الكيانات المادية أو المعنوية أو اللطيفة أو الكثيفة بما في ذلك الكيان نفسه أو مكوناته أو صفاته، فالجهاد يتضمن كل الأعمال المشروعة التي يمكن أن يقوم بها الكيان المؤمن لتحقيق مقاصد الدين على كافة المستويات، فهو يتضمن بذلك مغالبة الكيان المسلم لأي كيان -بما في ذلك نفس الكيان- يحاول أن يحول بينه وبين تحقيق مقاصد الدين والقيامِ بأركانه وتحقيق قيمه، لذلك فعندما يكون الكيان فردا فإنه يكون ملزماً بجهاد نفسه، وجهاد النفس يعني مغالبة مقتضيات نقصها من الأحاسيس والأهواء والدوافع والرغبات والعادات التي تحول بين الإنسان وبين تزكية كيانه، فهو يتضمن جهاداً ضد الصفات المترتبة علي نقص نفسه اللازم لها والذي يجتذب إليها إيحاءات وإلقاءات ووساوس شياطين الإنس والجن.
ومن الأركان الفرعية للجهاد: جهادُ النفس، التصدي للظلم والبغي والكفر والنفاق والشرك والفساد والإفسـاد في الأرض، وكذلك مقاومة الجهل والتخلف والاستبداد والطغيان والفسوق، وجهاد الكفار والمنافقين يعني بذل غاية الجهد للتغلب عليهم ودحضِ حججهم ودمغِ باطلهم ولكنه لا يتحول إلى قتال إلا دفعاً لعدوان صريح منهم أو درءاً لفتنة، فالجهاد يتضمن كل سعي وعمل إيجابي ضد كل ما يحول بين الكيان المجاهد وبين مقصد ديني يسعى إلى تحقيقه.
------------
إن الجهاد في سبيل الله تعالي يتضمن كل ما يجب القيام به لمواجهة ومغالبة كل ما يعوق تحقيق مقاصد الدين من الكيانات المعنوية والمادية ومنها كيان الإنسان نفسه، فعلي الإنسان أن يجاهد نفسه بمغالبة مقتضيات نقصه، فكل إنسان ملزم باستخدام كل موارده وإمكاناته المادية والمعنوية لتحقيق المقاصد الدينية.
فمن مقاصد الدين العظمى إعداد الإنسان الرباني الفائق وإعداد الأمة الخيرة الصالحة والتعايش السلمي المثمر مع الآخرين، فكل عمل أو جهد لتحقيق ذلك هو أمر ديني لازم، وكل عمل أو جهد لمغالبة من يحول دون تحقيق ذلك هو من الجهاد.
وعلى سبيل المثال فذكر الله تعالى هو من أركان الدين، والتحقق به هو من مقاصد الدين التي هي من لوازم إعداد وبناء الإنسان الرباني الفائق الصالح المفلح، وبالطبع هناك الكثير من الكيانات والعوامل التي ستعمل على منع تحقيق كل ذلك وعلى رأسها نفس الإنسان والشيطان، فكل عمل للتغلب على هؤلاء هو من الجهاد.
والجهاد يستلزم التصديَ بقدر الاستطاعة للظلم والبغي والجور والطغيان والإفساد في الأرض واضطهاد الناس في دينهم، فعلى الفرد أو الجماعة مثلا التصدي للبغي الصادر من فرد أو جماعة، أما البغي الصادر من كيانات أكبر فهو مسؤولية الأمة، وعلي كل فرد ألا يسمح بظلم أو إفساد في النطاق القريب منه، ومفهوم الإفساد يتسع وفقاً لمقتضيات التطور؛ فهو يشمل الآن مثلا كل عدوان علي الممتلكات أو الأموال العامة وكل تخريب أو تلويث للبيئة وكذلك يشمل استعمال الوسائل الحديثة لإشاعة الفواحش والترويج لها وكل ما يؤدي إلى إهدار حقوق أو كرامة الإنسان، ومن صور الإفساد الحديثة ما يسمى بالإرهاب؛ فهو يؤدي إلى ترويع الأبرياء وتدمير الممتلكات ولا يجلب إلا الشر، ومن كبائر الإثم المضادة لهذا الركن الاستسلام للظلمة والركون إليهم وموالاتهم، فلابد على الأقل من الإنكار القلبي لأفعالهم، ولابد من لعنهم طالما كانوا ظالمين مثلما لعنهم الله تعالي في كتابه العزيز، ولابد من العمل للقضاء علي كل ما يسمح بوجودهم واستنباتهم، ومن الجهاد التصدي للمتهجمين علي الله وكتابه ورسوله وتفنيد أقوالهم وكشف مدى زيفها وضلالها، ومن الجهاد التصدي كذلك للمذاهب الضالة التي فرَّقت الدين وأحدثت وتبنَّت وأشاعت تصورات خاطئة عن رب العالمين وتقولت عليه ولم تعرف قدر كتابه ورسوله، والجهاد قد يستلزم القتال في سبيل الله تعالى عند توفر شروطه الشرعية اللازمة وذلك في ظل وجود الأمة الخيرة الفائقة.
ومن كبائر الإثم المضادة لركن الجهاد: التقاعس والتراخي والرضا بالدنية والإخلاد إلى الأرض والتخلف عن القتال عندما تتوفر شروطه الشرعية التي توجبه وكذلك الفرار من ميدان القتال.
ومن لوازم وتفاصيل هذا الركن الجهاد بالمال أي الإنفاق في سبيل الله أي لتكون كلمته هي العليا؛ وذلك بتمويل الجهاد ضد أعداء الله والأمة، ولقد سُمِّي هذا النوع بإقراض الله قرضاً حسناً وكفى بذلك شرفا.
والجهاد بالنفس يتضمن بالضرورة الجهاد بكل ما هو للنفس من قوى وموارد وإمكانات، ومن تلك الإمكانات الوقت، فالمطلوب من الكيان المسلم أن يكرس كل ما يستطيع من وقت لتحقيق مقاصد الدين، والمطلوب منه أيضاً أن يعمل كل ملكاته الذهنية ما استطاع إلى ذلك سبيلا لنصرة الحق، والملكات الذهنية هي الآن أسمى الموارد والإمكانات فعلى كل إنسان أن يستعملها لنصرة الحق ودحض الباطل.
-------
إن الجهاد هو كل ما يجب القيام به لمواجهة ومغالبة كل ما يعوق تحقيق مقاصد الدين العظمى من الكيانات المعنوية والمادية ومنها كيان الإنسان نفسه، وهذا يلزم الإنسان بالتصدي أولاً لمظاهر نقصه هو  ثم التصدي للجهل والخرافات وعبادة الأسلاف والصيغ والمذاهب المحنطة والأساليب المزيفة لتلقي المعارف، وقد يستلزم الأمر مواجهة أهل الكهنوت والجهلوت والتصدي للإفساد في الأرض، وكذلك من الجهاد التصدي للحملات ضد الإسلام في الداخل والخارج ودحض الشبهات التي يعمل على نشرها أعداؤه، فللجهاد صوره العديدة التي تتنوع وتتطور بمضي الزمن.
إن من الجهاد اللازم الآن الدفاع عن دين الحق ضد ما يتعرض له الآن من حملات التشويه، والدفاع عن كتاب الله تعالى ضد محاولات تهميشه وإلغاء أحكام آياته ومنع الناس من النظر فيه وتدبره، والدفاع عن رسول الله ضد المفتريات التي دسَّها الأسلاف في التراث ويدافع عنها بشراسة عبيدهم ويستغلها الآن أعداء الدين ضد الدين، وكذلك التصدي للمذاهب والشيع التي مزقت الأمة وفرقت الدين، وكذلك التصدي لما تحفل به الكتب التراثية من الأساطير والخرافات والخزعبلات والأكاذيب والافتراءات التي تحاول النيل من قدر الله وكتابه ورسوله.
