الأربعاء، 30 نوفمبر 2016

منظومة القيم الإسلامية ج1

منظومة القيم الإسلامية ج1

إن للإسلام منظومته المعنوية الخاصة به، وهي ثابتة بالقرءان وما يصدقه مما هو منسوب إلى الرسول، وهي تتضمن مكارم الأخلاق ومحاسن الصفات التي يجب أن يتحلى بها المسلم وأن يتطهر مما يناقضها، كما تتضمن القيم والمبادئ والسنن الإسلامية، ولهذه المنظومة الحكم على كل ما هو من دونها من العناصر والأمور.
ومنظومة القيم الإسلامية هي المنظومة المعنوية الخاصة بالإسلام، وهي تتضمن القيم المقدسة لدى المسلم والتي يجب أن يسعى إلى التحقق بها والعيش بمقتضاها، فهي الصفات التي يجب أن يتزكى بالتحلي بها والتطهر مما يناقضها، هذه القيم والمعاني والصفات هي المقتضيات المعنوية للأسماء الإلهية في الكيان الإنساني، فالأسماء الإلهية هي مصدر القيم في دين الحق، فالمصدر الأوحد لكل حسن (كمال) هو الله تعالى وحده.
ويزعم بعضهم أن ما يسمونه بالعقل هو مصدر القيم، وهذا بالطبع وهم باطل، فالعقل -أو بالأحرى ملكات القلب الذهنية- هو كيان نسبي مقيد، وهو أسير قدراته وما لديه من المعطيات وسقف عصره الحضاري، كما أنه يتم برمجته منذ ولادة الإنسان على العمل وفق نمط معين، فهذا المنطق وما لدى الملكات الذهنية من مفاهيم وتصورات مستخلصة ومجردة أساسا من عالم الشهادة، فأحكام هذا العقل نسبية، وهو في أمسّ الحاجة إلى الهدي الإلهي.
ولكن يجب العلم أيضًا بأنه لا حدّ لقدرة العقل البشري على التقبل والاستيعاب والرقي، ولذلك كان لأولي الألباب المتقين مكانة رفيعة في الوجود.
*******
إن للإسلام منظومة قيم هي الأرقى والأسمى، ومن ثبت أنهم يمثِّلون هذه المنظومة للناس لهم حق على كل عاشق للقيم والمبادئ والمثل العليا، فهذه القيم هي من مقتضيات الأسماء الحسنى الإلهية، والإنسان سوي الفطرة ينجذب إليها أينما كانت، فهو يحب مثلا كل من أسدوا إلى الإنسانية خدمات جليلة وآثروا على أنفسهم ولم يأبهوا بمتاع الدنيا العاجل، فتذكر سير هؤلاء هو من وسائل تزكية النفس.
أما ما هو مذموم وممنوع فهو الإصرار على التعلق لأسباب مختلقة غير موضوعية بمن ثبت إجرامه ونفاقه أو اتخاذ شركاء لله يشرعون في الدين ما لم يأذن به او ادعاء سمات إلهية لبعض الناس، وأكثر الأمة واقعون في ألوان من هذا الإثم.
والقيم هي من أمور الدين الكبرى، لذلك فالقرءان هو المصدر الأوحد لها، والقيم هي أساسا مقتضيات الأسماء الإلهية في الكيان الإنساني، فالله تعالى هو المصدر الأوحد للحسن (الكمال) في الوجود، ولكل منظومة أو اسم من الأسماء الحسنى منظومة من القيم المقتضاه، هذه المنظومة تجمعها منظومة شاملة هي المنظومة الرحمانية والتي هي منظومة القيم الإسلامية، وبذلك تتعين طبقا لسنن الوجود وطبيعته منظومة مضادة لها من الصفات الشيطانية، ومن أركان الدين التطهر من الصفات الشيطانية والعمل على التحلي بالقيم الإسلامية.
وعلى سبيل المثال من المنظومات الإلهية منظومة سمة الرحمة، لذلك كانت الرحمة من القيم العليا والسمات الحسنى ومكارم الأخلاق التي على الإنسان أن يتصف بها وأن يعمل على ذلك وبمقتضى ذلك، فالرحمة صفة وعمل بمقتضى الصفة، والرحمة تتضمن اللين، وهي ضد الفظاظة والغلظة والقسوة، فعلى الإنسان أن يتطهر من كل الصفات والأفعال والتصرفات المضادة للرحمة، وهي تتضمن إقامة صلات مع الكيانات الأخرى الأقرب فالأقرب، والرحمة باعتبارها من أركان منظومة القيم الإسلامية لها الحكم فيما يختص بالأمور والمسائل الدينية، فيجب رفض كل ما يتعارض معها من آثار وعدم الأخذ بما هو مضاد لها من أحكام واردة في الآثار.
ولله تعالى منظومة سمة الحق، وهي تقتضي في الكيان الإنساني الحق والعدل في الحكم والصدق في القول والقيام بالقسط واحترام حقوق كل كيان بما في ذلك حقوق الإنسان وأداء الأمانات إلى أهلها، وهي تقتضي طلب الحق والاعتصام بالحق ورفض الباطل والأمور غير الحقانية وغير الموضوعية.
والحق هو من أركان منظومة القيم الإسلامية، ويجب التحلي بكل تفاصيله المشار إليها والعمل بمقتضاها، كما يجب أيضا التطهر مما يضادها ويناقضها مثل: الباطل، الظلم، الجور، الكذب، التكذيب بالآيات، جحود الآيات، الاعتداء على حقوق الإنسان، أكل أموال الناس بالباطل، أكل أموال اليتامى ظلما، اتباع الأمور غير الموضوعية مثل آراء السلف لمجرد أنها آراء السلف، اتباع الظنون والأوهام، ... الخ.
ومن المنظومات الفرعية لمنظومة القيم الإسلامية منظومة عزم الأمور، وهي تتضمن كل ما ذكر القرءان إنه من عزم الأمور، ومن ذلك التقوى والصبر (بمعناه الحقيقي) والعفو عند المقدرة والمغفرة، قال تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}آل عمران186، {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ }لقمان17، {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ }الشورى43.
*******
إن المنظومة الأمرية الرحمانية تتضمن كل ما يتوافق مع المثل الأعلى الذي هو لله تعالى في السماوات وفى الأرض، أي هي كل ما يتوافق مع المثل الإلهي الأعلى في عالم الأمر مما له مقتضيات وآثار على الإنسان (من حيث أن له كيانات مادية ولطيفة ومعنوية متعددة) وكذلك على الأمة من حيث أنها كيان كلى واحد، فتلك المنظومة تتضمن كل ما هو من عالم الأمر من مبادئ وقيم ومعان وأخلاق ومثل وصفات أي كل ما هو لازم لتحقيق مقاصد الدين العظمى بالنسبة إلي الفرد والأمة.
*******
إن منظومة القيم الإسلامية تتضمن مقدسات الإسلام العظمى من القيم والمبادئ والمثل والصفات والأخلاق والمعرفة بالسنن، وهي منظومة القيم التي ينبغي أن تكون حاكمة وسائدة علي الكيان الإنساني الذي تحقق أو يريد التحقق بالكمال المنشود بمعني أن يكون كيانا إنسانياً ربانياً خيراً فائقا، وعناصر تلك المنظومة هي مقتضيات الصفات الإلهية في النفس الإنسانية، وهي يمكن تصنيفها من حيثيات عديدة فيمكن أن تصنف من حيث الكيان الإنساني الملزم بها مثل الفرد أو الأسرة أو الأمة مثلا، وكذلك يمكن أن تصنف من حيث الكيان الذي له حقوق علي الكيان الإنساني، والكيان الأعظم هو لله سبحانه، ويلي ذلك سائر الكيانات الأخرى مثل الإنسان نفسه والأسرة والأمة والبشرية، وأعلى تلك العناصر ما هو خاص بالعلاقة بين الإنسان وبين ربه مثل تقوي الله وهي الخلق الجامع وحب الله والتوكل علي الله والاعتصام بالله وتفويض الأمر إلى الله والثقة بالله وخشية الله وإجلال الله، ومن المجموعات الفرعية لتلك المنظومة الأخلاق والصفات التي ينبغي أن تحكم العلاقة بين الإنسان وبين نفسه وبين الإنسان وبين الكيانات الإنسانية الأخرى كالأسرة ومؤسسة العمل والمجتمع والأمة، لذلك فمما تتضمنه تلك المنظومة احترام حقوق الآخرين والصدق والقسط والعدل والولاء للحق والأمانة والشجاعة الصبر والحياء والجود والكرم والسخاء والوفاء والرحمة والرأفة والرفق والإحسان وحب الصفات النبيلة وحب استعمال الملكات الذهنية وإجلال المشاعر الوجدانية وخفض الجناح والمصابرة والحلم والعفو والصفح والمغفرة والسماحة واللين وكراهية ما يضاد تلك المنظومة وهي العناصر والأمور التي تكون المنظومة الشيطانية أو الشجرة الملعونة مثل الظلم والإثم والبغي والطغيان والجور والفساد والإفساد والكفر والشرك والنفاق والرياء والكذب والجهر بالسوء والشح والبخل والغلظة والعدوان والترف….إلخ.
*******
إن المنظومة المعنوية الإسلامية تتضمن مكارم الأخلاق، وهي كل ما كان من تفاصيل الصفات التي تشير إليها الأسماء الحسني كالرحمة والرأفة والكرم والجود والعزة والقوة … إلخ، وهي كذلك الآداب والأخلاق التي ينبغي أن يقابل بها الإنسان التجليات الإلهية، لذلك فمنها التقوى والحب والأنس والهيبة والإجلال والخضوع والإخبات، وثمة أخلاق وأنشطة إنسانية بحتة اقتضاها كون الإنسان لم يخلق في مرتبته النهاية ابتداء وإنما يتطور كيانه الجوهري إلي أن يصل إليها، لذلك فهو مطالب بالتفعل ليصل إلي تحقق بالفعل، ومن تلك الأنشطة التفقه والتفكر والتدبر والتعقل والتذكر، لذلك فهو بممارسة التفقه في عنصر من عناصر مجال الفقه سيصل إلي فقهه، وهو يمارس تذكر أمر ما إلي أن يتحقق بذكره بمعنى أن يكتسب إحساساً دائماً بحضوره معه……إلخ، وثمة قيم عامة مثل الحق والعدل والقسط والصدق والرحمة...إلخ.
*******
إن منظومة القيم الإسلامية هي أيضا المنظومة الرحمانية، ذلك لأنها من مقتضيات الأسماء الحسنى التي هي من لوازم الاسم "الرحمن"، وهذه المنظومة هي روح الشريعة وسرها، وهي سارية في كل قانون من قوانين دين الحق، تعطيه حياته وفعاليته ونورانيته وتضمن دورانه في فلكها وتضمن اتساق سائر القوانين ومصداقيتها وتتحقق وتتجسد من خلال تلك القوانين، فالمنظومة وما اقتضته من الشرائع هي كيان كلي واحد متسق لا يتجزأ كالكيان الإنساني مثلا، ولا يمكن تفعيلها إلا كذلك بمعني أنه يجب إعمالها كلها وعدم الاقتصار على جوانبها الجزئية أو إنكار بعضها.
وتتنوع عناصر ومحتويات المنظومة الأمرية وتتفاوت الارتباطات والأوزان النسبية لكل عنصر طبقاً لطبيعة الكيان الإنساني، لذلك فإن المنظومة الكلية الأصلية تأخذ صورا عديدة؛ فثمة منظومات قيمية لكل من الفرد والأسرة والأمة.
*******
إن لتطور الكيانات الإنسانية (إنسان، أسرة، جماعة، أمة…) ارتباطا وثيقا بمنظومات القيم والسنن السائدة والحاكمة على هذا الكيان، ولذلك التطور ارتباط أيضاً بطبيعة العصر وما هو سائد فيه من الظواهر الاقتصادية والثقافية وغيرها، وكذلك ثمة تفاعل وارتباط قوى بين منظومات القيم والسنن السائدة وبين الظواهر الاقتصادية والثقافية الحضارية السائدة، فلا بد أن تفرض تلك الظواهر ما يلائمها وما يتوافق معها ومن العبث محاولة التصدي لها، أما دين الحق فليس ثمة خوف عليه من أية ظواهر يمكن أن تستجد، ذلك لأنه دين الطبيعة والفطرة، فليس ثمة خوف علي منظومات قيمه وسننه، فالتطور لن يزيدها إلا جلاءً ووضوحا وسيبرز تفاصيلها وما خفي علي الناس منها، ولقد رفضت أوروبا الإسلام وناصبته العداء المحض ولكنها بعد أن دفعت الثمن غاليا من دماء أبنائها ومواردها اكتشفت من القيم والسنن ما هو أشبه بما لديه، وسواء أكان اهتداؤهم  إلى تلك القيم والسنن تأثرا بما وصل إليهم  منه أو وصلوا إليها مستقلين عنه فإن ذلك يبين مدي كفاءة وحقانية وفعالية تلك القيم والسنن.


