الخميس، 30 مارس 2017

الاسم الإلهي "الواحـد"

الاسم الإلهي "الواحـد"
قال تعالى:
{وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ }البقرة163  *  {إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً }النساء171  *  {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}المائدة73  *  {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقرءان لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ }الأنعام19  *  {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }التوبة31  *  {هَـذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} إبراهيم52  *  {إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ }النحل22  *  {وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ }النحل51  *  {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً }الكهف110  *  {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ }الأنبياء108  *  {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ }الحج34  *  {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }العنكبوت46  *  {إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ }الصافات4  *  {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ} فصلت6

الاسم "الواحد" هو من أسماء النسق الأول من الأسماء الحسنى؛ أي من الأسماء التسعة والتسعين المطلوب إحصاؤها.
و"الواحد" هو اسم له سبحانه يشير إلى سمة لازمة لمرتبة الإلهية، فتلك المرتبة بحكم حقيقتها لا تكون إلا لواحد، فالواحدية تنفي بذاتها أن يكون لغيره وجود حقيقي معه وتنفي أن يكون ثمة كمال ذاتي لدى من هم غيره، فمن له الوجود الذاتي الواجب المطلق والكمال اللانهائي المطلق والعلو المطلق والإحاطة المطلقة لا يتعدد، ومن هو الواحد المطلق لا يثنيه ولا يعدده شيء في أي مرتبة من مراتبه أو سمة من سماته أو شأن من شؤونه ولا يقارن به بأي حال من الأحوال، وإذا كان الإنسان المخلوق لا يتعدد بصفة من صفاته أو بكلمة صدرت عنه أو بفكرة جالت بخاطره فالواحد المطلق هو أولى منه بذلك، ووحدانية كل إنسان وأحديته إنما هي من تجليات هذا الاسم.
فهو سبحانه الواحد في ذاته وفي كل اسم من أسمائه وفي كل سمة من سماته وفي كل فعل من أفعاله، لذلك فلا يمكن أن يكون له ولد لأنه لا يمكن أن يشاركه كائن آخر في كنهه.
فهذا الاسم يشير إلى السمة التي تدل على وحدة منظومة الأسماء من حيث أنها تجليات لذات واحدة.
والاسم "الواحد" يأتي دائما في القرءان الكريم مرتبطا بكلمة إله، لذلك فمن حيث هذا الاسم فإنه لا يستحق المرتبة الإلهية الجامعة لكل الأسماء الحسنى إلا هو سبحانه، فمن له الأسماء الحسنى لابد أن يكون واحدا، فالمرتبة الإلهية تنفى بذاتها الشريك والمثل، فالإلهية هي الوجه الظاهر للكمال والحسن اللانهائي المطلق، فلما كان هذا الكمال المطلق لا يمكن أن يتعدَّد كانت السمة الظاهرة منه كذلك، وهذا يقتضي وحدة وتجانس القوانين الكونية بما فيها القوانين المادية، وهذا ما يفسِّـر جمالها واتساقها، والأسماء الحسنى هي تفاصيل وتجليات المرتبة الإلهية، وهذا لا يعنى أنه باندماج كل الأسماء الحسنى كانت سمة الإلهية؛ إذ الإجمال أو الإحكام سابق على التفصيل، بل يعنى أن سمة الإلهية مفصَّلة ومتجلية بالأسماء الحسنى، وجماع سمات الإلهية الحقيقية والتي هي المرتبة الإلهية لا يستحقها بذاته إلا الله سبحانه، فهي تنفى بذاتها الشريك فإن توهُّم الشريك انتقاص منها وإساءة أدب معها بينما هي محض الكمال المطلق غير القابل للنقص أصلا، فهذا الاسم هو المكافئ لكلمة التوحيد والمؤدِّى لمعناها، ولذلك كان هو أصل الشرائع وأصل الدين.
*****
ومن الناحية اللغوية فإن "واحد" و"أحد" هما من الفعل (وحد)، والواو والحاء والدال: أصلٌ واحد يدلُّ على الانفراد. من ذلك الوَحْدَة، وهو وَاحدُ قبيلته إذا لم يكنْ فيهم مثلُه، فالجملة وَحَدَ - يَحِدُ (وَحِدَ - يَوْحَدُ) الكائن أو الشيء تعني يكون واحدا ووحيدا، أي يكون في مرتبته أو مكانته أو في التعامل معه واحدا: ينظر إليه ويعتبر ويتعامل معه ككائن فرد عدده واحد، وليس أكثر.
وَحْدُهُ: بمفرده من غير أن يكون معه ثان أو آخر
فكلمة "واحِد": اسم فاعل وصفة مشبهة من " وَحَدَ - يَحِدُ ": الشيء أو الكائن الذي يكون في موضعه ونتعامل معه على أنه كائن او شيء واحد مفرد لا أكثر
*****
والله من حيث الاسم "الواحد" يدعو الخلق إليه ويكلِّف عباده الذين وهبهم الإرادة الحرة والاختيار، وهم من حيث أنهم عباده إنما يتوجهون إليه من حيث هذا الاسم، فهذا الاسم مرتبط بمعني الاسم الإله، فهو سبحانه إله من أسلم له طوعا بمحض إرادته واختياره، فمن كان كذلك وقام بقدر استطاعته بما يقتضيه منه ذلك فإنه يصبح من خاصته وأحبابه وأوليائه، فهذا الاسم هو أصل الدين القيم ومنبعه، وهو الذي اقتضى العلاقة الممكنة الوحيدة بين العباد وبين ربهم؛ ألا وهي الإسلام، قال تعالي:
{فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا} (الحج:34).
كما اقترن هذا الدين بالشهادة له سبحانه بالوحدانية، قال تعالى:
{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(18) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} (آل عمران).
والاسم "الواحد" يقتضي من الإنسان أن يعمل على أن يتميز في مرتبته باكتساب الكمالات اللازمة لذلك كما اكتسب من قبل الملكات الذاتية الخاصة.
والتحقق بمقتضيات الاسم "الواحد" من لوازم الوصول إلى مراتب الكمال، فهو الاسم الذي ترتبت عليه كلمة التوحيد والتي تتضمن أعظم قوانين الوجود والتي هي شرط انتفاع كيان الإنسان الجوهري بعمله ووصوله إلى كماله المنشود، فلا أمل لإنسان في تحقيق شيء من ذلك إلا بإقراره بوحدانية الإله، وهو يقتضي من الإنسان أن تتسق كل أخلاقه مع بعضها ومع دوافعه، وأن يتفق قوله مع فعله وظاهره مع باطنه، كما يقتضي وحدة الأمة وتماسكها والامتناع عن تفريق الدين.
فبما أن الإله واحد، فالدين واحد، والأمة يجب أن تكون واحدة، لذلك كان من أول الأركان الملزمة للجماعة المسلمة وحدة الدين ووحدة الأمة، قال تعالى:
{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13)} الشورى، {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159)} الأنعام، {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)} الروم، {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)} آل عمران، {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52)} المؤمنون.
ولذلك فمن كبائر الإثم على مستوى الأمة والجماعة تفريق الدين وتمزيق الأمة.    


