الخميس، 31 ديسمبر 2015

سورة فاطـر من 1 إلى 3

سورة فاطـر من 1 إلى 3


الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)

الْحَمْدُ الذاتي الواجب لِلَّهِ بما هو له من الأسماء الحسنى، والمذكور منها هاهنا الاسم "الفَاطِرِ" والاسم "الجاعل" والاسم "القدير"، وبأفعاله الجليلة، والمذكور هاهنا منها هو جعل الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ، وأنه سبحانه يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ.
والاسم الإلهي "الفَاطِر" يعني أساسًا أنه سبحانه مبدئ كل أمر؛ فهو الذي رتَّب أولا حقائق الأشياء وجعل مركوزاً فيها من حيث البداية ما شاء وفق ما اقتضت أسماؤه وسماته، فهذا الاسم هو الذي يبرمج كل كائن وفق ما اقتضته الحلول العامة للمعادلات الحاكمة لشؤون الوجود أي وفق ما هو منوط به من مهام للصالح الوجودي العام، وتلك المعادلات هي تمثيل للسنن الإلهية التي هي من مقتضيات الأسماء الحسنى الإلهية.
فهذا الاسم هو الذي اقتضى ما يسمى في الفيزياء الحديثة بالانكسار التلقائي للتماثل  (Spontaneous Symmetry breaking)  والذي ترتب عليه وجود كل شيء وتميُّـزه، وبالتالي فهو الذي  يقتضى الانفطار بالنسبة للكائنات والأشياء اللطيفة والتشقق والانفصال بالنسبة للأشياء الكثيفة ، فلقد كانت السماوات كيانا واحدا متجانسا، ثم بفعل الفاطر تميَّزت كائناتها وحقائقها بعضها عن البعض، وكذلك تشقـقت الأرض وبث فيها من كل زوج بهيج، فبالفاطر تميزت الحقائق اللطيفة وأودع فيها طبيعتها المبدئية أو فطرتها، ولذلك فإنه من حيث هذا الاسم جعل الله تعالى من فطرة الناس البحث عن الإله الخالق الذي يُرجى ويخشى والتوجه إليه بالعبادة والاحتماء به والاستسلام التام له، ولقد برمج كيان الإنسان الجوهري علي ذلك، ولذلك يلح هذا الكيان بصفة دائمة علي الإنسان لإشباع ذلك الاستعداد.
فالفاطر هو الذي يبدأ ما هو مضاف إليه، فمعني أنه سبحانه فاطر السماوات والأرض أنه هو الذي بدأ التنفيذ الفعلي لهما وتحقيقهما وبرمجتهما لتحقيق المقاصد الوجودية، أما البديع فهو الذي أتي بهما بلا مثال خلا من غيره، فلم يكن ثمة نمط سابق لأمثالهما ليسترشد به ولم يكن ثمة تصور عنهما لدي أحد غيره فلقد كان ولا شيء معه، أما الخالق فهو الذي يقدر ويصمم ويصوغ من المواد الملائمة ما أبدعه.
ومن آثار ومقتضيات الاسم الفاطر في الكيان الإنساني الفطرة، والفطرة هي ما بُرمج عليه الكيان الجوهري الأولي وما لديه من صور قلبية أولية، وهذه الصور مجملة غير مفصلة، ويلزم لتفصيلها وإظهارها العوامل والظروف المحيطة والحث الخارجي.

وقد جعل سبحانه الملائكة رسلا، وهم أنواع، فمنهم الرسل إلى البشر، وأعلاهم الرسل إلى الأنبياء بالشرائع الإلهية، ومنهم الرسل إلى الناس ببعض ما وجب معرفته من أمور عامة أو خاصة، والتلقي منهم هو مما يسميه الناس الإلهام.
ومنهم الرسل بالأمور الكونية، ومنهم جنود العزيز الحكيم، ومنهم جنود العليم الحكيم.
وأجنحة الملائكة تعبر عن قواهم الذاتية وإمكاناتهم، فمن لديه أربعة أجنحة أقوى وأكبر إحاطة وأبعد مدى ممن لديه ثلاثة فقط، والملائكة بذلك يتنوعون ويتفاوتون في المراتب، وكل منهم لازم للقيام بمهام معينة، والله تعالى قادر على خلق كل ما يلزم لتحقيق مقاصده.
  
مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)فاطر
هاهنا نصٌّ على سنة إلهية، فلا يملك الناس مع الله شيئا، ولا يملكون تغيير شيء أراد أن يفعله، فكل أمور كونه تتم وفق مشيئته، وهو سبحانه يفعل ما تقتضيه سننه التي هي جماع مقتضيات كل أسمائه الحسنى، فأفعاله من فتحٍ أو إمساك هي حق وعدل وحكمة وخير، ولكن أكثر الناس يستبطنون –وإن لم يعلموا- الظن بأن أفعاله عشوائية، وظنهم هذا بالله سيرديهم، وَهُوَ سبحانه يختم الآية باسمه "الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ"، وهو من أشد الأسماء قوة وسطوة ليعلم الناس أن هذه السنة من نطاق الحكم المترتب على مقام العزة، وبالتالي سيكون العقاب الأليم لمن تصور أنه يمكن أن يغير شيئا أراد الله تحققه أو تصور أنه يمكن أن يغير سنة إلهية أو لم يقم وزنا أصلا للسنن الإلهية ومقتضياتها من السنن الكونية، وهذا هو حال أكثر المحسوبين على الإسلام منذ أن فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ.