*******

الاثنين، 28 نوفمبر 2016

الشخصيات المختلفة لمسمَّى المسيح

الشخصيات المختلفة لمسمَّى المسيح

يجب التمييز التام بين الشخصيات التالية:
1.        المسيح القرءاني عيسى بن مريم الهارونية -التي عاشت عذراء- والمولود بطريقة إعجازية، وهو المسيح الحقيقي، وهو لم يُقتل ولم يُصلب بل كفَّ الله عنه بني إسرائيل ونجاه منهم، وأدَّى رسالته كاملة، وكانت خاصة ببني إسرائيل، وهو خاتم أنبياء بني إسرائيل وكان مرسلا إليهم وحدهم من دون الناس لتجديد الدين ولفت أنظار الناس إلى عالم الباطن وجوهر الدين، وقد توفاه الله تعالى ورفعه إليه، وسيقدم شهادته على قومه يوم القيامة، وهو المشار إليه باسمه الحقيقي المسيح عيسى بن مريم في كتبنا، وقد ظهر قبل العصر الروماني، وأتباعه هم الذيم كتبوا ما يُسمَّى بوثائق ومخطوطات البحر الميت The Dead Sea scrolls.
2.        المسيح المزيف، يسوع بن يوسف النجار من امرأته مريم بنت يواقيم، وله إخوة ذكرت الأناجيل أسماءهم، وهم يَعْقُوبَ وَيُوسِي وَيَهُوذَا وَسِمْعَانَ (شمعون)، كما أن له أختين هما: آسيا وليديا كما ورد في بعض الآثار، وفي آثار أخرى ورد: ماري وسالومي، وهو الذي ظهر في العصر الروماني وظن أنه المسيح الذي بُعث، كما ظنَّ اليهود كذلك، وكان له نفس اسمه، وهو الذي يحاولون إرجاع نسبه إلى داود بن يسَّى ليتوافق مع نبوءات سفر أشعيا، وهو الشخصية الأساسية في الأناجيل الثلاثة المتناظرة المتناسقة المعتمدة (Canonical synoptic gospels)، وهو الذي تقدم هذه الأناجيل قصة محاكمته وصلبه، هذا مع بعض آثار عن المسيح الأصلي، هذه الآثار ترجع إلى سببين؛ أحدهما الآثار التي ظلت متداولة منذ أيام المسيح الحقيقي، والثاني أقوال ترجع إلى المسيح المزيف كان يحفظها وتعلمها من طائفته العيسويين؛ أتباع المسيح عيسى الحقيقيين، فكان يتلوها ويتمثل بها كلما دعت الحاجة.
3.        المسيح الأسطوري، وهو الشخصية التي اختلقوها وأضفوا عليها صفات الألوهية، وهو مركب من كل آلهة الشرق الأوسط القديمة، وتوجد إشارات إليه في إنجيل يوحنا، وهو الشخصية المحورية لرسائل بولس المسؤول الأول عن اختلاقه.
4.        مسيح المجامع المسكونية Ecumenical Councils of churches، وصياغة شخصيته بدأت من حيث انتهى بولس، وهو الذي أصبح أقنوما (Hypostasis) من أقانيم الثالوث الإلهي (The Divine Trinity) أو شخصا (Person) من أشخاص هذا الثالوث، وهو أكثرها فعالية وأحبها إلى قلوب المسيحيين، وإليه ينتسبون، وهو الابن (The Son)، وهو الإله الابن (God the Son).
5.        مسيح المؤرخين، ويكتنفه غموض شديد، فهو لا يكاد يوجد، ومن يقول منهم بوجوده لا يجد دليلا إلا أن يقول: إنه لابد من افتراض وجوده حتى يمكن تفسير بعض وقائع التاريخ! وكل الدلائل على وجوده مستمدة من إشارات مقتضبة من كتاب للمؤرخ اليهودي يوسيفوس وللمؤرخ الروماني تاسيتوس، ولا يكادون يعرفون عنه بصفة مؤكدة في زعمهم إلا واقعتي التعميد والصلب وأن له أخا اسمه يعقوب قتله اليهود رجما بالحجارة.
*****
ويلاحظ باستقراء الأناجيل أنها تتحدث عن شخصيتين لا يمكن أبدا التوفيق بينهما:
1.        المسيح الحقيقي، عيسى بن مريم الهارونية، وهو النبي المصدق لما بين يديه من التوراة، والذي هو على ذروة عالية من الخلق الرفيع والود والحنان والأدب والاهتمام بجوهر الدين، وهو مؤيد بالقدرة على إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله تعالى، وهو الذي أعلن على بني إسرائيل الحكم الإلهي الصادر في حقهم، والذي يبشرهم بقدوم رسول آخر لا يكون لدينه نهاية.
2.        المسيح المزيف ابن يوسف النجار، وهو الذي حذرهم منه المسيح الحقيقي، والذي لديه بعض التسلط على الجن والشياطين، والذي له إخوة ويسيء معاملة أمه ويشرب الخمر ويحول الماء إلى خمر ويتلفظ بالألفاظ البذيئة أحيانا، ولا يلتزم بالناموس وتكذب أفعاله أقواله، ولا يمانع في أن تدلك إحدى النساء الأجنبيات قدميه بشعرها، وهو الذي تم القبض عليه وإهانته وصلبه!
وهذا المزيف كان أصلا رجلا صالحا ومن المؤمنين برسالة المسيح الأصلي، وكان بالفعل مزودا بالقدرة على إتيان بعض الأمور الخارقة للمألوف مثله مثل الأولياء الصالحين واليوجيين الهنود، فكان يمكن أن يقلب الماء خمرا وأن يعالج المس الشيطاني، كما كان له تسلط على الجن بالفعل كما ذكرت الأناجيل.... الخ، ولكنه استدرج إلى الظن بأنه المسيح مثلما يُستدرج بأحد المسلمين الصالحين ليظن أنه النبي أو المهدي، كما حدث على مدى التاريخ!!! ولقد ظل ينتظر معجزة تنقذه مما حاق به إلى أن أصابه اليأس فصرخ صرخته العظيمة: «إِلُوِي، إِلُوِي، لِمَا شَبَقْتَنِي؟» اَلَّذِي تَفْسِيرُهُ: إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟ والتي استنفدت قواه ومات بعدها وسط ذهول أتباعه!
والقرءان نفى القصة الشائعة جملة وتفصيلا وقال إن الأمر كله التبس عليهم!


