الجمعة، 28 أبريل 2017

سورة التوبة 122

سورة التوبة 122

{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُون} [التوبة:122]
اتخذ حزب الشيطان من هذه الآية دليلا يوجب إحداث طبقة كهنوتية تختص بأمور الدين، ولا تسمح لأحد آخر بالحديث فيه أو حتى النظر في نصوصه وتدبرها، ومن المعلوم أن هذه الآية من آيات سورة التوبة التي نزلت من بعد أن دخل الناس في دين الله أفواجا، ولم يعد من الضروري الهجرة إلى المدينة لتقوية الأمة، كما لم يعد من الضروري خروج كل المؤمنين مع الرسول عندما يُضطر إلى الخروج لتأديب بعض المعتدين.
وبذلك أصبح من الممكن أن تكتفي كل قبيلة بإرسال جزء من قوتها -وليس كلها- لتجاهد مع الرسول ولتتعلم منه ومن المؤمنين الآخرين أمور الدين، فلم يكن هناك وسائل اتصال مثل المتاحة الآن، وهؤلاء بمجرد عودتهم سينقلون ما تعلموه للناس، ثم يعودون إلى أعمالهم، ثم في مرة قادمة سينفرون هم أو غيرهم.
فالآية لا تلزمهم باختلاق طبقة كهنوتية كالتي عند أهل الكتاب.
وبالطبع لن يعبأ أتباع المذاهب بكلامٍ كهذا يمس موارد رزق أربابهم الحقيقيين، أما هؤلاء الأرباب المزعومون فسيدافعون عن مناط جاههم ومورد رزقهم، وعندها يجب إحالتهم إلى أربابهم من (الصحابة) وإلى ما يسمونه بفهم السلف، هل سمعتم أن أحدًا من (الصحابة) قد تفرغ للتكسب بالدين و(الفقه) بعد نزول هذه الآية؟
أعيدوا الآن قراءة الآية لتعلموا أنه لو كان المقصود إنشاء طبقة كهنوتية تختص بالدين من دون الناس لأتت الصياغة مختلفة تماما.
*****
الفقه هو ملكة ذهنية مثل الفهم مجالها الدين وغيره، بل إن الناس اعتادوا أن يستعملوا كلمة "فهم" مكان كلمة "فقه"، وهذا استعمال خاطئ.
والتـفقه هو إعمال ملكة الفقه، فهو نشاط قلبي ذهني هادف يؤدى إلى فقه الدين والقوانين والسنن الشرعية والكونية واستيعابها والتمكن منها بما يزيد من تفوق الإنسان المؤمن على كل من هم من دونه.
والأمر بالتفقه في الدين يتضمن أنه يوجد أمور أخرى يجب التفقه فيها أيضًا ولا يقصر التفقه على المجال الديني، ويمكن لكل مسلم أن يستخلص هذه الأمور من القرءان، قال تعالى:
{قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُون} [الأنعام:65]
والتـفقه في الدين يكون بتدبر آيات الكتاب العزيز ومعرفة سننه وحِكَمه ومقاصده ومعرفة سبل تزكية النفس، وتلك هي المهام التي نيطت بالرسول بالنسبة إلي قومه ونصّ عليها الكتاب، ولقد كان المسلمون الأوائل جميعا ملزمين بأن ينفروا بمعنى أن يتركوا مواطنهم وبيوتهم ويلتحقوا بالرسول عند الحملات العسكرية إلا بإذن منه، وكان هذا أمرا معلوما لديهم جميعا، فلما كثر المسلمون وآمنت قبائل تسكن أراضي شاسعة مترامية الأطراف لم يعد ثمة حاجة إلى أن ينفروا جميعا فرخص لهم أن ينفر من كل قبيلة طائفة تصاحب الرسول في غزواته وتجاهد معه بالنفس والمال وتتعلم منه وتتزكى بالتلقي المباشر عنه وتتفقه في الدين بالمعنى الواسع للتفقه والذي يشمل آيات الكتاب والأوامر الواردة به وسلوك الرسول وسيرته وطريقته في معالجة الأمور، ولا يعنى ذلك أبدًا أن يحترف بعض الناس التكسب بالدين، ذلك لأن المقصد من التفقه هو إنذار قومهم إذا رجعوا إليهم ولا يحدث الإنذار بتعليمهم شكليات الشعائر، كما أن تلك الطائفة إنما تنوب عن باقي القبيلة ثم تنقل إليها ما تعلمته، فإذا ما تحتم القيام بغزوة أخرى فإنه يمكن أن يستبدل بهم غيرهم، فلم يكن من سنة الرسول ولم يسمح أبدا بأن يتحول الدين إلى حرفة يتكسب الإنسان منها.
