السبت، 31 ديسمبر 2016

خير الرازقين، الرزاق

خَيْرُ الرَّازِقِيـنَ، الرزَّاق 

قال تعالى:
{قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }المائدة114  *  {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}الحج58  *  {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}الجمعة11  *  {أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }المؤمنون72  *  {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} سبأ39.
{إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِين} [الذاريات:58]
{وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه:131]
{لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُور} [سبأ:15]
فالاسم "الرَّزَّاقُ" وصورته "خَيْرُ الرَّازِقِينَ" هما اسم واحد من أسماء النسقين الأول والثاني من الأسماء الحسنى.
يجب العلم بأن كل ما سوى الله هو من نتاج أفعاله المتعددة الوارد ذكرها في القرءان، والرزق هو تخصيص To allocate مقادير من هذا الناتج بكائنٍ ما، وهذا التخصيص يتم بسريان نسق من القوانين والسنن اقتضته الحلقة الإلهية (الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) وكذلك الأسماء المفردة التفصيلية لهذه الحلقة، وتلك السنن تقتضي ترتيب أسباب للرزق، وبالطبع لا يوجد تطابق تام بين ما يعرفه الإنسان من أسباب وبين الأسباب الحقيقية، فما يعرفه الإنسان من أسباب مقيد محدود بحكم طبيعته، لذلك عليه أن يسلك من الأسباب ما يعرفه مع صدق التوكل على الله والثقة به وتفويض الأمر إليه.
وقد يحاول إنسان الحصول علي المال أو المأكولات مثلا بمخالفة أمر شرعي، فالحكم في ذلك الأمر كما هو الحكم في سائر المعاصي، فلا يجوز أن يُنسب الشر أو مقتضيات النقص إلى الله بأيِّ حال من الأحوال، فلا يجوز أن يصف هذا العاصي ما حصل عليه بالسرقة بأنه رزق ساقه الله إليه أو أراده له، فمثل هذا يجمع إلى معصيته سوء أدب مع ربه وسوء ظن به، ففعل السماح ليس كفعل الإرادة، فكل فعل لا يتم إلا بالتوافق مع قوانين الله وسننه، ولكن ذلك لا يغير من طبيعة الحكم الشرعي الصادر عليه والذي يترتب عليه الجزاء والذي من الأولى بالإنسان أن يعرفه.
فالفعل من حيث الإنسان وبالنظر إلى الأمر الشرعي هو الموصوف في الحقيقة بالحلال أو بالحرام، وهذا الوصف هو من مقتضيات منظومة الرحمة والهدى والإرشاد، ويترتب على الفعل الإنساني من حيث الحكم آثار تغيِّر من صورة كيانه الجوهري، ويكون ذلك بمقتضى نسق من القوانين والسنن الكونية مترتبة على السنن الشرعية، هذا النسق هو من مقتضيات المنظومة الكلية للأسماء الحسنى، ولذلك لابد من سريانه، ولا جدوى من محاولة التملص منه.
*****
يجب التمييز بين معاني كلمة الرزق المختلفة، هناك الرزق كفعلٍ إلهي، وهناك مجال هذا الفعل، ويتضمن ما يلي:
1.    ما هو قابل لكي ينتفع به كائنٌ ما هو رزق، اذلك فالماء القابل لأن ينزل من السماء هو رزق.
2.    ما يتم تخصيصه لكائنٍ ما هو رزق.
3.    ما ينتفع به بالفعل كائنٌ ما هو رزق.
*****
إن لفظ الرزق يطلق على الفعل الإلهي ويُطلق أيضا على مجال هذا الفعل؛ أي جماع مفعولاته، فكل ما يمكن أن يكون رزقا لدابة من دواب الأرض مثلا هو رزق ممكن، ولكنه لا يكون رزقا لدابة بالمعنى الاصطلاحي الحقيقي إلا عندما يتم تخصيصه لها، فبهذا التخصيص يتحول الرزق الممكن إلى رزق حقيقي، فالرزق هو أن يتم تخصيص كيان مادي لصالح كائن حي، هذا الكيان المادي هو من لوازم الحفاظ على بعض مكونات الكائن الحي وتنميتها ويتم ذلك به، وهذا التخصيص أو التعيين يتم بسريان نسق من القوانين والسنن هو من مقتضيات المنظومة الكلية للأسماء الحسنى وخاصة منظومة أسماء الرزق، هذا الرزق هو لدواب الأرض رزق مادي؛ أي من نفس مادة الأرض وما نبت منها، ولكن يلزم الإنسان أيضا رزق معنوي لصالح كيانه الجوهري.
والرزق مثله مثل كل فعل منسوب إلى الله يتم وفق نسق من السنن اقتضتها منظومة الأسماء الحسنى من حيث مجموعة خاصة من الأسماء؛ هي منومة أسماء الرزق، ومنها: الحلقة الإلهية "الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ" والأسماء "الرزَّاق" و"المتين" و"خير الرازقين"، ولأن المنظومة الكلية هي التي تقتضي سريان السنن فإن صفات الإنسان من اختيار وإرادة حرة وتدبير وسعي تؤخذ في الاعتبار؛ ذلك بمعنى أنه لا غرابة في أن تكون تلك الصفات والأفعال من العوامل التي يترتب عليها تحديد الأرزاق الخاصة بالإنسان، فلسعي الإنسان دور هام فيما يناله من رزق، ولكنه ليس السبب الوحيد!
ومن العوامل الأخرى المحددة للرزق أو المسببة له الأقضية المتعلقة بالكيانات الإنسانية الأكبر التي ينتمي إليها وكذلك الأصغر التي قد يكون مسئولاً عنها، فقد يتسبب ولد يكون مقدرا له أن ينشأ مرفها في اتساع رزق والده!
وإذا ما تحصَّل الإنسان على رزقه من وسائل غير مشروعة لا يجوز القول بأن الإنسان قد رزقه ربه من حرام وإنما يقال إن الإنسان هو الذي أخذ أو نال رزقه من حرام، فلا يجوز أن يُنسب الشر إلى الله تعالى بأي حالٍ من الأحوال، وإنما يُنسب الفعل إلى الله تعالى من حيث أنه تأثيرٌ محض أو كمال.
*****
إن الرزق هو ما به قوام ونمو وحياة الجسم اللطيف أو الكثيف، فالأرزاق اللطيفة والمعنوية للجسم اللطيف والأرزاق الحسية للجسم الكثيف، والاسم "الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ" هو المتكفِّـل بضمان الأرزاق لسائر الكائنات وبإيصالها لكل كائن على حدة، ولا بد لكل رزق مهما كان نوعه من وجود لطيف سابق قبل أن يتعيَّن ويتحقق في هذا العالم، ولذلك قال تعالى: {وَفي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ(22)} (الذاريات)، وفي الآية حث للناس على التوجه إلى من بيده الرزق، ومن هو صادق الوعد، وأن يعلموا أن الكائنات الأرضية لا تملك شيئاً معه، ولا تتحرك إلا بإذنه ووفق قوانينه وسننه.
ولا بدَّ لمن تكفَّـل لكل كائن برزقه من قوة هائلة لا يمكن تخيُّلها أو تصورها، لذلك، فإن الاسم "الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِين" له القوة المطلقة والمتانة أي الشدة البالغة والتماسك المطلق، وهذا التماسك هو ما يكون ملازما للتجانس المطلق المشار إليه بالصمدية، ولذا كان هو المقصود لمن طلب رزقا، وكان هو غير محتاج إلي طعام أو مدد خارجي، فتلك القوة هي أمر متجانس واحد لا يمكن أن يعتريه فتور أو نقص أو لغوب أو تغير، فمن استحضر في ذهنه  الأعداد الهائلة للكائنات الطالبة للرزق والتي لا تـتناهى نوعا أو كما أو كيفا علم شيئا عن مدى عظمة هذا الاسم وعظيم سطوته، فهذا الاسم هو حلقة إلهية تحيط بكل الكائنات، فتدبير الأرزاق وإيصالها عمليا لتلك الكائنات يتطلب تلك السمة المفصَّلة بالقوة و المتانة فلا يعتورها فتور أو نقصان مهما تضاعفت أعداد الكائنات وتقادم الزمان، وهو سبحانه يسخر لأمر الأرزاق أعدادا هائلة من الملائكة كما يستخدم ما شاء لإيصال الأرزاق إلى كل ما يشاء، فهذا الإيصال يتضمن أعمالا كونية هائلة ولا حصر لها.
