الأحد، 28 سبتمبر 2014

مصادر كيفية إقامة الصلاة

مصادر كيفية إقامة الصلاة

إن القرءان هو المصدر الأوحد لكل سنن الدين الكبرى ومنها أركان الإسلام، والطريقة القرءانية أو المنهج في القرءان أن يذكر الله تعالى تفاصيل الأمر موزعة على سور وآيات قرءانية كثيرة، وبالنسبة للصلاة فقد ورد كل ما يتعلق بها موزعاً كذلك، هذا بالإضافة إلى أنها كانت معروفة للناس قبل نزول الوحي، فهي كالصيام والحج من ملة إبراهيم عليه السلام التي أوحي إلى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ أن يتبعها حتى من قبل أن ينزل عليه وحي، لذلك كان الرسول يصلِّي ويصوم ويزكي من قبل أن تفرض هذه السنن الدينية على المسلمين، والجديد هو ما أمرهم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ به من قراءة الفاتحة وصيغ التسبيح في الركوع والسجود، وهي موجود في القرءان، فرسالة النبي الخاتم هي تتويج للرسالة التي بدأت بإبراهيم عليه السلام، فالإسلام هو الدين عند الله؛ وهو واحد، وكيفية أداء الصلاة هي كالحج؛ حُفظت وانتقلت بالتواتر العملي، نقلها ألوف إلى مئات الألوف إلى ملايين، فلم يكن من الممكن تزويرها أو تغييرها، فليس من السهل على من أراد التزوير والتحريف أن يغير شيئا في الشكل العام للصلاة الذي كانت تعرفه جموع يتزايد عددها زيادات هائلة بمضي الزمن وإلا لافتضح أمره، بل الاتجاه الأكثر فعالية والذي أرشدهم إليه الشياطين هو المغالاة في أمر شكلياتها وإفراغها من روحها ومضمونها، ولم يرد في التاريخ أبداً أن وقف أحد الخلفاء مهما كان فساده وطغيانه وأصدر قانونا بتغيير عدد الصلوات أو بتغيير بعض محتوياتها، ولم يرد أدنى أثر يشير إلى شيء من ذلك.
لكل ذلك فالشكل الخارجي للصلاة يجب أن يكون وفقا للمذهب (الفقهي) السائد، والاختلافات بين هذه المذاهب لا يجوز أن تشغل الإنسان عن أركان الصلاة الجوهرية الموجودة في القرءان، كما لا يجوز أن يجعل المسلمون من الشكل الخارجي للصلاة شغلهم الشاغل ولا أكبر همهم ولا مبلغ علمهم، فالصلاة هي مجرد وسيلة لأداء أركان قرءانية دينية أعظم منها بكثير!
وكذلك لا يجوز أن يكون الشكل الخارجي للصلاة ذريعة لاقتراف آثام كبرى مثل إثارة الفتنة أو تفريق الدين أو سفك الدماء أو الإفساد في الأرض! ومن يفعل ذلك إنما هو مجرد نعل في قدم شيطان مريد!

ويجب العلم بأن الله تعالى ينظر إلى قلب المصلي ويراقب حضوره معه، وأنه هو والملأ الأعلى ليسوا مجموعة من الموظفين البيروقراطيين الذين لا هم لهم إلا سلامة الإجراءات والشكليات، لن ينتفع المرء بصلاة يكون شغله الشاغل فيها حركات جوارحه لا مشاعر قلبه!
إن الله تعالى عندما أمرهم بإقامة الصلاة في بداية البعثة فهو يأمرهم بما يعرفونه من كيفيات، وتوجد أوامر قرءانية لا حصر لها تتضمن تفاصيل الصلاة فضلا عن الأمر باتباع ملة إبراهيم، هناك العديد من الأوامر بالخشوع والقيام وتلاوة القرءان وبالركوع وبالسجود والتسبيح وذكر الله وبالامتناع عن اللغو .... الخ، هذه الكيفيات هي التي انتقلت بالتواتر، ولولا وجود أوامر قرءانية بإقامة الصلاة والركوع والسجود وتلاوة القرءان لما كان لهذا التواتر أي معنى.
أما كيفية صياغة الصلاة في شكلها النهائي فلا يجوز أن تشغل المسلمين كثيرا، بعضهم يقول بالوحي الثاني وبعضهم يقول لا وحي إلا القرءان ... الخ، بعضهم يقول إنه هو الذي اختارها وقال آخرون بل نزل ملك فصلى به وقلده هو، وكأن هؤلاء قد فقهوا مرتبة الرسالة والنبوة وأحاطوا علما بالعلاقة بين الله ورسوله!
وبافتراض جدلا أنهم كانوا يصلون الظهر خمس ركعات وقرر خليفة ما تخفيضها إلى أربع ركعات فتلقى الناس ذلك بالقبول وتواتر، فبافتراض تحقق هذا المستحيل فإنه لا وزر على المسلمين الآن، وإنما الوزر على هذا الخليفة وعلى الطريقة التي اتبعها هو وأتباعه لإخفاء الحقيقة.
ويحاول البعض صرف الألفاظ عن مدلولاتها أو التركيز على المعاني الباطنية وازدراء المعاني الظاهرية، والكلمة في القرءان لها معانٍ عديدة، والسجود المعنوي لا ينفي السجود الحسي، والتأويل الباطني لا ينفي المعنى الظاهري، وقد كانت هذه وسيلة المنحرفين دائما لهدم الدين وإفراغه من مضامينه، والقرءان ليس قاموسا لغويا، ولكنه أنزل بلسن عربي مبين، وكل كلمة قرءانية لها معناها اللغوي الأصلي الذي يجب أخذه دائما في الاعتبار ويجب أن تتوفر لدى القارئ السليقة والتمكن من اللغة ليفقهه، والسجود له معناه اللغوي المعلوم، وتوجد آيات قرءانية أيضا تشير إلى معناه، قال تعالى: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُون}[السجدة:15]، {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِين}[الحجر:29]
 وكلمة "خروا" لها معناها اللغوي في الآية، وكلمة "قعوا" لها معناها اللغوي في الآية، فهذه الحركات تبين معنى السجود، ولا يجوز نفي المعنى اللغوي والظاهر لحساب المعنى الباطن.

*******
والقرءان هو المصدر الأوحد في سنن الدين الكبرى، والمصدر الرئيس في السنن الثانوية، فما سكت عنه هو السنن الثانوية، ولا يمكن لحركات إنسانية مثل حركات الصلاة أن تُسجل كتابة بكل دقة كما يتصور البعض، فإذا قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ....}المائدة6 فقد ترك الأمر وفيه سعة، ولقد أعلن دائما أنه: {مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }المائدة6، فلا يمكن التحديد الدقيق لمثل هذه الأمور، ولا يمكن أن يرد أمر مثل: "إياكم أن تتركوا ذرة من أيديكم بدون غسل" كما ألزم بعض (الفقهاء) الناس فتسببوا في إصابتهم بالوسواس القهري، ولكن الناس كانوا ومازالوا يلحون على الأئمة ليبينوا لهم بالتفصيل الدقيق الوافي كيف كان الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ يصلي ويتوضأ، ولقد كان المسلمون أولا يصلون بجانب بعضهم البعض، بل كان الرجال يصلون بجانب النساء، وكان بعضهم يحرص على الصلاة بالقرب من امرأة جميلة لكل يختلس النظر إليها أثناء الصلاة كما ذكروا في التفسير!! وكانوا يتحدثون ويتحركون، وتم منع أو تعديل كل ذلك تدريجيا، ولكن ظلت الصلاة عملا حيا وليست بتلك الصورة الجامدة التي آلت إليها، والصلاة تتضمن ركوعا مثلا، وتوجد طائفة الآن تشكك في كيفية الركوع المعروفة!!