فالآية لم تفتح الباب أبدا لاختلاق كهنوت ما، ولم يكن المقصود أن تتعلم الطائفة النافرة ما سيصطلح الناس في القرن الثاني أو الثالث الهجري علي أنه هو الفقه فإن الإحداث في الدين لا يسرى بأثر رجعى، والآية تلزم المسلمين إلي قيام الساعة بأن ينفروا في سبيل الله تعالي وأن يتفقه منهم في الدين كل من كان قادرا علي ذلك وأن ينفع الناس بما فقهه، والدين ليس بمحصورٍ أبدا في الأشكال الخارجية للعبادات والمعاملات والعقوبات، فالدين أعظم مدي وأرقي من ذلك بكثير، فمن أراد التفقه فيه فليتفقه في مقاصده العظمي وليعمل علي تحقيقها وليتـفقه في منظومات قيمه وسننه وليعمل علي الالتزام بها، وكل مسلم مطالب بأن يتفقه في دينه ما استطاع إلي ذلك سبيلا، وليس ثمة في الآية ما يوجب حصر التفقه في طائفة بعينها تتكسب منه وتتسلط علي الناس به، فمن مقاصد الإسلام القضاء علي الكهنوت وعلي كل ما يمكن أن يسمح باستنباته، وإن تخصص البعض في دراسة بعض الكتب التراثية لا يعطيهم الحق في فرض أنفسهم علي الناس ولا في التميز علي الناس بلباس يحسب علي الدين ولا في أن يحسبوا هم أنفسهم علي الدين دون أن يتلقوا إعدادا روحانياً كافيا، هذا مع العلم بأن معظم ما في هذه الكتب لا يصلح إلا لإيقاف عجلة التقدم وتكريس الجهل والتخلف وصد الناس عن سبيل ربهم والحيلولة بين المسلمين وبين معايشة عصرهم، وهو في نفس الوقت لا يحرك وجداناً ولا يزكي نفسا، إن الإسلام لم يأت ليستبدل كهنوتا يستعمل عمامة سوداء بآخر يستعمل عمامة بيضاء وإنما أتي ليجتث الكهنوت من قواعده وأصوله وليقضي علي كل ما يمكن أن يؤدي إلي إعادة استنباته وليقول للناس ها أنتم أولاء وربكم وهو أقرب إليكم من غيره بل من أنفسكم وهو أولي بكم من كل ما هو من دونه وهو وحده الذي يقبل التوبة عن عباده ولا شفاعة عنده إلا بإذنه أي وفق قوانينه وسننه.
ولقد جعل الكتاب التفقه في الدين مرتبطا بالخروج جهادا في سبيل الله تعالى وصحبة الأئمة المجاهدين الفائقين الصالحين، إن الآية ألزمتهم بأن ينفروا ليتفقهوا وليس بأن يجمدوا، فالتفقه في الدين يكون بالممارسة العملية والجهاد وليس بالعكوف عند قدمي شيخ لتلقى آراء الأسلاف وحواشيهم وتعليقاتهم، فالفقه يتطلب العمل والممارسة والحركة والسير في الأرض وإعمال الملكات والنظر في الآفاق وفى أنفسهم وتدبر آيات الكتاب والتفكر في السنن الإلهية والكونية، ولا يكون بالانكباب على التراث وتقليبه ولا بالتنقل من شيخ إلى شيخ ولا بالأخذ عن قائمة هائلة من المشايخ، لكل ذلك يجب القول بأن الحرية الفكرية هي الجو الأنسب والأصلح لإتمام ظهور الدين فليس لدى الإسلام ما يخشاه، والحرية هي البيئة اللازمة للتفقه الحقيقي في الدين.
ولقد بيَّن القرءان كيف يتفقه الإنسان، وها هو بيان بوسائل التفقه كما وردت في القرءان:
1-       أن ينفر الإنسان في سبيل الله تعالى ليتعلم دينه عبر الممارسة العملية وعبر التأسي بمن سيراه من الأئمة الصالحين.
2-       تدبر آيات الكتاب وإدمان النظر فيها وتلاوتها.
3-       النظر في الآيات الكونية الآفاقية والنفسية.
4-       النظر في الوقائع والأحداث التاريخية.
5-       معرفة القوانين والسنن الإلهية والكونية والاجتماعية بكل أنواعها.
*****
إنه لا ينبغي ولا يجوز للناس استخدام تلك الآية ذريعة لإيجاد طائفة كهنوتية متبعين في ذلك سنن الغابرين التي حذروا منها ونهوا عنها، إن الآية إنما نزِّلت بعد أن انتشر الإسلام وقويت شوكته وزاد عدد معتنقيه، وبالتالي لم يعد ثمة حاجة إلى حشد كل المؤمنين في كل معركة كما كان الحال من قبل بل أصبح من الممكن الاكتفاء ببعضهم، لذلك فالآية تيسر الأمر على المؤمنين ولكنها تلزمهم في المقابل بأن يخرج من كل فرقة منهم طائفة لتشارك في الجهاد مع الرسول حتى لا يفوت فرقةً ما أو قبيلةً ما هذا الشرف ولتتفقه تلك الطائفة في الدين الذي كان وفقا للطريقة الأمية يؤخذ بالتلقي المباشر من المعلم ذاته أو ممن ارتضاه أو بالتعامل المباشر مع المؤمنين الآخرين إذ لم يكن ثمة وسائل إعلام أو مدارس، ومن ثم تصبح تلك الطائفة بذلك ملزمة بأن تنقل ما تعلمته إلى الفرقة التي تنتمي إليها، ومن البديهي أنه لكل مؤمن الحق في أن يكون من الطائفة النافرة، فلا يمكن أن يكون التفقه في الدين حكرا على طائفة بعينها.
فالتفقه في الدين يؤدى إلى إدراك معانيه وقوانينه وسننه والتحقق بروحه والتحلي بقيمه وإدراك كل ما يمكن أن ينذر الناس به وكيفية تزكية نفوسهم به، ولا يعنى فقط إدراك أحكام وأشكال العبادات والمعاملات بل هو يؤدى إلى فقه مقاصدها والحكم منها.