------------
إن الجهاد هو من الأركان الدينية الملزمة لكل الكيانات الإسلامية بدءاً من الفرد وانتهاءً بالأمة، فكل كيان ملزم به بقدر وسعه.
والجهاد هو من أركان الدين غير المحدودة؛ فهو قابل للاتساع والتطور باطِّراد التقدم، ومن صور الجهاد اللازمة الآن الجهاد ضد ما استجد من وسائل الإفساد في الأرض، وما يسمى بالإرهاب هو من وسائل الإفساد في الأرض، فهو يؤدي إلى ترويع الأبرياء وتدمير الممتلكات ولا يجلب إلا الشر، وهو يعطي المجال لأعداء الإسلام لتشويه صورته وشن الحملات الإعلامية الظالمة ضده، فما يسمى بالإرهاب هو من وسائل صد الناس عن سبيل الله تعالى، بل هو الآن من أكثرها فعالية.
ومن وسائل الإفساد التي يجب الجهاد ضدها: كل سعي لتقويض القيم والأخلاق ونشر الفواحش والتطاول على الناس بالباطل والتمادي في تكفير الخصوم التكفير المخرج من الملة وكذلك تأليه سدنة المذاهب والسلف والقائمين على الأمور أو كل ذي سلطة وشغل الناس بالباطل وتبديد المال والوقت فيما لا جدوى منه. 
------------
والجهاد هو نشاط طبيعي وليس بأمر استثنائي، وعلي الإنسان أن يوطن نفسه عليه في حياته الدنيا، فالدنيا دار فتنة وابتلاء وتمحيص، ولا يغني عن أعمال الجهاد الحقيقية أعمال مثل خدمة المساجد أو ممارسة الأعمال الطقوسية والشكلية أو ارتداء ما يسمونه بالملابس الشرعية، والذي سينتفع بالجهاد هو الإنسان نفسه؛ فهو لن يبلغ بجهاده نفع ربه، والإنسان مطالب بالتمسك بحسن الخلق والحلم والعفو والصفح والبر عند تعامله مع الآخرين إلا إذا حاول هؤلاء فتنته أو فتنة جزء من الأمة في الدين أو بادروا بالعدوان عليهم، فعندها لابد من التصدي الحاسم لهم وقتالهم إذا لزم الأمر.
والقتال المشروع هو من الصور الممكنة للجهاد، ولكي يكون مشروعا ينبغي أن يكون في سبيل الله أي خضوعاً لأمر شرعي حقيقي وليس طلباً لعرض دنيوي أو استجابة لأهواء النفوس أو لوساوس الشياطين أو لنوازع مذهبية أو حزبية أو طلباً لسلطة، والإنسان مطالب بالدفاع عن كل ما استخلفه الله فيه من مال وأهل وديار، والتي يجمعها الآن مفهوم الوطن الذي يوفر للإنسان حاجاته الفطرية الأساسية المادية والمعنوية، فالقتال دفاعا عن الوطن وعن تماسك الوطن هو قتال في سبيل الله، فهو قتال مشروع، وهو من الجهاد.
وللجهاد وسائله العديدة، وكل عمل يقوم به الكيان الإنساني لتحقيق مقاصد الدين ويتضمن مغالبة كيان آخر هو جهاد، وكل عمل يؤدي إلي زيادة القوة المادية والاقتصادية والثقافية وزيادة الثقل الأمري للأمة وموارد الأمة ومنعتها وتحقيق عزتها هو جهاد.
فالجهاد إنما هو لتكون كلمة الله هي العليا على كافة المستويات، وهذا يتضمن العمل لكي تعلو وتسود قيم ومبادئ ومثل وسنن دين الحق الذي هو كلمة الله التامة، وهذا بدوره يتضمن الدفاع عن حقوق وكرامة الإنسان ونصرة المستضعفين ومقاومة الاضطهاد والفتن والظلم والتمييز العنصري والإفساد في الأرض.
فالجهاد إنما يكون في سبيل الله تعالى ومن ذلك القتال إذا لزم الأمر للدفاع عن المستضعفين في الأرض والمضطهدين بسبب دينهم ومن أخرجوا من ديارهم والمغلوبين علي أمرهم، وكذلك لكف بأس من يحولون بين الناس وبين الإيمان بربهم أي من يتبنون سياسة اضطهاد المؤمنين وحصار دعوتهم ومحاربة حرية العقيدة، فيجب علي المؤمنين أن يقاتلوا كل معتد بكل ما أوتوا من قوة وأن يكون مقصدهم إعلاء كلمة الله تعالى والدفاع عن دينه وقيمه، ولذلك يجب أيضا ألا يعتدوا؛ فالعدوان محرم تحريماً باتاً، وعليهم الالتزام بكل آداب القتال والأوامر الشرعية المنظمة له فلا يجوز التعرض للمدنيين أو النساء أو الأطفال أو البهائم أو النباتات، فلا يجوز الإفساد في الأرض، ومن لوازم الجهاد أخذ الحذر من الأعداء والكافرين وألا يوالوا عدوا لله أو للأمة، والآثام المضادة لهذا الركن تشمل التخاذل والوهن وموالاة الأعداء والاستسلام لهم.
------------
من لوازم ركن الجهاد: الجهاد ضد الظالمين والمستبدين والمفسدين، والجهاد دفاعا عن المستضعفين وعن حقوق المستضعفين، والجهاد ضد المعتدين وأهل البغي، الدفاع عن حقوق الإنسان وكرامته، ولكن تمَّ وأد كل ذلك لحساب المتسلطين والمفسدين والطغاة والمستبدين والمجرمين.
وكلما كبر الكيان الإسلامي كلما اشتدت أهمية هذا الركن وعظم شأنه، فالجهاد في سبيل الله تعالى هو ركن من الأركان الكبرى الملزمة للأمة.
فالأمة ملزمة بالجهاد لتكون كلمة الله هي العليا على كافة المستويات، وهذا يقتضي مقاومة كل كيان يحاول إطفاء نور الله بالتصدي لدين الحق، والجهاد يتضمن مقاومة الاضطهاد والفتن والظلم والتمييز العنصري والإفساد في الأرض، وكذلك يتضمن الدفاع عن حقوق وكرامة الإنسان ونصرة المستضعفين والتصدي لأهل البغي، فالجهاد إنما يكون في سبيل الله تعالى.
وقد يقتضي الجهاد القتال إذا ما توفرت شروطه الشرعية، فمن القتال الشرعي الدفاع عن المستضعفين في الأرض والمضطهدين بسبب دينهم ومن أخرجوا من ديارهم والمغلوبين علي أمرهم، وكذلك لكفِّ بأس من يحولون بين الناس وبين الإيمان بربهم أي من يتبنون سياسة اضطهاد المؤمنين وحصار دعوتهم، فيجب علي المؤمنين أن يقاتلوا كل معتد بكل ما أوتوا من قوة وأن يكون مقصدهم إعلاء كلمة الله تعالى والدفاع عن دينه وقيمه، ولذلك يجب أيضا ألا يعتدوا؛ فالعدوان محرم تحريماً باتاً، والغايات لا تبرر الوسائل في الإسلام، فيجب دائماً الالتزام بالوسائل الشرعية، والمسلم في الحقيقة يتعبد إلى ربه بالالتزام بالوسائل الشرعية والحركة في إطار حدودها، فلا يجوز القتال في سبيل مكاسب الدنيا ولا للتوسع في أراضي الآخرين ولا لإكراههم على الإيمان.
وإذا ما اضطر المسلمون إلى القتال –عند توفر أسبابه الشرعية- فعليهم الالتزام بكل آدابه والأوامر الشرعية المنظمة له فلا يجوز التعرض للمدنيين أو النساء أو الأطفال أو الدواب أو النباتات، ومن لوازم الجهاد أخذ الحذر من الأعداء والكافرين واجتناب موالاة أعداء الله والأمة.
