الخميس، 30 يوليو 2015

مراتب الإنسان الصالح

مراتب الإنسان الصالح

إنه ليس ثمة نص فى القرءان على أنه هناك محاباة لفئة ما أو لقبيلة ما، بل إن القرءان نص على وحدة النوع والأصل البشرى وعلي أن تنوع الناس واختلاف ألوانهم وألسنتهم وجعلهم شعوبا وقبائل من آيات الله تعالى ومن وسائل إثراء التعارف والتعامل بين الناس؛ أي من وسائل إظهار أعظم قدر من الكمالات التفصيلية، أما كل تفضيل وارد فى الكتاب فإن له أسبابه الموضوعية ينتفى بانتفائها ويدور معها وجودا وعدما طبقا للقوانين والسنن.
ولقد نص القرءان على أسباب التفاضل بين الناس ومنها: الإيمان والعلم  والعمل الصالح  والتقوى والصبر والمسارعة فى الخيرات والدعاء رهبا ورغبا وصدق الوعد والأمر بالصلاة والقيام لله والشهادة له…… إلخ، أما من ارتبط بالمفضَّل أو المصطفى برباط ما أو تعلق به بسبب ما وجاهر بذلك أو ظهر به فإنه يتحمل لتوه المسؤولية مضاعفة فيضاعف عليه العقاب بقدر مضاعفة الثواب وذلك لوضعه الخاص من حيث أن الناس يتأسون به ولأنه أصبح محسوبا على المختار، أما المختارون فهم أشد الناس خوفا من ربهم، ولذلك اختارهم، وهكذا ينبغي أن يكون من تعلق بهم.
والإنسان في الإسلام إما أن ينتسب إلي اسم من الأسماء الحسني عندما يغلب عليه القيام بمقتضياته، وإما أن ينتسب إلي ما يغلب عليه من صفة أو خلق أو فعل، وذلك هو النسب الحقيقي الذي سيعرف به الإنسان في العالم الأبقي والأعلي.
وللإنسان الفائق مراتب عديدة مذكورة في القرءان، وسيتم الآن بيان بعض هذه المراتب بإيجاز.  

المتقون
المتقون هم من تحققوا بحد مقبول من التقوى بحيث يمكنهم مواصلة التحقق بالمزيد منها، والتقوى هي جماع الصفات والمشاعر والأفعال والاستجابات المترتبة على ذكر الله؛ أي على الإحساس الصادق بالحضور الإلهي بكافة الأسماء الحسنى، والوصول بالإنسان إلى هذه المرتبة هو المقصد من الكثير من الأوامر القرءانية، وهذا معلن ومُبَيَّن في القرءان بأجلى بيان، فالتقوى هي من الصفات اللازمة للإنسان الرباني الصالح المفلح.
*******
عباد الرحمن
عباد الرحمن هم أشد الناس احتفالا بآيات ربهم، فهم  يحاولون بكل ملكاتهم وبكل قوى وجودهم إدامة النظر فيها وتدبرها واكتشاف القوانين والسنن المسيرة لها لا انشغالاً بها عنه بل لإنها آثار أفعاله ومظاهر تجلياته ومقتضيات أسمائه، فهم يطالعون  فيها أسماءه وسماته أي يطالعون كل تفاصيل ومقتضيات الاسم الرحمن، فعباد الرحمن هم الذين إذا ذكِّروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صماً وعميانا، ولذا فأعداؤهم هم الجهلة الذين أهملوا ملكاتهم، أما عباد الرحمن فهم يعرفون أن ما لديهم من ملكات وحواس هو من مقتضيات أسماء ربهم ومن مظاهر فضله وكماله، لذلك فهم حريصون عليها يشتغلون بإعمالها وتزكيتها.
ولقد أُمِر عباد الرحمن بالإعراض عن الجهلة لأنه لا جدوى من محاولة إصلاحهم، وليس الجاهل هو من لا يعلم فذلك من الواجب تعليمه، ولكن الجاهل هو من عطل ملكاته الذهنية فلا سبيل الى إصلاحه ولا إلى إعادة برمجته، فالجهل عكس الحلم الذي هو العقل والأناة، والجاهل عكس الحليم من حيث أن الحلم هو العقل أو جماع الملكات الذهنية.
والجاهل ليس له من الإنسان إلا الصورة الظاهرية أما صورته الباطنية فهي صورة أية دابة من الدواب التى يتوافق معها.
وعباد الرحمن يعيشون بين ظهرانى الناس فهم الأمة الوسط ولهم الاتزان التام والميزان الرحمانى، وهم يتزوجون ويطلبون الذرية التي تقر بها الأعين لأنهم يعلمون أن كل إنسان جديد هو وسيلة من وسائل ظهور تفصيلات جديدة للكمال الرحمانى، وهم يقابلون كل تجلٍّ رحماني بالأدب اللائق فيخافون أن يمسهم عذاب من الرحمن ويرجون ثوابه فحياتهم جد وليست بالهزل، وعباد الرحمن هم أئمة المتقين فدعاؤهم الوارد فى سورة الفرقان مجاب وهو: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا(74)}، ذلك لأنهم أعلى درجة منهم؛ ففي حين يُحشر المتقون من عند المليك المقتدر إلى الرحمن وفدا يوم القيامة فإن عباد الرحمن هم عنده، كما أن لهم الغرفة المفردة غير القابلة للتعدد، قال تعالي: {أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا(75)خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا(76)} (الفرقان)، أما المتقون فلهم غرف من فوقها غرف وأعلاها هو تلك الغرفة المفردة : {لَكِنْ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ(20)} (الزمر).
*******