*******

الثلاثاء، 25 أبريل 2017

مختصر القول في إقامة الصلاة

مختصر القول في إقامة الصلاة

1.        الأمر بإقامة الصلاة ثابت بالقرءان الكريم، فإقامة الصلاة أمر قرءاني كبير وركنٌ ديني ملزم.
2.        إقامة الصلاة بالمعنى العام هي إنشاء شبكة من الصلات بين مقيم الصلاة وبين كل الكيانات الأخرى وفق ما يرتضيه الله تعالى؛ أي عملا بمقتضى أوامره وسننه، ومن ذلك إقامة صلة بالله تعالى واتباعه باتباع ما أنزل من كتاب وتقديمه واتخاذه إماما، وكذلك بوصل كل ما أمر به أن يوصل، وكذلك بإنشاء وتوطيد الصلات بين الإنسان وبين كل الكيانات الإسلامية الأخرى من الأسرة إلى الأمة إلى البشرية جمعاء إلى كل ما خلق الله تعالى من أمم، فهي من تفاصيل حمل الأمانة والقيام بواجبات الاستخلاف في الأرض.
3.        الصلاة الشعائرية هي الصلاة بالمعنى الخاص، وهي من وسائل إقامة الصلاة بالمعنى العام، فبها يقيم الإنسان صلة بينه وبين ربه، وبها يقيم صلات بينه وبين الكيانات الإنسانية الأقرب فالأقرب.  
4.        من البديهي أنه عند وجود أمرٍ إلهي أن يكون معلومًا للناس مسبَّقًا كيفية الالتزام به.
5.        ومن البديهي أن أوامر القرءان موجهة لقومٍ يفقهون ويعقلون
6.        القرءان يخاطب المؤمنين على أنهم يعلمون معنى إقامة الصلاة.
7.        إقامة الصلاة هي من ملَّة إبراهيم التي أُمر الرسول والمؤمنون باتباعها.
8.        الإسلام لم يبدأ بالرسالة المحمدية، والرسول لم يبدأ من الصفر، فقد كان متبعا لملة إبراهيم كما أوحى إليه ربه، وكانت رسالته مهيمنة على ما سبقها وتتويجا للدين الواحد الذي هو الإسلام، وكونه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ خاتم النبيين يعني أنه تلقى الرسالة التامة والتي بها اكتمل الدين للبشرية جمعاء، لذلك كان رحمة للعالمين وليس لطائفة خاصة أو لقبيلة معينة!
9.        ولقد كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ يقيم الصلاة من قبل أن يُبعث، ولقد كان يصلي هو والسيدة خديجة وابن عمه علي بن أبي طالب قبل الجهر بالدعوة، وكان يقيمها معه من اتبعه، بمجرد انضمامه إلى زمرة المصلين، ولقد نصّ القرءان على أركانها الأعظم أهمية مثل: ذكر الله، قراءة القرءان، التسبيح، التكبير، الخشوع، حضور الذهن، الإخلاص، الانتهاء عن الفحشاء والمنكر...الخ، هذا فضلا عن جزئياتها من ركوع وسجود وتشهد وصلاة على النبي.
10.    رغم كل التأكيدات القرءانية على وحدة الدين وعلى ثبات السنن يتصرف أتباع المذاهب وكأن الرسول الأعظم وخاتم النبيين صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ قد بدأ من الصفر، وهذا ما يسبب لهم الكثير من الإشكالات وما يدفعهم إلى كثير من الشطط والضلال والشرك والكفر.
11.    القرءان أورد تفاصيل الصلاة وفق منهجه؛ أي موزعة على الآيات.
12.    القرءان ذكر بعض أسماء الصلوات صراحة، وهذا لا يعني أنه لا وجود للصلوات الأخرى، فذكر الصلوات ورد في سياق عبارات لم يكن المقصد الأساسي منها بيان عدد الصلوات مثل آيات الاستئذان.
13.    الأمر بالجزء لا يعني النهي عن باقي الكل وإنما يعني التأكيد، وعندما يأمرك ربك بالصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل فهو لا ينهاك عن الصلوات الأخرى! وعندما يأمر بالاستئذان من بعد صلاة الفجر ومن بعد صلاة العشاء فلا يعني ذلك عدم وجود الصلوات الأخرى.
14.    من الطبيعي أن تتشابه العقائد والشعائر في كل المنطقة وبين كل أديانها، فكلها ترجع إلى دين أصلي واحد، والقرءان يذكر ذلك بكل وضوح، فإبراهيم عليه السلام كان موحدا، وكان يقيم الصلاة هو وابنه إسماعيل، وكان يدعو ربه أن تكون ذريته من مقيمي الصلاة، وربما يكون قد تعلمها من المصريين القدماء كما تعلم منهم الختان، ولا شيء في ذلك، فقد كانوا على دين صحيح قبل تحريفه، وآثار قدماء المصريين تبين أن إقامة الصلاة عندهم والصيام يشبه ما في الإسلام، وكذلك الأمر في بلاد ما بين النهرين الذين نقل عنهم الزرادشتيون والمجوس الكثير من حضارتهم، فلا يجوز محاولة إبطال أمر ديني لكونه يشبه ما كان موجودًا من قبل، وإلا لجاز إبطال أركان الإيمان التي عرفها الأقدمون، وعلى سبيل المثال كان المصريون القدماء يؤمنون بالبعث بعد الموت، فهل يجب إلغاء الإيمان به خوفًا من القول بوجود تشابه؟ وهل يجوز اتهام الإسلام بأنه نقله عنهم؟
15.    كان لدى بني إسرائيل صلاة مشابهة لصلاة إبراهيم، ولكنهم أضاعوها على مراحل، وعنهم ورث المسيحيون هذا الضياع وزادوا عليه.
16.    حفظ الله تعالى إقامة الصلاة في ذرية إبراهيم من إسماعيل إكراما لهما، فهما ألحَّا في الدعاء طلبًا لذلك، لذلك لم تكن كيفية أداء الصلاة غريبة على القرشيين مثلها مثل الصيام والحج، فكيفية إقامة الصلاة بأعدادها كانت معلومة للنبي وللمؤمنين وللمتحنفين من قبل البعثة النبوية، والرسالة المحمدية كانت تتويجا وإكمالا للدين الإلهي الواحد الذي بدأ بنوح عليه السلام، ثمَّ بدأ رسميا بإبراهيم عليه السلام، فالإسلام لم يبدأ من الصفر، ولذلك لم تكن هنالك حاجة لإيراد تفاصيل العبادات العملية كالصلاة والصيام والحج لكونها كانت معلومة وإنما تم التركيز عل الجوانب الجوهرية وعلى ذكر ما تم تعديله وعلى تصحيح ما قد يكون قد تم تحريفه.
