الاثنين، 29 فبراير 2016

حوار مع دابة شحرورية

حوار مع دابة شحرورية

ذات يوم أثناء أداء مسلم لعمله فوجئ بحركة غريبة وبشيء يظهر أمامه، نظر فوجد حمارا وديعا أليفا أنيقا، ولكنه لم يكن حمارا كالحمير الآخرين، كان يرتدي نظارة طبية، ويضع على ظهره بردعة في غاية الأناقة يوجد على جزء منها مجموعة من الأسفار بلغات متعددة، هذا فضلا عن ببيونة أنيقة حول عنقه، وقبعة كبيرة بها ثقبان يخرج منهما أذناه الطويلتان، أخذ ينظر إلى مسلم شذرا، ثم أطلق تنهيقة طويلة، قال مسلم بصوت مسموع "لعله في حاجة إلى برسيم، سأتدبَّر الأمر".

فوجئ بالحمار يتكلم بلسان فصيح: 

الحمار: لا حاجة بي إلى برسيمك!

مسلم: غريب، لم أصادف من قبل حمارًا يرفض البرسيم.

الحمار: لا تسئ الأدب، لستُ حمارا!

مسلم: وكيف ذلك؟

الحمار: ألا ترى ما أرتديه وما أحمله؟

مسلم: حقيقتك ثابتة، ولن يغير منها ما تحمله أو ما تربط به عنقك أو تضعه على رأسك.

الحمار: لست حمارا

مسلم: لنقل إذًا أنك حمار مثقف

وفجأة ظهر عن يمينه وعن شكاله ومن خلفه مجموعة كبيرة من الحمير وأخذوا في إطلاق نهيق عشوائي مزعج، ولكن الحمار الذي يبدو أن له مكانة متميزة عندهم نهق فيهم قائلا: دعوه لي! أخذ ينظر إلى مسلم بتحدٍّ، قال الحمار: دعنا من هذه المسألة الآن!

مسلم: لماذا جئت بكل هذا الحشد من الحمير إلى هنا؟

الحمار: لقد جئنا لنحاجك في أمرٍ على درجة عالية من الخطورة!

مسلم: وما هو؟

الحمار: سمعنا أنك تنكر أن اليهود والنصارى مسلمون!

مسلم: وما شأنك أنت بهذه الأمور، ليس لك عندي إلا أن أعطيك ما تريد من البرسيم والتبن والماء وأن أحسن إليك.

الحمار: لسنا عبيد إحسانك! نحن مخلوقون أحرارا، ولسنا تراثا وعقارا، وإننا لن نُوَّرث ولن نُستعبَد بعد اليوم، هات دليلك من القرءان على أن اليهود والنصارى غير مسلمين.

مسلم: اليهود والنصارى هم يهود ونصارى، ولم يزعموا أبدًا أنهم مسلمون، والقرءان كله يثبت أنهم غير مسلمين بآياته المحكمة ومنطوقها وظاهرها وبفحوى آياته ومقتضياتها وإشاراتها، هذا فضلا عن أقوال الرسول وسنته الثابتة والمصدقة له.

الحمار: دعك من هذه الألاعيب والحيل التي لا تنطلي علينا نحن معشر الحمير.

مسلم: ها أنت أقررت بأنك حمار! ولكن دعنا من هذا، ألا تعلم أيها الحمار أن البيِّنة على من ادَّعى؟

الحمار: ولماذا لا تكون أنت المدعي والمطالَب بالبيِّنة؟

مسلم: لم أدَّع شيئا، القرءان يميز بوضوح بين كل الطوائف الدينية، وأول قواعد المنطق أن الشيء هو نفسه لا غيره، فاليهود يهود، والنصارى نصارى، وهم معًا هم أهل الكتاب، هذه هي أسماؤهم في القرءان، ومن أراد أن يعرف مدلولاتها فليرجع إلى كل الآيات التي ورد ذكرهم فيها إما صراحة أو ضمنا.

الحمار: ولكن كلامك هذا لا يتفق مع الدين أو المنطق ولا بديهيات اللغة!

مسلم: وما دخلك أنت كحمار في مسائل الدين والمنطق واللغات الإنسانية؟ كلامنا هو عين الدين والمنطق إلا إذا كنت تقصد الدين الشحروري والمنطق الشحروري.

ما إن نطق مسلم بكلمة شحرور حتى خرَّ الحمير على أذقانهم ينهقون ويبكون بالدمع الهتون وبحمده يسبحون، واستمروا على ذلك وقتا طويلا، تركهم مسلم، واستأنف عمله.

بدئوا أخيرا يرفعون رؤوسهم واحدا تلو الآخر، ودموعهم لا تزال تسيل من مآقيهم، أخذ مسلم يستأنف كلامه، كانت أول كلمة تفوه بها هي "شحرور"، ما إن خرجت من فيه حتى تكرر المشهد السابق، أعجبت اللعبة مسلم، أخذ يردد شحرور عدة مرات، أخذت الحمير في الصراخ والبكاء والنهيق والقفز لأعلى والتمرغ في أرض الغرفة، إلى أن ضاق مسلم بهم ذرعا، وأخذ الجيران يطرقون الباب بشدة للاستفسار عما يحدث، أخذ مسلم يصرخ في الحمير أن يكفوا، أفاق الحمير أخيرا، بادرهم مسلم بالسؤال:

مسلم: هل تظنون أن القرءان يصف بالإسلام من يكفر به؟ نهيقكم.. آه عذرا! كلامكم يتضمن كفرًا بواحا وإنكارا لرسالة الإسلام وللقرءان ولآياته، ولا يستطيع أعتى حمار منكم أن ينكر هذا أو أن يأتي بآية محكمة تقول بأن اليهود والنصارى مسلمون.

الحمار: كلامك أنت هو الذي يتناقض مع المنطق السليم.

مسلم: وما هو هذا المنطق السليم؟

الحمار: اسمع جيدا: الإسلام دين كوني، وبما أنه من المستحيل أن يدخل كل اليهود والنصارى النار، إذًا هم مسلمون، هل يوجد ما هو أوضح من هذا؟

مسلم: وهل يستطيع أحد أن ينكر أنك حمار، أنت، وكل من قال بهذا؟! هل تعرف ماذا يعبد اليهود وماذا يعبد النصارى؟

الحمار: وهل تصدق ما يقولونه عنهم؟

مسلم: نتحدث عن كتبهم وليس عما يقولونه عنهم، ما هو مفهومهم عن الإله الذي يعبدونه، وهل أقرهم القرءان على عقائدهم، أم انتقدهم وندد بهم بأقوى العبارات؟!

