الجمعة، 31 أكتوبر 2014

مسألة بني قريظة


مسألة بني قريظة

إن أمر بني قريظة لم يكن ليستحق أكثر من أن يُذكر بإيجاز في بعض آيات سورة الأحزاب، لقد خانوا العهد والميثاق وعرضوا الأمة الوليدة لخطر الإبادة، ولإدراكهم خطورة الأمر تحصَّنوا بحصونهم مصممين على الصمود، ثم صمموا على الخروج لمقاتلة المسلمين إلى آخر رجل كما يقولون، فلما واجهوا المسلمين قذف الله في قلوبهم الرعب ودارت معركة تقليدية قُتل فيها أكثرهم وأُسر آخرون بعد أن جبنوا عن مواصلة القتال، قال تعالى:
{وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً} الأحزاب26.
فالآية تؤكد أن بني قريظة ظاهروا الكفار المحاصرين للمدينة بالفعل في الموقعة المسماة بغزوة الخندق أو موقعة الأحزاب، ونزولهم من صياصيهم إشارة إلى إنهم رفضوا الحصار المضروب عليهم وقرروا حسم الأمر بمعركة ومواجهة مفتوحة، وهذا يدل أيضا على أن المعركة التي تلت ذلك كانت معركة دامية، استبسلوا فيها استبسالا شديدا واستماتوا، حتى استدعى الأمر تدخلا إلهيا بإلقاء الرعب في قلوبهم، والقول {فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقا} يتضمن أيضاً إشارة إلى وقوع المعركة التي نفى حدوثها ابن إسحاق أو لم يتحدث عنها، وهذا كافٍ تماما لتقويض قصته برمتها.
والأسر لا يكون إلا أثناء المعركة أو مواكبا لانتهائها، والأسير حكمه معلوم:
{.....فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لاَنتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُم}  [محمد:4].
أما قادتهم فقد حوكموا محاكمة عادلة لاقترافهم الجريمة المعروفة والتي تعادل الآن الخيانة العظمى والتخابر مع الأعداء ومظاهرتهم والانحياز إليهم في وقت الحرب ونقض العهد والميثاق، وهذه الجريمة ثابتة عليهم، وهي جعلت الخندق الذي حفره المؤمنون للدفاع عن المدينة –ولم يكن أمرا معهودا للعرب من قبل- وبذلوا في سبيل ذلك جهدا هائلا أمرا غير ذي جدوى، وكان من الغريب وغير المبرر أن يتحالفوا مع الكفار ضد من يؤمنون بملة إبراهيم عليه السلام مثلهم ويبجلون أنبياءهم، ولقد حكم عليهم من اختاروه هم حكما، وكان تحكيمه فيهم مجاملة له، وقد حكم عليهم بالحكم المعلوم، وكان حليفهم من قبل، أما من لم يشترك في القتال فقد عاش بعد ذلك بدون أية مشاكل طوال العصر النبوي، ومنهم من أسلم، ومن هؤلاء من استمر من بعد في الكيد للإسلام والدس في الآثار، وكان منهم من روى لابن إسحاق قصة بني قريظة بعد أن ظلوا يتداولونها وينفخون فيها تمجيدا لأسلافهم، ومن المعلوم جيدا أن كون المرء من بني إسرائيل يعتبرونه هم قدرا لا فكاك منه حتى وإن اعتنق دينا آخر، وأنه لا مشكلة عندهم في أن يعتنق أحدهم أي دين آخر أو حتى أن يكون ملحدا، فسيظل على ولائه لتاريخ قومه.
ومن المعلوم مدى استماتة اليهود في قتالهم وتفضيلهم الانتحار الجماعي على الاستسلام، وثوراتهم ضد الرومان كانت من أكبر التحديات التي واجهت روما في أوج قوتها، وقد تسببوا في ضياع اللواء الروماني الأعظم مرتين وإبادة فيالق رومانية كاملة! وهذا ما دفع الرومان إلى محاولة استئصال شأفتهم والقضاء على دينهم ومحو مدنهم وتشريدهم في الآفاق، وهذا ما لم يفعله الرومان مع غيرهم.
ولقد تفنن اليهود في إضفاء صفة البطولة والثبات على أسلافهم وإظهار ازدرائهم للرسول واستهانتهم بأمره، وعنهم أخذ ابن إسحاق هذه القصة، وبالغ في التغزل في قادتهم فيها!
أما المحسوبون على الإسلام فهم أجبن من أن يمحصوا تراث الأسلاف تمحيصا علميا حقيقيا جادا، وكل مذهب من المذاهب المحسوبة على الإسلام يستند إلى تراث واهٍ يخشى المتكسبون به من انهياره لدي أدني مراجعة، أما من عرف الحقيقة فهو ليس بحاجة إلى أي تأكيد من مصدر آخر: "في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل"، إن الحقيقة التي أجمع المسلمون على تجاهلها هي أن القرءان الكريم هو الكتاب الديني الوحيد الموثق في الإسلام، وأن ما لم يذكره لا يصح أبدا اعتباره أمرا من أمور هذا الدين.
*****
إن السيرة كما جمعها ابن اسحاق واختصرها ابن هشام حافلة بكل ما افتراه ألد أعداء الإسلام ضد النبي الخاتم، ويجب العلم بأن أكثرها لا أصل له، ولقد كان ابن اسحاق أو دجال الدجاجلة كما كان يسميه مالك بن أنس يأخذ بلا حرج عن اليهود ومنهم أحفاد بني قريظة، وهذا ما أخذه عليه مالك بن أنس، وهو الذي دوَّن أن الرسول قد ذبح ثمانمائة أو تسعمائة يهودي من بني قريظة بعد أن استسلموا نقلا عن قصة يهودية قديمة حدثت أيام حكم ملكهم الإسكندر الحشموني اليهودي، وهو بذلك يكذِّب ما ذكره القرءان، وهو بالطبع لم يزعم لنفسه مكانة أو قداسة أو عصمة من الخطأ، بل كان شخصا عاديا جدا، ولم يكن يخطر بباله أن ما كتبه سيتحول إلى آيات تُتلى وأنه سيأتي من يقدسه ويتبرك بذكر اسمه، ولكن الإنسان الذي عبد الصنم والشجر والبقر يمكن أن يعبد أي شيء وأن يقدس أي شيء.