الشاكرون

الشاكرون هم المقرون بالنعمة والفضل الإلهي علي كافة المستويات، ولذا تكون كل أعمالهم مصداقاً لهذا الإقرار، وجعل الإنسان يتحقق بمرتبة الشكر هو في القرءان المقصد من جعل ما لدى الإنسان من حواس وملكات، وهو المقصد من تبيين وتصريف وتفصيل الآيات ومن تسخير كل شيء للإنسان والتمكين له في الأرض ومن الإنعام عليه، قال تعالي:
{ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ(9)} (السجدة)، {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(89) (المائدة)، {كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ(58)} (الأعراف)، { اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمْ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(12)} (الجاثية)، {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ(10)} (الأعراف)، {لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ(35)} (يس)، {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(73)} (القصص)، {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(46)} (الروم)، والشاكر هو المستفيد بهذا الشكر لأنه هو محل آثاره: {وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ(40)} (النمل)، {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنْ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ(12)} (لقمان)، ولقد أعلن الرب سبحانه أنه جعل اليسر والتيسير واجتناب التعسير من مقاصد الشرع حتي يصل بالإنسان إلي تلك المرتبة: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(185)} (البقرة)، والشكر من المراتب العليا التي طلبها الأنبياء كسليمان عليه السلام، ومن الواجب علي كل إنسان أن يطلبها عند استوائه، والتحقق بها يقتضي عملاً صالحا، قال تعالي: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنْ الْمُسْلِمِينَ(15)} (الأحقاف)، {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ(13)} (سبأ)، ولما كان التحقق بالشكر من المراتب العظمي فإن الشيطان قد تعهد بأن يبذل قصاري جهده ليحول بين الإنسان وبين تلك المرتبة، ولذا ورد هذا القول في الكتاب منسوبا إليه: { ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ(17)} (الأعراف).
*******
أولوا الألباب
أولوا الألباب هم الذين  يعلمون أنه سبحانه ما خلق شيئا إلا بالحق وأن له في كل أمر وفعل غاية وحكمة وقصد، فهم الذين ارتقي قلب كل فرد منهم وأصبح هذا القلب ينطبق عليه تعريف اللب، ولذا فالفرد منهم يخاطب ربه كما يليق بجلاله ويحادثه وينزل به كل حوائجه، كما أن فكره يجول دائماً في آيات الله الكتابية والكونية فيتحقق بمعرفة الأسماء الإلهية ويتذوق آثار تلك الأسماء ويدرك المقاصد من الآيات ويفقه القوانين والسنن وعواقب الأمور، وهو أيضاً متحقق بذكر الله تعالي ويسعي للقيام بمقتضيات التقوى.
إن أولى الألباب هم الذين يذكرون الله تعالى فى كل أحوالهم وخاصة أثناء تفكرهم فى خلق السموات والأرض فلا ينشغلون بهذا عن ذاك وهذا ما يطلق ألسنتهم بالدعاء لربهم، وبذلك يطالعون آياته فى كل ما يرون و يتزكون بإعمال ملكاتهم.
والفرق بين أولى الألباب وبين علماء الغرب هو أن هؤلاء غفلوا عن ذكر الله تعالى فجاءت معارفهم مبتورة و جزئية وشقوْا بها وإن ظنوا غير ذلك، وشقي بهم غيرهم وكانوا فتنة للقوم الظالمين.
ولقد كان مما أودى بتلك الأمة وهوى بها إلى الحضيض الأسفل اشتغال المتفوقين المتميزين فيها بما نقل إليهم من أساطير الأولين وأديان الضالين وفلسفات المبطلين والصياغات الناقصة والمحرفة للدين، وكذلك بالمنطق الصوري الأجوف والجزئيات والتفريعات المتعلقة بظواهر العبادات والأحكام والمعاملات فتضخم كل ذلك على أيديهم وغفلوا عن كل ما لم يندرج تحت هذه البنود أى أعرضوا وهجروا أكثر القرءان، ولم يتفاعلوا التفاعل الحى المثمر مع الأوامر الدينية ولم يأخذوا معظمها مأخذ الجد، ولم يحفلوا بما يتضمنه الدين من المشاعر الراقية النبيلة ولم يحاولوا استنباط مناهج شرعية لتزكية النفوس؛ فكان أن ترك كل ذلك لينمو نموا عشوائيا تحت تأثير كل ما تواجد في البيئة الإسلامية من تراث الملل والنحل والمذاهب السابقة، ويمكن إيجاز مساعيهم وأعمالهم في تلك العبارة: إنهم ضيعوا أهم ما يلزم في سبيل ما ألزموا به أنفسهم وغيرهم وهو في الحقيقة لا يلزم.
فأولوا الألباب هم من تزكت لديهم الملكات الذهنية العقلية فهم الذاكرون لما علموا والمتحققون به وهم على بينة مما علموا من الآيات والقوانين والسنن، وهم الذين يمكنهم الانتفاع بما يرونه من آيات كونية وما يتلون من آيات كتابية، فهم القادرون على تدبرها وتذكر ما فيها، ولكى يتم اكتمالهم لابد لهم من التحقق بالتقوى بمعنى أنه يجب عليهم العمل على تزكية ملكاتهم الوجدانية.
وتبين الآيات الآتية المكانة السامية التي خصَّ بها الحق أولي الألباب:
{يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُوْلُوا الأَلْبَابِ(269)} (البقرة)، {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَـوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ(190)} (آل عمران)، {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ} (يوسف: 111)، {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ(19)} (الرعد)، { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ(9) (الزمر)، {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ(18)} (الزمر).
*******
أولو الأمر
أولو الأمر هم أَوْلي الناس بأمر من الأمور وأجدرهم به بكل مقياس من المقاييس أو معيار من المعايير، فأولو الأمر في علم معين مثلاً هم الذين يُرجَع إليهم في كل ما يختص بهذا العلم، لذلك كانت طاعتهم واجبة، وأولو الأمر هؤلاء فإنهم ملزمون بالتشاور فيما بينهم فيما يدخل في مجال إختصاصهم، أما كيفية إعداد أولي الأمر فهي تختلف من عصر إلي عصر ومن أمر إلي أمر، ولكي يكون إنسانٌ ما من أولي الأمر لا بد له من تلقي هذا الإعداد واجتياز كل ما يلزم من اختبارات.
وولاية أمور الناس العامة هي علم وخبرة مثل كل الأمور، وخاصة في هذا العصر، فلا يجوز أن تُترك لأمزجة وأهواء القائمين بالأمور، ولا يجوز أن تكون الشعوب حقول تجارب لهم، وهناك مدارس وأحزاب وبيوت خبرة تتولى إعدادهم في الخارج، وهم يخوضون غمار الحياة العامة ويتدرجون في تحمل المسؤوليات، هذا فضلا عن الحد من مسؤولياتهم ووجود أجهزة أخرى لإحداث التوازن المطلوب بين السلطات.
وهناك أولو أمر لصلات قربى، فالوالدان يتوليان أمور أولادهما، ولا يكفي الصلة البيولوجية والعادات الشائعة، بل لابد من أن يتلقى هؤلاء التأهيل اللازم أيضا، فالتربية علم يشمل فترة الحمل والسنوات الأولى للطفل فلهذه الفترة والسنوات تأثير هائل على الإنسان، وأكثر استعدادات الأطفال وخاصة الروحانية منها تندثر بسبب جهل الإنسان بأساليب التربية الصحيحة.
*******
أولو العلم
أولو العلم هم من أصبح القرءان آيات بينات في صدورهم، قال تعالي:
{بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا الظَّالِمُونَ(49)} (العنكبوت).
وهذا يعني أن يكون قلبهم الذي هو مركز القيادة والسيطرة والتحكم Command and control center فيهم قد أصبح مبرمجا وفق مقتضيات القرءان فلا يستطيعون أن يخالفوا ما فيه إذ يعلمون أنه الحق الآتي من قبل الحق فينطقون بما هو متفق معه فيشهدون لربهم بما هو حق له وإذا تليت عليهم آياته شعروا وكأنها تنبعث من أعماقهم، وهم يعلمون أن ثواب الله خير وأبقي وأن الله هو خير وأبقي.
والراسخون في العلم هم أعلي مَنْ أوتوا العلم مرتبة، فهم الذين يعلمون أنه لا يمكن أن يكون ثمة تناقض أو اختلاف فى الآيات ويستطيعون بمقتضى ذلك أن يعرفوا فحوى الآيات النافع للناس والدافع للفتن، فأولئك هم أصحاب الدرجات الرفيعة وستظل درجاتهم في ارتفاع إلي ما لا يتناهي كما أن علم ربهم لا يتناهي، والراسخون في العلم يؤمنون بكل ما جاءهم من عند ربهم ويطلبون منه النجاة من الزيغ بعد الهدي، وهذا الدعاء مجاب لهم وذلك شأن كل دعاء نسبه الله تعالي إلي عباده الأخيار، ولهذا يهديهم ربهم إلي تفسير الآيات الذي يناسب مراتبهم وعصرهم. 

