الأربعاء، 31 أغسطس 2016

جهنم ستمتلئ من الجنة والناس وليس بقدم خالق الجنة والناس

جهنم ستمتلئ من الجنة والناس وليس بقدم خالق الجنة والناس

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( تَحَاجَّتْ النَّارُ وَالْجَنَّةُ فَقَالَتْ النَّارُ أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ وَقَالَتْ الْجَنَّةُ فَمَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ وَعَجَزُهُمْ فَقَالَ اللَّهُ لِلْجَنَّةِ أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي وَقَالَ لِلنَّارِ أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمْ مِلْؤُهَا فَأَمَّا النَّارُ فَلَا تَمْتَلِئُ فَيَضَعُ قَدَمَهُ عَلَيْهَا فَتَقُولُ قَطْ قَطْ فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ ). رواه البخاري ( 4569 ) مسلم ( 2846 ) .
وفي رواية لهما: ( فَأَمَّا النَّارُ فَلاَ تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ رِجْلَهُ فَتَقُولُ قَطٍ قَطٍ قَطٍ ) .
لما كانت المروية آحادية ظنية كما أن دلالاتها هي الأخرى ظنية فالأمة ليست ملزمة بشيءٍ ما بخصوصها، ولما كانت تتكلم عن شؤون إلهية وعن أمور من عالم الغيب فالأمة أيضا ليست ملزمة بشيء ما بخصوصها، فالمصدر الوحيد للمعلومات الخاصة بكل ذلك هو الكتاب العزيز.
ولا يوجد أي مبرر لوصف أفضل خلق الله والمصطفين الأخيار، وهم أهل الجنة، بأنهم ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ وَعَجَزُهُمْ.
والعرب تسمى جماعة الجراد رجلا وما أكثر ما يضرب العرب الأمثال في كلامهم، وإضافة الرجل أو القدم إلى الله سبحانه هي إضافة الملكية والتحكم والسيادة، ولكن السلفية يريدون -لعلة في نفوسهم- إلزام الناس بالمعنى الحرفي الدارج، ولقد كان المقصد من الحديث الأصلي هو الوعظ وتخويف الناس حتى يكتسبوا مزيدا من التقوى وليس المقصد فرض عقيدة جديدة على الناس أو تشبيه الله بخلقه، ولكن دأب عملاء الشيطان هو تقويض مقاصد الدين والقضاء على الدين بالدين.
وكما سبق القول في مثل هذه المرويات، يجب أن تظل في كتب المرويات الظنية كما هي، ولا مكان لها في دين الحق، ولا يجوز إشاعتها بين الناس.
ويلاحظ أن ما ورد بخصوص تبرم الجنة من أنه لا يدخلها إلا ضعفاء الناس وسقطتهم هي حجة الملأ من قوم نوح عندما قالوا له {أنؤمن لك واتبعك الأرذلون} (الشعراء: 111) والجنة بذلك تعرِّض بمن أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وتتبع سبيل الملأ المجرمين، أما النار فتفخر بمن لعنه الله من المتجبرين والمتكبرين!! وتصور المروية الله سبحانه وكأنه ملزم بالاستجابة الفورية لمطالب النار ورغبتها التي لا تنتهي في الامتلاء ولذلك ينشئ لها ما يملأها به ولكن هيهات أن تمتلئ بما خلقه لها فيضع فيها قدمه حتى تمتلئ؟!!!
وليت عبيد الأسلاف يبينون للناس ما الذي يضطر الواحد القهار إلي أن يفعل كل ذلك، وإذا كان هؤلاء المغضوب عليهم يؤمنون بأن له قدماً بالمعني الحرفي الدارج الذي يسمونه بالمعني الظاهر وإن اختلفت عن أقدام الناس أو وإن كانت كما يليق بذاته كما يقولون فما الذي يضطره إلي وضعها في النار مع الشياطين والظلمة والكفار والفجار لمجرد استرضاء النار وإشباع نهمها، أما المروية فلقد أوردها البخاري نفسه بألفاظ مختلفة، ويجب هنا التأكيد علي أن الأمة ليست بملزمة بالنظر في أمثال تلك المرويات أو باعتبارها وإنما يجب أن تترك للمتخصصين لدراستها وتمحيصها ومعرفة كيف وصلت إلي تلك الحالة وكيف خدع بها البخاري فهي يجب أن تدرس بحياد وموضوعية كأثر تاريخي أدبي وليس كنص ديني.
ومن العجب أن يتخذ بعض المتكلمين من ذلك حجة علي مذهبهم القائل بجواز أن يعذب الله تعالى الناس بدون جريرة لأن كل شيء ملكه وكأن للمالك حق انتهاك كل القيم والمبادئ والقوانين فيما يملكه، وهؤلاء إنما كفروا بأسماء الله الحسنى وما قدروا الله حق قدره وما أرضوه بقولهم هذا وإنما كذبوا بآياته قطعية الدلالة والثبوت وكفروا ببعض الكتاب وكذبوا بالآيات التي يعلن فيها الله سبحانه أنه ما كان ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون، إن هؤلاء المتكلمين الأصوليين لم يعبدوا الإله الذي أنزل القرءان الكريم والذي له الأسماء الحسني وإنما عبدوا صورة صاغوها وفق أهوائهم وتتوافق مع مقتضيات جهلهم وافتتانهم بالمتسلطين عليهم.
أما الكتاب العزيز فلقد نص على أن جهنم ستمتلئ من الجنة والناس وليس بقدم خالق الجنة والناس.