فأسطورة بني قريظة فالذي اختلقها هم اليهود معلمو دجال الدجاجلة ابن اسحاق (كذلك كان يسميه مالك بن أنس) وقد صاغها اليهود لتمجيد أجدادهم، ومع ذلك لم يجرؤ اليهود على إدراجها في السجل الذي يذكرون فيه ما تعرضوا له من مجازر على مدى التاريخ، ولكن المحسوبين على الإسلام تولوا عنهم مهمة الإساءة إلى الرسول الكريم وقذفه بالباطل واتهامه بأنه ارتكب مذبحة جماعية!!!!! والقصة الحقيقية مذكورة في القرءان، لقد خان اليهود عهدهم مع المسلمين وبدلا من أن يشتركوا معهم في الدفاع عن الوطن المشترك تخابروا مع العدو وهم الكفار طبقا لدينهم نفسه وظاهروهم على الذين مِن المفترض أنهم أقرب إليهم منهم، وهم بذلك عرضوا الأمة الوليدة لخطر الإبادة التامة، فلما انسحب الكفار فجأة كان على المسلمين أن يتعاملوا معهم وهم كانوا يتوقعون ذلك ويثقون في متانة دفاعاتهم، وقد تحصنوا في حصونهم، ثم نشبت بالفعل معركة مريرة استبسلوا فيها حتى قُتل أكثرهم وألقى الله تعالى الرعب في قلوب من تبقى منهم وكانوا مجموعة قليلة فوقعوا في الأسر وجوبهوا بالجرائم المعروفة الآن بالخيانة العظمى ونقض العهد والميثاق والتخابر مع العدو ومظاهرته في حالة حرب وأعدموا، أما من لم يشاركوا في القتال فلم يتعرضوا لأي أذي، ويجب العلم بأن السيرة التي يتغنى بها الناس الآن باعتراف أحمد بن حنبل لا أصل لها، والحق هو أن مصداقيتها لا تتجاوز بأية حال 20%. 
*****
عندما يوجد حكم قرءاني فلا قول بعده، والرسول حكَّم سعد بن معاذ في أمر قادتهم وهم قليلون مبالغة في إقامة الحجة عليهم وإظهارا لشناعة جرمهم وتطييبا لخاطر سعد الذي كان في طور الاحتضار وكان هو حليفهم في الجاهلية، فطلب إنفاذ الحكم المعلوم فيهم؛ أي قتل من ثبتت خيانته أثناء المعركة وتحالفه مع المشركين لإبادة المؤمنين الذين يقيم معهم في نفس البلدة، ولكن لم تحدث مجزرة بعد المعركة.
والأسطورة التي دونها ابن إسحاق هي التي بسببها يتهم الغربيون الرسول بأنه Mass-murderer ويصدون الناس به عن سبيل الله تعالى.
وقد طعن ابن حنبل في مصداقية مثل هذه الآثار على وجه العموم عندما قال: ثلاثة لا أصل لها؛ الملاحم والتفسير والمغازي، وحادثة بني قريظة من المغازي، ولقد كان ابن إسحاق في نظر بعض العلماء المعاصرين له دجالا بل كان دجال الدجاجلة كما كان يسميه مالك بن أنس، وهو لم يمحص أية رواية وصلته تمحيصا حقيقيا مسئولا، ومصداقية سيرته لا تتجاوز 20%، لذلك فمصداقية سيرة ابن إسحاق ضعيفة جدا، وبعضها يكاد يكون معدوما أصلا بما في ذلك قصة إبادة بني قريظة! فلا حاجة لدحضها، وإنما على من يريد إثباتها أن يأتي بأدلته!
ولدينا بفضل الله تعالى منهجنا للوصول إلى الحقيقة، ولقد حُفظِنا من الغرق فيما يسمى بأمهات الكتب والتي تحجب عن الإنسان في الحقيقة وجه الحقيقة، ومنهجنا للتعامل مع المرويات وتمحيص ما ورد في السيرة هو نابع من دين الحق الذي يتخذ من القرءان المرجع الأوحد في الأمور الكبرى والمرجع الأعلى في الأمور الثانوية!
ويجب العلم بأنه ليس من حق النقاد الغربيين والمستشرقين الذين يعلمون جيدا مدى تدهور مصداقية التراث المنسوب إلى أول قرنين من تاريخ المسلمين أن يحتجوا على أتباع دين الحق بشيءٍ منه، وبالطبع فإن حججهم تكون قوية وموجعة بالنسبة لعبيد الآثار من أتباع المذاهب المحسوبة على الإسلام التي تتخذ من الكتب التراثية كتبا مقدسة يقدمونها عمليا وواقعيا على القرءان، فأتباع المذاهب التي حلت محلّ الإسلام هم في ورطة حقيقية، ولكن ورطتهم هذه هي مشكلتهم هم، ولا تعنينا في شيء، وعلى هؤلاء الضالين وحدهم يقع عبء التنقيب في تراثهم وتبيين حقيقة ما فيه.
ومن الجدير بالذكر أنه يوجد تشابه لافت للنظر بين قصة بني قريظة كما اختلقها ابن إسحاق ومعلموه اليهود وبين قصة الملك اليهودي الحشموني أليكساندر كما أوردها المؤرخ اليهودي الأشهر فلافيوس يوسيفوس، كان هذا الملك المنحاز للصدوقيين قد هزم الفريسيين المتمردين والذين كانوا قد استعانوا بالسلوقيين المقدونيين (الكفار) ضده، فلما انتصر صمم على الانتقام منهم، فصلب 800 يهودي وذبح نساءهم وأطفالهم أمام أعينهم، وهذا ما لم يجرؤوا على إلحاقه بقصة بني قريظة، ولكن التشابه بين القصتين شديد الوضوح، ففي كلتا القصتين استعان اليهود بالكفار للتغلب على صاحب السلطة الشرعية وعلى المؤمنين!!! وانتصر صاحب السلطة الشرعية وانتقم منهم!
وبالطبع فقصة ابن إسحاق تختلف تماما عما سجله القرءان، ولكن أتباع المذاهب الأثرية السلفية والسنية قد اتخذوا القرءان مهجورا منذ نشأتهم، وقدموا عليه عمليا التراث والآثار، وصاغوا ذلك في مبادئ صارمة ملزمة لا يحيدون عنها قيد أنملة.
ومروية ابن إسحاق ربيب اليهود ومعلم المحسوبين على الإسلام حافلة بالغزل العفيف وغير العفيف في قادة اليهود وفي نساء اليهود وفي حسن تقبلهم لأحكام القدر وفي بيان استخفافهم بالرسول الأعظم مهما علا شأنه وفي تقبلهم القتل باستهانة، وكل ذلك لا يتفق مع ما ذكره القرءان ولا ما هو معروف عنهم ولا مع موقفهم الإجرامي الخسيس أثناء غزوة الخندق!
ومن المعلوم أن مالك بن أسس مؤسس المذهب السني المالكي كان ينكر على ابن إسحاق الذي أخذ عنه ابن هشام تتبعه غزوات النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ من أولادِ اليهود الذين أسلموا وحفظوا قصةَ خيبر وقريظةَ والنضير، إلى غير ذلك من الغرائب من أسلافِهم، ومن يقرأ النصوص التالية من سيرة ابن إسحاق أو ابن هشام يدرك مدى التغزل وتمجيد الذات، ويجزم بأن الرواي يهودي:
قال ابن إسحاق: وقد حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: لم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة قالت: والله إنها لعندي تحدث معي وتضحك ظهراً وبطناً ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل رجالها في السوق إذ هتف هاتف باسمها: أين فلانة؟ قالت: أنا والله قالت: قلت لها: ويلك ما لك؟ قالت: أقتل قلت: ولم؟ قالت: لحدث أحدثته قالت: فانطلق بها فضربت عنقها فكانت عائشة تقول: فوالله ما أنسى عجباً منها طيب نفسها وكثرة ضحكها وقد عرفت أنها تقتل.