الحمار: وما أهمية ذلك؟ هم مسلمون رغم كل شيء، هذا ما قضى به شحرور، ولا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه!

مسلم: ولكن الإسلام هو الدين الذي أعلن الله اكتماله في نهاية العصر النبوي ورضيه للناس دينا، فكل حقيقة قرءانية هي عنصر من عناصر هذا الدين، ومن الحقائق القرءانية أن اليهود والنصارى قد كفروا بالله وأشركوا به ونسبوا إليه الابن وقالوا فيه ما قالوا، هل يمكن أن يرضى الله عن عقائد ندد بها بكل قوة وتوعد المؤمن بها بالعذاب الأليم؟

الحمار: لا أهمية لكل ذلك طالما أن د. شحرور قال إنهم مسلمون، هل تشكك في كفاءة شحرور؟

مسلم: ألم يقرأ شحروركم هذه الآيات {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)} التوبة؟

الحمار: بالتأكيد قرأها، ولذلك قال إنهم مسلمون.  

مسلم: ولكنَّ القرءان لا يقول بذلك.

الحمار: ولكن د. شحرور يقول بذلك، ألا تعلم أن كلام شحرور حاكم على القرءان وقاض عليه وناسخ لآياته عند التعارض؟ 

مسلم: ألم تقرأ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين} [المائدة:51]، هل يمكن لمن يقرأ هذه الآية أن يقول بأن اليهود والنصارى مسلمون؟!

الحمار: وهل فات ذلك على د. شحرور حتى يقول ما قال، د. شحرور لا ينطق عن الهوى، وقد درس الأمر جيدا وأعدّ لكل اعتراض على مقولاته جوابا!

مسلم: وما هو جوابه عن هذه المسألة؟

الحمار: أمرك عجيب! هل تريدنا نحن معشر الحمير أن نحيط علمًا بكل علوم شحرور؟

مسلم: وما قول شحروركم في هذه الآيات التي تندد بأهل الكتاب وتهدد وتتوعد من لا يؤمن بما أنزل على خاتم النبيين: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (14) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19)} المائدة، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (47) إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48) } [النساء]، {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون} [الأعراف:158]، {قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138)} البقرة ؟

الحمار: أووووووووه، هل تظن أن د. شحرور لم يقرأ كل هذه الآيات؟ هل تظن أنه تخفى على شحرور خافية في أمور الدين والدنيا؟!  أنت متعالم، أنت متعجرف، أنت مغرور، أنت تحقد على شحرور.

مسلم: هل تعرف ماذا يقولون عن الرسول الأعظم؟

الحمار: لا تقل الأعظم، لا تفرق بين الرسل!

مسلم: هل تعرف ما هو التفريق؟

الحمار: هو أن تقول إن محمدا هو الرسول الأعظم.

مسلم: ولماذا تتحدث بكل هذا الغلّ؟ اقرأ جيدا: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151) } [النساء:150]، والآن هل يؤمن اليهود والنصارى بخاتم النبيين؟ هل يؤمن اليهود بالمسيح؟

الحمار: وماذا في ذلك، هذا لا يمنع أنهم مسلمون كما قال د. شحرور

مسلم: ولكن الآية تقول إن التفريق بين الرسل هو الكفر ببعض الرسل، وتقول إن من يفعل ذلك هم الْكَافِرُونَ حَقًّا، هل يؤمن اليهود والنصارى بخاتم النبيين؟

الحمار: وهل يمكن أن يغيب ذلك عن د. شحرور؟ هل تظن أنه خفي عنه شيء في الأرض أو في السماء؟ لابد أن له تفسيرا لها هو يعلمه.

مسلم: يا له من منطق حماري!

الحمار أنت تكفيري، تريد أن تكفَّر كل من في الأرض كالسلفية.

مسلم: يجب أن تعلم الفرق بين الفعل "كَفَر" وبين اسم الفاعل البسيط "كافر" من ناحية وبين المصطلح "كافر" أو "كفَّار" من ناحية أخرى.

أما الفعل "كفر" فلا يكاد يخلو إنسان من شيء من الكفر، إما باسمٍ إلهي أو بحقيقة إلهية أو بآيات قرءانية أو بأي عنصر من عناصر دين الحقّ، وفاعل هذا الفعل يُطلق عليه لغويا اسم الفاعل البسيط "كافر".

أما من الناحية الاصطلاحية "الكافر" هو من بلغته رسالة الحق البلاغ المبين، فرفضها وجحدها، فإن تصرَّف بمقتضى كفره فسيكون اصطلاحا من طائفة "الذين كفروا".

ولا يوجد بلاغ مبين الآن إلا على مستويات جزئية وفردية محدودة، وإنما يوجد من يصدون الناس عن دين الحق، وهم أتباع الأديان التي حلَّت محلّ الإسلام، وخاصة مؤسساتهم الكهنوتية، بل إن سدنة هذه الأديان هم أقرب إلى اصطلاح الكفار من غيرهم بحكم دراستهم المكثفة للرسالة، وإصرارهم مع ذلك على الكفر بأكثرها واتخاذ مصدر أمورها الكبرى الأوحد مهجورًا أو تهميشه لحساب المصادر الثانوية.

الحمار: لا نفقه شيئا مما تقول.

مسلم: يكفيك أن تعلم أن اليهود والنصارى ليسوا كفارا، اليهود الذين عاصروا الرسول وكفروا برسالته هم الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وكذلك نصارى نجران، ويُلاحظ أن اليهود قاتلوا الرسول فقاتلهم، بينما سالمه نصارى نجران فسالمهم رغم كفرهم برسالته، ورغم أنه بلّلغهم الرسالة البلاغ المبين، وأقام عليهم الحجة.

الحمار: ولكنك بموقفك هذا تضعف الجبهة التنويرية!

مسلم: بل أقوض الباطل بعد أن استفحل، كما أُقوِّض الجبهة الاستحمارية

الحمار: أنت متعالم، أنت متعجرف، أنت مغرور، أنت حاقد على شحرور

مسلم: لا تهمني شهادة الحمير ولا شاربي بول البعير، يجب التصدي لكل باطل، اذهب أيها الحمار من هنا، وستجد من الحمير التي لا حصر لها من يتبعونكم.