*******

السبت، 27 أغسطس 2016

السلف وعبادة معاوية

السلف وعبادة معاوية

روي مسلم عن ابن عباس قال: كنت ألعب مع الصبيان فجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتواريت خلف الباب فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اذهب وادع لي معاوية قال فجئت هو يأكل قال ثم قال لي اذهب فادع لي معاوية قال فجئت فقلت هو يأكل، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا أشبع الله له (أي معاوية) بطنا.
تلك مروية من المرويات التي أفلتت وتبين حقيقة معاوية، فلقد دعاه رسول الله وولى أمر الأمة الذي منَّ عليه وعلى والديه رغم كل جرائمهما السابقة في حق الإسلام والمسلمين، هذا بالإضافة إلى أنه قربه وجعله من كتبة رسائله (وليس من كتبة الوحي كما يزعمون)، ولكنه عصى الأمر مرتين بحجة أنه يأكل، ولكن هل سيترك عبيد الطغاة من حثالة البشر الأمر للناس ليستخلصوا منه ما هو بيِّـن وواضح؟ كلا إنهم كعادتهم حاولوا تبرئة معاوية وإعلاء قدره على حساب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ !! هذا مع أنه لو قيل لأي مسلم ماذا كنت ستفعل لو دعاك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لقال: كنت سأسرع إليه ولو حبوا على الثلج، فمنهم من قال: إن هذا الدعاء منه غير مقصود وكأنهم عرفوا ما في نفس النبي، وأما المحدث الألباني فقال يمكن أن يكون ذلك منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدافع البشرية التي أفصح عنها هو نفسه عندما قال للسيدة عائشة: أو ما علمت ما شارطت عليه ربي اللهم إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته أو سببته!!؟ فاجعله له زكاة وأجرا (رواه مسلم مع المروية المذكورة في باب واحد هو باب من لعنه النبي أو سبه أو دعا عليه وليس أهلا لذلك!!! كان له زكاة وأجرا ورحمة).
وقد زعم مسلم أن معاوية لم يكن مستحقا الدعاء عليه وتحمس غيره وجعل الأمر كله من مناقب معاوية؟! وبهذا قال الذهبي متفوقا على الجميع، ويلاحظ أنهم كلهم أجمعوا على ألا يسأل أحدهم نفسه هذا السؤال البديهي: لماذا رفض معاوية بإصرار الامتثال لأمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وفضل أن يتابع تناول طعامه؟ ولكن هيهات أن يجرؤ أحدهم على المساس بمعاوية، إنه كان من الأهون عليهم أن يتطاولوا على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الذي يدعون أنهم حماة سنته وأن يجعلوه يسب الناس ويلعنهم بدون وجه حق وأن يكذبوا بالآيات التي أثني عليه الله فيها ووصفه بالخلق العظيم؟  وهكذا تدفع الأهواء بعض الأعلام إلى التدني إلى أسفـل سافلين واستحداث تأويلات تمس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الذي شهد له الله تعالى بالخلق العظيم في سبيل تبرئة ساحة معاوية حتى لا يطعن أحد فى ولايته وعدالته، والحق هو أن مواقفهم هذه إنما تطعن في عدالتهم هم وتبين مدى جنايتهم على تلك الأمة، ولو أنهم تلقوا قدرا من تزكية النفس وهى ركن ديني ولو أنهم آمنوا بالرسول الخاتم وعرفوا له شيئا من عظمة قدره وهذا ركن ديني آخر لما ضلوا وأضلوا وضلوا عن سبيل الله تعالى، إنه على عبيد معاوية أن يقرؤوا بتدبر ما يلي: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ }الأعراف179.
وإلى عبيد معاوية هذا السؤال من جديد: لو أن أحدكم دعا من له عليه ولاية لأمر هو من صميم عمله فرفض الإجابة وعصى الأمر هل يعد ذلك من مآثر العاصي؟ وهل يُلام الوالي إذا دعا على العاصي أو عاقبه؟ ولو أن وزيرا في أحقر دويلة محسوبة على الإسلام استدعى موظفا بسيطا عنده فرفض المجيء مرتين بحجة أنه يأكل ماذا كان سيفعل به؟ ولماذا كل هذا الجهد المضني لتبرئة ساحة معاوية وحده ولو بالتطاول على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، هل كان هؤلاء حقا يحبون رسولهم الكريم كما يحبه الآن أبسط المسلمين؟ ومن العجب العجاب أن يقول مسلم (باب من لعنه النبي أو سبه وليس أهلا لذلك….؟!). فهل تصلح هذه العبارة عنوانا لباب في كتاب من أقدس كتب أهل السنة؟ ألا يتضمن هذا العنوان تطاولا على قدر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وعلى كرم أخلاقه؟ ومن هو الأصدق حديثا؟ رب العالمين الذي شهد لرسوله بالخلق العظيم أم مسلم ورواته؟ ألم يعلم مسلم وشركاؤه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لم يكن سبابا ولا لعانا ولا صخابا في الأسواق وأنه كان أشد الناس حياءً؟ ألم يسأل أحدهم نفسه هذا السؤال: هل من الممكن لمن وصفه الله بالخلق العظيم أن يسب الناس وأن يلعنهم بدون وجه حق؟ إن كل ذلك يبين أن الرواة والمحدثين جمعوا ودونوا مروياتهم في جو معبأ بالولاء المطلق لمن أسموهم بالصحابة وخاصة معاوية ومن في حزبه خاصة بعد أن أدرك الطاغية أبو جعفر المنصور أنه هو الامتداد الطبيعي لطغاة بنى أمية وأنهم هم الذين مهدوا له السبيل وصار يشيد بهم علنا بعد أن أبيدوا وأُمِن شرهم واستقر المذهب الموالي لأمثال هؤلاء وساد وسيطر واعتبر كل معارض له مبتدع آثم خارج على الجماعة لا أهلية له ولا يؤخذ منه ولا يعتد به، أما كل المرويات التي تحاول إظهار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ سبابا أو لعانا فإنما هي من وضع عملاء الأمويين وهي تعارض آيات القرءان وبالتالي فيجب إهمالها إعمالا لما وضعه المحدثون أنفسهم من قواعد ومعايير، ومن المعلوم أن معبودهم معاوية هو الذي سن لعن الإمام علي وغيره من عترة النبي وأنصاره علي المنابر، أما تهديدات عبيد المرويات ورميهم منكري أمثال هذه المرويات بكل ما في جعبتهم من اتهامات فينبغي أن يضرب بها عرض الحائط، وإلى كل منهم يجب القول: اتق الله في هذه الأمة وكن شجاعا ولا تمالئ مرويات تعارض صريح القرءان وتنال من قدر الرسول الأعظم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن المثل الإسلامي الأعلى، ولقد مضى الزمن الذي كان يخشى فيه المؤمنون معاوية وحزبه، ولقد تقوضت دولة الأمويين وانتقم منهم العباسيون أبشع انتقام وهم أيضاً سنيون، ولا ينبغي أن يظل أولئك وهؤلاء حربا على الأمة ورجالها بعد مماتهم بعد أن كانوا كذلك في حياتهم ولا يمكن أن يستمروا في الحيلولة بين الناس وبين إعداد الأمة الخيرة بعد مماتهم بعد أن قضوا على خير أمة في حياتهم، فإذا كان الأسلاف يرهبون معاوية وحزبه فلقد مضى هذا إلى ربه وصار رهين عمله ولن يجديه دفاعكم عنه نفعا وإنما سيكرس انهيار الأمة، ولكن ما هي السنة التي تتضمنها هذه المروية؟ وهل يجوز اعتبارها وحياً ثانيا ملزماً للناس كافة إلي يوم الدين؟
إن المروية تبين أن من مناقب معاوية أنه خالف الأوامر القرءانية العديدة التي تأمر المؤمنين بطاعة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما أنه لم يستجب للرسول مخالفاً أمراً قرءانياً آخر، وبما أن معاوية هو (صحابي) يهتدي من اقتدي به فهل يهتدي من تجاهل أوامر الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وباعتبار أن المروية هي السنة، فهل من السنة تجاهل أوامر صاحب السنة؟
والمروية المذكورة تبين أن ابن عباس كان غلاما صغيرا في تلك الفترة أي بعد فتح مكة ومع ذلك عدوه من الصحابة ونسبوا إليه رواية ما يزيد على الألف حديث ودافعوا عن إمكانية ذلك بشراستهم المعهودة، ومع ذلك وجد منهم من حمل عليه بشدة بسبب مروية رزية الخميس والتي تروي كيف امتنع الفاروق عن الاستجابة لأمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عندما أمرهم بإحضار ما يكتب فيه لهم وصية لا يضلون بعدها أبدا ونسب إليه قول ما لا يصح قوله، وأدى هذا الموقف إلى تنازعهم حتى أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بإخراجهم، وهكذا يكيل النقاد والمحدثون بمكيالين ويتبعون أهواءهم وينطلقون معها أينما حملتهم.