*******

الثلاثاء، 22 نوفمبر 2016

من حقائق تاريخ القرن (الجيل) الإسلامي الأول

من حقائق تاريخ القرن (الجيل) الإسلامي الأول


1.          كان القرءان لا يوجد كاملا إلا في بيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، وكان بالطبع هو المسؤول الأوحد عنه طوال حياته.
2.          كان لا يحفظ القرءان كاملا إلا بضعة أفراد.
3.          لم تكن الكتابة شائعة بينهم وكان الكتبة قليلين، فكان تعلم القرءان يتم في المسجد النبوي، ويقوم به الرسول بنفسه، وكان ذلك من مهامه العظمى، فكان يتلوه عليهم في الصلوات ويتهجد به، ولذلك تمَّ التشديد عليهم ليحضروا الصلوات معه، وباختصار لقد كان هو لقومه القرءان الحيّ والذِكر المنزل.
4.          كان المهاجرون بضع مئات، وكان عدد من حضر صلح الحديبية من المهاجرين والأنصار حوالي ألف وأربعمائة، هؤلاء هم الطبقة الأولى من المسلمين، وهم من أسلم من قبل الفتح وقاتل، وهم بداخلهم طبقات عديدة.
5.          هؤلاء كانوا قوما عمليين أميين يتلقون العلم من المعلم مباشرة، ولم يكونوا منظِّرين، وكان أهل العلم منهم بضعة أفراد.
6.          من أسلم من بعد الفتح كانوا حوالي مائة وعشرين ألفا، وأكثر هؤلاء لم يكونوا يعلمون عن القرءان والإسلام شيئا يُعتد به، وكان أهم ما يعلمونه أن يؤمنوا بالله وأن يحطموا أصنامهم وأن يؤمنوا بالنبي كرسول من لدن رب العالمين يدينون له بالولاء لذلك وأن يقيموا الصلاة وأن يؤتوا الزكاة.
7.          كان الرسول قد أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة التي أنشأها، وأوصى أن يكون ولي أمرها هو الإمام علي باعتباره سابق الأمة ويمثل الإسلام النقي الخالص، وكان قد نجح في كل ما نيط به من مهام في حين فشل وتخاذل غيره.
8.          بعد انتقال الرسول بادر الأنصار بالاجتماع في السقيفة للنظر في شؤون مدينتهم، ففوجئوا بحضور بعض المهاجرين، ونشب بينهم التلاسن المعلوم، وكان صراعا دنيويا محضا لم يحتج فيه أي فريق بنصٍّ من القرءان أو من حديث الرسول، وانتهى الأمر بتخاذل الأنصار وهزيمتهم أمام الدهاء القرشي وتصديقهم لوعدهم أن يكونوا هم الوزراء لأمراء قريش، وكان السبب الرئيس لهزيمة الأنصار عودة النعرة الجاهلية القديمة والخلاف بين الأوس وبين الخزرج، وتربص كل قبيلة بالأخرى.
9.          اعتبر المهاجرون والأنصار هذا الاتفاق ملزما للناس كافة بما فيهم من لم يشاركوا فيه، ولم يكونوا محقين في ذلك، وكان من الطبيعي أن يرفض أهل بيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ قرارا لم يشاركوا في صنعه، كما كان من الطبيعي أن يرفضه العرب والأعراب، فهم بالإضافة إلى ذلك لم يألفوا أبدا الخضوع لملوك أو سلطة مركزية.
10.      مما دعَّم موقف أهل السقيفة عدم ارتداد مكة، وتبعتها بالطبع الطائف، وكان موقف القرشيين متسقا مع دهائهم، فقد علموا أن وسيلة استرداد مكانتهم القديمة هي الدخول في النظام الجديد ثم ركوبه خاصة وأنهم رأوا أن قرشيين من المهاجرين هم الذين استولوا على السلطة، وأنهم سيكونون في حاجة إليهم بحكم أن المهاجرين كانوا قلة في المدينة.
11.      وقع باقي أهل الجزيرة في حيرة من أمرهم، وترددوا في إعلان ولائهم للنظام الجديد، ولكن غلبت عليهم طبيعتهم العربية الأبية ولم يجدوا أنفسهم ملزمين تجاه هذا النظام بأي شيء، لم يألفوا أبدا الخضوع لملوك أو سلطة مركزية كما سبق القول، فتمردوا، وحاول بعض المشعوذين استغلال الأمر لصالحهم.
12.      أعلن أبو بكر أنه سيقاتل كل من منعه عقال بعير كانوا يؤدونه إلى الرسول، فبدأت بذلك حروب تأسيس دولة قرشية مركزية، وكانت أنموذجا لحروب العصور الوسطى بكل ما شابها من مخالفات جسيمة وجرائم كبرى.
13.      رغم أن قرار شنّ الحرب على العرب كان غير صحيح من الناحية الدينية إلا أنه كان صحيحا من الناحية الاستراتيجية بالنظر إلى ظروف ذلك العصر.
14.      ترتب على انتهاء حروب تأسيس الدولة الجديدة حروب أخرى لا مفرّ منها مع القوتين العظميين المتاخمتين للجزيرة العربية، ومن المعلوم أنه في القرون الوسطى كان أي خلل في التوازن الدولي يتم تصحيحه بالحروب، وكان القانون هو الويل للضعيف أو المغلوب، ولم يكن المتغطرسون من الفرس أو الروم ليتركوا الدولة الوليدة وشأنها، ومن المعلوم أن الحجاز قليل الموارد، وقد تمكن الأمويون والعباسيون من قمع كل ثورات مكة أو المدينة بوحشية بالغة استغلالا لذلك، فكان انتظار الهجوم الفارسي أو انتظار إنزال جيش بيزنطي  في جدة من أسطولهم الذي يملك السيادة على البحار يعادل الانتحار، لذلك كان القرار بالهجوم العام على الإمبراطوريتين الفارسية والبيزنطية قرارا صائبا من الناحية الاستراتيجية، فالهجوم خير وسائل الدفاع، وكانت الإمبراطوريتان منهكتان بسبب الحرب العبثية الطاحنة التي نشبت بينهما، ولم تستردا بعد عافيتهما، فوقت الهجوم كان مناسبا، ولولا ذلك الهجوم لانخرط الأعراب في حروب طاحنة من جديد.
15.      مما ساعد العرب أن الإمبراطور البيزنطي المنتصر على الفرس هرقل كان قد أدرك خطورة الانشقاق الديني في الإمبراطورية بين المؤمنين بعقيدة مجمع خلقيدونية وبين الرافضين لها، فحاول فرض حلّ توفيقي على الناس، وهو عقيدة الإرادة الواحدة أو المشيئة الواحدة في المسيح، وتنصّ العقيدة على القول بمشيئة واحدة في المسيح، أي "إن طبعي المسيح المتحدان في مشيئة واحدة وشخص واحد بعد الاتحاد"، بمعنى آخر "إن الطبع البشري والطبع الإلهي في المسيح قد أفضت نتيجة اتحادهما إلى مشيئة واحدة أو قدرة واحد، فأحدث شقاقا أشد مما حاول أن يعالجه، وتورط في عمليات تعذيب بشعة للناس وخاصة في مصر لفرض العقيدة الجديدة عليهم، وذلك مما دفع الناس إلى اعتبار الغزوات العربية انتقاما إلهيا من البيزنطيين، وقد اعتقد ذلك هرقل نفسه وجنوده لكثرة تورطه وتورطهم في الموبقات، فكان البيزنطيون مهيئين لتلقي هزائم ساحقة.
16.      أظهر الشيخان ولاءهما الشديد لقريش، فكان قادة الجيوش منها، وسيؤدي نظام توزيع الأموال المنهوبة من شعوب المنطقة من بعد الذي أحدثه عمر إلى خلق طبقة شديدة الثراء، ولها مصلحة محققة في إبقاء الأمور على ما هي عليه، فجمعت قريش السلطة والقوة والمال، أما الأنصار فقد أصبحوا قلة لا أمل لمن يريد منهم شيئا من الدنيا إلا في التعلق بقريش والدخول في خدمتها، وتحققت نبوءة الحباب بن المنذر في السقيفة، أما في عهد عثمان فقد استفحل أمر الفرع الأخطر في قريش، وهو الفرع الأموي، وكان ذلك أمرا متوقعا، وبدأوا في التخطيط الجاد للاستحواذ على ملكٍ لا يبلى، ووجد بطلهم معاوية في الشام كل الجهاز البيروقراطي البيزنطي طوع أمره، فأنشأ لنفسه جيشا محترفا لا يدين إلا له بالولاء، وأطلق أيدي أعوانه من أهل الكتاب ليقوضوا أي عنصر ديني يهدد سلطانه، فبدأ العمل الجاد لإعداد دين بديل، وكان أول ما قاموا به الطعن في الإسلام ذاته، وهذا ما قام به وزير خزانتهم (القديس) يوحنا دفاق الدهب.