-------
إن مصطلح "الرزْق" يطلق على الفعل كما يطلق على المفعول؛ أي مجال الرزق أو مواده، وبالمعنى الثاني فهو جماع العناصر اللازمة للكائن  للحفاظ علي بقائه في عالمه، والرزق بالمعنى الأول هو عملية تخصيص وسوق هذه المواد إلى الكائن لتكون في متناوله.
*****
إن الرزق هو فعل كسائر الأفعال الإلهية، والرزق هو فعل مختلف عن خلق مواد الرزق والتي تسمى أيضا بالرزق عندما تُخصص لكائنٍ ما، وهو مقتضي اسم من الأسماء الإلهية، فالله سبحانه هو المتكفل بتزويد كل كائن بما يلزمه لاستمرار حياته، فهذا من كمالاته ومن مظاهر صمديته وقدوسيته، والرزق من حيث هو فعل وتأثير هو من كمالاته اللازمة، وهو يستعمل آلاته من مخلوقاته لإيصال الأرزاق إلي بعضهم البعض، فثمة آلات لا اختيار لها، وثمة آلات لها إرادة ومشيئة واختيار مثل الإنسان.
ومن لوازم الحقيقة الإنسانية النقص الذي يترتب عليه مخالفات تشوب عملية الحصول على الرزق وتوزيعه، فوزرها يقع على من قام بها وظهرت منه، ولابد من أثر للصفات الإنسانية اللازمة في عملية الرزق كسائر الأمور الأخرى المتعلقة بالإنسان، فكما يكون الاختيار من شروط كثير من الأفعال الصادرة عن الإنسان كذلك يكون هذا الاختيار وغيره من صفات الإنسان من شروط تحصيل رزقه.
والسعي الإنساني هو عنصر من العناصر التي يمكن أن تأتي بالرزق (أي مواده)، ولكنه ليس بالعنصر الوحيد، والأمر هو أمر حلقات كونية متداخلة وخصائص ذاتية كما سبق بيانه، ويمكن القول بأن السعي هو العنصر الشرعي والمعتمد والمضبوط للحصول على الرزق، ومن العناصر الأخرى وسائل تحقيق المقاصد الوجودية، ومنها الابتلاء؛ فقد تُفتح للإنسان أبواب الرزق ابتلاءً له.
*****
إن الله سبحانه من حيث الأسماء المذكورة هاهنا هو الذي يمد كل كائن بما يلزمه للحفاظ على وجوده وللقيام بالمهام المنوطة به على كافة المستويات، أما هو فليس بحاجة إلى مادةٍ ما لأن لكيانه المتانة المطلقة والصمدية المطلقة، فالذي يحتاج إلى الرزق هو كل كيان مركب، أو كل كيان يمكن أن يقابله كيان آخر.
وهو سبحانه يرزق من يشاء أي وفقا للقوانين والسنن التي هي مقتضيات أسمائه فالرزق لا يتم عبثا أو بطريقة عشوائية، وما يناله الإنسان من رزق قد يكون قد ناله بسبب شرعي فيكون حلالا أو بسبب مخالف للشرع فيكون حراما.
وليس لأحد أن يتعلل بسعة رزقه ليزعم لنفسه حظوةً ما عند ربه، فالرزق هو من الأمور التي يمكن أن يُبتلى بها الإنسان، واللهُ تعالى يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ، وهو يبلوهم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً، وبالنظر إلى ما سبق فإن للناس أو لأولى الأمر حق محاسبة كل إنسان على مصادر دخله، وليس لأحد أن يتعلل بأن ما لديه هو رزق ساقه الله إليه.
-------
إن المصطلح "رزق" يُطلق على عملية تخصيص مواد لكائنٍ ما كما يُطلق على إيصال هذه المواد إليه وحصولها عنده، وكذلك يُطلق على نفس هذه المواد؛ هذه طبيعة اللسان العربي! والعجم الذين صنعوا للعرب علومهم ليست لديهم السليقة العربية، فلم يفقهوا ذلك، فتسببوا في مشاكل عقائدية! خاصة وأن العرب اتخذوهم بمثابة أرباب مشرعين في الدين!!
-------
والرمز (رزق) يشير إلى حاجة كل ما هو من دون الله من الكائنات إلي مدد مستمر ومتكرر من كل ما يقيم أودها ويحفظ لها حياتها وبقاءها، وهو يشير إلى أن ما تحتاجه فيه خير وشر ونفع وضر بالنظر إلى حالتها؛ فمن حيث ما فيه من خير ونفع فإن أصله هو سمات الكمال الإلهية، وكسر الراء يشير إلى أنه بسبب هذا الرزق ولضمان استمراره لابد من الخضوع الباطني الجوهري إلى من بيده الرزق.
والحرف (ز) إشارة إلى كون الرزق غيبا مقيدا؛ أي غيبا بشرط شيء، وفيه إشارة إلى أن فيه لطفا، وكذلك إشعارا بمعنى اللزوم، كما أنه يتضمن الإشارة إلى ضرورة الرزق للخلاص من خبث الكيان.
وتقدير الأرزاق وإيصالها إلى الكائنات يستلزم قوة لانهائية يشار إليها بالحرف (ق)، وهذا الرمز يشير أيضا إلى الحلقات الإلهية اللازمة لتدبير أمر الأرزاق وإلى الحلقات الكونية التي هي من مقتضياتها. 
-------
واللَّهُ تعالى هو خَيْرُ الرَّازِقِينَ، وهذا يتضمن أن بعض مخلوقاته يمكن أن يكونوا مزودين بهذه القدرة، ومن هؤلاء آلاته وأدواته من الملائكة والناس، فبعض الناس قد جُعلوا سببا لإيصال الرزق لبعضهم الآخر، فهم بذلك آلات وأدوات للاسم الرزاق، ولكن السمات الإلهية هي سمات واجبة ذاتية مطلقة، أما كل ما لدى المخلوقات من صفات وقدرات فإنما هي محدودة مقيدة، وهي لا تُعدّ شيئا مذكورا مقارنة بالسمات الإلهية، وإنما هي من آثار الأسماء الإلهية، وما يمكن أن يفعله الإنسان إنما هو في إطار قوانين الله وسننه وبإذنه، فلا يجوز لإنسان أن ينشغل بسبب الرزق الظاهر عمَّن هو الرزاق الحقيقي، وليس معنى ذلك تجاهل من جُعل سببا للرزق، ولكن عليه ألا يحتجب به عن ربه وألا ينشغل به عن أداء واجب الشكر له.
-------
إن الله تعالى هو خالق كل شيء، وهو لذلك قد تكفل برزق كل مخلوق طوال الفترة التي منحها له وجاد بها عليه لينعم بالوجود في عالمه، قال تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} هود6، {وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} العنكبوت60.
ومن الواجب على كل إنسانٍ أن يقوم بواجب الشكر لربه على كل ما رزقه به، وعليه أيضا ألا يُقصِّر في التوجه إلى ربه بالأسماء التي تتولى أمر الرزق، فهو بذلك يستحث القوانين الحاكمة على أمر الرزق لتعمل لصالحه، وعليه أن يعلم أن الأرزاق اللطيفة والمعنوية هي خير وأبقى من الأرزاق الكثيفة الحسية، فعليه أن يعرف لنعمة ربه قدرها وأن يؤدي واجب شكرها، ومن أول الواجبات ولوازم الشكر أن يعلم ويقرّ بأن ما به من نعمة هو من الله.
وعندما يتفكَّر الإنسان في أمر الرزق فسيدرك أن ما وصله من رزق كان نتيجة لكل الأسماء والأفعال الإلهية، ولكل التدابير والتصريفات، ولسريان كل القوانين والسنن، وأنه لو تغير شيءٌ مهما كان يسيرًا في مجريات الوقائع والأحداث لما وصل إليه رزقه الذي ينعم به الآن.