الحمار: أنت متعجرف، أنت مغرور، أنت حاقد على شحرور، هل أنت تملك الحقيقية المطلقة؟

مسلم: وما دخل الحقيقة المطلقة في الموضوع؟ الحقائق تُعرف ولا تُمتلك.

الحمار: أنت متعالم، أنت متعجرف، أنت مغرور، أنت حاقد على شحرور

مسلم: لن أسمح من بعد لحمارٍ أن يجادلني، مرة ثانية: اذهبوا من هنا!

تلكأ الحمير قليلا، صرخ فيهم مسلم قائلا: "شحرور"، خروا إلى الأذقان يبكون وينهقون، زاد مسلم من معدل إلقاء الكلمة عليهم، أخذوا يضطربون ويقعون فلا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ حتى خارت قواهم، وانسحبوا وهم يكادون يجرُّون أنفسهم ويتعثرون في ذيولهم.

*******

الأحد، 28 فبراير 2016

حوار مع دابة شحرورية

حوار مع دابة شحرورية


ذات يوم أثناء أداء مسلم لعمله فوجئ بحركة غريبة وبشيء يظهر أمامه، نظر فوجد حمارا وديعا أليفا أنيقا، ولكنه لم يكن حمارا كالحمير الآخرين، كان يرتدي نظارة طبية، ويضع على ظهره بردعة في غاية الأناقة يوجد على جزء منها مجموعة من الأسفار بلغات متعددة، هذا فضلا عن ببيونة أنيقة حول عنقه، وقبعة كبيرة بها ثقبان يخرج منهما أذناه الطويلتان، أخذ ينظر إلى مسلم شذرا، ثم أطلق تنهيقة طويلة، قال مسلم بصوت مسموع "لعله في حاجة إلى برسيم، سأتدبَّر الأمر".

فوجئ بالحمار يتكلم بلسان فصيح: 

الحمار: لا حاجة بي إلى برسيمك!

مسلم: غريب، لم أصادف من قبل حمارًا يرفض البرسيم.

الحمار: لا تسئ الأدب، لستُ حمارا!

مسلم: وكيف ذلك؟

الحمار: ألا ترى ما أرتديه وما أحمله؟

مسلم: حقيقتك ثابتة، ولن يغير منها ما تحمله أو ما تربط به عنقك أو تضعه على رأسك.

الحمار: لست حمارا

مسلم: لنقل إذًا أنك حمار مثقف

وفجأة ظهر عن يمينه وعن شكاله ومن خلفه مجموعة كبيرة من الحمير وأخذوا في إطلاق نهيق عشوائي مزعج، ولكن الحمار الذي يبدو أن له مكانة متميزة عندهم نهق فيهم قائلا: دعوه لي! أخذ ينظر إلى مسلم بتحدٍّ، قال الحمار: دعنا من هذه المسألة الآن!

مسلم: لماذا جئت بكل هذا الحشد من الحمير إلى هنا؟

الحمار: لقد جئنا لنحاجك في أمرٍ على درجة عالية من الخطورة!

مسلم: وما هو؟

الحمار: سمعنا أنك تنكر أن اليهود والنصارى مسلمون!

مسلم: وما شأنك أنت بهذه الأمور، ليس لك عندي إلا أن أعطيك ما تريد من البرسيم والتبن والماء وأن أحسن إليك.

الحمار: لسنا عبيد إحسانك! نحن مخلوقون أحرارا، ولسنا تراثا وعقارا، وإننا لن نُوَّرث ولن نُستعبَد بعد اليوم، هات دليلك من القرءان على أن اليهود والنصارى غير مسلمين.

مسلم: اليهود والنصارى هم يهود ونصارى، ولم يزعموا أبدًا أنهم مسلمون، والقرءان كله يثبت أنهم غير مسلمين بآياته المحكمة ومنطوقها وظاهرها وبفحوى آياته ومقتضياتها وإشاراتها، هذا فضلا عن أقوال الرسول وسنته الثابتة والمصدقة له.

الحمار: دعك من هذه الألاعيب والحيل التي لا تنطلي علينا نحن معشر الحمير.

مسلم: ها أنت أقررت بأنك حمار! ولكن دعنا من هذا، ألا تعلم أيها الحمار أن البيِّنة على من ادَّعى؟

الحمار: ولماذا لا تكون أنت المدعي والمطالَب بالبيِّنة؟

مسلم: لم أدَّع شيئا، القرءان يميز بوضوح بين كل الطوائف الدينية، وأول قواعد المنطق أن الشيء هو نفسه لا غيره، فاليهود يهود، والنصارى نصارى، وهم معًا هم أهل الكتاب، هذه هي أسماؤهم في القرءان، ومن أراد أن يعرف مدلولاتها فليرجع إلى كل الآيات التي ورد ذكرهم فيها إما صراحة أو ضمنا.

الحمار: ولكن كلامك هذا لا يتفق مع الدين أو المنطق ولا بديهيات اللغة!

مسلم: وما دخلك أنت كحمار في مسائل الدين والمنطق واللغات الإنسانية؟ كلامنا هو عين الدين والمنطق إلا إذا كنت تقصد الدين الشحروري والمنطق الشحروري.

ما إن نطق مسلم بكلمة شحرور حتى خرَّ الحمير على أذقانهم ينهقون ويبكون بالدمع الهتون وبحمده يسبحون، واستمروا على ذلك وقتا طويلا، تركهم مسلم، واستأنف عمله.

بدئوا أخيرا يرفعون رؤوسهم واحدا تلو الآخر، ودموعهم لا تزال تسيل من مآقيهم، أخذ مسلم يستأنف كلامه، كانت أول كلمة تفوه بها هي "شحرور"، ما إن خرجت من فيه حتى تكرر المشهد السابق، أعجبت اللعبة مسلم، أخذ يردد شحرور عدة مرات، أخذت الحمير في الصراخ والبكاء والنهيق والقفز لأعلى والتمرغ في أرض الغرفة، إلى أن ضاق مسلم بهم ذرعا، وأخذ الجيران يطرقون الباب بشدة للاستفسار عما يحدث، أخذ مسلم يصرخ في الحمير أن يكفوا، أفاق الحمير أخيرا، بادرهم مسلم بالسؤال:

مسلم: هل تظنون أن القرءان يصف بالإسلام من يكفر به؟ نهيقكم.. آه عذرا! كلامكم يتضمن كفرًا بواحا وإنكارا لرسالة الإسلام وللقرءان ولآياته، ولا يستطيع أعتى حمار منكم أن ينكر هذا أو أن يأتي بآية محكمة تقول بأن اليهود والنصارى مسلمون.