ويجب العلم بأنه بعد إلغاء أكثر أركان الدين لحساب الأركان المعروفة تمّ توثين الصلاة، فالحرص على هذا التوثين هو الذي أدى إلى تضخيم شأن الاختلافات الطفيفة، فلما تفاقم التعصب المذهبي تضخم شأنها أكثر وأكثر، حتى لقد زعم بعضهم أن من يخالف شيئا من الهيئات التي يعرفها هو يُستتاب وإلا فيجب قتله!!! والمالكية يسدلون أيديهم بجانبهم عند الصلاة ويصرون على ذلك، مع أن الأوضاع الأخرى أقوى من حيث الثبوت، ولكنه التعصب المذهبي.
وإقامة الصلاة أمر قرءاني ثابت في السور المكية ومنها أوائل السور نزولا، والإسراء –حسب كلام جامعي المرويات وكتاب السيرة- كان في السنة الثانية عشر قبيل الهجرة، هذا مع أنه من الثابت أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ كان يصلي بالسيدة خديجة والإمام علي حتى من قبل أن يجهر بالدعوة، ولقد دعا إبراهيم ربه: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء }إبراهيم40، وكان الأنبياء والصالحون يقيمونها: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ}الأنبياء73، وإنما أضاعها بنو إسرائيل: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً}مريم59، وحفظها الله تعالى في ذرية إبراهيم من إسماعيل عليهما إكراما لهما، فهما ألحا في الدعاء لذلك، وشهد القرءان لإسماعيل بحرصه على الأمر بها: { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً{54} وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً{55}}مريم54، لذلك لم تكن كيفية أداء الصلاة غريبة على القرشيين المتحنفين مثلها مثل الصيام والحج، لذلك لم يكن غريبا أن يقول الله لهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }البقرة183، والخلاصة أن الله تعالى قد حفظ للناس الكثير من ملة إبراهيم وخاصة السنن العملية، ولذلك أوحى إلى رسوله باتباعها: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }النحل123، وأعلن أن من لم يتبعها فقد سَفِهَ نَفْسَهُ: {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}البقرة130، فالرسالة المحمدية هي تتويج واستكمال لرسالة كانت قائمة، فالدين عند الله واحد، وهو الإسلام، وهو لم يبدأ من الصفر أيام البعثة النبوية، بل بدأ رسميا بإبراهيم عليه السلام كما ذكر القرءان الذي هو تبيان لكل شيء، وبالطبع فقد طهَّرت الرسالة المحمدية ملة إبراهيم من شرك الأعراب وتحريفاتهم ونسخت الكثير وأبقت الكثير وأضافت الكثير.

وكل ما يتعلق بتفاصيل الصلاة من الأمور الثانوية قد بيَّنه الرسول للناس بأوامره وسلوكه العملي، ومنها: "صلوا كما رأيتموني أصلي"، "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب"، و"اجعلوها في ركوعكم"، و"اجعلوها في سجودكم" قال ذلك عندما نزلت الأوامر بتسبيح الاسم الأعلى والتسبيح بالاسم العظيم في سور مكية...الخ، وحُفظت هذه الصلاة بالتواتر العملي، وسيأتي لا محالة زمان سيندثر فيه العلم بكل هذه التفاصيل، وستُقبل من الناس أية كيفية أخرى تتضمن الأمور الأساسية القرءانية، فالقرءان هو الرسالة الباقية!
ورغم اختلافنا المعلوم مع السلفية، فإننا نشهد لهم بأن كيفية الأداء الشكلي للصلاة عندهم هي الأقرب لما كان عليه الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ.
-------
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} النور58
الآية لا تقصد إلى حصر الصلوات وإنما تتحدث عن صلاتي الفجر والعشاء وكأنهما معلومتان تماماً للمسلمين، وهذا كان بالفعل أمراً واقعا، ويقول البعض:"ولماذا لم يقل: ومن بعد صلاة الظهر؟" والجواب هو أن عملية وضع الثياب من الظهيرة عملية غير محددة بنفس دقة توقيت النوم، والذي يكون بالضرورة بعد صلاة العشاء وقبل صلاة الفجر، فقد يضطجع المرء قبل صلاة الظهر أو صلاة العصر أو بعدهما.
ولقد كان المسلمون يصلون وفق ملة إبراهيم عليه السلام، فقد حفظ الله تعالى كيفيات أداء الصلوات في ذريته من أبناء إسماعيل استجابة لدعوته حين قال: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء }إبراهيم40، ومن المعلوم أن فرع بني إسرائيل أضاعوها، قال تعالى: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً }مريم59، ولقد سجَّل القرءان لإسماعيل عليه السلام حرصه الشديد على الصلاة وعلى أن يؤديها أهله: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً{54} وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً{55}} مريم، وهكذا أوردت نفس السورة حرص إسماعيل عليه السلام على الحفاظ على الصلاة كما أوردت أن ذرية إبراهيم الآخرين قد أضاعوها، فقد كانت الصلاة معلومة لقريش وكانوا يؤدونها وهما ساهون عن حقيقتها وجوهرها، وقد قال تعالى:
{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ{1} فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ{2} وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ{3} فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ{4} الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ{5} الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ{6} وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ{7} الماعون
ولذلك كان التركيز الأساسي في القرءان على جوهر الصلاة ومقاصدها، ولقد كان منوطاً بالرسول أن يختار لأمته ما يُقرأ في الصلاة من الكتاب المنزل وصيغ التسابيح فاختار لأمته الأفضل والأيسر.
وكيفيات أداء الصلاة كما كان يؤديها الرسول لم تندثر، ولو كان ثمة خوف من اندثار هذه الكيفيات لنصّ عليها القرءان، ولكن من المعلوم أن الحركات العملية البسيطة لا تندثر بسهولة خاصة ولا يمكن تحريفها بسهولة، ومن المعلوم أنه قد صلى مع الرسول عشرات الألوف من الناس نقلوها إلى مئات الألوف نقلوها إلى ملايين، ولم يكن لأصحاب المصلحة في تحريف الدين مصلحة في إلغاء الصلاة أو تحريفها، ولم يكن من حسن السياسة أبداً محاولة عمل ذلك، بل كان الأفضل هو المبالغة في أمرها وتوثينها، ولذلك أخذ الناس في محاولة تسجيل كل كبيرة أو صغيرة بخصوصها، لقد حاولوا ضبط ما لم يكن بحكم طبيعته منضبطاً أبدا، فنشأت الاختلافات المذهبية التي نفخ الشيطان فيها.
-------
إن القرءان هو المصدر الأوحد في كل أمور الكبرى، فكل السنن الكبرى مثل إقامة الصلاة والصيام والحج مذكورة في القرءان، وأهم مكوناتها ومقوماتها منصوص عليها في القرءان، وكيفية الاهتداء إلى أشكالها الخارجية مذكورة في القرءان، وهي تختلف تماما عن موضوع المرويات التي يسمونها بالحديث، فما انتقل بالتواتر العملي مئات الألوف عن عشرات الألوف عن ألوف يختلف تماما عما كان يتناقله سراً بعض الأشخاص.
ولقد دونها الأئمة المجتهدون قبل أن يولد البخاري، فقد دوَّن جعفر الصادق كيف كان يصلي أهل البيت، ودوَّن أبو حنيفة كيف كان يصلي تلاميذ مدرستي الإمام علي وابن مسعود، كما دون مالك كيف كان يصلي أهل المدينة.
وقام الشافعي بتنقيح المدرستين وتعديلهما وفق ما رآه في مصر من مدرسة عبد الله بن عمرو.