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُون} [فاطر:3]
الآية تؤكد أن الله تعالى هو الخالق المتكفل بأرزاق الناس، فيجب أن يجعل الإنسان ثقته في الله تعالى، وأن يتوكل عليه مع إجلاله لسننه، ولكن الآية لا تنفي صفة الخلق عن الكائنات بل تثبتها بمثل ما أنها لا تنفي وجود المظاهر والآلات التي عن طريقها يصل الرزق إلى الإنسان، فالله تعالى هو الرازق الحقيقي، وهو الخالق الحقيقي للرزق، ويجب ألا يغالي الإنسان في تقدير الآلات التي جعلها الله تعالى سببا لوصول الرزق إليه، ولكن عليه أن يسعى للتعرف على السنن الإلهية والكونية الخاصة بالرزق والتوافق معها وتوقيرها من حيث أنها من مقتضيات الأسماء الإلهية، فلا عبث في الوجود، ولا يوجد فيه ما هو خارج نطاق الهيمنة الإلهية.
فالمقصود بيان أن الخلق هو سمة واجبة وذاتية للحق لم يستمدها من غيره، في حين أنها موجودة لدى الإنسان بمقتضى قوانين الله وسننه، فهي ليست له ولا لغيره من الأسباب بالأصالة.
وما يعبده الناس من الأصنام المادية والمعنوية إما إنه لا يخلق شيئا أصلا، وإما إنه لا يخلق إلا بالتوافق مع قوانين الله وسننه، وباستعمال ما خلقه الله تعالى من المواد، فهو لا يستطيع إحداث نسق آخر من السنن الكونية مخالف للسنن الإلهية، ومن يخلق تماثيل من الطين لا يجوز أن يُقارَن بمن خلق الأرض والسماوات العلى وما بهما مما لا يتناهى عدده من الكائنات، فلا يجوز أن يُقارن بخالقه في أمر كهذا أبدا، فالله تعالى هو الذي خلقه وخلق ما خلقه.
والإنسان مأمور بأن يذكر الله وأن يذكر نعمته عليه، ومقتضى ذلك أن يعلم أن ما به من نعمة فمن الله، فعلى الإنسان أن يتذكر دائما لذلك وأن يعمل بمقتضى ذلك، وكل عمل بمقتضى هذا العلم هو من باب الشكر لله المؤدي بالضرورة إلى زيادة النعم.

والآية تبين أن الإقرار بالنعمة لله وبأن هو الرزاق الحقيقي هو من مقتضيات العلم والإيمان بأنه لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ، كما تؤكد أنه لا حق لهم ولا منطق في أن يُصرفوا عن ذلك إلى الشرك بنسبة النعمة والرزق إلى غيره.

*******

الأحد، 27 ديسمبر 2015

سورة البقرة 240 و234

سورة البقرة 240 و234

قال تعالى:
وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ{240} البقرة
وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً أوصى الله تعالى لهن أن يتمتعن عاما كاملا في بيت الزوجية، ولا يحق لأقارب الزوج ولا لأية سلطة أخرى إخراج الزوجة من بيت الزوجية (سواء أكان البيت مملوكا للزوج أو مؤجَّرا)، ولكن لا يأثم أحد إذا خرجت هي من تلقاء نفسها، ولا يأثم أحد فيما يختص بما تختاره لنفسها مما استقرت عليه الأعراف، فالكلام موجه إلى أقارب الزوج وذويه، ولقد اقتضى الأمر ختم الآية بالاسم المهيب "العَزِيز الحَكِيم"، ذلك لأنه كان معلوما أن تلك الحقوق المقررة للمرأة ستكون من أوائل الأحكام الدينية التي سيتم تجاهلها بسبب غلبة التقاليد الأعرابية ثم الشرقية بصفة عامة على القرون الإسلامية الأولى.
ولقد زعم بعض المضلين أن هذه الآية منسوخة بآية سابقة عليها، هي: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} البقرة234.
والحق هو أنه لا يوجد أي اختلاف أو تعارض بين الآيتين، فالكلام هاهنا موجه إلى المرأة، وليس إلى أقارب الزوج، فالمرأة التي توفي عنها زوجها ملزمة بأن تتَرَبَّصَ بِنفسِها أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ولها مع ذلك حق المتاع والبقاء في بيت الزوجية مدة حول كما تقول الآية 240، فَإِذَا بَلَغت أَجَلَها (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْها فِيمَا فَعَلت فِي نفسِها بِالْمَعْرُوفِ، فمن حقها أن تخرج بعد انقضاء الأجل؛ فلا إشكال ولا اختلاف.
فالتربص بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا شيء والمتاع إلى الحول والبقاء في منزل الزوجية شيء آخر، ولكل منهما مقصده! لا اختلاف في القرءان، ذلك ظن الذين كفروا! ومن قال بأن إحدى الآيتين تنسخ الأخرى يكون قد كفر بالاسم الإلهي الذي حصًّن الله تعالى به الآية!
فالتربص يعني أن عليهن أن ينتظرن انقضاء عدتهن فيحبسن أنفسهن عن الزواج وعن التزين وعن التعرض للخطاب مدة أربعة أشهر وعشر ليال، وفاء لحق الزوج المتوفى، واستبراءً للرحم.
والأمر بالوصية عند التوفي يعني أنه على المسلم قبل أن يحضره الموت أن يوصى لزوجته التي على قيد الحياة بما تنتفع به انتفاعاً مستمراً لمدة حول من وفاته، ولا يصح أن يخرجها أحد من مسكن الزوجية.
فلا يصح لورثة الميت أن يخرجوهن من مسكن الزوجية بغير رضاهن، لأن بقاءهن في مسكن الزوجية حق شرعه الله لهن، فلا يجوز لأحد أن يسلبه منهن بغير رضاهن.
وهي مخيرة بين السكنى فى بيته حولا ولها النفقة، وبين أن تخرج منه ولا نفقة لها.
 ولا تتحدث الآية الثانية عن عدة المتوفى عنها زوجها وإنما تتحدث عن حقها فى البقاء فى منزل الزوجية بعد وفاة زوجها، وأن هذا الحق ثابت لها فإن شاءت بقيت فيه، وإن شاءت خرجت منه على حسب ما نراه مصلحة لها، ولأنها لا يوجد من ألفاظها أو معانيها ما يلزم المرأة بالتربص والامتناع عن الأزواج مدة معينة.
أما الآية الأولى فنراها واضحة في الأمر بالتربص أربعة أشهر وعشراً، وهي العدة التى يجب أن تمتنع فيها المرأة التى مات عنها زوجها عن التزين والتعرض للزواج. إذاً فلا تعارض بين الآيتين.
فثمة فرق هائل بين أمرٍ موجه للزوج بأن يكتب وصية بألا تُخرج أرملته من بيت الزوجية لمدة عام مع توصية لها بما يلزم من متاع من ناحية وبين أمر موجه إلى الأرملة لتتربص بنفسها مدة كافية قبل أن تتزوج مرة ثانية من ناحية أخرى! وكل آية محصنة باسم إلهي لكيلا يتم إلغاء أي حكم من الحكمين، فقد كان العرب لا يريدون أن تنال المرأة أية حقوق!
وليس المقصود بألا تخرج حبسها في منزل الزوجية، ولكن ضمان حقها فيه طوال المدة المذكورة!
ويجب العلم بأنه لم يكن للأرمل عند العرب أية حقوق وكان أقارب الزوج يطردونها ويستولون على كل ما هو لها.
وللمرأة أن تخرج قبل عام بإرادتها.
أما إذا كانت ترغب في الزواج فيجب أن تتربص التربص المذكور حتى لو خرجت.
فالتربص بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا شيء والمتاع إلى الحول والبقاء في منزل الزوجية شيء آخر، ولكل منهما مقصده! لا اختلاف في القرءان، ذلك ظن الذين كفروا! ومن قال بأن إحدى الآيتين تنسخ الأخرى يكون قد كفر بالاسم الإلهي الذي حصًّن الله تعالى به الآية!
بصياغة أكثر اختصارا:
فرق هائل بين أمر موجه للزوج بأن يكتب وصية بألا تُخرج أرملته من بيت الزوجية لمدة عام مع توصية لها بما يلزم من متاع وبين أمر موجه إلى الأرملة لتتربص بنفسها مدة كافية قبل أن تتزوج مرة ثانية! وكل آية محصَّنة باسم إلهي لكيلا يتم إلغاء أي حكم من الحكمين، فقد كان العرب لا يريدون أن تنال المرأة أية حقوق!
ويس المقصود بألا تخرج حبسها في منزل الزوجية، ولكن ضمان حقها فيه طوال المدة المذكورة!
ويجب العلم بأنه لم يكن للأرملة عند العرب أية حقوق وكان أقارب الزوج يطردونها ويستولون على كل ما هو لها.