*******

الجمعة، 26 أغسطس 2016

منظومة سنن الأكل

منظومة سنن الأكل

من السنن المتعلقة بالطعام ما يلي:

1.            طالما ورد أمر بالأكل والشرب مثلا فإنه يصبح بالضرورة أمرا دينيا يجب أن يمتثل له الإنسان طاعة لربه وأن يكون قاصدا لذلك، وفي هذه الحالة فإنه يُثاب على امتثاله للأمر وعلى قيامه بالأمانة وواجبات الاستخلاف المنوطة به؛ فهو مستخلف في جسمه كما هو مستخلف في ماله الذي هو مال الله بالأصالة، لكن عليه أن يعمل بالأوامر والنواهي الأخرة المتعلقة بالأكل، مثل تجنب الإسراف وتجنب الميتة والدم ولحم الخنزير ... الخ، كما أن عليه طاعة أولي الأمر في مجال صحة الأبدان.
2.            أن يعلم الإنسان أن ما به من النعمة -ومنها وجود ما يأكله- هو من الله تعالى، فالطعام هو من رزق الله تعالى ونعمه، فيجب أن يذكره عندها، وأن يؤدي واجب الشكر له.
3.            تعظيم نعمة الله، وهو سبحانه يحب من يقدر نعمته ويوقرها ويجلها، وهو لا يقيم وزنا لمن يتباهى بأنه لا يعبأ بها.
4.            الإنسان مأمور بأن يأكل من الطيبات من الرزق وطيبة الرزق نوعان، الطيبة المعنوية بأن يكون من مصدر حلال وطيبة مادية بأن يثبت نفعه وينتفي ضرره، ولأولي الأمر في كل عصر ومصر أن يبينوا ذلك للناس، وهذا يقتضى اجتناب الخبائث التي حرمها الكتاب العزيز، والخبث أيضا نوعان خبث معنوي لكون الطعام من مصدر غير مشروع كأن يكون مسروقا مثلا، وخبث مادي وهو ما يكون تأثيره ضارا بالكيان المادي للجسم، ولأولى الأمر أن يمنعوا بقانون بشرى وضعي كل ما ثبت ضرره علي أي مستوى من المستويات إذا لم يكن ثمة نص شرعي يحرمه، ومن ذلك مثلاً أنه يجب تجريم أية وسيلة للكسب يمكن أن تستجد وتتضمن إضراراً بحق شرعي من حقوق الناس، وفي ذلك السياق يندرج تجريم الاتجار بالمواد المخدرة وتعاطيها.
5.            على الإنسان ألا يأكل مما حرمه الله تعالي في كتابه إلا إذا كان مضطرا وغير متعمد مخالفة الأمر الشرعي، أما ما نُهي عن أكله في بعض الآثار فحكمه أنه منهي عنه وليس محرما، والنهي عما ثبت ضرره أو منعه بقانون هو حق لأولي الأمر عملا بسنة الرسول.
6.            الأصل في سفك الدماء هو الحرمة، ولا تحق لأحد إلا بنص.
7.            الأصل في صيد البحر أنه حلال.
8.            مراعاة الحكمة في تناول الطعام، فلا يسرف ولا يبذر، ولا يجعله أكبر همه ولا مبلغ علمه ولا يتجاوز به قدره وأن يجعله وسيلة لا غاية وأن يعمل بمقتضى ما نص عليه الكتاب من أن متاع الدنيا قليل.
9.            أن يذكره الطعام بربه ولا يشغله عنه، فيذكر ربه عنده بقلبه ولسانه وأن يرى أن الله تعالى هو الذي ساق إليه هذا الرزق وسخر له كل الكون ودبر الأمر وصرف الآيات ليصل إليه هذا الطعام.
10.        أن يجعل من حضور الطعام وسيلة إلى ذكر الله فيذكره قبل وبعد وأثناء الأكل وألا يحتجب بالنعمة عمن ساقها إليه.
11.        أن يقنع بما ساقه إليه الله من النعمة وألا يتطلع إلى ما وصل إلى غيره وأن يرضى بقضاء الله وقدره وألا يفعل أو يضمر في نفسه ما يعرضه لغضبه وعليه ألا يزدرى أبدا نعمة ساقها الله إليه.
12.        ألا يتكبر على الآخرين وألا يتباهى عليهم بخصوص هذا الأمر وأن يعلم بأن ما به من نعمة هو بالأصالة من الله تعالى، ولذلك عليه أيضا أن يتذكر إخوانه من البشر الجوعى وأن يؤدى إليهم حقوقهم.
13.        ألا يأكل حتى يجوع وإذا أكل فيجب ألا يملأ بطنه وألا يبلغ حد الشبع وأن يأكل بيمينه.
14.        أن يعلم أنه مستخلف في بدنه فعليه أن يتخذ كل ما يلزم من إجراءات لوقايته وصيانته وتقويته فيزوده مثلا بالطعام النافع، وعليه أن يفيد من كل ما يستجد من معطيات العلم في هذا الأمر.
15.        الصيام من وسائل صيانة الجسد وتذكير الإنسان بنعمة ربه وتذكيره بحقوق الجوعى عليه.
16.        لا يحق لأحد تحريم الطيبات من الرزق.
17.        يجب اجتناب الإسراف في تناول الطعام.
18.        يجب اجتناب التبذير في أمر الطعام.
19.        يجب على الإنسان ألا يجعل الطعام أكبر همه ولا مبلغ علمه.