والآثام المضادة لركن الجهاد تشمل الإخلاد إلى الأرض واتباع الأهواء واتباع إلقاءات الشياطين والتخاذل والوهن والهلع والجذع والخيانة وموالاة الأعداء والاستسلام لهم والعمل على إضعاف وحدة الأمة وبنيانها.

ومن الأركان الفرعية لهذا الركن التصدي للظلم والبغي والجور والإفساد في الأرض الصادر عن كيانات كبيرة كالدول، فعلي الأمة ألا تسمح بظلم أو إفساد في النطاق القريب منها، ومفهوم الإفساد يتسع وفقاً لمقتضيات التطور؛ فهو يشمل الآن مثلا كل عدوان وكل تخريب وكل تلويث للبيئة وكل ما يؤدي إلي هلاك الحرث والنسل وكل عدوان علي القيم الرحمانية التي هي من أقدس مقدسات الإسلام، ومن كبائر الإثم المضادة لهذا الركن الاستسلام للدول الظالمة والركون إليها وموالاتها، ولابد من العمل علي التصدي لهم وردعهم وكف بأسهم، ولابد من التصدي لكل عدوان ولو كان صادرا عن كيان محسوب علي الإسلام.
والأمة المؤمنة لا تقاتل إلا لتحقيق المقاصد التي شُرع من أجلها القتال مثل نصرة دين الحق وإعلاء كلمة الله ونصرة المستضعفين ومنع الفتنة وكف بأس الذين كفروا ودرء العدوان وردع المعتدين، فالالتزام بذلك يضمن لها النصر النهائي الحاسم، أما القتال من أجل المغانم الدنيوية فليس من مهام الأمة المؤمنة بل هو من العدوان المنهي عنه بنصوص قاطعة، ولقد كان الانشغال بالغنائم الدنيوية من أسباب الهزيمة في أحد وبواتييه (في فرنسا) ومن أسباب تقويض صرح الأمة المؤمنة، وجماع كل الجهود اللازمة لتحقيق النصر هو الجهاد وهو ركن ديني ملزم للأمة المؤمنة.
ومن السنن الكونية الخاصة بالكيانات المخيرة أن ترك الجهاد يجلب الأمراض التي تصيب الكيان الجوهري للأمة ويعرضها للعقاب العاجل وربما يستبدل بها غيرها إذ لابد من وجود أمة تحمل بطريقةٍ ما الرسالة الخاتمة، وكذلك الأمر في كل الأركان المنوطة بالأمة؛ فإن تركها يستوجب عقاباً عاجلا في تلك الدنيا وذلك للمسئولية المضاعفة الملقاة علي عاتقها، وعندما يصبح حال قومٍ ما ميئوسا منه تقتضي السنن أن يستبدل بهم غيرهم، وهكذا حمل راية الإسلام العرب ثم الفرس ثم المصريون والأتراك والتتار والمغول، وقد تنشأ أمم خيِّرة جزئيا في شتي بقاع الأرض.
والجهاد هو من أركان المنظومة المعنوية الإسلامية، والهدف منه على مستوى الفرد أو على مستوى الأمة هو أن تكون كلمة الله هي العليا وهذا ينبغي أن يتحقق أولا في باطن الإنسان بمعني أن يكون العلو والسيادة في هذا الباطن للمنظومة الأمرية الإسلامية، مثال: إن الله سبحانه يريد من الإنسان أن يذكره وأن يدعوه بأسمائه الحسني وأن يحسن الظن به وأن يحقق ما يريده ربه منه، ويريد الشيطان من الإنسان أن يغفل عن ذكر الله وأن يقول عليه ما لا يعلم وأن يسيء الظن به، وتريد النفس منه أن يخلد إلى الأرض وأن يتبع هواه، فإن ذكر الإنسان ربه وأحسن الظن به رغم سعي الشيطان ورغم أهواء النفس فقد جعل كلمة الله هي العليا وجعل كلمة الشيطان السفلي، ويجب العلم بأن ذكر الله تعالى هو الإكسير الذي يحوِّل التراب إلى ذهب أي يحول كل فعل مهما هان شأنه إلى عبادة حقة يتقرب بها الإنسان إلى ربه، وهو الذي يرفع الإنسان من أسفل سافلين إلى أعلى عليين.
------------
والجهاد هو ركن شاق، لذلك كان الصبر من أركانه ولوازمه، والمقصود بالصبر المثابرة والجلد ومتانة البنيان النفسي والقدرة على التحمل والصمود ومواجهة الصعاب، والجهاد إنما يكون ضد أهواء النفس وليس لصالحها، وهو يتضمن التغلب على عوامل القصور الذاتي وكل ما يشد الإنسان إلي أسفل، والجهاد لا يكون أبداً استجابة لنوازع الشر والرغبة في العدوان، إن أركان الإسلام متسقة لا تناقض فيما بينها، ولا يمكن في سبيل القيام بركن اقتراف كبيرة من كبائر الإثم كالعدوان مثلا.

والآيات الآتية تبين أهمية ومكانة هذا الركن:
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَـئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}البقرة218  *  {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ }آل عمران142 *  {لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً }النساء95  *  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }المائدة35  *  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }المائدة54  *  {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}التوبة16  *  {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }التوبة19  *  {الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ }التوبة20  *  {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }التوبة24  *  {انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }التوبة41  *  {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }التوبة73  *  {لَـكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}التوبة88  *  {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }النحل110  *  {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ }الحج78  *  {فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً }الفرقان52  *  {وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ }العنكبوت6  *  {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }العنكبوت69  *  {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ }محمد31  *  {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ }الحجرات15  *  {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }الصف11  *  {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }التحريم9.
-------
والجهاد هو من الأركان العامة الملزمة لكل كيان إنساني، لذلك فهو ملزم لكل من الفرد والأمة ولكل ما يمكن أن يستجد من الكيانات، وأهميته تتزايد بقدر ازدياد حجم الكيان الإنساني وإمكاناته، والجهاد يتضمن مجاهدة أي كيان إنساني بما في ذلك كيان الإنسان نفسه لتحقيق مقاصد الدين، وقد يستلزم ذلك –عند توفر الشروط الشرعية- قتال من يحاولون اطفاء نور الله والعمل علي تقويض دينه وفتنة معتنقيه، ومن الجهاد التصدي للمتهجمين علي الله ورسوله وكتابه وتفنيد أقوالهم وحججهم وكشف مدى زيفها وضلالها.
والجهاد يكون بما يتيسَّر للإنسان من موارد، وكما أنه لا يجوز الفرار من ميدان المعركة الصغير المحدود -بل يعد مثل هذا الفرار من الكبائر- كذلك لا يجوز الفرار من ميدان المعركة الكبير وهو العالم بأسره، بل إنه علي الإنسان أن يعمل فيه بكل طاقته ووسعه ولقد بيَّن القرءان للناس أن الغلبة هي لمن جمع بين صفات الإيمان والصبر والفقه.
والجهاد ليس هو القتال بالضرورة، الجهاد في سبيل الله هو بذل غاية الجهد والطاقة والوسع لتحقيق المقاصد الدينية باتباع ما تضمنه القرءان من الأساليب الشرعية، وللجهاد وسائله السلمية العديدة، والقتال هو الحل الأخير عندما لا يكون ثمة مناص منه، فعندما تجد عدوا مصمما على الاعتداء عليك ونهب أموالك إخراجك من ديارك فلن يكون هناك مناص من بذل كافة ما هو في وسعك للتصدي له، هذا حق مشروع وفق كافة الأعراف والمواثيق الدولية الآن، وما قرره الإسلام أنه جعله عبادة يتقرب بها الإنسان إلى ربه.