17.    كان تركيز القرءان على الجوانب الجوهرية من الصلاة، وكان إغفال ذكر الشكل الدقيق للصلاة أمرًا متعمدا، فما كان ربك نسيًّا، وقد ذكر كل ما يلزم للتطهر (الوضوء) في جزء من آية، فلم يكن ليصعب عليه أن يفعل مثل ذلك مع شكليات الصلاة، لذلك فأمر الشكليات ليس بالخطورة الرهيبة التي يتصورها المحسوبون على الإسلام، وهؤلاء يستبطنون تصور أن الله تعالى والملأ الأعلى هم مجموعة من الموظفين البيروقراطيين الذين يتابعون الالتزام الشكلي الدقيق بما ورد في كتب (الفقه).
18.    كل ما يتعلق بتفاصيل الصلاة من الأمور الشكلية والثانوية قد بيَّنه الرسول للناس بأوامره وسلوكه العملي، ومنها: "صلوا كما رأيتموني أصلي"، "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب"، "اجعلوها في ركوعكم"...الخ، وحُفظت هذه الصلاة بالتواتر العملي المجتمعي الجماهيري، ولم يرد أن إقامتها قد انقطعت أبدًا، ولم يكن للطغاة المتسلطين أية مصلحة في تعطيلها، بل كان من الأفضل لهم المبالغة في أمرها وشغل الناس بها، وهذا ما قام به لهم رجال دينهم، والذين بالغوا حتى قالبوا إن طاعة المتسلط الفاجر المجرم واجبة وملزمة ما لم يعطل إقامة الصلاة!!
19.    من المعلوم أن الأمور والحركات العملية البسيطة لا تندثر بسهولة خاصة وأنه قد صلى مع الرسول عشرات الألوف من الناس نقلوها إلى مئات الألوف نقلوها إلى ملايين، ولم يكن لأصحاب المصلحة في تحريف الدين مصلحة في إلغاء الصلاة أو تحريفها، ولم يكن من حسن السياسة أبداً محاولة عمل ذلك، بل كان الأفضل هو المبالغة في أمرها وتوثينها، ولذلك أخذ الناس في محاولة تسجيل كل كبيرة أو صغيرة بخصوصها، لقد حاولوا ضبط ما لم يكن بحكم طبيعته منضبطاً أبدا، فنشأت الاختلافات المذهبية التي نفخ الشيطان فيها
20.    ولقد صلى الرسول وصلى معه المؤمنون طوال العصر النبوي، وحضر معه حجة الوداع أكثر من مائة ألف مسلم، وانتقلت هذه الأمور بالتواتر المجتمعي العملي، نقلها عشرات الألوف إلى مئات الألوف إلى ملايين وحُفظ بذلك ما هو هام من شكلها الخارجي، وذكره القرءان، ولقد وصل ذلك إلى أئمة (الفقه) فدونوه من قبل أن يولد جامعو المرويات ، ولم يرد أبدا أن أحدًا من أهل القرون الإسلامية الأولى كان يصلي ثلاث صلوات فقط، فلا جدوى من التشكيك في عددها ولا في كيفية أدائها، ولا يجوز ذلك، ولم يكن لأحد من الطغاة أو المحرفين أية مصلحة في زيادة عدد الصلوات، وليس من الجائز تكذيب الحقائق الثابتة دون أية مبرر، وليت المسلمين يكفون عن اللغط في هذا الأمر!
21.    في عصر التدوين دوَّن أئمة (الفقه) ما وجدوه من الدين، فدوَّن أبو حنيفة الصلاة كما هي في مدرسة الإمام عليّ وعبد الله بن مسعود، ودوَّن الإمامية الصلاة كما هي في مدرسة الإمام علي وأهل البيت، ودوَّن مالك بن أنس الصلاة كما رأى أهل المدينة يصلون، ودون المصريون الصلاة كما تلقوها من عبد الله بن عمرو، ودون الشافعي الصلاة بعد ما وصل إليه بالمقارنة بين ما تلقاه من مالك وأتباع أبي حنيفة وبين ما وجد عليه أهل مصر، وهكذا، كان ذلك بصفة عامة قبل أن يولد جامعو المرويات وعلى رأسهم البخاري، أما الاختلاف في الأمور الشكلية الثانوية فهو وارد وممكن لأسباب عديدة؛ من أهمها أنها بالفعل أمور ثانوية، لا يجوز أن ينشغل المصلي بها عن أركان الصلاة الجوهرية، وأنه لا يمكن في بعض الأحيان التحديد الدقيق الصارم للحركات والشكليات حيث لم يكن موجودا أيامها آلات للتصوير الدقيق، ولقد ندد الله تعالى بالأسلوب البقري الإسرائيلي في التعامل مع أوامره، ولكن أبت هذه الأمة إلا أن تتبعهم شبرا بشبر وذراعًا بذراع.
22.    عندما تمَّ تدوين المرويات لم تحسم أمر خلاف كان موجودا في أمر إقامة الصلاة، ومازال أتباع المذاهب متشبثون بما تعلموه من مذاهبهم من شكليات حتى وإن ضعَّف الجهابذة بعضها.
23.    بعد إلغاء أكثر أركان الدين لحساب الأركان المشهورة تمّ توثين الصلاة، فالحرص على هذا التوثين هو الذي أدَّى إلى تضخيم شأن الاختلافات الطفيفة، فلما تفاقم التعصب المذهبي تضخم شأنها أكثر وأكثر.
24.    من كل ما سبق يتضح أن كيفيات الصلاة ثابتة بأمور راسخة، وليس بمجرد التواتر المجتمعي الجماهيري.
25.    اتخذ شياطين الإنس والجن من عدم ذكر صلاة الظهر بالنصّ الصريح في القرءان ذريعة للطعن في كماله والتشكيك في أنه مبين ومبيِّن وتبيان لكل شيء ولجعل ما يسمونه بالسنة قاضيا وحاكمًا عليه وناسخًا له عند التعارض
26.    ما ذكره القرءان صراحة أو ضمنا (بالفحوى أو بالمقتضى أو بالإشارة) من أمور الدين أهم بكثير مما لم يذكره.
27.    سيأتي لا محالة زمان سيندثر فيه العلم بكل التفاصيل التي أضاع الناس  جلَّ دينهم وكل شيء تقريبًا في سبيلها، وستُقبل من الناس أية كيفية أخرى تتضمن الأمور الأساسية القرءانية، فالقرءان هو الرسالة الباقية!
28.    ركن وحدة الدين وركن وحدة الأمة أقوى بكثير من شكليات وثانويات الصلاة، لذلك يقترف إثمًا كبير من اتخذ من الشكليات والثانويات وسيلة لتقويض وحدة الدين أو وحدة الأمة، ومن يجد أهل بلد يتبعون في شكليات الصلاة أحد المذاهب (الفقهية) فلا جناح عليه من أن يصلي مثلهم، فالمعول هو على الأمور الجوهرية.
29.    من الخير للمسلمين الآن أن يحاولوا إحياء أركان الصلاة الحقيقية المذكورة في القرءان مثل ذكر الله وتلاوة آيات كتابه وحضور الذهن مع ما فيها من ذكر وتسبيح والتزكي والإعراض عن اللغو ظاهرا وباطنا والانتهاء عن الفحشاء والمنكر والتفكير فيهما، ولا يجوز أن يكون الشكل الخارجي للصلاة وسيلة للإعراض عن أركان الصلاة الجوهرية ولا للتنازع والتناحر ولا لتفريق الدين ولا لتمزيق الأمة ولا لإلزام الناس باتخاذ القرءان مهجورا.