وهذه السنن العملية كانت معلومة للعرب لأنهم كانوا على ملة إبراهيم عليه السلام الذي كان يصلي ويصوم ويحج بنفس الطريقة تقريبا، والقرءان عندما يخاطب الناس يقيم الحجة عليهم، فالقرءان لم يكن بحاجة إلى أن يشرح لهم كيف يصومون أو كيف يجامعون زوجاتهم، والكتاب الذي علم الناس آداب الاستئذان ووصف كيفية الوضوء في جزء من آية لم يكن ليعجز عن وصف كيفية إقامة الصلاة.
-------
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}البقرة168، فهل القرءان بحاجة إلى أن يعلمهم كيف يأكلون؟؟ وما هو الحلال الطيب؟؟
وكل أتباع ملة إبراهيم كانوا يؤدون الصلاة بهذه الكيفية من ركوع وسجود، بل إن المستشرقين يتهمون المسلمين بأنهم نقلوا الصلاة عن الصابئة، وعندما تأمر أول الآيات نزولا المسلمين أن يقيموا الصلاة فهذا يعني عقلا أنهم كانوا يعلمون مغزى الأمر، فالقرءان هو الرسالة، أما اليهود –ربما باستثناء السامريين جزئيا- والنصارى فقد أضاعوا الصلاة كما ذكر القرءان.
وعندما أُمروا بالصوم فلقد أمروا أن يصوموا كالذين من قبلهم ومن ذلك ألا يقربوا النساء ليلا.
فالقرءان هو تتويج للدين الواحد وهو الإسلام الذي بدأ رسميا بإبراهيم، فقد نسخ ما نسخ وأبقى ما أبقى وعدَّل ما عدَّل، ولكن المشكلة هي في اعتقادهم بتفرق الدين وهذا شرك.
ولقد كفروا –وإن لم يشعروا غالباً- بتأكيد القرءان أن الدين واحد وأنه اكتمل بالقرءان، وخُتِم بالرسالة المحمدية.
-------
إن المبالغة في كل ما يتعلق بكيفية الوضوء وأداء الصلوات كان لما يلي:
  1. اختزال أكثر أركان الدين فلم يبق للناس إلا المغالاة في شأن الرسوم والأشكال الخارجية.
  2. سعي الشياطين لاختزال أركان الدين الجوهرية وجعل الأداء الشكلي للصلوات هو ركن الدين الأعظم.
  3. أداء الحركات أسهل بكثير من القيام بالأمور القلبية الجوهرية.
  4. رغبة سدنة وأتباع كل مذهب في التميز عن الآخرين ودحض حججهم.
  5. عمل الشيطان الذي تعهد بإفساد كل أعمال الإنسان كما تعهد بتحويل شكليات العبادت إلى نقمة على الناس ومصدر للتناحر والشقاق.
  6. كون أكثر الناس لا يعقلون ولا يفقهون ولا يعلمون ولا يتبعون إلا تراث الأسلاف والأوهام والظنون.
  7. داء البقرية الذي يجعل الناس يشددون ويتنطعون ويجلبون على أنفسهم العسر فيما هو أصلا في غاية اليسر.
-------
خلاصة القول في موضوع كيفيات الصلوات وعددها:
1.            الإسلام هو دين واحد، وهو لم يبدأ من الصفر في العصر النبوي، وإنما بدأ رسميا بإبراهيم عليه السلام، وهو أول من عرف الصلاة بصورتها المعلومة وكان يتمنى أن تظل ذريته تقيمها كما كان يفعل هو، قال تعالى: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء} إبراهيم40.
2.            تحقق دعاؤه في ابنه إسماعيل وذريته لحرص إسماعيل وكان رسولاً نبيا على الصلاة كما شهد له القرءان: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً{54} وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً{55}مريم، بينما أضاعها الفرع الآخر من ذرية إبراهيم وإسرائيل: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً{58} فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً{59}مريم.
3.            لذلك كانت كيفيات الصلاة معلومة لمن بقي على ملة إبراهيم مثلها مثل شعائر الحج، وكان الصابئة والزرادشتيون والسامريون يعرفون شيئا عنها وعن كيفية التطهر لها، ولذلك كان القرشيون يقولون لمن آمن وصلى: "أصبئت؟"
4.            لم يكن القرشيون محض كفار بل كانوا يؤمنون بالله ويعرفون بعض أسمائه، وهم ما عبدوا الأصنام إلا ليقربوهم منه زلفى بزعمهم، وكان المتحنفون منهم يعرفون شيئا عن الصلاة.
5.            أوحى إلى الرسول من قبل بعثته أن يتبع ملة إبراهيم حنيفا، لذلك كان يتعبد على الصحيح من هذه الملة من قبل أن يتلقى الوحي الخاص به، فهو لم يعبد الأصنام أبدا.
6.            كان الرسول يقيم الصلاة هو والسيدة خديجة وابن عمه عليّ من قبل أن يجهر بالدعوة لعشيرته الأقربين.
7.            أوائل السور المكية تأمر المسلمين بإقامة الصلاة، وهذا يقوض مزاعمهم بأن إقامة الصلاة لم تُفرض إلا بعد 12 سنة من بداية البعثة؛ أي قبيل الهجرة!!
8.            القرءان كان ينزل بالآيات المصححة لما كان معلوماً للناس من ملة إبراهيم أو دين أهل الكتاب، أو ناسخا لبعض ما كانوا يلتزمون به لأسباب عديدة أو معدلا لبعض الأحكام، ومن أسباب ذلك النسخ انقضاء أجل الحكم أو التخفيف أو التطور البشري.
9.            ذكر القرءان كل الأمور الكبرى المتعلقة بالصلاة مثل المقاصد والأركان، ولم يذكرها بالتفصيل لكونها كانت معلومة للناس.
10.        كان الرسول الذي يتلقى الوحي أعلم الناس بآيات القرءان ومنطوقه وفحواه، وهو الذي علم أنه يُلزم المسلم بإقامة خمس صلوات في اليوم والليلة، وهو الذي علم فحوى الأوامر بقراءة القرءان والتسبيح في الركوع والسجود وبينه للمسلمين وأمرهم أن يصلوا كما رأوه يصلي.
11.        صلى مع الرسول الآلاف من المسلمين ونقلوا ذلك إلى عشرات الألوف الذين نقلوه إلى مئات الألوف ثم إلى الملايين من قبل أن يولد جامعو المرويات، ومن قبلهم أيضاً دوَّن أئمة الفقه جعفر الصادق وأبو حنيفة ومالك بن أنس كيفيات الصلوات.
12.        لم يكن هناك أي خوف من ضياع أو اندثار أو تحريف حركات بسيطة من المفترض أن طفلا في السابعة من عمره يستطيع أن يتقنها.
13.        لم يحدث أن جرؤ أي خليفة مهما تمادى في البغي والإجرام على تغيير أي شيء في كيفيات الصلوات ولا أعدادها ولا أعداد ركعاتها، ولو حدث لرواه على الأقل أعداؤه! وقد حاول بعضهم فوجد من تصدَّى له.
14.        لم يكن في صالح أي خليفة مهما تمادى في البغي والإجرام أن يغير شيئا من كيفيات الصلاة، بل كان من مصلحته أن يحث (فقهاءه) على المبالغة في أمرها وتوثينها وشغل الناس بها، ولقد نظَّر (الفقهاء) للأمر، وألزموا الناس بالطاعة المطلقة للمتسلط طالما لم يعطل إقامة الصلاة، ولو فعل أي خليفة شيئا من ذلك لتم تسجيله عليه من أعدائه أو أعداء مذهبه على الأقل.
15.        على مدى القرون كان الناس يصلون كما يجدون آباءهم يصلون ولم يحدث أن هرع أحدهم إلى البخاري ليتعلم منه الصلاة.