17.      أدَّى ذلك شيئا فشيئا إلى تحويل الإسلام الذي لم يكن تم تنظيره حتى الآن إلى أيديولوجية للقتال أساسا، وتمَّ تجاهل كل الأمور الدينية التي تتعارض مع هذه الأيديولوجية.
18.      لم يكن لدى المسلمين من مصدر للدين إلا القرءان، وقد اتَّبع الخلفاء الثلاثة خطة محكمة للقضاء على أي أثر ديني  يُنسب إلى الرسول أو أية وثيقة كُتبت في عهده ولو كانت آيات قرءانية معها تعليقات عليها مثلما فعل عثمان بالمصاحف الشخصية، ومنها مصحف عبد الله بن مسعود، وبالنظر إلى ظروف ذلك العصر لم يخطئ عثمان في ذلك!
19.      تفاقم الظلم والاستبداد والجور والنفاق ومظاهر الثراء الفاحش والانحراف الشديد عن الدين والتكالب على الدنيا في عهد عثمان، وكان من أسباب ذلك ولاته على الأقاليم، كما ذاقت الشعوب التي تم غزو بلادها الأمرين على أيدي الغزاة الجدد، ودفعوا ثمنا باهظا لمساعدتهم لهم على غزو بلادهم، وكان لابد من انفجار الأوضاع انفجارا مدويا.
20.      انفجرت الثورة ضد عثمان، وكان من أكبر المحرضين ضده والمؤلبين عليه من سيحاربون العالم ويخوضون في دماء المسلمين من بعده طلبا بثأره، وكان من أسبابها المباشرة أفعال ابن عمه مروان مضروب القفا بن الوزغة الحكم بن العاص طريد رسول الله، وكان مما فاقم المأساة شدة تشبث عثمان المغلوب على أمره بسلطة لم يكن يمارسها متذرعا بما عبر عنه بقوله: "ما كنت لأخلع سربالا سربلنيه اللَّه"، وهذه هي العقيدة الجبرية في أجلى صورها، هذا رغم أنه كان يعلم جيدا أن سرباله هذا قد تسربل به نتيجة مؤامرة قرشية، فلم يكن يجوز له أن يحمِّل الله تعالى مغبة أفعال البشر، بل كان عليه أن ينزهه عنها.
21.      عندما تولى الإمام عليّ أمر الأمة، وهو كاره لذلك أدرك كبار المنتفعين من الأوضاع القائمة خطورة الوضع ومغبة العودة إلى المثاليات القديمة، وكانوا هم أغلبية امن يملكون المال والجاه والنفوذ، فثارت قريش بكافة أجنحتها ضده إلا بعض المخلصين وبعض البطون التي لم ينلها من دنيا الناس شيء، وكان من ناصره خليطا شديد التنافر من كافة الاتجاهات التي لديها أسبابها الخاصة للتمرد على الأوضاع القائمة، وهكذا جعلت أكثر بطون قريش وكبار المهاجرين القرشيين من أنفسهم كتيبة انتحارية من أجل الطليق معاوية المتربص في الشام.
22.      رغم انتصار الإمام علي في موقعة الجمل فإن ذلك أدى إلى زيادة عدد الموتورين والمتربصين به المصممين على تكريس الانحراف الذي حدث والعبّ من الدنيا عبَّا، وبدأ الناس ينفضون من حوله، وظهر جليا أن الأمة قد هوت، وكان ذلك نتيجة طبيعية لكل ما سبق ذلك من أحداث.
23.      أظهرت معركة صفين حقيقة الأمر، وتبين للناس أن معاوية هو زعيم أهل البغي وعبيد الدنيا، ولم يعد لأحدٍ حجة، كما تبين أن أهل الحق الحقيقيين هم قلة محدودة وسط بحر من أهل النفاق والشقاق، وأصبحت المسألة محسومة.
24.      استولى معاوية على السلطة والأمة، أما الجيل الجديد الذي نشأ فقد كان يجد عزاءه في الانخراط في الحروب الطاحنة ضد كل الشعوب المجاورة ظنا أن ذلك هو الجهاد المطلوب منهم، فقد كانت عملية تحريف الدين قد بدأت تؤتي أكلها، ولما لم يكن من الممكن المساس بالقرءان وإلا  لانفجرت ثورة لا يمكن تقدير نتائجها بدأت عملية محاصرته وعزله واستبعاده لحساب المرويات، وهكذا بدأ التنظير للدين الأعرابي الأموي في الشام على أيدي (فكهاء أو سفهاء) الأمويين، تولى هؤلاء أمر الصياغة المبدئية لهذا الدين، وعاونهم من رأوا أنه من الأفضل التكيف مع الأوضاع القائمة بأقل قدر من الخسائر، وهكذا نشأ الدين الأعرابي الأموي لشرعنة أفعال مجرمي الأمويين ولإخضاع الناس لهم، وتمَّ النفخ في كلمة (الصحابة) وتقديسهم من أجل معاوية وكل من دخل في خدمته ممن أرادوا شيئا من دنياه.
25.      كان أمرا طبيعيا أن يورث معاوية الملك لابنه يزيد، وكان من الممكن أن يندثر الإسلام بسبب الخطة الأموية لولا ثورة الإمام الحسين، فكان هو الذبح العظيم الذي بسبب تضحيته عاش الإسلام، واشتعلت الثورات ضد الأمويين ولم تهدأ إلا بإبادتهم، وهكذا ظهرت قلة من المخلصين تولت أمر الحفاظ على الدين رغم أنف المتسلطين.
26.      عندما استولى العباسيون على السلطة بعد القضاء على الأمويين -وكانوا أشد إجراما وأقل نفعا من الأمويين- أدركوا أن الدين الأعرابي الأموي هو الذي يناسبهم ولم لم يتورعوا مد يد العون لسدنته فظهر الشياطين الذين كانوا مجهولين في العصر الأموي وبدئوا يعملون علنا، وهكذا ظهرت طبقة من رجال اللادين لا يخلو اسم واحد منهم من الأسماء: يعقوب، إسحاق، داود، إسرائيل.
27.      تمَّ تكريس أركان الدين الأعرابي الأموي، فأصبحت الشائعات والمرويات هي السنة الحاكمة على كتاب الله والقاضية عليه والناسخة لآياته عند التعارض، وأصبح الصحابة (ومحورهم معاوية ويلتف حوله كل من مهَّد له وناصره) أربابا مشرعين لا يجوز لأحد الحديث عنهم أو انتقاد أي شيء من أعمالهم، وأصبح هذا الاسم الذي أصبح مطلقا غير مضاف لأحد هو محور الدين، وأصبح ذكر بعض أخطائهم كفرا لا ينفع معه الإيمان المذكور في القرءان.
28.      كان لابد أن ينشأ دين آخر يقابل هذا الدين يحقق التوازن المطلوب، فظهر الدين الشيعي الذي جعل من أركانه ذكر ما اقترفه من يسمونهم بالصحابة من المخالفات الجسيمة والتنديد بسلوك أهل البغي والمنافقين منهم والمنقلبين على أعقابهم، وبذلك تمَّ حفظ الكثير من التاريخ الحقيقي للأمة من بعد أن اندثر منه الكثير، ونتيجة لنشأة التشيع تحت وطأة إرهاب وحشي مجنون فقد شابه تطرف وتقبل لتأثير الأديان القديمة، كما أصبحت التقية من أركانه.
29.      حدثت محاولات عديدة لتحسين الدين الأعرابي الأموي فنتيجة لعمل المعتزلة أدخل الأشاعرة شيئا من العقلانية في الدين، كما أحيا الزهاد والمتصوفة الكثير من جوانبه الوجدانية، ولكن كل ذلك لم يستطع الصمود أمام تغول السلطة ووجود سدنة شرسين له، وتم استيعاب كل ذلك وتحريفه عن مبادئه، وتحول التصوف إلى طرق ومؤسسات اقتصادية ووراثية، وكذلك بقي الدين الأعرابي الأموي في صورته النقية حيا يظهر له (مجددوه) جيلا بعد جيل، وقد استغلوا غلو وانحرفات الطوائف الأخرى أحسن استغلال.
30.      وقد آن الآن أوان ظهور دين الحق النقي الخالص، أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّار

*******

الاثنين، 14 نوفمبر 2016

المرويات التي تتحدث عن تعريف الإسلام وأركانه

المرويات التي تتحدث عن تعريف الإسلام وأركانه

ما هو الإسلام طبقا لما اتفق عليه الشيخان (البخاري ومسلم)؟
إجابة هذا السؤال ستوضح للناس الكثير من منهجنا في التعامل مع المرويات.
جاء في كتاب الإيمان من كتاب اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان:
مروية 1
حديث أبي هُرَيْرَةَ قال كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم بارزًا يومًا للناسِ فأَتاه رجلٌ فقال: ما الإيمان قال: الإيمان أن تؤمنَ بالله وملائكتِهِ وبلقائِهِ وبرسلِهِ وتؤمَن بالبعثِ قال: ما الإسلامُ قال: الإسلامُ أن تعبدَ اللهَ ولا تشركَ به وتقيمَ الصلاةَ وتؤدِّيَ الزكاةَ المفروضةَ وتصومَ رمضانَ قال: ما الإحسان قال: أن تعبدَ الله كأنك تراهُ، فإِن لم تكن تراه فإِنه يراك قال: متى الساعةُ قال: ما المسئولُ عنها بأَعْلَم مِنَ السائل، وسأُخبرُكَ عن أشراطِها؛ إِذا وَلَدَتِ الأَمَةُ رَبَّهَا، وَإِذا تطاولَ رُعاةُ الإبِلِ البَهْمُ في البنيان، في خمسٍ لا يعلمهنَّ إِلاَّ الله ثم تلا النبيُّ صلى الله عليه وسلم (إِنَّ الله عنده علم الساعة) الآية: ثم أدبر فقال: رُدُّوه فلم يَرَوْا شيئاً فقال: هذا جبريل جاءَ يُعَلِّمُ الناسَ دينَهم.
المروية تعرِّف الإسلام بأربعة أمور، ولا ذكر فيها للحج، وكما هو معتاد في كتب المرويات لا ذكر للزمن الذي قيلت فيه المروية، فذلك أمر متروك للبحث والنظر والتحليل، ولكن المروية لا تجعل من مجرد التلفظ بالشهادة ركنا من أركان الدين، ولكنها تذكر بدلا من ذلك: "أن تعبدَ اللهَ ولا تشركَ به"، وذلك أمر متسق مع القرءان، فهو يتضمن الأمر بعبادة الله تعالى بإخلاص وإخبات، وكل ما تقدمه المروية موجود في القرءان، ولا يمكن بالطبع الاستناد إلى هذه المروية لإلغاء الحج مثلا، والجزء الأول من المروية يحقق شروط المروية الصحيحة، وهي أنه يمكن الاستغناء عنها بالقرءان؛ فهي مجرد إعادة لبعض ما هو فيه وتجميع لبعض الأمور المترابطة لتيسير الأمر على من لا يحفظون القرءان كله.
مروية 2
حديث طَلْحَةَ بن عُبَيْد الله قال: جاءَ رجلٌ إِلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم من أهل نجْدٍ ثائرُ الرأسِ يُسْمَعُ دوِيُّ صوتِهِ ولا يُفْقَهُ ما يقول، حتى دنا فإِذا هو يسأَل عن الإسلام؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خمسُ صلواتٍ في اليومِ والليلةِ فقال: هل عليّ غيرُها قال: لا إِلاَّ أَنْ تَطَوَّعَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وصيامُ رمضانَ قال: هل عليّ غيره قال: لا إِلاَّ أَن تَطَوَّعَ قال، وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاةَ قال هل عليَّ غيرُها قال لا إِلاَّ أَنْ تَطَوَّعَ قال فأَدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أَنْقصُ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ.
المروية لم تذكر إلا ثلاثة أركان؛ الصلوات الخمس وصيام رمضان والزكاة، ولا ذكر فيها للحج أيضا، والمروية ترجع إلى أصلٍ صحيح، ولا تغني عن القرءان، ويمكن الاستغناء عنها بالقرءان.
مروية 3
حديث أبي أيوبَ الأَنصاريّ رضي الله عنه أَنَّ رجلاً قال: يا رسول الله أخبرني بعمل يُدْخِلُني الجنة، فقال القوم: مَا لَهُ مَالَه فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَرَبٌ مَّا لَهُ فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: تعبُدُ اللهَ لا تُشْرِكُ بهِ شيئًا وتُقيمُ الصَّلاةَ وَتُؤْتِي الزكاةَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ ذرْها قَال كأنّه كانَ عَلى رَاحِلَتِهِ.
المروية لا تذكر إلا أربعة أركان فقط، ولا ذكر فيها للحج أيضا، وهي تذكر صلة الرحم بدلا من الصيام، وواضح من المروية أن السائل استوقف الرسول في الطريق، فأوجز له بعض الأمور المشهورة، ولم يكن المقصود بالطبع حصر الإسلام فيها، والمروية ترجع إلى أصلٍ صحيح، ولا تغني عن القرءان، ويمكن الاستغناء عنها بالقرءان.
مروية 4
حديث أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ أَعْرابِيًّا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقالَ: دُلَّني عَلى عَمَلٍ إِذا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الجنة قَالَ: تَعْبُدُ اللهَ لا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقيمُ الصَّلاةَ المَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمفْروضَة وَتَصُومُ رَمَضانَ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ أَزِيدُ عَلى هذا فَلَمّا وَلّى، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلى هَذا.
المروية تذكر أربعة أركان فقط، ولا ذكر فيها للحج أيضا، والمروية ترجع إلى أصلٍ صحيح، ولا تغني عن القرءان، ويمكن الاستغناء عنها بالقرءان.
مروية 5
قول النبي صلى الله عليه وسلم بُني الإسلام على خمس: حديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: بُنِيَ الإِسْلامُ عَلى خَمْسٍ: شَهادَةِ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ.
هذه هي المروية الوحيدة التي تذكر الأركان الخمسة المشهورة، وهي أول مروية أيضا تستبدل بالعبارة "تَعْبُدُ اللهَ لا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا" مجرد الشهادة: "شَهادَة أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ".
والمروية مع ذلك ترجع إلى أصلٍ صحيح، وهي لا تغني عن القرءان، ويمكن الاستغناء عنها بالقرءان، وهي لا تذكر الكثير من أوامر القرءان الكبرى، ومع ذلك فقد جعلها أتباع الدين الأعرابي الأموي قدس أقداس دينهم وأبطلوا بها -لدى أتباعهم- مئات الأوامر الواردة في القرءان، وبذلك أصبح غاية ما هو متاح لمن أراد أن يستزيد من الدين أن يكرر ما استطاع الحج والعمرة وأن يصلي عشرات الركعات كل يوم وأن يصوم ما استطاع إلى ذلك سبيلا متجاهلا بذلك أركان الدين الجوهرية والكبرى ومقاصده العظمى.
مروية 6