الحمار: كلامك أنت هو الذي يتناقض مع المنطق السليم.

مسلم: وما هو هذا المنطق السليم؟

الحمار: اسمع جيدا: الإسلام دين كوني، وبما أنه من المستحيل أن يدخل كل اليهود والنصارى النار، إذًا هم مسلمون، هل يوجد ما هو أوضح من هذا؟

مسلم: وهل يستطيع أحد أن ينكر أنك حمار، أنت، وكل من قال بهذا؟! هل تعرف ماذا يعبد اليهود وماذا يعبد النصارى؟

الحمار: وهل تصدق ما يقولونه عنهم؟

مسلم: نتحدث عن كتبهم وليس عما يقولونه عنهم، ما هو مفهومهم عن الإله الذي يعبدونه، وهل أقرهم القرءان على عقائدهم، أم انتقدهم وندد بهم بأقوى العبارات؟!

الحمار: وما أهمية ذلك؟ هم مسلمون رغم كل شيء، هذا ما قضى به شحرور، ولا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه!

مسلم: ولكن الإسلام هو الدين الذي أعلن الله اكتماله في نهاية العصر النبوي ورضيه للناس دينا، فكل حقيقة قرءانية هي عنصر من عناصر هذا الدين، ومن الحقائق القرءانية أن اليهود والنصارى قد كفروا بالله وأشركوا به ونسبوا إليه الابن وقالوا فيه ما قالوا، هل يمكن أن يرضى الله عن عقائد ندد بها بكل قوة وتوعد المؤمن بها بالعذاب الأليم؟

الحمار: لا أهمية لكل ذلك طالما أن د. شحرور قال إنهم مسلمون، هل تشكك في كفاءة شحرور؟

مسلم: ألم يقرأ شحروركم هذه الآيات {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)} التوبة؟

الحمار: بالتأكيد قرأها، ولذلك قال إنهم مسلمون.  

مسلم: ولكنَّ القرءان لا يقول بذلك.

الحمار: ولكن د. شحرور يقول بذلك، ألا تعلم أن كلام شحرور حاكم على القرءان وقاض عليه وناسخ لآياته عند التعارض؟ 

مسلم: ألم تقرأ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين} [المائدة:51]، هل يمكن لمن يقرأ هذه الآية أن يقول بأن اليهود والنصارى مسلمون؟!

الحمار: وهل فات ذلك على د. شحرور حتى يقول ما قال، د. شحرور لا ينطق عن الهوى، وقد درس الأمر جيدا وأعدّ لكل اعتراض على مقولاته جوابا!

مسلم: وما هو جوابه عن هذه المسألة؟

الحمار: أمرك عجيب! هل تريدنا نحن معشر الحمير أن نحيط علمًا بكل علوم شحرور؟

مسلم: وما قول شحروركم في هذه الآيات التي تندد بأهل الكتاب وتهدد وتتوعد من لا يؤمن بما أنزل على خاتم النبيين: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (14) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19)} المائدة، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (47) إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48) } [النساء]، {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون} [الأعراف:158]، {قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138)} البقرة ؟

الحمار: أووووووووه، هل تظن أن د. شحرور لم يقرأ كل هذه الآيات؟ هل تظن أنه تخفى على شحرور خافية في أمور الدين والدنيا؟!  أنت متعالم، أنت متعجرف، أنت مغرور، أنت تحقد على شحرور.

مسلم: هل تعرف ماذا يقولون عن الرسول الأعظم؟

الحمار: لا تقل الأعظم، لا تفرق بين الرسل!

مسلم: هل تعرف ما هو التفريق؟

الحمار: هو أن تقول إن محمدا هو الرسول الأعظم.

مسلم: ولماذا تتحدث بكل هذا الغلّ؟ اقرأ جيدا: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151) } [النساء:150]، والآن هل يؤمن اليهود والنصارى بخاتم النبيين؟ هل يؤمن اليهود بالمسيح؟

الحمار: وماذا في ذلك، هذا لا يمنع أنهم مسلمون كما قال د. شحرور

مسلم: ولكن الآية تقول إن التفريق بين الرسل هو الكفر ببعض الرسل، وتقول إن من يفعل ذلك هم الْكَافِرُونَ حَقًّا، هل يؤمن اليهود والنصارى بخاتم النبيين؟

الحمار: وهل يمكن أن يغيب ذلك عن د. شحرور؟ هل تظن أنه خفي عنه شيء في الأرض أو في السماء؟ لابد أن له تفسيرا لها هو يعلمه.

مسلم: يا له من منطق حماري!

الحمار أنت تكفيري، تريد أن تكفَّر كل من في الأرض كالسلفية.

مسلم: يجب أن تعلم الفرق بين الفعل "كَفَر" وبين اسم الفاعل البسيط "كافر" من ناحية وبين المصطلح "كافر" أو "كفَّار" من ناحية أخرى.

أما الفعل "كفر" فلا يكاد يخلو إنسان من شيء من الكفر، إما باسمٍ إلهي أو بحقيقة إلهية أو بآيات قرءانية أو بأي عنصر من عناصر دين الحقّ، وفاعل هذا الفعل يُطلق عليه لغويا اسم الفاعل البسيط "كافر".

أما من الناحية الاصطلاحية "الكافر" هو من بلغته رسالة الحق البلاغ المبين، فرفضها وجحدها، فإن تصرَّف بمقتضى كفره فسيكون اصطلاحا من طائفة "الذين كفروا".

ولا يوجد بلاغ مبين الآن إلا على مستويات جزئية وفردية محدودة، وإنما يوجد من يصدون الناس عن دين الحق، وهم أتباع الأديان التي حلَّت محلّ الإسلام، وخاصة مؤسساتهم الكهنوتية، بل إن سدنة هذه الأديان هم أقرب إلى اصطلاح الكفار من غيرهم بحكم دراستهم المكثفة للرسالة، وإصرارهم مع ذلك على الكفر بأكثرها واتخاذ مصدر أمورها الكبرى الأوحد مهجورًا أو تهميشه لحساب المصادر الثانوية.