*******



السبت، 26 ديسمبر 2015

من الردود على من يهاجمون عصر المماليك في مصر 1

من الردود على من يهاجمون عصر المماليك في مصر 1

1.            لم تكن موقعة عين جالوت معركة تافهة، وإنما أرسل هولاكو خيرة قواده كتبغا مع 20 ألف مقاتل من خيرة جنوده، والمعارك لا تقاس بعدد المشاركين فيها، وكم من معارك شارك فيها مئات الألوف ولم تؤد إلى أية نتيجة، وموقعة عين جالوت هي بكل المقاييس من المعارك الحاسمة في التاريخ، وترتب عليها نجاة مصر وشمال أفريقيا وتحرير دمشق وحمص وحلب وباقي الشام بالكامل، وإبادة كل من دخله من المغول والتتار والقضاء على أسطورتهم إلى الأبد، وقد تفوق الجيش المصري في التكتيكات المستعملة ورسم الخطط في الحرب، وضمن بذلك تفوقا دائما على المغول، سيظهر في المعارك التالية بين الجيش المصري بين الجيش التتري المغولي.
2.            لم تكن موقعة عين جالوت هي الموقعة الوحيدة التي وقعت بين المصريين وبين المغول والتتار، فقد تبعتها معارك أشد هولا وانتهت كلها لصالح المصريين، منها معركة أبلستن في آسيا الصغرى 1276 م حيث أبيد جيش التتار وقُتِل قائدهم، ومنها معركة حمص الكبرى بقيادة قلاوون الألفي 1281 م، وكان جيش التتار بقيادة منكوتمر ابن هولاكو ويصل عدده إلى 86 ألف مقاتل، وفيها لقي التتار أعظم هزيمة، ومن نجا منهم من القتل أو الأسر غرق في نهر الفرات، ومنها معركة شقحب بمرج الصفر في إبريل 1303 حيث انتصر الجيش المصري بقيادة الناصر محمد بن قلاوون انتصارا ساحقا على جيش التتار بقيادة فظلوشاه، وكان جيش التتار يصل إلى مائة ألف مقاتل، وفي المعركة أبيد جيش التتار، ولم ينج إلا قائده والقليل من أصحابه، واغتم غازان ملك التتار غما عظيما حتى مرض وسال الدم من أنفه، ولم يعمر غازان طويلاً بعد تلك الهزيمة الماحقة حيث مات مكمودا في  مايو 1304، ويا ليت المصريين يحفظون تفاصيل هذه المعارك عن ظهر قلب، فهي من أمجد الانتصارات في تاريخ مصر، وقد استمر هذا الصراع طويلا حتى بعد إسلام المغول في فارس والعراق.
3.            نجح المماليك في القضاء التام على الصليبيين ودارت في سبيل ذلك معارك مهولة في أنطاكيا وعكا وكل مدن ساحل الشام وغيرها، ومرة ثانية: يا ليت المصريين يحفظون تفاصيل هذه المعارك عن ظهر قلب، فهي من أمجد الانتصارات في تاريخ مصر.
4.            كان المماليك يشكلون قادة وضباط وفرسان الجيش، وكان عددهم بضعة آلاف، أما باقي الجيش الذي كان يتجاوز عند التعبئة المائة ألف فكان من المصريين، والصراعات بين فرسان المماليك بمعزل عن الجيش كانت صراعات قصور محدودة لم تؤد إلى أي فتن داخلية.
5.            ويجب العلم بأن مصر هي وطن وليست سلالة عرقية، فمن يستوطن مصر مهما كان أصله هو مصري، فيجب أن يكف الجهلة عن القول بأن الحاكم الفلاني لم يكن مصريا، ذلك لأنه هو نفسه ليس لديه ما يثبت أنه حفيد خفرع مثلا، وجمال عبد الناصر الذي زعموا له أنه أول مصري يحكم مصر هو من قبيلة بني مرّ، وهي من أصل عربي، وعرابي كان أصله من البدو المهاجرين من العراق، فهو لم يكن أكثر مصرية من الشركس الذين ثار بسببهم!
6.             ونظام المماليك قد أثبت أنه أعظم الأنظمة كفاءة لمواجهة ظروف العصور الوسطى وضرورة إعداد الجندي إعدادا خاصا منذ صغره.
7.            يجب التمييز بين عصرين؛ عصر المماليك البحرية والبرجية الممتد من 1250 م إلى 1517 م، فيه كان المماليك يحكمون مصر كدولة مستقلة وقاعدة لأقوى إمبراطورية في الشرق وبين العصر العثماني الذي أبقى على الخونة من المماليك ليكونوا عوامل صراع مع الوالي تمنعه من الاستقلال بمصر، وهؤلاء بالطبع لم يكونوا قوة مسئولة، وكانوا يعيشون على السلب والنهب، وهم الذين أساءوا إلى سمعة المماليك العظام.
8.            عصر المماليك –باستثناء فترات الأوبئة- هو من العصور الذهبية في تاريخ مصر، وبذلك يعترف المنصفون من المؤرخين الغربيين، وقد لخَّص ويل ديورانت الأمر بالقول: "أعادوا لمصر أمجادها الفرعونية"، وأكثر آثار مصر الإسلامية تعود إلى عصر المماليك، ولا عجب، فلم تكن مصر تدفع الجزية لأحد، بل كانت مواردها تُنفق فيها.
9.            كانت مصر في العهد المملوكي مركز الحضارة الإسلامية العربية والملاذ الآمن لكل علماء المسلمين، وفيها ألفت أكبر موسوعات هذه الحضارة.
10.        نهاية عصر المماليك كانت أساسا بسبب تحول التجارة إلى طريق رأس الرجاء الصالح مما أدى إلى إفقار مصر والسياسة العدوانية الاستفزازية من العثمانيين وتمسك الغوري بالـ "السنة"، فقد رفض تطوير الجيش في الوقت المناسب كما رفض التحالف مع شاه إيران الشيعي لصد العثمانيين.