حديث ابْنِ عَبّاس قَالَ إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمّا أَتَوُا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنِ الْقَوْمُ أَوْ مَنِ الْوَفْدُ قَالُوا: رَبِيعَةَ قَالَ: مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ أَوْ بِالْوَفْدِ غَيْرَ خَزايا وَلاَ نَدَامَى فَقالُوا: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّا لاَ نَسْتَطِيعُ أَنْ نَأْتِيَكَ إِلاَّ في الشَّهْرِ الْحَرامِ، وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ هَذا الْحَيُّ مِنْ كُفّارِ مُضَرَ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ فَصْلٍ نُخْبِرْ بِهِ مَنْ وَرَاءَنا وَنَدْخُلْ بِهِ الْجَنَّةَ وَسَأَلُوهُ عَنِ الأَشْرِبَةِ فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ وَنَهاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: أَمَرَهُمْ بِالإِيمانِ بِاللهِ وَحْدَهُ، قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الإِيمانُ بِاللهِ وَحْدَهُ قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: شَهادَةُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقامُ الصَّلاةِ وَإِيتاءُ الزَّكاةِ وَصِيامُ رَمَضَانَ وَأَنْ تُعْطُوا مِنَ الْمغنَمِ الْخُمُسَ وَنَهاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنِ الْحَنْتَمِ وَالدُّبَّاءِ وَالنَّقِيرِ وَالمُزَفَّتِ وَرُبَّما قَالَ المُقَيَّرِ وَقالَ: احْفَظُوهُنَّ وَأَخْبِرُوا بِهِنَّ مَنْ وَراءَكُمْ.
المروية  تذكر أن الرسول أَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ ثم تذكر خمسة أوامر!!!: "شَهادَةُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقامُ الصَّلاةِ وَإِيتاءُ الزَّكاةِ وَصِيامُ رَمَضَانَ وَأَنْ تُعْطُوا مِنَ الْمغنَمِ الْخُمُسَ"  ولا ذكر فيها للحج أيضا، فالركن الخامس هو إعطاء الْخُمُسَ مِنَ الْمغنَمِ، وتذكر المروية أنه نَهاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنِ الْحَنْتَمِ وَالدُّبَّاءِ وَالنَّقِيرِ وَالمُزَفَّتِ وَرُبَّما قَالَ المُقَيَّرِ، ولا ذكر لهذه الأمور الأربع في القرءان، ولم تذكر المروية نهيا عن كبائر الإثم مثلا، وإنما عن هذه الأمور العجيبة، وكالعادة لا ذكر لزمان صدور هذه المروية، ولا يجوز حصر الإسلام فيها.
مروية 7
حَدْيث ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا بَعَثَ مُعَاذاً رضي الله عنه عَلى الْيَمنِ قَالَ: إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلى قَوْمِ أَهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبادَةُ اللهِ، فَإِذَا عَرَفُوا اللهَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَواتٍ في يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ، فَإِذا فَعَلُوا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكاةً مِنْ أَمْوالِهِمْ وَتَردُّ عَلى فُقَرائِهِمْ فَإِذا أَطَاعُوا بِها فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كَرائِم أَمْوالِ النَّاسِ
لهذه المروية أهمية خاصة، فهي تبين أسلوب الدعوة، وتبين بكل وضوح أنه يمكن التدرج في مطالبة المسلمين الجدد بالأوامر الدينية بما فيها أهمها، وهي تلزم الداعية بألا يأمرهم بالأمور العملية والتكاليف إلا من بعد أن يعرفوا الله، وهذا يعني أن يعلموا ما ذكره القرءان عن رب العالمين.
والمروية لا تذكر إلا ثلاثة أركان، وتبين أن الزكاة تؤخذ من أغنياء البلد وتُردّ على فقرائهم، فهي لا تُحمل إلى (عاصمة دولة) أو (حكومة مركزية)، فالإسلام دين عالمي لا يجمد مثل هذه الأمور.
والمروية تذكر أن أهل الكتاب هم أهل دعوة، وهذا يعني أن لهم دينهم الخاص بهم، وأنهم ليسوا مسلمين، وهي بذلك تدحض حجج المهرجين والضالين الجدد، وهي تدحض أيضًا حجج أتباع الدين الأعرابي الأموي، فالرسول لم يأمر مُعَاذا بأن يخيرهم بين القتال أو الإسلام أو الجزية.
والمروية ترجع إلى أصلٍ صحيح، ولا تغني عن القرءان، ويمكن الاستغناء عنها بالقرءان.
مروية 8
الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إِله إِلا الله محمد رسول الله: حديث أَبي بَكْر وَعُمَر قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَمّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَكانَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه، وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ الْعَرَب، فَقالَ عُمَرُ رضي الله عنه: كَيْفَ تُقاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أُمِرْتُ أَنْ أُقاتِلَ النَّاسَ حَتّى يَقُولوا لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ، فَمَنْ قالَها فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاَّ بِحَقِّهِ، وَحِسابُهُ عَلى اللهِ فَقالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللهِ لأُقاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاةِ وَالزَّكاةِ، فَإِنَّ الزَّكاةَ حَقُّ الْمالِ، وَاللهِ لَوْ مَنَعُوني عَناقًا كَانوا يُؤَدُّونَها إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَقاتَلْتُهُمْ عَلى مَنْعِها، قالَ عُمَر رضي الله عنه: فَواللهِ ما هُوَ إِلاَّ أَنْ قَدْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَ أَبي بَكْرٍ رضي الله عنه فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ.
المروية تنص على أن الرسول كان مأمورا بقتال الناس (المشركين من قومه) حَتّى يَقُولوا لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ، فالذي كان مطلوبا أساسا من الأعراب هو الإسلام بمعنى الإذعان، أي الإسلام الذي لا يُشترط فيه الإيمان، فلا يمكن إكراه إنسان على الإيمان، ولكن يُرجى له الإيمان بمخالطة المؤمنين والتعامل معهم، قال تعالى:
{قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيم} [الحجرات:14]
وتلك هي السنة في أقوام الرسل، ذلك لأن إرسال رسول إلى الناس هو أمرٌ هائل، ولابد من الفصل بينه وبين قومه في هذه الحياة الدنيا، فإن لم يسلموا من بعد أن جاءهم بالبينات وكفوا عدوانهم وبأسهم عن الذين آمنوا فلابد من هلاكهم بآية كونية أو بأيدي المؤمنين، قال تعالى:
{وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)} الصافات، {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الذِّينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}الروم47،  {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ }يونس13، {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاء رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُون} [يونس:47].
أما قول أبي بكر: "وَاللهِ لأُقاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاةِ وَالزَّكاةِ، فَإِنَّ الزَّكاةَ حَقُّ الْمالِ، وَاللهِ لَوْ مَنَعُوني عَناقًا كَانوا يُؤَدُّونَها إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَقاتَلْتُهُمْ عَلى مَنْعِها" فلا علاقة له بالإسلام لا من قريب ولا من بعيد، ولا يتحمل الإسلام وزره أبدا، ويتبين منه استهانة شديدة بالدماء والحياة البشرية، والغايات في الإسلام لا تبرر الوسائل، وليس لأبي بكر أن يطالب لنفسه بما هو حق للرسول، فهو لم يكن نبيا مرسلا، والعرب والأعراب الذين تمردوا عليه لم يروا أن له أي حق عليهم خاصة وأنهم لم يشاركوا في اختياره.