*******

الثلاثاء، 28 مارس 2017

مروية الجارية الأعجمية

مروية الجارية الأعجمية

السلفية يؤمنون بأخبار الآحاد ويأخذون بها في العقيدة ويرفضون التأويل رفضًا باتا، وهم يقولون بوجوب استتابة من لم يؤمن بمثل ما آمنوا أو قتله، وقد تشبث السلفية بما يسمونه بحديث الجارية، وجعلوه قدس أقداس دينهم وقضوا به على كتاب الله وعلى أقوال الرسول، وألفوا فيه الكتب والرسائل وأجروا عليه أبحاثًا مكثفة، وقضوا به على كتاب الله بل على المرويات الأخرى رغم تقديسهم المهول والمعلوم للمرويات الظنية.
ومروية الجارية رواها مالك في " الموطأ " من حديث هلال بن أسامة عن عطاء بن يسار عن عمر بن الحكم، ولفظها: ( فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أين الله؟ فقالت في السماء، فقال من أنا؟ فقالت أنت رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتقها) هكذا قال الإمام مالك : عمر بن الحكم، وهو وهم .
ورواها أحمد بن حنبل من حديث يزيد أخبرنا المسعودي عن عون عن أخيه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجارية سوداء أعجمية، فقال يا رسول الله، إن عليَّ عتق رقبة مؤمنة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أين الله؟ فأشارت إلى السماء بإصبعها السبابة، فقال لها من أنا؟ فأشارت بإصبعها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى السماء، أي أنت رسول الله فقال أعتقها.
ورواها أبو داود الطيالسي من حديث يحي عن هلال عن عطاء عن معاوية به ولفظها: (فقال لها: أين الله ؟، قالت: في السماء، قال: ومن أنا؟ قالت: أنت رسول الله).
ورواها مسلم في (صحيحه) من حديث يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي، ولفظها: (.. وكانت لي جارية ترعى غنمًا لي قِبل أحد والجوانية، فاطلعت ذات يوم فإذا الذيب قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بنى آدم آسف كما يأسفون، لكني صككتها صكة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعظم ذلك علي، قلت: يا رسول الله أفلا أعتقها؟ قال: ائتني بها فأتيته بها فقال لها: أين الله؟ قالت: في السماء. قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله قال أعتقها فإنها مؤمنة).
ورواها أبو داود في " سننه " من حديث يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي، ولفظها: (فقال أين الله قالت في السماء قال من أنا قالت أنت رسول الله قال أعتقها فإنها مؤمنة).
ورواها أبو داود: من حديث يزيد بن هارون قال أخبرني المسعودي عن عون بن عبد الله عن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة، ولفظها: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجارية سوداء أعجمية فقال يا رسول الله: إن علي عتق رقبة مؤمنة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين الله؟ فأشارت إلى السماء بإصبعها السبابة، فقال لها: من أنا فأشارت بإصبعها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى السماء أي أنت رسول الله فقال: أعتقها.
ورواها النسائي في " السنن " من حديث يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة قال حدثني عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي، ولفظها: (فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أين الله عز وجل؟ قالت: في السماء قال فمن أنا؟ قالت أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنها مؤمنة فاعتقها).
وقال ابن قدامة: هذا حديث صحيح، رواه مسلم في (صحيحه) ومالك في (موطئه) وأبو داود والنسائي وأبو داود الطيالسي.
هذه هي المروية التي جعلها الأثرية الحشوية السلفية قدس أقداس دينهم، وبمضاهاة المرويات -بافتراض أن فيها شيئا من الصحة- يتضح أنه كان المطلوب بالتحديد عتق رقبة مؤمنة، فكان المقصد إذًا التأكد من أن الجارية البسيطة الأعجمية (التي لا تفقه اللسان العربي) مؤمنة بأبسط سبيل ممكن، وبذلك يمكن إدراك مغزى إشارتها بإصبعها إلى السماء، فهي تبين أنها لا تعبد أصنام الأرض، وبالطبع لم يكن المقام ليسمح بأن يدخل الرسول في جدل لاهوتي مع الجارية البسيطة ولا لأن يتلو عليها آيات القرءان ولا أن يحاججها به، ولكن السلفية اتخذوا من سكوته إقرارًا لها على عقيدتها البسيطة، ومن المروية نصًّا قطعي الثبوت والدلالة على عقيدتهم التلمودية التجسيمية القائلة بأن الله تعالى يقيم في السماء كما يقيم الرجل في بيته، وأنه يمكن الإشارة إليه بالأصابع كما فعلت الجارية، فالمرويات عند السلفية قاضية على القرءان وحاكمة عليه!