*******

الخميس، 20 أبريل 2017

سورة الزخرف 61

سورة الزخرف 61
وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ  *
إن كل ضمير لم يذكر ما يعود عليه في الآية أو في الآيات التي ورد في سياقها إنما يعود بصفة عامة علي القرءان خاصةً إذا ذُكر اسم من أسمائه في مطلعها، ومطلع سورة الزخرف هو {حم(1)وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ(2)إِنَّا جَعَلْنَاهُ قرءانا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ(3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ(4)} (الزخرف)، فالضمير في تلك الآية يعود علي الكتاب المبين، ويلاحظ أن كل الضمائر المذكورة في لفظ ( إنه) في تلك السورة تعود على الكتاب المبين أي القرءان، فالقرءان هو في أم الكتاب عليٌّ حكيم، وهو ذكر للرسول ولقومه، وهو علم للساعة، والمتحدث في هذه الآية هو الرسول، فهو يتحدث عن الكتاب الذي أرسله ربه به عن أمره وبإذنه، وهو -وليس غيره- المأمور في القرءان بأن يقول لقومه: "اتبعون".
ولقد تكرر استعمال هذا الأسلوب للدلالة على القرءان في نفس السورة: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ{4}، {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ{44}.
فلا مجال لليّ عنق الآية للقول بأن المقصود هاهنا هو المسيح عليه السلام، ثم التمادي للزعم بأن سيُبعث ثانية أو سينزل لإكمال الأمر ونشر السلام وتحقيق ما عجز عنه أكابر الرسل، والقرءان وهو المصدر الرئيس للعقيدة لم يصرح بأن السيد المسيح عليه السلام سينزل قبيل يوم القيامة ليقوض نواميس الكون وليفسد في الأرض ويكسر الصليب وليقتل الخنزير وليبيد اليهود والنصارى وليكون ذلك إيذانًا باقتراب الساعة، بل إن القرءان صرَّح في نصوص قطعية الدلالة بأن اليهود والنصارى باقون إلى يوم القيامة، كذلك صرح بأن الساعة ستأتيهم بغتة، ولو كان هذا النزول أمرًا هاماً أو لازما بحيث يجب على المسلمين الإيمان به لصرَّحت به الآيات ولفصَّلته، ولِمَ لا وقد تحدثت الآيات بإسهاب وتفصيل عن علامات للساعة هي أقل شأنا من أمور مهولة كهذه، ولو كان ما سيترتب على هذا النزول حقا لاحتجَّ به المسيح عليه السلام عند استجوابه يوم القيامة على رؤوس الأشهاد، بل إن شهادته في سورة المائدة تؤكد أن صلته بالنصارى قد انقطعت منذ أن توفاه الله تعالى، اقرءوا جيدا: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }المائدة117.
وقاعدة إعادة الضمير لأقرب مذكور ليست أصلا قاعدة قرءانية، وهذه حجة على من يقول إنه يجب إعادة الضمير إلى أقرب مذكور:
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9) الفتح
فالتسبيح يكون لله تعالى وحده!
ويجب العلم بأن العقائد الملزمة لا تؤخذ إلا من نصوص قطعية الثبوت لا من المرويات الظنية الآحادية المفتقرة في ذاتها إلي دليل يقطع بصحتها، والمرويات المتعلقة بنزول المسيح تتسم بتناقضها التام مع العقائد المنصوص عليها في الكتاب العزيز مثل عقيدة ختم النبوة ولزعمها أن المسيح سيقضي على حرية العقيدة ويبيد أهل الكتاب مع أن الله تعالى يأمر المسلمين بأن يبروهم ويقسطوا إليهم طالما لم يعتدوا على المسلمين ولم يخرجوهم من ديارهم، وهذه المرويات الظنية التي تتحدث عن نزول المسيح ليست إلا إعادة صياغة لما لدى أهل الكتاب فهي تعبر عن أمنية يهودية تلمودية لا ريب فيها، وسيبقى النصارى واليهود إلى يوم القيامة، كذلك سيبقى إلى ذلك الحين تسلط النصارى على اليهود وتفوقهم عليهم.
وآيات القرءان تنصّ نصًّا قطعي الدلالة على أن المسيح تُوفِّي مرة واحدة وليس مرتين أو أكثر، ولكن ما هي قيمة القرءان عند المحسوبين ظلمًا على الإسلام؟!
أما من كان ينتظره أهل الكتاب بل كل الأمم والذي سيأتي بقوة ولا يكون لدينه نهاية فلقد أتى ولكنهم لم يؤمنوا به حسدا من عند أنفسهم إذ لم يكن منهم، فالمنتظر بل خاتم المنتظرين هو النبي الخاتم والرسول الأعظم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ فليس ثمة من منتظر بعده بعد أن ختمت النبوة واكتمل الدين وتمت كلمة الله تعالى صدقا وعدلا وتم استخلاف الإنسان في الأرض، وقد ألزم الله تعالى الناس بالإيمان به، قال تعالى: {... وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)} الأعراف