16.        لا يجوز لأحدهم أن يتخذ من جهله بالقرءان حجة لإلزام الناس بكل الخرافات والكوارث التي تتضمنها كتب المرويات.
17.        لا يجوز لأحد إحداث تغيير في شكل الصلاة متذرعاً بأية حجة من الحجج التي يتداولها الناس وخاصة المجتهدون الجدد، ويجب ألا يشغل المسلم باله كثيرا بهذا الشكل الخارجي وأن يؤدي الصلاة بخشوع وإجلال وحب لربه وأن يكون حاضرا بقلبه معه ذاكرا له، فأكبر مبطلات الصلاة هي الغفلة فيها عن ذكر الله، ولم ينتفع الإنسان منها إلا باللحظات التي ذكر فيها ربه وأظهر له فيها إجلاله وحبه.

18.        وبعد كل ذلك سيظل شياطين الإنس والجن يتطاولون على القرءان وينددون به لعدم تضمنه التفاصيل الدقيقة للصلاة في زعمهم وسيظلون يتخذون من ذلك ذريعة لإلزام الناس بالمصادر الثانوية للدين والتي ألقى الشيطان فيها ما ألقى وباض وفرخ، وسيظل التافهون والمغيبون يظنون أن الشكل الخارجي للصلاة هو كل الدين.

السبت، 6 سبتمبر 2014

حفظ شكليات الشعائـر

حفظ شكليات الشعائـر

القرءان هو المرجع الأوحد لكل سنن الدين الكبرى ومنها أركان الإسلام، والطريقة القرءانية أن يذكر الله تعالى تفاصيل الأمر موزعة على سور وآيات قرءانية كثيرة، وبالنسبة للصلاة فقد ورد كل ما يتعلق بها موزعا كذلك، هذا بالإضافة إلى أنها كانت معروفة للناس قبل نزول الوحي، فهي كإيتاء الزكاة والصيام والحج من ملة إبراهيم عليه السلام التي أوحي إلى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ أن يتبعها حتى من قبل أن ينزل عليه وحي، لذلك كان الرسول يصلي ويصوم ويزكي من قبل أن تفرض هذه السنن الدينية على المسلمين، والجديد هو ما أمرهم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ به من قراءة الفاتحة والتسبيح في الركوع والسجود، وهذا موجود في القرءان، فرسالة الرسول هي تتويج للرسالة التي بدأت بإبراهيم عليه السلام، فالإسلام هو الدين عند الله؛ وهو واحد، وكيفية أداء الصلاة هي كالحج؛ حُفظت وانتقلت بالتواتر العملي ألوفا عن ألوف، فلم يكن من الممكن تزويرها أو تغييرها.
-------
إن إقامة الصلاة أمر قرءاني ثابت في السور المكية ومنها أوائل السور نزولا، والإسراء –حسب كلامهم أيضا- كان في السنة الثانية عشر قبيل الهجرة، ولقد دعا إبراهيم ربه: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء }إبراهيم40، وكان الأنبياء والصالحون يقيمونها: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ }الأنبياء73، وإنما أضاعها بنو إسرائيل: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً}مريم59، وحفظها الله تعالى في ذرية إبراهيم من إسماعيل إكراما لهما، فهما ألحَّا في الدعاء لذلك، لذلك لم تكن كيفية أداء الصلاة غريبة على القرشيين مثلها مثل الصيام والحج، لذلك لم يكن غريبا أن يقول الله لهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}البقرة183، والخلاصة أن الله تعالى قد حفظ للناس الكثير من ملة إبراهيم وخاصة السنن العملية، ولذلك أوحى إلى رسوله باتباعها: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }النحل123، وأعلن أن من لم يتبعها فقد سَفِهَ نَفْسَهُ: {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ }البقرة130، فالرسالة المحمدية هي تتويج واستكمال لرسالة كانت قائمة، فالدين عند الله واحد، وهو الإسلام، بدأ رسميا بإبراهيم عليه السلام، وبالطبع فقد طهرت الرسالة المحمدية ملة إبراهيم من شرك الأعراب وتحريفاتهم ونسخت الكثير وأبقت الكثير وأضافت الكثير.
-------
إن القرءان هو المرجع الأوحد في السنن الكبرى، والمرجع الرئيس في السنن الثانوية، فما سكت عنه هو السنن الثانوية، ولا يمكن لحركات إنسانية أن تُسجل كتابة بكل دقة كما يتصور البعض، فإذا قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ....}المائدة6 فقد ترك الأمر وفيه سعة، ولقد أعلن دائما أنه: {مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}المائدة6، فلا يمكن التحديد الدقيق لمثل هذه الأمور، ولكن الناس كانوا ومازالوا يلحون على الأئمة ليبينوا لهم بالتفصيل الدقيق الوافي كيف كان الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ يصلي ويتوضأ، ولقد كان المسلمون أولا يصلون بجانب بعضهم البعض، بل كان الرجال يصلون بجانب النساء، وكان بعضهم يحرص على الصلاة بالقرب من امرأة جميلة لكل يختلس النظر إليها!! وكانوا يتحدثون ويتحركون، وتم منع أو تعديل كل ذلك تدريجيا، ولكن ظلت الصلاة عملا حيا وليست بتلك الصورة الجامدة التي آلت إليها، والصلاة تتضمن ركوعا مثلا، وتوجد طائفة الآن تشكك في كيفية الركوع المعروفة!! ويجب العلم بأنه بعد إلغاء أكثر أركان الدين لحساب الأركان المعروفة تمّ توثين الصلاة، فالحرص على هذا التوثين هو الذي أدى إلى تضخيم شأن الاختلافات الطفيفة، فلما تفاقم التعصب المذهبي تضخم شأنها أكثر وأكثر، والمغاربة يسدلون أيديهم بجانبهم عند الصلاة ويصرون على ذلك، مع أن الأوضاع الأخرى أقوى من حيث الثبوت، ولكنه التعصب المذهبي.
-------
كل ما يتعلق بتفاصيل الصلاة من الأمور الثانوية قد بيَّنه الرسول للناس بأوامره وسلوكه العملي، ومنها: صلوا كما رأيتموني أصلي، لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب، اجعلوها في ركوعكم...الخ، وحُفظت هذه الصلاة بالتواتر العملي، وسيأتي لا محالة زمان سيندثر فيه العلم بكل هذه التفاصيل، وستُقبل من الناس أية كيفية أخرى تتضمن الأمور الأساسية القرءانية، فالقرءان هو الرسالة الباقية!
-------
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} النور58
الآية تقصد إلى بيان أوقات الاستئذان، ولا تقصد إلى حصر الصلوات أو تحديد مواقيتها، وإنما تتحدث عن صلاتي الفجر والعشاء وكأنهما معلومتان تماماً للمسلمين، وهذا كان بالفعل أمراً واقعا، ويقول البعض:"ولماذا لم يقل: ومن بعد صلاة الظهر؟" والجواب هو أن عملية وضع الثياب من الظهيرة عملية غير محددة بنفس دقة توقيت النوم، والذي يكون بالضرورة بعد صلاة العشاء وقبل صلاة الفجر، فقد يضطجع المرء قبل صلاة الظهر أو صلاة العصر أو بعدهما.