*******


الاثنين، 21 ديسمبر 2015

حوار مع فضيلة الشيخ مزدري بن إبليس التعيس

حوار مع فضيلة الشيخ مزدري بن إبليس التعيس

مسلم: كيف أحوالك أيها الشيخ
مزدري: بخير طالما كنت بعيدا عن المحدثين أمثالكم.
مسلم: هل صحيح أنكم تؤمنون بأن شخصا اسمه لبيد سحر النبي سحرا من أشد أنواع السحر حتى كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله وأن تأثير السحر عليه استمر لبضعة أشهر حتى جاءه رجلان أو ملكان لعلاجه؟
مزدري: أي نعم، ولقد احتفل البخاري بالحديث وأورده في أكثر من موضع.
مسلم: وهل تصدق مثل هذا الهراء؟
مزدري: ماذا؟ هراء؟! احترس يا هذا، الحديث وارد في البخاري؛ أصح كتاب بعد كتاب الله، والذي أجمعت الأمة على صحته وتلقته بالقبول و...و....وووو ............
مسلم: أما زال يوجد من يردد مثل هذه الخزعبلات في القرن الواحد والعشرين؟!
مزدري: أتشكك في البخاري حاوي السنة المطهرة وأصح كتاب بعد كتاب الله؟
مسلم: إذًا أنت تسلم بأن كتاب الله أصح منه!
فوجئ مزدري بهذا الرد، وتلعثم، وخاف من مغبة الإجابة، ولكنه في النهاية اضطر لأن يقول بصوت خافت: نعم!
مسلم: ما مكانة القرءان في دينكم؟
مزدري: ديننا؟ إذًا أنت خالع للربقة مفارق للجماعة متبع غير سبيل المؤمنين
مسلم: أرح نفسك، وافترض أنك تحاور ملحدا يريد أن يؤمن بدينكم، أجب عن السؤال!
مزدري: القرءان هو المصدر الأول والأصل الأول للتشريع
مسلم: إذًا أنت ملزم بما يقرره القرءان في هذا الأمر! أليس كذلك؟!
المزدري (بعد تردد): ببببببببببلى!
مسلم: القرءان يقول: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (47)} الإسراء، {أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (8)} الفرقان، إذًا كل من يقول إن الرسول قد تعرض يومًا ما للسحر هو بالضرورة ظالم.
المزدري بعد صمت طويل: يا لك من مضل! إِنْ كدت لَتضِلُّنَا عَنْ السنَّة لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا! ألا تعلم أن السنة حاكمة على القرءان وقاضية عليه وناسخة لأحكامه عند التعارض؟
مسلم: ألا يتناقض هذا القول مع تأكيدك بأنكم تؤمنون بأن القرءان هو المصدر الأول للدين وأنه أصح من سنتكم؟!
مزدري: سنتنا؟! أتنكر السنة أيها المارق؟ أنت تارك للسنة خالع للربقة مفارق للجماعة متبع غير سبيل المؤمنين، أنت ...  
مسلم: دعك من كل هذا، سبق أن قلنا لك: افترض أنك تحاور ملحدا! ما هو جوابك؟
مزدري: وما الذي يضطرني للحوار مع ملحد؟!
مسلم: لتدافع عن دينك الذي تتكسب به! وحتى لا يتركه زبائنك فتبور بضاعتك وتفلس!
مزدري: لا شأن لك بنا، وسيظل السواد الأعظم معنا رغم أنفك، أنت تشكك في الثوابت أنت تزدري الأديان
مسلم: الإيمان بالمتناقضات هو الذي سبب لك ما تعاني منه من خلل، وعدم اتساق عقيدتك مع سلوكك العملي هو النفاق، والآن، ما هي عقوبة مقترف الزنا؟
مزدري: ها أنت تغير الموضوع بعد أن دحضنا حجتك!
مسلم: أجب عن السؤال
مزدري: الرجم للمحصن والجلد لغيره
مسلم: ولكن الآية تقول: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)} النور
مزدري: ذلك لأنك غير متخصص ولم تتلق العلم على يد شيخ يوقفك على المعاني والأحكام التي أقرها السلف الصالح، ألا تعلم أن السنة توضح مشكل الكتاب وتبين مبهمه وتفصل مجمله وتقيد مطلقه.
مسلم: وما هو المشكل المبهم المجمل المطلق في هذه الآية؟ الزاني هو الزاني مهما كانت حالته أو جنسيته أو عمره أو لسانه أو لون بشرته
مزدري: ألا تعلم أن الرجم ثابت بالسنة وأن السنة قا.....
مسلم: كفى، كفى، ستكرر أنشودتك القومية أو عقيدتك الجوهرية Your core tenet، لا داعي لذلك
مزدري: هكذا أنتم لا تطيقون سماع الحقيقة، وتتشدقون باللسان الأعجمي، وأزيدك علما بأن السنة ناسخة لهذه الآية بالنسبة للمحصن، فهذه الآية ناسخة منسوخة، وهذا من إعجاز الشريعة!
مسلم: إعجاز الشريعة؟ كيف؟
مزدري: أولا هذه الآية ناسخة للآية: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15)} النساء، فقد جعل الله لهن سبيلا بأن يرجمن حتى الموت إن كنَّ محصنات
مسلم: هل الرجم حتى الموت هو السبيل؟!