*******

السبت، 16 أغسطس 2014

الرق، ملك اليمين والعبيد

الرق
ملك اليمين والعبيد


إن لمنظومة القيم الإسلامية الثابتة بآيات القرءان الكريم الحكم على كل الأوامر والوصايا والتعاليم، ومن أركان هذه المنظومة العدل والقسط، وهي بذلك طاردة ومانعة لكل ما يضادها من صفات تتضمنها منظومة الصفات الشيطانية وعلى رأسها الظلم، فلا يجوز أن يشوب أية معاملة أي قدر من الظلم.
والرق ليس إثما فرديا مثل السرقة أو الزنى مثلا لكي يتم تحريمه ومنعه بأمر بسيط مباشر، بل كان هو عماد النظام الاقتصادي قبل العصر الحديث، كما كان أمرا تقتضيه طبيعة العلاقات بين الكيانات المتناحرة والتي لم يكن من السهل اجتماعها واتفاقها على أي شيء، فقد كانت القوة المحض هي أساس العلاقات، وكانت شريعة الغلبة والفتح هي السائدة، فلم تكن تُجرى أية مباحثات لحل المشاكل في العلاقات ولم يكن من الممكن عمل اتفاق ملزم لكافة الدول والقوى كما هو الحال الآن.
إن كل مقاصد الدين وسماته وأوامره لا تقر أن يستعبد إنسان إنسانا آخر، والإنسان في الإسلام خليفة في الأرض ومكرَّم وحامل للأمانة ومطالب باستعمار الأرض، ولقد تضمن الدين أوامر وأحكاماً لمعالجة أوضاع قائمة والتخلص السريع من آثارها، وهو بذلك لم يكن ليسمح بفتح ثغرات تقوِّض في النهاية مقاصده، والإسلام ليس بمسئول عن بعض السلوكيات الإجرامية التي صدرت عن العرب والأعراب من بعد انتقال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، والتي ترتب عليها استعباد حشود هائلة من البشر حتى أصبح استعباد الناس واقتناء الجواري والعبيد هو المقصد الأعظم للمحسوبين على الإسلام، وهو السمة العظمى المميزة للحضارة المحسوبة على الإسلام، ولكنها لم تكن إلا حضارة الجواري والخمر والغلمان.
ولقد زعم السلفية وغيرهم أن الإسلام قد أقر الرق وأن كل ما فعله أنه حدد مصادره وأمر بالإحسان إلى الرقيق، والحق هو أنه لا توجد أية آية في القرءان ورد فيها أمر باستعباد الناس أو بإباحة الرق أو السبي، وأساليب الأمر والإباحة في القرءان معلومة، فلم ترد عبارة مثل: لا جناح عليكم أن تستعبدوا الناس أو أن تسترقوا الناس، ولم يرد فيه قول مثل: استعبدوا الأسرى أو استعبدوا من رفض الإسلام.  
ولقد زعموا أن الاسترقاق يقع على الكافر إذا وقع في أيدي المؤمنين هو ومن جاء من صلبه حتى ولو أسلموا، وهكذا يحرفون الإسلام ويستغلونه أبشع استغلال، فباسم الإسلام استعبدوا الكافر الذي وقع في أيديهم، ولكنهم أبوا أن يقيموا وزناً للإسلام عندما كان في الأخذ به تهديدا لمصالحهم المادية، وهذا الحكم يبين أنهم يعاملون الإنسان كبهيمة لهم حق التصرف فيها وفي إنتاجها، ولأنه لابد –وفقاً للسنن- أن تتحقق العدالة وللإنسانية أن تثأر لنفسها فسرعان ما تسلط العبيد على من استعبدوهم وساموهم سوء العذاب، ولقد أصبح للجواري التحكم في المتسلطين العباسيين والعثمانيين، أما الأعراب فسرعان ما اندحروا على أيدي من استعبدوهم من الترك والمماليك.
ولكن ماذا لو طبقت أمم الأرض على المسلمين ذلك الحكم السلفي الأثري؟ إن أكثر أمم الأرض الآن تعتبر المحسوبين على الإسلام كفارا، وهم الآن أكثر عدداً وأقوى عدة بينما المسلمون مغلوبون على أمرهم حتى في ديارهم، فهل يتقبل المسلم أن يفعل به الآخرون ما يتصور هو أن من واجبه فعله بهم؟
-------
إنه يجب العلم بما يلي:
1-                الإسلام يقرر أن الإنسان مُكرَّم وحامل للأمانة ومستخلف في الأرض، والمسلم يتعبد إلى ربه باحترام حقوق أخيه الإنسان، ذلك أمر محسوم.
2-                الإسلام يقرر أن حكم الأسرى هو المنّ أو الفداء، فلا يجوز استعباد الأسير.
3-                لم يحدث أبداً أن خالف الرسول عن الأوامر القرءانية الواضحة، وإنما زيف الناس وزوروا السيرة ليشرعنوا مخالفاتهم لأحكام الله تعالى.
4-                الإسلام يحرِّم الاعتداء على الناس ومنهم غير المحاربين، وبالتالي لا يجوز الاعتداء على النساء غير المحاربات ولا على أطفالهن، ولا يجوز سبيهن، كذلك يحرم بالضرورة مهاجمة مواطن الآخرين وخطف بناتهم وأبنائهم للاتجار بهم.
5-                وبذلك يكون الإسلام قد قضى على مصادر الرق ومنابعه.
6-                الإسلام بجعل من أفضل أعمال البر ومكفرات الذنوب تحرير العبيد، وبذلك يحثّ الناس على تصفيته، وكان عليهم أن يقوموا بمحض اختيارهم بما يحبه الله تعالى.
7-                ومع ذلك كان الرق من أسس العالم القديم الراسخة لأسباب لا حصر لها، ولم يكن من الممكن أبدا تحريمه كما سيحدث في العصر الحديث، فلم يكن من الممكن قديما أن يجتمع الناس ويقرروا أمرا مثل هذا، ذلك لأن كل كيان في العصور القديمة والوسطى كان عدوا لكل ما يحيط به من كيانات يترقب فرصة ضعفها ليلتهمها، وكذلك لم يكن من الممكن منعه من طرفٍ واحد، فالقضاء على الرق –كما ثبت- لم يكن ممكناً أبداً إلا من بعد أن تبلغ البشرية درجة معينة من التقدم الحضاري، وحتى في مطلع العصر الحديث فقد استلزم منع الاتجار بالبشر حروبا دامية ومنها الحرب الأهلية الأمريكية.
8-                في العالم القديم كان كل كيان كبير ينظر بعداء إلى كل من اختلف عنه وربما إلى كل من جاوره، وكانت الحرب هي الوسيلة الرئيسة للتعامل فيما بينهم، ولم يكن من الممكن أبداً إبرام معاهدات عالمية ملزمة لكل من على ظهر هذا الكوكب.
9-                لم يرتق أكثر العرب والأعراب إلى مستوى القرءان الكريم فقتلوا الأسرى بعشرات الألوف واستحيوا وسبوا نساءهم وأبناءهم، أما المتسلطون فكانوا بحاجة ماسة إلى الرقيق بكافة أنواعه، وكانت بلادهم أكبر سوق له، وهم وحدهم –وليس الإسلام- يتحملون وزر أعمالهم.
10-            في الرسالة العالمية لابد من وجود أحكام واقعية تعالج أحوال الناس الحقيقيين الواقعيين وليس أحوال ملائكة أناس مثاليين مفترضين، وبذلك ألزم الإسلام الناس بما قرره بخصوص حقوق الإنسان وكرامته وجعل من الإحسان إلى الأسير عملا من أعمال البر.
11-            في ظل وجود العبيد لأي سبب من الأسباب –وهو نظام بغيض مرفوض- لابد من تشريعات لضمان حقوق كافة الأطراف، فمن اشترى فتاة مثلا تصبح ملكا له، لها عليه حقوق شرعية وله عليها حقوق شرعية، ويجب أن يكون ثمة قوانين تنظم كل ذلك، ومن ذلك قانون عقوبات خاص بها قد يختلف شيئا قليلا عن قانون العقوبات الخاص بالحرة، ويجنح نحو التخفيف نظرا لظروفها.