ومن أسباب تآمر بن إسرائيل على المسيح عليه السلام إعلانه عليهم أنه ليس هذا النبي المنتظر وأنه إنما أتى ليخبرهم بانقضاء أمرهم وانتهاء الأفضلية على الأمم التي كانت لهم وأنه قد استبدل بهم غيرهم، وما بشرهم إلا باقتراب ظهور الإسلام يأتي به أحمد الخلائق، وإلا فما هي البشرى التي حملها إلى الناس؟ لقد ندد بهم ببني إسرائيل وأفعالهم وكهنوتهم بأقوى العبارات، وضرب لهم الأمثلة التي تبين قرب انقضاء أمرهم وتدمير مدينتهم المقدسة!
أما المسيحية السائدة الآن فالمسؤول عنها كما يسلم العلماء المعتد بهم الآن هو المجامع المسكونية Ecumenical Councels وبولس، فهو الذي صاغها كخلاصة ملفقة ومركزة لكل عقائد وأساطير ما تبقى من ديانات منطقة الشرق الأوسط القديمة بعدما أتيح لها التفاعل الحر في ظل الإمبراطوريتين الفارسية واليونانية، ولقد أصبحت تلك الديانة الملفقة أكثر قبولا لدى أهالي الحضارات التي فقدت مجدها القديم على أيدي الرومان مثل المصريين والسوريين واليونانيين ووجدت فيها الأيديولوجية التي يمكن بها تحدى جبروت هؤلاء والصمود لبطشهم، كذلك أصبحت أكثر قبولا لدى الفئات المضطهدة والمهمشة كالعبيد والنساء وانتشرت فيما بينهم كالنار في الهشيم، وذلك هو عين ما فطن إليه بولس وسعى إليه، فلقد تخلى عن معظم ما يربط هذا الدين بالدين الإسرائيلي القديم حتى يجعله أكثر قبولا لدى كل هؤلاء وحتى لا يشعر من يعتنقه بالغربة والأسى على تراث الأجداد، ولقد كان انتشار ديانة بولس هو السبب الرئيس الذي أدي بالفعل إلى تقويض بنيان الامبراطورية الرومانية، ومن الجدير بالذكر هنا أن الأعراب قد فعلوا تماماً عكس ما فعله بولس عندما جعلوا المرويات الظنية أصل الدين ومرجعه الأساسي وجعلوا لها الحكم والقضاء علي الكتاب، فبذلك فرضوا تقاليدهم وعاداتهم علي الدين وحولوه من ديانة عالمية إلي ديانة محلية وجعلوا من المسلمين في شتي أنحاء العالم نسخا مكررة من الناحية الشكلية من أسلافهم فجمدوا علي ذلك وتخلفوا عن ركب الحضارة.
*****
قال تعالى: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) وَقَالُوا أَآَلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (59) وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (62) وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63) إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (64) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (65) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (66) الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آَمَنُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (73) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74) لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76) وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78) أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80) قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81) سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85) وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87) وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ (88) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89)} الزخرف
يلاحظ أن الآية 85 تقول: {وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ}، فالذي عنده علم الساعة هو الله وحده، وهو لم يجعل من أحد من خلقه علمًا للساعة، أما الذي هو علم للساعة حقًّا فهو كتاب الله العلي الحكيم، وهذا العلم هو الذي يمكن لتلك الأمة بل لكل الأمم أن تنتفع به وأن تهتدي به، فهو لا يعني بالضرورة وقت حدوثها، والإنسان لا يعنيه أساسا إلا لحظة انقضاء أجله هو، ولم يوجد كتاب ولن يوجد كتاب قدَّم هذا العلم التفصيلي لأحداث ووقائع هذا اليوم العظيم، وفى تلك السورة بالذات (سورة الزخرف) فإن القرءان يقدم مزيدا من العلم بالساعة اعتبارا من رقم 66، والآية رقم 77 كافية لإلقاء الرعب في قلوب أشد الكافرين ضلالا وعتوا، وهى تقص على الناس صراخ المجرمين الذين هم في عذاب جهنم خالدون ومبلسون: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ(77)} (الزخرف: 77)، ولكن بسبب دسائس أهل الكتاب وبسبب ما تلقاه السلف الطالح من إلقاءات شيطانية صُرفت الآية رقم 61 عن دلالاتها الحقيقية ليستنطقوها بعقيدة أهل الكتاب، ولم يفلح هؤلاء الذين زعموا أن السيد المسيح هو علم للساعة في بيان فحوي هذا ودلالاته، فإن زعموا أن نزوله سيكون إيذانا باقتراب الساعة فإن الكتاب قد أعلن منذ البداية أنها قريبة! ونزوله لن يمنع الساعة من أن تأتيهم بغتة، بل هو يتناقض مع ذلك، وماذا عن كتاب الله تعالى بعد نزول المسيح؟؟ هل ستظل الآيات التي يزعمون أنها تتحدث عن أنه سينزل صحيحة؟؟!! إن نزوله سيجعلها في حكم المنسوخة!!!!!