مزدري: أي نعم! هذا ما جاء في السنة، ولذلك فآية النور منسوخة بالنسبة للمحصنة الزانية فقط، وحكمها سارٍ بالنسبة لغيره.
مسلم: ولكن الآية المظلومة التي تحتجون بها لإثبات النسخ تتحدث عن نسخ آية بما هو خير منها أو مثلها، ولا تتحدث عن نسخ جزء من آية أو نسخ آية جزئيا، والآية لا تكون بالضرورة آية قرءانية!
مزدري: أتشكك في أنه توجد آيات قرءانية منسوخة اشتغل حذاق الأمة بتبيينها للناس، وكتبوا المجلدات في ذلك، ولم يثبت لهم أي مضل مثلك، النسخ من الأمور التي أجمعت عليها الأمة وتلقتها بالقبول ولم ينكره إلا الأصفهاني واليهود
مسلم: نِعْم ما فعل الأصفهاني، كنا نظنه لم يشتغل إلا بجمع الأغاني، ولكن ما دخل اليهود في الموضوع؟ هل هم طائفة من طوائفكم العديدة؟
مزدري: الأصفهاني الذي أنكر النسخ –أيها الجاهل- غير الأصفهاني الذي جمع الأغاني أيها المبطل، فقد كان عالما جليلا.
مسلم: بالتأكيد كان كذلك إن كان قد أنكر ما تسمونه بالنسخ، يكفي أنه تصدى لإجماعكم الزائف وضلالكم المبين
مزدري: كلام الأصفهاني لا يقدح في الإجماع.
مسلم: ولكن جموعا من الصفوة وخيرة المثقفين والمجتهدين لا يأخذون بإفككم!
مزدري: لا قيمة لهم، ولا يقدحون في الإجماع
مسلم: مرة ثانية، ما هي مكانة القرءان عندكم؟
مزدري: كالعادة ستتهرب بعد أن حاصرناك
مسلم: أرجو الإجابة
مزدري: قلت لك: الأصل الأول والمصدر الأول للتشريع
مسلم: وكيف تحكِّمون الأدنى في الأعلى؟ وكيف لا تعملون بمقتضى أن كلمة الله هي العليا؟ وكيف تحكِّمون الظني في القطعي؟
مزدري: أنت تارك للسنة، أنت تشكك في الثوابت، أنت تزدري الدين
مسلم: ما الذي دفعكم للقول بالنسخ؟
مزدري: وجود أحكام ثابتة بالسنة المطهرة
مسلم: وبالطبع أخذتكم جانب سنتكم ضد القرءان، مرة ثانية: الآية المظلومة التي تحتجون بها لإثبات النسخ تتحدث عن نسخ آية بما هو خير منها أو مثلها هل المروية الآحادية خير من الآية القرءانية؟
مزدري: أنت تارك للسنة خالع للربقة مفارق للجماعة متبع غير سبيل المؤمنين .....
مسلم: لا داعي لأن ترهق نفسك كل مرة بترديد هذه الأنشودة، سبق أن قلت لك افترض أن من يخاطبك ملحد، وبالنظر إلى كلامك الذي لن نؤاخذك إلا به طالما أنك تعتبر أن القرءان هو المصدر الأول وأصح من البخاري الذي هو أصح كتب سنتكم فلا قيمة لما يخالفه، ولا داعي لأن تشنف أسماعنا بنشيدك القومي المعلوم!
مزدري: بلى، أنت تارك للسنة خالع للربقة مفارق للجماعة متبع غير سبيل المؤمنين، وإذا كنت قد مللت من سماع هذه الأنشودة لدينا غيرها: أنت تشكك في الثوابت، أنت تزدري الأديان، أنت تشكك في الثوابت، أنت تزدري الأديان.....  
مسلم: والآن ما الذي دفعكم إلى القول بأن آية قرءانية يمكن أن تنسخ آية قرءانية أخرى؟!
مزدري: النسخ ثابت عقلا واقع شرعا.
مسلم: هل هذه آية قرءانية أو سنة إلهية؟ الحديث هو عن وجود آيات منسوخة في القرءان حتى لا تذهب بعيدا؟
مزدري: نعم، توجد آيات قرءانية منسوخة، لا سبيل إلى إنكار ذلك، وهذا من إعجاز التشريع
مسلم: ماذا تعني بمنسوخة؟
مزدري: بطل حكمها مع بقاء رسمها
مسلم: ولكن هذا التعريف لم يرد في كتاب الله ولا تسمح به اللغة.
مزدري: هذا ما قال به السلف وأجمعت عليه الأمة وتلقته بالقبول ولم نعلم له مخالفا
مسلم: أناشيدك القومية هذه والتي لا تملّ من ترديدها يمكن أن تُستعمل لفرض عبادة الشيطان على الناس
مزدري: أنت غير متخصص، أنت لست ندا لي، أنت تشكك في الثوابت، أنت تزدري الأديان
مسلم: هل هناك اختلاف في المعنى والحكم بين الآية الناسخة وبين الآية المنسوخة
مزدري: بالطبع، وإلا فكيف حدث النسخ؟
مسلم: إذًا أنت تؤمن بوجود اختلاف في القرءان، ألا تعلم أن هذا من الكفر البواح؟
مزدري: أنت غير متخصص، أنت لست ندا لي، أنت تشكك في الثوابت، أنت تزدري الأديان
مسلم: لماذا كان النزاع بينكم وبين المعتزلة بخصوص القرءان؟
مزدري: تصور أن هؤلاء المحدثين المبطلين كانوا يقولون إن القرءان محدث ومخلوق؟!!!
مسلم: وما هو قولكم أنتم؟
مزدري: القرءان كلام الله وصفته القديمة، وهو غير مخلوق