قال ابن هشام: وهي التي طرحت الرحا على خلاد بن سويد فقتلته.
وكذلك قصة الزبير بن باطا القرظي:
قال ابن إسحاق: وقد كان ثابت بن قيس بن الشماس كما ذكر لي ابن شهاب الزهري أتى الزبير بن باطا القرظي وكان يكنى أبا عبد الرحمن وكان الزبير قد من على ثابت بن قيس بن شماس في الجاهلية ذكر لي بعض ولد الزبير أنه كان من عليه يوم بعاث أخذه فجز ناصيته ثم خلى سبيله فجاءه ثابت وهو شيخ كبير فقال: يا أبا عبد الرحمن هل تعرفني؟ قال: وهل يجهل مثلي مثلك قال: إني قد أردت أن أجزيك بيدك عندي قال: إن الكريم يجزي الكريم ثم أتى ثابت بن قيس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنه قد كانت للزبير علي منة وقد أحببت أن أجزيه بها فهب لي دمه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو لك فأتاه فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وهب لي دمك فهو لك قال: شيخ كبير لا أهل له ولا ولد فما يصنع بالحياة؟ قال: فأتى ثابت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله هب لي امرأته وولده قال: هم لك قال: فأتاه فقال: قد وهب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلك وولدك فهم لك قال: أهل بيت بالحجاز لا مال لهم فما بقاؤهم على ذلك؟ فأتى ثابت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما له قال: هو لك فأتاه ثابت فقال: قد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك فهو لك قال: أي ثابت ما فعل الذي كان وجهه مرآة صينية يتراءى فيها عذارى الحي كعب بن أسد؟ قال: قتل قال: فما فعل سيد الحاضر والبادي حيي بن أخطب؟ قال: قتل قال: فما فعل مقدمتنا إذا شددنا وحاميتنا إذا فررنا عزال بن سموأل؟ قال: قتل قال: فما فعل المجلسان؟ يعني بني كعب بن قريظة وبني عمرو بن قريظة قال: ذهبوا قتلوا؟ قال: فإني أسألك يا ثابت بيدي عندك إلا ألحقتني بالقوم فوالله ما في العيش بعد هؤلاء من خير فما أنا بصابر لله فتلة دلو ناضج حتى ألقى الأحبة فقدمه ثابت فضرب عنقه!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
وقصة تردد ثابت بين الرسول وبين الزبير بن باطا مصاغة طبقا للأسلوب اليهودي التقليدي كما هو واضح لكل من اطلع على كتبهم وعلى ما دسوه في التراث الإسلامي.
*****
According to hadith books, there were three Jewish tribes in Yathrib: Banu Qaynuqa, Banu al-Nadir and Banu Qurayza. They provoked Muslims and the first two tribes were forced to leave the city with their transportable possessions. However, Prophet Muhammad allegedly did not forgive Banu Qurayza; their necks were struck and their children were made slaves. Estimates of those killed vary from 400 to 900.
The Qur'ân refers to the event and contrary to the claims of hearsay collections, never mentions killing or enslaving them, which is in direct contradiction to many verses of the Qur'ân. The Qur'ân, in these verses, informs us that a group from "The People of the Book" was forced to leave the territory because of their violation of the constitution and secretly organizing war together with their enemies against Muslims (59:1-4). Verse 59:3 clearly states that they were not penalized further in this world.
The credibility of the story of Muhammad massacring Bani Qurayza Jews has been a controversial subject since the time it was published by Ibn Ishaq. Ibn Ishaq -who died in 151 A.H., that is 145 years after the event in question- was severely criticized by his peers for relying on highly exaggerated Jewish stories. He was also harshly criticized for presenting forged poetry attributed to famous poets. Some of his contemporary scholars, such as Malik, called him "a liar." However, his work was later copied by others without critical examination. This is an example of hearsay used by dubious Jewish reporters for propaganda purposes. There is astonishing similarities between Ibn Ishaq and the account of historian Josephus regarding King Alexander the Hasmonean, who ruled in Jerusalem before Herod the Great, hung upon crosses 800 Jewish captives, and slaughtered their wives and children before their eyes. Many other similarities in the details of the story of Banu Qurayza and the event reported by Josephus are compelling. Besides, the lack of reference or justification in the Qur'ân for such a massacre of great magnitude, and the verses instructing principles for Muslims to abide by removes all credibility from this story (35:18: 61:4). The Qur'ân gives utmost importance to human life and considers racism evil. In conclusion, the story of Banu Qurayza is a false one and must be completely rejected.