12-            طالما وصل الناس إلى درجة من الرقي بحيث أمكن إبرام اتفاقات عالمية لتحريم وتجريم الاتجار بالبشر فيجب على المسلمين أن يكونوا أول من يلتزم بها، ويجب عليهم أن يكفِّروا عن أخطاء وجرائم أسلافهم الذين عظمت جرائمهم في حق الشعوب المجاورة لهم في مجال الاتجار بالبشر، ولولا أن الكيانات البغيضة التي أقرت ذلك وتورطت فيه قد ذاقت وبال أمرها وبادت لوجب عليها تقديم الاعتذار للبشرية جمعاء.
13-            ربما عادت البشرية إلى نظام مشابه لما كانت عليه لأي سبب من الأسباب لذلك سيكونون بحاجة إلى تشريعات تنظم العلاقة بين الطرفين كما كان من قبل، ولكن يحرم على المسلمين العمل من جانبهم على إعادة عصر الرق من جديد.
-------
لقد كان الرق أمرا شائعا ومفروضا منذ أقدم العصور، وكان لابد من التعامل معه والتعايش معه دون إحداث كوارث اجتماعية، فأنت لا تستطيع أن تمنع الرق في عالم يعتبره أمرا عاديا، وإلغاؤه كان يستلزم إجماعاً دوليا كان مستحيلا في القرون الوسطى، فقد كان كل تجمع بشري يعتبر التجمعات الأخرى أعداء طبيعيين عليه أن يفترسهم قبل أن يفعلوا هم، لم يكن البشر قد وصلوا إلى هذا المستوى الحضاري الذي استلزم بذل تضحيات هائلة، ولكن كان يجب بحكم القرءان تجفيف منابعه، وكان موضوع ملك اليمين حلا لمشكلة الفتيات اللائي يفقدن العائل والمأوى بسبب الحروب في زمن كان الحكم فيه للقوة البدنية، وبالطبع لم يكن يجوز أبدا أن يتمادى المحسوبون ظلما على الإسلام في هذا الأمر ولا أن يتسببوا في جعله تجارة دولية على نطاق واسع، ولكن ذلك يُحسب على المذاهب التي أحدثوها وحلَّت محلّ الإسلام، وكان ذلك من الكوارث التي سببها هؤلاء على الجنس البشري وعطلوا مسيرة تقدمه.
أما الإسلام الحقيقي فقد وفَّر كل ما يلزم من قيم ومبادئ وأسس للقضاء على الاتجار بالبشر، هذا مع العلم بأن الإسلام هو الدين الوحيد الذي اهتم بأمر العبيد وجعل من أفضل الأعمال الصالحة ومن مكفرات الذنوب عتقهم.
وحيث أن أهل الغرب قد ارتقوا في سلم الإنسانية وتجاوزوا المحسوبين ظلما على الإسلام في مضمارها وعملوا على محاربة الاتجار بالبشر فقد حققوا للإسلام مقصدا من مقاصده وعملوا بمقتضى آياته بل بمقتضى عقيدته الأساسية: "لا إله إلا الله"، ولذلك فهم مشكورون، ولذلك مكَّن الله لهم في الأرض وأفاض عليهم من الرزق الواسع، وهم في الحقيقة قد عملوا بأوامر الإسلام وحققوا مقاصده في أمور عديدة أخرى.
فيجب على المحسوبين على الإسلام طالما لم يشاركوا في شرف تحرير الإنسان بل كانوا من أسباب تكريس استعباده ألا يحاولوا من جديد استعباده.
وحيث أن الإسلام يحث الإنسان على ألا يجعل الدنيا أكبر همه ولا مبلغ علمه فيجب على المسلم ألا يتحايل على الأمور الدينية الثابتة وألا يحاول من جديد إهانة الإنسان الذي كرمه الله تعالى واستخلفه في الأرض.
ومن المعلوم أن هذه الأمة المنافقة قد دفعت غاليا ثمن استعبادها للناس فتحكَّم فيها الأرقاء والجواري وذاقت على أيديهم الأمرين.
فلابد من تحقق العدل المطلق وإن طال المدى، وكان من أسباب تقويض الخلافتين العباسية والعثمانية الاتجار بالرقيق وتحكم الجواري في السلاطين، وكان الأوروبيون يسربون بعض الجواري إلى القصور لتقويض الخلافة العثمانية.
ومع ذلك لو ارتدت البشرية حضاريا وعاد الرق من جديد، وهو احتمال قائم لحتمية انهيار مجتمع الوفرة والرفاه والاستهلاك، فسيجد الناس أنفسهم بحاجة إلى التعامل الشرعي مع هذه الظاهرة، فأحكام ملك اليمين هي علاج لمشكلة قائمة وليست لتحويل الناس إلى وحوش جنسية.
لقد كان لابد من وجود أحكام لمعالجة وضع قائم، ومن الممكن أن يعود، فسنّ تشريع لمعالجة وضع قائم لا يعني الرضا به، والإنسان في القرءان مكرم ومستخلف في الأرض، وهذا يعني بالضرورة أنه لا يجوز أن يكون عبدا لغير ربه.
-------
إن أحكام ملك اليمين هي خاصة بعصر كان فيه الرق البغيض أمرا واقعا، فكان لابد من تشريعات لتحكم التعاملات في مثل ذلك الواقع المرير وتخفف من آثاره الوبيلة، ولا يجوز الالتفات إلى القواعد الإجرامية التي أرساها سدنة المذاهب ولا إلى سلوك السلف في هذا الأمر، والمسلمون الآن ليست بهم حاجة إلى النظر في سلوكيات وقواعد السلف ولا للاعتذار عما أقدم عليه السلف، وحسب المسلمين المقاصد العامة للقرءان الكريم، واستعباد أي إنسان لا يتفق أبداً مع هذه المقاصد، ولقد كان تمسك المحسوبين ظلماً على الإسلام بنظام الرق وكل ما يتعلق به سببا في تقويض حضارتهم وفي تعويق التطور البشري.
-------
إن الأصل في الإنسان أن يكون حرا وأن يكون عبداً خالصاً لله تعالى وحده، ولم يكن من الممكن في الماضي عقد اتفاقات دولية بتحريم الرقيق يتعهد الجميع باحترامها، ومن جاهدوا لمنع الاتجار بالإنسان هم الأقرب إلى روح الإسلام، ولكن لو حدث وارتدت البشرية إلى عصر يقنن الرق ويرتضيه فسيجدون أنفسهم بحاجة إلى أحكام بهذا الخصوص.
وبالطبع يجب الحذر من آراء المذاهب في هذا الشأن، بل يجب الأخذ بما قرره القرءان وما وصل إليه الإنسان في سعيه الدءوب نحو الرقي والتحضر.
-------
إنه يجوز في حالة عدم القدرة على نكاح المحصنات نكاح الإماء؛ الفتيات المؤمنات اللائي هنّ ملك للآخرين، ولذلك يجب الحصول على إذن من المالك بذلك، والتشريعات الخاصة بالرقيق هي خاصة بالعصر الذي كان يسمح بذلك، ومن مقاصد الإسلام أن يكون الناس أحرارا، ولكنه كان يجب أن يتضمن التشريع اللازم لعلاج الوضع القائم والحد من آثاره السيئة وتحقيق العدل والقسط، وعلى سبيل المثال فمن مقاصد الإسلام تطهير الناس، ولكن الوضع القائم هو أن أكثر الناس غير مطهرين، لذلك كان لابد من أن يتضمن الإسلام ما يطهرهم، ولذلك فتحرير الرق أو العبيد هو مقصد شرعي مطلوب قاومه المحسوبون ظلما على الإسلام بشراسة زمناً طويلا، ولم يتحقق إلا على أيدي الغرب العلماني، وكان ذلك رغم أنف المحسوبين على الإسلام وسدنة مذاهبهم، فلا أقل من ألا يسمح المسلمون بعودته، ومع ذلك قد يعود، وعندها سيجد الناس في القرءان ما يسمح لهم بمعالجة هذه الظاهرة.
