السبت، 24 سبتمبر 2016

الرسول كان على خلق عظيم رغم أنف المرويات

الرسول كان على خلق عظيم رغم أنف المرويات

ما لدى الناس ليس أحاديث الرسول ذاتها، وإنما هي ما نسبوه إليه في كتب المرويات في القرن الثالث الهجري، وبالتالي فهذا المنسوب إليه يُظنُّ أو يحتمل صحة نسبته إليه بدرجات احتمال متفاوتة ولكنها ضعيفة بصفة عامة لأسباب عديدة سبق كثيرا الحديث عنها وإثباتها، لذلك لابد من قرينة إضافية لكي يمكن الأخذ بها، هذه القرينة هي اتساق القول المنسوب إليه اتساقا تاما مع عناصر دين الحق الثابت بالقرءان وإمكان اندراجها في إطاره، كما يجب رفض ما يتعارض مع هذه العناصر تعارضا تاما.
مثال:
قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم} [القلم:4]، فهذه شهادة من رب العالمين العزيز الحكيم لرسوله بالخلق العظيم، أما شهادة جامعي المرويات المعبودين من دونه فهي أنه كان يسب الناس ويشتمهم ويلعنهم ويؤذيهم، ولا يمكن اعتبار ذلك متسقا مع الشهادة المذكورة في الآية من رب العالمين والواردة في نص محكم قطعي الدلالة، ولا يمكن أن يكون متسقا مع آيات أخرى تصفه بأنه رحمة للعالمين وبأنه بالمؤمنين رؤوف رحيم.
جاء في صحيح مسلم:
88 - (2600) حدثنا زهير بن حرب. حدثنا جرير عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة. قالت:
 دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان. فكلمها بشيء لا أدري ما هو. فأغضباه. فلعنهما وسبهما. فلما خرجا قلت: يا رسول الله! من أصاب من الخير شيئا ما أصابه هذان. قال "وما ذاك" قالت قلت: لعنتهما وسببتهما. قال "أو ما علمت ما شارطت عليه ربي؟ قلت: اللهم! إنما أنا بشر. فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجرا".
88-م - (2600) حدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب. قالا: حدثنا أبو معاوية. ح وحدثناه علي بن حجر السعدي وإسحاق بن إبراهيم وعلي بن خشرم. جميعا عن عيسى بن يونس. كلاهما عن الأعمش، بهذا الإسناد، نحو حديث جرير. وقال في حديث عيسى: فخلوا به، فسبهما، ولعنهما، وأخرجهما.
89 - (2601) حدثنا محمد بن عبدالله بن نمير. حدثنا أبي. حدثنا الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال:
 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اللهم! إنما أنا بشر. فأيما رجل من المسلمين سببته، أو لعنته، أو جلدته. فاجعلها له زكاة ورحمة".
89 - (2602) وحدثنا ابن نمير. حدثنا أبي. حدثنا الأعمش عن أبي سفيان، عن جابر،
 عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. إلا أن فيه "زكاة وأجرا".
89-م - (2602) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب. قالا: حدثنا أبو معاوية. ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم. أخبرنا عيسى بن يونس. كلاهما عن الأعمش. بإسناد عبد الله بن نمير. مثل حديثه. غير أن في حديث عيسى جعل "وأجرا" في حديث أبي هريرة. وجعل "ورحمة" في حديث جابر.
90 - (2601) حدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا المغيرة (يعني ابن عبدالرحمن الحزامي) عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة؛
 أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "اللهم! إني أتخذ عندك عهدا لن تخلفنيه. فإنما أنا بشر. فأي المؤمنين آذيته، شتمته، لعنته، جلدته. فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة، تقربه بها إليك يوم القيامة".
90-م - (2601) حدثناه ابن أبي عمر. حدثنا سفيان. حدثنا أبو الزناد، بهذا الإسناد، نحوه. إلا أنه قال "أو أجلده". قال أبو الزناد: وهي لغة أبي هريرة. وإنما هي "جلدته".
وجاء في فتح الباري شرح صحيح البخاري:
9510 قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ آذَيْتُهُ فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَرَحْمَةً ) كَذَا تَرْجَمَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَأَوْرَدَهُ بِلَفْظِ اللَّهُمَّ فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَبَبْتُهُ فَاجْعَلْ ذَلِكَ لَهُ قُرْبَةً إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ وَهُوَ ابْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِثْلَهُ وَظَاهِرُ سِيَاقِهِ أَنَّهُ حُذِفَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ أَوَّلِهِ وَقَدْ بَيَّنَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ بِلَفْظِ اللَّهُمَّ إِنِّي اتَّخَذْتُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَبَبْتُهُ أَوْ جَلَدْتُهُ فَاجْعَلْ ذَلِكَ كَفَّارَةً لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ اللَّهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سَبَبْتُهُ أَوْ لَعَنْتُهُ أَوْ جَلَدْتُهُ فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَرَحْمَةً وَمِنْ طَرِيقِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَ رِوَايَةِ ابْنِ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ لَكِنْ قَالَ فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ آذَيْتُهُ شَتَمْتُهُ لَعَنْتُهُ جَلَدْتُهُ فَاجْعَلْهَا لَهُ صَلَاةً وَزَكَاةً وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ طَرِيقِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ اللَّهُمَّ إِنَّمَا مُحَمَّدٌ بَشَرٌ يَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ وَإِنِّي قَدِ اتَّخَذْتُ عِنْدَكَ عَهْدًا الْحَدِيثَ وَفِيهِ " فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ آذَيْتُهُ " وَالْبَاقِي بِمَعْنَاهُ بِلَفْظِ " أَوْ " [ ص: 176 ] وَأَخْرَجَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ بَيَانَ سَبَبِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَتْ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلَانِ فَكَلَّمَاهُ بِشَيْءٍ لَا أَدْرِي مَا هُوَ فَأَغْضَبَاهُ فَسَبَّهُمَا وَلَعَنَهُمَا فَلَمَّا خَرَجَا قُلْتُ لَهُ، فَقَالَ أَمَا عَلِمْتِ مَا شَارَطْتُ عَلَيْهِ رَبِّي؟ قُلْتُ اللَّهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ فَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ لَعَنْتُهُ أَوْ سَبَبْتُهُ فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا وَأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ نَحْوَهُ وَأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَفِيهِ تَقْيِيدُ الْمَدْعُوِّ عَلَيْهِ بِأَنْ يَكُونَ لَيْسَ لِذَلِكَ بِأَهْلٍ وَلَفْظُهُ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَرُ وَأَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ فَأَيُّمَا أَحَدٍ دَعَوْتُ عَلَيْهِ مِنْ أُمَّتِي بِدَعْوَةٍ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ أَنْ يَجْعَلَهَا لَهُ طَهُورًا وَزَكَاةً وَقُرْبَةً يُقَرِّبُهُ بِهَا مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَفِيهِ قِصَّةٌ لَأُمِّ سُلَيْمٍ.
والسؤال هنا، ما هو المقصد من إيراد مثل هذه القصص في كتب اعتبرها الناس مصادر للدين زعموا نظريا أنها تالية لكتاب الله، أما عمليا فقد قدموها عليه وقضوا عليه بها وحكموها فيه ونسخوا العديد من آياته بها، بل وأخذوا منها أكثر مادة دينهم؟!
إن المسلم مأمور بالإيمان بالقرءان، أما الآثار التي يسمونها بالسنة فقد استمدت شرعيتها عندهم من الأمر بطاعة الرسول ومن آية تأمر بأن يأخذوا ما آتاهم الرسول ومن آية تنص على أن لهم في الرسول أسوة حسنة، قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا}[النساء:59]، {مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب} [الحشر:7]، {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب:21]
فهل في هذه المرويات ما يحقق المقاصد من هذه الآيات؟ ما هو الأمر واجب الطاعة فيها؟ وماذا آتاهم الرسول فيها ليأخذوه؟ وما هو العمل الصالح فيها ليمكن التأسي به؟
إنه لا يمكن بأي حال تكذيب آيات القرءان المحكمة في سبيل الإبقاء على مثل هذه المرويات التي لا يدري أحد ما هي السنة التي تتضمنها أو تشير إليها!!


