الأحد، 31 يناير 2016

السمع القلبي

السمع القلبي

إن السمع الذي هو من وظائف وملكات القلب الإنساني الحقيقي هو إدراك وفقه الكيان الأمري الذي تشير إليه الآية الكتابية أو الآية الكونية والمقترن بالاستجابة السليمة، والكيان الأمري هو المعنى الأصلي للآية وكل مظاهره وتجلياته، ويجب مع ذلك العلم بأنه لا يدرك أن الكلام أو الظاهرة الطبيعية آية إلا من يسمع بالمعنى المذكور، فالسمع هنا هو الفقه الباطني الذي أداته ومحله القلب الإنساني والذي يقتضي الاستجابة السليمة، ومن الآيات التي وردت فيه:
{وَاللّهُ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ}النحل65، {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ}الأنعام36، {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ}البقرة171، {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ }الأعراف100، {وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ }الأنفال23، {وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ}يونس42، {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ}يونس67، {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً }الفرقان44، {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ}النمل80، {وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ}النمل81، {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ }القصص71، {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ }الروم23، {فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ }الروم52، {وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ }الروم53، {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ }السجدة26، {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ }فاطر22، {بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ }فصلت4، {أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}الزخرف40، {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}الجاثية23، {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} الملك10.
فالسمع القلبي هو للكيان النفسي الجوهري كالسمع المعلوم بالنسبة للجسم المادي.
ومن انطمس لديه السمع القلبي لكفره وعمله المستمر الدؤوب بمقتضيات كفره هو بمثابة الموتى، بل هو شرٌّ مكانا، فقد دفن كيانه الجوهري في قبر مظلم بسوء صفاته وأعماله ورفضه المستمر العنيد لأنوار الهداية، وقد خُتم على قلبه بطابع الكفر، فلا جدوى من مخاطبته، {فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} الروم52، {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ} فاطر22
إن السمع القلبي هو إدراك الكيانات الأمرية مثل المعاني والوجدانيات وفقه المعاني والفهم، فذلك السمع من الملكات القلبية التي يجب على الإنسان إعمالها، إن إعمال ملكة السمع القلبي هو مناط النجاة، فمن يعمل هذه الملكة سينتفع بما توصل إليه غيره بمجرد إلقاء السمع، ولذلك قُدِم على العقل الذي يستلزم بذل جهد ذاتي، وأعلى منهما المتصف بأن له قلبا، والمقصود بالطبع من ارتقى قلبه وتزكى بحيث يمكنه تذوق الحقائق ومعاينتها بكليته، فمن كان له قلب هو الذي سينتفع بالتذكرة.


*******

الجمعة، 29 يناير 2016

التحريم

التحريم

التحريم هو جعل موضوع التحريم منطقة ممنوعٌ على الناس منعًا باتًّا انتهاكُها، فالمنطقة المحرمة هي الشيء المقدس ماديا أو معنويا، وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ يُذِقْهُ ربه مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، قال تعالى:
{قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ{151}} الأنعام
فالأمور المحرمة عليهم هي الأوامر المقدسة والممنوع انتهاكها:
1.                 لا تُشْرِكُواْ بِاللهِ شَيْئا.
2.                 بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانا
3.                 لاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ.
4.                 لاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.
5.                 لَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ
6.                 لَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ
7.                 أَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ
8.                 إِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى
9.                 بِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا
10.            اتباع الصراط المستقيم وليس اتباع السبل الأخرى.
وقال تعالى:
{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُون} [الأعراف:33]
فالأمور المحرمة هنا هي الأمور الممنوع ملابستها أو اقترافها هي وما يكون مصداقا لها:
1-  الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ
2-  الإِثْمَ
3-  الْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ
4-  أَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا
5-  أَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُون
فالنص على أن الشيء محرم يعني بالضرورة أن يكون منهيا عنه هو وكل ما يمكن أن يكون مصداقا له أي عنصرا من عناصر مجاله، فالنص مثلا على أن في الخمر والميسر إثما كبيرا يعني بالضرورة أنهما محرمان.
ومن المحرمات الكيانات كالنفس مثلا، فهي في ذاتها كيان مقدس أي محرم بالنسبة لمن حُرِّمت عليه، ولا يجوز لأحد شيء منها إلا بشرع الله تعالى، ومن المحرمات بعض البلدان مثل مكة، وتحريمها يقتضي أنه: وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} الحج25
والأصل في حقوق الإنسان الحرمة على الناس، فماله ودمه وعرضه حرام على غيره من الناس، وهذا المبدأ تصدقه الأوامر والتشريعات القرءانية، فلا يجوز أن يأخذ أحدٌ من ماله إلا بالحق، ومن يأخذ من ماله بغير حق يكون سارقا أو مفسدا، ولا قيمة هاهنا لتفريعات وأقوال وتبريرات (الفقهاء)، وما ينطبق على الإنسان ينطبق على أي كيان إنساني كبير، ومن يأخذ من أموال جماعة بغير حق هو شرٌّ مكانا ممن يأخذ مال فردٍ واحد، فنهب المتسلط للمال العام لا يمكن أن يكون حلالا بحجة أن له شبهة ملكٍ فيه، والسارق علنا شرٌّ مكانا من السارق خلسة أو في الخفاء.
ولذلك أيضا كان الأصل في الفروج الحرمة، فلا تُستحل إلا بنص وبموجب ميثاق غليظ مبني على أصل شرعي راسخ، كذلك من الأمور المحرمة تحريما باتا سفك الدماء، فمَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا، فقتل الإنسان هو جريمة ضد السنن الإلهية الكونية والسنن الشرعية، ومن قتل كافرا فقد حرمه من فرصته ليؤمن، ومن قتل مؤمنا فقد حرمه من فرصته ليكتسب المزيد من الكمال، فالقتل جريمة بشعة توجب الخلود في النار.
والإفساد في الأرض المنهي عنه نهيا باتا يتضمن انتهاك كل ما هو محرَّم على الناس، فالإفساد في الأرض يتضمن بالضرورة انتهاك حقوق الناس وسفك دمائهم ونهب أموالهم والاعتداء على أعراضهم، ولكن لما كان سفك الدماء أبشع الأمور فإنه لا يُكتفى بالنهي عنه ضمنا بالنهي عن الإفساد في الأرض بل إنه ينصّ عليه معه صراحة، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُون} [البقرة:30]
وليس لأحد سلطة التحريم إلا الله تعالى، والتحريم المنسوب إلى غيره هو بالأصالة له، وإنما لمن هو من دونه سلطة التبيين في الإطار الشرعي المعلوم، قال تعالى:
{قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُون} [التوبة:29].
وقال:
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيم} [التحريم:1]
ولا اختلاف في القرءان ولا تعارض، فالمقصود بالتعبير "اللّهُ وَرَسُولُهُ" هو الرسالة ذاتها؛ أي القرءان، وكان الرسول بالنسبة لقومه هو القرءان الحي، وهو الذِكْر، من حيث أنه كان يحيا فيهم، يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ، ومن هنا كان نائبا عن الله تعالى في الفعل بحيث يمكن أن يُنسب إليه فعله، وهذا الأمر شائعٌ في القرءان، وفي اللسان العربي، قال تعالى:
{أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُون} [البقرة:75] {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُون} [التوبة:6]
فهؤلاء لم يسمعوا الله تعالى وهو يتكلم، وإنما سمعوا كلامه الذي يتلوه واحد من البشر، أما الرسول فلا يحرم من تلقاء نفسه، ولو كان التحريم لا يمس إلا نفسه، فهو لا يحرم شيئا على الناس إلا بأمر ربه، والأمر هو كما قال الله تعالى:
{....إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (16)} يونس، {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9)} الأحقاف.
*****
إن القول بأنه "لا تحريم إلا بنص" صحيح، ولكن يجب أن يُفقه فقها قرءانيا، وليس طبقا للطريقة السلفية الدارجة، فقد يكون الشيء المحرَّم مثلا معبرا عنه بمصطلح شرعي أو لفظ شرعي ذي مجال قابل للاتساع بمضي الزمن وتطور العصر مثل الظلم والفواحش والخمر مثلا، ولا يجوز القول بأنه لا اجتهاد مع النص، بل إن الاجتهاد يجب أن يكون بالاستناد إلى نص قرءاني، هذا النص يجب اعتباره بمثابة بينة أو بديهية أو مسلمةEvidence, axiom or postulate  بالنسبة إلى أي نظرية دينية. 
 