-------
لقد جاء الإسلام وموضوع استرقاق البشر لأي سبب من الأسباب أمرا شائعا راسخا، كانت هذه الأسباب موضوعية وعالمية، فوجود الأرقاء من الرجال والنساء كان أمرا مقررا ومن دعائم الحياة والاقتصاد والكيان الاجتماعي، كانت كل الكيانات الدولية متعادية متناحرة، وكان القانون الدولي هو شريعة الغاب؛ القوي يأكل الضعيف، ومن المعلوم أنه إلى ما بعد الحرب العالمية الأولي كانت الكيانات البشرية بصفة عامة تتربَّص ببعضها الدوائر ولم يكن يوجد أية إمكانية للتعاون في الأمور المتعلقة بالحقوق العامة للإنسان، لذلك لم يكن من الممكن أبدا تحريم الرق بتشريع، ولم يفعل ذلك أي رسول من قبل، ولكن الإسلام انفرد بأن سنّ تشريعات تجفف منابع الرق مثل تحريم استرقاق الأسير بل ووجوب الإحسان إليه وإعلان أن كل إنسان هو خليفة في الأرض ومكرَّم وتحريم العدوان، فلا يجوز الهجوم على الآمنين لاختطاف نسائهم وذرياتهم وبيعها، كما جعل الإسلام من تحرير الرقاب كفارة للذنوب، ولم يرد في الشرائع السابقة شيء كهذا أبدا، بل إن نصوص المسيحية تأمر العبيد بأن يطيعوا سادتهم برعدة جسد، ومن كبائر الإثم كون العرب والأعراب قد عصوا أوامر القرءان وتمردوا عليها فقتلوا الأسرى وسبوا نساءهم، وهم -وليس الإسلام- يتحملون وزر أعمالهم.
ولكن في حالة وجود هذا النظام لأي سبب من الأسباب لا مفر من التعايش معه، فمن اشترى فتاة صارت ملكاً له، ولا بد من وجود تشريعات تقرر لها حقوقها وتحفظها وتمنع سوء استغلالها، وقد يقول قائل إن هذه الآيات ملغاة أو انتهى عمرها الافتراضي لاختفاء ظاهرة الرق، فالقول الحق هو أن القرءان كتاب عالمي خاتم كامل شامل صالح لكل زمان ومكان، فكان لابد وأن يتضمن أحكاما لعلاج هذه الظاهرة وتشريعات لضبطها، كما أنه ليس ثمة ما يمنع من عودة الظاهرة من جديد، وعندها سيكون المسلمون ملزمين بالتعامل معها وفقاً لأحكام القرءان. 
ولو ارتدت البشرية حضاريا وعاد الرق من جديد، وهو احتمال قائم لحتمية انهيار مجتمع الوفرة والرفاه والاستهلاك فسيجد الناس أنفسهم بحاجة إلى التعامل الشرعي مع هذه الظاهرة، فأحكام ملك اليمين هي علاج لمشكلة قائمة وليست لتحويل الناس إلى وحوش جنسية.
ولقد كان لابد من وجود أحكام لمعالجة وضع قائم، ومن الممكن أن يعود، فسن تشريع لمعالجة وضع قائم لا يعني الرضا به، والإنسان في القرءان مكرم ومستخلف في الأرض، وهذا يعني بالضرورة أنه لا يجوز أن يكون عبداً لغير ربه، ولقد شرع الله تعالى للناس القتال وهو كره لهم، ذلك لأنه أعلم بطبيعة الإنسان.
-------
إن نكاح ملكات اليمين مشروط بعدم استطاعة نكاح المحصنات، قال تعالى:
{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25)} النساء
وبذلك فإن ما كان يفعله الخلفاء من نكاح المئات وربما الآلاف من الجواري هو جريمة كبرى وإثم مبين، فقد كانوا يستطيعون بالضرورة نكاح مُحْصَنَاتِ مُؤْمِنَاتِ خاصة وأنهم كانوا يعتبرون أموال الأمة ملكا شخصيا لهم
هذا فضلا عن كون نكاح المئات من الجواري إسرافا وتبذيرا وإهدارا لموارد الأمة وتكريسا للمقاصد الشيطانية على حساب المقاصد الرحمانية.
وبذلك يلزم القول بأن هؤلاء الخلفاء والسلاطين ومن اتبعهم من الأثرياء كانوا عار هذه الأمة وعار الجنس البشري والبهائم.
-------
إنه لا يجوز لوالد فتاة أن يبيعها بيعاً صريحا أو مستترا لأحد الأثرياء، ذلك لأنه لا يملكها، وليس له حق التصرف في جسدها، بل هو لا يملك جسده نفسه وإنما له فقط حق الانتفاع به وفقا للأوامر الشرعية.
ووجود آيات في القرءان تضمن لكل الأطراف حقوقها هو من مظاهر كماله، ولم يكن من الممكن النص على تحريم الرق في نظام عالمي كان قوامه الرقّ، ولم يكن واردا إمكان الاجتماع للاتفاق على قانون ملزم لشتى الممالك والإمبراطوريات، ولكن الإسلام سلك سبيل تقرير حقوق الإنسان وإعلان أنه خليفة وحامل للأمانة ومُفضَّل ومكرَّم بالأمر والفعل الإلهي، وبأن التفاضل إنما هو بالتقوى والعمل الصالح، وكان لابد وأن يكون لذلك مقتضياته.
ويجب العلم بأن ما أتى به الإسلام من قيم جديدة ومن أوامر إلهية جديدة مثل الأوامر بإعمال الملكات الذهنية آتت أكلها ولو على أيدي غير المسلمين، فلا يوجد في الثقافة الغربية الأصلية مثلا ولا في ديانتهم المسيحية ما كان يسمح بإلغاء الرق، فالرق كان عماد الحضارتين اليونانية والرومانية، أما المسيحية فتحث العبد على معاملة سيده كربّ، ولم تجعل للعبيد أية حقوق، وقد كان الإسلام هو الذي قرر بأقوى العبارات أن الإنسان مكرم وحامل للأمانة ومستخلف في الأرض، وبذلك فتح الطريق نحو تحرير الإنسان، أما من يريدون باسم الإسلام استعباد الرجال وسبي النساء فهم شياطين الإنس ولا علاقة لهم بالإسلام.

*******




الخميس، 14 أغسطس 2014

الاسم المفرد الْغَفَّار والمثنى الْعَزِيز الْغَفَّار والمثنى الْعَزِيزُ الْغَفُورُ

الاسم المفرد الْغَفَّار والمثنى الْعَزِيز الْغَفَّار والمثنى الْعَزِيزُ الْغَفُورُ 


الاسم المفرد الْغَفَّار
الغفـار، الغفـور، الغافـر، خَيْرُ الْغَافِرِينَ، ذُو مَغْفـِرَةٍ، وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ، أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ

ورد الاسم المفرد الغفار في الآيتين:
{وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} طه82  *  {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً}نوح10
وهما آيتان مكيتان.
والاسم الغَفَّار هو بذلك من أسماء النسق الأول من أسماء الله الحسنى.
والغفران يتعلق بالذنب فيستره ويحجبه؛ بمعني أنه يحمى الإنسان من الآثار المترتبة علي مخالفته لأمر شرعي، فالغفران يحمي كيان الإنسان الجوهري من الآثار والنتائج المترتبة علي عصيانه واللازمة له طبقاً للقوانين والسنن، فالغفران لا يُذهب عين الذنب فعليا ولكن واقعيا فلا يعرفه ولا يطلع عليه إلا الله سبحانه، وعلى من يريد التحقق بالسمة التي يشير إليها الاسم الغَفَّار أن يتحلى بالسماحة والعفو والمغفرة والصفح الجميل في علاقاته مع الناس، فلا يتتبع عيوبهم وخطاياهم، وعليه أن ألا يذيع أو ينشر ما وصل إليه منها ولا يشهر بمن رآه على معصية، كما أن عليه أن يتطهر من التمادي في المراء واللدد في الخصومة.