كان الرسول وكان المسلمون معه يصلون وفق ملة إبراهيم عليه السلام، فالرسول كان مأمورا باتباع ملة إبراهيم، فقد حفظ الله تعالى كيفيات أداء الصلوات في ذريته من أبناء إسماعيل استجابة لدعوته حين قال: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء }إبراهيم40، ومن المعلوم أن فرع بني إسرائيل أضاعوها، قال تعالى: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً }مريم59، ولقد سجَّل القرءان لإسماعيل عليه السلام حرصه الشديد على الصلاة وعلى أن يؤديها أهله: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً{54} وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً{55}} مريم، وهكذا أوردت نفس السورة حرص إسماعيل عليه السلام على الحفاظ على الصلاة كما أوردت أن ذرية إبراهيم الآخرين قد أضاعوها، فقد كانت الصلاة معلومة لقريش وكانوا يؤدونها وهما ساهون عن حقيقتها وجوهرها، وهذا قال تعالى:
{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ{1} فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ{2} وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ{3} فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ{4} الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ{5} الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ{6} وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ{7} الماعون
ولذلك كان التركيز الأساسي في القرءان على جوهر الصلاة ومقاصدها، ولقد كان منوطاً بالرسول أن يختار لأمته ما يُقرأ في الصلاة من الكتاب المنزل وصيغ التسابيح فاختار لأمته الأفضل والأيسر.
كيفيات أداء الصلاة كما كان يؤديها الرسول لم تندثر، ولو كان ثمة خوف من اندثار هذه الكيفيات لنصّ عليها القرءان، ولكن من المعلوم أن الحركات العملية البسيطة لا تندثر بسهولة خاصة وأنه قد صلى مع الرسول عشرات الألوف من الناس نقلوها إلى مئات الألوف نقلوها إلى ملايين، ولم يكن لأصحاب المصلحة في تحريف الدين مصلحة في إلغاء الصلاة أو تحريفها، ولم يكن من حسن السياسة أبداً محاولة عمل ذلك، بل كان الأفضل هو المبالغة في أمرها وتوثينها، ولذلك أخذ الناس في محاولة تسجيل كل كبيرة أو صغيرة بخصوصها، لقد حاولوا ضبط ما لم يكن بحكم طبيعته منضبطاً أبدا، فنشأت الاختلافات المذهبية التي نفخ الشيطان فيها.
ومع ذلك سيأتي لا محالة يوم يندثر فيه العلم بهذه الكيفيات ثم يختفي العلم بكل الدين ثم ينقرض المسلمون، فلن تقوم الساعة وهناك على وجه الأرض مسلم!
-------
إن الدين عند الله واحد وهو الإسلام، هذا هو الدين الذي بُعِث به كل الرسل، وقد بلغ أول ذروة له مع إبراهيم عليه السلام، فهو الذي تلقى شعائر الإسلام، ولقد نصّ القرءان على ذلك صراحة بالنسبة للصلاة والحج وضمنياً بالنسبة للصيام، فالشعائر –الصلاة والصيام والحج- هي من ملة إبراهيم عليه السلام التي أمر الله رسوله باتباعها، وقد كانت معلومة لدى أهل مكة، أما بنو إسرائيل فقد أضاعوا الصلوات، وكان من أول ما أضاعوه الركوع، فالرسالة التي أُرسل بها خاتم النبيين لم تبدأ من الصفر وإنما كانت إكمالاً للإسلام وتتويجا له وبالقرءان تَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، وعلى ذلك نصّ القرءان بكل صراحة ووضوح، ولقد تضمن القرءان ما هو تصحيح للشعائر القديمة ونسخا لبض أحكامها القديمة بعد أن فرضها وكتبها على المسلمين، فالقرءان لا يأمر الناس بما هو معلوم لديهم، فلا حاجة لتعليمهم كيف يأكلون وكيف يشربون.
ولقد كتب الله على المسلمين الصيام كما كتبه على الذين من قبلهم فصاموا مثلهم ثم أُحِلَّ لهم لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِهمْ، ولقد جعلت قريش لنفسها مكاناً خاصاً للإفاضة فتم تصحيح الأمر وقيل لهم: {ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}البقرة199، وكانت أحكام الوضوء قد اندثرت لأسباب عديدة فأمرهم الله تعالى بالوضوء وبيَّن لهم الكيفية، أما عدد الصلوات وكيفياتها وأوقاتها فكانت معلومة لهم، والإنسان مخيَّر في كل الأذكار الواردة فيها، ولقد اختار الرسول للناس الأيسر فتأسَّوا به، وتواتر عنه كل أعماله في الصلاة، ونقلها عشرات الألوف إلى مئات الألوف إلى الملايين، فلم يكن من السهل تحريفها، ولم يكن من مصلحة أحد تحريف كيفياتها، بل اقتضت مصالح المتنفذين المبالغة في أمرها بل وتوثينها.
ولقد كان الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ يقيم الصلاة من قبل أن يُبعث، ولقد كان يصلي هو والسيدة خديجة وابن عمه علي بن أبي طالب قبل الجهر بالدعوة، وكان يقيمها معه من اتبعه، بمجرد انضمامه إلى زمرة المصلين، ولقد نصّ القرءان على أركانها الأعظم أهمية مثل: ذكر الله، قراءة القرءان، الخشوع، حضور الذهن، الإخلاص، الانتهاء عن الفحشاء والمنكر...الخ، هذا فضلا عن جزئياتها من ركوع وسجود وتشهد وصلاة على الرسول. 
فالذي يعني المسلمين الآن هو أننا نصلي الآن كما كان يصلي الرسول وكما صلى أبونا إبراهيم، وأن الشكل الشائع الآن هو ما انتقل إلينا بالتواتر، وأن هذا الشكل –على أهميته- لا يجوز أن يشغل الناس عن الأركان العظمى الواردة في القرءان، ولا يجوز أن يستخدم عدم النص على عدد ركعات الصلوات (وخاصة صلاة الظهر وهي دائما التي يحبون ضرب المثل بها لسرّ هم أدرى به) في القرءان لضرب القرءان واتخاذه مهجورا وتقديم المصادر الثانوية عليه.
-------
إن الله تعالى قد أكَّد في كتابه أن الدين عنده واحد وهو الإسلام، وأن المسلمين وعلى رأسهم خاتم النبيين الرسول الأعظم ملزمون باتباع ملة إبراهيم عليه السلام باعتباره أول من أوحي إليه إقامة الشعائر، قال تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }النحل123، {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ }البقرة130، {وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }البقرة135، {قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }آل عمران95، {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً }النساء125، {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }الأنعام161، {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}الحج78.
فإبراهيم عليه السلام كان مسلما وأول من أُطلق عليه رسميا لقب مسلم: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} آل عمران67 
ومع كل هذه التأكيدات يتصرف أتباع المذاهب وكأن الرسول الأعظم قد بدأ من الصفر، وهذا ما يسبب لهم الكثير من الإشكالات وما يدفعهم إلى كثير من الشطط والضلال والشرك والكفر.
ولأن الدين واحد فقد كان الرسول الأعظم مأمورا بالاقتداء بهدى من سبقه من الرسل والأنبياء: أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ{89} أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ{90} الأنعام
ولا حرج في ذلك، فمن يُختم به الأمر يكون جامعا لكل كمالات من سبقه وتكون رسالته تتويج لكل ما سبقها من رسالات.
-------
روى البخاري أن الرسول قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ: {... وصلوا كما رأيتموني أصلي وإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم).