فالرسول الحكيم كان يعامل الناس على قدر عقولهم، وكان يسألهم السؤال الذي في وسعهم أن يفقهوه وأن يجيبوا عليه إجابة تبين المقصود، ولم يكن مطلوبًا منه أن يبين للجارية العلوّ الإلهي المطلق على المكان والزمان أو أن يبين لها أنه يطوي السماوات بيمينه أو أنه هو الذي خلق السماوات بكل ما هو فيها.
ولقد بيَّن الرسول لقومه أن كل المطلوب منهم هو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وأنهم بذلك كما يقول القرءان يصبحون إخوانا لمن سبقوهم إلى الإسلام في الدين، بل ثمة مرويات تقصر المطلوب منهم على الشهادة فقط، وهو لم يلزمهم بالإيمان بأن الله تعالى مقيم في مكان مادي اسمه السماء يُشار إليه فيه بالأصابع، ولم يطالبهم بالتبحر في دلالات آيات القرءان ولا في فحاواها.
وفي كل الأحوال لا يحق للسلفية إلزام الناس بالقول بأن الله في السماء بالمعنى الحسي الدارج الذي يقولون به، وبالأحرى لا يحق لهم الغلو في أمر (حديث الجارية) وجعله الفيصل بين الكفر وبين الإيمان، ولقد جاء في كتاب الله العزيز: {وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُون}[الأنعام:3]، فلماذا لا يقضون على المروية بهذا النص القطعي الثبوت والدلالة؟
وإذا كانوا لا يقيمون لكتاب الله وزنًا فلماذا لا يأخذون بمروية أحمد ومسلم وأبي داود والنسائي عن أبي هريرة والتي قال فيها: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء"؟
هذا علمًا بأنهم يرفضون التأويل.
هذا مع أنه جاء في رواية مالك وأحمد كما يلي: أن رجلاً من الأنصار جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بجارية له سوداء فقال: يا رسول الله إن عليَّ رقبة مؤمنة، فإن كنت تراها مؤمنة أعتقها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أتشهدين أن لا إله إلا الله؟ قالت نعم، قال أتشهدين أن محمدا رسول الله؟ قالت نعم، قال أتوقنين بالبعث بعد الموت؟ قالت نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعتقها).
والمروية بهذه الصورة تصبح متسقة مع القرءان الكريم وما يصدقه من أقوال الرسول، فجوهر العقيدة الإسلاميةThe core tenet of Islâm  هو شهادة أنه لا إله إلا الله، وليس شهادة أن الله في السماء، فالرسل لا يدعون الناس إلى المتشابهات، والرسول نفسه هو الذي قال لقومه عندما كانوا يدعون الله بأصوات عالية: "أيها الناس! أربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنما تدعون سميعًا بصيرا قريبا، إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته"، كما قال لهم: "إن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد".
وقد وردت مروية أخرى رواها أبو داود والنسائي والدارمي والإمام أحمد وابن حبان، ونصها: قلت: (يا رسول الله إن أمي أوصت أن نعتق عنها رقبة وعندي جارية سوداء قال ادع بها فجاءت، فقال: (من ربك؟ قالت الله، قال: من أنا ؟ قالت: رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة )
وهذه المروية أيضًا تتسق مع مقاصد الرسالة، وهي التعريف بالله وبنبوة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ.
ومن المرويات التي تبين ما هو المطلوب ليكون المرء مسلمًا ما رواه مسلم في صحيحه عن ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مُعَاذًا قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَقَ ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ إِسْحَقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا بِمِثْلِ حَدِيثِ وَكِيعٍ.
فلم يرد في أية مروية إلزام للناس بأن يؤمنوا بأن الله تعالى في السماء بالمعنى الحسي المادي الدارج.

*******

السبت، 25 مارس 2017

حوار مع عبد (الصحابة)

حوار مع عبد (الصحابة)