والمغفرة إنما تكون لمن استغفر وتاب وعمل عملا صالحا، وذلك ما نصَّت عليه آيات القرءان بكل صراحة ووضوح، فالمغفرة فعل إلهي مترتب على القوانين والسنن التي اقتضتها منظومة الأسماء، وهي تتحقق باتساق تام مع سائر السمات الإلهية الأخرى وهي لا تتحقق اعتباطا، فالعزة الإلهية مثلا تقتضى أن يطلبها الإنسان وأن يسعى إليها، أما منظومة الأسماء الحسني كلها فتقتضي أن يكتسب الإنسان الاستعداد اللازم لقبول آثارها، وهذا الاستعداد مترتب على حالة قلبية ذهنية وجدانية على الإنسان أن يتحقق بها بعد اقترافه معصية ما، ولتلك الحالة مظاهرها ولوازمها، فالله سبحانه يغفر الذنوب جميعا فهو متصف بالمغفرة الكاملة، فلا يوجد ذنب لا يمكنه غفرانه، ولكن المغفرة لا تتحقق لمذنب إلا إذا كان لديه هو الاستعداد لقبول آثارها، ومن لوازم ذلك أن تكون لديه الرغبة الملحة في الإقلاع عن المعصية والتي تدفعه إلى طلب المغفرة من ربه ليس فقط بلسانه بل بكل كيانه، أما ذلك الذي هو فخور بمعصيته يطلبها في كافة مظانِّها ويلقى بنفسه في أتونها ولا يود أبدا الإقلاع عنها أو التوبة منها ولم يطلب من ربه أبدا أن يحميه منها فإن عليه أن يخشى على نفسه من أن يستدرج بسبب تلك المعصية إلى الكفر وسوء المصير، فمن أراد الفوز بالمغفرة فعليه أن يسلك السبل المبينة في الكتاب؛ فالمغفرة ليست بالأمر الاعتباطي ولا بالأمر العشوائي وإنما هي محكومة بنسق من القوانين والسنن الدقيقة الصارمة التي لا تبديل لها ولا تحويل.
والاستغفار هو من لوازم وتفاصيل العديد من أركان الدين مثل ذكر الله وإقامة صلة وثيقة به وتزكية النفس.
والرمز (غفر) إشارة إلى التغطية والحماية من آثار شيء ما، والشيء هنا هو مخالفة نسق السنن والأوامر التي اقتضتها منظومة أسماء الرحمة والهدي، وارتباط الغين بالفاء يشير إلى أن تلك التغطية تؤدي إلى انفراج وفتح، وهذا الأمر متكرر ومستمر لا ينقطع ويترتب عليه خيرات ظاهرة وباطنة، فمن الظاهرة إرسال السماء عليهم مدرارا وإمدادهم بأموال وبنين وأن يجعل لهم أنهارا، ومن الباطنة فيوض العلوم والبركات الباطنية والتي تؤدي إلى رقي الكيان الإنساني الجوهري.
إن الإنسان عندما يصدر عنه فعل اختياريٌ ما فإنه بذلك يبدأ حلقة كونية يكون فعله الاختياري فيها سبباً يفضي إلى نتيجة محتومة يترتب عليها نتائج أخرى وفقاً لقوانين وسنن لا تبديل لها ولا تحويل، ولابد من أن تنتهي تلك الحلقة إلى من صدر عنه الفعل بعد أن تأخذ دورتها المحتومة، وهذا يعتمد على مقصد الإنسان من فعله ونيته وهي هيئته النفسية الباطنة التي ترتب عليها هذا الفعل، وعلى ذلك يعتمد مدى نفاذ آثار الفعل في كيان فاعله الإنساني، فربما لا تتجاوز النتيجة ظاهره، وربما نفذت إلى أعمق أعماق باطنه، وما يعلق في باطنه من آثار الفعل هو الذي يترتَّب عليه الجزاء في اليوم الآخر، فهو الكتاب الذي يلازم الإنسان وهو الكتاب الذي ينطق بالحق.
والاسم الإلهي الغفَّار هو الاسم الذي يمكن للإنسان أن يلوذ به وأن يلهج بذكره وأن يتبتَّل إليه حتى يحميه من آثار فعله، وهو لا يمحو الفعل وإنما يستره ويحمي الإنسان من آثاره ومن تبعاته، بل ويؤدي إلي تدفق الخيرات المادية علي الإنسان، ولذلك قال نوح عليه السلام لقومه: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً{10} يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً{11} وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً{12}}نوح، فغفران الذنوب يحمي الإنسان أو الجماعة أو الأمة من الآثار السلبية للمعاصي، وذنوب الجماعات والأمم هي الأخطر، وهي التي هلكت بها الأمم السابقة، ولذلك لُعِنَ الذين يحبون أن تشيع الفاحشة، ولُعِنَ المجاهرون بالمعاصي، فهؤلاء يحاولون التمرد على مقتضيات هذا الاسم ويتعمدون مشاقاته؛ فهم في الأذلين، ولذلك أيضاً وجب على الأمة التناهي عن المنكر والتواصي بالحق والصبر والأمر بالمعروف، وكل الأركان الملزمة للأمة تقصد في النهاية إلى توفير أفضل الظروف والشروط للإنسان الفرد ليتحقق بكماله المنشود وليحقق المقصد الديني الأعظم الخاص به.
والغفران لا يتم عبثاً ولا اعتباطاً، وإنما هو محكوم بالمشيئة الإلهية التي هي مقتضى الكمال الإلهي المطلق والتي تتبدى في قوانين الله وسننه، ولذا قال تعالى: { وَإِنّي لَغَفّارٌ لّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمّ اهْتَدَىَ} (طه: 82)، فبيَّن هنا ما يلزم لغفران الذنوب وهو التوبة والإيمان والعمل الصالح، وقال تعالى عن حملة العرش: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ}غافر7، فلابد للفوز بالمغفرة من التوبة واتِّباع سبيل الله تعالى.
ولقد بيَّنت آيات القرءان كل الأسباب التي تؤدي حتماً إلى غفران الذنوب كما يفضي السبب إلى النتيجة فمنها:
الإخبات والإنابة والاعتراف بالذنب والاستغفار وخاصة بالأسحار وكذلك الصبر والذكر وخشية الله تعالى بالغيب والتوبة والإيمان والعمل الصالح والقنوت والإنفاق في سبيل الله تعالى والمجيء إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ بالصلاة والتسليم عليه، ومنها أن يتحلى الإنسان نفسه بالعفو والصفح والمغفرة والسماحة في تعامله مع الآخرين وألا يعطي الدنيَّة من أمره فيما يتعلق بأمور دينه.