*******

الخميس، 14 يناير 2016

أهل الحق

أهل الحق

أهل الحق هم أصفى الناس نفسا وأنقاهم سريرة وأنبلهم خلقا وأشدهم حياءً ورحمة وأكثرهم طيبة وتواضعا، لا يتعصبون لما ألفوا عليه آباءهم، لا يقيدون أنفسهم بمحدثات المذاهب ولا يحفلون بها، يطلبون الحق أينما كان، يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ، قد عقدوا العزم على أن يعملوا بكل ما يصل إليه علمهم من الأوامر القرءانية؛ فهم يعظِّمون شأن ما عظَّم القرءان شأنه، يقيمون الشهادة لله، ولا يخشون في الحق لومة لائم، يؤدون الأمانة إلى أهلها، يحكمون بالعدل، ويقومون بالقسط، ويتصفون بمكارم الأخلاق، وهم -وإن لم يعلموا- يعملون بأركان دين الحق ويحققون مقاصده دون أن يكون لهم علم مسبق بهذه الأركان، فبدون أن يعلموا أن أركان الدين الجوهرية تقتضي ذكر الله تعالى وإقامة صلة وثيقة به هم يذكرون الله ذكرا كثيرا ويعملون على تقوية صلاتهم به، وبدون أن يعلموا أن التزكي هو لب أركان الدين هم يجاهدون للتطهر من الأخلاق الذميمة والتحلي بمكارم الأخلاق، والخلاصة أنهم يتبعون دين الحق وإن لم يعلموا شيئا عن هيكله ومنظوماته، أما من علموا منهم فهم أولو الألباب؛ المقصودون من كل خطاب، فهم الذين إذا رآهم الصالحون المخلصون لا يملكون إلا أن يشيروا إليهم قائلين: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ.
أما لماذا هم ليسوا بأهل مذهب؛ فلأنهم لم يذهبوا إلا إلى ربهم، يقول قائلهم، وهم الصادقون: إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ، لم يفروا إلا إليه، ولم يلوذوا إلا به، ولأنهم لم يحدثوا شيئا في الدين ليُردّ عليهم، فكل ما به يقولون مستخلص من القرءان الكريم وفقا لأسس منطقية صارمة، يمكنهم أن ينقلوها للآخرين فيستخلصونها بأنفسهم، فمن عرف نظرية الأسماء الحسنى يمكنه أن يحصيها في القرءان بنفسه، ومن عرف نظرية الأركان أو بالأحرى الأوامر الدينية العظمى يمكنه أن يستخلصها من القرءان بنفسه.
أما المذاهب التي حلت محل الإسلام فكل مذهب منهم قائم على اصطلاحات ومقولات محدثة في الدين؛ يمكن دحضها بكل سهولة، وللأسف لا يكاد يخلو مذهبٌ منها من شرك أو كفر أو إلحاد في أسماء الله أو إلحاد في آيات الله سبحانه وتعالى أو تكذيب ببعضها أو سوء تأويل لها.