*******


من أسباب انهيار الحضارة الإسلامية 1

من أسباب انهيار الحضارة الإسلامية 1

إن انهيار الحضارة الإسلامية كان له أسباب عديدة منها:
1.           الخلط بين مفهوم ولاية الأمر وبين مفهوم التسلط الدنيوي تحت أي مُسمَّى.
2.           إصرار قريش على التمسك بالسلطة وأن تكون دولة بين بطونهم وإجادتهم استثمار الخلافات لصالح التمكين لأنفسهم واستبعاد الأنصار ثم اضطهادهم، وقد ترتب على ذلك تعرض الأنصار من بعد لشبه إبادة على أيدي الأمويين، ووجود الأنصار كان شديد الأهمية للحفاظ على روح الأمة وطبيعة الإسلام ولمواجهة النزعات القرشية، لذلك شدد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ على الوصية بهم.
3.           كون أكثر الأعراب (أكثر من مائة ألف) لم يسلموا إلا في نهاية العصر النبوي وعدم تلقيهم تقريبا أي قدر من التعليم والتزكية النبوية خاصة بعد أن حالت قريش بين المعلمين المتمكنين وبينهم مع قلة هؤلاء المعلمين، فظلوا على طبيعتهم الجاهلية القديمة ولم يأخذوا من الإسلام إلا قشوره، ورغم هذا تمَّ من بعد توثينهم ضمن من وُثِّنوا واعتبرت بالتالي أفعالهم جزءا من الدين.
4.           حروب تأسيس الدولة وإخضاعها لسلطة قريش والمختلطة بالحرب مع بعض المرتدين ومع من رفضوا التسلط القرشي، وما شاب تلك الحروب من فظائع، وقد ترتب على ذلك انشغال الأمة بالصراعات الدموية وسفك الدماء في فجر تاريخها مما أثر من بعد على مجمل التاريخ الإسلامي.
5.           خضوع العرب المزري والغريب للخلفاء مع طول تمردهم على النبي، فرغم أنهم أبوا على الرسول أن يكتب لهم كتابا لا يضلون بعده أبدا بحجة أنه يهجر فقد قبلوا بتولية أبي بكر وهو يحتضر لعمر عليهم، كما قبلوا صاغرين بالخطة التي رسمها لهم عمر وهو يحتضر أيضا لاختيار الخليفة من بعده!! هذا فضلا عن سكوتهم عن الظلم الذي تعرض له عترة النبي وخِذلانهم لهم.
6.           تولي عثمان أمور المسلمين نتيجة مؤامرة قرشية مما تسبب في علو الأمويين والتمكين لهم في الأرض بكل ما طبعوا عليه من جشع للمال والسلطة وازدراء للقيم والمثل العليا، هذا رغم أنهم كانوا الأعداء الألداء للإسلام ولم يكن لهم دور يُعتد به في الفتوحات الإسلامية.
7.           الاضطهاد الذي تعرض له أفضل من بقي من السابقين الأولين على أيدي الأمويين في عصر عثمان.
8.           تقريب عثمان لأقاربه وكان منهم عدو لدود للرسول وفاسق شهير ومرتد خطير أوصى الرسول بقتله ولو وجدوه متعلقا بأستار الكعبة ... الخ، وهؤلاء أداروا الأمور بالعسف والجور ورتعوا في أموال الأمة وصدموها صدمة كبرى أدت إلى تأجيج الفتنة
9.           تدفق ثروات العالم القديم على المدينة وسياسة عمر المالية التي خالف بها سنة الرسول وأبي بكر، والتي ترتب عليها تكدس ثروات أسطورية عند قلة محدودة.
10.       انحراف بعض الأكابر وافتتانهم بالدنيا وتنافسهم فيها.
11.       فشل الخلفاء في استثمار الأموال المنهوبة من الشعوب في أية مشاريع استثمارية أو لتحصين المدينة ومكة مما جعلهما من بعد أهدافا سهلة لجيوش الأمويين من القتلة غلاظ الأكباد.
12.       تخلي الناس عن الإمام الذي كان من الممكن أن يعيد الأمور إلى نصابها نتيجة استفحال قوة الأعراب والأمويين.
13.       استيلاء أهل البغي بقيادة معاوية على السلطة والذي جمع بين مساوئ الأكاسرة والقياصرة والجاهلية واستعانته بالمنافقين وأعداء الإسلام مثل سرجون الرومي وأسرته للتمكين لنفسه في الأرض وإفساده للمسلمين بالرشاوي وقيامه بالقضاء على الصالحين من المسلمين وتعيينه القصاص في المساجد ليلهوا الناس عن حقيقة الدين بأساطير الأولين.
14.       الجرائم الكبرى التي اقترفها يزيد بن معاوية والتي أدت إلى تمزيق الأمة تمزيقا نهائيا ترتب عليه تفريق الدين.
15.       أصبح التراث الديني مشاعا بين الناس يضيف إليه من يريد أن يضيف ويحرف من يريد أن يحرف فاهتبل المنافقون من أهل الكتاب والموتورون من المجوس والأعراب وعبيد السلطة الفرصة إلى المدى الأقصى.