*******

الخميس، 29 ديسمبر 2016

مماليك مصر

مماليك مصر

كان نظام المماليك هو الرد الإسلامي على ما لمسه الناس من التفوق الساحق للفرسان الصليبيين على جيوش الغثاء العشوائية التي تصدت لهم عندما هاجموا قلب العالم الإسلامي.
وقد أسس المماليك دولة مزدهرة في مصر، هذه الدولة يجب أن تكون محل فخر للمصريين بما حققته من إنجازات وانتصارات، وقد استمرت حوالي 275 سنة، وللمقارنة حكم الأمويون مصر حوالي 94 سنة كانت احتلالا سافرا ونهبا بشعا لمواردها، وكذلك كان الأمر أيام العباسيين وقد استمر حكمهم حوالي 121 سنة كانت أسوأ من أيام الأمويين.
ومن الجدير بالذكر أن دولة المماليك كانت تشمل قلب العالم الإسلامي، وأنه في عصرهم ألفت الموسوعات الضخمة التي حفظت علوم الإسلام واللسان العربي.
إنه يجب العلم بما يلي:
1.      المماليك هؤلاء كانوا مملوكين لشخصية اعتبارية هي الدولة المصرية، ولم يكونوا تابعين لأية قوة خارجية، وكانوا يوفرون لمصر دولة مستقلة مستقرة ومقرا للخلافة العباسية التي كان يخضع لها كل العالم السني روحانيا.
2.      إن دولة المماليك التي قامت بمصر واتخذت من القاهرة عاصمة لها هي الإمبراطورية العسكرية (Military Empire) التي دافعت عن قلب العالم الإسلامي بنجاح على مدى حوالي ثلاثة قرون، فهي التي قضت تماماً على الخطر الصليبي وألقت بالصليبيين في البحر، وهي التي هزمت التتار والمغول في سلسلة من أشرس معارك العصور الوسطى، وكان التتار والمغول هؤلاء قد دمروا الجناح الشرقي الهائل للعالم الإسلامي الممتد من حدود الصين إلى بغداد وأبادوا أكثر سكانه، وهي التي حفظت للمسلمين والعرب التراث العربي والإسلامي، وقلب العالم الإسلامي هو الحجاز والشام ومصر، ولولا هذه الإمبراطورية لوصل الصليبيون والمغول إلى الأراضي المقدسة!
3.      نظام المماليك كان الحل الوحيد الممكن للتصدي للأخطار الماحقة التي هددت قلب العالم الإسلامي، كانت القوى المعادية تعتمد على التفوق الساحق لفرسانها في المهارات القتالية، لذلك كانت قلة من الفرسان الصليبيين تتمكن من دحر أضعافهم من جيوش السلاجقة والأيوبيين، وقد تعرض صلاح الدين نفسه لهزيمة مخزية على أيدي ثلة من الفرسان الصليبيين معركة مون ‌گيسار أو معركة الرملة Battle of Montgisard، هي معركة دارت بين الأيوبيين ومملكة بيت المقدس في 25 نوفمبر 1117، وكان الملك بلدوين الرابع ذو الستة عشر عاماً يرضخ تحت وطأة الجذام، وقد أبيد الجيش الأيوبي على أيدي الفرسان الصليبين، ونجا صلاح الدين بأعجوبة، ووصل إلى مصر في حالة يُرثى لها.
4.      وقد توصل آخر الملوك الأيوبيين في مصر –الملك الصالح نجم، الدين أيوب-إلى ضرورة إعداد مثل هذا النظام، يعتمد هذا النظام على استجلاب الأطفال والصبية الأشداء الذين نشئوا في سهوب آسيا والقوقاز وتربيتهم تربية عسكرية ودينية محض فينشئون على الولاء المطلق للإسلام وضرورة التصدي لأعدائه، كما كانوا يكتسبون المهارات الهائلة لأي فارس في ذلك العصر، وهذا كان أمرا بالغ التعقيد، لم يكن من الممكن أن ينشأ في قلب العالم الإسلامي أي بديل آخر، كان الفلاحون أو المزارعون شديدي الالتصاق بأرضهم ولا يقبلون المخاطرة بأبنائهم، أما بقايا القبائل الأعرابية فلم يكن لها هم إلا الإغارة على هؤلاء الفلاحين ولا يشعرون بأي انتماء للمكان الذي يعيشون فيه، أما المرتزقة من الترك والكرد فقد كانوا عناصر غير منضبطة لا هم لها إلا الإفساد في الأرض.
5.      حققت دولة المماليك لمصر سلسلة من أروع انتصاراتها، وكانت مصر في عهدهم قلب العالم الإسلامي وموطن أكابر علمائه، كما كانت مقر الخلافة العباسية (كان الخليفة لا يملك سيئا بل كان مجرد رمز).
6.      كانت دولة المماليك تشمل أيضا الشام والحجاز، أما العراق فكان خاضعا للمغول ثم للتركمان.
7.      ترجع السمعة السيئة التي اكتسبها المماليك إلى عدة أمور:
أ‌.       إنه عندما احتل العثمانيون قلب العالم الإسلامي أبقوا عليهم مع الولاة العثمانيين حتى يقوم ويستمر صراع بين الطرفين فلا يستقل الوالي بحكم مصر، وهذا أخشى ما كان يخشاه الخلفاء العثمانيون، لذلك عندما أصبحوا سلطة غير مسئولة طغوا وأفسدوا في الأرض.
ب‌.   نتيجة لذكريات الأوروبيين المريرة والصليبية الكامنة في نفوس مؤرخيهم تجاههم عملوا على تشويه سمعتهم.
ت‌.   عندما ظهر الحكام الجدد في العصر الحديث بعد الثورات ضد الإمبريالية الغربية لم يكن لدى هؤلاء أي رصيد من الأمجاد في أمم تعشق الفخر الزائف، فزعم لهم المنافقون والطبالون وحملة الأبخرة انه لم يجد الزمان بمثلهم فقاموا بإحداث مقولات لا معنى لها لشطب كل تاريخ بلادهم لصالحهم مثلما زعموا لجمال عبد الناصر أنه أول حاكم مصري لمصر!!!!!!! منذ عهد الفراعنة !!!!! وبذلك تم إلقاء ألفين وثلاثمائة سنة من تاريخ مصر وأمجادها وانتصاراتها في سلة المهملات لتضخيم عبد الناصر!!!! وقد أصبح هذا القول العقيدة الأكثر رسوخا عند كل البهائم والجهلوتيين من المصريين يستعملونها لترسيخ مركبات النقص والدونية في أنفسهم ويجلدون بها ذواتهم ويستعملونها بالمرة للنيل من تاريخ مصر الإسلامي.