*******

الاثنين، 19 سبتمبر 2016

كلام المسيح في المهد وكهلا ج1

كلام المسيح في المهد وكهلا ج1

لقد تكلَّم المسيح عليه السلام في المهد بشأن مهمته، وهذا ما ذكره القرءان، قال تعالى:
{فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33)} مريم.
والفاء في العربية للترتيب والتعقيب، وهو تكلَّم من بعد أن أتت به قومها تحمله، أي إنه تكلم وهو مازال في السنّ التي يمكن لفتاة صغيرة أن تحمله.
ولم تذكر الأناجيل شيئا عن كلامه في المهد!
ثم انقطعت أخباره تماما من بعد، وصمت تماما عن كلام كهذا –أي في شأن رسالته- إلى أن آن أوان بدأ رسالته، قال تعالى:
{وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6)} الصف
فلقد أعلن عن رسالته وعن ملخص مضمونها من قبل أن يأتيهم بالبينات ومن بعد أن أراهم الآيات، قال تعالى:
{وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49) وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50) إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (51) فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52)} آل عمران
تكلم المسيح عليه السلام في المهد عن مهمته، ثم رحل بعيدا عن مسرح الأحداث في رحلة طويلة لا يعرفون عنها شيئا، وصمتت عنها الأناجيل إلا إشارة تقول إن أسرته ذهبت إلى مصر، ثم استدعي من حيث كان ليبدأ مهمته، فهو لم يستأنف الكلام بشأن مهمته إلا عندما بلغ مرحلة الكهولة (التي تبدأ عند سنّ حوالي30 سنة)، وهي المرحلة التي يكون فيها الإنسان في عنفوان قوته، وهذا على عكس المفهوم الشائع، فالكهولة هي التي تسبق مرحلة الشيخوخة، واكْتَهَلَ النبتُ يعني أنه طال وانتهى منتهاه، وفي معاجم اللغة: تَمَّ طولُه وظهر نَوْرُه، والكَهْلُ في القاموس المحيط مَنْ وخَطَهُ الشَّيْبُ ورأيتَ له بَجالَةً، أو من جاوَزَ الثلاثينَ أَو أربعاً وثلاثين إلى إحْدَى وخمسينَ.
كهل (لسان العرب)
الكَهْلُ: الرجل إِذا وَخَطه الشيب ورأَيت له بَجالةً، وفي الصحاح: الكَهْلُ من الرجال الذي جاوَز الثلاثين ووَخَطَه الشيبُ.
وفي فضل أَبي بكر وعمر، رضي الله عنهما: هذان سيِّدا كُهول الجنة، وفي رواية: كُهولِ الأَوَّلين والآخِرين؛ قال ابن الأَثير: الكَهْلُ من الرجال من زاد على ثلاثين سنة إِلى الأَربعين، وقيل: هو من ثلاث وثلاثين إِلى تمام الخمسين؛ وقد اكْتَهَلَ الرجلُ وكاهَلَ إِذا بلغ الكُهولة فصار كَهْلاً
واكْتَهَلَ النبتُ: طال وانتهى منتهاه، وفي الصحاح: تَمَّ طولُه وظهر نَوْرُه؛ قال الأَعشى: يُضاحِكُ الشمسَ منها كَوْكَبٌ شَرِقٌ، مُؤَزَّرٌ بِعَمِيمِ النَّبْت مُكْتَهِل وليس بعد اكْتِهال النَّبْت إِلاَّ التَّوَلِّي؛ وقول الأَعشى يُضاحِك الشمسَ معناه يدُور معها، ومُضاحَكَتُه إِياها حُسْن له ونُضْرة، والكَوْكب: مُعْظَم النبات، والشَّرِقُ: الرَّيَّان المُمْتلئ ماءً، والمُؤَزَّر: الذي صار النبت كالإِزار له، والعَمِيمُ: النبتُ الكثيف الحسَن، وهو أَكثر من الجَمِيم؛ يقال نَبْت عَمِيم ومُعْتَمٌّ وعَمَمٌ.
واكْتَهَلَت الروضة إِذا عَمَّها نبتُها، وفي التهذيب: نَوْرُها.
ج: كَهْلونَ وكُهولٌ وكِهالٌ وكُهْلانٌ وكُهَّلٌ، كرُكَّعٍ، وهي: بهاءٍ
ج: كَهْلاتٌ، ويُحَرَّكُ، أو لا يقالُ كَهْلَةٌ إلاَّ مُزْدَوِجاً بشَهْلَةٍ.
واكْتَهَلَ: صار كهْلاً. قالوا: ولا تَقُلْ كَهَلَ.
كهل (مقاييس اللغة)
الكاف والهاء واللام أصلٌ يدلُّ على قُوَّة في الشَّيء أو اجتماع جِبِلَّة. من ذلك الكَاهل: ما بين الكتِفين: سمِّي بذلك لقُوّته.
ويقولون للرَّجُل المجتمِع إذا وَخَطه الشَّيب: كَهْل، وامرأة كَهْلة. قال:
ولا أعود بعدَها كَرِيَّا    أُمارِسُ الكَهلة والصَّبِيَّا
وأمَّا قولُهم للنَّبات: اكتَهَلَ، فإنما [هو] تشبيه بالرّجل الكهل.
واكتهالُ الروضة: أن يعمَّها النَّوْر. قال الأعشى:
كهل (الصّحّاح في اللغة)
الكَهْلُ من الرجال: الذي جاوزَ الثلاثين ووَخَطَهُ الشَيْبُ.