16.       نبتت طائفة في الشام أساسا تخصصت في وضع المرويات لتمجيد معاوية ومن اتبعه من أهل البغي وتم إحداث مصطلح الصحابة والنفخ فيه ليتسع للمنافقين وأكابر المنافقين والمرتدين، كما تم تحريف معنى السنة لتكون مرادفة للمرويات بما فيها من تحريف ووضع وتزييف.
17.       ولد بذلك المذهب اللاسني بطبيعته الدموية الإقصائية وبتأليهه للمتسلطين ونما معارضا له المذهب الشيعي.
18.       عندما استولى العباسيون على السلطة بالغدر والخيانة وأبادوا الأمويين تبنوا أساليبهم في الحكم ومذهبهم بعد أن رأوا أنه يعطيهم سلطات إلهية على الرعية.
19.       تم اكتمال صياغة المذهب اللاسني بما يتضمنه من الكوارث وأصبح مذهب الدولة في عهد المتوكل العباسي ثم أصدر أمرا باضطهاد المخالفين للمذهب والتنكيل الشديد بهم.
20.       كان بعض المجتهدين يحاولون إنقاذ الموقف بتدوين السنن العملية ثم الآثار، تم ذلك بمبادرات فردية واجتهادات شخصية مقيدة بطبيعة العصر وسقفه الحضاري، وبالطبع كان عملا شاقا مضنيا ومحدود المصداقية، أما الدولة التي احتلت البلدان بحجة نشر الإسلام وإخراج الناس من ضيق الدنيا إلى سعتها فقد انغمست في أوحال الدنيا تعب منها عبا ولم تبذل أي جهد حتى للحفاظ على التراث الإسلامي.
21.       في كل مجال دخل المسلمون في جحر ضب لا يمكن إلا الدوران فيه ذهابا وإيابا والتخبط دون أمل في الخروج بعد أن وضعوا الصياغات الدينية التقليدية، فبعد أن وضعوا مقاصد الشريعة بالصورة الهزيلة المعلومة لم يعد من الممكن تطويرها أو الزيادة عليها، وبعد أن حرموا الناس من كل حقوقهم وأعطوا كل الحقوق للمتسلط طالما لم يظهر كفرا بواحا لم يعد من الممكن تطوير أية نظريات سياسية لإدارة أمور الأمة وأصبحت (الرعية) ملزمة بالتسبيح بحمد كل من قهرها وتسلط عليها.
22.       وبعد الصياغة الأشعرية للعقيدة التي تقبل القول ونقيضه لم يعد من الممكن الزيادة في العلم الديني الحقيقي، وكان القول بوحدة الوجود النتيجة الطبيعية للمذهب الأشعري في التصوف، وبه انتهى أيضا التطور في هذا المجال، وكان انتشار التصوف بمثابة ثورة روحانية وجدانية ضد المذهب الأموي الأعرابي، ولكنه نشأ متأثرا بتراث الأمم المتعايشة مع المسلمين ومثقلا بمقولاتهم وعقائدهم.
23.       كان هناك أيضا المذهب الأثري الحشوي الذي بلغ الغاية في الجهل والتشبيه والتجسيم والتدني الخلقي والتخلف المزري والانحراف عن دين الحق بتقديس أهل البغي والمجرمين وأقوال كل من اعتبروه سلفا لهم على حساب الله وكتابه ورسوله.
24.       كان قد تم تكريس اختزال الدين وتوارى دين الحق وراء المذاهب الشركية الضالة التي حلت محله.
25.       تم تكريس إهمال العلوم الطبيعية والفلسفة باعتبارها إما فتنة للناس أو علوما الجهل بها لا يضر والعلم بها لا ينفع ولا يتعلق بها أي غرض شرعي.
26.       تم استبعاد واستعباد النساء ووأدهن وهن أحياء وبذلك فقدت الأمة أكثر من نصف قوتها البشرية.
27.       استفحل أمر تجارة الرقيق بكافة أنواعه وترتب على ذلك انحطاط عام وفتن وكوارث لا حصر لها.
28.       عندما اكتسح الصليبيون قلب العالم الإسلامي استلزم الأمر التشبث بعقيدة ذات بعد روحاني لإعداد وتربية جنود يضارعون الصليبيين الذين ثبت تفوقهم الساحق، ولذلك تبنى الزنكيون والأيوبيون والمماليك الصيغة الشافعية الأشعرية التصوفية، وأصبحت هي المذهب السني المعتمد، وفي عهد سلطان مصر بيبرس تم اعتماد أربعة مذاهب كمذاهب سنية.
29.       انتشر التصوف بشدة، وأصبح بمثابة جزء من الدين، فانتشر بين العامة، وأصبح له مؤسساته الضخمة وطرقه بشعاراتها وأعلامها، وفرض العامة منظومتهم المعنوية، فانتشرت الخزعبلات والخرافات والأساطير.
30.       حاول ابن تيمية التصدي لما استشرى خطره من محدثات المتصوفة بكافة ألوانهم، ولكنه تطرف في الاتجاه الأثري الدموي الإجرامي.
31.       طوال تاريخ المحسوبين على الإسلام كانت كل دولة أو دويلة في حالة عداء مستحكم مع من جاورها من الدويلات الأخرى ينتهي لصالح الأقوى.
32.       في أثناء سيطرة العثمانيين تم التوثين التام لمحدثات المذهب السني، فأصبحت أسماء الخلفاء الأربعة تُكتب في القبلة مع الله ورسوله وأصبح البخاري إلها رسميا وربا حاميا للدولة وأصبحت (السنة) أي المرويات بمثابة آيات قرءانية، واستعملت للتصدي لأي تطوير.