وإذا كانوا يقصدون أنه علم للساعة بمعنى أن نزوله من علاماتها وأنها ستقوم من بعد نزوله بقليل، فما هي جدوى ذلك؟ كما أن علم الساعة أعظم وأكبر وأجل من مجرد معرفة متى ستكون، فإن قالوا إن المسيح خُلق بطريقة إعجازية مما يدل على حتمية الساعة، فحتمية وقوع الساعة هي مجرد أمر من أمورها، وليس ثمة علاقة ضرورية بين الدليل والمدلول، وكان من الأولى أن يعود آدم!! فمن تلك الحيثية فإن خلق آدم يفوق في تلك الدلالة خلق عيسى عليهما السلام، بيد أن كلا الأمرين لم يشهدهما أحد ولا يمكن إقامة حجة على الناس بأمر ليسوا على يقين منه أو بدليل يفتقر في ذاته إلي دليل، وربما كان إحياء الأرض الميتة بالماء أعظم دلالة على الساعة من خلق عيسي عليه السلام الذي يمكن للناس أن ينكروا ما ورد بخصوصه فهم لم يروه، وهذا هو ما حدث بالفعل، أما إحياء الأرض الميتة بالماء فهو معجزة متكررة يراها الناس وينتفعون بها، وتلك هي الآية الحقيقية التي ضربها الله سبحانه للناس.
واستعمال كلمة "علم" وهي مصدر أو اسم معنى إنما هو بدلا من اسم الفاعل "مُعلم"، وذلك على سبيل التأكيد والمبالغة كما هو معلوم.
ويجب العلم بأن قاعدة إعادة الضمير إلى أقرب مذكور هي قاعدة نحوية اشتقها الناس من الشعر الجاهلي وغيره ولا تلزم القرءان في شيء، فهي قاعدة غير قرءانية، وأكثر الضمائر التي تعود على غير مذكور في القرءان تعود على القرءان نفسه، خاصة إذا بدأت السورة بالحديث عنه كما هو الحال في هذه السورة.
إن علم الساعة لا يعني وقت مجيئها، فالقرءان حسم الأمر وقال إنها لن تأتي إلا بغتة، وقولهم بأن المسيح علم للساعة بمعنى أنه علامة على قرب مجيئها ليس عليه أي دليل، وهو لا يعني المسلمين في شيء، فالمسلم قد ربَّاه ربه على ألا يسأل عن وقت مجيء الساعة بل على أن يقوم بما هو واجب عليه في وقته، والشخص لا يكون عِلْمًا، وإذا كان المقصود المبالغة بالقول بأن علم الساعة متحقق في المسيح فهذا القول لا يعني المسلم في شيء فهو لا يأخذ العلم ذا المصداقية عن الساعة إلا من القرءان الكريم، وبافتراض أن المسيح هو علمٌ للساعة، فهذا لا يعني بالضرورة أنه سينزل من مكانه المفترض (بجوار ربه كما يظنون) إلى الأرض، فقد يكون ما قام به من إحياء الموتى إشارة إلى إمكانية البعث مثلا، والمروية تقول إنه بعد نزوله لن يبقى إلا المسلمين، والقرءان يقول إن اليهود والنصارى باقون إلى يوم القيامة، فلابد من مرور زمن كبير ليرتد بعض هؤلاء المسلمين إلى اليهودية أو النصرانية!!! وبذلك ينتفي كون المسيح علما للساعة على تفسيرهم ويتبين تهافته!!! وفي كل الأحوال: لمن سيكون المسيح علمًا للساعة؟ وفقا لكلامهم لن يكون علما للساعة إلا لمن سينزل عليهم فقط!! ولكن ما هو علمٌ للساعة مذكور في جملة اسمية مؤكدة والقائل {وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيم} هنا هو الله أو رسوله، والخطاب هو لكل الناس وليس لمن سينزل عليهم المسيح فقط!!!
وما هو مصير مثل هذه الآيات من بعد نزول المسيح؟ حسب كلامهم فإنه لن يبقى بعد موته إلا المسلمون لأنه سيقاتل الناس على الإسلام، ولن يقبل منهم ما يسمونه بالجزية مقابل تركهم على دياناتهم، ولكن القرءان يقول بأن اليهود والنصارى باقون إلى يوم القيامة، فمتى سيرتد المسلمون الذين تركهم المسيح؟ وما هي إذًا جدوى أن المسيح نزل ليكون علمًا للساعة؟ وإذا كان يوجد في القرءان آيات تقول -حسب كلامهم- بأن المسيح سينزل، فما هو مصيرها بعد أن ينزل بالفعل؟ ومن الواضح جدًّا أن الآية لا يمكن اعتبارها نصًّا قطعي الدلالة على نزول المسيح، والعقائد لا تؤخذ من شبهات الناس وتأويلاتهم، والخلاصة أن علم الساعة عند الله وأن القرءان هو علمٌ للساعة لمتبع دين الحق، وهذا المؤمن لا يعلم عن المسيح إلا ما ذكره الله تعالى في كتابه عنه، وخلاصته أنه كان نبيا كريما مرسلا إلى بني إسرائيل وحدهم من دون الناس، وأنه كان مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيه مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِه اسْمُهُ أَحْمَدُ.