فهذا هو الكلام في المهد وكهلا؛ هو الكلام بخصوص مهمته.
أما أين كان المسيح، فهناك نصٌّ في إنجيل متَّى، الإصحاح الثاني يقول:
13وَبَعْدَمَا انْصَرَفُوا، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لِيُوسُفَ فِي حُلْمٍ قَائِلاً: «قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ، وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى أَقُولَ لَكَ. لأَنَّ هِيرُودُسَ مُزْمِعٌ أَنْ يَطْلُبَ الصَّبِيَّ لِيُهْلِكَهُ». 14فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ لَيْلاً وَانْصَرَفَ إِلَى مِصْرَ. 15وَكَانَ هُنَاكَ إِلَى وَفَاةِ هِيرُودُسَ. لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ الْقَائِل: «مِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْني».
وجاء في الفصل الثامن لإنجيل برنابا:
"فلما رأى هيرودس أن المجوس لم يعودوا إليه ظن أنهم سخروا منه، فعقد النية على قتل الطفل الذي ولد، ولكن بينما كان يوسف نائما ظهر له ملاك الرب قائلا: انهض عاجلا وخذ الطفل وأمه واذهب إلى مصر لأن هيرودس يريد أن يقتله. فنهض يوسف بخوف عظيم وأخذ مريم والطفل وذهبوا إلى مصر".
وهذا ما حدث بالفعل، ولكن الفرار كان خوفا على الوليد من بطش اليهود بعد أن يزول تأثير الصدمة الأولى، وكان مطلوبا –مثلما حدث مع موسى من قبل- أن يتم تنشئة عيسى بعيدا عن تأثيرات اليهود المتحجرين.
وهناك نصٌّ في العهد القديم في الإصحاح الْحَادِي عَشَر لهوشع يقول:
1«لَمَّا كَانَ إِسْرَائِيلُ غُلاَمًا أَحْبَبْتُهُ، وَمِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنِي. 2كُلَّ مَا دَعَوْهُمْ ذَهَبُوا مِنْ أَمَامِهِمْ يَذْبَحُونَ لِلْبَعْلِيمِ، وَيُبَخِّرُونَ لِلتَّمَاثِيلِ الْمَنْحُوتَةِ. 3وَأَنَا دَرَّجْتُ أَفْرَايِمَ مُمْسِكًا إِيَّاهُمْ بِأَذْرُعِهِمْ، فَلَمْ يَعْرِفُوا أَنِّي شَفَيْتُهُمْ. 4كُنْتُ أَجْذِبُهُمْ بِحِبَالِ الْبَشَرِ، بِرُبُطِ الْمَحَبَّةِ، وَكُنْتُ لَهُمْ كَمَنْ يَرْفَعُ النِّيرَ عَنْ أَعْنَاقِهِمْ، وَمَدَدْتُ إِلَيْهِ مُطْعِمًا إِيَّاهُ.
فمن الواضح من النص أن الذي دُعِي من مصر هو قبيلة إسرائيل وليس المسيح، وهذا ما يقول به المفسرون اليهود، وقول إنجيل متَّى أن المقصود هاهنا هو المسيح هو تأويل للنص؛ أي هو من باب الإشارة، وهي إشارة صحيحة، وكما بدأت مهمة بني إسرائيل بالخروج من مصر فقد انتهت سلسلة أنبيائهم بالنبيِّ الذي دُعي من مصر.
ومن معجزات القرءان تأكيده على كلامه للناس في المهد وكهلا، قال تعالى: {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ }آل عمران46، {إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ}المائدة110.
ولمعرفة طبيعة الكلام كهلا المقصود في الآيات يجب معرفة طبيعة الكلام في المهد، وهذا يتبين من الآيات الآتية:
{فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً{26} فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً{27} يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً{28} فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً{29} قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً{30} وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً{31} وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً{32} وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً{33}}مريم.
فالكلام في الكهولة كان في هذا الإطار؛ أي كان تفصيلا وتحقيقاً لكل ذلك، والكلام الموجه للسيدة مريم بهذا الخصوص ليطمئن قلبها إلى أنه سيعيش إلى أن يبلغ مرحلة الكهولة مهما اشتدت المؤامرات عليه في المجتمع اليهودي الذي كان يتباهى بقتل النبيين، وكان ذلك من أسباب أمرهم بالهجرة إلى ربوة ذات قرار ومعين حيث الأمن، قال تعالى:
{وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِين} [المؤمنون:50]
فالكلام في الكهولة لا غرابة فيه، فكل الناس يتكلمون في كهولتهم، ولكن المقصود الكلام بخصوص مهمته أي رسالته، ولكن من يريدون توثين المسيح وليّ عنق الآيات لتؤيد الخرافة التي ألقاها إليهم شياطين أهل الكتاب حمَّلوا الآيات ما لا تطيق وحرفوا الكلم عن مواضعه فضلوا وأضلوا وضلوا عن سواء السبيل! وهم يزعمون أن الكلام في الكهولة يجب أن يكون معجزة، وبذلك لابد أن يعود المسيح ليتكلم وهو كهل!!! وهم بالطبع لا يعرفون شيئا عن الكهولة وقولهم هذا يتضمن قطعهم بأنه توفى شابا، وهذا ما لا دليل عليه، فكل المعلومات تشير إلى أنه مارس الرسالة كهلا!! بل إنه لا يمارس الرسالة إلا من بلغ مرحلة الكهولة، والآية تعطف كونه عليه السلام من الصالحين على كل ذلك، فهي تقول: {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ}، فهل ثمة معجزة بالضرورة في كونه من الصالحين؟ كما زعموا أنه يجب أن يعود ليؤمن به كل أهل الكتاب، مع أن الخرافة تقول إنه لن يقبل منهم الجزية!!!! وسيبيدهم إن لم يسلموا!!!!!