33.       كان استيلاء العثمانيين على قلب العالم الإسلامي كارثة ماحقة، وهي تعادل بمقاييس هذا العصر ضرب هذا القلب بكافة أسلحة التدمير الشامل الفيروسية والكيميائية والذرية.
34.       فشلت الأمة فشلا مخزيا على كافة الأصعدة، ولو كانت أوروبا باقية على صليبيتها لأبادتها، ولكنها كانت قد أصبحت علمانية تحركها الدوافع الاقتصادية فاكتفت بالسيطرة عليها، وبذلك بدأ صفوة الأمة في البحث عن طريق جديد.
وهناك بالطبع عوامل خارجية استحثها أصلا المحسوبون على الإسلام ضد أنفسهم، ومنها على سبيل المثال الحملات الصليبية والصواعق المغولية التتارية، وها هو ملخص سريع لها:
بدأت العلاقة مع أوروبا الغربية بالعدوان السافر الذي شنه المسلمون على شعوب أيبريا ونهبهم لأموالهم وسبيهم لخيرة نسائها وإرسالهم إلى الشام ليستمتع بهن الأمويون المجرمون وحاشيتهم، ولم يهتم هؤلاء بنشر الإسلام في أيبريا أو أوروبا، وقرَّبوا اليهود إليهم واعتمدوا عليهم ضد سكان البلاد المسيحيين واقترفوا كل ما يزيد من حقد أهل أيبريا على الإسلام والذي تأجج بالصراع المرير الدامي بينهم، وبعد أن ألقى الإسبان والبرتغاليون بالمسلمين في البحر وطردوا اليهود معهم انطلقوا ليطوقوا العالم الإسلامي فاكتشفوا طريق رأس الرجاء الصالح والعالم الجديد والطريق إلى الهند، وهكذا تدهورت أحوال مصر الاقتصادية ولم تستطع التصدي للاحتلال العثماني البشع، وخرج قلب العالم الإسلامي الذي كان مهد الحضارة من الحضارة، وتعملق الغرب وتضخم وأصبح قوة قاهرة غلابة.
عندما اجتاح السلاجقة المشرق الإسلامي واستعبدوا الخليفة العباسي وسحقوا الجيش البيزنطي واستولوا على القدس من الفاطميين قضوا على سياسة الفاطميين المتسمة بالتسامح مع الحجاج المسيحيين واضطهدوا الحجاج الغربيين مما هيَّج الرأي العام الأوروبي ضدهم، وهكذا بدأت الحروب الصليبية، ولكن بعد أن تفرق السلاجقة وذهبت ريحهم، وهكذا استطاعت شراذم صغيرة من الأوروبيين اجتياح قلب العالم الإسلامي وإبادة عشرات الألوف من المسلمين في الشام دون أن يحرك الخليفة العباسي الطرطور ساكنا، ورغم أن الحروب في النهاية انتهت بانتصار جيش مصر بقيادة المماليك وبإلقاء الصليبيين في البحر إلا أن الحروب الطويلة أدت إلى تدمير ساحل الشام ومقتل ما لا يُحصى عدده من الناس هناك وفي دمياط مصر، وقد أدى الانتصار إلى زيادة ثقة الناس بتراثهم واستنامتهم إليه، بينما حدث العكس في أوروبا وبدأت مراجعة حادة ومؤلمة لكل تراثهم أدت في النهاية إلى نهضتهم الهائلة وبزوغ فجر العصر الحديث.
أما الضربة الكبرى التي تلقاها العالم المحسوب على الإسلام فكانت على أيدي المغول والتتار، وكان بعض تجارهم المسلمين!! قد تعرضوا للقتل على أيدي الخليفة الخوارومي فقرر جنكيز خان الانتقام لهم –بعد تردد-بعد أن استهان الخليفة بطلب جنكيز خان إقامة العدل بشأن قضيتهم، وهكذا اجتاح التتار والمغول العالم الإسلامي ودمروا أعظم مدنه ازدهارا وأبادوا ملايين المسلمين وقتلوا الخليفة العباسي ركلا بالأقدام ودمروا بغداد، وكانت أعظم مدن العصور الوسطى، ولم يوقف زحفهم إلا الجيش المصري بقيادة بيبرس وقطز، ليبدأ صراع مرير معهم كان ميدانه الشام إلى أن هزموا نهائيا.
أما العثمانيون فكانت حصيلة جهودهم العدوانية تحويل أوروبا الشرقية وخاصة روسيا إلى دول شديدة العداء للإسلام، وقد دفعت دول وسط آسيا الإسلامية ثمن ذلك غاليا وقُتل منهم عشرات الملايين نتيجة للتوسع الروسي في بلادهم.
وفي العصر العثماني تم توثين البخاري وأئمة المذهب السني وعمل الرباعيات المقدسة الشهيرة وكان ذلك للأسباب الآتية:
1.     التدهور الحضاري الحاد.
2.     كون الأتراك كانوا بدوا متغطرسين بعيدين عن الحضارة، ورفضهم التحدث بالعربية، أما المماليك مثلا فتعربوا وفي عهدهم كتبت الموسوعات الضخمة في الدين والأدب.
3.     الصراع الدموي الطويل مع شيعة فارس.
4.     وحشية النظام العثماني والتي فرضوها على العالم، ومن ذلك إلزام أهالي أوروبا بتقديم جزية بشرية، كانت هي عماد الجيش العثماني، وستكون من أسباب انهياره.