ث‌.   عندما ظهر تيار القومية العربية حلا لهم أن يضخموا من شأن صلاح الدين والأيوبيين على حساب المماليك، هذا مع أن المماليك لم يهملوا اللسان العربي مثلما سيفعل العثمانيون، بل إنه في عهدهم دونت الموسوعات الكبرى في التراث الديني واللغة، كما أن صلاح الدين هو مثلهم، لم يكن عربي الأصل!! 
لذلك لا معنى لقول جاهل: "لقد احتل المماليك بلادكم"، أو "لقد حكمكم المماليك العبيد"! ويوجد بالمناسبة كثير من هذه الدواب الجهلوتية في مصر أيضا، وكأنه كانت توجد دولة في كازاخستان أو جورجيا مثلا تُسمَّى دولة المماليك أرسلت جيوشها لغزو مصر!!!
*******
ردا على بعض من دأبوا على مهاجمة عصر المماليك في مصر:
1.    لم تكن موقعة عين جالوت معركة تافهة، وإنما أرسل هولاكو خيرة قواده وجنوده، والمعارك لا تقاس بعدد المشاركين فيها، وكم من معارك شارك فيها مئات الألوف ولم تؤد إلى أية نتيجة، وكم من معارك شارك فيها أعداد محدودة من الناس غيرت مجرى التاريخ، ومنها معركة بدر، وموقعة عين جالوت هي بكل المقاييس من المعارك الحاسمة في التاريخ وترتب عليها نجاة مصر وتحرير الشام بالكامل، وإبادة كل من دخله من المغول والتتار وإسقاط هيبتهم إلى الأبد، وقد تفوق الجيش المصري في التكتيكات المستعملة ورسم الخطط في الحرب، وضمن بذلك تفوقا دائما على المغول.
2.    لم تكن موقعة عين جالوت هي الموقعة الوحيدة التي وقعت بين المصريين وبين المغول والتتار، فقد تبعتها معارك أشد هولا وانتهت كلها لصالح المصريين، ومنها على سبيل المثال معركة البيرة 1272 م ومعركة حمص 1281 م (كان جيش التتار 86 ألف جندي وجيش مصر 50 ألف جندي) ومعركة شقجب بمرج الصفر 1302 م (كان جيش التتار 80 ألف جندي)، ويا ليت المصريين يحفظون تفاصيل هذه المعارك عن ظهر قلب، فهي من أمجد الانتصارات في تاريخ مصر، وقد استمر هذا الصراع طويلا حتى بعد إسلام المغول في فارس والعراق.
3.    نجح المماليك في القضاء التام على الصليبيين ودارت في سبيل ذلك معارك مهولة في أنطاكيا وعكا وكل مدن ساحل الشام وغيرها، ومرة ثانية: يا ليت المصريين يحفظون تفاصيل هذه المعارك عن ظهر قلب، فهي من أمجد الانتصارات في تاريخ مصر.
4.    كان المماليك يشكلون قادة وضباط وفرسان الجيش، وكان عددهم بضعة آلاف، أما باقي الجيش الذي كان يتجاوز عند التعبئة المائة ألف فكان من المصريين، والصراعات بين فرسان المماليك بمعزل عن الجيش كانت صراعات قصور محدودة لم تؤد إلى أي فتن داخلية.
5.    ويجب العلم بأن مصر هي وطن وليست سلالة عرقية، فمن يستوطن مصر مهما كان أصله هو مصري، فيجب أن يكف الجهلة عن القول بأن الحاكم الفلاني لم يكن مصريا، ذلك لأنه هو نفسه ليس لديه ما يثبت أنه حفيد خفرع مثلا، وجمال عبد الناصر الذي زعموا له أنه أول مصري يحكم مصر هو من قبيلة بني مرّ، وعرابي كان أصله من البدو المهاجرين من العراق، فهو لم يكن أكثر مصرية من الشركس الذين ثار بسببهم!
6.     ونظام المماليك قد أثبت أنه أعظم الأنظمة كفاءة لمواجهة ظروف العصور الوسطى وضرورة إعداد الجندي إعدادا خاصا منذ صغره.
7.    يجب التمييز بين عصرين؛ عصر المماليك البحرية والبرجية الممتد من 1250 م إلى 1517 م، فيه كان المماليك يحكمون مصر كدولة مستقلة وقاعدة لأقوى إمبراطورية في الشرق وبين العصر العثماني الذي أبقى على الخونة من المماليك ليكونوا عوامل صراع مع الوالي تمنعه من الاستقلال بمصر، وهؤلاء بالطبع لم يكونوا قوة مسئولة، وكانوا يعيشون على السلب والنهب، وهم الذين أساءوا إلى سمعة المماليك العظام.
8.    عصر المماليك –باستثناء فترات الأوبئة والقحط- هو من العصور الذهبية في تاريخ مصر، وبذلك يعترف المنصفون من المؤرخين الغربيين، وقد لخَّص ويل ديورانت الأمر بالقول: "أعادوا لمصر أمجادها الفرعونية"، وأكثر آثار مصر الإسلامية تعود إلى عصر المماليك، ولا عجب، فلم تكن مصر تدفع الجزية لأحد، بل كانت مواردها تُنفق فيها.
9.    كانت مصر في العهد المملوكي مركز الحضارة الإسلامية العربية والملاذ الآمن لكل علماء المسلمين، وفيها ألفت أكبر موسوعات هذه الحضارة.
10.نهاية عصر المماليك كانت أساسا بسبب تحول التجارة إلى طريق رأس الرجاء الصالح مما أدى إلى إفقار مصر والسياسة العدوانية الاستفزازية من العثمانيين وتمسك الغوري بالـ "السنة"، فقد رفض تطوير الجيش في الوقت المناسب كما رفض التحالف مع شاه إيران الشيعي لصد العثمانيين.
*******
مثال لسوء استعمال التاريخ وقلب الحقائق للتطاول على شعب عريق:
حكم مماليك مصر إمبراطورية كبيرة تشمل بالإضافة إلى مصر الحجاز وفلسطين وسوريا والأردن ولبنان وجنوب الأناضول وجزء من شمال العراق، ولو أرادوا توسعا أكبر لحققوه بسهولة، ولكنهم كانوا مثل كل حكام مصر على مدى تاريخها سلميين ودفاعيين في سياساتهم، هؤلاء المماليك كانوا مملوكين اعتباريا للدولة المصرية وكل ولائهم لها ولا يعرفون لهم وطنا غير مصر ولا يتكلمون إلا بلسانها، فكانوا مصريين بكل المقاييس القديمة والحديثة.