ولا يوجد أدنى علاقة بين الكلام في مرحلة الكهولة وبين ضرورة النزول إلى الأرض فضلا عن بقائه حياً بجسده في السماء (بجانب الرب) لآلاف الأعوام، فلا يجوز تحميل أساطيرهم على الآية، ولكنها الأهواء عمَّت فأعمت!
أما ما بين مرحلتي المهد والكهولة للمسيح الحقيقي فهي سنوات غامضة، لم يستطع أحد ممن أرَّخ له أن يعرف أسرارها إلى الآن معرفة وثيقة، وقد صمتت الأناجيل عنها ولم تقدم شيئا يُعتد به، وذلك لخلطهم بين القصتين المختلفتين؛ قصة المسيح الحقيقي وقصة المسيح المزيف، وقد قدم الكثيرون بشأنها تفسيرات كثيرة، وهم يسمونها بالسنوات الضائعة (The Lost Years of Jesus)، حتى زعم بعضهم أنه هاجر إلى الهند وتعلم هناك أسرار دياناتهم، ولذلك أخذت تعاليمه سمات أديانهم من الرحمة والعطف والحب على عكس الديانة الإسرائيلية التي كانت تأخذ صورة وحشية قاسية غاضبة، وكان الرب فيها هو رب الجنود الذي لا يرحم أعداء قبيلته الأرضية ولا قبيلته نفسها، ويصب عليهم حينًا بعد حين جام غضبه، وهناك من قال إنه ذهب إلى بريطاني!! أو حتى اليابان!!!
فمعجزة القرءان هي في إشارته إلى صمت السيد المسيح طوال المرحلة بين المهد وبين الكهولة، فهي إلى الآن سرّ غامض! وليس لدى القوم أية إشارة ولو بسيطة لسبب الصمت طوال هذه الفترة!
والذي حدث في هذه السنوات هو ما أشار إليه أحد الأناجيل وهو أن السيدة مريم فعلت مثل أسلافها ومثل أهل الشام قديما وبنو إسرائيل في مثل هذه الظروف ومثلما سيتكرر من بعد على مدى التاريخ، وهو الهجرة إلى مصر عند الخطر، وهذا ما فعله النبي إرميا عليه السلام عندما فرَّ إلى مصر ومعه بقايا الأسرة المالكة بعد الاجتياح البابلي لأورشليم بقيادة نبوختنصر سنة 586 ق.م.، فخوفا على ابنها من بني إسرائيل من بعد كلامه في المهد هاجرت به إلى مصر بصحبة أحد أقاربها المتقدمين في السن ولم يكن خطيبا ولا زوجا لها بل كان حاميا وراعيا لها، وهذا هو الأمر الطبيعي، أما من ظنُّوا أنهم هاجروا إلى الهند أو بريطانيا فقد ذهب بهم الشطط بعيدا، فكل الأنبياء لم يخرجوا عن هذه المنطقة من العالم والمعروفة بالشرق الأدنى فلقد بقيت النبوة في هذه المنطقة ولم تتأثر بأي تراث خارجي.
وقد كان اليهود قوما مجرمين شرسين في ذلك العصر، وكانوا يتباهون بقتل الأنبياء والمصلحين، فكان لابد من الاختفاء عنهم في منطقة كثيفة السكان.
وقد عاشت أسرة المسيح عليه السلام في مصر لمدة طويلة، إلى أن بلغ أواخر العشرينات من عمره، ثم عادت الأسرة إلى فلسطين، وإلى ذلك الإشارة بالنبوءة القديمة في الإصحاح الْحَادِي عَشَر لهوشع يقول:
1".... وَمِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنِي .... "، والإشارة تعني أصلا بني إسرائيل.
فالمسيح الحقيقي كان لابد أن ينشأ بعيدا عن تأثيرات بني إسرائيل المتعصبين المتجمدين، مثلما حدث مع موسى من قبل، الذي تربى بعيدا عنهم في بلاط فرعون ملك مصر من أسرة الرعامسة؛ وهي الأسرة العشرون (في تقدير المؤرخين، أما عندنا فالأسر أكثر من ذلك بكثير)، ولذلك امتنّ الله تعالى عليه بقوله: {... وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:39]، ولذلك يُلاحظ أن روح خطاب المسيح لهم كان غير مألوف بالنسبة إليهم.
ولقد فرت به أمه إلى مصر، كان ذلك في عصر الإمبراطورية الفارسية، والتي كانت مصر وأرض كنعان واليهودية تابعة لها، وعاش فيها أكثر سنوات عمره، وتلقى تعليما على يد معلمين عبرانيين مستنيرين ممن كانوا في مصر، ثم استُدعي ليقوم برسالته كما في الإنجيل!
فالذي جاء في الإصحاح الْحَادِي عَشَر لهوشع تذكير بنعمته التي أنعمها على بني إسرائيل، وكيف أنهم كفروا بأنعمه وعبدوا غيره!:
1«لَمَّا كَانَ إِسْرَائِيلُ غُلاَمًا أَحْبَبْتُهُ، وَمِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنِي. 2كُلَّ مَا دَعَوْهُمْ ذَهَبُوا مِنْ أَمَامِهِمْ يَذْبَحُونَ لِلْبَعْلِيمِ، وَيُبَخِّرُونَ لِلتَّمَاثِيلِ الْمَنْحُوتَةِ. 3وَأَنَا دَرَّجْتُ أَفْرَايِمَ مُمْسِكًا إِيَّاهُمْ بِأَذْرُعِهِمْ، فَلَمْ يَعْرِفُوا أَنِّي شَفَيْتُهُمْ. 4كُنْتُ أَجْذِبُهُمْ بِحِبَالِ الْبَشَرِ، بِرُبُطِ الْمَحَبَّةِ، وَكُنْتُ لَهُمْ كَمَنْ يَرْفَعُ النِّيرَ عَنْ أَعْنَاقِهِمْ، وَمَدَدْتُ إِلَيْهِ مُطْعِمًا إِيَّاهُ.
فمن الواضح من النص أن الذي دُعِي من مصر هو قبيلة إسرائيل وليس المسيح، والقول بأن المقصود هاهنا هو المسيح هو تأويل للنص أي هو من باب الإشارة، وهي إشارة صحيحة، وكما بدأت مسيرة بني إسرائيل بالخروج من مصر فقد انتهت سلسلة أنبيائهم بالنبي الذي دُعي من مصر.
ولم تذكر الأناجيل شيئا عن حديث المسيح في المهد الذي ذكره القرءان، ومن بعد أن أعطت شيئا من المعلومات عن مولده لم تذكر شيئا يُعتد به إلى أن بدا عمله.
وإنجيل متى في الإصحاح الثاني يذكر مولد المسيح والأمر بالذهاب إلى مصر:

