الخميس، 14 سبتمبر 2017

آية الأنفال 17

آية الأنفال 17

{فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17)} الأنفال

إنه لو كان السلفية الأثرية متسقين مع أنفسهم وقواعدهم فلن يستطيعوا تفسير مثل هذه الآية وسيجدون فيها اختلافا لن يستطيعوا تبريره، ولكن بما أنهم ألد أعداء العقل والمنطق فإنهم سينقلون ما يقوله غيرهم دون أن يروا أي تناقض ودون أن تهتز منهم شعرة، وهم لن يستطيعوا اللجوء إلى القول بالمجاز الذي لا يعترف به ربهم ابن تيمية وينفي وجوده في القرءان.
أما الأشاعرة فسيستدلون بها على صحة قولهم بأن الله يفعل عند الأشياء لا بها وأن الفعل إنما هو لله وليس للأسباب الظاهرة وأنه ليس للإنسان إلا ما يسمونه بالكسب وليس الفعل، هذا رغم أن الآية لا تنفي نسبة الأفعال إلى من صدرت عنهم، وإنما تثبتها لهم، والكسب عندهم هو قدرة تحدث للإنسان عندما يهم بالفعل لكي يُنسب الفعل إليه، ولا أثر لها في حدوثه، بل الحدوث بالقدرة الإلهية.
أما المعتزلة فلن يجدوا حرجا من القول بأن الأفعال المذكورة هم الذين خلقوها أو أوجدوها، وسيحاولون التملص من نسبة الأفعال في الوقت ذاته إلى الله بأي حيل لغوية أو باللجوء إلى القول بالمجاز.
أما المتصوفة من أصحاب عقيدة وحدة الوجود فسيعتبرون الآية نصا على عقيدتهم، فهم سيقولون إن الله الظاهر بصورة الرسول هو الذي رمى؛ فالرمي المنسوب إلى الصورة الظاهرة يجب أن ينسب إلى المتجلي الذي له الوجود الحقيقي.
أما طبقا لدين الحق الذي نعلمه فإن كل فعل صدر عن إنسان وكان من مقتضى سمات كمال فإنما ينسب إلى الله تعالى بالأصالة لأنه هو المصدر الأوحد للكمال والحسن في الوجود، فهو أولى به من غيره، والفعالية والإيجابية والتأثير من كمالاته اللازمة، كما أنه لا يتحقق فعل أو عمل إلا بسريان قوانينه وتحقق سننه، أما من صدر عنهم الفعل من الناس فهم محض آلات لله يحقق بهم ما أراده، ولما كانت الحكمة من سماته اللازمة فلقد دبر الأمر واختار لتحقيق مراده من هم الأصلح لذلك لتوفر ما يلزم من صفات الكمال لديهم ولصدق عزمهم على تحقيق ما أراد الله منهم ولكونهم قدموا إرادته وأوامره على مطالبهم الذاتية، فمن حيث مرتبة هذا العالم فالأعمال الصالحة المذكورة صدرت عنهم بالفعل، ولكنهم لم يخلقوها بل تحققت بمقتضى قوانين الله وسننه، وهم لكل ما ذُكر سيكونون محل آثار هذه الأعمال الصالحة التي حققها الله بهم، أما هو سبحانه فهو معهم وقريب منهم ولكنه أيضا العلي الأعلى المتعالي عليهم، فهو ليس عين وجودهم ولا المتجلي بصورهم ولا الظاهر مقيداً بمراتبهم، وهم ليسوا بصور متعددة له ولا بأعيان ثابتة تطالع صورها في مرآة وجوده، فهم من مخلوقاته التي خلقها وقدرها ليحقق بهم مقاصده، وهم أشبه بالعدم عند المقارنة به ولا وجود حقيقي لهم إلا بالنسبة إلى بعضهم البعض.
من يكون آلة لتحقيق أمر معين لن ينجح فيه إلا بقدر وسعه وعزمه وقصده، وقد لا ينجح، وفي غزوة بدر التي يتحدث عنها سياق الآيات كان المقصد هو ما نصَّت عليه الآيات:
{وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8)} الأنفال
ونزول الملائكة كان لتثبيت الذين آمنوا، وهم بالطبع لم يقاتلوا، وملك واحد قادر على إبادة جيش قريش كله، ومن الأولى أن يقضي الله تعالى عليهم بكلمة منه، ولكن كل ذلك يتنافى مع وجوب تحقيق المقاصد الوجودية، ولذلك قال تعالى:
{وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4)} محمد، {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142)} آل عمران.
ولو تقرر أن يقاتل ملك من الملائكة لأخذ صورة إنسي، ولقاتل بوسائله، قال تعالى:
{وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُون} [الأنعام:9]
ولكي يكون الإنسان محض آلة إلهية عن بصيرة وإدراك كالعبد الصالح صاحب موسى يجب أن يتطهر تماما من كل أهوائه وإرادته الخاصة وأن يعيش لله بالله في الله.
*****
حاول دعاة وحدة الوجود الاستناد في دعواهم إلى أمثال هذه الآية فجعلوا منه سبحانه عين المخلوقات أو عين وجودهم، وصالوا في ذلك وجالوا وجاءوا بكل غريب، ولكن الحق هو أن الآيات تفيد استناد كل الأفعال إلى الله تعالى من حيث انتهاء كل سلاسل الأسباب إليه ومن حيث أن كل السنن التي يسير عليها أمر الكون إنما هي من مقتضيات أسمائه وسماته ومن حيث أن كل المخلوقات هم آلاته وأدواته، ولكن استناد كل الأفعال إليه طبقا لهذا البيان لا ينفي صدورها عمن صدرت عنه ولا مسؤوليته عنها، فالله سبحانه لا يستخدم أداة أو آلة إلا بما يوافق طبيعتها، وكذلك يجعلها محل آثار الفعل الصادر عنها، فإذا اقتضى الأمر قتل بعض المشركين ممن حق عليهم القول ولم يعد ثمة مجال لإيمانهم فإن أفضل من يمكن أن يستخدم لذلك هم المؤمنون ففي ذلك ابتلاء لهم ورفع لدرجاتهم وإمكانية اتخاذ شهداء منهم، وكما يصدر فعل قتل المشركين منهم فإنهم سيكونون أيضا محل النتائج المترتبة على ذلك الفعل، وكما يجعل الحق من عباده آلات لتنفيذ ما أراده وما قضى به فإنه ينسب إلى نفسه ما فعلوه.
والآيات تشير أيضًا إلى رضى الله تعالي عما فعله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ والذين معه، وهو يعلن بها تأييده ومساندته لهم.
هذه الآية توقع السلفية والمشبهة والمجسمة وأهل التفسير الحرفي في حرج بالغ، فالظاهر والبادي تماما للعيان هو أن المؤمنين هم الذين قتلوا من قتلوا من المشركين في موقعة بدر، ومع ذلك فالآية تؤكد أنهم لم يقتلوهم، وتؤكد أن الله هو الذي قتلهم، وذلك في حين أن الآية تنسب إليهم فعل القتل أيضًا، ولذلك يجب التأكيد دائما على أن القرءان يخاطب قوما يعقلون ويفقهون ويتدبرون ولديهم السليقة العربية ويعلمون الأساليب العربية أيضا.
فالمؤمنون كانوا مجرد آلات لتنفيذ ما قضى الله تعالى به وأراده وذكره في القرءان:
{...وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7)} الأنفال، {لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ (127)} آل عمران.
وقتل الكافرين تمَّ بمقتضى حكم الله وقضائه وبالتوافق مع قوانينه وسننه، ولذلك فهو في الحقيقة له، وفي الظاهر للآلات التي استعملها لتحقيق ذلك.
والرمية التي قام بها النبي قد أثبتها الله تعالى له من حيث أنه الآلة الإلهية الظاهرة، ونفاها عنه من حيث أن الفعل الحقيقي والتأثير لله تعالى وحده وبمقتضى قوانينه وحده وسننه وأمره، ولذلك أثبتها الله تعالى لنفسه، فالفعل من حيث هو تأثير محض لا يكون بالأصالة إلا لله تعالى.
ولا يجوز هاهنا الأخذ بمزاعم القائلين بوحدة الوجود من المتصوفة، والحدود واضحة تماما والبون واسع بين الله تعالى وبين خلقه.  
فالله تعالى لا يباهت الناس فيما يرونه، ولا ينفي عن أحد ما صدر عنه من فعل، ويحاسبه عليه، ولكن هذا الفعل لا يتم إلا إذا توافق الإنسان مع السنن الكونية السارية على الناس.