*******

الأربعاء، 29 يوليو 2015

عملاء الشيطان

عملاء الشيطان 

إن عملاء الشيطان هم علماء السوء الذين أعادوا صياغة هذا الدين بحيث جعلوا منه حربا على كل القيم الرفيعة التي أتى بها، وجعلوا منه أداة لمنعه من تحقيق مقاصده، بل جعلوا الأمور التي جاء ليقوضها هي مقاصده، وبدلاً من أن يكونوا آلات الرحمن لإظهار الإسلام علي الدين كله جعلوا من أنفسهم آلات الشيطان لإظهار كافة الأديان الباطلة والمذاهب البشرية عليه، وبدلا من أن يُظهروا مقاصد الدين التي هي لصالح الإنسان جعلوا من أنفستهم أدوات لصناعة دين لا يخدم إلا السلطان، ومن مساعيهم وحصاد أعمالهم:

1-            إن الدين العالمي الأوحد جعلوه دينا أعرابيا فلكوريا محلياً لا هم له إلا تخليد تقاليد وعادات الأعراب الأقدمين، وأخفوا بذلك وجهة العالمي.
2-            إن الدين الذي جاء لحث الإنسان على الاستخدام الأمثل لملكاته وتزكيتها والاستثمار الأقصى لها جعلوا منه حربا على تلك الملكات وعلى استخدامها، ولم تجمع كافة طوائفهم وشيعهم إلا على تحريم وتجريم استخدام تلك الملكات، فعملوا بذلك على تحويل الناس إلى دواب تركب أو قطيع يقاد، فإذا ما جوبهوا بذلك اكتفوا بالتشدق بالآيات دون أدني عمل بمقتضياتها.
3-            إن الدين الذي جاء بالرحمة للعالمين والسلام للبشرية جمعاء جعلوا منه حربا ونقمة عليها وفرضوا على المسلمين أن يكونوا مصدر ترويع لكل من جاورهم.
4-            إن الدين الذي جعل تكريم الإنسان من مقاصده جعلوه إهانة لكرامة الإنسان وجعلوا المثل الأعلى له من يتقبل الإذلال والامتهان من كل ذي سلطان.
5-            إن الدين الوحيد الذي أعاد للمرأة اعتبارها وكرامتها وحقوقها وتضمن الوصايا المشددة باحترامها وبرأها من تهمة إغراء آدم التي ألصقها أهل الكتاب بها وعاقبوها بسببها وسلبوها كل حقوقها بل وأنكروا عليها إنسانيتها هذا الدين جعلوه حرباً علي المرأة وعدوانا سافرا علي حقوقها وأداة ازدراء لها، هذا الدين حملوه وأثقلوا كاهله بتقاليد البدو من أعراب وأتراك حتى انتهى الأمر إلي أن أصدروا علي المرأة أقسى عقوبة يمكن أن توقع على إنسان لم يأت جرما وهي أن تسجن في بيتها وأن يفرض حظر التجول عليها وأن تمنع من ممارسة الحياة الكريمة.
6-            إن الدين الذي حمل بشدة على الاتباع الأعمى للآباء والأجداد وحمل بشدة على التمسك بتراثهم دون تمحيصه التمحيص اللازم جعلوا منه عبادة للأسلاف وتقديساً لكل ما صدر عنهم بل لجرائمهم ومخالفاتهم لأصول الدين وأسسه، وبذلك أصبحت السلفية هي الفضيلة العظمى وأصبحت مكانة السلف عندهم أعظم من مكانة الله ورسوله بلسان الحال إن لم يكن بلسان المقال، ولقد دفعهم ذلك إلى التصدي لكل تطور أو تقدم ولكل سنن الحياة حتى ولو أدى ذلك إلى القضاء على أمتهم وعليهم.
7-            إن الدين الذي حمَّل كل إنسان مسؤولية نفسه بل جعله مسؤولا عن أمته وعن البشرية جمعاء بل جعله مسؤولا عن كل ما في الأرض جعلوه سلباً لتلك المسؤولية وأصبح الإنسان عندهم كريشة في مهب الريح ساقطة لا يملك من أمر نفسه شيئا أو ممثلا في رواية يؤدي دورا كتب عليه بدون إرادة أو اختيار منه، وعليه مع ذلك أن يتحمل المسؤولية عنه.
8-            إن الدين الذي جاء بأسمى مفهوم عن الإله الأعظم وتضمن كتابه العزيز منظومات أسمائه الحسنى جعلوه دين تشبيه وتبنوا تصورات المغضوب عليهم والضالين من أهل الكتاب وفرضوها على الناس.