مسلم: فكيف تقولون إذًا أن سنتكم تقضي عليه وتنسخ آياته؟!
مزدري: من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب، أنت غير متخصص، أنت لست ندا لي، أنت تشكك في الثوابت، أنت تزدري الأديان
مسلم: ما هو الإسلام عندكم؟
مزدري: ألم تسمع عن المروية المشهورة الواردة في البخاري والتي يحفظها أطفال المسلمين؟ اسمع: حدثنا عبيد الله بن موسى قال أخبرنا حنظلة بن أبي سفيان عن عكرمة بن خالد عن بن عمر رضى الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان.
مسلم: ألم يورد البخاري نفسه ومسلم معه مرويات أخرى تختلف عن هذه المروية؟ منها مروية أَبي مُوسَى، قَالَ: قَالُوا يا رَسُولَ اللهِ أَيُّ الإِسْلامِ أَفْضَلُ قَالَ: مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسانِهِ وَيَدِهِ، ومروية عبْد اللهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الإِسْلامِ خَيْرٌ قَالَ: تُطْعِمُ الطَّعامَ وَتَقْرَأُ السَّلامَ عَلى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ، هذا فضلا عن المرويات التي تحذف شيئا مما ورد في المروية المذكورة أو تضيف أمورا أخرى؟
مزدري: ذلك لأنك غير متخصص، يمكن الجمع والتوفيق بين كل هذه الأحاديث الصحيحة.
مسلم: وماذا عن القرءان؟
مزدري: وما شأن القرءان؟
مسلم: ألا تقول إنكم تؤمنون به كمصدر أول للتشريع؟ لماذا لم تأخذوا به في هذه المسألة الهامة؟ وإذا كنتم قد بذلتم جهدا للتوفيق بين المرويات، فلماذا لم تبذلوا جدها مماثلا لكي تدرؤوا عن آيات القرءان قولكم الكفري بوجود آيات منسوخة فيه؟!
مزدري: ألم ترد هذه الأوامر في القرءان؟
مسلم: بلى، ولكنه قدَّم عليها غيرها بأن ذكرها قبلها في الآية أو نصّ على أنها أكبر منها أو جعلها من غاياتها ومقاصدها، وبالتالي فكان عليكم أن تقدموها كما قدمها القرءان!
مزدري: أتكلمنا بالألغاز؟ أعطنا أمثلة للتوضيح!
مسلم:  قال تعالى: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}العنكبوت45، {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ}فاطر29 {...فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقرءان عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآَخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20)} المزمل، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} [البقرة:183]، ففي هذه الآيات قدَّم الله تعالى ما يجب تجاه القرءان من تلاوة وقراءة على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، كما ذكر أن "ذكر الله" أكبر وجعل الصيام وسيلة للتحقق بالتقوى، والغاية مقدمة على الوسيلة.
مزدري: من قال بقولك هذا من السلف؟! من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب، أنت غير متخصص، أنت لست ندا لي، أنت تشكك في الثوابت، أنت تزدري الأديان، أنت تشكك في الثوابت، أنت تزدري الأديان، أنت تشكك في الثوابت، أنت تزدري الأديان، أنت تشكك في الثوابت، أنت تزدري الأديان، أنت تشكك في الثوابت، أنت تزدري الأديان، أنت تشكك في الثوابت، أنت تزدري الأديان، أنت ..........  
أخرج مسلم مسبحته، وأعطاها لمزدري قائلا: يمكنك الاستعانة بها لإكمال العدد المطلوب
مزدري: شكرا، رغم أنها بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار إلا أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
أخذ مزدري يكرر اتهاماته على السبحة، انتظر مسلم حتى فرغ، ثم قال له: ما هو مناط الأكرمية عند رب العالمين؟
نظر إليه مزدري بريبة قائلا: ماذا تقصد؟
مسلم: قال تعالى: {.... إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)} الحجرات، فمناط الأكرمية عند الله هو التقوى، والقرءان يبين أنها المقصد من إقامة ما تسمونه بأركان الدين، فالتحقق بالتقوى أعلى مرتبة من إقامة الصلاة ومن الصيام مثلا، وكان عليكم أن تأخذوا دينكم وموازين الأوامر الدينية منه، ولكنكم اتخذتموه مهجورا!!
أخذ مزدري يردد من جديد على المسبحة شتائمه أو اتهاماته، انصرف مسلم تاركا له المسبحة ليكمل العدد المقرر.