20.        ما ورد في المرويات فيما يتعلق بنوعيات الطعام هي أمور خاصة بالبيئة العربية في القرن السابع الميلادي، ولا يحق لأحد جعلها جزءا من الدين، فذلك يتناقض مع عالميته وصلاحيته لكل زمانٍ ومكان.
وتلك السنن ليست على سبيل الحصر، وثمة أمور تتضمنها المرويات الظنية هي خاصة بالعرب والأعراب، وهي من العادات والتقاليد التي تتغير بتغير الزمان والمكان، والإسلام هو الدين العالمي الخاتم، وهو لم يأت ليلزم الناس بعادات وتقاليد الأعراب والتي كانت عزيزة عليهم.
ويجب العلم بأن الأصل في سفك الدماء هو الحرمة، وأن تحليل أكل البهيمة هو الذي يجب أن يأتي به نص، قال تعالى: {...أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيد} [المائدة:1]، {...وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّور} [الحج:30].
وأن النهي عن بعض اللحوم قد يُدرك من فحوى الآيات أو إشاراتها، والرسول عندما نهاهم عن أكل لحوم الحمر الأهلية كان يبين لهم فحوى آيات قرءانية، قال تعالى: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8)} النحل.
فالآيات تفصل للناس نعم الله تعالى عليهم، وقد ميزت بين الأنعام التي لهم فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا يأْكُلُونَ ولهم فيها جمال وتحمل أثقالهم وبين وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ التي خلقها لهم لِيرْكَبُوهَا وَزِينَةً، وبذلك دخل الجمل مثلا في الأنعام التي يمكن أن تؤكل وخرجت الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ، ويمكن أيضا استنباط أن النهي عن أكل لحوم الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ ليس بقوة النهي عن أكل لحم الخنزير، وهذا بالطبع يبين الترتيب الذي يمكن اتباعه عند الاضطرار.
وتحريم أكل ما أكل منه السبع يتضمن بالأولى تحريم أكل السبع نفسه، والعامل المشترك بين كل الأنعام هو كونها آكلات عشب، فكل ما توفر فيه هذا الشرط من البهائم ينطبق عليه ما انطبق عليهم.

وكل صيد البحر حلال مهما كانت حالته بموجب الآيات:
{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُون}[المائدة:96]، {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون}[النحل:14]، {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون}[فاطر:12]

إن الطعام مثله مثل سائر أمور عالم الشهادة، هو نعمة إذا ذكَّر الإنسان بربه، وهو نقمة إذا ما شغله عنه.