*******


أهل النار

أهل النار

أهل النار الذين هم أهلها هم المؤهلون بحكم نتائج أعمالهم الاختيارية للعيش فيها، فهم لا يستطيعون العيش في غيرها أبدا، ولا يبغون عنها حولا؛ فهم يستمتعون بالعذاب والألم مثلما يستعذبه المازوشيون من البشر، كما يجب العلم بأن الفترة المتاحة للإنسان في الدنيا هي أشبه بفترة التأهيل لوظيفةٍ ما تتحدد بالصورة النهائية للنفس الإنسانية، فلكل عمل إنساني اختياري في هذه الدنيا تأثيره الشديد على هذه الصورة، ذلك في حين أن العذاب والألم والندم هو الوسائل البديلة في الآخرة عن العمل الإنساني الاختياري الذي انقضى عالمه، وهي تستلزم أحقابا زمنية لتحقق نفس التأثير الذي كان يحققه العمل الاختياري اليسير في الدنيا.
أما المجرمون الظالمون كارهو الحق والحقائق فلهم العذاب الأليم الذي يجعلهم يتمنون الموت ولا يدركونه:
{إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74) لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76) وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78)} الزخرف
ومن المعلوم أن لسمات الرحمة والرأفة واللطف والفضل السبق والتقدم على سمات الغضب والعقاب والانتقام، ولذلك لابد من انقضاء كل عقاب أو انتقام مترتب على فعل بشري، فمهما كانت فداحة الجرم أو الإثم الصادر عن الإنسان فهو محدود من كافة الحيثيات ومقيد، فلا يمكن أن يكون عقابه غير محدود أو مطلق، والخلود هو الخلود مادامت السماوات والأرض؛ أي سماوات وأرض العالم الذي يكون فيه الإنسان، فالسماوات والأرض هما الإطار اللازم لحياة الإنسان في عالمه، ووجودهم مرتبط بوجوده في طور معين.
لذلك فمن سيدخل النار هم أنواع عديدة، فمنهم من سيخرج بعد انقضاء مدة العقوبة، وهو بالضرورة يود الخروج أو يحاول الخروج منها قبل انقضاء مدته ولكن بالطبع دون جدوى، ومنهم من هو مستمتع ببقائه فيها، فهم أهلها، ولكن كلهم مصيره مرتبط بمصير النار أو جهنم ككون من الأكوان.
أما الفضل الإلهي فهو لا يتناهى أبدا، لذلك كان العطاء الإلهي المقابل لكل عمل خيِّر إنساني عطاءًا غير مجذوذ.
وفي قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} هود107، فإن الاستثناء لا يعني فقط التحفظ وإنما يعني النص على أن كل شيء يجري وفق قوانين الله تعالى وسننه.

أما أصحاب السعير فهم أولئك الذين لم ينتفعوا بملكاتهم القلبية الذهنية والوجدانية كما لم ينتفعوا بحواسهم، وبالتالي فإن قلوبهم لا تفقه وأعينهم لا تبصر وآذانهم لا تسمع وإن أبصروا الهيئات وإن سمعوا الأصوات، ذلك لأنه ليس لديهم نور الإيمان بربهم الذي له الأسماء الحسنى؛ فهم يريدون أن يستخدموا حواسهم بمعزل عن ذلك النور، ومسلكهم هذا يؤدي إلي إحباط كل آمالهم في الارتقاء ويجعلهم لا يحصدون في النهاية إلا هباءً منثورا ويهوي بهم إلي الدرك الأسفل من جهنم، فهم الذين كذبوا بآيات الله تعالى وأنكروا الوحي الإلهي ورفضوا أن يعملوا بمقتضى أنهم في اختبار حقيقي في حياتهم الدنيا، والذين رفضوا أن ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وأن يتفكروا في هذا الخلق، إنهم يعيشون أصلاً في جحيم هذه الدنيا على المستوى الجوهري وإن خُدعوا بظواهر الأمور.