*******

الثلاثاء، 18 أبريل 2017

العلاقة مع أهل الكتاب طبقا لدين الحق

العلاقة مع أهل الكتاب طبقا لدين الحق
أسس العلاقة:
1.        لأهل الكتاب كافة حقوقهم الإنسانية؛ فكل إنسان لمجرد كونه إنسانا خليفة وحامل للأمانة ومكرم ومفضل عند الله، وهذا يجب أن يُترجم إلى نصوص دستورية وقوانين في الدولة الحديثة.
2.        لأهل الكتاب حقوقهم الخاصة كأهل كتاب.
3.        من أهم الحقوق حرية الإيمان فلا إكراه في الدين، ولا يجوز المساس بحقهم في أداء شعائرهم وفي تطبيق شرائعهم الخاصة عليهم وفي حقهم في إقامة دور عبادة خاصة بهم، وهذا يجب أن يُترجم إلى نصوص دستورية وقوانين في الدولة الحديثة.
4.        المسلم مأمور بالدعوة إلى سبيل الله بالوسائل السلمية الراقية، وما هو مطلوب في حالة رفض الدعوة هو مجرد إشهادهم بأنَّا مسلمون.
5.        لا يعني ذلك إقرارهم على عقائدهم الباطلة لأي سبب من الأسباب، ومن المعلوم أنهم يكفرون بخاتم النبيين وبالقرءان وبدين الحق، فلا يجوز لأحد أن يتبرع بإنكار ذلك، ووصف الناس بالكفر في بعض المسائل لا حرج فيه ولا منه، وأكثر المحسوبين على الإسلام يكفرون بالكثير من آيات القرءان، ويعيشون بمقتضى ذلك، فكل صاحب دين أو مذهب يعتبر الآخرين كفارا ويؤمن بأن مصيرهم جهنم أو عالم البكاء وصرير الأسنان وأنهم الفرقة الهالكة، فالإقرار بذلك من أسس التعايش السلمي بين الناس، وقد أعلن الله تعالى في القرءان أن الفصل في الاختلافات الدينية مرجأ إلى يوم القيامة.
7.        الكفر الذي يجب التصدي له هو الذي يترتب عليه الحرمان من الحقوق والعدوان على الناس واضطهادهم، ومن أهم الحقوق حرية العقيدة، فلا يجوز لأحد أن يكره الناس على تغيير دينهم أو مذهبهم.
8.        لا يجوز للمسلم أن يترك القيام بشيء من دينه لكي يرضى عنه أهل الكتاب أو لأي سبب آخر.
9.        المسلم مأمور في القرءان بالنظر في عواقب من سبق وهذا الأمر أقوى من الأمر بالصيام أو الحج، وهو مأمور بتدبر القرءان، وله أن يعلن على الناس نتائج أبحاثه، فليس لأحد أن يمنعه، والمؤرخون الماديون والملحدون ينشرون نتائج أبحاثهم عن الأديان في الغرب وفي كل الدول المتقدمة بلا حرج.
10.    دين الحق يوجب التعايش السلمي مع أهل الكتاب، فهو يأمر ببرهم والإقساط إليهم، ويسمح بالأكل من طعامهم والزواج منهم والتعاون في الخير، وكل هذا من مظاهر التعايش السلمي الواجب، التعايش السلمي البناء المثمر هو الحالة الطبيعية بين الناس، أما القتال فهو أمر استثنائي، وهو لا يكون لإكراه طائفة على اعتناق الإسلام، ولا لإلزامها بدفع جزية والخضوع لأحكام الصغار، ولكن يكون دفاعًا عن الدين والأهل والديار والأموال وعن أهل الكتاب الذين يتعايشون مع الأمة.  

*******

الأحد، 16 أبريل 2017

من أسس وسمات دين الحق 1

من أسس وسمات دين الحق 1

1.    القرءان هو الحق، هو مجمع من البديهيات والبينات والمسلمات Axioms, evidence and postulates، لذلك نحن إذا قرئ علينا نسجد، لا نحاكمه، ولكن نحاكم إليه كل شيء.
2.    القرءان كتاب متسق متشابه، لا اختلاف فيه، فلا وجود فيه لآيات بطل حكمها.
3.    القرءان يورد القول في المسألة الواحدة موزعًا على سوره وآياته، وكلها متسقة، ولها المصداقية الكاملة، فلا يجوز استبعاد شيء منها أو محاولة ضربها ببعضها، القرءان مبين ومبيِّن، فهو يبيِّن نفسه بنفسه، لذلك لابد من منهج قرءاني لاستخلاص القول القرءاني في أية مسألة.
4.    القرءان تبيان لكل شيء، فما لم يذكره بالنصّ أو بالفحوى أو بالمقتضى، ليس بشيء، وكذلك ليس بشيء ما لم يمكن استخلاصه باتباع المنهج القرءاني.
5.    المسلم مأمور باتباع ملة إبراهيم، وكلها منصوص عليها في القرءان، أما الجوانب العملية الخاصة بإقامة الصلاة والحج والصيام وما يتعلق بالطهارة ... الخ فقد انتقلت بالتواتر العملي الجماهيري.
6.    لا يؤخذ من المرويات المنسوبة إلى الرسول إلا ما كان متسقًا اتساقًا تامًا مع عناصر دين الحق المستخلصة من القرءان.
7.    لا يجوز رفض أي قولٍ منسوب إلى الرسول إلا إذا ثبت تعارضه الصارخ مع أصلٍ قرءاني.
مثال1:
قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين} [الأنبياء:107]
فلهذه الآية الحكم على كل المصادر الثانوية، الرسول ورسالته رحمة للعالمين، وليس نقمة على العالمين، فيجب رفض كل المرويات الأعرابية الأموية التي لا تتسق مع هذه الآية، ومن المعلوم أنه كان لأهل البغي المعبودين الآن كل المصلحة في تحريف الرسالة لتثبيت ملكهم والقضاء على خصومهم والاستيلاء على بلاد مَن حولهم، فجعلوا -وما يزالون- رسالة الرحمة نقمة على العالمين.
وفي كل الأحوال لا علاقة للأمور التاريخية بالحقائق القرءانية الراسخة، فيمكن تعلم الدين وممارسته بدون النظر في الأمور التاريخية إلا إذا كان القرءان قد نصّ عليها، فيجب اعتبارها.
مثال2:
قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم} [القلم:4]
فهذه شهادة إلهية في حق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، ولها الحكم والقضاء على كل المصادر الثانوية، والأخلاق العظيمة هي مقتضيات الأسماء الحسنى في الكيان الإنساني، وقد يكون منصوصا عليها صراحة في القرءان أو بأن يثني الله تعالى على المتصفين بها أو يبشره بالجنة.
لذلك يجب رفض ما نسبه أهل البغي والظالمون إلى الرسول مما لا يتفق مع هذه الشهادة الإلهية الصادقة، ومن المعلوم أن أهل البغي والمنافقين الذين تسلطوا على أمر الأمة قد تفننوا في نسبة مساوئ الأخلاق إلى الرسول، ولكن المشكلة هي أن أهل البغي هؤلاء قد أصبحوا أربابًا في الدين الأعرابي الأموي بحجة أنهم كانوا (صحابة) الرسول، هذا رغم أنهم هم الذي بددوا أقواله وقضوا على أمته وكادوا يبيدون ذريته ويقوضون رسالته لولا تعهد الله تعالى بحفظ الذِّكْر للناس.

*******