وقد أعادوا لمصر أمجادها الفرعونية كما يقول المؤرخ الأمريكي وِل ديورانت.
أما باقي العالم الإسلامي في عصرهم فكان في الشرق بدءا من العراق يحتله المغول والتتار والتركمان، أما في الغرب فكان الإسبان يواصلون القضاء على دولة الأندلس، وكان المغرب يدافع عن نفسه ضدهم، وكان هو الخزان البشري الذي يمد الأندلس بما يلزم لبقائها من العناصر البشرية، ولكن كل ذلك انتهى بهزيمة معركة العقاب الهائلة.
وفي قلب العالم الإسلامي كانت توجد دولة المماليك المزدهرة المنيعة، حققت لمصر سلسلة من أروع انتصاراتها، وكانت مصر في عهدهم قلب العالم الإسلامي وموطن أكابر علمائه، كما كانت مقر الخلافة العباسية (كان الخليفة لا يملك شيئا بل كان مجرد رمز)، واتخذت من القاهرة عاصمة لها، كانت إمبراطورية عسكرية (Military Empire)، دافعت عن قلب العالم الإسلامي بنجاح على مدى حوالي ثلاثة قرون، فهي التي قضت تماماً على الخطر الصليبي وألقت بالصليبيين في البحر، وهي التي هزمت التتار والمغول في سلسلة من أشرس معارك العصور الوسطى، وكان التتار والمغول هؤلاء قد دمروا الجناح الشرقي الهائل للعالم الإسلامي الممتد من حدود الصين إلى بغداد وأبادوا أكثر سكانه، وهي التي حفظت للمسلمين والعرب تراثهم، وقلب العالم الإسلامي هو الحجاز والشام ومصر، ولولا هذه الإمبراطورية لوصل الصليبيون والمغول إلى الأراضي المقدسة!
كان المماليك يشكلون صفوة الجيش المصري الذي كان يتجاوز المائة ألف عند الحشد، وكان جسد الجيش من المصريين، هذا الجيش العرمرم كان كلما سمع بحملة تتارية على الشام يتم حشده ويخرج من باب النصر، وكان ذلك المشهد المهيب يستغرق وقتا طويلا، ثم يعود من باب الفتوح.
وعندما كان هذا الجيش يتلكأ قليلا أو ينسحب من الشام لصراعات بين المماليك كانت مدن الشام هي التي تدفع الثمن باهظا، وهذا ما حدث عندما نشب خلاف بين القادة الذين خرجوا للتصدي لجيش تيمورلنك المرعب، إذ تنازعوا بينهم وانسحبوا وتركوا تيمورلنك ليفترس دمشق ويحرقها تماما ويقتل كل رجالها وليغتصب جيشه كل شيء بشري يتحرك فيها، وبعد أن قضى تيمورلنك وطره من الشام لم يجرؤ على مواصلة زحفه إلى مصر وبادر بالانسحاب.
أما مدن الشام الأخرى مثل حلب فقد قتل فيها عشرين ألفا، وبنى من رؤوس القتلى عشرة مآذن محيط كل مأذنة نحو عشرين ذراعا وارتفاعها مثل ذلك، وأسر ثلاثمائة ألف وكذلك فعل بحماة.
هذا ما كان يحدث عندما يتقاعس جيش مصر عن نجدة الشام.
أما عندما كانوا يتحركون فإنهم كانوا يلحقون بالمغول الهزيمة الساحقة، وهذا ما حدث سنة 702 هـ، 1302 م أيام السلطان الناصر قلاوون الذي بعد معركة استمرت ثلاثة أيام هزم جيش غازان هزيمة ساحقة عند بلدة شقجب بمرج الصفر، وقد قام كل جندي مصري بقتل ما لا يقل عن عشرين مغوليا في هذه المعركة، وكان لابن تيمية دور كبير في حث السلطان المصري للخروج إلى قتال المغول، وقد سار مع الجيش عند خروجه من مصر، وحضر المعركة، وبذلك لعب دورا كبيرا في إنقاذ الشام.
ومع ذلك ستجد من الشاميين من يعاير المصريين بأنهم حكمهم المماليك!! مع أن المماليك كانوا يحكمونهم كمجرد خط أمامي للدفاع عن مصر، فقد كانت مصر بالغة الثراء وتمر بها كل التجارة العالمية، ولم تكن بحاجة إلى أية مستعمرات، وكانت مصر هي التي تتولى شؤون الأراضي المقدسة وعمارة مكة والمدينة والإنفاق على من فيها وكسوة الكعبة وتأمين الحجيج.
هذه الدولة يجب أن تكون محل فخر للمصريين بما حققته من إنجازات وانتصارات، وقد استمرت حوالي 275 سنة، وللمقارنة حكم الأمويون مصر حوالي 94 سنة كانت احتلالا سافرا ونهبا بشعا لمواردها، وكذلك كان الأمر أيام العباسيين وقد استمر حكمهم حوالي 121 سنة كانت أسوأ من أيام الأمويين.
يقول ابن بطوطة عن القاهرة أيام المماليك: هي أم البلاد، قرارة فرعون ذي الأوتاد ذات الأقاليم العريضة والبلاد، وهي كثيرة العمارة متباهية بالحسن والنضارة تموج كالبحر بساكنيها... الخ.
أما ابن خلدون فيقول: انتقلت إلى القاهرة فرأيت الدنيا وشبان العالم ومحشر الأمم ومدرج الذر من البشر وإيوان الإسلام ... الخ، ونقل عن شيوخه قولهم عن القاهرة: من لم يرها لم يعرف عز الإسلام، القاهرة أوسع من كل ما يُتخيل فيها ... الخ.
لذلك من العجب أن تجد جهلوتيا من حثالة المصريين يلغي كل ذلك التاريخ المجيد بتشويحة من يده قائلا: لم يكونوا مصريين!!! أو ترى أعرابيا جلفا أو شاميا أحمق يقول لمصري: "لقد حكمكم العبيد"، فيطرق المصري المغفل الجاهل إلى الأرض خجلا ا!!!!!
وهكذا بسبب -الجهل البشع- تتعرض دولة مجيدة كانت مصر في عهدها في أفضل حالاتها مقارنة بحكم الراشدين والأمويين والعباسيين لظلم بشع، بل ويستغل تاريخها للإساءة إلى مصر بدلا من أن يكون موضع فخار لها.