*******

الأحد، 10 يناير 2016

الوحي

الوحي

الوحي هو صورة من صور الكلام أو التكليم لإلقاء المعلومات من كائن إلى آخر بطريقة غير ظاهرة تخفي عادة على الكثيرين وربما تخفي على المتلقي نفسه فلا يدري من ألقي إليه المعلومات ولا كيف جاءته، فالموحِي هو الملقي والموحَي إليه هو المتلقي، ويتضمن الوحي إمكانية برمجة المتلقي أو أعضاء التحكم فيه أو كيانه اللطيف لكي يتصرف بطريقة نمطية ثابتة.
والوحي هو من الأفعال الإلهية، وهو من مقتضيات أسماء عديدة مثل العزيز الحكيم والحكيم العليم، والاسم العلي الحكيم يشير إلى الصفة اللازمة لإتمام الوحي وتحقيقه إذ أن الموحِي هو العلي ولا بد من مراعاة حال الموحَى إليه، ولا يمكن أن يتحمل مخلوق وطأة الكلام الإلهي بدون وجود ما يخفف عنه.
قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} الشورى51
فالوحي هو فعل من تفاصيل فعل التكليم، ويكون بأن يستعمل الله سبحانه ما لدى الإنسان من ألفاظ ومفردات وتصورات ليوصل إليه ما يريد من المعاني والتعليمات والأوامر والمعلومات بحيث يعلم الموحي إليه بالضرورة أن ما وصل إليه هو من ربه، وكما يمكن له سبحانه أن يمثِّل في نفس الموحى إليه كلاما فإنه قادر على أن يحدث من التأثيرات النفسية والكونية ما يمكن أن يجعل هذا الكلام مسموعاً في بعض الأحيان.
ولفظ "الوحي" يُطلق أيضا على الأمر الموحَي به كالقرءان مثلا.
ومن الوحي الخفي برمجة الكائن أو فَطْره بحيث يفعل ما يريده الله تعالى له أو منه فيستعمله كآلة أو أداة لتحقيق ما يريد.
والإلهام هو أيضا صورة من صور الوحي أو التكليم يقوم فيها كائن غيبي غير منظور عادة بإلقاء ما يشاء في روع إنسان ما أي في إدراكه، وبالطبع فإن مدي حقانية الأمر المُلقى يعتمد على طبيعة كل من المُلقي والمتلقي، أما إذا أيقن الإنسان أن الإلهام آت من لدن ربه فعليه أن يلتزم به في نفسه، فإذا رأي نفسه ملزما بإبلاغه إلى غيره فعليه أن يقدم الحجج على صحته من الآيات الكتابية ومن مصادر المعرفة التي يعتد بها.
وليس من حق أحد أن يلزم الناس بما وصل إليه من أخبار أو أحكام عن طريق الكشف أو الإلهام وإن ثبت ذلك لديه بيقين، وإنما له أن يبحث عن الأدلة الشرعية في الأحكام أو أن يجتهد – إذا كان يحكم في قضية ما مثلا – ليستخرج ما أخفاه الشهود أو تواطئوا على كتمانه، فإن عجز فلا مناص من أن يحكم بما دلت عليه ظواهر الأمور.
*****
إن الوحي هو أن يتلقى الإنسان في قلبه من عالم الغيب معاني وعلوما وأقوالاً بطريقة خفية مبهمة، وليس بالطرق المألوفة، أما مادة الوحي فتكون عادة مجملة مبهمة محكمة فيحاول الإنسان بقدر وسعه تحويلها إلى صورة قابلة للإدراك يستطيع أن ينقلها للآخرين، أو قد يحولها هو بسلوكه إلى عمل مشهود ملموس، أما كائنات عالم الغيب فربها ومالكها والموحي إليها هو الله تعالى نفسه، وهذا العالم يتضمن الملائكة والجنود والشهداء، أما العالم البرزخي فيتضمن صورا لكل شيء، كما يتضمن الجن والشياطين وغيرهم، وكل كائن من الكائنات الغيبية يصدر عنه من الكلمات ما يتوافق معه ويعبر عن سماته، وكائنات عالم الشهادة تتلقى هذه الكلمات بقدر وسعها وطاقتها، وهي لا تستقبل إلا ما يتوافق مع طبيعتها الجوهرية.
والوحي الاصطلاحي هو الفعل الإلهي الذي يترتب عليه أن يتلقى الرسول النبي أو النبي كلاما إلهيا يُسمَّى أيضاً بالوحي، ففي اللسان العربي يُطلق اسم المعنى أو المصدر على الفعل وعلى مجاله أو ما نتج عنه أو مفعوله، وقد يتضمن هذا الوحي أوامر وتعليمات يكون عليه أن يبلغها لقومه أو أمته. 
والقرءان هو من الوحي الذي تلقاه الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، ولقد تلقاه مفصَّلاً عربيا مبينا؛ بمعنى أنه كان يتلقاه في قلبه بنفس كلماته وألفاظه وحروفه فيكون دوره هو بيانه للناس بتلاوته عليهم ولا يكون من حقه تغيير أي شيء فيه، فهو لم يتلقه مجملاً ثم اجتهد ليتخير أفضل الألفاظ للتعبير عنه، والذي أوحى إليه القرءان هو الله تعالى نفسه، وهو سبحانه يكلم عباده وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ، وذلك من مقتضيات أنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ، لذلك فلقد أوحى إلى رسوله القرءان من حيث أسماؤه ومن حيث ملائكته الموكلون بذلك، ولقد أوحي القرءان إلى الرسول بلفظه ونظمه ورسمه، ولقد ألزم كتبة الوحي بكتابته تماما كما أوحي إليه، وكان هذا من لوازم وكذلك مظاهر نجاحه في الوفاء بما نيط به من مهام.
ومن الآيات التي ورد فيها الفعل الإلهي "الوحي":
{إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا}[النساء:163]، {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُون}[المائدة:111]، {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُون}[الأنعام:19]، {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِين}[الأنعام:106]، {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيم} [الأنعام:145]، {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُون} [الأعراف:117]، {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ مُّبِين}[يونس:2]، {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِين}[يونس:87]، {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُون}[هود:36]، {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِين}[يوسف:3]، {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَـنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَاب}[الرعد:30]، {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُون}[النحل:68]، {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين}[النحل:123]، {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا}[الإسراء:39]، {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلا}[الإسراء:73]، {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا}[الكهف:27]، {إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى}[طه:48]، {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لاَّ تَخَافُ دَرَكًا وَلاَ تَخْشَى}[طه:77]، {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاَةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِين}[الأنبياء:73]، {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُون}[المؤمنون:27]، {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيم}[الشعراء:63]، {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون}[العنكبوت:45]، {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِير}[فاطر:31]، {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين}[الزمر:65]، {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيم}[فصلت:12]، {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لاَ رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِير}[الشورى:7]، {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيب}[الشورى:13]، {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم}[الشورى:52]، {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم}[الزخرف:43] {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى}[النجم:10]، {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا}[الجن:1]،{بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا}[الزلزلة:5]
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُون} [الأنعام:112]، {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُون} [الأنعام:121]