والمروية تشير إلى أصل صحيح، ولقد قال لهم "كما رأيتموني أصلي"، و"ليس كما أصلي"، فهم مأمورون أن يأخذوا عنه الشكل الخارجي للصلاة، والذي كان هو نفسه ملزما به اتباعاً لملة أبيه إبراهيم عليه السلام، والذي وردت تفاصيله موزعة على سور القرءان طبقا للنهج القرءاني المعلوم، ولقد كان منوطا به أيضاً أن يختار ما يُقرأ مما أنزل الله وصيغ الذكر والتسبيح، فاختار الأيسر لأمته، وبالطبع كان معه الوحي من ربه السميع القريب به يهتدي، ولقد صلَّى معه عشرات الألوف ثم تعلمها منهم مئات الألوف ثم الملايين، فلم يكن يجرؤ أحد على تغيير شيء فيها، ويلاحظ أنه بيَّن للناس ما نصّ عليه كتاب ربه والذي هو مأمور باتباعه، فسنته هي عمله وفق كتاب ربه، ومن سنته هاهنا أنه يمكن أن يؤذن أي مسلم من الحضور وأن يؤمهم أكبرهم، فليس مطلوباً أن يجعل الناس إمامة الصلاة أو رفع الأذان وسيلة للتكسب.
ومن الخير للمسلمين الآن أن يحاولوا إحياء أركان الصلاة الحقيقية المذكورة في القرءان مثل ذكر الله وتلاوة آيات كتابه وحضور الذهن مع ما فيها من ذكر وتسبيح والتزكي والإعراض عن اللغو ظاهرا وباطنا والانتهاء عن الفحشاء والمنكر والتفكير فيهما، ولا يجوز أن يكون الشكل الخارجي للصلاة وسيلة للإعراض عن أركان الصلاة الجوهرية ولا للتنازع والتناحر ولا لتفريق الدين.
-------
إن المذاهب السائدة قدمت للناس بديلا عن الإسلام يجعل المقاصد العظمى إقامة الطقوس والمغالاة فيها بديلا عن تأسيس الأمة الخيرة الفاضلة التي لا يتسلط عليها أحد بل تحكم نفسها بنفسها وتقوم بالعدل والقسط وتصون حقوق الإنسان وكرامته، وبدلا من أن يتفهموا موقف القرءان من الطقوس وعدم اهتمامه بإيراد تفاصيلها فإنهم اتخذوا هذا الموقف حجة ضد القرءان ذاته فاتخذوه مهجورا، وهكذا ما إن تقول لأحدهم إن الله تعالى قد جعل كتابه مبينا ومبيِّنا ومفصلا وتبيانا لكل شيء إلا وتفاجأ به يكشر عن أنيابه ويصرخ في وجهك بكل غلّ: "وأين تجد في القرءان أن صلاة الظهر أربع ركعات يا منكر السنة يا، ويا، ويا"، فهذا الضال المفتون قد عبد الوسيلة الشكلية وتجاهل المقصد والغاية وكذَّب ربه الذي من المفترض أنه سيسجد له وهو يصلي الظهر!!!
-------
قرر أعداء القرءان إنزاله من على عرشه والإطاحة به والفتك به لأنهم لم يجدوا فيه شيئاً صريحا عن صلاة الظهر، ولذلك فقد قدموا عليه كتب المرويات وجعلوها عمليا وواقعيا المصدر الأعلى للدين وهم يتباهون بذلك، هذا رغم أن كيفيات الصلاة كانت مدونة في كتب مالك والشافعي وغيرهما من قبل أن يولد جامعو المرويات، وكلما حاول القرءان الاحتجاج بأن الله تعالى قال إنه كتاب مبين مبيِّن وتبيان لكل شيء وأن الله تعالى قد أنزله مفصلا صرخوا فيه: "كذبت، إذاً فماذا عن صلاة الظهر، وماذا عن عدد ركعاتها، وأين حكم الرجم، ارض بما قسمنا لك، يكفي أننا نبجلك ونوقرك ونجوِّدك ونزخرف بك مساجدنا رغم أننا لم نجد فيك شيئاً مما يلزمنا!!"
-------
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} النور58.
يستند بعض من يقولون إن الصلوات المكتوبة ثلاثة فقط إلى هذه الآية، والحق هو أن هذه الآية لا تتضمن تشريعا بالصلوات المذكورة، بل هي تتحدث من منطلق أنها معلومة للناس، وهي إنما تسنّ آدابا لمن يعيشون في بيت واحد، فهي تنص على ضرورة الاستئذان في الأوقات المذكورة التي هي عادة أوقات الراحة والخلود إلى النوم، أما الصلوات الخمس فكانت معلومة للناس من قبل ذلك، بل كان بعضها معلوماً من قبل البعثة النبوية، وهذا أمر ثابت الآن، بل إن هناك من يتهمون المسلمين بأنهم نقلوا الصلاة عمن قبلهم، والحق هو أن الإسلام دين واحد، والمسلمون يتبعون ملة أبيهم إبراهيم في الصلاة والحج، ولقد تضمن القرءان حثاً على ما سها الناس عنه في أمر الصلاة كما يتضمن مقاصدها الجوهرية.
-------
يجب أولا معرفة أن الرسالة المحمدية (أي القرءان) هي تتويج للدين الواحد الذي بدأ رسميا بإبراهيم عليه السلام، والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ نفسه كان يصلي ويزكي ويصوم متبعا ملة إبراهيم من قبل أن يتم تعديل بعض أحكامها والضبط النهائي لعدد الصلوات وكيفياتها.
ولقد نسخ القرءان وعدَّل بعض الأحكام التي كانت ملزمة للأمم الخالية، وكان النسخ والتعديل في اتجاه التخفيف ووضع الإصر والأغلال عن كاهل الناس، ومن يقرأ القرءان يجده يخاطب المسلمين وكأنهم يعرفون مسبقا أحكام العبادات العملية، وأوائل الآيات المكية نزولا تتحدث عن الصلاة وتأمر بإقامتها وكأنها معلومة للمسلمين لذلك، والصيام كان معلوما للذين من قبلهم، ولكن القرءان أحل لهم الرفث إلى نسائهم ليلا وخفف عنهم، لذلك لم يكن ثمة داع لوصف ما هو معلوم لهم كما أنه ليس ثمة داع لتعليمهم كيفية الأكل مثلا.
ولقد صلى الرسول وصلى معه الألوف وحضر معه حجة الوداع حوالي مائة ألف مسلم، وانتقلت هذه الأمور بالتواتر المجتمعي العملي وحُفظ بذلك ما هو هام من شكلها الخارجي، وذكره القرءان، وكذلك ذكر الأركان الجوهرية لكل عبادة، ولقد وصل ذلك إلى أئمة (الفقه) فدونوه من قبل أن يولد جامعو المرويات.
ولم تحسم المرويات أبداً أي شيء بخصوص ما اختلف فقهاء المذاهب فيه!!!!!!!!!!!!
وما اختلفوا فيه هو من الأمور الهينة التي من السهل على كل مسلم أن يحسمها، وأداء الصلاة وفق أي مذهب من المذاهب الكبرى جائز، وبالنسبة لي فأفضِّل صلاة السلفيين فهم يتحرون البعد عن المحدثات في العبادات العملية.
ويجب تلاوة البسملة ووضع اليدين على الصدر في حالة القيام، هذه هي خلاصة أبحاث وأمور أخرى، ومن تمسك بغير ذلك ممن لم يثبت عنده ذلك لا شيء عليه؛ فالأمر أوسع مما تتخيل، والدين يتسامح معك فيما هو أخطر من ذلك بكثير مثل ما لديك من تصور عن رب العالمين وعن كتابه ورسوله، فما هي قيمة الأمور شديدة الثانوية التي تشغل بالك بها ؟؟؟!!!
وما دونه أئمة الفقه كان كيفية أداء كل مدرسة من المدارس المشهورة للصلاة، وذلك ليس انتقال آحاد بل هو ما تواتر في كل مدرسة يعتد بها، فقد دوَّن أبو حنيفة الصلاة كما كان يؤديها التابعون لمدرسة الإمام علي وعبد الله بن مسعود، ودوَّن مالك الصلاة كما توارثها أهل المدينة، ودوَّن الشافعي الصلاة كما كان يؤديها المصريون من أتباع مدرسة عبد الله بن عمرو وغيره.