*******

الأحد، 3 سبتمبر 2017

مصر 1

مصر 1
أيا مصر يا أرض الإله
وموطن شعبه المختار في الزمن السحيق
يا موطن الداعين إلي خير الطريق
ما عاداك إلا جاهل وصفيق
يا مهد الحضارة وموطن الإيمان
فيك خير شعبٍ سجدْ لربه الرحمـن
من قديمٍ بارك الله شعبك
وقال رسوله إن خير الجند جندك
وقد رفعت من قديمٍ راية التوحيد
وعرفت السبيل إلى السعادة والخلود
وكشفت أسرار الوجود
فكان الفضل لك والمجد التليد
من قديمٍ ساسك الأنبياء
وكنت للناس الضياء في الليلة الظلماء
قد أثنى عليك الله في الذكر الحكيم
وأوصى بك النبي جند المسلمين
وإليك أتى نبي الله إبراهيم
وفيك قال الكريم بن الكريم
ادخلوا مصر آمنين وسالمين
وإليك انتمى نبي الله إسماعيل
من أثنى عليه الله بالقول الجميل
ومن أحفاده أتى محمد خير البشر
وخير آتٍ بالبشائر والنذر  
يا أمَّ موسى كليم الله وموطن الرسل الكرام
يا حصن الأمان لعيسى يا درة الإسلام
يا من عرفت قدر رسول الله والآل الكرام
يا أيها البلد الأمين.
يا حصن الأمان يا ملاذ الخائفين
قد شهدت تجلي الله في سينين
وفيك تدكدك الجبل العظيم.
وتقدس الوادي الكريم
في الليلة الليلاء كنتِ حصنَ المسلمين
ومنك جاء خير جند المؤمنين
فقهرت أعداء الإله في حطين
طهرت أرض الشام من شرِّ عباد الصليب
وفككت أسر المسجد الأقصى الحبيب
ثم قاد بيبرس جندك الأبرار.
ليدمروا شر أجناد الدمار
وليصونوا الأرض من دنس التتار