الحمار: لا نفقه شيئا مما تقول.

مسلم: يكفيك أن تعلم أن اليهود والنصارى ليسوا كفارا، اليهود الذين عاصروا الرسول وكفروا برسالته هم الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وكذلك نصارى نجران، ويُلاحظ أن اليهود قاتلوا الرسول فقاتلهم، بينما سالمه نصارى نجران فسالمهم رغم كفرهم برسالته، ورغم أنه بلّلغهم الرسالة البلاغ المبين، وأقام عليهم الحجة.

الحمار: ولكنك بموقفك هذا تضعف الجبهة التنويرية!

مسلم: بل أقوض الباطل بعد أن استفحل، كما أُقوِّض الجبهة الاستحمارية

الحمار: أنت متعالم، أنت متعجرف، أنت مغرور، أنت حاقد على شحرور

مسلم: لا تهمني شهادة الحمير ولا شاربي بول البعير، يجب التصدي لكل باطل، اذهب أيها الحمار من هنا، وستجد من الحمير التي لا حصر لها من يتبعونكم.

الحمار: أنت متعجرف، أنت مغرور، أنت حاقد على شحرور، هل أنت تملك الحقيقية المطلقة؟

مسلم: وما دخل الحقيقة المطلقة في الموضوع؟ الحقائق تُعرف ولا تُمتلك.

الحمار: أنت متعالم، أنت متعجرف، أنت مغرور، أنت حاقد على شحرور

مسلم: لن أسمح من بعد لحمارٍ أن يجادلني، مرة ثانية: اذهبوا من هنا!

تلكأ الحمير قليلا، صرخ فيهم مسلم قائلا: "شحرور"، خروا إلى الأذقان يبكون وينهقون، زاد مسلم من معدل إلقاء الكلمة عليهم، أخذوا يضطربون ويقعون فلا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ حتى خارت قواهم، وانسحبوا وهم يكادون يجرُّون أنفسهم ويتعثرون في ذيولهم.

*******


   