مسلم: مراتب أهل القرن الأول مذكورة في القرءان في آيات محكمة في سورة التوبة، ولم يرد من بينها مرتبة اسمها الصحبة! وهي السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، من اتبعوهم بإحسان، من آمن من بعد الفتح، من خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، المرجون لأمر الله، من أسلموا ولمَّا يؤمنوا، المؤلفة قلوبهم، المنافقون.
العبد: وما قولك في: {.... إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)} التوبة؟
المسلم: وما قولك أنت في: {...مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46)} سبأ، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2)} النجم، {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22)} التكوير، فالآيات تجعل من النبي صاحبا لقومه حال كفرهم، وكذلك: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) الكهف وغيرها من الآيات التي تجعل المؤمن صاحبا للكفار، وأشد الناس صحبة للرجل زوجه، وقد ذكر القرءان كفر زوجتين من زوجات الأنبياء، قال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِين} [التحريم:10]
وكذلك ضرب مثلا بابن نوح، وكيف لم يستجب لنوح عندما توسل إليه بشأنه.
 كما ذكر إيمان زوجة لكافر، فالصحبة مجرد لفظ لغوي وليس اصطلاحا دينيا.
العبد: كل ذلك لا جدوى منه، هم صحابته شئتَ أم أبيت!
مسلم: أهكذا تعرض عن القرءان بهذه السهولة وتتخذه وراءك ظهريا؟
العبد: العب غيرها، لم نعد نبالي بهذه النغمة! هم صحابة الرسول شئت أم أبيت!
مسلم: مشكلتك مع القرءان ومع الرسول، فليس من حقك أن تفرض عليه أهواءك! ما تعريف الصحابي عندكم؟
العبد: هذا هو السؤال المفيد، إن الصحابي هو من رأى الرسول ولو للحظة ومات على الإيمان.
مسلم: وهل ورد هذا التعريف في القرءان؟
العبد: بل ورد في السنة وهي حاكمة على القرءان وقاضية عليه، وقد أجمعت عليه الأمة وتلقته بالقبول و....
مسلم: ولم تعلموا لذلك مخالفًا إلا من كان مفارقا للملة خالعًا للربقة متبعا غير سبيل المجرمين والمشركين!!
العبد: أتسخر؟
مسلم: ومن أدراك أن شخصًا ما مات على الإيمان لكي تقطعوا بأنه صحابي؟
العبد: أتشكك في إيمان الصحابة؟؟!
مسلم: السؤال يبين الاستحالة المنطقية في تعريفك والتي تجعله مجرد هراء
العبد: بل هو صحييييييييييح، وهذا ما أجمعت عليه الأمة وتلقته بالقبول ....... الخ
مسلم: ألم يكن هناك منافقون لا يعلمهم الرسول نفسه بنص القرءان؟ قال تعالى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيم} [التوبة:101]، فكيف علم أربابك في زنهم من بعد الرسول بكثير ما لم يعلمه هو المعاصر لهم؟
العبد: حذيفة كان يعلمهم!
مسلم: هل حذيفة علم ما لم يعلمه الرسول؟ وكيف علمهم؟
العبد: الرسول علَّمهم له وأوصاه ألا يبوح بأسمائهم.
مسلم: وكيف يعلمهم الرسول أسماءهم وهو نفسه لم يكن يعلمهم كما ذكر القرءان؟
العبد: كان يعلم بعضهم.
مسلم: وماذا عن الآخرين؟
العبد: لابد أن السلف وجدوا حلاً لهذه المشكلة، أتشكك في السلف؟! هل أنت مثل ابن فلان وابن علان؟!
مسلم: ومن يثبت لك أن شخصًا ما رأى الرسول؟
العبد: الأحاديث والسيرة.
مسلم: ومن روى الأحاديث والسيرة
العبد: الصحابة
مسلم: أنت تستدل على أن فلانا من الصحابة باستعمال مروية رواها صحابي، وهذا خلف في المنطق، إنه الاستدلال الدائري Circular reasoning!
العبد: طزّ في المنطق، من تمنطق فقد تزندق
مسلم: وهل هذه وسيلة إقناع لأحد؟ أين الجدال بالتي هي أحسن؟
العبد: التي هي أحسن قد تكون السيف مع المعاندين! سيوف الشريعة أفضل حسم للخلافات!
مسلم: ولذلك سلِّطت عليكم الأمم تسومكم سوء العذاب وأنتم في جحيم الجهل والتخلف تتلظون وبضلالكم تفرحون