*******

السبت، 2 سبتمبر 2017

مصطلح الأرض

مصطلح الأرض

لم ينصّ القرءان نصَّا صريحًا على أن كوكب الأرض يتحرك، لأسباب عديدة، منها:
كلمة الأرض ترد في القرءان بمعانٍ عديدة: ما يقلّ الإنسان، السطح الممهد الذي يقابل الجبال، عالم الإنسان، بلد معين مثل مصر ...
ولا وجود لحركة مطلقة The state of absolute motion does not exist، الحركة نسبية Motion is relative، والخطاب القرءاني موجه إلى الإنسان، فالإنسان هو المرجع أو محور الإسناد The frame of reference، فالأرض ثابتة بالنسبة إليه، وهو الذي يتحرك بالنسبة إليها.
وليس من الحكمة تقديم معلومة تستلزم معرفة كبيرة بعلم الفلك، وإلا فسيتورط الرافضون للرسالة في المزيد من الجدل والتكذيب، أما الذين آمنوا فقد يُفتنوا.
وليس مطلوبًا من القرءان أن يتضمن في نصوص صريحة كل العلوم التي من الممكن أن يكتشفها الإنسان إلى قيام الساعة، وهل يتخيل الإنسان أن هذا ممكن أصلا؟ بل إن القرءان هو الذي يأمر الناس بالسعي إلى اكتشاف آيات الله وإعمال ملكاتهم فيها، مع الوعد بأن الله تعالى سيريهم آَيَاتِه فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ.
وما هي جدوى أن ينص القرءان على كل العلوم؟ هل سيزداد عدد المؤمنين مثلا؟ أم هل سيؤمن كل الناس؟ الجواب مذكور في القرءان: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُون} [الأنعام:111]
فالذي سيحدث هو تقديم المزيد من الحجج عليهم، والتي سيرفضها من تأبى نفسه الإيمان فيجلب على نفسه المزيد من العذاب والتنكيل.
يجب العلم بما يلي عن المقصود بلفظ الأرض:
أولا:
الأرض هي ما يقلّ الإنسان، فالسطح الذي يقف عليه الإنسان أو يمشي أو يجري هو الأرض بالنسبة له، فلو صعد إلى أحد الكواكب مثلا، فسيكون السطح الذي يقف عليه هو الأرض بالنسبة له، وفي الدار الآخرة سيكون هناك أرض تؤدي بالنسبة إليه نفس المهام، والإنسان الذي يعيش في بيت في الطابق السابع ستكون أرضه هي سقف من يسكن في الطابق السادس.
لكل ذلك لا يمكن الحديث عن حركة الأرض المذكورة بالنسبة للإنسان، فهي بالنسبة إليه ثابتة، وإنما هو الذي يتحرك بالنسبة إليها، فهذه الأرض تُذكر مثلا مع الجبال، فالجبال ليس منها، فهذا المعنى للأرض هو المذكور في أكثر آيات القرءان، ومنها:
{وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَة}[الحاقة:14]، يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَّهِيلاً}[المزمل:14]، {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7)} النبأ، {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20)} الغاشية، {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى}[طه:6]
ثانيا:
الأرض هي الكوكب الأرضي بصفة خاصة، وبالطبع لم يكن من الحكمة النص الصريح على أن الأرض كوكب مثل الزهرة أو المريخ مثلا في عصر نزول القرءان، فقد كان ذلك يستلزم إعطاءهم معلومات كثيرة في علم الفلك لم يكونوا مستعدين لتقبلها أصلا.
وعندما اكتشف الإنسان أن الكيان الذي يعيش عليه هو كوكب مثل سائر الكواكب التي يراها في السماء فإنه لم يفكر في أن يخترع له اسمًا خاصًّا، والناس في الغرب لديهم ميزة الحروف الكبيرة في لغاتهم Capital letters، والتي يمكن تحويل الاسم العام إلى اسم عَلَم   Proper name، فاستعملوا نفس الكلمة، مع جعل أول حرف حرفًا كبيرا، فكلمة أرض earth أصبحت اسم علم هو Earth للدلالة على الكوكب الأرضي بكل ما يتضمنه.
فهذه الأرض مع سماواتها تشكل عالم (كون) الإنسان أو الدار التي يحيا فيها الإنسان، وهذه الأرض هي المشار إليها في آياتٍ مثل:
{قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11)} فصِّلت
ويلاحظ أنه ثمة إشارة إلى حركة الأرض في الآيات، فلم يكن من الحكمة النصّ الصريح على حركة الأرض، وهذا يتضمن أن الحركة نسبية، والحق أن الأمر كما ذكره القرءان:
{لاَ الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلاَ اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُون} [يس:40]
فالآية تنصّ على سنة كونية عامة هي: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُون}، وقد قدَّمَت مثلا بما يراه الناس من سباحة الشمس والقمر، وثمة آية أخرى ذكرت الشمس والقمر بصفة خاصة، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُون} [الأنبياء:33]
فإضافة حرف الواو في آية سورة يس تُطلق الأمر، وتجعل القانون عاما.
وكذلك هناك إشارة إلى حركة الأرض في الآية: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُون} [النمل:88]
فالجبال التي هي جزء من كوكب الأرض تتحرك بحركتها ككل شيء مرتبط بالأرض، والآية تشير أيضًا إلى نسبية الحركة، فهذه الآية عامة، ولا تختص بيوم القيامة، فالجبال تم دكها ونسفها عند قيام الساعة؛ أي قبل يوم الحساب.
{وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُون} [النحل:15]، {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون} [الرعد:3]، {وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُون} [الرعد:4]، {وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُون} [الأنبياء:31]، {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُون}[المؤمنون:18]، {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِين}[المؤمنون:112]، {وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاء اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِين}[النمل:87]
ويلاحظ أن آية المؤمنون 112 تشير إلى أن المكان الذي يُخاطبون فيه ليس هو الأرض المعلومة.
فهذه الآيات تركز على الجانب الفيزيائي للأرض.
ثالثا:
عالم الإنسان، الذي هو مستخلف فيه، وذلك في آيات مثل:
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُون}[البقرة:11]، {الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُون} [البقرة:27]، {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُون} [البقرة:30]، {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِين}[البقرة:36]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِين} [البقرة:168]، {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَاد} [البقرة:205]، {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُون} [يوسف:109]، {قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاء مَلَكًا رَّسُولا}[الإسراء:95]، {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور}[الحج:46]، {لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِير}[النور:57]، {وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِين}[الشعراء:183]، {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِين}[النمل:69]،
فهذه الآيات تركز على الأرض من حيث حياة الإنسان وأعماله فيها.
ويأتي لفظ الأرض بما يحتمل المعنيين.
ويأتي لفظ الأرض للدلالة على بلاد خاصة لأسباب عديدة، فقد يأتي بمعنى مصر، البلد المعلوم، كما في الآيات:
{وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُون}[يوسف:21]، {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيم} [يوسف:55]، {وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِين}[يوسف:56]، {قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِين}[يوسف:73]، {فَلَمَّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقًا مِّنَ اللّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِين}[يوسف:80]، {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِين} [القصص:4].
*******
لم يكن الناس في الزمن القديم يعلمون أن ما يقلّهم هو كوكب من الكواكب مثل زحل والمشتري والمريخ ... الخ التي يرونها في السماء، ولو كانوا يعلمون لبحثوا له عن اسمٍ آخر غير "الأرض"، فلكل كوكب من الكواكب أرضه الخاصة به هي سطحه الذي سيمشي عليه الإنسان لو صعد إليه، بل إن الإنسان الذي يسكن في الدور العشرين من برج كبير سيكون لبيته الخاص أرضه، وكذلك الإنسان في الطائرة، وفي الجنة، وفي النار، فيجب على الناس دائما إدراك المعاني الأصلية للكلمات عند التعامل مع القرءان.

*******