*******


عقوبة السارق

عقوبة السارق



قال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالا مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} المائدة: 38
إن لله سبحانه أن يُقدِّر العقوبةَ كيف يشاء، ومقدار العقوبة وكيفيتُها لا يقاس أبدا بمقاييس الناس وموازينِهم وإنما بموازينه هو، فالسرقةُ مثلا لا يقاس أثرُها ولا فداحتُها بقيمة ما سُرق وإنما بطبيعة الجرم في ذاته وأثرِه على الضحية وعلى الأمة، ذلك لأن السارقَ قد انتهك حقوقَ إنسان آخر واستباح لنفسه أن يحرمه من ثمرة عمله وكده وأن يستمتع هو به، وهذا مما يكشف اعوجاج نفسه ومدى إظلام باطنه، وهو باعتياده السرقة سيزداد تدهورا وانحطاطا على كافة المستويات، أما من حيث قيمة ما يسرق فهي أمر نسبي؛ فقد تؤدى سرقة قدر طفيف من المال من أحد الفقراء إلى القضاء على مستقبله أو إلى عجزه عن تدبير ما يلزم لعلاج أحد ذويه فيقضي نحبه مثلا.
ويجب التمييز بين لفظ "السارق" كلفظ لغوي، وبين مصطلح "السارق" كمصطلحٍ شرعي، ولقد سكت الكتاب العزيز عن التعريف الدقيق للسارق ليتركه لأولى الأمر في كل عصر ومصر، ولذلك لم يطبقْ عمرُ بن الخطاب عقوبةَ السرقة على من سرق في عام الرمادة ليس لأنه يملك حق إيقاف العمل بآية في كتاب الله تعالى أو تعطيل أمرٍ شرعي ولكن لأنه رأى أن تعريفَ السارق لا ينطبق على من سرق في حالة مجاعة، ولقد كان محقا في ذلك، فالسارق هو من ضبط متلبساً بالسرقة وثبت أنه يمتهنها كحرفة يتكسب منها، أما من سرقَ مضطراً ليدفع عن نفسه أو عمن يعول مثلاً خطرَ الهلاك جوعاً فهو يعد سارقاً من الناحيةِ اللغوية فقط وليس طبقاً للاصطلاح الشرعي.
أما في هذا العصر فإن أحقَّ الناس بلقب السارق هو ذلك الذي يستبيح لنفسه أموال قومه وتؤدي جنايته إلى إلحاق الضرر بعدد كبير منهم مثل ناهبي المال العام وأموال البنوك مثلاً، ولا يجوز هنا درءُ العقوبةِ بالزعم بأن لهم شبهةَ نصيب فيها كما يقولون، ولا نصيب لمسئولٍ أكثر من أجره القانوني، فما يستحقه كل إنسان نتيجة عمله معلوم له جيدا، وهذا السارق يتجاوزه بكثير، ومن الواضح أن مفهوم شبهة النصيب هذه قد اختلق لإيجاد مخرج للخلفاء والسلاطين من آكلي أموالِ الناس بالباطل.
وعقوبة السارق هي القطع؛ أي قطع جزء أو أجزاء من الجِرْم المذكور هاهنا وهو الأيدي؛ ولغويا: الْقَافُ وَالطَّاءُ وَالْعَيْنُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ، يَدُلُّ عَلَى صَرْمٍ وَإِبَانَةِ شَيْءٍ مِنْ شَيْءٍ.
فلا مجاز هنا، ولا توجد أية قرينة في الآية لصرف القطع عن معناه، بل يوجد ما يؤكده ويوجبه.
ولقد سكت الكتاب العزيز عن كيفية القطع الذي هو إبانة بعض أجزاء الجِرْم، وترك أمرَ تحديد ذلك لأولي الأمر، ولكن لابد من القطع بكل ما يعنيه ذلك من معنى، ولا يجوز محاولةُ صرف العبارة عن معناها، فمثل هذه المحاولات مدحوضة بقوله تعالى: {جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالا مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}، فالقول نكَّلت بفلان يعني عاقبته في جُرْم أَجرمه عُقوبة تنكل غيره عن اقتراف مثله، وكل مشتقات اللفظ "نَكال" في القرءان تعطي نفسَ المعنى، قال تعالى: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ }البقرة66، {فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى}النازعات25.
ومن الواضح أن الله تعالى استعمل للسارقِ نفس اللفظ الذي استعمله لفرعون.
وختمُ الآية بالاسم "العزيز الحكيم" يدحض أيضاً كل محاولات المجتهدين الجدد وغيرِهم الذين يحاولون صرفَ الآية عن معناها، فالحكم الصادر على السارق هو من مقام العزة، فلا مجال للجدل حوله أو المراء فيه.
ولكن المصطلح "سارق" هو مصطلح شرعي، فيبقى لأولي الأمر تعريف المراد بالسارق طالما لم يرد له تعريفٌ محدد صارم في القرءان، فهو مصطلح مفتوح، ولا يجوز الالتفات هاهنا للآثار وإن كان يمكن الاستئناس بها، فالسارق لا يمكن أن يكون من سرق عرضا لحاجة طارئة، وإنما هو من مارسها حتى أصبح معروفا بها، ومثَله كمثَل "المسجل خطر" في مصر مثلا الذي يكون معروفا للشرطة مثلا مدى خطورته ولكن القانون لا يسمح بعقابه إلا إذا ضُبِط متلبسا.
فهناك أمران فيما يتعلق بهذا المصطلح متروكان لنوعين مختلفين من أولي الأمر: تعريفه، وهو منوط بأولي الأمر المشرعين، ثم النظر في مدى انطباق هذا التعريف على حالة بعينها، وهو منوط بمن يُسمون بالقضاة الآن، فهم يحكمون وفق ما لديهم من بينات وأدلة كما هو معلوم وكذلك ما تقرر من قواعد فيفسرون أي شك لصالح المتهم.
والسارق هو كل من يسرق من الآخر أو الآخرين كل ما يمكن أن يقوم بمال، فبمضيِّ الزمن تظهر أنواع جديدة من السرقة لم تكن معروفة من قبل ينطبق عليها هذا التعريف.
والحد الأدنى للسرقة التي يجب العقاب عليها غير محدد أيضا، فهو متروك لتقدير أولي الأمر في كل عصر ومصر، وكما سبق القول فالسارق الآن هو من يسرق كل ما يمكن أن يقيَّم بمال الآن، وليس بالضرورة بالذهب (الدينار) أو الفضة (الدرهم)، وهذا مجال قابل للتنوع والاتساع باطراد التقدم.
وفي تقدير العقوبات ليس الأمرُ أمرَ تشفٍّ ممن اقترف الجريمة بل هو لتقويم الناس وتخويفهم من التفكير في أن يسرقوا الآخرين، ولحماية الناس من شر المنحرفين منهم، ولتوفير الأمن لهم، ولترسيخ منظومة القيم الإسلامية البناءة الإيجابية ولتحقيق مقاصد الدين.
وبالطبع فالنص على أن العقوبة هي لـ "السارق" يعني بالضرورة ضرورةَ الثبوت التام لكونه كذلك، فلا يجوز أن يقضي القضاة في هذا الأمر بالظن أو بما استقر في ضمائرهم كما يقولون، فإذا كان عندهم ذرة من الشك وجب إيقاع عقوبة أقل من القطع متروك تقديرها لهم ولظروف العصر والمصر.
ولا معنى لإقحام لفظ "البتر" هاهنا كما فعل بعض المجتهدين الجدد!! وهذا اللفظ الذي لم يرد في القرءان أبدا بل ورد ما هو مشتق منه في آية واحدة، وهي: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} الكوثر3، والأبتر هو الذي لا عقب له، فإذا هلك انقطع ذكره.
ولغويا: (بَتَرَ) الْبَاءُ وَالتَّاءُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْقَطْعُ قَبْلَ أَنْ تُتِمَّهُ. وَالسَّيْفُ الْبَاتِرُ الْقَطَّاعُ. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الَّذِي لَا عَقِبَ لَهُ أَبْتَرُ. وَكُلُّ مَنِ انْقَطَعَ مِنَ الْخَيْرِ أَثَرُهُ فَهُوَ أَبْتَرُ.
فاللفظ "قطع" ليس بأقل قوة من اللفظ "بتر"، فاللفظ "قطع" يَدُلُّ عَلَى صَرْمٍ وَإِبَانَةِ شَيْءٍ مِنْ شَيْءٍ، وهو أدل منه على المعنى المطلوب، وإقحام اللفظ "بتر" ليتم نفي معنى القطع هو حيلة لا يستعملها إلا مدلس أو جاهل أو مغرض.
أما القطع في الآية التي تحدد عقوبة السارق فهو القطع، ومفعوله في الآية هو الأيدي، وبالمناسبة فاللفظ الإنجليزي Cut مأخوذ من نفس الأصل اللغوي للفظ العربي "قطع"، ومعناه معروف، وهو نفس معنى اللفظ العربي. 
وبالتالي فهو لا يعني إلا قطع جزء أو أجزاء من الجِرم المذكور هاهنا وهو الأيدي؛ فلا مجاز هنا، ولا جدوى من أية محاولة غير مسئولة لصرف الآية عن معناها المباشرِ الواضح، وكما قلنا فإنه مفوض إلى أولي الأمر كلُ ما يتعلق بهذا الجزء الواجب قطعه والكيفية وتعريفُ السارق نفسه، وقلنا إن شرط تطبيق العقوبة هو الثبوت القطعي لمصطلح السارق على المتهم.
أما من يحاولون صرف الألفاظ عن معانيها ويقولون إن قطع الأيدي هو بكفها عن السرقة بإغناء السارق عنها فعليهم أن يفسروا الآية الآتية:
{إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } المائدة33.
فباستعمال القياس قد يقولون إن تقطيعَ الأرجلِ يكون بمنعهم عن المشي على الأرض وإنما بحملهم على الأعناق مثلا!!!!
فلا جدوى من محاولة استعمال المعاني المجازية لصرف الألفاظ عن معانيها الحقيقية!!