وقد يظن البعض أن ثمَّة تناقضاً بين تلك الآية وبين الآية التي يقول فيها سبحانه أنه يغفر الذنوب جميعاً، ولكن لا تناقض ولا اختلاف في القرءان، وآياته يكمِّل بعضها بعضا ويصدِّق بعضها بعضا، فالله حقاً يغفر الذنوب جميعاً مهما كانت ومهما عظمت، فغفران الذنوب من سماته اللازمة، ولكنه لم يقل إن هذا الغفران يتحقق لكل من أذنب ولم يتب، وإنما جعل غفران الذنوب مرتباً على ما أخبر به من وجوب الإيمان والتوبة والعمل الصالح والاستغفار، ولقد أمرهم بكل ذلك، فكيف ينال غفرانه من لم يتب ومن لم يطلب الغفران أصلاً؟ ومن عصى ولم يستغفر فقد عصى مرتين، والمعصية الثالثة أنه لم يأخذ الوعيد الإلهي على محمل الجد، وظن أنه رغم كل ذلك سوف يُغفر له، وكيف يأمل في الغفران من أمن مكر الله وأقبل على المعاصي بكل جوارحه؟ إن الأمر جدّ لا هزل فيه، وهو محكوم بسنن لا تبديل لها ولا تحويل، ولقد ذكر الله تعالى في كتابه أن حملة العرش يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا وتَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَه: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ}غافر7، فكيف هو حال من لم يؤمن أصلا أو لم يتب أو من لم يتبع سبيل الله تعالى؟ ألم يذكر في كتابه أن الملائكة تلعن بعض مقترفي كبائر الإثم؟
وغفران الذنوب جميعاً هو لعباد الله تعالى ولو كانوا قد أسرفوا على أنفسهم إذا ما استغفروا وتابوا وعملوا صالحا، ولكنه ليس لمن أشرك بالله تعالى الشرك الأكبر بأن اتخذ أرباباً من دونه، فمثل هذا قد أخرج نفسه من الدائرة الخاصة بعباد الله تعالى بمحض إرادته واختياره، فلا يتمتع بما هو متاح لهم.
والأسماء الإلهية الغفـار، الغفـور، الغافـر، خَيْرُ الْغَافِرِينَ، ذُو مَغْفـِرَةٍ، وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ، أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ، كلها تجليات لنفس الاسم الواحد، فالسمة واحدة، وإنما تتنوع مجالاتها ودرجات تجليها.
إن المغفرة مرتبطة بالعزة الإلهية وبالعلم الإلهي، وذلك يقتضي أن يطلب الإنسان المغفرة بخضوع وإخلاص وهو على ثقة بأن الله تعالى يعلم ما يخفيه صدره وحقيقة نواياه، وهي أيضا مقترنة بالرحمة الإلهية، ولذلك فالاستغفار من وسائل الإنسان لإقامة صلة بربه ودعمها وترسيخها، ومن أراد أن يحظى بالرحمة والمغفرة الإلهية فليعمل على أن يتحلى هو بالرحمة المقترنة بالمغفرة.

الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ، الْعَزِيزُ الْغَفُورُ
أما المثنى العزيز الغفار وصورته الأخرى وهو المثنى العزيز الغفور فقد وردا في الآيات الآتية:
{تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ}غافر42  *  {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ}ص66  *  {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ }الزمر5  *  {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ }الملك2  *  إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ }فاطر28
وكلها آيات مكية.
ومن الواضح البيِّن أن مجالات المثنى الْعَزِيز الْغَفَّار والْعَزِيز الْغَفُور هي الآيات والسنن الكونية، وأن من مقتضياته المقاصد الوجودية، فمن المقاصد الوجودية إظهار أي الناس أحسن عملا، وهذا مقترن بكون الإنسان ذا إرادة حرة واختيار وإلا لما اقتضى الأمر ابتلاءه لتتبين حالته له بصفة خاصة وللناس كافة.
والآيات التي ورد فيها الاسمان الْعَزِيز الْغَفَّار والْعَزِيز الْغَفُور لا تتحدث أبداً عن الذنوب أو الاستغفار وإنما تتحدث عن سنن كونية اقتضتها شئون وسنن إلهية مثل: خلق الموت والحياة لابتلاء الناس، وخلق وإنزال الماء من السماء، وإخراج الثمرات مختلفة الألوان، وخلق الجبال ومنها جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود، وخلق الناس والدواب والأنعام المختلفة الألوان، وربوبية الله تعالى للسماوات والأرض وخلقه لهما بالحق، وتكوير الليل على النهار والنهار على الليل، وتسخير الشمس والقمر وجريانهما لأجل مسمى، فتلك الآيات تشير إلى أن خلق الإنسان وابتلاءه هو العلة الغائية لكل الوجود المادي الظاهر، ولذا سُخِّر كل شيء ليوافق ويوائم هذا الإنسان ولم يظهر إلا ما حسن وجمل بالنسبة له، وهذا يقتضي التقدير الدقيق لقوى تلك الحواس ومقاديرها، وهذا هو عمل السمة الواحدة المعبَّر عنها بلفظين هما العزة والمغفرة، لا بمعنى أنها مركبة من السمتين، بل بمعنى أنه لا يمكن التعبير عنها إلا هكذا، وتلك السمة الواحدة اقتضت خلق الثنائيات المتقابلة التي يستتر كل شيء منها بالآخر كالليل والنهار والموت والحياة ... الخ، كما اقتضت أن تكون حواس الإنسان مقدَّرة بحيث يستتر عنه بعزة واقتدار كل ما لا يناسبه، وهكذا فإن بصر الإنسان مصمم بحيث لا يرى بشرته مثلاً إلا سطحاً أملس بلا شقوق ولا ثقوب كبيرة ولا ينفد إلى أحشائه، ولا يرى الهالة الحرارية المحيطة به والتي تحوله إلى شبح هلامي مرعب، فلو اتسع نطاق الإدراك البصري للإنسان قليلا لما احتمل رؤية من يراها الآن آية في الجمال!!!!
وقد جعل الشم بحيث لا يلتقط من روائح جسده وأجساد الناس عادة إلا بقدر ما يحتمل، وقدَّر حاسة السمع بحيث يستطيع الإنسان أن يحيا في سلام، فهو لا يلتقط إلا مدىً محدوداً، فلا يلتقط مثلاً أصوات حركة أحشائه ولا نبض قلبه إلا بقدر معلوم وإلا لضجَّ الإنسان من الأصوات التي تنبعث من جسده، فهذا يبيِّن شيئاً من وظائف هذا الاسم ومقتضياته وهي كما هو واضح تختلف اختلافاً بيناً عما يعنيه الاسم الغفار، وهذا يعني أن التشابه اللفظي لا يقتضي تشابهاً في المعاني أو في الوظائف والمقتضيات، ومحدودية حواس وملكات الإنسان التي اقتضاها هذا المثنى هي من لوازم كون هذا الإنسان أداة التفصيل المطلق.
ولقد دعا مؤمن آل فرعون قومه إلى الاسم الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ لأنه كان أكثر الأسماء مناسبة لحالهم، ففي عهدهم كانوا أكثر الأمم إلماماً بالسنن الكونية فكان من اليسير شرحها لهم كمقتضيات لسنن إلهية، كذلك كانت لديهم تقاليد عريقة فيما يتعلق بشؤون الملك وهي أيضاً من مقتضيات السنن.
والاسم الغفَّـار يقتضي أن يتَّصف الإنسان بالمغفرة للآخرين والصفح الجميل والإغضاء وستر عيوبهم كما يقتضي أن يتصف بالسماحة في التعامل وألا ييأس من روح الله تعالى.
أما الاسم العزيز الغفار فيقتضي أن يتدبر الإنسان آيات الله، وأن يعمل على فقه ما تتضمَّنه من قوانين والاستفادة منها وأن يتحلَّى بخشية الله تعالى، وتلك الخشية سيتحقق بها الإنسان كأمر طبيعي عندما يطالع آيات الله تعالى وخلقه كل شيء بحكمة واقتدار وتسخيره لكل شيء، فتلك الخشية من خصائص العلماء، فكلما ازداد الإنسان علما حقيقيا كلما ازدادت خشيته من ربه لازدياد علمه بجلاله وعظمته وطلاقة مشيئته.
والاسمان العزيز الغفور والغفور هما قطبا حلقات إلهية عديدة:
العزيز الغفور-الغفور-الغفور الرحيم-الرحيم-الرحيم الغفور-الغفور-الغفور الشكور-الشكور-الشكور الحليم-الحليم الغفور
العزيز الغفور-الغفور-الغفور الشكور-الشكور-الشكور الحليم-الحليم الغفور
العزيز الغفور-الغفور-الغفور الحليم-الحليم الغفور
=======