وآيات القرءان تتحدث عن الأنواع الآتية من الوحي:
1.     ما يتلقاه الأنبياء والرسل من الأوامر والعلوم الإلهية والأنباء الغيبية.
2.     ما يتلقاه بعض العباد الصالحين من إلهامات يعلمون يقينا أنها من الله تعالى.
3.     ما هو مودع في فطرة المخلوقات غير المخيرة من برامج تجعلهم يتصرفون وفق أنماط ثابتة.
4.     الوحي الشيطاني، وهو الوسوسة وإلقاء الضلالات في أفئدة الناس، وهي تثمر في قلوب الذين أعرضوا عن الحق وطلبوا الباطل.
والوحي الشيطاني أو إلقاءات الشيطان هي الآفة أو (الفيروس) الذي أدى إلى ظهور الأديان والمذاهب التي حلت محل الرسالات الحقيقية، ولم يفلت من ذلك إلا القرءان الكريم، فهو الذِّكْر الذي تعهد الله تعالى بحفظه باعتباره الرسالة الخاتمة ورحمة للعالمين.
=======
إن الوحي هو صورة ومظهر من مظاهر الكلام الإلهي، ومفردة "الوحي" في القرءان هي فعل إلهي من صور تكليمه للبشر، كما تطلق نفس المفردة على نتاج ومضمون هذا الوحي وهو القرءان ذاته.
------
إن الوحي هو صورة من صور التكليم يقوم فيها كائن غيبي غير منظور عادة بإلقاء ما يشاء في روع كائنٍ آخر كالإنسان مثلا أي في إدراكه، وبالطبع فإن مدي حقانية الأمر المُلقَي يعتمد على طبيعة كل من الملقي والمتلقي، أما إذا أيقن الإنسان أن الإلهام آت من لدن ربه فعليه أن يلتزم به في نفسه، فإذا لم يكن نبيا ورأي نفسه ملزما بإبلاغه إلى غيره فعليه أن يقدم الحجج على صحته من الآيات الكتابية ومن مصادر المعرفة التي يعتد بها.
وليس من حق أحد أن يلزم الناس بما وصل إليه من أخبار أو أحكام عن طريق الكشف أو الإلهام وإن ثبت ذلك لديه بيقين، وإنما له أن يبحث عن الأدلة الشرعية في الأحكام أو أن يجتهد – إذا كان يحكم في قضية ما مثلا – ليستخرج ما أخفاه الشهود أو تواطئوا على كتمانه، فإن عجز فلا مناص من أن يحكم بما دلَّت عليه ظواهر الأمور.
وإذا تبيَّن له عن طريق الإلهام مثلاً أن أحد الناس هو منافق في حين يعلن هو تمسكه بالإسلام وانتمائه إلى الأمة المسلمة فليس له أن يرميه بالكفر ولا أن يطالب بطرده من الأمة.
-------
إن كلمة الوحي هي مصدر، وكما هو مألوف في اللسان العربي فالمصدر يُطلق على الفعل أو السمة كما يُطلق على المفعول ومجال الفعل أو ما نتج عن الفعل أو على مقتضيات السمة؛ أي يُطلق اسم المعنى على مجال السمة أو مفعولات الفاعل، لذلك فالوحي المنسوب إلى الله تعالى هو فعل إلهي ينتج عنه تعيُّن معلومات وعبارات في قلب المتلقي أي في كيانه الجوهري، وكل صور الإلهام والتعليم والبرمجة الفطرية هي من الوحي، والوحي الإلهي هو صورة من صور التكليم الإلهي والكلام الإلهي.
-------
إن كلمة "وحي" كرمز تشير إلى صلة تؤدي إلى اكتساب أمور وصفات وإلى تأثير محسوس يترتب عليه إحياء أو استثارة جانب معنوي في كيان المتلقي أو تزويده بأمر معنوي أو كيان أمري.
-------
إن صور الوحي عديدة، ومن بينها ما يسميه الناس بالإلهام، ولكن الناس غير ملزمين إلا بالوحي الرسمي الاصطلاحي في صورته المنزَّلة، أي هم ملزمون بالإيمان بالكتاب المنزَّل على رسول قدَّم للناس ما يلزم من الحجج والبينات والبراهين، ولقد خُتِم هذا الباب بختم النبوة، وليس لأحد من بعد ذلك أن يطالب الناس باتِّباعه بزعم أنه يتلقى وحياً ما.
-------
قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} الشورى51
إن كون الله سبحانه يتكلم يعنى أنه بفعلٍ منه يوصِّل ما يشاء من أوامر ومعلومات وتعليمات ومعان إلى الكائنات التي خلقها، فنسبة الكلام أو التكليم إليه هي فعل ورد في جمل فعلية، وبالتالي فالاسم المتكلم ليس من الأسماء الحسنى، ولم يرد أبداً في القرءان، فكونه سبحانه يتكلم يعنى كونه يمارس من حيث منظومة أسمائه إحدى إمكاناته وقدراته كذات فاعلة.
أما لفظ "الكلام" المنسوب إلى الله تعالى فقد ورد في الآيات الآتية:
{أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُون}[البقرة:75]، {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُون}[التوبة:6]، {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلاَمَ اللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لاَ يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً}[الفتح:15]
فهذا اللفظ يعبر عمَّا هو في الكتب السماوية مثل القرءان والتوراة، أما تحريفهم فهو منصبّ على المعاني والمباني.
والله سبحانه إذ يكلِّم كائنا ما فإن كلامه يكون كما يليق بذاته كما أنه بمقتضى حكمته يراعى حال المتلقي، فكونه سبحانه يتكلم يعنى أنه يؤلف معاني ويدبر تدابير ويقتضى قوانين ويصدر أحكاما، وهو القادر على أن يكلم الملك مثلا بمعنى أن يصب في باطنه المعلومات كما يليق بذات الملك، ويكون هذا الملك قادرا بحكم تكوينه على أن ينقلها إلى باطن المتلقي البشري بعد تفصيلها التفصيل اللازم، وهو سبحانه القادر على أن يؤثر في جسيمات الهواء لتمثل أصواتا بلغة بشرية تشير إلى ما يريد إيصاله من المعاني إلى المكلم يتلقاها بجهازه السمعي، والحق سبحانه يستخدم لذلك ما خلقه كآلات لإنفاذ مراده، بيد أنه لا يستطيع كائنٌ ما تلقى المعاني كما هي قائمة بذات الله تعالى ولا قبل لأحد بذلك إذ لا سبيل إلى إدراك كنه ذاته.
فهو سبحانه يكلم عباده بمعني أنه يوصل إليهم ما يريد من المعاني وذلك باستخدام من يشاء من مخلوقاته من حيث هم آلاته وأدواته، وهو سبحانه لا يكلم عباده إلا من وراء الحجب التي تكون هي هذه الآلات والأدوات، فضلا عن علوه وتعاليه المطلق على نطاق الملكات والإمكانات البشرية وغيرها.
وهو سبحانه أيضا يكلِّم مخلوقاته بأن يفطرها (يبرمجها) على ما فيه بقاؤها والحفاظ على نوعها، وبالطبع فهذا منسوب إليه من حيث أن من يقوم بذلك من الجنود والملائكة إنما يعملون بمقتضيات مشيئته وإرادته، فهو ينسب إلى نفسه ما يترتب على سريان قوانينه وسننه.
والله سبحانه يتكلم كما ذكر ذلك في القرءان، والذي ينتج عن ممارسته فعل الكلام هو كيان أمري يُسمَّى أيضاً بالكلام، ومفردته الكلمة، وجمعها الكلمات، فكل مخلوق من حيث حقيقته هو كلمة من كلمات الله، فالله سبحانه بالكلام أيضا يقتضي حقائق وماهيات الكائنات والكيانات، ولذلك لا تتناهى كلماته عددا.
ومن الكيانات الأمرية الناتجة عن الكلام القوانين والسنن بكافة أنواعها، وهذه لا يملك مخلوق لها تبديلا، وإنما يمكنه فقط أن يتوافق معها لينتفع بآثارها.