كان ذلك قبل أن يولد جامعو المرويات وعلى رأسهم البخاري.
وكيفيات العبادات من صلاة أو صيام أو حج مقدرة (مصممة) ليستطيع طفل في السابعة من عمره أن يؤديها، فلا حرج فيها ولا ألغاز، ولم يكن أمرها يستدعي أكثر من كتابة بضع وريقات.
والطفل يتعلم ذلك من والديه والناس من حوله وهذا كافٍ تماما في أمر الشكل الخارجي.
ويجب بالأولى الانشغال بالأركان الأعظم أهمية المذكورة في القرءان.
وثق أن الله تعالى وملائكته ليسوا هيئة بيروقراطية تتابع كيفية الأداء الدقيق لشكليات الصلاة لأن الشكليات الدقيقة لم توجد أبدا!!
-------
قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} هود114
إن الأمر بالجزء لا يعني النهي عن باقي الكل وإنما يعني التأكيد.
وقد يأمرك الله تعالى بالتقوى في آية، فهل يحق لك أن تقول: "ولماذا لم تأمرني هنا بالعمل الصالح أيضا؟ إذاً لست ملزماً بشيء منه!!!"
وكيفية إقامة الصلاة بأعدادها كانت معلومة للنبي وللمؤمنين وللمتحنفين من قبل البعثة النبوية، ولذلك يتهم المستشرقون المسلمين بأنهم أخذوا الصلاة عمن قبلهم، والجميع ينسون ويتناسون أن الرسالة المحمدية كانت تتويجا وإكمالا للدين الإلهي الواحد الذي بدأ بنوح ولكنه بدأ رسميا بإبراهيم عليه السلام، فالإسلام لم يبدأ من الصفر، ولذلك لم تكن هنالك حاجة لإيراد تفاصيل العبادات العملية كالصلاة والصيام والحج لكونها كانت معلومة وإنما تم التركيز عل الجوانب الجوهرية وعلى ذكر ما تم تعديله وعلى تصحيح ما قد يكون قد تم تحريفه.
-------
سيقول السفهاء من أعداء القرءان وعملاء الشيطان: وأين تجد في القرءان أن صلاة الظهر أربع ركعات؟ وإليهم هذا السؤال: ولماذا ذكر الله تعالى كيفية الوضوء في جزء من آية ولم يذكر عدد ركعات صلاة الظهر؟ ألم يكن من اليسير عليه أن ينص على عدد الصلوات وعدد الركعات في كل صلاة؟ هل كان بذلك يريد أن يقسم الدين بينه وبين رسوله حتى يأتي أهل اللاسنة فيقولوا إن الرد إلى الله يعني الرد إلى القرءان أما الرد إلى الرسول فيغني الرد إلى السنة وكأن السنة هي كيان مستقل قائم بذاته كالقرءان؟ هذا مع أن الآية تقول: {........فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} النساء59، فهي لم تقل: "فردوه إلى الله فإن لم تجدوا فردوه إلى الرسول"، أما الرسول نفسه فسيقول: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} الشورى10، فهو يفخر بعبوديته لربه وليس بكونه نداً له.
أما تفاصيل الصلاة فلو كان يوجد أي خوف عليها لتم النص عليها في القرءان أو لتم كتابتها كتابة موثقة بمحضر من شهود عدول، والقرءان كتاب منزه عن الحشو واللغو فهو لا يشرح للناس ما هو معروف بمقتضى الفطرة كالأكل والشرب والنكاح أو بمقتضى ما هو معلوم لهم مثل كيفيات الصلاة والصوم والحج، فرسالة القرءان هي تتويج للدين الواحد وليست إنشاءاً لدين جديد، وهي تنسخ ما أضافه الناس نتيجة لإلقاءات الشياطين، وتستبدل بما كان موجودا من الآيات التشريعية السابقة بما هو خير منها أو مثلها كما أنها تأتي بالجديد اللازم للإنسان لمواكبة تطوره ولتحفيز وصيانة وقيادة التطور حتى يمضي في الاتجاه السليم.
-------
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} النور58
يستند بعض من يقولون إن الصلوات المكتوبة ثلاثة فقط إلى هذه الآية، والحق هو أن هذه الآية لا تتضمن تشريعا بالصلوات المذكورة، بل هي تتحدث من منطلق أنها معلومة للناس، وهي إنما تسنّ آدابا لمن يعيشون في بيت واحد، فهي تنص على ضرورة الاستئذان في الأوقات المذكورة التي هي عادة أوقات الراحة والخلود إلى النوم، أما الصلوات الخمس فكانت معلومة للناس من قبل ذلك، بل كان بعضها معلوماً من قبل البعثة النبوية، وهذا أمر ثابت الآن، بل إن هناك من يتهمون المسلمين بأنهم نقلوا الصلاة عمن قبلهم، والحق هو أن الإسلام دين واحد، والمسلمون يتبعون ملة أبيهم إبراهيم في الصلاة والحج، ولقد تضمن القرءان حثاً على ما سها الناس عنه في أمر الصلاة كما يتضمن مقاصدها الجوهرية.
-------
إقامة الصلاة عند المذاهب تعني أداء الصلوات الخمس بالكيفيات المعروفة (مع مراعاة الاختلافات بين المذاهب) في الأوقات المعلومة، فمن أداها عندهم هكذا تسقط المطالبة بها!!! ولم يوضحوا عند من تسقط المطالبة بها!! ولقد تمّ توثين هذه الشكليات وتكاد تكون هي أكثر الدين!
أما في دين الحق: فيجب أيضاً إقامة الصلاة الخمس بالكيفيات المعروفة (مع تحري ما هو صحيح وثابت) في الأوقات المعلومة، ولكن يجب أيضا القيام بأركان الصلاة المذكورة صراحة في القرءان وهي ذكر الله تعالى (بالمعنى الراقي السامي وليس اللفظي فقط) وقراءة ما تيسَّر من القرءان والخشوع والإعراض عن اللغو (ظاهرا وباطنا) والانتهاء عن الفحشاء والمنكر، كل هذا مع النظر إلى المقصد الأعلى للصلاة وهو إقامة صلة وثيقة بالله تعالى.
وبالإضافة إلى ذلك يجب إقامة الصلاة بمعناها الكبير، وهو وصل ما أمر الله به أن يوصل، فإقامة الصلاة تعني إقامة كل الصلات بين كافة مكونات الكيان الإنساني على كافة المستويات: الإنسان المفرد، الأسرة، المجتمع...، الأمة، ويسبق كل ذلك إقامة صلة وثيقة بالله تعالى كما سبق القول.
والمعنى الشامل الذي يتضمن كل ذلك هو تقديم الله تعالى واتباعه واجتناب محاولة التقدم بين يديه.
-------
كل كيفيات الصلاة وشعائر الحج فرضها الله تعالى على إبراهيم عليه السلام ولقد دعا ربه: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء }إبراهيم40، وتقبل الله تعالى دعاءه، فجعل ذريته تحافظ على الصلاة وفي حين أضاعها أبناء إسحاق من اليهود والنصارى فقد حفظها لإسماعيل وذريته وكان إسماعيل حريصا على ذلك، وشهد الله تعالى له به: { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً{54} وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً{55}}مريم54، وقد أوحي إلى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ أن يتبع ملة إبراهيم عليه السلام، وبالقرءان تم تنقية الشعائر من إضافات وتحريفات قريش ومن قبلها، وكان منوطا بالرسول اختيار بعض الأمور مثل عدد مرات الحج فاختار الأيسر وهو مرة واحدة في العمر، واختار للناس بعض أذكار الصلاة، ولقد صلى وحج مع الرسول عشرات الألوف نقلوها إلى مئات الألوف، ويجب على الناس اتباع سنة الرسول في كل ما يتعلق بالشعائر والأذكار المصاحبة لها، ولقد دونها أئمة الفقه مما رأوه من الممارسات العملية للناس، فدوَّن أبو حنيفة كيف كان أتباع مدرسة ابن مسعود يصلون، ودوَّن مالك بن أنس كيف كان أهل المدينة يصلون....الخ، وكان ذلك قبل أن يولد جامعو المرويات.