وبعد بضعة أيام التقى مسلمُ الشيخَ المزدري بن إبليس المفلس التعيس، كان معه مجموعة أخرى من المزدرين، ما إن رأوا مسلما حتى قاموا جميعا وأخذوا يرددون نشيدهم المعلوم: أنت تشكك في الثوابت، أنت تزدري الأديان، أنت تشكك في الثوابت، أنت تزدري الأديان ...........

السبت، 19 ديسمبر 2015

معنى التفريق والتفاضل بين الرسل

معنى التفريق والتفاضل بين الرسل

لا يجوز التفريق بين الرسل في أمر الإيمان، يجب الإيمان بكل من ذكرهم القرءان من الرسل، ولكن هذا لا ينفي أن الرسل متفاضلون فيما بينهم كما ذكر القرءان، هناك الأفضل، وهناك المفضول، والتفضيل شأن إلهي لا دخل لأهواء الناس فيه، وما هو منصوص عليه في القرءان يجب الإيمان به هو وفحواه، أما من رفض الإيمان ببعض الرسل فقد كفر بركن من أركان الإيمان مثل حال أهل الكتاب، والقرءانيون والمجتهدون الجدد يخلطون بين الأمرين؛ أي هم يظنون أن النهي عن التفريق بين الرسل يعني رفض التفاضل فيما بينهم، وهم لا يستعملون قولهم هذا إلا ضد خاتم النبيين فقط، فهم في الحقيقة يفضلون من هم دونه عليه!
فالإيمان بأن خاتم النبيين هو الأفضل كما هو منطوق وفحوى آيات القرءان هو أمر واجب وملزم لكل مسلم، وهو لا يعني أي تفريق بين الرسل، قال تعالى واصفا المفرقين:
{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151) وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (152) يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآَتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا (153)} النساء
فالتفريق المنهي عنه هو ما فعله أهل الكتاب الذين رفضوا الإيمان بالنبي الخاتم ورسالته.
من دلائل أفضلية النبي الخاتم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ على سائر الأنبياء والمرسلين:
1.            قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} الأنبياء فمن هو رحمة للعالمين على إطلاقهم يكون خيرا منهم كلهم، وقال تعالى: {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6)} الدخان، فهو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ عين الرحمة وإرساله رحمة.
2.            قال تعالى: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} الأحزاب40، ومن كان خاتم النبيين بكل معنى من المعاني هو تاجهم وسيدهم وزينتهم والمهيمن عليهم.
3.            من أُرسل إلى الناس كافة وإلى يوم الدين هو خير ممن أرسلوا إلى أقوامهم المحدودين.
4.            من تلقى كلمة الله التامة والكتاب المهيمن والدين الكامل الخاتم والناسخ لبعض ما كان قبله والباقي إلى يوم الدين هو خير ممن كانت رسالاتهم وقتية.
5.            من تعهد الله تعالى بحفظ الرسالة التي تلقاها أفضل ممن تلقوا رسالات اُستحفظ عليها الأحبار والرهبان.
6.            من تلقى الرسالة التي تعهد الله تعالى بحفظها أفضل مم تلقوا رسالات نُسِخ بعضها أو تُرك ليندثر.
7.            قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} الفتح10، {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً} النساء80، هذا هو أعظم تكريم ناله إنسان، ولمن قيلت في حقه الأفضلية المطلقة على سائر المخلوقات، فلقد جعله الله بمثابة نفسه.
8.            قال تعالى: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} الحشر21، إن من تلقى القرءان من لدن حكيم عليم ومن أوتي السبع المثاني والقرءان العظيم ومن جاء بالرسالة الكاملة التامة الخاتمة هو الأفضل على الإطلاق.
9.            القرءان يبين بكل وضوح أنه النبي المطلق والرسول المطلق والعبد الطلق، وهذه مرتبة لا تكون إلا لواحد هو السيد والأفضل.
10.        هو الرسول النبي الذي حقق مقاصده كاملة كما شهد له بذلك كل منصف.
11.        وأمره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ باتباع ملة إبراهيم عليه السلام هو من حيث أن هذه الملة هي البداية الرسمية للإسلام، والله سبحانه لم يأمره باتباع أحد من خلقه، وإنما أمره باتباع ملة إبراهيم التي أوحيت إليه من الله تعالى رأسا، ورسالته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ هي تتويج لعمل كل من سبقه، فهي الدين التام الكامل، والإنسان بحكم طبيعته الإنسانية يولد طفلا ثم يبدأ في النمو والتعلم والترقي، ففي بدايته قد يُأمر بالتعلم ممن سبقه أو ممن هو أكبر منه سنا بينما هو مُقدَّر له بحكم إمكاناته واستعداداته أن يسبقهم، وهذه حقيقة ثابتة ومعلومة، وهذا ما تحقق للرسول بالفعل، وهذا ما يشير إليه المعراج.