*******

الجمعة، 24 مارس 2017

الرسول لم يطلب أجرًا من الناس

الرسول لم يطلب أجرًا من الناس
الشورى 23
قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ
إن أجر الرسول يكون على من أرسله، فإن الكريم لا يرسل رسولا ثم يكله إلى الناس أو يأمره بأخذ الأجر منهم، فمن تعريف المرسَل ولوازمه ألا يسأل من أرسل إليهم أجرا، قال تعالي:
{اتَّبِعُوا المُرْسَلينَ(20) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ(21)} (يس)، وذلك ما نصت عليه آيات كثيرة خاصة بالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبمن أرسل من قبله من الرسل؛ قال تعالي: {يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِي إِلا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ(51)( هود : 51)، ، {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ(46)} (القلم : 46)، {وَإِنَّ لَكَ لأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ(3)} (القلم : 3 )، {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ(72)} (يونس :72)، {وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالا إِنْ أَجْرِي إِلا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ(29)} ( هود : 29)، {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الشعراء : 109 ، 127 ، 145 ، 164 ، 180)، {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِي إِلا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(47)} (سبأ : 47) 
وفى آية الشورى أمر الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أن يبين لهم أنه لا يسألهم أجرا، ولكن يجب على قومه أن يودوه لأجل قرابته منهم، وهذا ليس بأجر ولكنه ما تمليه عليهم أعرافهم؛ فما كان لهم طبقا لها أن يقطعوا أرحامهم هكذا، أما من زعم أنه طلب منهم أجرا فلقد كذب بالآيات المذكورة أو ادعى أن ثمة اختلافا في القرءان وكلا الأمرين ممنوعان، والأخطر من ذلك أنه تطاول علي ربه وشكك في أوصافه العليا وكرمه.
لقد جاءت النصوص قاطعة بأن أجر المرسل إنما يكون على ربه الذي أرسله وأن من تعريفه اللازم أنه لا يسأل الناس أجرا على رسالته، لذلك فالاستثناء في تلك الآية منقطع والحرف (في) الذي يسبق (القربى) هو كالحرف (في) في الحديث: (عذبت امرأة في هرة) أي بسبب هرة.
لقد أمر الله تعالي رسوله أن يقول لهم إنه لا يسألهم أجرًا كما أمر الرسل من قبله، قال تعالي: { قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ(86)إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ(87)} (ص)، وقال: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا(57)} (الفرقان)، وقال: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ(90)} ( الأنعام ، 90 )
فكيف يتصورون أنه من الممكن أن يأمره بالشيء ونقيضه؟ أم يريدون القول بأنه سبحانه بدا له فغيَّر رأيه؟ ألم يعلن لهم أنه لا يبدل القول لديه؟
ولا وجود في القرءان لأي اختلاف، ولا مجال للقول بأن كل هذه الآيات منسوخة، فلا وجود أصلا لآيات قرءانية منسوخة.
إن الآية تأمر الرسول بأن يسأل قومه أن يوَدُّوه في قرابته منهم، أي بسبب هذه القرابة، وأن يَصِلوا الرحم التي بينه وبينهم طبقاً لأعرافهم ومنظومة القيم الحاكمة عليهم، وهذا كان حقاً لكل من انتمى إلى القبيلة.
إن كثيرا من المسلمين قد ظلموا رسولهم الكريم ولم يعرفوا له قدره، فأهل السنة جاروا على حقه لحساب من أسموهم صحابته وزعموا تلك الصحبة للطلقاء والأعراب والمنافقين فأوقعوا الناس في حيص بيص وأعطوا بذلك الفرصة للشياطين ليلقوا في الدين ما يشاءون وكادوا يقضون على الدين لحساب أساطير الأولين، لقد نسب هؤلاء الصحبة إلى من لم يحظ بشرفها ولم يزعمها لنفسه ولم يطمع أبدا فيها.
أما الشيعة فلقد زعموا أنه طلب من الناس أجرًا على رسالته هي مودة أهل بيته في حين أن كل إخوانه من الرسل لم يطلبوا شيئا كهذا من الناس وإنما اتجهوا بدعائهم إلى ربهم، لقد ظلم الشيعة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودينه لحساب أهل بيته وذريتهم، وكأنهم زعموا بذلك أنه أتى ليؤسس سلطانا لذوى قرباه، أما كثير من المتصوفة فلم يتبعوا الرسول الحقيقي الذي أرسله ربه بالقرءان الكريم رحمة للعالمين وعاش مجاهدًا في سبيله وإنما أحبوا صورة جسَّدها لهم خيالهم، والمطلوب من المسلم أن يحب الرسول الحقيقي.
والآية تقول: {وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ}
فهي تتضمن سنة إلهية تقتضي سنة كونية، وتبين أن هذه السنة من مقتضيات الاسم الإلهي الغَفُور الشَكُور، فهذا هو الاسم الذي يتعامل مع الأفعال البشرية الحسنة وهو يشير إلى سمة تفصيلها المغفرة والشكر، فالمغفرة تغطي جوانب القصور في الفعل البشري والشكر يقتضي زيادة ومضاعفة الآثار الطيبة للفعل الحسن.
إن حب عترة الرسول لا يقتضي أن تجعله يسأل الناس أجرًا على رسالته، الحب شعورٌ قلبي طبيعي، هل يليق بك إذا أحسنت إلى أحد الناس أن تلزمه بحب أقاربك؟ وإذا أرسلت أحد الناس في مهمة معينة، هل ستقول له خذ أجرك ممن أرسلتك إليهم؟ ما لكم كيف تحكمون؟!