مصطلح الإسلام 1

مصطلح الإسلام 1

كلمة "إسلام" هي أصلا مصدر أو اسم معنى للفعل "أسلم"، والسين واللام والميم أكثر بابه من الصّحّة والعافية؛ فالسّلامة: أن يسلم الإنسان من العاهة والأذَى. ومن الباب أيضا الإسلام، وهو الانقياد؛ لأنَّه يَسْلم من الإباء والامتناع، والسلم والسلام هما بذلك مضادان للحرب لما تسببه من عطب وأذى.
ولكلمة "إسلام" معانيها ومدلولاتها اللغوية والاصطلاحية، فالقرءان قد يكسب الكلمة بالإضافة إلى معانيها اللغوية معانيَ اصطلاحية، وهذه الكلمة ومشتقاتها مستعملة في القرءان بكافة معانيها، وذلك أمر على أعلى درجة من الأهمية، هذه المعاني والمدلولات هي:
1-           المعني اللغويُ ويتضمنُ الانقيادَ والخضوع والإذعان والمسالمة، وذلك في مثل قوله تعالى: {.... وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُون} [آل عمران:83].
2-           الدخول في السِلم، فهو إفعالٌ وتفعيل للسلام، وهو بذلك مضاد للإجرام، والإجرام يتضمن العمل على قطع أي صلةٍ أو انتهاك أي قانونٍ يضمن استمرارَ حالةِ السِلم، ولذلك فمن الأعمال الإجرامية الظلمُ وكذلك انتهاكُ المحرمات واقترافُ كبائرِ الإثم، أما الإسلام هنا فهو تدعيم كلِّ ما يؤدي إلى تحقيق الأمن والسلام، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِين} [البقرة:208]، أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) } القلم، فهذا المعنى يتضمن إيثارَ جانبِ السلام والمصالحة وإيجاد وتفعيل كافة الآليات التي تحققُ ذلك وتضمن استمراره، وهو من تجليات الله الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ.
3-            الدين الحنيف أي دين الفطرة الطبيعي(The natural religion)  الذي بُعث به كل الأنبياء ودعوا أقوامَهم إليه، وهو الدين الذي قال الله تعالى فيه: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُون} [الروم:30]، وهذا لا يعني أن الإنسان مبرمج عليه ويمكن أن يهتدي بنفسه إليه، ولكنه يعني أنه الدين المتوافق تماما مع الكيان الإنساني السوي؛ يلبي له كافة احتياجاته، ويحقق له كماله المنشود على كافة المستويات، وهو أيضًا الدين الواحد عند الله تعالى الذي ورد فيه: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ...}آل عمران19، {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }آل عمران85، {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ}الشورى13، {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}البقرة132، وهو يتضمنُ الإيمانَ بالله والإيمانَ باليوم الآخر وعبادةَ الله وحدَه والانقيادَ له والإخلاص له والإخبات له والتسبيحَ له والتسبيح بحمده وإقامةَ الصلاة وإيتاء الزكاة والصيامَ والحجَ والركوعَ لله والسجود له والعمل الصالح وفعل الخيرات والتزكي بالتحلي بمكارم الأخلاق والتطهر من الصفات الذميمة والإحسان إلي الوالدين والامتناع عن قتل الأبناء خشية الإملاق والوفاء بالكيل والميزان والقيام بالقسط والحكم بالعدل والوفاء بالعهد واجتنابَ الفواحش والانتهاءَ عن كبائر الإثم والأمرَ بالمعروف والنهي عن المنكر...، وهذا هو القدْر الأصلي المشترك بين كل الأديان، وهو الذي كان ينمو ويزداد كلما بُعِث رسولٌ جديد، فالدين كان ينمو مواكبا للتطور الإنساني ودافعا له وحافزا عليه.
4-           الإسلام الظاهري أو الشكلي  (Restricted or limited or superficial or minor or formal Islâm)، وهو جماع ما يعلن به الإنسانُ من الناحية الظاهرية على الأقل انتماءَه للأمة المؤمنة المسلمة ومسالمتَه لها وولاءَه لها، وكان يعني في العصر النبوي إظهار القبول والخضوع لما أتى به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، وفيه قال تعالى: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }التوبة5، {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }التوبة11، {قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} الحجرات: 14، وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ }آل عمران20، وهو يتضمن الأركانَ الثلاثة المذكورة في الآيات؛ أي التوبة إلى الله من الشرك؛ أي الجهر بالقول بأنه لا إله إلا الله، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وهو لا يتضمنُ بالضرورة إيمانا أو إحسانا، وهو الإسلام الذي كان قومُ الرسولِ مطالبين به، وبه يكتسب المرءُ الهوية الإسلامية؛ أي يكون من حقه أن يكون عضواً في الأمة الإسلامية، فأداء هذه الأركان كان بمثابة بطاقة الهوية The identity card للمسلم المنتمي إلى هذه الأمة، وبذلك تجب معاملته كمسلم يكون له كافةُ حقوقِ المسلم ولو كان يخفي نفاقا عريقا، ولكنه يكون أيضا ملزما بالقيام بما عليه من واجبات، ومثلُ هذا لا يجوز إخراجه من الجماعة المؤمنة وإن كان يجب أخذُ الحِذْرِ منه وجهادُه بالقرءان، والالتزام بالأركان المعلومة هو بمثابة بطاقة هوية لكل من ينتمي إلي الأمة، لذلك يجب مساءلة من لا يلتزم بها في حالة وجود تلك الأمة وامتلاكِها لمقدراتها ووجود ولاة أمر لها منها حتى يمكن إسداء النصح له، ولكن لا يجوز لأحد إنزال أي عقاب به، فلا إكراه في أي أمرٍ من أمور الدين، ذلك أمرٌ ديني ملزم، ومن الجلي أن إسلاما كهذا لا يضمن النجاة لصاحبه، أما من اعتنق هذا الإسلام رغبةً في الاهتداء وليس نفاقا ولا علي سبيل التقية فإنه بقيامه بأركانه وحرصه علي العمل بما فقهه من كتاب الله سيدخل الإيمان في قلبه شيئا فشيئا ويصبح مؤهلاً لكي كون مسلما بالمعنى الحقيقي.
5-           الإسلام الذي هو دين الحق الملزم للناس كافة والذي يتضمنه القرءانُ الكريم (The religion of truth, The official or the true Islâm)  ، والذي كان الرسول مجسدا له بأقواله وأفعاله وسنته وحياته، وهذا الإسلام هو الدين الكامل الجامع الخاتم، وهو أيضاً الدين العالمي والرسمي والاصطلاحي، فهذا الدين هو الصورة الكاملة التامة للدين الذي أرسل به كل الأنبياء والمذكور في البند الثالث، فهو يتضمن كلَّ ما هو مذكور هناك، وهو دين الفطرة في صورته الكاملة التامة؛ أي بعد أن بلغ ذروة تطوره وتمت الكلمة، وهو الذي أعلن الله تعالى في القرءان أنه أكمله للناس وأنه سيظهره على الدين كله، {....الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً.....}المائدة3، {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [الفتح:28]، ولهذا الدين سماتُه وعلومُه وبيِّناته ومقاصده وقيمه وأركانه وسننه، ولكل عنصر من العناصر الواردة في القرءان مكانه في هذا الدين طبقا لوزنه القرءاني، وأركانه هي كل ما ورد به أمر إلهي ملزِم ومشدَّد وحرص القرءان علي تأكيده وبيان أهميته، وعلي رأس تلك الأركان الإيمان بالإله الواحد الذي له الأسماء الحسني والأفعال والشئون والسنن المذكورة في القرءان، ولب هذه الأركان عبادة الله تعالى بإخلاص وذكر الله والعمل على إقامة صلة وثيقة به والتزكِّي، ولهذا الدين مقاصده الكلية، هي جماع مقاصده الجزئية والتي هي الحٍكم من كافة الأوامر الدينية، ولا نجاة لإنسان الآن إلا بالالتزام بهذا الإسلام طالما بلغه البلاغ الكافي، ومن كان حريصاً على الالتزام المطلق بهذا الإسلام قلبا وقالبا فهو من المؤهلين لجني ثماره وهو من المبشرين بالجنة، وكل صور الإسلام المذكورة سابقا هي أجزاء منه أما ما يليه فهو ثمرة له.
6-           الإسلام الذي هو العلاقة الخاصة بين العبد وربه، وهو من لوازم أركان دين الحق الجوهرية، وهو يتضمن تمسك الإنسان بما فُطِر عليه من الإقرار لله بأنه رب العالمين والخضوع التام له والانقياد له والإخبات له واتخاذه وليا والعمل بمقتضى ذلك، وهو يعني الولاء لله والإخلاص لله والتوبة والإنابة والقنوت والإخبات إلي الله وحب الله وتقوى الله وذكر الله والاعتصام به والتوكل عليه وتفويضَ الأمر إليه وإجلالَه وتعظيم قدره والاستعانةَ به والاستعاذةَ به والتسبيح له والفرار إليه والشكرَ له واتخاذَه ولياً والعمل لإعلاء كلمته والإقرار بنعمته واستغفاره والوفاء بعهده وميثاقه، وأعلى درجاته هو أول الإسلام؛ أي أعلى درجات الإسلام، وهو إسلام الوجهِ مطلقاً لرب العالمين، وهو ثمرة الالتزام بالإسلام الكامل أي بدين الحق، والثمرة هي جماع مقاصده على المستوى الفردي، ومن تحقق به فقد كتب الله في قلبه الإيمان وكتب في صدره آياتِه البينات وجعل له فرقانا وأحياه الحياة الحقيقية، وجعل له نورا يمشي به، وفيه قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{162} لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ{163}}(الأنعام)، والدرجات العلى هي لمثل هذا المسلم على المستوى الجوهري في هذه الحياة وفي الجنة في اليوم الآخر، وهذا المسلم هو الذي تحقق فيه المقصد الديني الأعظم؛ أي أصبح إنسانا ربانيا فائقا (تقيا صالحًا مفلحًا محسنا شاكرا).