*******

الاثنين، 22 أغسطس 2016

الصحبة والخلة

الصحبة والخلة

الصحبة لا تقتضي أي تجانس بين الكيانات المتصاحبة، فقد يكون المؤمن صاحبا لمشرك أو كافر، وقد يكون الإنسان صاحبا لحيوان أو جماد، وكل رجل من قوم هو صاحب لقومه، والرسول أو النبي صاحب لقومه، والزوجة صاحبة لزوجها، قال تعالى:
{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِين}[الأعراف:184]، {وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُون} [التكوير:22]، {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيد} [سبأ:46]، {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّار}[يوسف:39]، {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً}[الكهف:37]، {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم:2]، {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُوم}[القلم:48]، {يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13)} المعارج
فالصحبة هي التقاء لفترة زمكانية بين كيانين أو أكثر؛ أي هو تقاطع في العالم الخارجي لا ينفذ إلى أي عمق من أعماق الإنسان، أما الخلة فهي مترتبة على تجانسٍ ما في العالم الداخلي؛ تجانس في الطباع والتوجهات والإيمان أو الكفر .... الخ، وفي حين أنه قد تكون الصحبة مفروضة فرضًا على الإنسان فهو لم يختر قومه، وقد يسافر فيكون أصحابه في السفر من طوائف متعددة فإن الإنسان هو الذي يختار من يخالل، فلو استجاب للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ مثلا لما كان يطلبه منه قومه لاتخذوه خليلا، قال تعالى:
{وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلا} [الإسراء:73]
فالخلة تكون بسبب تجانس في الخير أو في الشر أو في الطباع والأفعال والسلوك بصفة عامة، ومن يميل إلى شخص لصفات سيئة عنده لابد أن في نفسه ما يدفعه إلى ذلك، والخلة في شر أو بسبب صفات سيئة موجبة للندم والحسرة على المستوى الجوهري، وبالتالي في الدار الآخرة، قال تعالى:
{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا(29)} الفرقان، {الأَخِلاَّء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِين} [الزخرف:67].
فالرسول كان صاحبا لقومه على اختلافهم لأنه منهم، ولكنه لم يكن خليلا لهم ولا لأحدٍ منهم، ولم يتخذ منهم خليلا بحكم المهام الموكلة إليه بالنسبة لهم والتي نصَّ عليها القرءان، ولقد اتخذه ربه خليلا كما اتخذ إبراهيمَ خليلا.
وكل مهام الرسول تنفي عنه أن يكون خليلا لقومه، أو أن يكون له منهم صاحب بالمعنى الذي يحاول عبيد السلف فرضه على الناس، ولقد كان للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ مهام عديدة مذكورة في القرءان، وها هي بإيجاز حتى يعرف الحق من جهله ويرعوي عن الغيّ من لهج به:
1.     الدعوةُ إلى الله.
2.     التبشير.
3.     الإنذار.
4.     التبليغ.
5.     تبيين آيات القرءان.
6.     تلاوةُ القرءان عليهم.
7.     تزكيةُ أنفسهم.
8.     تعليمُهم الكتاب والحكمة.
9.     تعليمهم ما لم يكونوا يعلمون.
10. ولايةُ كافة أمورهم.
11. الحكم (القضاء) بينهم.
12. أخذُ الصدقات منهم وتوزيعُها عليهم.
13. الصلاة عليهم.
14. تشريعُ بعض الأمور بإذن ربه مثل جعل الحج مرة واحدة في العمر.
15. سن بعض الأذكار والأدعية مثلما هو الحال في الصلاة.
16. الشهادةُ على أمته.
17. الشهادةُ على شهداء الأمم.
18. ختم النبوة.
ويجب على الناس أن يعلموا أن القرءانَ يستعملُ أساليب الحصر أحيانا للتأكيد أو للتركيز على المهمة التي يقتضيها السياق أو للتسرية عن للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ.
ولكن لم يكن من صعب على شياطين السلف التغلب على صعوبات كهذه كانت تحول بينهم وبين تحريف الدين وإعطاء الشرعية لأهل البغي المتسلطين، فقد أعطوا كل معاني الخلة للصحبة؛ أي أعطوا معاني الخليل للصاحب، وبذلك استغلوا حبّ المسلمين للرسول لكي يفرضوا عليهم تقديس من يسمونهم بأصحابه ولجعل أي كلام منسوب إليهم نصوصا دينية تشكل الجانب الأكبر مما يسمونه بالسنة القاضية على كتاب الله والحاكمة عليه، وبذلك أيضًا تمكنوا من إعطاء الشرعية لآثار هي تفتقدها أصلا بموجب آيات القرءان الكريم، فقد جعلوا نسبة القول إلى واحد فقط ممن يسمونهم بالصحابة كافية لجعل القول نصًّا دينيا وجزءا من (السنة المطهرة)، هذا بينما يوجب القرءان توثيق أمور خاصة مثل التداين بين الناس، ولا يقبل في أمورٍ كهذه لا تمس إلا بعض الناس إلا الكتابة والإشهاد، ولا يقبل فيها بأقل من شاهدين حقيقيين شهدا الأمر شهادة حقيقية.