*******

الخميس، 22 ديسمبر 2016

سورة الحشـــر 7

سورة الحشـــر 7

مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(7)

هذه الآية من الآيات المظلومة التي انتزع الناس جزءًا من أجزائها واستعملوه لإبطال رسالة القرءان ولاختلاق دين بديل.
والآية تتعلق أساسا بموضوع توزيع الفيء، ولكن حاول السلف الطالح المدلس والخلف الضال المفلس إيهام الناس أن إعمال هذه الآية يعنى إلزام الناس إلزاما قاطعا بما جمعه بعض المجتهدين في القرن الثالث الهجري من مرويات ظنية وفق مذاهبهم الأرضية وطبقا لمقاييسهم البشرية وبمجهوداتهم الذاتية وعلى مسؤوليتهم الشخصية، وقد سوَّل الشيطان لهم اعتبار تلك المرويات وحيًا ثانيا أو مثلا للقرءان، بل جعلوها حاكمة وقاضية عليه وناسخة لآياته عند الاختلاف، وأحوجوه إليها، وهذا مثال صارخ لمسلكهم في إحداث الآراء ثم حمل الآيات عليها، والآية بريئة من تأويلهم فهي موجهة أساسا إلى أهل القرن الأول وتلزمهم بالطاعة المطلقة للرسول من حيث أنه وليّ أمرهم، ولذلك فعليهم الرضا بحكمه في أمر توزيع الغنائم، أي أن عليهم أن يأخذوا ما آتاهم ولا تمتد أيديهم وأبصارهم إلى ما نهاهم عنه، وخصوصية الآية تأتى من قوله تعالى (ولذي القربى)، فالمراد هم ذوو قرباه وحده كرسول وليس لغيره ولا لمن سيلي الأمر من بعده.
فَمَا ءاتَـٰكُمُ ٱلرَّسُولُ، أي ما أعطاكم من الفيء، فَخُذُوهُ، ذلك لأنه حقكم الذي قرره الله تعالى وأحله لكم، وَمَا نَهَـٰكُمْ عَنْهُ، أي عن أخذه منه، فَٱنتَهُواْ عنه، فلا يجوز لكم أن تطمعوا فيه أو أن تتطلعوا إليه، ولما كان هذا قد يعظم على بعضهم فقد ذكر الأمر الثابت؛ { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ }، وذلك تحذيرا لهم من المخالفة عن أمره،  ثم ذكرت الآية الاسم الذي يراقب الالتزام بذلك: {إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ}، وذلك لخطورة الموقف، فالعرب والأعراب كانوا دائما مولعين بالفيء والغنائم، وقد تسبب ذلك في التقليل من حجم الانتصار في بدر، كما تسبب في هزيمة أحد، وسيتسبب من بعد في تحريف الدين، ولم يكن بعضهم يتورع عن الإساءة إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ بل وتعريضه للخطر الشديد من أجل حطام الدنيا.
ولما بدأت تشتد حركة الكذب على الرسول واختلاق تعليمات ونسبتها إليه لتصبح جزءا من الدين كان الناس يطالبون بالدليل من القرءان الكريم، ووجد أصحاب المصالح والأهواء ضالتهم في هذه الآية، فباسمها تم اختلاق دين بديل.  
والآية تبيِّن أن أهل القرن الأول لم يكونوا ملائكة بل كانوا بشرًا يحرص كل منهم على الفوز بأكبر قدر من الغنائم، ولقد حرص الكتاب علي تسجيل ذلك، وكان هذا بيانا للناس رحمة بهم حتى لا يغلوا في أمرهم غير الحق، ويجب القول بأن ذلك لا يقلل من شأنهم، ذلك لأن الإيجابية والفعالية والقوة ومتانة البنيان النفسي من الأمور اللازمة للأمة القوية الفتية، ولقد توفر كل ذلك فيهم، وكان الحرص علي الغنائم من لوازم ذلك وأعراضه، وإن كان يجب عليهم الحد من جماحهم في هذا الأمر.
وبعد بيان ذلك فإن كل مسلم ملزم بطاعة الله ورسوله بمعني أنه ملزم بالعمل وفق مقتضيات الرسالة التي جاء بها وهي القرءان الكريم وما يصدقه من الآثار المنسوبة إلي الرسول، أما الحكم العام الذي تضمنته الآية فهو أنه لابد من وجود آليات تسمح بتداول الثروة في الأمة وتمنع تكديس الأموال لدي طائفة خاصة.
ويجب العلم بأن أكثر معايير جهابذة المرويات هي معايير شخصية ذاتية مذهبية غير موضوعية، وهي بصفة عامة لا ترفع المرويات فوق درجة الظنية، وأن هذه المرويات تفتقد الشرعية اللازمة، وهي وجود وثيقة مكتوبة بمحضر من شهود عدول في الوقت المناسب، ولذلك لابد من قرينة حقيقية للقبول بالمروية خاصة وقد ثبت أن المرويات الموضوعة كانت تعادل حوالي مائة  ضعف المرويات الصحيحة، وقد أقرَّ بذلك جامعو المرويات أنفسهم، فأقاموا الحجة على من جاء من بعدهم، أما القرينة المطلوبة فهي وجود أصل للمروية في القرءان والاتساق التام مع دين الحق المستخلص منه. 
ورغم الآيات القرءانية العديدة التي تمنع الغلوَّ في أمر أهل القرن الإسلامي الأول فإن المذهب السائد، أو بالأحرى الدين الأعرابي الأموي، يقدسهم ويكاد يلزم الناس بعبادتهم، بل هو يتخذهم عمليا وواقعيا أربابا مشرعين في الدين يكون كل ما يُنسب إليهم نصًّا دينيا يعتبرونه الوحي الثاني والسنة الحاكمة على القرءان والقاضية عليه ... الخ، وهم يتخذون من يوم الجمعة عيدا أسبوعيا لتقديسهم والتسبيح بحمدهم وترسيخ ما هو منسوب إليهم في أذهان الناس، وفي هذه الخطب لا يملون من تكرار بعض القصص الساذج عن مآثرهم ومنها مثلا حكمهم بالعدل مع أن الأمم المتحضرة قد جعلت العدل روح قوانيتها التي لا يجرؤ حاكم على مخالفتها، ولكنهم يتجاهلون كل الفتن والمجازر البشعة وكبائر الإثم التي تورطوا فيها، بل يتجاهلون آيات القرءان التي تذكر بعض كبائر الإثم التي اقترفوها في العصر النبوي.
ولم تكن بداية ذلك المنزع حبًّا لهم وإنما رغبة في فرض الطلقاء والمنافقين على الأمة وإعطاء الشرعية لهم، وهكذا فإنه على المستوى النظري صار معاوية مكافئاً للإمام علي، وصار تمرده السافر على إمام الأمة مجرد اجتهاد يثاب عليه، وصارت جرائمه الكبرى أيضا من قبيل الاجتهاد الذي يثاب عليه، أما على المستوى العملي فلقد صار معاوية هو الإمام الفعلي للأمة وصارت محدثاته سننا يتمسك بها الناس من بعده وخاصة القائمون على أمورهم ويعضون عليها بالنواجذ، والصياغة السائدة هي تماماً الصياغة التي ارتضاها معاوية لهذا الدين.
والآية تنص على الأمر بتقوى الله، وهو من أكثر الأوامر ورودا في القرءان، والتحقق بالتقوى هو أمر ديني لوازمي كبير، وركن فرعي من أركان الدين، وهو مقصد الكثير من الأركان ومن لوازم وتفاصيل المقصد الديني الأعظم الخاص بالفرد.
وتُختم الآية بالاسم الإلهي "شَدِيدُ الْعِقَابِ"، وذلك لإعلام الناس بعاقبة المخالفة عن الأوامر الواردة في هذه الآية.