واستعمال الفعل "قطع" ومشتقاته في القرءان استعمالا مجازيا لا ينفي المعنى الأصلي للكلمة، بل يبقى للكلمة معناها الأصلي، والسياق هو الذي يحدد هل الاستعمال حقيقي أو مجازي، ولا مجاز في آيات الأحكام.
فآيات الأحكام الشرعية هي من الآيات المحكمات التي لا تشابهَ ولا مجاز ولا تأويل فيها!!!!
والأمة بالكامل مسئولةٌ عن الأطفال والصبية الذين يمتهنون السرقة وتأثمُ بسببهم، فهؤلاء يسرقون بالمعنى اللغوي ولكن التعريف الاصطلاحي الشرعي لا ينطبق عليهم، وقد يثبت أنهم بحاجة إلى علاج أيضا.
وكذلك هناك من هو مصاب بمرض السرقة رغم كونه ثريا، فمثل هذا هو أحوج إلى العلاج كذلك، فيجب تحري الأمر، فتعريف السارق يتغير مع ظروف العصر والمصر والتطور، وهو في كل الأحوال لا ينطبق إلا على من تمّ التيقن التام من اقترافه السرقة بكامل وعيه وإرادته وليس ليدرأ عن نفسه أو عمَّن يعول شبح الموت.
أما قولهم فيمن يسرق أموال الناس إنه مال عام وله فيه شبهة نصيب فهو مجرد قول باطل والمراد منه معلوم، وهو تبرئةُ المتسلطين وبطانتهم، السرقةُ هي السرقة، ونهب أموال الأمة وتوزيعه على الأهل والعشيرة والمنافقين والمداحين هو عدةُ جرائم مركبة، منها السرقة بالإكراه، ومنها الظلم وسوء استغلال السلطة وعدم القيام بالقسط، ولكن من كان منهم يجرؤ على أن يطالب بتطبيق العقوبة على معاوية أو مروان بن الحكم أو هارون الرشيد مثلا؟ فتعريفهم العجيب للسرقة كان المقصود به تجنبَ الصدام مع المتسلطين على الأمور.
إنه يجب التفكيرُ في سلامة الأمة وأمنها وفي الضحايا الأبرياء قبل التفكير في المجرم، ويجب قبل كل شيء الالتزام بما شرعه الله تعالى للناس من أحكام في كتابه العزيز، فالخالقُ هو أعلم بما يصلح مخلوقاته.
إن شكلَ العقوبات في الإسلام هو أمر هام، والعقوبات هي من حقوق الأمة على أفرادها، ولكن هذا الشكل لا يجوز أن يكون الشغلَ الشاغل للمسلمين، وفي نفس الوقت لا يجوز القول بأنه يجبُ حلّ كل مشاكل الكون وإصلاح كل الأمور قبل تطبيق العقوبات، فهذا يعني أنها لن تُطبقَ أبدا، فالعقوبة وسيلةُ إصلاح للعامة والخاصة، ولكن يجب تطبيقها في ظل نظام تشريعي كامل يعمل لصالح الأمة كلها ولا ينكلُ بالفقراء ولا يحابي ذوي النفوذِ والأثرياء.

ولقد نشرنا قولنا في عقوبة السرقة، وهي قطع اليد جزاء ونكالا من الله العزيز الحكيم كما تقول الآية تماما، وقلنا إن السكوت عن تعريف السارق وكيفية ومدى القطع يعني تفويض هذه الأمور إلى أولي الأمر في كل عصر ومصر، وهذا يعني أنه ليس من اللازم التقيد بكيفية تطبيق السلف لهذه العقوبة، وقلنا إننا نعلم أن بعض المجتهدين الجدد قد أتوا بتفسير مخالف لذلك وأن دراويشهم يؤمنون بهذا التفسير إيماناً لا يتزعزع، وأنه لا جدوى من الجدال معهم في هذا الأمر وأنهم أحرار فيما يختارونه لأنفسهم، ومع ذلك فوجئنا بهجوم كاسح على كل رسالة ننشرها يريدون إقناعنا بباطلهم وهرائهم المعروف لدينا بكافة ألوانه.
والجدال يكون مثمرا في الأمور غير المحسومة وليس في الآيات المحكمة، ولا جدوى من إضاعة الوقت في النظر في آراء مفروضة على الآيات بدعوى العصرانية أو الإنسانية أو غيرها.
نعم العقوبات مؤلمة، ولكن لابد منها لحماية المجتمع والأمة، أليس قتل إنسانٍ ما عملا مؤلما مخيفا؟ نعم ولكن إذا كان هذا الإنسان قد اقترف ما يوجب قتله مثل قتل فتاة مسكينة أثناء محاولته اغتصابها أو بعده، ألا يكون في قتله تحقيقا للعدل وشفاءً لصدور الناس وحماية للمجتمع من شر عتاة المجرمين؟ هل من العدل أن يقول أحدهم إن قتل هذا المجرم لن يعيد الحياة للفتاة وبالتالي يجب العفو عنه؟ أو أن يقول آخر بل يجب تزويجه حتى يشبع حاجاته الجنسية فلا يقتل!! نعم يجب دراسة كل الأسباب ومعالجة الأمر، ولكن يجب ألا يكون ذلك مبررا لعدم القصاص من المجرم.
وبالمثل يجب إنزال العقاب بالسارق، ولا يوجد في الإسلام سجون، ولو كان المقصود بقطع يد السارق سجنه لكان على اللسان العربي أن يعتزل العمل، وعقوبة السجن معلومة تماما لمن أنزل القرءان، وكانت مستعملة في مصر منذ أقدم العصور كما جاء في قصة يوسف عليه السلام، ولو كانت العقوبة هي السجن لمنعه من السرقة لورد نص صريح بذلك، ومن ناحية أخرى كيف تكون عقوبة السارق التي هي قطع اليد جزاء ونكالا من الله العزيز الحكيم كيف تكون بإغداق المال عليه حتى لا يسرق؟؟؟!!! هل إغداق المال عقوبة؟؟ وماذا إذا كان السارق غنيا أصلا؟
نعم يجب العمل على التصدي لمشكلة الفقر، ولكن هذه قضية أخرى، ولا يجوز تأجيل تطبيق العقوبات الإسلامية أبدا إلى ما بعد حلّ مشاكل الكون، هذه العقوبات هي جزء من الحلول اللازمة التي وضعها للناس من خلق الكون.
أما كورال المجاميج العصرانيين فيعزفون أنشودة واحدة: "القطع ليس البتر"، وكأنه يوجد على ظهر الكرة الأرضية من يشكك في تلك البديهية، اختلاف المبني يستلزم بالضرورة اختلاف المعنى.
وهذا لا يتنافى مع ما ورد في الآية من أن عقوبة السارق هي قطع يده جزاء ونكالا من الله العزيز الحكيم، وأداة القطع والمدى المقطوع والكيفية مفوضة إلى أولي الأمر في كل عصر ومصر، ومن الهراء مثل هذه الأقوال:
قطع اليد = السجن
قطع اليد = إعطاء مال للسارق لكيلا يسرق من بعد
قطع اليد مجاز ويمكن أن يكون أي شيء آخر غير قطع اليد.
مثل هذه الهرائيات لا تستحق إلا الازدراء.
ولكن كما قلنا لن يرتدع المجاميج ولن يكفوا عن بث ضلالاتهم بل سيقلبون الموضوع إلى مهاترات شخصية!