*******




الجمعة، 19 أغسطس 2016

الشكـر

الشكـر


إن الشكر لله هو أمر قرءاني كبير وركن فرعي مقاصدي ولوازمي من أركان الدين، والمقصود بلوازمي أنه من لوازم أركان دينية عديدة، والمقصود بمقاصدي أنه من مقاصد أركان وأمور وأوامر قرءانية عديدة.
والشكر هو أيضًا سمة إلهية، فهناك منظومة أسماء تشير إلى سمة الشكر، وهي: "الغَفُور الشَّكُور، الشَّاكِر العَلِيم، الشَّكُور الحَلِيم، الشَّكُور، الشَّاكِر" وكذلك تشير إليها حلقات إلهية عديدة، ولذلك فالمتحقق بالشكر يقترب من ربه القرب الخاص بقدر هذا التحقق.
والشكر هو صفة كلية جامعة شاملة، فهو من أسمى المشاعر القلبية التي يجب أن يتحلى به المسلم في علاقته بربه، وهو جماع أسمى المشاعر التي يجب التحلي بها قياما بحقوق الأسماء الحسنى، ويترتب عليها القيام بأفعال أو الامتناع عن أفعال، فهناك أفعال من مظاهر التحقق بالشكر، وهناك أيضًا أفعال لاكتساب صفة الشكر، والأفعال التي هي من مظاهر التحقق بالشكر هي أيضًا من لوازم اكتسابها وترسيخها في كيان الإنسان، والتحقق بالشكر يقتضي أنماطًا سلوكية يجب أن يلتزم بها المسلم؛ أي نهجا يجب عليه اتباعه.
ومن مقاصد الدين العظمى إعداد الإنسان الفائق، ومن أركان صفات هذا الإنسان صفة الشكر، وقلما يتحقق هذا المقصد بالنسبة للإنسان تحققا يُعتد به، قال تعالى:
{.... اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُور} [سبأ:13]
والآية تبين أن الشكر عمل، بمعنى أن صفة الشكر يجب أن تكون سارية في كل عمل يصدر عن الإنسان، ومن يتحقق بذلك لن يقترف عملا يكون فيه معصية لله.
ومن لوازم إقامة صلة وثيقة بالله أن يحرص الإنسان دائما على القيام بواجب الشكر، والشكر هو شعور قلبي بأن كل ما بالإنسان من نعمة هو من الله، ويصدَّق هذا الشعور القيامُ بما يستلزمه من قول وعمل، فالشكر شعور قلبي يصدقه عمل.
والشكر هو استعمال الإنسان كل ما لديه من إمكانات وملكات لتحقيق مقاصد ربه الدينية والوجودية، فهو بعمله بأركان دينه يظهر للناس تفاصيل الكمال اللانهائي المطلق لربه، ومن كبائر الإثم المضادة للشكر: الشرك والكفر.
*******
إن الشكر هو شعور وجداني يقتضي عملا، والشعور هو الفرح بالمنعم الحقيقي الذي خلق الكائنات وأبدع سلاسل الأسباب والنتائج التي ساقت تلك النعمة إلى ذلك الإنسان وكأنه أبدع كل شيء وصرَّف الآيات ودبر الأمر ليسوق إليه تلك النعمة، إذ لو اختلف أمر بسيط فيما ذكر لما وصلت تلك النعمة إلى ذلك الإنسان أصلاً، وإن أعظم  النعم التي نالها إنسانٌ ما هو وجوده ذاته, فإن احتمال وجود إنسانٍ ما بعينه طبقاً لنظرية الاحتمالات يكاد يكون معدوما إذ هو مترتب على أمور حدثت وكائنات وجدت على مدى مليارات السنين، ومع ذلك فإنه تحقق، فتلك هي النعمة الكبرى، وعلى الإنسان أن يعرف قدرها وأن يؤدي واجب شكرها، لذلك فلا أقل من أن يجعل صلاته ونسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين وأن يذعن له الإذعان التام وأن يعبده مخلصا له الدين، وهذا يعني أن يكون وجوده كله لله رب العالمين، وهذا يستلزم منه الحفاظ على كيانه الظاهر وصيانته؛ فكل عمل يؤدي إلى صيانة الجسم  وصلاحه وتقويته هو من مقتضيات شكر النعمة، ومن تلك المقتضيات أيضا تزكية كيان الإنسان الجوهري الباطن وهذا يستلزم التحقق بذكر الله والتقوى، فالتقوى مع أهميتها الشديدة هي وسيلة للتحقق بالشكر، قال تعالى:
{.... فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون} [آل عمران:123]
*****
من حيث العبد فإن الحمد هو الإقرار لله بما هو له من السمات والأفعال والنعماء والآلاء، فهو يُحمد بكل ما هو له، أما الشكر فهو حالة خاصة منه، وهو يتضمن العمل بمقتضى الحمد، وهو من الأخلاق الإسلامية العظمى ومن مقاصد الدين كما أنه يقتضي أفعالاً هي من لوازم الإسلام الحقيقي، فالشكر هو الإقرار بأن النعمة من الله واستعمالها كما يريد الله أي كما تقتضي الأوامر الشرعية، وهذا يقتضي عملا يعبر عن الإقرار للمنعم بالنعمة وإظهار الامتنان له.
والشكر يقتضي معرفة قدر ما استخلف الإنسان فيه وحسن استعماله للقيام بحقوق الأسماء الحسني وتحقيق مقاصد الدين العظمي، والشكر هو النقيض الفعال لكل من الكفر والشرك، فهو الإقرار لله بما هو له من الأسماء والسمات والشؤون والنعماء والآلاء والعمل بمقتضي ذلك، وهو من الأخلاق والأعمال العظمي.
*****
إن الشكر يعني الإقرار بأن النعمة هي بالأصالة من الله تعالى وحده والعمل بمقتضى ذلك، لذلك فإنه يضاده الكفر الذي يعني إنكار أن النعمة من الله أصلا وكذلك يضاده الشرك الذي يعني نسبة النعمة لمن هم من دون الله.
*****
إن الشكر كصفة هو من أركان المنظومة الأمرية الرحمانية؛ أي منظومة القيم الإسلامية، أما كعمل فهو ركن فرعي من لوازم وتفاصيل عدة أركان دينية مثل ركن العبادة وركن التزكية، والتحلي بالشكر والعمل بمقتضى ذلك من لوازم تحقيق المقصد الأعظم الثاني أي من لوازم أن يكون الإنسان إنسانا ربانيا صالحا، وهو من أفضل العبادات الموجبة لدخول الجنة، والتحقق بالشكر أعلي مرتبة من التحقق بالتقوى بل هو من مقاصدها، لذلك فالشيطان يسعى دائما لمنع الإنسان من اكتساب تلك الصفة أو العمل بمقتضاها.
*****
الشكر هو صفة وعمل بمقتضى هذه الصفة، وهو النقيض الموضوعي والحقاني والفعال للكفر والشرك، والشكر من مقاصد الأفعال الإلهية ومن مقاصد الإنعام على الإنسان وتزويده بالحواس والملكات ومن مقاصد العبادات ومن مقاصد تصريف الأمور والآيات الكونية وهو مضاد للكفر، والشكر يتضمن الإقرار بالنعمة وبأنها من عند الله، ولذلك يقابله الكفر وهو جحود وإنكار النعمة، والشكر يرقي بالإنسان ويساعده على الإفادة من الآيات الكونية ومن الوقائع التاريخية.
والشكر هو ركن فرعي كبير من أركان الدين، وهو من لوازم العديد من الأركان الكبرى الجوهرية، وهو أيضاً من مقاصد الدين، وهو المضاد للكفر والشرك، فهو الإقرار لله بالنعمة والفضل وبأن النعمة بالأصالة هي منه وحده وتجنب نسبة ما هو له إلى غيره.
وإن مكانة الشكر بالنسبة إلى التقوى هي مكانة الغاية بالنسبة إلى الوسيلة، وهذا مما يبين أهمية التحقق بالشكر.
والشكر هو شكر لله وشكر له على ما أنعم به على الإنسان من نعم ظاهرة وباطنة.