والإسلام المطلوب من الإنسان الآن هو دين الحق المذكور في البند الخامس، وهو الدين التامّ الكامل الجامع الخاتم، وهو أيضا الدين العالمي والرسمي والاصطلاحي الملزم لكل من بلغه البلاغ المبين، فهذا الدين هو الصورة الكاملة التامة للدين وكل الأديان التي جاءت قبله كانت تمهيدا له، ولا يمكن أن يأتي دينٌ آخرَ بعده، ولا أن يظهر نبي بعد نبيه، وكل ما سيأتي بعده لا يمكن أن يكون إلا مندرجا في سياقه أو تفصيلاً لبعض عناصره أو تأويلاً لبعض آياته؛ أي من لوازم تفصيله وظهوره، وهذا الإسلام ماثل في القرءان الذي هو رسالة الرحمـن إلى كل بني الإنسان، فمرجعه الأوحد في الأمور الكبرى هو القرءان، وهو مرجعه الأعلى في الأمور الثانوية، وهو ملزم للناس كافة إلى يوم الدين، وهو الطريق الرسمي المتاح للكافة للفوز بالنجاة والأمن والسعادة في الدار الآخرة.
وكثير من تفاصيل دين الحق تتكشف للإنسان بمضي الزمن واطرادِ التقدم دون أن تتغير هويته أو أسسُه أو هياكله أو منظوماته أو معاني مصطلحاته، فالإسلام دين ديناميكي حي، أما العكوف على ما توصَّل إليه شخص من السلف أو الخلف باجتهاده البشري خوفا وتهيبا فهو كالعكوف على الأوثان، وهو بلا شك من ضروب الشرك، ذلك لأن يتضمن محاولة لإضفاء سمات إلهية على السلف وعلى مقولات السلف، ولذلك لا يخلو مذهب من المذاهب التي حلت محلَّ هذا الدينِ من شرك، قال تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}الأنعام159، {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ{30} مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ{31} مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ{32}الروم، {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ}الشورى13.
ولقد أعلن الله تعالى أن تأويلَ القرءان سيأتيهم شيئا فشيئا، فالشقيُّ التعسُ هو من حجَّر رحمة الله وفضلَه، وعكف على ما وصل إليه السلف لم يبغ عنه حولا ولم يحاول أن يتعلم من أئمة عصره.
*******
والإسلام المراد تبيينه أساسًا في كتاباتنا هو دين الحق؛ ذلك الدين العالمي الخاتم الذي أكمله الله تعالى وارتضاه لعباده وتمَّت به كلماته صدقا وعدلا والذي هو ملزم للناس كافة والذي بُعث به خاتم النبيين صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ والذي يتضمنه القرءان الكريم وما يصدقه مما تواتر عن الرسول من السنن وما نُسب إليه عن طريق المرويات، وهو دين الحق الجامع لكل الصور المعلومة للإسلام، فكلها أجزاء منه أو مراحل من مراحله أو من ثمار العمل به، فهذا الإسلام هو الدين الرسمي الاصطلاحي، والقرءان الكريم هو المرجع الأوحد لهذا الدين في كل الأمور الكبرى والمرجع الرئيس فيما هو دون ذلك من الأمور، فعناصر هذا الدين مبرهن عليها كلها بآيات القرءان الكريم، ذلك لأنه أصلا مستخلص منه وفق منهج قرءاني منطقي صارم.
أما المذاهب التي حلَّت محلّ الإسلام فقد اتخذت القرءان مهجورا وقدمت عليه ما شاء لها هواها أن تقدم من مصادر وحكَّمتها فيه وقضت بها عليه رغم كل دعاواهم وعبارات المدح المنمقة التي يكيلونها له، وقد أثبت التاريخ والواقع المرير والحالة المزرية للأمة وعمق الهوة التي تردت فيها وما زالت تتخبط فيها مدى زيف وضحالة وتهافت وفشل المذاهب التي حلت محلّ الإسلام، ولم تنجح هذه المذاهب إلا في تحقيق أشد أحلام الشيطان جموحا، ولكن ذلك لا يعني إحداث مذاهب جديدة تجرد الدين من معانيه وأسسه وجوهره ولبِّه وغيبياته وتجعله مجرد مذهب اجتماعي للتعايش مع الآخرين.
وإذا كان الناس قد اتخذوا القرءان مهجورا متذرعين بدعاوى ومزاعم قديمة فلا يجوز الآن اتباع منهجهم تذرعا بمزاعم جديدة، وليس من الأمانة أن يظل أحدهم يصرخ مطالبا ليل نهار بالعودة إلى القرءان وهو يبني كل كلامه على الكفر بأكثره.
*******
إن الدين عند الله واحد؛ هو الإسلام به أُرسل كل الرسل، ولقد بدأ بصورة بسيطة ثم أخذ ينمو ويكتمل مع الزمن مواكبا لتطور الإنسان وتقدمه ودافعا إليه، وكان يتخللُ ذلك نزولُ شرعةٍ ومنهاجٍ من حينٍ لآخر لإصلاح الأحوال الخاصة بالأقوام والأمم، وهذه الشرائع والمناهج من الممكن أن تتعدد، ذلك لأنها كانت تعالج ما غلب على كل قوم من الأقوام من ألوان الفساد والآثام، وهذا ما يظهر مثلا في رسالات الأنبياء هود وصالح ولوط وشعيب عليهم السلام لأقوامهم، قال تعالى:
{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (127) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آَيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131)} الشعراء
{كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (145) أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آَمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (152) قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153) مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآَيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (154)} الشعراء
{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (164) أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166) قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167) قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ (168) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169) فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170)} الشعراء
{كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (180) أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184) قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185) وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (186)} الشعراء