يوماً ما سيأتي أحد المجتهدين الجدد ليقول إن قطع يد السارق يعني تقبيلها وتكريمه في احتفال مهيب، وبذلك يكف عن السرقة.
وبذلك يرضى عنه كل أعداء الإسلام وإبليس نفسه.

إن محاولات المجتهدين الجدد لإبطال آيات القرءان هي من أخطر المحاولات، وهي تتجاوز في الخطورة ما أحدثه السلف من القول بالنسخ، وهؤلاء لا يكتفون فقط بتحريف معاني المصطلحات القرءانية أو تأويلها وفق أهوائهم وإنما إلى التلاعب باللغة ذاتها، ولو نجحت مساعيهم لنشأت أجيال تتلو آيات القرءان بلسانهم المحرف، وفي ذلك القضاء على الدين بوسيلة إجرامية خبيثة.
وهناك من يحاولون إبطال الأحكام القرءانية بطريقة ملتوية، فيقولون: "نعم، نعم، يجب قطع يد السارق، ولكن يجب أولا حل كل المشاكل الاقتصادية وإغناء كل الناس وإغداق الأموال عليهم، وعند ذلك فقط يمكن تطبيق هذه العقوبة"!
وكلامهم محض هراء، والأحكام أنزلت لتُطبق وليس لتعطيلها إلى حين حلّ كل الأزمات الاقتصادية وتحويل البلاد إلى جنات تجري من تحتها الأنهار، وإنفاذ العقوبات هو من وسائل الإصلاح وحل الأزمات الاقتصادية.
وبعضهم يقول: "وكيف تطبق عقوبة كهذه على لص سرق القليل من المال أو ساعة يد من رجل في أتوبيس؟"
والجواب هو أن تعريف السارق ودراسة مدى انطباق التعريف عليه منوط بأولي الأمر المتخصصين، بما في ذلك بالطبع الحد الأدنى الذي بتجاوزه يكون المتهم سارقا بالمعنى الشرعي، وهم متمرسون وعلى دراية بالأحوال والحالات المعروضة عليهم، ولصّ الأتوبيس هذا قد لا يكون أقل خسة وإجراما ممن يسرق ما هو أكثر من ذلك.
ويجب على جمعيات حماية حقوق المجرمين أن يفكروا أيضاً في حقوق الضحايا وفي حقوق الأمة التي تريد أن تعيش في أمن وسلام وألا يسلبها أحد ثمار كدها وكدحها.
وبعضهم يقول: "وهل من الممكن أن يقرر الإله الرحيم عقوبة كهذه؟" وهؤلاء يتحدثون وكأن القرءان لا وجود له، كما يتحدثون عن الإله وكأنه رجل طيب، أو كعضو في حزب الخضر، ولم يعلموا أنه أيضا شديد العقاب وأنه عزيز ذو انتقام وأنه أعد للظالمين والمكذبين نارا وقودها الناس والحجارة، وعليهم أن يعلموا أن له على الناس حق الطاعة بحكم كونه الإله الخالق، وهو إذ يقرر عقوبة للسارق لا يسعى إلى التشفي منه، فهذا السارق لن يضره شيئا، ولن يخرج من ملكه، ولن ينقص منه شيئا، ولكنه يريد أن يحمي الناس من شر أنفسهم، ومما لا شك فيه أن الأمة التي يُربَّى أطفالها على أن عقوبة السارق رهيبة لن تنمو في أنفسهم أية نزعة نحو السرقة أصلا.