*******

الحمــد

الحمــد

إن الله تعالى هو الحميد، ومن أسمائه الحسنى منظومة سمة الحمد، وهي تتضمن الأسماء: الْحَمِيد، الْغَنِيُّ الْحَمِيد، الحَمِيد المَّجِيد، الْعَزِيز الْحَمِيد، الْوَلِيُّ الْحَمِيد، ولذلك وجب على الإنسان قياما بحقوق تلك الأسماء أن يحمد ربه قولا وفعلا وشعورا.
فالحمد لله هو من الأمور القرءانية الكبرى ومن لوازم كل الأركان الجوهرية.
إن الحمد بالأصالة هو لله تعالى بمعنى أن له سمة الحسن المطلق وله كل تفاصيل تلك السمة من سمات الحسن، والقول بأن الحمد لله هو الإقرار بما هو للحميد المجيد من حسن السمات وإظهار ذلك على أي مستوى من المستويات، فمن الحمد لله الإقرار له بما سمي به نفسه من الأسماء الحسني وبما نسبه إلى نفسه من الأفعال والسنن والشؤون والسمات العليا.
ومما يحمد به الله أنه لم يتخذ ولدا، قال تعالى:
{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرا} الإسراء111
فهذا يعني أن كل الخلق سواسية أمامه لا فضل لأحد علي أحد إلا بما بينه هو من التقوى والعمل الصالح وسلامة القلب، وتلك المساواة هي من مقتضيات ومظاهر ولوازم أنه الحق، فهو يأمر بالعدل وبالقيام بالقسط، والعدل هو من أعظم ما يحن إليه البشر وهو من أعظم المطالب الإنسانية وسعياً لتحقيقه اشتعلت الثورات وسُفكت الدماء، والقيام بالقسط من مقاصد إرسال الرسل بالبينات، قال تعالى:
{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} (الحديد: 25)، ويكاد يكون أقوى أمر قرءاني من حيث أساليب التأكيد المستعملة هو هذا الأمر: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء:58].
ومن الحمد لله أن يعلم الإنسان أنه لا شريك له في ملكه؛ فكلهم خاضعون له مربوبون له خاضعون لسننه، فليس لأحد أن يتعالى على أحد ولا أن يدعي أنه ابن لله أو أنه يشاركه في ملكه أو يدبر الأمر معه أو أنه نصيره والمتحدث من دون الناس باسمه، وليس له أن ينسب إلى نفسه سلطاته، وما ادعي شيئا من ذلك إلا من كان في قلبه مرض أو تسلط عليه شيطان مريد، وما تسلط على الناس بادعاء ذلك إلا كل متكبر جبار ذاق الناس بسببه ألوانا من الذل والعذاب، ومن الشرك المضاد للحمد أن يزكي بعضهم بعضا بالمعنى السيئ، بمعنى أن يزعموا لبعضهم مراتب دينية ما أنزل الله بها من سلطان، فالله سبحانه هو الذي يزكي الله من يشاء، وهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى.
والله تعالى وحده من حيث أنه رب العالمين هو الذي يستحق الحمد، فهو الذي له الملك والعلو والعظمة والكبرياء والقهر وهو مع ذلك (عفو غفور) و(رحيم ودود) و(رؤوف رحيم) و(غفور ودود)، والإنسان الذي يدرك ذلك هو في راحة عظمي وسعادة كبري، فأي نعمة أعظم من التحقق بإدراك أن الذي يربُّك ويتولى شؤونك ويدبر أمرك هو الله الذي له الأسماء الحسنى، فهو الذي خلقك وهو الأدري بك، وهو الذي يعلم ماذا يصلحك ويسعدك، وهو الذي يهديك إلى ما به تمام ظهور تفاصيل حسنه المطلق الذي هو عين ما به وصولك أنت إلى كمالك المنشود والذي هو عين القرب المأمول منه والذي هو عين تجليه عليك بما هو له وبما يتحمله ويسعد به كيانك.
*****
إن كل مسلم ملزم بالاستجابة للأمر الإلهي: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} والمقصود بالحمد هو الاعتراف والإقرار بأن كل سمات الكمال المطلق إنما هي بالأصالة لله تعالي وكذلك كل مقتضياتها من الأفعال، لذلك ما إن ينسب الله تعالي الحمد لنفسه إلا ويتبعه باسم أو أكثر من الأسماء الحسني أو ببعض الكمالات أو الشؤون أو الأفعال الإلهية.
فلله الحمد لأن له سمات الكمال المطلق المتعدية إلى من هم دونه من كائنات فهم وجدوا بها ويحيون بها وإليها مرجعهم، ولذا كان وجود كل كائن حمداً له، فله الحمد بكل ما ظهر من الأشياء وكان من البدء إلى الختام، ولذا كانت آخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين، فسمات الكمال المطلق هي أمور واجبة له ذاتية له، ولكنها تـقـتضي بذاتها آثارا ومجالات تمارس فيها إمكاناتها.
فمن ذكر الله أن يحمده الإنسان بما هو له من الأسماء الحسنى وبآلائه ونعمائه، والحمد يتضمن العلم بما ذكر والإيمان به والتحقق بمقتضياته، ولكي يتم ذلك يجب أن يحمد ربه بقلبه ولسانه.
ولله الحمد بأسمائه وخاصة التأثيرية منها وكذلك بسننه وأفعاله وخلقه للكائنات وتدبيره للأمر وتصريفه للآيات وفضله على الناس بصفة عامة وفضله الكبير على عباده الصالحين بصفة خاصة، قال تعالى:
{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً}الإسراء111، {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }الفاتحة2  *  {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ}الأنعام1  *  {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}الأنعام45  *  {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}الأعراف43  *  {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }يونس10  *  {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء}إبراهيم39  *  {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً}الإسراء111  *  {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا }الكهف1  *  {....الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }المؤمنون28  *  {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ }النمل15  *  {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ }النمل59  *  {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }النمل93  *  {وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}القصص70  *  {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ }العنكبوت63  *  {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ}الروم18  *  {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} لقمان25  *  {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ}سبأ1  *  {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}فاطر1  *  {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ }فاطر34  *  الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}الزمر29  *  {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}الزمر74  *  {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}الزمر75  *  {هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }غافر65  *  {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}الجاثية36  *  {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }التغابن1