13وَبَعْدَمَا انْصَرَفُوا، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لِيُوسُفَ فِي حُلْمٍ قَائِلاً: «قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ، وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى أَقُولَ لَكَ. لأَنَّ هِيرُودُسَ مُزْمِعٌ أَنْ يَطْلُبَ الصَّبِيَّ لِيُهْلِكَهُ». 14فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ لَيْلاً وَانْصَرَفَ إِلَى مِصْرَ. 15وَكَانَ هُنَاكَ إِلَى وَفَاةِ هِيرُودُسَ. لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ الْقَائِل: «مِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْني».

*******

الاثنين، 12 سبتمبر 2016

المرويات ومصطلح الصحبة

المرويات ومصطلح الصحبة

إن الاحتجاج بالمرويات لإثبات أي شيء خاص بمصطلح "الصحبة" أو "الصحابة" هو مبني على استدلال دائري Circular reasoning، وهو مغالطة منطقية Logical fallacy فيها يبدأ المحتج بما يريد أن يثبته كمقدمة Premise أو مسلمة A postulate! ولا يمكن أن يُبنى دين على مغالطة منطقية فجة.
فالمغالطة تقول: الصحابي هو من روى مروية أو ثبت أنه ورد اسمه في مروية، ولكن لا مصداقية للمروية أصلا إذا لم تكن منسوبة إلى صحابي!!! فإن قالوا لقد ثبت وجود (الصحابي) بالتاريخ، فالتاريخ نفسه هو مجرد مرويات أقل مصداقية من المروية!!! ولا يوجد أي دليل خارجي مستقل يثبت أي زعم بخصوص الصحابة، والتثبت من حقيقة ومصداقية نص ديني يجب أن يكون أقوى بكثير من التثبت من أثر تاريخي.
ومع ذلك يوجد في البخاري نصوص قطعية الدلالة على أن رجالا من (الصحابة) قد ارتدوا على أدبارهم القهقري بعد الرسول وأن الرسول نفسه سيُفاجأ بذلك يوم القيامة، فكيف قطع جامعو المرويات أنهم كلهم عدول وأن كل قول نُسب إليهم يعتبر نصا دينيا له الحكم والقضاء على القرءان الكريم؟ والمشكلة أنهم يعتبرون كل من قيل إنه روى عن الرسول صحابي، في حين أنه لقبول المروية يجب أن تكون قد رويت عن صحابي؟؟ أليس هذا هو الدور المنطقي الباطل؟؟؟!!!
ومن الأمور التي تقوض التعريف الذي أحدثه بعض الدجالين والمدلسين في القرن الهجري الثالث للصحابة وغلوهم في أمرهم هي أنه ورد في صحيح البخاري أن رهطا من (الصحابة) سيدخلون النار وأن الرسول نفسه سيفاجأ بذلك!!!!!!!!!!!! اقرأ في البخاري:
[ 6213 ] وقال أحمد بن شبيب بن سعيد الحبطي حدثنا أبي عن يونس عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي فيجلون عن الحوض فأقول يا رب أصحابي فيقول إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقري"
ماذا سيكون ردّ من يعبدون الصحابة والبخاري؟! لا مشكلة: "صدق البخاري، والصحابة كلهم عدول وهم السادة المقدسون، ومعنى أنهم ارتدوا على أدبارهم القهقري هو أنهم لم يرتدوا على أدبارهم القهقري، ولو كنت متخصصا لعرفت ذلك بنفسك"!! أو سيقولون إن "الصحابة الذين ارتدوا هم الذين حاربهم الصحابة الذين لم يرتدوا"!!!!!
ولكن المشكلة التي غفلوا عنها هي أن تعريف الصحابي لا ينطبق إلا على الصحابي الذي لم يرتد بل مات مؤمنا!!!!! فهم يقرون هاهنا بأن النبي نفسه لا يعرف تعريف الصحابي الذي أحدثوه هم من بعده، أو يلزمهم الإقرار بأنه ليس بمصطلح ديني!!!!!
إن في إلزام الأمة بالاصطلاح الذي أحدثوه للصحابي مخاطر عديدة أدت إلى كوارث هائلة، لذلك يجب العلم بأن هذا التعريف أصلا لم يأت به نص قطعي الورود والدلالة، وهو من محدثات الناس في الدين، وهو من الممكن أن ينطبق علي من قال الله فيهم: { وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ } وكذلك: { وآخَرِينَ مِنْ دُونَهُم لا تَعْلَمُونَهُم اللهُ يَعْلمُهُم } وإلا فليأتِ صاحب هذا التعريف وأتباعه للناس بقوائم بأسماء هؤلاء المنافقين حتى يمكن استبعادهم، ولا يجوز لأحد أن يدعي لمن هو دون رسول الله العلم بهم سواء من المعاصرين له أو ممن أتى من بعده، لذلك كان لابد لاعتماد رواية من يسمونه بالصحابي من وثيقة مكتوبة كما كان الحال بالنسبة  إلى القرءان وخاصة وأنهم اعتبروا المرويات الأصل الديني الثاني نظريا وقدموها على القرءان عمليا، فهذه المرويات تمثل الجانب الأكبر من مادة الدين.
أما المروية التي ورد فيها تحذير لخالد بن الوليد من التعرض لأصحاب الرسول من بعد أن تطاول على عبد الرحمن بن عوف وفحواها أنه لا سبيل لمن هم في طبقته من اللحاق بهم فهي تقوض تعريفهم للصحابي، وتبين أن المصطلح يعني من الناحية التاريخية على أقصى تقديرٍ ممكن من أسلموا قبل خالد؛ أي من حضروا فتح الحديبية، أما في التقدير المتحفظ فقد لا تعني إلا من هم في طبقة عبد الرحمن بن عوف من السابقين الأولين، ولو كان هذا المصطلح مصطلحا دينيا لبادر أحدهم بالسؤال عن المراد بالأصحاب؛ فقد كانوا أحرص الناس على الخير، ولكن الأمر كان معلوماً لديهم أنه ليس أمراً دينيا، وإنما هو متعلق بالأسبقية إلى الإسلام وطول الملازمة للرسول، ومن الواضح أن الرسول لم يستعمل هذا المصطلح إلا بمعناه اللغوي أو على سبيل العهد، ولذلك لم يستغرب أحدهم عندما رأى الرسول يستعمل نفس اللقب للإشارة إلى عبد الله بن أبي بن سلول الملقب بكبير المنافقين، أو للإشارة إلى من تآمروا عليه عند عودته من غزوة تبوك.
ويقول بعضهم:
(نعم يقال لكل من آمن بالرسول ورآه في حياته انه صحابي بدليل عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ َقَالَ: " وَدِدْتُ أَنِّي رَأَيْتُ إِخْوَانِي "، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَسْنَا بِإِخْوَانِكَ؟، قَالَ: " بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِنَّمَا إِخْوَانِي الَّذِينَ يَأْتُونَ مِنْ بَعْدِي").
وفي الحقيقة نحن نتمنى أن تكون المروية الصحيحة، بل هي بالفعل ترجع بالفعل إلى أصل صحيح، فإذا كان "الصحابة" قد تحولوا إلى أرباب مقدسين فما بالك بإخوان النبي، فنحن بنص هذه المروية أفضل بكثير جدا من الصحابة!!! ولذلك لا يجوز لأحد أن يطالبنا بتقديسهم واتخاذهم أربابا!! هل يجوز لك أن تطالب أخاك بعبادة صاحبك؟ وهل يجوز لك أن تقتله إن أبى أن يفعل؟!
وبالطبع كان الرسول يخاطبهم من حيث الواقع الماثل أمامه، ولكنه بالطبع لن يقدم عنهم إلا الشهادة الصادقة، وسيتبرأ من كل من بدَّل وانقلب على عقبيه منهم!