9-            إن الدين الذي جعل الشورى في الأمر عبادة جماعية كإقامة الصلاة وألزم الرسول الأعظم بها وكانت من سننه التي مارسها والتزم حقا بها مهما كانت عواقبها جعلوه دين استبداد وقهر وتسلط وألزموا الناس بتقبل ولاية سلسلة من حثالة الطغاة المجرمين والظلمة والسفاحين بل وحرموا عليهم حتى الدعاء عليهم، وحمَّلوا الإنسان المستضعف الذليل المسؤولية عن وجودهم ووجود أمثالهم بحجة أنه مذنب وعاصي.
10-       إن الدين الذي جاء ثورة على الظلم وجعل الظلم هو الجرم الأكبر والمعصية الأعظم وأشاد بمن انتصر من بعد ما ظلم وجعل القتال في سبيل القضاء على الظلم عبادة جماعية ومهمة منوطة بالأمة الخيرة وأباح الجهر بالسوء من القول لمن ظُلِم جعلوه داعياً إلى الاستسلام لكل ظالم، وجعلوا من محاولة دفع الظلم أعظم الجرائم وجعلوا من يحاول ذلك مارقا من الدين خارجا على الجماعة والإجماع حتى أصبح المثل الأعلى لديهم هو المسلم الذليل الخانع المستسلم لكل طاغية.
11-       إن الدين الذي أمر بقيام الناس بالقسط وبالحكم فيما بينهم بالعدل جعلوا منه دعوة للخضوع للظلمة والطغاة وأهل الجور.
12-       إن الدين الذي جاء مفيدا لكل علم وحاثا على طلب العلم والفقه الحقيقي جعلوه حربا عليهما، وتحمس بعضهم فجعل من الاهتمام بالعلم شركا يحول بين الإنسان وبين قرب ربه.
13-       إن الدين الذي ألزم الناس بالأخذ بالأسباب والذي جعل من ذلك سنة مارسها الرسول بكل صدق وإخلاص وجدية جعلوه حربا على السببية وظنوا أن وجودها أي وجود القوانين والسنن يعني انتقاصا من قدرته سبحانه أو شركا فحكموا على أنفسهم وعلى غيرهم بالجهل المزري فإن تلك القوانين والسنن هي مقتضيات الأسماء الحسنى وبالتالي فإن التعرف عليها وفقهها هو السبيل إلى المعرفة الآمنة والممكنة بالله تعالى، وكذلك هو السبيل إلي المعرفة اللازمة لإعداد القوة الكافية لإرهاب الأعداء، كما أن تلك القوانين هي مقتضيات المشيئة والإيمان بوجودها هو من لوازم الإيمان بالقدر الذي هو من أركان الإيمان ولوازمه، وموقفهم هذا بالإضافة إلى جنوحهم نحو التشبيه وتبني تصورات أهل الكتاب يبين أنهم ما عبدوا ربهم وإنما عبدوا ما سولت لهم أنفسهم وما صوره لهم خيالهم فضلوا وأضلوا وضلوا عن سواء السبيل.
14-       إن الدين الذي جعل مجال الفقه هو الآيات والقوانين والسنن وجعل السبيل إلى ذلك إعمال كافة الملكات القلبية الإنسانية، جعلوا مجال الفقه فيه هو كيفية الأداء الظاهري للشعائر وكيفية الالتزام بأشكال المعاملات والعقوبات وابتدعوا فيما نهوا عن الابتداع فيه ولم يبدعوا فيما أمروا بالإبداع فيه.
15-       إن الدين الذي جاء لوضع الإصر والأغلال عن كاهل الناس ولدفع الحرج ولتغليب اليسر حولوه إلى شبكة هائلة من الأوامر والنواهي والأحكام والشعائر وجعلوا من ربهم موظفا بيروقراطياً أو خليفة أمويا أو عباسيا فقاسوه على ما ألفوه وحالوا بين الناس وبينه وصدوهم عن سبيله، كما جعلوا من دين اليسر دين الحرج الذي لا هم له إلا سلامة الأشكال الظاهرية والإجراءات القانونية.
16-          إن الدين الذي أعلن أن كل الناس قد خلقوا من نفس واحدة وأنهم سواسية كأسنان المشط وأنهم مأمورون بالسعي إلى الدرجات العلى واستباق الخيرات وأن تلك الدرجات ليست حكراً علي أحد قد جعلوه ديناً عنصريا أتي ليستعبد الناس لقريش أو لبني هاشم.
17-          إن عقيدة الإيمان بالقدر الإيجابية الملهمة والتي كانت من أسباب إعداد خير أمة أخرجت للناس وكذلك من أسباب عظمة ما حققته تلك الأمة من انتصارات وإنجازات جعلوا منها عقيدة مثبطة محبطة أصابت الأمة بشتى الأمراض النفسية والاجتماعية من اكتئاب وإحباط ويأس وفصام وقنوط ولا مسؤولية.
18-          إن الدين الذي جاء للناس باليقين جعلوه دينا للظنون.