*******

الخميس، 23 مارس 2017

أسباب التركيز على انتقاد الدين الأعرابي الأموي الدموي

أسباب التركيز على انتقاد الدين الأعرابي الأموي الدموي

يقول بعضهم: "ولماذا لا تنتقد الشيعة مثلما تنتقد أتباع الدين الأعرابي الأموي الدموي؟" هذا ادعاء غير صحيح بصفة عامة، والردّ عليه هو:
1-  أتباع الدين الأعرابي الأموي هم خونة لأوطانهم بالفعل Actuality، فإن لم يتيسر، فهم خونة بالقوة Potentiality؛ أي في حالة كمون في انتظار الفرصة، فهم لا يتبعون حقيقة إلا كل من يزعم لهم إنه سيقيم خلافة على نهج النبوة، حتى وإن كان سيقيمها على نهج إبليس، فهم أخطر شيء على أوطانهم، وهم بالطبع أخطر شيء على مصر، والجنود المصريون الذين يُستشهدون في سيناء هم ضحايا أتباع هذا الدين، هذا فضلا عن أن أتباعه من أسباب تقويض محاولات مصر للنهضة والتقدم وتكريس الجهل والتخلف وإهدار الموارد فيها.
2-     أتباع الدين الأعرابي الأموي يقدمون للعالم أسوأ صورة عن الإسلام، ويصدونهم بذلك عن سبيل الله تعالى.
3-     قبل الاشتراك في الفيسبوك انتقدنا كل الأديان الأخرى في سياق دفاعنا عن دين الحق، وقد لاحظنا أن ألدّ أعداء الإسلام يستعملون ضده مقولات وأعمال أتباع الدين الأعرابي الأموي، فقط من دون المذاهب الأخرى.
4-     نحن قد انتقدنا ما وصل إلينا من أخطاء كل الأديان والمذاهب ونشرنا ردودا عليها، ولم نقصِّر في انتقاد أخطاء المذهب الشيعي، ولنا ردودنا على عقيدة البداء وعلى قولهم بالعصمة المطلقة للأئمة، وعلى غلوهم في شأنهم، وعلى تقديسهم للأضرحة، وعلى ممارساتهم الدموية الغريبة في مواسمهم وعلى موضوع المنتظر، ونحن ندين انشغالهم بسبّ بعض أهل القرن الأول وإهدار الجهود والطاقات فيما لا يزيد إلا أسباب الشقاق بين المسلمين، ويجب العلم بأن دفع المضرة مقدم على جلب المنفعة ..... الخ، وأنه لا جدوى من سبّ من أفضوا إلى ربهم، وإن كان هذا لا يمنع من دراسة التاريخ بحيادية.
5-     إننا نقول دائمًا إن دين الحق الذي نتبعه هو بريء من كل المذاهب التي حلَّت محله، والحق والباطل موزعان بنسب متفاوتة على شتى المذاهب والأديان التي حلت محلّ الإسلام، وحتى الدين السلفي على الرغم من شراسته وعدوانيته وعقائده الخاطئة المهلكة وإقصائيته ورفضه للتعايش السلمي وللقيم الإسلامية والإنسانية فهو لا يخلو من الكثير من الحق.
6-     إننا لم نستخلص دين الحق بإجراء مقارنات مكثفة بين المذاهب المختلفة، وإنما اتجهنا رأسًا إلى القرءان الكريم واستخلصنا منه كل عناصر دين الحق ومنظوماته، وإليها نحاكم ما يصل إلينا من مقولات المذاهب.
7-     فنحن لا نمتهن انتقاد المذاهب ولم يحدث أن أخذنا مقولات المذاهب مذهبًا مذهبا وحللناها بقصد تقويضها، ولن يحدث ذلك أبدًا، ولن يحدث ذلك إرضاءً لأحد ولا استجابة لطلب من أحد. 
8-     مذهب الشيعة هو مذهب من المذاهب التي تفرق إليها الدين، وهم فرق عديدة، فيهم المعتدلون، وفيهم المتطرفون، وعقيدتهم في الله تعالى -لولا قولهم بالبداء- أفضل بصفة عامة من كافة العقائد السنية (أشعرية، ماتريدية، سلفية)، و(الفقه) الجعفري أفضل بصفة عامة من (فقه) المذاهب الأربعة، ولكن لديهم أيضًا تحريفات خطيرة، ومن ذلك الغلو الشديد في أمر الأئمة والتقديس المبالغ فيه للأضرحة، وشد الرحال إليها.
9-     ولكن الشيعة لا وجود لهم في مصر إلا كطائفة مستضعفة لا يُخشى لها بأس ولا يُرجَى منها شيء من متاع الدنيا، والهجوم عليهم لا يحتاج إلى شجاعة أو جرأة، بل يحتاج إلى نذالة وخسة وطمع في حطام الدنيا، وكل من أراد أن ينتشر إعلاميا وأن يعبَّ من متاع الدنيا عبًّا فأسهل طريق له أن يجعل من نفسه (أسد السنة وشيطان الغمة) ويهاجم الشيعة والتشيع.
10-  ومن بعد أن توارى المتصوفة والأشاعرة في مصر فإن السيطرة على العامة والغوغاء الآن هي للدين الأعرابي الأموي.
11-  وبما أن المذاهب السائدة والمتسلطة في مصر هي الآن تنويعات من الدين الأعرابي الأموي فمقولاتهم هي أكثر المقولات شيوعا، وهي التي يتصدى بها المبطلون والمغضوب عليهم للحق الذي نعرفه والذي هو ثابت بالقرءان، وهي التي يحاولون بها إطفاء نور الله تعالى، فمن البديهي أن يحظوا بالقدر الأوفر من الانتقاد، وهذا هو الأمر الذي يستلزم شجاعة وجرأة.
12-  ما ننشره من انتقادات للدين الأعرابي الأموي لم يُكتب أكثره إلا ردًّا على انتقاداتهم لدين الحق الذي نتحدث عنه، فأكثره ردود على محاولاتهم لإطفاء نور الحق، ولذلك لم يُكتب أكثره إلا بعد الاشتراك في الفيسبوك سنة 2011 م، ونحن على ثقة من أن محاولاتهم ستبوء بالفشل، فظهور دين الحق هو قدر مقدور ولو كره عتاة المشركين والمجرمين.
13-  وليس من حق من هم أضل من الأنعام ومن هم من شر دواب الأرض أن يفرض وصايته علينا، أو أن يقول لنا انتقد أولئك أو كفّ عن هؤلاء، فالدواب والأنعام لا توجِّه وإنما تتَّبع أو تُركَب أو تُذبَح لتؤكل.
14-  ونكرر من جديد أن تفريق الدين هو من كبائر الإثم التي وقعت فيها الأمة، والرسول بريء ممن فرقوا دينهم: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ }الأنعام159، ومن فرقوا دينهم –مهما كان مذهبهم- هم بالضرورة مشركون: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ{30} مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ{31} مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ{32} الروم.
15-  وها هو نحن نحظى بالحظ الأوفر من غضب أتباع الدين الأعرابي الأموي وقطيع الغوغاء من ناحية، ولا نحظى برضا أية طائفة أخرى -لأننا لا ولن نتبعها- من ناحية أخرى، ولكننا لن نتجر أبدا بديننا ولن نداهن في أمرنا ولن نعطي الدنية لأحد.
16-  وموقفنا ثابت أيضا من المجتهدين الجدد، لديهم حق وباطل، فشأنهم شأن باقي المذاهب، لن نقبل بما يروجون له من باطل طمعا في مناصرتهم أو تأييدهم لنا، ونكرر دائمًا إنه لا يجوز استبدال باطل بباطل ولا تحريف الدين لتقديم نسخة يرضى عنها أعداء الدين، وقد رددنا عليهم في مواطن كثيرة، وهم يعتبروننا من ألدّ أعدائهم.
.