*******

حفـظ القرءان

حفـظ القرءان

قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون} [الحجر:9]
إن الله تعالى كما ذكر في هذه الآية قد تكفل بحفظ الذكر أي بحفظ القرءان حفظا تاما، ولقد ذكر ذلك في هذه الآية المحكمة التي يتحدث عن نفسه فيها بصيغة الجمع مما يعنى أن هذا الحفظ سيتم بواسطة كل أسمائه وقواه وإمكاناته وبكل آلاته التي تشمل كل ما خلق من كائنات وكيانات، لذلك فإن وجود بعض المرويات التي تلقى بظلال من الشك على ما نصت عليه الآية فتقول مثلا إن ثمة سورا لم تكتب أو أن أجزاءا من سوره قد فقدت ولم تُدون أو أن ثمة أخطاءا لغوية أو نحوية في القرءان أو أن فيه لحنا ستقيمه العرب بألسنتها هي مرفوضة تماما مهما بلغت درجة صحتها لدى المحدثين ومهما كانت مكانة من نسبوا إليه هذه المرويات وحتى لو صحت طبقا لمعاييرهم نسبتها إليه، ذلك لأن الله سبحانه لم يضمن العصمة لأحد من الناس إلا للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ في إبلاغه ما أنزل إليه من ربه وهو سبحانه الأصدق حديثا، ويجب دائما تذكر أن المطلوب من المسلم هو الإيمان بالقرءان وبكل ما جاء فيه.
و"الذكر" بالمعنى الاصطلاحي هو القرءان بكافة صوره وليس الصيغة الصوتية فقط كما يتصور البعض، وتسمية القرءان أو الكتاب العزيز بالذكر؛ أي استعمال اسم المعنى "ذِكْر" علما على ما أُنزل على الرسول هو للتشديد على أهمية هذه السمة وعلى أهمية المقصد، فالقرءان يذكِّر الناس بربهم وأسمائه وسماته وسننه وشؤونه، فالمداومة على تلاوته وقراءته هي من لوازم القيام بركن الدين الجوهري "ذكر الله"، أي الإحساس القلبي الصادق بالحضور الإلهي، وذلك يؤدي إلى تحقق الإنسان بالتقوى التي هي مناط التفاضل والأكرمية عند الله بين الناس، فالتقوى هي جماع المشاعر والأعمال المترتبة على التحقق بذكر الله تعالى بالمعنى المذكور.  
ولقد أتت إنجازات العصر الحديث مصدقة للإنباء الإلهي وأثبتت وجود توازنات وتوافقات عددية لا سبيل إلى المماراة أو التشكيك فيها، وكذلك ثبت صدق ما تضمنه الكتاب من معلومات.
ولم يجد أعداء القرءان من سدنة المذاهب المحسوبة التي حلت محل الإسلام حيال هذا التأكيد الإلهي إلا القول بأنه ليس مقصودا بالذكر في الآية القرءان، أو قالوا إن المقصود بالذكر هو القرءان وما يسمونه بالسنة (المرويات الظنية)، والرد عليهم يأتي من نفس السورة في آية سابقة، قال تعالى:
{وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُون} [الحجر:6]
وهذا القول يقصه الله تعالى عما قاله كفار قريش في مكة، وهم لم يكن لهم أية دراية بما سيحدثه سدنة المذاهب من بعد، فهم المقصودون بالآيات:
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)} فُصِّلَتْ
فكلمة "الذكر" هي في كل هذه الآيات مستعملة بمعناها الاصطلاحي المنصوص عليه في هاتين الآيتين من سورة "فُصِّلَتْ".
ويلاحظ أن الله تعالى قد سخَّر كل الناس بما فيهم غير المسلمين للحفاظ على القرءان الكريم، فالناس منذ صغرهم يتبارون في حفظه وتجويد تلاوته، وكل علوم العربية تتمحور حوله، وهذه الأعمال تمضي قدما بغض النظر عن التدهور العام والتخلف الذي ضرب ويضرب المحسوبين على الإسلام.
وعندما اخترعت المطبعة كان الغربيون قبل الشرقيين حريصين على طباعته والتفنن في ذلك، وكانوا سباقين في عمل معاجم مفهرسة لألفاظه.