*******



الثلاثاء، 28 يوليو 2015

البخاري التام أو الموت الزؤام

البخاري التام أو الموت الزؤام

مسلم: هل صحيح أنه توجد في البخاري مروية تقول إن شخصا قد سحر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ سحرًا شديدا استدعى نزول ملائكة لفك السحر وعلاجه منه؟
بُخبُخ: أي نعم!
مسلم: ألم تقرأ قول الله تعالى: {...وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِين} [المائدة:67]؟
بُخبُخ: هههه! إذًا العصمة لا تشمل السحر!
مسلم: ألم تقرأ قول الله تعالى: {.... إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا} [الإسراء:47]، {...وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا} [الفرقان:8]، فأنت تضاهي قول الذين كفروا!
بُخبُخ: الذي ضاهى قول الذين كفروا هم السلف المقدس وليس نحن، ويجب علينا التمسك بأقوالهم، هل نحن أعلم منهم؟! أليس رأيهم لنا خيرا من رأينا لأنفسنا؟ هل ترك الأوائل للأواخر شيئا؟
مسلم: ألا تدرك حقًّا أن قولك هذا هو الشرك المبين، وأنه من أسباب انهيار هذه الأمة وتخبطها في جحيم الجهل وغيابة التخلف؟
بُخبُخ: هاهاه هاههاااه، ثم إن هذا السحر ليس ذاك السحر!
مسلم: وماذا عن قاعدة العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؟
بُخبُخ: من حق الأسلاف أن يتبعوا القواعد أو أن يضربوا بها عرض الجدار، إنهم السلف! السلف!! ألا تسمع؟
مسلم: أبكلِّ هذه السهولة تعرضون عن آيات القرءان وتتجاهلونها؟
بُخبُخ: أَمِن أجل بضع آيات قرءانية يمكن تأويلها تريد أن تشككنا في البخاري أيها الضال المفتون؟ هيهات! إنه البخااااااااااااااااااااااااري!
مسلم: ولماذا لا نرفض مثلا هذه المروية؟ أليس من قواعد التمحيص ألا تتعارض المروية مع القرءان الكريم وبديهيات العقول؟
بُخبُخ: البخاري قضى بأنها صحيحة، ولا مبدل لكلامه ولا معقب لحكمه، وليس على الناس إلا أن يذعنوا لما قضى به!
مسلم: ألا تقولون إن الوقاية من السحر وعلاجه تكون بتلاوة القرءان الكريم، وبعضكم يفتح مراكز للعلاج بالقرءان!
بُخبُخ: أي نعم، القرءان شفاء.
مسلم: ولكن الرسول هو الذي نزل القرءان على قلبه، وكان بالتأكيد خير من يتلو ويقرأ ويرتل القرءان بمقتضى الأوامر الصادرة إليه والمنصوص عليها في القرءان! ألا تؤمن بذلك؟ ألم تقرأ هذه الآيات: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا} [الكهف:27]، {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون}[العنكبوت:45]، {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقرءان تَرْتِيلاً}[المزمل:4]، {.... فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقرءان عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ....}[المزمل:20]
بُخبُخ: كل محاولاتك غير مجدية، المروية في صحييييح البخاااااااااااااااااااااااااااااري، أتريد أن تفتننا عما وجدناه في البخاااااااااااااااااري؟؟؟!!
مسلم: رد فعلٍ منتظر ممن أضلَّ نفسه، فهو يتخبط في ظلمات ضلاله وجهله، ولكن ألم يكن الرسول يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم عند قراءة القرءان، فكان ربه يستجيب له، لأنه هو الذي أمره بذلك؟ أليست الوقاية من الشيطان هي وقاية ممن هم أضعف منه من الجان؟ استمع جيدًا: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقرءان فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100)} النحل
بُخبُخ: كل محاولاتك غير مجدية، المروية في صحييييح البخاااااااااااااااااااااااااااري، لا خير فيمن ضلَّ عن البخاري!!! البخاري التام أو الموت الزؤام!!
مسلم: لم نطالبك باتخاذ البخاري مهجورا، ولكن لا يحقّ لك أن تتخذ القرءان مهجورًا من أجله!
بُخبُخ: هاهاهه هاهاهه هاهاهااااااااااااااا البخاري التام أو الموت الزؤام!!
مسلم: وذكْر الله يقي الإنسان شرّ الجن وغيره، والرسول كان مأمورًا بذكر ربه، ومن يذكر الله تعالى يذكره، وذكره له وقاية من شر الشيطان وجنده، قال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُون} [البقرة:152]، {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً}[المزمل:8]، {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً}[الإنسان:25]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا}[الأحزاب:41]، والرسول كان خير من يعمل بأوامر ربه.
بُخبُخ: هاهاهه هاهاهه هاهاهااااااااااااااا كل ذلك لا يبرر لأحد أن يتخيل أن البخاري يمكن أن يخطئ
مسلم: إن الله تعالى لا يترك رسله لعبث الجن، {ألم تقرأ قوله تعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27)} الجن
بُخبُخ: هاهاهه هاهاهه هاهاهااااااااااااااا كل ذلك لا يبرر لأحد أن يتخيل أن البخاري يمكن أن يخطئ، العب غيرها!!!! البخاري التام أو الموت الزؤام!!
مسلم: وما الذي سيحدث إذا استبعدنا هذه المروية؟ هل سينهار النظام الكوني؟
بُخبُخ: أتريدنا أن نؤمن ببعض البخاري ونكفر ببعض؟ أتريد أن تدخلنا جهنم؟ البخاري التام أو الموت الزؤام!!
مسلم: أنت بالفعل في جهنم!
بُخبُخ: أتزعم أيضًا أنك تعلم الغيب؟
مسلم: كلا، ولكن مصير الضالين المشركين منصوص عليه في القرءان الكريم.

*******