*******

السبت، 18 مارس 2017

سورة التوبة 123

سورة التوبة 123
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123) التوبة
الأمة المؤمنة في حال وجودها مأمورة بقتال من هم أقرب إليها من الكفار الظالمين المعتدين، فلا يجوز الانشغال بالأبعد عن الأقرب، ولكن كل ذلك في إطار القتال المشروع، فالأمة مأمورة بقتال الأقرب من الكفار في حالة الحرب وتوفر شروط القتال الشرعية، وليست مأمورة بأن تقاتل الكفار الأقرب فالأقرب في حالة السلم، فالعدوان محرَّم تحريما باتا، وأمر القتال محكوم بكافة الآيات التي تحدثت عنه، ومنها:
{وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِين} [البقرة:190]، { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)} [الحج]، {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا}[النساء:75].
والقتال يجب أن يكون حقًّا في سبيل الله وليس طلبًا لعرض دنيوي أو للانتصار لطاغوت:
{الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء:76]
فالقتال المشروع هو القتال في سبيل الله، فهو لا يكون طلبا لعرض دنيوي، والقتال هو من الأركان الفرعية للجهاد في سبيل الله والذي هو ركن من أركان الدين، فقد يقتضي الجهادُ القتالَ إذا ما توفرت شروطه الشرعية، وعلي كل من أراد أن يعرف حكم القرءان في أمر القتال أن يتبع منهج دين الحق، فعليه أن يستخلص كل الآيات التي ورد فيها هذا المصطلح ومشتقاته وأن يسلِّم بأن لكل آية الحجية الكاملة وأنه ليس ثمة اختلاف في القرءان وأنه ليس من حقه أن يضرب آية بآية ولا أن ينسخ آيةً بآية، وعليه أن يعلم أن آيات القرءان يبين بعضها بعضا ويقيد بعضها بعضا ويفصل بعضها بعضا، وأنها بمثابة المصابيح الموصلة على التوالي، فلا يمكن لأحد قطع أي مصباح منها، وإلا لغاب عنه الضوء اللازم ليعرف القول القرءاني الصحيح، أَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ، فهؤلاء هم الذين عملوا على أن يستبدلوا بدين الحق دينًا تلموديا عدوانيا همجيا وأيديولوجية للتوسع الاستيطاني.
وعلى المسلم أن يعلم أن للآيات التي هي مقتضى سمة إلهية أو شأن إلهي التقدم على غيرها، فإذا أعلن الله تعالى أنه لا يحب المعتدين فتلك سمة إلهية لا تتغير ولا تتبدل، ولها الحكم البات في هذه المسألة، ولذلك لا يمكن لأحد أن يتقرب إلى رب العالمين باقتراف العدوان بعد أن أعلن الله تعالى أنه لا يحبه، ومن يفعل ذلك يكون مستخفا بالنهي الإلهي جاحدا للآية القرءانية وربما كافرا بالسمة الإلهية. 
ومن يتبع منهج دين الحق سيعلم أن حالة السلم هي الحالة المثلي المطلوبة والمقصودة وأن القتال هو الأمر الاستثنائي المكروه والمقيد بشروطه المذكورة في الآيات وأن العدوان محرم تحريما مطلقا.
وعلي الضالين المضلين أن يعلموا أن لله سبحانه الكمال المطلق وأنه كما قال: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ، وليس ليفترس بعضهم بعضا ولا ليستعبد بعضهم بعضا، وأنه لن يأمر المؤمنين بالتربص بالآخرين وأنه قرر بكل وضوح وبأجلي بيان أنه لا إكراه علي الإيمان ولا إكراه في الدين وأنه لَوْ شَاء لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا، وهو لن يعمل علي الإيقاع بين المؤمنين وبين الناس كافة، وإذا كانت تلك العقيدة العدوانية معلومة للكافة فما الذي سيضطر باقي الناس إلي الصبر علي فئة تتربص بهم شرا وتتحيَّن الفرصة للاعتداء عليهم، وإذا ما اضطر المحسوبون على الإسلام إلي الجنوح للسلم لضعفهم فلماذا لا تبادر الأمم الأخرى بقهرهم بل وبإبادتهم في حالة ضعفهم حتى يأمنوا تماما خطرهم؟

ومن القتال المشروع مواجهة العدوان، الدفاع عن المستضعفين في الأرض والمضطهدين بسبب دينهم ومن أخرجوا من ديارهم والمغلوبين علي أمرهم، وكذلك لكف بأس من يحولون بين الناس وبين الإيمان بربهم؛ أي من يتبنون سياسة اضطهاد المؤمنين وحصار دعوتهم، فيجب علي المؤمنين أن يقاتلوا كل معتدٍ بكل ما أوتوا من قوة وأن يكون مقصدهم إعلاء كلمة الله تعالى والدفاع عن دينه وقيمه، ولذلك يجب أيضًا ألا يعتدوا؛ فالعدوان محرم تحريمًا باتًّا، وعليهم الالتزام بكل آداب القتال والأوامر الشرعية المنظمة له، ويجب العلم بأن كل صور الإفساد في الأرض محرمة تحريما باتًّا؛ إذ هي من كبائر الإثم، فلا يجوز التعرض للمدنيين أو النساء أو الأطفال أو الدواب أو النباتات، فلا قتال إلا عندما تتوفر شروطه الشرعية.

والاعتداء على الآخرين هو من كبائر الإثم، وهو محرم تحريمًا باتًّا إلا رداً لاعتداء أو لكف بأس الذين كفروا ويهددون الأمة ويحاولون فتنتها في دينها أو للتصدي للظلمة أو لأهل البغي ولو كانوا محسوبين على المسلمين وما إلى ذلك من المبررات الشرعية، وردّ الاعتداء يكون بمثله، فلا يجوز الإسراف في رده.