*******

السبت، 3 سبتمبر 2016

دحض سريع لأدلتهم على حجية السنة (المرويات)

دحض سريع لأدلتهم على حجية السنة (المرويات)

ورد في أحد كتب أصول الفقه هذه الأدلة على حجية ما يسمونه بالسنة، ويقصدون بها المرويات، وهذا دحض سريع لأدلتهم واحدا تلو الآخر:


حجتهم
دحضها
1
قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} الحشر7 وهذا دليل صريح في وجوب اخذ كل ما جاء به الرسول صلى الله علية وسلم من أمر ونهي لا يحتاج إلى مزيد تعليق لوضوحه في الصراحة.
الآية كاملة تقول: {مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب} [الحشر:7]، ولا يجوز اقتطاع عبارة من الآية ومن سياقها وتحميلها بمعانٍ لا علاقة لها بها، بمثل ذلك السلوك يمكن إثبات أن الكفر صحيح!! الآية تتحدث عن توزيع الفيء، فالفيء هو الذي يؤخذ، والآية تتحدث عن الرسول بصفته كرسول يحمل رسالة إلى العالمين، هذه الرسالة هي القرءان، ولا يجوز أن يُكتَب (البخاري وشركاؤه) في الآية مكان الرسول، والرسول يأمر وينهى ويبشر وينذر ويجاهد بالقرءان الذي هو مأمور بتبليغه واتباعه.
2
قوله تعالى: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ} وجه الدلالة من ذلك إن الله تعالى جعل طاعة الرسول من طاعته وطاعة الله واجبة فكذلك تكون طاعة الرسول واجبة.
بالطبع من أوامر الدين الكبرى طاعة الرسول بصفته كرسول يحمل رسالة إلى العالمين، هذه الرسالة هي القرءان، والرسول كان يجسد للمعاصرين له القرءان، فوجب عليهم اتباعه لذلك، ولو ظهر الرسول الآن لوجب علينا جميعا طاعته في أوامره التي يوجهها إلينا، فهو الأعلم والأفقه بالقرءان الذي تلقاه في قلبه، ولا يجوز تصور أن هذه الآية جعلته إلهًا مع الله أو أنها قسمت الدين إلى جزئين كما يقولون؛ جزء خاص بالله وهو القرءان، وجزء خاص بالرسول، وهو التراث الشفهي جمعه البخاري وشركاؤه بعد حوالي 250 سنة من انتهاء العصر النبوي، هناك فُرقان هائل بين طاعة الرسول الظاهر أمامنا وبين طاعة البخاري وشركائه!
3
قوله تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً }النساء65 وجه الدلالة من هذه الآية إن الله تعالى جعل علامة الإيمان تحكيم الرسول في الأمر المتنازع فيه وهذا في حالة حياته أما بعد موته فيكون ذلك بتحكيم سنته صلى الله علية وسلم
الآية تتحدث عن التحكيم في المنازعات بين الأفراد، فقد كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ يحكم بينهم فيها؛ أي كان يقضي بينهم، والآية تأمرهم بأن يرضوا بما حكم به وألا يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَى به، وهي لا تلزم البشرية جمعاء بالإيمان بما جمعه البخاري وشركاؤه بعد حوالي 250 سنة من انتهاء العصر النبوي.
4
قوله تعالى: {الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }النور63 وجه الدلالة أن الله تعالى توعد وهدد من يخالفون أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ بان يقعوا في الفتنه والعذاب الأليم وهذا يدل على تحريم مخالفة أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ونهيه.
1.   الآية السابقة في السياق تقول {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيم}[النور:62]، فالحق هو أن الآية تتوعد الَّذِينَ كانوا يَتَسَلَّلُونَ مِن (الصحابة) لِوَاذا مخالفين بذلك عَنْ أَمْرِهِ، وذلك أثناء كونهم معه عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ، فهم كانوا يتسللون لواذا دون استئذان، فالآية تندد بسلوكهم المشين هذا، وهي لا تلزم البشرية جمعاء بالإيمان بما جمعه البخاري وشركاؤه بعد حوالي 250 سنة من انتهاء العصر النبوي، والتي نسبوها إلى من كان بعضهم يَتَسَلَّلُونَ لِوَاذا، فجعلهم أربابا مشرعين رغم أنوفهم!