*****

القرءان مبين ومبيِّن وبيان وتبيان لكل شيء

القرءان مبين ومبيِّن وبيان وتبيان لكل شيء

والقرءان مبين ومبيِّن وبيان وتبيان لكل شيء، وقد تكفل الله تعالى بجمعه وبيانه، ولقد كان منوطا بالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ أن يبين بما أُنزِل إليه من الكتاب للناس ما نزِّل إليهم وما اختلفوا فيه، قال تعالى:
{الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ }يوسف1 * {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ }الشعراء2  *  {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ }القصص2 * {وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ }الزخرف2  *  {وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ }الدخان2  *  وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ(89) (النحل)  *  كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ(187) (البقرة)  *  كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ(219) (البقرة)  *  وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ(221) (البقرة)  *  كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ(242) (البقرة)  *  كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ(266) (البقرة)  *  كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ(103) (آل عمران)  *  يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(26) (النساء)  *  يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(176) (النساء)  *  يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنْ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ(15) (المائدة)  *  يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنْ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(19) (المائدة)  *  كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(89) (المائدة)  *  وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(18) (النور)  *  كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(58) (النور)  *  كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(59) (النور)  *  كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ(61) (النور)  *  وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ(44) (النحل)  *  {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمْ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ(64)} (النحل)  *  هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ(138) (آل عمران)  *  ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ(19) القيامة.

فمن لم يجد القرءان مبينا ومبيِّنا وتبيانا لكل شيءٍ من أمور الدين فقد حكم على نفسه بأنه ليس بمسلم ولا بمتقٍّ ولا بمهتدٍ، وحكم على نفسه بأنه لا يتفكر ولا يعقل ولا يتذكر ولا يؤمن، وهذا هو الحكم الإلهي القرءاني على أتباع المذاهب الأعرابية الأموية (السنية) التي حلَّت محلَّ الإسلام؛ فهم الذين قالوا إن القرءان مبهم بحاجة إلى السنة (المرويات والآثار) لتبينه، بل إن هذا التبيين كان يؤدي أحيانا إلى إلغاء الحكم القرءان لصالح الآثار!!! وهذا ما حدث مثلا في حكم الأسير وفي عقوبة الزنى وفيما أحدثوه من عقوبات، ولكن هل هم يقيمون أصلا أي وزن لكتاب الله أو آياته؟ هم مجرد سدنة وكهنة في معبد أربابهم من الأسلاف! وإِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً.

*******

الخميس، 7 يناير 2016

الشورى 21

الشورى 21

أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {21} الشورى    
إن التشريع في الدين هو لله تعالى وحده، وقد نسبه إلى نفسه بجماع أسمائه، وأعلن أنه وصَّى به المرسلين من الرسول نوح عليه السلام إلى خاتم الرسل الأنبياء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، قال تعالى:
{شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيب} [الشورى:13].
ووجود أي مذهب من المذاهب التي حلَّت محل الإسلام إنما كان بسبب اتخاذ الناس شركاء من دون الله زعموا لهم سماته ونسبوا إليهم أعماله وتحدثوا باسمه من دون إذنه، وهم بذلك يعرِّضون أنفسهم للفتنة والاستدراج، وسدنة كل مذهب يتبعون أقوال أئمتهم مهما ثبت بطلانها وهم يتواصون بالثبات عليها، وسيكون قولهم لكل داعٍ إلى دين الحق مثلما كان قول الذين من قبلهم: "إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا".
ومن يشرِّع أمرا ويعتبره من الدين ويفرضه على الناس فرضا من حيث ذلك فقد جعل من نفسه شريكا لله تعالى، ذلك لأن التشريع هو شأن إلهي يترتب عليه كيانات في عالم الأمر فلا سلطان لإنسان عليه، أما من ارتضى لإنسان أن يشرِّع في الدين من دون الله فقد اتخذه شريكا مع الله، فلا تشريع في الدين إلا لله تعالى، ولا حكم في الدين إلا لله تعالى، والرسل والأنبياء أنفسهم مأمورون باتباع ما شرعه الله تعالى من الدين وببيان ذلك للناس بعملهم وسلوكهم.
ومن المعلوم أنه طبقا لآيات عديدة فإن الرسل منوط بهم مهمة ضبط بعض التشريعات الجزئية المتعلقة بالعبادات العملية، وذلك عن أمر الله تعالى أي بمقتضي قوانينه وسننه وبتكليف منه، ومن ذلك مثلا أن الرسول اختار لأمته أن يكون الحج مرة واحدة لا أكثر، ولقد خُتم هذا الأمر بختم النبوة وإتمام استخلاف الإنسان في الأرض، ولكن هذا لا يعني أن يتخذ الناسُ الرسلَ أو الأنبياء أربابا من دون الله تعالي، ولم يكن من حق أحد ولن يكون أن يجعل من نفسه ربًّا للناس، قال تعالى:
{مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80)} آل عمران
وبين قوله تعالى {وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} أن البتّ في كثير من الأمور مؤجل إلى يوم القيامة، ذلك لأن الدنيا هي دار ابتلاء وهى أضيق نطاقا من أن تكون دار الجزاء الأوفى، فإعطاء الإنسان الإرادة الحرة والاختيار وكون الابتلاء أمراً لازما له ليتحقق بكماله المنشود وحتمية أن تظل بعض الأمور غيبا عنه ليتم الابتلاء كل ذلك اقتضى تأجيل البت والحكم في كثير من الأمور إلى يوم الدين، وفى ذلك قال سبحانه: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ }الرحمن31، ولذلك أيضا سُمِّي يوم القيامة بيوم الفصل، قال تعالى: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ }الدخان40، {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ}المرسلات38، {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً }النبأ17. 

ولقد اقتضت رحمة الله تعالى وكذلك رأفته بالناس أن يحذرهم من الظلم ذلك لأن الشرك هو الظلم العظيم ولا بد لكل ظالم من العذاب الأليم.