والثناء على الله هو من لوازم إقامة صلة وثيقة بالله، وهذا يتضمن ذكر ما هو له من سمات الحسن وشؤون الكمال، والثناء على الله لا يستلزم نفي وجود كائنات أخرى ولا نفي صفاتها وأفعالها، كما لا يستلزم القول بأنه عينها أو عين وجودها، بل إنه سبحانه يُحمد ويُسبَّح بحمده بوجود هذه الكائنات وما يسري عليها من السنن، أما صفات النقص الظاهرة في المخلوقات فإنما يرجع إلى العدم التي هي مسبوقة لا محالة به، أما المحظور والممنوع فهو أن يزعم أحدهم لنفسه أو لغيره عين السمة الإلهية أو أن يزعم للإله شيئا من لوازم البشرية أو أن يقيده بشيء من تصوراته المنتزعة من عالمه.
*****
ويجب العلم بأن الله سبحانه هو الغني المطلق، فلا حاجة به إلى أن يثني أحد عليه، فالإنسان هو الذي سينتفع بالثناء على الله بذكر ما هو له من الأسماء الحسني وسيتزكى به كيانه الجوهري، والإنسان بتسبيحه بحمد ربه إنما يعمل على التوافق باختياره مع السنن الكونية فينتفع بذلك على كافة المستويات.

إن كل مسلم ملزم بالاستجابة للأمر الإلهي: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} والمقصود بالحمد هو الاعتراف والإقرار بأن كل سمات الكمال المطلق إنما هي بالأصالة لله تعالي وكذلك كل مقتضياتها من الأفعال، لذلك ما إن ينسب الله تعالي الحمد لنفسه إلا ويتبعه باسم أو أكثر من الأسماء الحسني أو ببعض الكمالات أو الأفعال الإلهية.
فلله الحمد لأن له سمات الكمال المطلق المتعدية إلى من هم دونه من كائنات فهم وجدوا بها ويحيون بها وإليها مرجعهم، ولذا كان وجود كل كائن حمداً له، فله الحمد بكل ما ظهر من الأشياء وكان من البدء إلى الختام، ولذا كانت آخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين، فسمات الكمال المطلق هي أمور واجبة له ذاتية له، ولكنها تـقـتضي بذاتها آثارا ومجالات تمارس فيها إمكاناتها.
فمن ذكر الله أن يحمده الإنسان بما هو له من الأسماء الحسنى وبآلائه ونعمائه، والحمد يتضمن العلم بما ذكر والإيمان به والتحقق بمقتضياته، ولكي يتم ذلك يجب أن يحمد ربه بقلبه ولسانه.
*****
إن الحمد هو الإقرار بما هو لله الحميد من حسن السمات وإظهار ذلك على أي مستوى من المستويات، ومن الحمد لله الإقرار له بما سمي به نفسه من الأسماء الحسني وما نسبه إلى نفسه من الأفعال والسنن والشؤون والسمات الحسني، ومما يحمد به أنه لم يتخذ ولداً فهذا يعني أن كل الخلق سواسية أمامه لا فضل لأحد علي أحد إلا بما بينه هو من التقوي والعمل الصالح، وتلك المساواة هي من مقتضيات ومظاهر ولوازم العدل أو القيام بالقسط الذي هو من أعظم ما يحن إليه البشر وهو من أعظم المطالب الإنسانية وسعياً لتحقيقه اشتعلت الثورات وسفكت الدماء، والقيام بالقسط من مقاصد إرسال الرسل بالبينات، قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}(الحديد: 25)، ومن الحمد له أن يعلم الإنسان أنه لا شريك له في ملكه؛ فكلهم خاضعون له مربوبون له خاضعون لسننه، فليس لأحد أن يتعالي علي أحد ولا أن يدعي أنه ابن لله أو أنه يشاركه في ملكه أو يدبر الأمر معه أو أنه نصيره والمتحدث من دون الناس باسمه، وليس له أن ينسب إلى نفسه سلطاته أو ما اختص به نفسه، وما ادعي شيئا من ذلك إلا من كان في قلبه مرض أو تسلط عليه شيطان مريد، وما تسلط علي الناس بادعاء ذلك إلا كل متكبر جبار ذاق الناس بسببه ألوانا من الذل والعذاب، أما الذي يستحق الحمد فهو الله الذي له الملك والعلو والعظمة والكبرياء والقهر وهو مع ذلك (عفو غفور) و(رحيم ودود) و(رؤوف رحيم) و(غفور ودود)، والإنسان الذي يدرك ذلك هو في راحة عظمي وسعادة كبري، فأي نعمة أعظم من التحقق بإدراك أن الذي يربني ويملكني ويدبر أمري هو الله الذي له الأسماء الحسنى، فهو الذي خلقني وهو الأدري بي وهو الذي يعلم ماذا يصلحني ويسعدني وهو الذي يهديني إلى ما به تمام ظهور تفاصيل حسنه المطلق الذي هو عين ما به وصولي إلي كمالي المنشود والذي هو عين القرب المأمول منه والذي هو عين تجليه عليَّ بما هو له وبما يتحمله ويسعد به كياني.
ولله الحمد بأسمائه وخاصة التأثيرية منها وكذلك بسننه وأفعاله وخلقه للكائنات وتدبيره للأمر وتصريفه للآيات وفضله علي الناس بصفة عامة وفضله الكبير علي عباده الصالحين بصفة خاصة، قال تعالى:
{الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }الفاتحة2  *  {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ }الأنعام1  *  {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}الأنعام45  *  {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}الأعراف43  *  {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }يونس10  *  {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء}إبراهيم39  *  {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً}الإسراء111  *  {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا }الكهف1  *  {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }المؤمنون28  *  {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ }النمل15  *  {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ }النمل59  *  {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }النمل93  *  {وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }القصص70  *  {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ }العنكبوت63  *  {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ }الروم18  *  {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }لقمان25  *  {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ }سبأ1  *  {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }فاطر1  *  {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ }فاطر34  *  الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }الزمر29  *  {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ }الزمر74  *  {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }الزمر75  *  {هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }غافر65  *  {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}الجاثية36  *  {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} التغابن1.


*******