5
قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } وجه الدلالة أن الله تعالى نفى أن يختار المؤمن بين أن يلتزم بأمر الله تعالى وأمر رسوله وبين أن لا يلتزم بمعنى انه ليس مخير في العمل أو عدم العمل فهو ملزم بالعمل من ما يدل على أن ما جاء به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ حجه في هذا المقام.
هم يفصلون بين الله وبين رسوله، فيجعلون لله أمرا ولرسوله أمرا، هذا مع أن الآية تنص على أمرٍ واحد لله ورسوله، فهم قلما يتفكرون في دقة التعبير القرءاني!! والآية تلزم المسلمين المعاصرين للرسول بالالتزام التام بما يقضي به الرسول بمقتضى ما تلقاه من رسالة، والآية تأتي على رأس سياق يتحدث عن قصة زيد وزوجه المعلومة، وهي واقعة كانت بالغة الحساسية بالنسبة لكل الأفراد الداخلين فيها، والرسول كان يقضي بين الناس وفي الأمور بمقتضى الرسالة التي حفظها الله تعالى للعالمين، فمن يحكم بين الناس بمقتضاها فقد وجب على المعنيين طاعته، ولو وصل للناس حكم للرسول في قضية وصولا لا ريب فيه لوجب عليهم الأخذ به في كل القضايا المشابهة، ولو نسب أحدهم إلى الرسول بعد ستة أجيال حكما مخالفا للرسالة لدل ذلك على عدم صحة هذه النسبة.
6
خطبة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ يوم النحر "ألا فليبلغ الشاهد الغائب فربى مبلغ أوعى من سامع فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض" رواه البخاري وغيره" وأمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ لأصحابه بأن يبلغون عنه ما يسمعون منه دليل على أن كلامه حجه وإلا فكيف يأمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ بتبليغ شيء ليس بالحجة.. وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ يقول: " نضر الله امرئ سمع كلماتي فحفظها ووعيها وبلغها من لم يسمعها فرب حامل فقه لا فقه له ورب حامل فقه إلى ما هو أفقه منه " رواه ابن الترمذي وأبو داوود وابن ماجه.
لا يجوز الاحتجاج بمرويات لإلزام الناس بحجية المرويات، هذه مغالطة منطقية معلومة جيدا A well-known logical fallacy هي الاستدلال الدائري Circular reasoning، ومن الثابت أن (الصحابة) لم يلتزموا بما جاء في المروية، وإلا لكان لدى الناس كتاب موثق يتضمن أقوال الرسول لا يختلف فيه اثنان، ومن الثابت أنهم امتنعوا عن تدوين الآثار كما منعوا غيرهم من فعل ذلك على مدى أكثر من قرنين من الزمان، فهم يتحملون وزر عدم حفظ كلمات الرسول حفظا موثقا في الزمن المناسب وفي وجود الشهود الحقيقيين، أما عمليا فقد ضرب بعضهم رقاب بعض، فهم بمقتضى المروية قد رجعوا بعده كفارا، فلا يجوز الاقتداء بهم ولا تصديق مروياتهم ولا اتخاذهم أربابا مشرعين في الدين!!                                        
7
هذا دليل مهم في مضمونه ومحتواه أرجو التنبه له قوله صلى الله عليه وسلم يوشك أن يقعد على أريكته يحدث بحديثي فيقول بيني وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه حلال استحللناه وما وجدنا فيه حرام حرمناه ألا وإنما حرم رسول الله مثل ما حرم الله " رواه أبو داوود والترمذي وابن ماجه وقد حذر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ تحذير شديداً من الإعراض عن سنته بحجة الاكتفاء بالقرآن وأخبر انه سيوجد من يقوم بذلك وبين حاله لنا لنحذره فهذا أمر مهم ينبغي التنبه له.
ينطبق على هذه المروية ما انطبق على الاحتجاج السابق، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ كان العبد المحض لله، فلا يمكن أن يكون قد صدر عنه ما يشير إلى أي مماثلة بينه وبين ربه، وهو كان على خلق عظيم، ولم يكن عليه إلا البلاغ المبين، ولا يمكن أن يصدر عنه ما يشير إلى غضبه لنفسه، وقد كان بالمؤمنين رؤوفا رحيما كما وصفه ربه، وكان مأمورا بالعفو عن الناس والاستغفار لهم والصلاة عليهم، وهو بالطبع كان يدعو الناس بالحكمة والموعظة الحسنة لطاعته باعتبار يمثل الذكر والقرءان الحيّ بالنسبة إليهم.
8
قول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع: "إني تركت فيكم ما أن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً كتاب الله وسنتي " أخرجه مالك في الموطأ.. حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن النجاة من الضلال في التمسك في كتاب الله وسنته
مروية غير صحيحة، ولا تكليف بالمجهول، فلم يكن ثمة كتاب اسمه "سنة الرسول" يحفظه الناس ويرتلونه كالقرءان، وكما سبق القول في بند 6 لا يجوز الاحتجاج بمرويات لإلزام الناس بحجية المرويات.
9
عمل الصحابة رضي الله عنهم حيث تمسكوا بسنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ وحرصوا على ذلك وأمثلة هذا كثيرة لا يمكن حصرها ومن ذلك ما ورد في قصة تحويل القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام حيث صلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ بالصحابة إلى بيت المقدس 16 شهراً بعد أن هاجر إلى المدينة وفي يوم من الأيام وبعد أن صلى بالمسلمين ركعتين من الظهر أمره الله تعالى بان يتوجه إلى المسجد الحرام فاستدار إليه فاستدار المسلمون معه بدون أن يعرفوا سبب استدارته، حتى علموا بان الله تعالى أمره بذلك بعد أن أنهى الصلاة.