*******

الجمعة، 24 أكتوبر 2014

لا رجم في الإسلام

لا رجم في الإسلام

لا رجم في الإسلام، ولا وجودَ لعقوبة كهذه أبدا في الإسلام، وآية النور محكمةٌ بيِّنة مبيِّنة مفروضة وقطعية الدلالة، وهي تحدد عقوبة الزنى بكل وضوح ولا يملك أحد حق نسخها أو تخصيصها.
قال تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ} النور2
وطالما يوجد نصّ قرءاني قطعي الدلالة فلا حاجة للنظر في أي أمر آخر، فما بالُك إذا كان قد ورد في سورة بدأت بالآية: {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }النور1، وفي سياق انتهى بقوله تعالى: {وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلاً مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ}النور34، وتأكد بقوله تعالى: {لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}النور46.
ومن الواضح أن كل ذلك كان لتبرئة القرءان من أقوال من سيلحدون في آياته ومن سيتمنون أن يضيفوا عليه ما يتوافق مع أهوائهم، إن كتاب الله تعالى حجة على الناس كلهم، ولا يوجد من هو حجة عليه.
ويلاحظ أن الآية تنص على أن الجلد هو العذاب المشهود، كما أنها تأمر بإيقاعِ العذاب على الزاني والزانية، وكلمة الزاني هي اسم فاعل من الفعل "زنى"، وكونها مسبوقةً بأداة التعريف يشير إلى أن هذا الزاني معلوم ومعروف ومشهور ومعهود منه الفعل، وليس مجرد من زنى، فهناك فرق بين الصياغة الواردة في الآية وبين أن يقال: "يجب عليكم جلد من زنى".
فآية القرءان التي تحدد الجلد كعقوبة للزاني هي ناسخة للحكم التوراتي الذي كان مفروضا على أهل الكتاب وهو الرجم، وآية النسخ تبين أن شريعة القرءان ناسخة لبعض أحكام الشرائع السابقة في اتجاه الخير، وعقوبة الزنى هي واحدة من هذه الحالات، فالقرءان ينسخ ما سبقه في اتجاه التيسير ووضع الإصر والأغلال عن كاهل الناس.
فالرجم أصلا هو عقوبة توراتية تم نسخها والإتيان بخير منها في القرءان، ويتطرف بعض فطاحل الجهلة من المجتهدين الجدد فيزعمون بلا مبرر –إلا جهلهم العريق المعلوم بالضرورة- أنه لا وجود لعقوبة رجم الزانية أو الزاني في التوراة، وها هو جزء من الإصحاح 22 من سفر التثنية يثبت وجود هذه العقوبة عندهم والتي ألصقوها بالسلف فصادفت هوى عندهم فعضوا عليها بالنواجذ، جاء في سفر التثنية:
13«إِذَا اتَّخَذَ رَجُلٌ امْرَأَةً وَحِينَ دَخَلَ عَلَيْهَا أَبْغَضَهَا، 14وَنَسَبَ إِلَيْهَا أَسْبَابَ كَلاَمٍ، وَأَشَاعَ عَنْهَا اسْمًا رَدِيًّا، وَقَالَ: هذِهِ الْمَرْأَةُ اتَّخَذْتُهَا وَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْهَا لَمْ أَجِدْ لَهَا عُذْرَةً. 15يَأْخُذُ الْفَتَاةَ أَبُوهَا وَأُمُّهَا وَيُخْرِجَانِ عَلاَمَةَ عُذْرَتِهَا إِلَى شُيُوخِ الْمَدِينَةِ إِلَى الْبَابِ، 16وَيَقُولُ أَبُو الْفَتَاةِ لِلشُّيُوخِ: أَعْطَيْتُ هذَا الرَّجُلَ ابْنَتِي زَوْجَةً فَأَبْغَضَهَا. 17وَهَا هُوَ قَدْ جَعَلَ أَسْبَابَ كَلاَمٍ قَائِلاً: لَمْ أَجِدْ لِبِنْتِكَ عُذْرَةً. وَهذِهِ عَلاَمَةُ عُذْرَةِ ابْنَتِي. وَيَبْسُطَانِ الثَّوْبَ أَمَامَ شُيُوخِ الْمَدِينَةِ. 18فَيَأْخُذُ شُيُوخُ تِلْكَ الْمَدِينَةِ الرَّجُلَ وَيُؤَدِّبُونَهُ 19وَيُغْرِمُونَهُ بِمِئَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ، وَيُعْطُونَهَا لأَبِي الْفَتَاةِ، لأَنَّهُ أَشَاعَ اسْمًا رَدِيًّا عَنْ عَذْرَاءَ مِنْ إِسْرَائِيلَ. فَتَكُونُ لَهُ زَوْجَةً. لاَ يَقْدِرُ أَنْ يُطَلِّقَهَا كُلَّ أَيَّامِهِ.
20«وَلكِنْ إِنْ كَانَ هذَا الأَمْرُ صَحِيحًا، لَمْ تُوجَدْ عُذْرَةٌ لِلْفَتَاةِ. 21يُخْرِجُونَ الْفَتَاةَ إِلَى بَابِ بَيْتِ أَبِيهَا، وَيَرْجُمُهَا رِجَالُ مَدِينَتِهَا بِالْحِجَارَةِ حَتَّى تَمُوتَ، لأَنَّهَا عَمِلَتْ قَبَاحَةً فِي إِسْرَائِيلَ بِزِنَاهَا فِي بَيْتِ أَبِيهَا. فَتَنْزِعُ الشَّرَّ مِنْ وَسَطِكَ.
22«إِذَا وُجِدَ رَجُلٌ مُضْطَجِعًا مَعَ امْرَأَةٍ زَوْجَةِ بَعْل، يُقْتَلُ الاثْنَانِ: الرَّجُلُ الْمُضْطَجِعُ مَعَ الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةُ. فَتَنْزِعُ الشَّرَّ مِنْ إِسْرَائِيلَ.
23«إِذَا كَانَتْ فَتَاةٌ عَذْرَاءُ مَخْطُوبَةً لِرَجُل، فَوَجَدَهَا رَجُلٌ فِي الْمَدِينَةِ وَاضْطَجَعَ مَعَهَا، 24فَأَخْرِجُوهُمَا كِلَيْهِمَا إِلَى بَابِ تِلْكَ الْمَدِينَةِ وَارْجُمُوهُمَا بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَا. الْفَتَاةُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا لَمْ تَصْرُخْ فِي الْمَدِينَةِ، وَالرَّجُلُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ أَذَلَّ امْرَأَةَ صَاحِبِهِ. فَتَنْزِعُ الشَّرَّ مِنْ وَسَطِكَ. 25وَلكِنْ إِنْ وَجَدَ الرَّجُلُ الْفَتَاةَ الْمَخْطُوبَةَ فِي الْحَقْلِ وَأَمْسَكَهَا الرَّجُلُ وَاضْطَجَعَ مَعَهَا، يَمُوتُ الرَّجُلُ الَّذِي اضْطَجَعَ مَعَهَا وَحْدَهُ. 26وَأَمَّا الْفَتَاةُ فَلاَ تَفْعَلْ بِهَا شَيْئًا. لَيْسَ عَلَى الْفَتَاةِ خَطِيَّةٌ لِلْمَوْتِ، بَلْ كَمَا يَقُومُ رَجُلٌ عَلَى صَاحِبِهِ وَيَقْتُلُهُ قَتْلاً. هكَذَا هذَا الأَمْرُ. 27إِنَّهُ فِي الْحَقْلِ وَجَدَهَا، فَصَرَخَتِ الْفَتَاةُ الْمَخْطُوبَةُ فَلَمْ يَكُنْ مَنْ يُخَلِّصُهَا.
28«إِذَا وَجَدَ رَجُلٌ فَتَاةً عَذْرَاءَ غَيْرَ مَخْطُوبَةٍ، فَأَمْسَكَهَا وَاضْطَجَعَ مَعَهَا، فَوُجِدَا. 29يُعْطِي الرَّجُلُ الَّذِي اضْطَجَعَ مَعَهَا لأَبِي الْفَتَاةِ خَمْسِينَ مِنَ الْفِضَّةِ، وَتَكُونُ هِيَ لَهُ زَوْجَةً مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ قَدْ أَذَلَّهَا. لاَ يَقْدِرُ أَنْ يُطَلِّقَهَا كُلَّ أَيَّامِهِ.