*******

الاتِّباع

الاتِّباع

النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ تلقى القرءان مُنَزَّلا ومُنْزلا، وكان من مهامه أن يبين للناس ما نُزِّل إليهم، والتبيين يكون كما يلي:
1.     بتلاوة آياته عليهم، وبذلك يخرج من باطنٍ إلى ظاهر للناس.
2.     وهم كعرب كانوا يدركون من التلاوة ما هو مطلوب منهم في أكثر الأحيان، فأكثر الآيات لها ظاهر وأحكامها بيِّنة واضحة.
3.     بحكم أن الرسول تلقى القرءان في كل صوره مُنَزَّلا ومُنْزلا، مجملا ومفصلا، فهو أولى الناس بأن يعلم القول القرءاني في كل مسألة، وأن يجيبهم عنه.
4.     المؤمنون مأمورون باتباع ملة إبراهيم، وهو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ كان أعلم الناس بها، فكان يعلمهم الصحيح منها.
5.     أكثر ما سألوا عنه نزلت الآيات لتجيبهم، لذلك تكرر في القرءان آيات يرد فيها: "يَسْأَلُونَكَ .... قُلْ".
6.     تعلموا ألا يسألوا إلا للضرورة القصوى، ذلك لأن أكثر أسئلة الناس تكون عادة متعلقة بالشعائر والطقوس، وقد جرت السنن أن السؤال في مثل هذه الأمور يؤدي إلى زيادة الأوامر والنواهي ووضع المزيد من الآصار على الناس، ومن أمثلة ذلك من كرر السؤال عن الحج في واقعة معلومة.
7.     تعلموا أن تأويل الآيات المتشابهات سيأتي في وقته المعلوم، فتبيينها لهم يكون بمعرفة ما تستلزمه منهم.
*****
الإسلام رسالة عالمية، وكل الناس –بما فيهم المحسوبون على الإسلام- إلى قيام الساعة ملزمون باتباع الرسول طالما بلغتهم رسالته البلاغ المبين، فالمسلم مأمور باتباع الرسول، والاتباع هو من حيث أنه رسول يحمل رسالة، ومن حيث أنه أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا، وبالطبع فهذا الاتباع يكون فيما ثبتت نسبته إلى الرسول، والرسالة التي هي القرءان هي قطعية الثبوت، ولها الهيمنة التامة على كل الكتب الأخرى بما فيها الرسالات الأخرى.
قال تعالى:
{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون} [الأعراف:158]، {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32)} آل عمران
والرسول نفسه ومن اتبعه مأمورون باتباع القرءان الذي أنزل عليه أوحي إليه هو من دون الناس، قال تعالى:
{اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِين} [الأنعام:106]، {قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُون} [الأنعام:50]، {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقرءان غَيْرِ هَـذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيم} [يونس:15]، {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِين} [يونس:109]، {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [الأحزاب:2]، {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُون} [الجاثية:18]، {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِين} [الأحقاف:9]، {وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون} [الأنعام:155]، {اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُون} [الأعراف:3]، {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون} [الأعراف:157]، {وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يِوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَـذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُون} [الأعراف:203]
فالآيات تبين تماما أن شأن الوحي وإنزال آيات الكتاب هو لله تعالى وحده، وليس لغيره، وأن الرسول ومن آمن معه مأمورون باتباع القرءان.
والمصدر الثاني للأوامر الدينية هو ملة إبراهيم عليه السلام، والأصول اللازمة منها مذكورة في القرءان مثل إقامة الصلاة والحج، وما ليس مذكورا هو أمور ثانوية مثل الختان، قال تعالى:
{قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين} [آل عمران:95] {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا} [النساء:125]، {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين} [النحل:123].
وملة إبراهيم قد بينها الرسول للناس بقوله وفعله، هي التي حُفظت وانتقلت بالتواتر العملي المجتمعي من مئات إلى ألوف إلى مئات الألوف ... الخ.
فالاتِّباع يكون لما أنزل الله، وهذا ما يرفضه الناس عادة لتفضيلهم ما ألفوا عليه آباءهم، قال تعالى:
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُون} [البقرة:170].
واتباع الإنسان لما ألفى عليه آباءه لمجرد أنه ألفى عليه آباءه هو من الآثام العظام وينزل به بالضرورة إلى ما دون مرتبة الأنعام، فيجب على الإنسان أن يعمل ما لديه من ملكات ما استطاع إلى ذلك سبيلا وأن يعمل دائما على أن يكون على بصيرة من أمره، والتوجه إلى رب العالمين بإخلاص وصدق يرفع عن كاهل الإنسان الإثم والوزر والإصر.

*******