والمروية تشير إلى أصل صحيح، وأكثر ما فيها هو الجانب التاريخي، ولا شأن لهذا الجانب بالإسلام، فالأمور والوقائع من بعد الرسول هي أمور تاريخية لا تلزم الإسلام بشيء.
مروية 9
حديث ابْنُ عُمَر أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أُمِرْتُ أَنْ أُقاتِلَ النَّاسَ حَتّى يَشْهَدوا أَنْ لا إِلهَ إِلاّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدا رَسُولُ اللهِ، وَيُقيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ، فَإِذا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ إِلاّ بِحَقِّ الإسْلامِ، وَحِسابُهُمْ عَلى اللهِ.
المروية تنص على أن الرسول كان مأمورا بقتال الناس (المشركين من قومه) حتى يؤدوا ثلاثة أركان، وهي الأركان المذكورة مرتين في سورة التوبة: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيم} [التوبة:5]،{فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُون} [التوبة:11]، فالمروية لها أصل في القرءان، وهي تبين أركان الإسلام الكافية لاعتبار الفرد عضوا في الأمة وأخا في الدين لكل من فيها، بغض النظر عن حقيقة إيمانه، ولا ذكر فيها للحج أيضا.
وقد سبق بيان حكم أقوام الرسل، والمروية ترجع إلى أصلٍ صحيح، ولا تغني عن القرءان، ويمكن الاستغناء عنها بالقرءان.
مروية 10
حديث أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أُمِرْتُ أَنْ أُقاتِلَ النَّاسَ حَتّى يَقُولُوا لا إِلهَ إِلاّ اللهُ، فَمَنْ قَالَ لا إِلهَ إِلاّ اللهُ فَقَدْ عَصَمَ مِنّي نَفْسَهُ وَمالَهُ إِلاَّ بِحَقِّهِ، وَحِسابُهُ عَلى اللهِ.
المروية تنص على أن الرسول كان مأمورا بقتال الناس (المشركين من قومه) حَتّى يَقُولوا لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ، فالذي كان مطلوبا أساسا من الأعراب هو الإسلام بمعنى الإذعان، أي الإسلام الذي لا يُشترط فيه الإيمان، فلا يمكن إكراه إنسان على الإيمان، ولكن يُرجى له الإيمان بمخالطة المؤمنين والتعامل معهم.
والمروية  تجعل قول "لا إِلهَ إِلاّ اللهُ" كافيا لاعتبار المرء مسلما، وهذا يتناقض مع المرويتين السابقتين، والمرويتان 9و10 تجعلان ذلك القتال حقا للرسول فقط، وليست حقا لأي فرد آخر، ومن الناحية الدينية المحض ليس من حق ابي بكر أن يعطي لنفسه ما هو حق للرسول وحده، فللرسول حقوق مقررة على قومه، ليس لأحد أن يزعمها لنفسه، ولا يمكن أن يخلفه فيها إلا نبي مثله، ولكن من المعلوم أن النبوة قد خُتِمت به، فليس لأحد أن يدعي لنفسه ما هو للرسول، لذلك فلم يكن من حق أبي بكر من الناحية الدينية أن يقول: "وَاللهِ لأُقاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاةِ وَالزَّكاةِ، فَإِنَّ الزَّكاةَ حَقُّ الْمالِ، وَاللهِ لَوْ مَنَعُوني عَناقًا كَانوا يُؤَدُّونَها إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَقاتَلْتُهُمْ عَلى مَنْعِها"، فلا يوجد أي نص قرءاني يجعل له ولا لغيره حقوق الرسول، ولو كان يوجد شيء من ذلك لما اعترض عمر بن الخطاب، فموقفه كان اجتهادا منه، وهو الذي يتحمل عواقبه.
وقد سبق بيان حكم أقوام الرسل، والمروية ترجع إلى أصلٍ صحيح، ولا تغني عن القرءان، ويمكن الاستغناء عنها بالقرءان.
مروية 11
 حديث عبْد اللهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الإِسْلامِ خَيْرٌ قَالَ: تُطْعِمُ الطَّعامَ وَتَقْرَأُ السَّلامَ عَلى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ.
وهذه المروية توضح أنه لم يكن من مقاصد الرسول عند خطابه لقومه إعطاء تعريفات نظرية صارمة للمصطلحات، وإنما كان من مهامه تعليمهم وتربيتهم وتزكيتهم، فقد كان يجيب كل سائل بما يناسبه ويلزمه، كما كان يعرِّف الشيء بمقتضياته ولوازمه، ولا ريب أن السائل هنا يختلف عن السائل عن الإسلام في المرويات الأخرى، فهو كان يعلم أركان الإسلام الكبرى، وإنما أراد الاستزادة من الخير، والمروية تعني أن من لوازم الإسلام التحلي بمكارم الأخلاق والعمل بمقتضاها.
والمروية ترجع إلى أصلٍ صحيح، ولا تغني عن القرءان، ويمكن الاستغناء عنها بالقرءان.
مروية 12
حديث أَبي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: قَالُوا يا رَسُولَ اللهِ أَيُّ الإِسْلامِ أَفْضَلُ قَالَ: مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسانِهِ وَيَدِهِ.
وهذه المروية أيضًا توضح أنه لم يكن من مقاصد الرسول عند خطابه لقومه إعطاء تعريفات نظرية صارمة للمصطلحات، وإنما كان من مهامه تعليمهم وتربيتهم وتزكيتهم، والمروية تعني أن من لوازم الإسلام التحلي بمكارم الأخلاق والعمل بمقتضاها، وكل مسلم مأمور في القرءان بالدخول في السلم وإدراك أن المؤمنين إخوة له، فعليه أن يكفَّ أذاه عنهم وأن يحسن إليهم.
والمروية ترجع إلى أصلٍ صحيح، ولا تغني عن القرءان، ويمكن الاستغناء عنها بالقرءان.
وبالنظر في تلك المرويات الخاصة بأركان الإسلام يتضح ما يلي:
1-       لم يكن المقصود إعطاء تعاريف جامعة ممانعة للإسلام.
2-       اعتبار أن هذه المرويات تعطي تعريفات جامعة مانعة يعني أن في الدين اختلافا.
3-       اعتبار هذه المرويات كآيات قرءانية تُتلى وتُفسر يعني أن هذا الدين متناقض.
4-       لم يسجل الرواة التواريخ التي قيلت فيها المرويات، وهذا خطأ جسيم، وهذا يدل على أنهم عاملوا المرويات كآيات قرءانية بل أكثر، فبينما لم يقيدوا هذه المرويات بأوقاتها وملابساتها وظروفها فإنهم يقيدون آيات القرءان بما يسمونه بأسباب النزول، ويهتمون بالتوقيت انطلاقا من إيمانهم الراسخ بأن في القرءان آيات منسوخة، وأنه يمكن أن ينسخ اللاحق منها السابق، وإن كانوا تورطوا أيضا في الزعم بأن آية سابقة نسخت آية لاحقة! وهذا يدل أيضا على قصور منهجهم وعلى اندثار العلم بالكثير مما يتعلق بالمرويات.
5-       آيات القرءان يجب أن تُفقه في سياقها الخاص وفي سياقها وفق منهج قرءاني صارم، بينما لا يوجد أي سياق خاص للمرويات، لذلك لا مكان لما له أصل صحيح منها إلا داخل إطار دين الحق المستخلص من القرءان.
6-       كل المرويات المذكورة لها أصول صحيحة في القرءان، ما عدا جزء من مروية 6، فهي تتضمن النهي عن بعض الأشياء غير المذكورة بلفظها في القرءان، وربما لا يعرف أحد لها معاني مؤكدة، وبالتالي فهي لا تلزم أحدا بشيء.