تغيير القبلة كان بأمرٍ قرءاني واضح ومحكم وصريح، أما موضوع الاستدارة في المسجد فهو خبر آحاد ظني لا يوجد ما يقطع بصحته ولا بصحة مضمونه، و(الصحابة) لم يكونوا طيعين إلى هذه الدرجة، وكم أرهقوا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ من أمره عسرا وجادلوه في الحق بعدما تبين فأكثروا الجدل، وكم رفعوا أصواتهم فوق صوته، والاحتجاج عليهم بذلك هو احتجاج بما ورد في القرءان وبما صدقته المرويات التي يؤمنون بها، ولا يجوز لهم هم الاحتجاج بمروية لإثبات حجية المر ويات كما سبق بيانه في البند 6، وإذا كان قد حدث أنهم كانوا في صلاة ثم استدار الإمام من الاتجاه شمالا إلى الاتجاه جنوبا فإنه يصبح بالضرورة خلفهم!
10
أيضًا ما ورد في سيرة أبي بكر فانه إذا ورد عليه حكماً نظر في كتاب الله فإذا وجد فيه ما يقضي به قضى به وإن لم يجد نظر في سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ فإذا وجد ما يقضي به قضى به وان أعياه أن يجد في سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ جمع رؤساء الناس فاستشارهم فأن اجتمع رأيهم على شيء قضى به وكان عمر يفعل ذلك أيضا.
بغض النظر عن مدى صحة هذا الكلام فلا يجوز الاحتجاج به لإثبات حجية مصدر للدين يأخذون منه أكثر مادة دينهم الذي من المفترض أنه ملزم للناس كافة إلى يوم الدين، ومع ذلك فقد كان هؤلاء هم الشهود المباشرين الذين سمعوا من الرسول مباشرة، وليس عبر وسائط مزعومين يشكلون ستة أجيال متعاقبة من البشر، وإذا كان أبو بكر وعمر (وهما أشد الناس صحبة للرسول كما يقولون) لم يجدا ما يريدان في كتاب الله الذي جعله الله تعالى مبينا ومبيِّنا وتبيانا لكل شيء وأدركا مدى الحاجة الماسة إلى سنة الرسول فلماذا لم يدركا أن من سيأتون من بعدهما إلى قيام الساعة سيكونون أحوج إلى العلم بها منهما، وما هي الصعوبة في أن يأمرا بتدوين هذه الأمور التي أخذا بها من سنة الرسول تدوينا موثقا؟؟!!! إذا صحَّت هذه الحجة فإنهما يتحملان وزر تبديد سنة الرسول، وخاصة عمر الذي طالت مدة خلافته وكان بإمكانه أن يشكل لجنة من الموثوق بهم كعلي بن أبي طالب وحذيفة وعبد الله بن مسعود لتدوينها
11
دليل عقلي: إن العقل السليم والمنطق المستقيم للمسلم يدل على وجوب اعتبار سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ والعمل بها وذلك بان المسلمون متفقون على وجوب العمل بكتاب الله، وكثير من أحكام القرآن مجملة وعامة فتحتاج إلى تفصيل وبيان وتبيين لكي يتم العمل بها ولا يمكن أن يتم العمل بها إلا بالعمل بسنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ التي ورد بها توضيح كثير من أحكام القرآن الكريم.
هذا الكلام يتضمن تكذيبا سافرا بما وصف الله تعالى به كتابه العزيز، فكتاب الله مفصَّل على علم، قال تعالى: {وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُون}[الأعراف:52]، {الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِير} [هود:1]، {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قرءانا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُون} [فصلت:3]، وكتاب الله مبين ومبيِّن وتبيان لكل شيء، ولقد تكفل الله ببيانه، قال تعالى: {... وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِين} [النحل:89]، {وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلاً مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِين}[النور:34]، {لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم}[النور:46]، {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِين}[الشعراء:2]، {طس تِلْكَ آيَاتُ الْقرءان وَكِتَابٍ مُّبِين}[النمل:1]، {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِين}[القصص:2]، {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقرءان مُّبِين}[يس:69]، {وَالْكِتَابِ الْمُبِين}[الزخرف:2]، {وَالْكِتَابِ الْمُبِين}[الدخان:2]، {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقرءانهُ (17) فَإِذَا قرءاناهُ فَاتَّبِعْ قرءانهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)} القيامة.
12
والخلاصة أن العمل بالقرآن واجب ولا يتم العمل بهذا الواجب إلا بالعمل بالسنة وما لا يتم الواجب الا به فهو واجب، فيكون العمل بالسنة واجب وهذا دليل ينبغي التنبه له أيضاً فترك العمل بالسنة يفضي إلى ترك العمل بالقرآن.
لا معنى لهذه الخلاصة بعد دحض كل ما بُنيت عليه، وهذه الخلاصة تتجاهل تماما المعنى القرءاني للسنة وتقلل من قدر القرءان وما يتضمنه من أوامر وتعليمات.







ودحض حججهم الشهيرة لا يعني وجوب الترك المطلق للمرويات، ولكنه يثبت أنه:
1.    لا يجوز الأخذ المطلق بها.
2.    ولا يجوز اعتبارها حاكمة وقاضية على القرءان.
3.    ولا يجوز نسخ آيات القرءان بها.
4.    ولا يجوز أخذ أكثر مادة الدين وأموره الكبرى منها.
5.    ولا يجوز اعتبارها تمثل دين الحق تمثيلا صادقا.
ولدينا نحن حججنا التي توجب الأخذ بما اتسق منها مع عناصر دين الحق الماثلة في القرءان.



*******