*******

الأربعاء، 15 مارس 2017

سورة التحريم 1

سورة التحريم 1

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} التحريم1
إن لدى البشر نزعة لتوثين أئمتهم وعظمائهم أو من ارتبط بهم بسبب ما، لذلك فرغم أنه من المعلوم أن كثيرا من زوجات العظماء كنَّ وبالاً عليهم وابتلاءً لهم فإنهم يرفضون نفس الأمر بالنسبة للأنبياء رغم أن الكتاب العزيز قد بين كيف ابتُلى كل من نوح ولوط عليهما السلام بزوجتيهما، قال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} التحريم10.
فمن أشد أنواع الابتلاء أن يبتلى الإنسان بمن هم أقرب إليه من البشر الآخرين، ولقد ابتلى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببعض زوجاته بسبب عصبيتهن وبسبب غيرتهن الشديدة مما حمله على أن يحرم على نفسه شيئًا مما أحلَّ الله تعالى له فعاتبه ربه بسبب ذلك وأنزل فيه قرءانا يتلى، وذلك يبين أيضا أنه كان يمارس حياته أيضًا كبشر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ولم يكن يوحي إليه في كل موقف ما يلزم قوله أو فعله، وإلا فهل يظن عباد الآثار أن الله سبحانه من الممكن أن يوحي إليه أمرًا سرا ثم يعاتبه عليه جهرا.
ولأن نساء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ هن اللائي دفعنه لذلك فقد اقتضى الأمر تحذيرهن تحذيرًا شديدا وذكْر ما حدث لامرأتي نوح ولوط عليهما السلام وإن كانت الآيات قد أفسحت لهن المجال للتوبة، ولقد كان هذا الابتلاء من لوازم بيان عظمة خلق الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبيان مدى كماله الذي هو أعلى كمال تحقق به مخلوق، ولقد خلد الله تعالى ذكرى ما حدث في قرءان يُتلى لبيان أن ارتباط الناس بالعباد المصطفين بسببٍ ما لا يعطيهم عصمة من الذنوب ولا يجعلهم فوق المساءلة ولا يعفيهم من التقريع اللازم والعقاب، ولولا أن ما حدث قد ذكره الكتاب الذي تكفل الله سبحانه بحفظه لأنكره رجال اللادين والكهنوت وعبيد السلف ولوأدوه في مهده، ولقد نص الكتاب أيضا أن من الأزواج والأبناء أعداء للإنسان وأن عليه الحذر منهم.
***
إن الله سبحانه عندما جعل من زوجات النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أمهات للمؤمنين جعل بذلك لهن على المسلمين حقوق الأم والمعاملات اللائقة بها والأحكام الخاصة بها، ولكن من المعلوم أن الأم ليست بمعصومة من الخطأ وليست فوق الأحكام الشرعية بل هي ملزَمة بها، لذلك شدد الله تعالي عليهن الأمر والنهى وضاعف عليهن العقاب كما ضاعف لهن الثواب، كذلك فرض عليهن أحكاما خاصة مثل ألا يسألهن أحد شيئا إلا من وراء حجاب (ستارة: Curtain ) ومثل أن يقرن في بيوتهن، ولقد كان ذلك واجبا عليهن لمكانة زوجهن ولكي يتمكنَّ من استيعاب ما يتلى في بيوتهن من آيات الله تعالى والحكمة فيكن مراجع للمسلمين فيها، ولكيلا تستغل مكانتها من بعد القبيلة التي تنتمي إليها ولكيلا يقحمهن الناس من بعد في منازعاتهم، وبالطبع فلقد التزمن بذلك وذكرن ما كان يتلى، ولكن جلَّ ما روينه قد اندثر ولم يكد يبق منه إلا ما نُسب إلى السيدة عائشة لاتساقه مع الخط القرشي الأموي، وربما يكون أكثر ما نُسب إليها موضوع، ذلك لأنه يشكك في كثير من مقدسات الدين.
إن الإسلام يعول بصفة أساسية على الأمور الحقانية ويغلبها على الأمور الشخصية والذاتية، فلا عبرة فيه للقرابة الجسدية فيما يختص بالمراتب الدينية والمكانة الجوهرية، وإنما العبرة فيه للقرابة المعنوية الروحانية، فالأقربون إلي الله تعالي هم الأولي بالمعروف، والأقربون إليه هم المتحققون بقدر أكبر من الكمالات من لدنه، وهم أهل القرءان، وحزب الله هم من كان ولاؤهم المطلق له.
فالتحريم المذكور هاهنا لا شأن له بالتشريع، وإنما هو أمرٌ خاص بواقعة خاصة، فمن الممكن أن يحرِّم إنسان على نفسه أكل اللحم لهدفٍ ما، ويمكن أن يقطع على نفسه يمينًا بأن يلتزم بذلك، وهو لم يطالب أحدًا بأن يلتزم مثله بذلك ولا أن يتأسى به في ذلك، لذلك لا تناقض بين هذه الآية وبين قوله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون} [الأعراف:157].
فالتحريم الذي عوتب بسببه في آية التحريم 1 شيء والتحريم المنسوب إليه في آية الأعراف 157 شيء آخر، والرسول لكونه رسولا يحمل رسالة من رب الناس للناس لا يحرم على الناس إلا ما حرمه الله تعالى ولا يحلّ لهم إلا ما أحله الله تعالى، وقد رووا أنه قال:
" مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ حَلالٌ، وَمَا حَرَّمَ فَهُوَ حَرَامٌ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَافِيَةٌ، فَاقْبَلُوا مِنَ اللَّهِ عَافِيَتَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ نَسِيًّا، ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا سورة مريم آية 64 "


*******