-------
إن إقامة الصلاة أمر قرءاني ثابت في السور المكية ومنها أوائل السور نزولا، والإسراء –حسب كلام جامعي المرويات وكتاب السيرة- كان في السنة الثانية عشر قبيل الهجرة، هذا مع أنه من الثابت أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ كان يصلي بالسيدة خديجة والإمام علي حتى من قبل أن يجهر بالدعوة، ولقد دعا إبراهيم ربه: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء }إبراهيم40، وكان الأنبياء والصالحون يقيمونها: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ }الأنبياء73، وإنما أضاعها بنو إسرائيل: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً}مريم59، وحفظها الله تعالى في ذرية إبراهيم من إسماعيل عليهما إكراما لهما، فهما ألحا في الدعاء لذلك، قال تعالى: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء }إبراهيم40، فحفظها الله تعالى في ذريته من ابنه إسماعيل، وشهد القرءان لإسماعيل بحرصه على الأمر بها: { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً{54} وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً{55}}مريم54، لذلك لم تكن كيفية أداء الصلاة غريبة على القرشيين مثلها مثل الصيام والحج، ولم يكن غريبا أن يقول الله تعالى لهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }البقرة183، والخلاصة أن الله تعالى قد حفظ ملة إبراهيم، ولذلك أوحى إلى رسوله باتباعها: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }النحل123، وأعلن أن من لم يتبعها فقد سَفِهَ نَفْسَهُ: {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ }البقرة130.
فالرسالة المحمدية هي تتويج واستكمال لدين كان قائماً، بدأ رسميا بإبراهيم عليه السلام، وبالطبع فقد طهرت هذا الدين من شرك وتحريفات أهل الكتاب والأعراب وتحريفاتهم ونسخت الكثير وأبقت الكثير وأضافت الكثير.
مرة ثانية مع مزيد من الإيضاح: الصلوات خمس، وكيفية أدائها معلومة، وعندما يأمرك ربك بالصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل فهو لا ينهاك عن الصلوات الأخرى! وعندما يأمر بالاستئذان من بعد صلاة الفجر ومن بعد صلاة العشاء فلا يعني ذلك عدم وجود الصلوات الأخرى، فالكلام هو على الاستئذان.
والقرءان مثلا يأمرك بذكر الله تعالى في أيام معدودات وحين لقاء العدو في ميدان المعركة، وهذا لا ينفي أنك مأمور بذكر الله تعالى كثيرا وفي في كل أحوالك.
ولقد انتقلت كيفيات الصلاة من ألوف إلى عشرات الألوف إلى مئات الألوف إلى ملايين حتى دونها أئمة (الفقه)، ولم يرد أبدا أن أحداً من أهل القرون الإسلامية الأولى كان يصلي ثلاث صلوات فقط، فلا جدوى من التشكيك في عددها ولا في كيفية أدائها، ولا يجوز ذلك، ويا ليت المسلمين يكفون عن اللغط في هذا الأمر!
ولم يكن لأحد من الطغاة أو المحرفين أية مصلحة في زيادة عدد الصلوات، وليس من الجائز تكذيب الحقائق الثابتة دون أية مبرر.
وكان من الأجدى البحث في حكمة كون الصلوات خمسا.
أما المعراج فهو ثابت، وهو من الأمور المتشابهات، فلا يمكن التعبير عنه بالألفاظ المألوفة وإنما يمكن الإشارة إليه رمزا، وهو يعبر عن مراحل رقي الرسول وتجاوزه مقامات من سبقه من الأنبياء والرسل من بعد وجوده الجسدي.
-------
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } النور58
الناس عادة ينامون ليلا، أما الظهيرة فلا ارتباط دقيق بينها وبين صلاة الظهر، ووضع الثياب من الظهيرة هو الشرط، ولا يفعل ذلك الكثير من الناس بل أكثرهم الآن.
=======
في الحقيقة أن أكثر ما يتعلق بالنواحي الشكلية للشعائر مثل الصلاة يعود إلى ملة إبراهيم عليه السلام، وكان معلوما للناس قبل الرسالة المحمدية، وقد بلغ شكله النهائي بهذه الرسالة، وقد تضمن القرءان الكريم الأحكام النهائية ووصف الصلاة وفقا للمنهج القرءاني موزعة على آيات كثيرة، ولقد بيَّن الرسول للناس بسلوكه العملي كيف تؤدى الصلاة القرءانية بمقتضى أنه أعلم الناس بالقرءان الكريم، ثم انتقل بالتواتر العملي المجتمعي إلى أن دوَّنه أئمة (الفقه) كما وجدوه، فدوَّن أبو حنيفة الصلاة كما هي في مدرسة الإمام عليّ وعبد الله بن مسعود، ودوَّن الإمامية الصلاة كما هي في مدرسة أهل البيت، ودوَّن مالك بن أنس الصلاة كما رأى أهل المدينة يصلون، ودون المصريون الصلاة كما تلقوها من عبد الله بن عمرو، ودون الشافعي الصلاة بعد ما وصل إليه بالمقارنة بين ما تلقاه من مالك وأتباع أبي حنيفة وما وجد عليه أهل مصر، وهكذا، كان ذلك قبل أن يولد جامعو المرويات وعلى رأسهم البخاري.أما الاختلاف في الأمور الشكلية الثانوية فهو وارد وممكن لأسباب عديدة من أهمها أنها بالفعل أمور ثانوية، لا يجوز أن ينشغل المصلي بها عن أركان الصلاة الجوهرية، وأنه لا يمكن في بعض الأحيان التسجيل الدقيق لها حيث لم يكن موجودا أيامها آلات للتصوير الدقيق.
وكان تركيز القرءان على الجوانب الجوهرية من الصلاة، وكان إغفال ذكر الشكل الدقيق للصلاة أمرا متعمدا، فما كان ربك نسياً، وقد ذكر كل ما يلزم للتطهر (الوضوء) في جزء من آية، فلم يكن ليصعب عليه أن يفعل مثل ذلك مع شكليات الصلاة، لذلك فأمر الشكليات ليس بالخطورة الرهيبة التي يتصورها المحسوبون على الإسلام، وهؤلاء يستبطنون تصور أن الله تعالى والملأ الأعلى هم مجموعة من الموظفين البيروقراطيين الذين يتابعون الالتزام الشكلي الدقيق بما ورد في كتب (الفقه).
وبعد بيان ذلك فنحن ندعو إلى عدم الخروج على جماعة المسلمين في مثل هذا الأمر، فوحدة الأمة هي الركن الأعظم الملزم لجماعة المسلمين.
-------
يجب تذكر دائماً أن الإسلام لم يبدأ بالرسالة المحمدية وأن الرسول لم يبدأ من الصفر، فقد كان متبعاً لملة إبراهيم كما أوحى إليه ربه، وكانت رسالته مهيمنة على ما سبقها وتتويجا للدين الواحد الذي هو الإسلام، وكونه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ خاتم النبيين يعني أنه تلقى الرسالة التامة والتي بها اكتمل الدين للبشرية جمعاء، لذلك كان رحمة للعالمين وليس لطائفة خاصة أو لقبيلة معينة!

*******