ولكن كان التطور يمضي باتجاه الوفاء بكل ما يلزم الإنسانية الشاملة والعالمية، إلى أن آن أوان اكتمال الدينِ وتمامه، وقد حدث ذلك بالرسالة المحمدية، فبلغ الدين أوجَ كماله وعالميته، فجاء بعلوم جديدة وبشرائع جديدة، ونسخ ما نسخ من الشرائع الخاصة وأبقى ما أبقى، وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.
*******
قال تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)} [القلم:35]
هذا تساؤل استنكاري، فلا يمكن أن يستوي المسلمون والمجرمون، هذه بديهية، ولقد حاول بعض المجتهدين الجدد ليّ عنق الآية واستنطاقها بما يؤمنون به مسبقا، وهو أن اليهود والنصارى مسلمون!؟؟؟!! وكان من الأولى بهم أن يعرفوا من هم المسلمون في القرءان، ومن هم المجرمون.
أما المسلمون فأكثر آيات القرءان تبيِّن حقيقتهم وما يجب أن يؤمنوا به وأن يعملوا به، وليس من بينهم بالطبع من كفر بالقرءان أو ببعض القرءان أو بالرسول الذي أُنزل عليه القرءان، فلا يمكن بذلك أن يكون اليهود والنصارى مسلمين.
فالْمُسْلِمونَ ليسوا كَالْمُجْرِمِينَ، هذا بالطبع أمر واضح وبديهي، ذلك لأن اختلاف المبني يعني اختلاف المعنى، وهو فوق ذلك النتيجة المنطقية لكل الآيات القرءانية التي تبين صفات وأفعال كل من الطائفتين، فلا يمكن أن يستوي المسلمون والمجرمون، ولكن هذه المعادلة لا تجعل بالضرورة كل من ليس مسلما مجرما، ولا تجعل كل من ليس مجرما مسلما، وبالطبع لا تجعل كل من ليس مجرما مسلما أو يهوديا أو نصرانيا، ومن المعادلات المنطقية والرياضية الثابتة:
لو كانت المجموعة {س} لا تساوي المجموعة {ص} فهذا لا يعني بالضرورة أن {س} = - {ص}، ولا يوجد في المقدمة ما يشير إلى أن المجموعة {س} تتضمن كل العناصر المضادة للمجموعة {ص} ولا ما يثبت العكس، ومن أراد القول بذلك فعليه أن يأتي ببراهين أخرى مستقلة.
كما أن ذلك لا يعني أيضاً أن {س} تتضمن بالضرورة المجموعتين {د} و {م} فهذه أمور أخرى يجب إثباتها ببراهين أخرى مستقلة، وبالطبع فإن ثبوت أن هاتين المجموعتين تتضمنان عنصر من المجموعة {ص} يكفي تماما لدحض أن تكونا من المجموعة {س} المضادة للمجموعة {ص}.
ومن تتبعِ واستقصاءِ واستقراء آيات القرءان التي تبين أفعال وصفات كل من المسلمين والمجرمين يتبين أن اليهود والنصارى لا يحققون الشرط الضروري الأدنى لكي يكونوا مسلمين، أما الذين بلغتهم منهم رسالة القرءان البلاغ المبين ثم أصروا مع ذلك على الكفر بها فتنطبق عليهم بعض صفات المجرمين، وأشدهم إجراما من عمل على إحباط رسالة النبي الخاتم وتقويضها.
ولمزيد من توضيح المعادلات السابقة:
قال تعالى: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14)} الجن.
فهذه الآية تجعل القاسطين مقابلين للمسلمين، وهاهنا ينطبق الكلام السابق أيضا، فالقاسطون هم الجائرون الظالمون، وبذلك فالمصطلح "مسلم" لا يتضمن فقط ما هو مضاد للمصطلح "قاسط"، بل هو أكبر من ذلك بكثير، أما المصطلح "قاسط" فلا يمكن أن يتضمن أبدا كل المعاني المضادة للمصطلح "مسلم"، هو أصغر من ذلك بكثير.
قال تعالى: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86)} مريم
فهذه الآية تجعل المجرمين في مقابل المتقين، وبالطبع لا يمكن أن تكون صفات وأفعال أيٍّ من الطائفتين هي العكس التام من الناحيتين المنطقية والدينية لصفات وأفعال الطائفة الأخرى.
وقال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا (75)} طه
وهذه الآية تجعل المجرم في مقابل المؤمن، وبالطبع لا يمكن أن تكون صفات وأفعال أيٍّ من الطائفتين هي العكس المنطقي والديني التام لصفات وأفعال الطائفة الأخرى.
فالمقابلة بين طائفتين في آيات القرءان لا تعني بالضرورة أن إحداهما تتصف بكل الصفات المضادة للطائفة الأخرى، ولكنها قد تهدف مثلا إلى التهويل من شأن صفة معينة لدى الطائفة السيئة وبيان مدى بشاعتها، كما قد تهدف إلى إظهار وبيان شأن إلهي، وكذلك إلى تقريع المخاطبين ودحض أقوالهم، ومن ذلك قوله تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)} [القلم:35].
فالمقصد بيان أن الله تعالى هو الحق، وأنه يحكم بالعدل، ولذلك هو لا يسوي بين المسلمين وبين المجرمين، وخواص كلتا الطائفتين مبينة في آيات قرءانية عديدة، يمكن للمسلم المتدبر أن يعرفها، والخطاب يبين مدى بشاعة صفة الإجرام ومدى سموّ صفة الإسلام ويتضمن تقريعا وتهديدا للمخاطبين، وهم كفار قريش، وكل من تبنَّى نفس قولهم هذا إلى يوم الدين.
ولا يجوز الخلط بين المعاني اللغوية وبين الدلالات الاصطلاحية، كما لا يجوز أبدا استغلال جهل الناس بالدلالات الاصطلاحية للكلمات، فالمقصود بالمسلم بالمعنى الاصطلاحي هو من يؤمن بما أُمِر بالإيمان به في القرءان وأن يقيم الصلاة وأن يؤتي الزكاة طبقا للمفهوم الإسلامي المعلوم، فهذا هو الحد الأدنى اللازم، ومن أركان الإيمان اللازم الإيمان بالله وكتابه القرءان ورسوله خاتم النبيين صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ وباليوم الآخر، فمن لم يوفِّ بشيء من ذلك ليس بمسلم، أما الزعم أو بالأحرى الهراء الذي أحدثه الضالون الجدد فهو أن يقولوا: المسلم هو عكس المجرم، واليهود والنصارى ليسوا مجرمين، إذاً هم مسلمون!!!! وهو بذلك يحاول أن يستقطع آية من القرءان ليضرب بها كل الآيات الأخرى والمنهج القرءاني والمنطق القرءاني.
فلا يحق أبدًا لبعض المضلين الجدد أن يفرض على الإسلام والناس رأيه الفاسد المقرر سلفا، وهو أن اليهود والنصارى مسلمون.
-------
إن أعلى درجة من درجات الإسلام هي درجة أول المسلمين، والمتحقق المطلق بها هو النبي الخاتم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، ولكنها متاحة لكل من وجه وجهه لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وجعل صلاته ونسكه ومحياه ومماته لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِين.


*******