*****

الأحد، 11 ديسمبر 2016

المقصد الديني الأعظم الخامس 1

المقصد الديني الأعظم الخامس 1

 

هذا المقصد هو باختصار: التعايش السلمي البناء المثمر مع الأمم الأخرى لتحقيق الفردوس الأرضي.

وبتفصيل أكبر:

تزويد كل كيان إنساني -بما في ذلك الفرد والأمة وما بينهما من كيانات- بالأسس والعلوم والمبادئ والسنن التي تمكنه من التعامل والتعايش مع الكيانات الأخرى في شتى الظروف والأحوال والقيام بمقتضيات حمل الأمانة والاستخلاف في الأرض   


إن المقصد الديني الأعظم الخامس لدين الحق يتضمن تزويد كل كيان إنساني -بما في ذلك الفرد والأسرة والأمة وكل ما يمكن أن يستجد من كيانات والبشرية جمعاء- بالكيانات الأمرية (المنظومة المعنوية التي تتضمن منظومات القيم والسنن) التي تمكنه من التعايش السلمي المثمر مع الكيانات الأخرى رغم الاختلاف في الدين والمذهب وأسلوب المعيشة والوطن والقومية والسلالة....إلخ، وهذا يتضمن التوظيف الإيجابي للاختلافات بين الفرق المختلفة، وهذه العلوم لازمة لصلاح أمر البشرية وازدهارها وقيامها بمقتضيات حمل الأمانة والاستخلاف في الأرض وحتى يتحقق الأمن والسلام والتعايش السلمي بين الناس وحتى تتحقق الاستفادة الأمثل من موارد الأرض والحفاظ عليها والانتهاء عن الإفساد فيها.
والمنظومة المعنوية الملزمة للكيان الإسلامي تشمل العلوم والقيم والمناهج والأوامر والسنن والأحكام والمعايير الأسس والآليات والسلوكيات، ومن فروع هذا مقصد الأعظم الخامس تزويد الجماعة المسلمة في أي بلد من البلدان بالمنظومة المعنوية اللازمة لتمكينها من أداء المهام المنوطة بالأمة بقدر وسعها ومن التعايش مع شتي الأحوال الممكنة.
وهذه المنظومة المعنوية هي أساسا مقتضيات الأسماء الحسنى الإلهية، فمن الأسماء الحسنى مثلا: "الحق، السلام، المؤمن"، لذلك من أركان هذه المنظومة: الحكم بالعدل، القيام بالقسط، الالتزام بالعهود والمواثيق، الصدق في القول، السلام، الأمن، تجنب ما يثير البغضاء بين الشعوب مثل النزعات الاستعلائية والعنصرية ... الخ. 
إن المقصد الديني الأعظم الخامس لدين الحق يتضمن التعايش السلمي والتفاعل البناء المثمر مع الآخرين لتحقيق الفردوس الأرضي، صفات هذا الفردوس هي ما وصف به الله تعالى ما أعد لعباده الصالحين في اليوم الآخر، وهي أيضا الصفات المضادة لما أعده للكافرين والظلمة والمجرمين والمنافقين والمشركين في اليوم الآخر، فهذا الفردوس يتصف بما يلي:
1.    جنات تجري من تحتها الأنهار.
2.    تحقق السلام التام.
3.    تحقق الأمن التام.
4.    تحقق السعادة الكاملة، فلا تعاسة ولا شقاء ولا حسرة ولا ندم.
5.    تحقق الأخوة.
6.    اختفاء الغل من الصدور، وهذا يعني اختفاء كل أسبابه.
7.    تحقق الرفاه والوفرة.
8.    تحقق كل ما يشاؤه الإنسان.
ومن المعلوم أن الكثير من هذه الصفات متحقق في البلدان الغربية بصفة خاصة، وأن أبعد البلدان عنها هي البلدان المحسوبة ظلما على الإسلام.
إن المقصد الديني الأعظم الخامس يتضمن تزويد الكيان الإنساني المؤمن بالأسس والعلوم والمبادئ والسنن التي تمكنه من التعامل والتعايش مع الكيانات الأخرى في شتى الظروف والأحوال، ويتضمن أيضاً تزويد البشرية بصفة عامة بكل ما يلزم لصلاح أمر كافة الكيانات الإنسانية وازدهارها وقيامها بمقتضيات حمل الأمانة والاستخلاف في الأرض وحتى يتحقق الأمن والسلام والتعايش السلمي بين الناس رغم الاختلاف في الدين والمذهب وأسلوب المعيشة والوطن والقومية والسلالة....إلخ وحتى تتحقق الاستفادة الأمثل من موارد الأرض والحفاظ عليها والانتهاء عن الإفساد فيها وبحيث يتم التوظيف الإيجابي للاختلافات بين الفرق المختلفة، أما ما يلزم لذلك فهو يتضمن القيم والمناهج والأوامر والمعلومات والأحكام والمعايير الأسس والآليات والسلوكيات، وهذا المقصد هو من لوازم تحقيق المقاصد الوجودية.
فالمقصد الخامس يتضمن توفير الأسس والآليات والمعلومات التي تمكن البشرية جمعاء من القيام بمقتضيات استخلاف الإنسان في الأرض والحفاظ علي حقوقه واحترام كرامته.