الاستغفـار

الاستغفـار

الاستغفار هو من الأوامر القرءانية الكبرى، والأوامر به أكثر عددا وأقوى من الأوامر بالصيام أو الحج، وهو أيضا من لوازم أركان دينية كبرى، منها:
1-         عبادة الله تعالى بإخلاص والاستجابة له بالسعي للقيام بحقوق أسمائه الحسنى والحياة وفق مقتضياتها.
2-         ذكر الله؛ ذكر أسماء الله الواردة في القرءان وذكر الآيات التي ورد فيها الأسماء والتسبيح لله والتسبيح بحمد الله والتكبير والاستغفار والحمد والشكر وذكر نعمة الله.
3-         العمل على إقامة صلة وثيقة بالله تعالي وعلاقة حميمة معه سبحانه ودعمها وترسيخها.
4-         التزكي
 فالاستغفار هو ركن فرعي من أركان الدين، وهو من مقتضيات القيام بحقوق منظومة المغفرة والتي تتضمن الأسماء التي تشير إلى صفة المغفرة مثل: (الغفَّار، الغفور، الغافر، ذو مغفرة، واسع المغفرة، الغفور الرحيم، الْغَفُورُ الْوَدُود، الرحيم الغفور، الغفور الحليم، الحليم الغفور، الغفور الشكور، العزيز الغفَّار، العزيز الغفور). والاستغفار لازم لكل إنسان وذلك للنقص الملازم لماهيته واللازم لتعينها والذي يسري ويظهر في كل عمل من أعماله، فالإنسان في حاجة للوقاية من آثار أعماله للنقص الظاهر فيها والملازم لها، هذا بالإضافة إلى أنه لا يستطيع أحد القيام بما يجب للإله الأعظم من الحقوق، كما أن من يسعى على صراط من له الكمال اللانهائي المطلق يشعر دائما أنه مازال أمامه بقدر ما ترك وراءه وأنه مطالب بأداء واجبات لا تتناهى وأن ما قدمه لا يعد شيئا مذكورا بجانب ما يجب أن يقدمه، هذا بالإضافة إلى أن من يترقى بصفة دائمة يحس بقصور الحالة التي كان عليها، لذلك كان الاستغفار عنوان النجاة والسعادة والترقي الدائم.

والاستغفار سابق على التوبة النصوح، وهو من لوازم القيام بحقوق الأسماء الحسنى مثل الغفور الرحيم والقريب المجيب والرحيم الودود والغفَّار والتواب، والاستغفار يؤدي إلي سعة الرزق وزيادة القوى والقدرات وهو يحمي الإنسان من عواقب ذنبه ولوازم نقصه، ويمكن للإنسان أن يستغفر للمؤمنين بل إن ذلك من حقوقهم عليه، والاستغفار يحمي الإنسان من آثار أعماله السيئة التي هي مقتضيات نقصه الذاتي، وهو أيضاً من الوسائل المعتمدة لعلاج النفس وتزكيتها، ويجوز أن يطلب الإنسان من غيره ممن يثق في صلاحه أن يستغفر له، ومن مظاهر كون الرسول رحمة للمؤمنين أنه كان يستغفر لهم.
ومن الآيات التي تحث المؤمنين على الاستغفار وتأمرهم به وتعلم الناس كيف يستغفرون ربهم:
{وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }البقرة199  *  {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }البقرة286 {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }آل عمران(16)الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} آل عمران  *  {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }آل عمران135  *  {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }آل عمران147  *  {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} آل عمران159  *  {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً }النساء64  *  {وَاسْتَغْفِرِ اللّهَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً }النساء106 {وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً }النساء110  *  {أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }المائدة74  *  {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ }الأعراف23  *  {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}الأعراف151  *  أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ }الأعراف155  *  {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }الأنفال33  *  {وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ }هود3  *  {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ }هود52  *  {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ}هود61  *  {وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ }هود90  *  {قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ }يوسف97  *  {قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }يوسف98  *  {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ }إبراهيم41  *  {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلاً }الكهف55 {قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً }مريم47  *  {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ }المؤمنون109  *  {وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ}المؤمنون118  *  {وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }النور62  *  {قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }النمل46  *  {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }القصص16  *  {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ }ص35  *  {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ }غافر7  *  {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ }غافر55  *  {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ }فصلت6 {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }الشورى5 {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} محمد19  *  {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }الذاريات18  *  {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }الحشر10  *  {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }الممتحنة5  *  {رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }التحريم8  *  {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً }نوح10  *  {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً }نوح28  *  {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}المزمل20  *  {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً }النصر3

 

وأفضل صيغ الاستغفار هي ما كانت عملا بمقتضى ما هو في القرءان وتأسيا بما استعمله الصفوة الأخيار من عباد الله، ومن لذلك الأدعية:
"رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ"، "سبحانك ربي وبحمدك، اغفر لي إِنَّك كنت تَوَّاباً"، "رب اغفر لي إنك كنت غَفَّاراً"، "رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"، "رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ"، "وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ"، "رب اغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم"، "رب اغفر لي إنك أنت القريب المجيب"، "رب اغفر لي إنك أنت الرحيم الودود"، رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ".

والاستغفار هو واجب محتم على كل إنسان وذلك لجبر آثار النقص اللازم والملازم لماهيته أو طبيعته الذاتية وكذلك لكيانه حال تحققه وظهوره, وبسبب هذا النقص فإنه لا يمكن لأحد أن يقوم بما يجب لله تعالى من عبادة وتقديس وحمد وشكر فإن المحدود المقيد لا يقوم بحق اللانهائي الواجب المطلق, فالاستغفار يجبر نقص الأعمال كما أنه يحمي الإنسان من آثار أعماله السيئة, فالاستغفار حق لله تعالى على عباده فما عبده أحدهم حق عبادته ولا أدى واجب شكره ولا أحصى نعمه ولا أثني عليه كما يليق بمرتبته، ولذا فكلما ارتقى الإنسان إلى مرتبة أعلى أدرك ما كان عليه من ذنوب في مرتبته الأدنى, فالذنب أيضا هو أمر نسبي يختلف باختلاف الدرجة والمرتبة.



*******