7-       لو سجلوا التاريخ الدقيق لكل مروية لتبين ما هو معلوم أصلا، وهو أن هذه المرويات مقيدة بظروفها وأنها تعبر عن تطور فرض الأحكام، فهي لم تُفرض كما هو معلوم دفعة واحدة، فهذه المرويات كان المعني بها أساسا أهل العصر النبوي، وفي مثلها ورد الأمر بالنهي عن التدوين حتى لا تسبب للناس من بعد لبسا.
8-       وكذلك يمكن بيان القاعدة التي نقول بها، وهي: "إن المروية ذات الأصل الصحيح هي المروية التي يمكن الاستغناء عنها بالقرءان"، فهذه المرويات يمكن الاستغناء عنها كلها بما ورد في القرءان، وحتى الحج الذي لم يرد إلا في مروية واحدة فهناك أمر قرءاني به مع التأكيد أنه لمن استطاع إليه سبيلا، وهذا يبين حقيقة وزنه القرءاني بالنسبة للأوامر القرءانية الأخرى.
9-       ومن هنا يمكن بيان القاعدة التي نقول بها، وهي: "المروية ذات الأصل الصحيح هي المروية التي يمكن الاستغناء عنها بالقرءان"، فهذه المرويات يمكن الاستغناء عنها كلها بما ورد في القرءان، فهي مجرد إعادة لبعض ما هو فيه وتجميع لبعض الأمور المترابطة لتيسير الأمر على من لا يحفظون القرءان كله، وحتى الحج الذي لم يرد إلا في مروية واحدة فهناك أمر قرءاني به مع التأكيد أنه لمن استطاع إليه سبيلا، وهذا يبين حقيقة وزنه القرءاني بالنسبة للأوامر القرءانية الأخرى
10-    المرويات من 1 إلى 10 تعبر عن الإسلام الظاهري أو الشكلي  (Restricted or limited or superficial or minor or formal Islâm)، وهو جماع ما يعلن به الإنسانُ من الناحية الظاهرية على الأقل انتماءَه للأمة المؤمنة المسلمة ومسالمتَه لها وولاءَه لها، وكان يعني في العصر النبوي إظهار القبول والخضوع لما أتى به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، وفيه قال تعالى: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }التوبة5، {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }التوبة11، {قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} الحجرات: 14، وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ }آل عمران20، وهو يتضمن الأركانَ الثلاثة المذكورة في الآيات؛ أي التوبة إلى الله من الشرك (الإيمان) وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وهو لا يتضمنُ بالضرورة إيمانا أو إحسانا، وهو الإسلام الذي كان قومُ الرسولِ مطالبين به، وبه يكتسب المرءُ الهوية الإسلامية؛ أي يكون من حقه أن يكون عضواً في الأمة الإسلامية، فأداء هذه الأركان كان بمثابة بطاقة الهوية The identity card للمسلم المنتمي إلى هذه الأمة، وبذلك تجب معاملته كمسلم يكون له كافةُ حقوقِ المسلم ولو كان يخفي نفاقاً عريقا، ولكنه يكون أيضاً ملزماً بما عليه من واجبات، ومثلُ هذا لا يجوز إخراجه من الجماعة المؤمنة وإن كان يجب أخذُ الحِذْرِ منه وجهادُه بالقرءان، والالتزام بالأركان المعلومة هو بمثابة بطاقة هوية لكل من ينتمي إلي الأمة، لذلك يجب مؤاخذة من لا يلتزم بها في حالة وجود تلك الأمة وامتلاكِها لمقدراتها ووجود ولاة أمر لها منها، ومن الجلي أن إسلاماً كهذا لا يضمن النجاة لصاحبه، أما من اعتنق هذا الإسلام رغبةً في الاهتداء وليس نفاقاً أو علي سبيل التقية فإنه بقيامه بأركانه وحرصه علي العمل بما فقهه من كتاب الله سيدخل الإيمان في قلبه شيئاً فشيئا ويصبح مؤهلاً ليكون مسلماً بالمعنى الحقيقي.
11-    المرويتان 11، 12 تهدفان إلى بيان أهمية التحلي بمكارم الأخلاق والعمل بمقتضاها.
12-    الرسول كان يجيب على ما يوجه إليه من أسئلة بما يناسب السائل من حيث أنه كان معلما ومزكيا لقومه.
13-    الرسول لم يكن يقصد إعطاء قومه تعريفات نظرية جامعة مانعة، وإنما كان يعرف الشيء بلوازمه وبما يقتضي منهم.
14-    لم يرد في المرويات أي نهي عن كبائر الإثم، وإنما ورد النهي عن بعض الأشياء المجهولة أو الثانوية، هذا مع أن الانتهاء عن كبائر الإثم والفحشاء والمنكر مقدم في القرءان على إقامة الصلاة بجعله غاية لها ومقصدا من مقاصدها.
15-    ما يسمونه بالأركان الخمسة لم ترد إلا في مروية واحدة منسوبة إلى عبد الله بن عمر، ومع ذلك فقد اعتبروها قدس أقداس المذهب السني وأعرضوا عن جلّ أوامر القرءان الكبرى بسببها، وهذا يبين طبيعة المذهب السني، فهو المذهب الذي يعتبر مرجعه الأعلى هو المرويات بكل ما يعنيه ذلك من معنى، ولا يعبأ في سبيل ذلك بالقرءان، فلا يوجد فيهم من يرتاب في أن الأركان الخمسة الواردة في مروية ابن عمر هي الإسلام، ومن أراد التعمق في مثل هذا الإسلام فإنه يكثر من هذه الأركان، فيصلي نوافل أكثر، ويصوم تطوعا أكثر ويحج ويعتمر أكثر!!
16-    كل هذه المرويات يمكن اعتبارها مرويات تاريخية، ولا يجوز شغل الناس بها، فالقرءان يغني عنها تماما، هذا مع أن هذه المرويات هي من أصح المرويات عندهم، وهي أيضا التي تتعلق بأمور الدين الكبرى.
17-    الاعتماد على المرويات المذكورة لا يمكن أن يؤدي إلى أية نتائج مثمرة، بل أدى على مدى التاريخ إلى الإعراض عن القرءان واختزال الدين، وكان لذلك آثاره الكارثية على الأمة.
18-    ما هو مذكور هنا لا يجوز تعميمه على كل المرويات، فهناك مرويات أخرى تحقق القاعدة المذكورة، ولكنها تؤدي إلى نتائج مثمرة.
19-    من آثار منهجهم الكارثي أن تم اختزال الإسلام وتفريغه من مقاصده العظمى وأكثر أركانه الجوهرية الكبرى، وفي المقابل تم توثين الصلاة والصيام والحج وتحويلها إلى مقاصد عظمى.
20-    ومن كل ذلك يتضح أهمية الاحتكام إلى القرءان واعتماده كمصدر أوحد لأركان الإسلام الكبرى، والمقصود بالإسلام هاهنا هو دين الحق الملزم للناس كافة (The religion of truth, The official or the true Islâm)  ، والذي كان الرسول مجسدا له بأقواله وأفعاله وسنته وحياته، وهذا الإسلام هو الدين الكامل الجامع الخاتم، وهو أيضاً الدين العالمي والرسمي والاصطلاحي، وهو دين الفطرة في صورته الكاملة التامة، وهو الذي أعلن الله تعالى في القرءان أنه أكمله للناس وأنه سيظهره على الدين كله، {....الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً.....}المائدة3، ولهذا الدين سماتُه وعلومُه وبيِّناته ومقاصده وقيمه وأركانه وسننه، ولكل عنصر من العناصر الواردة في القرءان مكانه في هذا الدين، وأركانه هي كل ما ورد به أمر شرعي ملزِم ومشدَّد وحرص القرءان علي تأكيده وبيان أهميته، وعلي رأس تلك الأركان الإيمان بالإله الواحد الذي له الأسماء الحسني والأفعال والشئون المذكورة في القرءان، ولب هذه الأركان عبادة الله تعالى بإخلاص وذكر الله والعمل على إقامة صلة وثيقة به والتزكِّي، ولا نجاة لإنسان الآن إلا بالالتزام بهذا الإسلام طالما بلغه البلاغ الكافي، وقد كان يجب بداية استخلاص هذا الدين من القرءان ثم تحكيمه والاستناد إليه لتمحيص الآثار الأخرى.


*******