ومن لوازمه المقصد الخامس تحقيق المهام المنوطة بالأمة الخيرة وما هي مأمورة به من الأركان وما يجب عليها اتباعه من السنن وأن يحسن الإنسان استعمار الأرض وألا يفسد فيها وأن يحسن الإفادة من مواردها للحفاظ علي وجود وبقاء وانتشار الجنس البشري.
*****
ومن الأمور المنصوص عليها بالنسبة للمقصد الديني الخامس:
1.       الله تعالى رب العالمين وليس ربا لقبيلة خاصة أو لشعب خاص.
2.       الله تعالى لم يتبنَّ أحدا ولم يتخذ صاحبة ولا ولدا.
3.       الإيمان بالأخوة الإنسانية أي بوحدة الأصل الإنساني أي بوحدة الانتماء إلي نفس واحدة ظهرت في صورتين وتعددت أشكالها، فيجب الإقرار بما هو ثابت علميا الآن وهو أن البشر متكافئون، فالبشر كلهم ينتمون إلى أصل واحد وإلى والد واحد.
4.       الإنسان خليفة وحامل للأمانة ومكرَّم ومفضل على سائر الكائنات الأرضية.
5.       الإنسان هو العلة الغائية لخلق السماوات والأرض.
6.       كل ما في السماوات والأرض مسخر للإنسان.
7.       لا يتحمل الإنسان المسئولية عن أفعال الآخرين بما في ذلك أسلافه.
8.       إنزال الرسل ومعهم الكتاب والميزان كان ليقوم الناس بالقسط.
9.       لا إكراه في الدين، فالاضطهاد الديني ممنوع ومُجرَّم، وهو كبيرة من كبائر الإثم.
10.    في القصاص حياة.
11.    مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا
12.    الله تعالى هو الذي خلق الناس مختلفين.
13.    ذلك يقتضي أن يتعارفوا بكل ما يعنيه ذلك فيتبادلوا العلوم والخبرات.
14.    هو الذي جعل لكل طائفة شرعة ومنهاجا، ليس ليتقاتلوا ولكن ليستبقوا الخيرات وليحققوا أكبر قدر من الإنجازات.
15.    الحكم بين الناس في الأمور الدينية مؤجل إلى يوم القيامة.
16.    الأصل في العلاقات بين شتى الشعوب والطوائف هو السلم والبر والإقساط.
17.    القتال حالة استثنائية مكروهة وله أسبابه الشرعية المحددة مثل التصدي للاضطهاد الديني والدفاع عن المستضعفين ولاسترداد الديار والأوطان السليبة ومنع الفتنة، ولكنه يتحول إلى عمل إجرامي إذا كان في سبيل الدنيا مثل سرقة موارد الآخرين والاستيلاء على أموالهم ونسائهم وأطفالهم.
18.    من كبائر الإثم المحرَّمة والمُجرَّمة البغي والجور والظلم والعدوان والإفساد في الأرض.
19.    الناس جميعا مسئولون عن كل ما هو علي الأرض أو فيها ومكلفون باستعمارها وإصلاحها وبألا يفسدوا فيها.
20.    يجب رد العدوان ولكن لا يجوز الإسراف في ذلك، وكذلك لا يجوز أي إفراط في استخدام القوة ولا الإفساد في الأرض، ويجب الجنوح للسلم عند أول بادرة من المعتدي، وإلزامه بدفع غرامة مالية (الجزية) هي حل للتمادي في القتال المهلك.
21.    لا يجوز أن يتعالى أو يستكبر إنسان علي آخر استنادا إلي أسس غير موضوعية كاللون مثلا والذي اقتضاه ضرورة تكيف النوع الإنساني مع بيئته.
22.    إن ما يجمع بين المسلمين من شتى المذاهب أكثر بكثير مما يفرقهم وأكثر مما يجمع بينهم وبين غيرهم.
23.    إن ما يجمع بين المسلمين وبين أهل الكتاب أكثر مما يفرقهم وأكثر مما يجمع بينهم وبين غيرهم.
24.    إن كون الإنسان قد ولد مسلما لا يعطيه الحق في التطاول على الناس والعدوان عليهم ولا يضمن له الجنة ولكنه يلقي عليه واجبات ثقيلة ويلزمه بالعمل وفق مقتضيات ميثاق غليظ ويرتب عليه حقوقا تجاه نفسه وأمته والبشرية جمعاء وسائر الكائنات.
25.    ليس من حق أحد نشر عقائده وأساليب حياته بالقهر والترويع والاسترهاب وإنما بالحكمة والموعظة الحسنة والحوار الموضوعي والجدال بالتي هي أحسن وتقديم الأسوة الحسنة وهي السبل الشرعية للدعوة إلي الإسلام، وعلي الداعين إلي الأديان الأخرى ألا يتجاوزوا ذلك.
26.    لابد من التعاون المثمر بين شتى الطوائف للقيام بواجبات الاستخلاف في الأرض فكل إنسان مسئول عن أخيه الإنسان، كما أنه مسئول عن دواب الأرض وعن البيئة ممنوع من الإفساد فيها، التعاون لا يكون على الإثم والعدوان.
27.    يجب دائما الجنوح للسلم.

*******