والسبب في تغليظ العقوبة على بني إسرائيل هو منع الإفساد في الأرض في مجتمع بدائي محاصر بقبائل قوية ويعتمد على صلابة ومتانة أفراده لمجرد البقاء، فشيوع الفواحش في مجتمع محاصر بالأعداء هو جريمة كبرى تهدده بالفناء، وهي بالتأكيد كانت تطبق ليس على الفعل العارض المستتر ولكن على من احترف الفواحش وجاهر بها.
وعقوبة رجم الزناة لم يلغها السيد المسيح صراحة، جاء في إنجيل يوحنا، الإصحاح الثامن:
2ثُمَّ حَضَرَ أَيْضًا إِلَى الْهَيْكَلِ فِي الصُّبْحِ، وَجَاءَ إِلَيْهِ جَمِيعُ الشَّعْبِ فَجَلَسَ يُعَلِّمُهُمْ. 3وَقَدَّمَ إِلَيْهِ الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ   أُمْسِكَتْ فِي زِنًا. وَلَمَّا أَقَامُوهَا فِي الْوَسْطِ 4قَالُوا لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، هذِهِ الْمَرْأَةُ أُمْسِكَتْ وَهِيَ تَزْنِي فِي ذَاتِ الْفِعْلِ، 5وَمُوسَى فِي النَّامُوسِ أَوْصَانَا أَنَّ مِثْلَ هذِهِ تُرْجَمُ. فَمَاذَا تَقُولُ أَنْتَ؟» 6قَالُوا هذَا لِيُجَرِّبُوهُ، لِكَيْ يَكُونَ لَهُمْ مَا يَشْتَكُونَ بِهِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا يَسُوعُ فَانْحَنَى إِلَى أَسْفَلُ وَكَانَ يَكْتُبُ بِإِصْبِعِهِ عَلَى الأَرْضِ. 7وَلَمَّا اسْتَمَرُّوا يَسْأَلُونَهُ، انْتَصَبَ وَقَالَ لَهُمْ: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلاً بِحَجَرٍ!» 8ثُمَّ انْحَنَى أَيْضًا إِلَى أَسْفَلُ وَكَانَ يَكْتُبُ عَلَى الأَرْضِ. 9وَأَمَّا هُمْ فَلَمَّا سَمِعُوا وَكَانَتْ ضَمَائِرُهُمْ تُبَكِّتُهُمْ، خَرَجُوا وَاحِدًا فَوَاحِدًا، مُبْتَدِئِينَ مِنَ الشُّيُوخِ إِلَى الآخِرِينَ. وَبَقِيَ يَسُوعُ وَحْدَهُ وَالْمَرْأَةُ وَاقِفَةٌ فِي الْوَسْطِ. 10فَلَمَّا انْتَصَبَ يَسُوعُ وَلَمْ يَنْظُرْ أَحَدًا سِوَى الْمَرْأَةِ، قَالَ لَهَا: «يَاامْرَأَةُ، أَيْنَ هُمْ أُولئِكَ الْمُشْتَكُونَ عَلَيْكِ؟ أَمَا دَانَكِ أَحَدٌ؟» 11فَقَالَتْ: «لاَ أَحَدَ، يَا سَيِّدُ!». فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: «وَلاَ أَنَا أَدِينُكِ. اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضًا».
فالنص شديد الوضوح، الرجم موجود في ناموس موسى، والمسيح اشترط فيمن جاؤوا إليه بالمرأة أن يكونوا هم أنفسهم بلا خطيئة لينفذوا العقوبة، ومن المعلوم أنه أصلا لم يكن يملك أية سلطة عليهم ليحكم بعقوبة على أحد فضلا عن أن ينفذها، كما أن ما فعله كان تملصا من محاولتهم الإيقاع به كما هو واضح من النص.
وجاء عن نفس الواقعة في إنجيل برنابا الفصل الأول بعد المائتين:
وبعد أن دخل يسوع الهيكل أحضر إليه الكتبة والفريسيون امرأة أخذت في زنى، وقالوا فيما بينهم: إذا خلصها فذلك مضاد لشريعة موسى فيكون عندنا مذنبا وإذا دانها فذلك مضاد لتعليمه لأنه يبشر الرحمة ، فتقدموا إلى يسوع وقالوا: يا معلم لقد وجدنا هذه المرأة وهي تزني، وقد أمر موسى أن ( مثل هذه ) ترجم، فماذا تقول أنت؟، فانحنى من ثم يسوع وصنع بإصبعه مرآة على الأرض رأى فيها كل إثمه، ولما ظلوا يلحون بالجواب انتصب يسوع وقال مشيرا بإصبعه إلى المرآة: من كان منكم بلا خطيئة فليكن أول راجم لها، ثم عاد فانحنى مقلبا المرآة، فلما رأى القوم هذا خرجوا واحدا فواحدا مبتدئين من الشيوخ لأنهم خجلوا أن يروا رجسهم، ولما انتصب يسوع ولم ير أحدا سوى المرأة قال: أيتها المرأة أين الذين دانوك؟، فأجابت المرأة باكية: يا سيد قد انصرفوا فإذا صفحت عني فإني لعمر الله لا أخطئ فيما بعد، حينئذ قال يسوع: تبارك الله، اذهبي في طريقك بسلام ولا تخطئي فيما بعد لأن الله لم يرسلني لأدينك، حينئذ اجتمع الكتبة والفريسيون فقال لهم يسوع  قولوا لي لو كان لأحدكم مائة خروف وأضاع واحدا منها ألا ينشده تاركا التسعة والتسعين؟، ومتى وجدته ألا تضعه على منكبيك، وبعد أن تدعو الجيران تقول لهم: ( افرحوا معي لأني وجدت الخروف الذي فقدته)، حقا إنك تفعل هكذا، ألا قولوا لي أيحب الله الإنسان أقل من ذلك وهو لأجله قد خلق العالم؟، لعمر الله هكذا يكون فرح في حضرة ملائكة الله بخاطئ واحد يتوب لأن الخطاة يظهرون رحمة الله.
ومن الواضح أن ما أورده برنابا أروع وأفضل بكثير مما أورده يوحنا، والنص يوضح من جديد أن المسيح كان يريد إقامة الحجة على رجال الكهنوت الجفاة المتنطعين المنافقين، كما أن هؤلاء كانوا لا يقصدون إلى تطبيق شريعة، بل كان مقصدهم الإيقاع به.
فالمسيح لم ينقض الناموس كما قال بنفسه، جاء في إنجيل متي إصحاح 5:
17«لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ. 18فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ. 19فَمَنْ نَقَضَ إِحْدَى هذِهِ الْوَصَايَا الصُّغْرَى وَعَلَّمَ النَّاسَ هكَذَا، يُدْعَى أَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. وَأَمَّا مَنْ عَمِلَ وَعَلَّمَ، فَهذَا يُدْعَى عَظِيمًا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. 20فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ إِنْ لَمْ يَزِدْ بِرُّكُمْ عَلَى الْكَتَبَةِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ لَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّماوَاتِ.
والمسيح لم يكن ملكا عليهم ولم يكن كبير كهنتهم لينفذ حكما عليهم، كانت العملية مكيدة مدبرة ليوقعوه مع السلطات الحاكمة والشعب، فكان لابد من التخلص من موقف كهذا، ولكن الأساس أنه لم ينقض الشريعة كما ذكر في نص صريح، أما الذي نقضها فهم من جاءوا من بعده عندما استبعدوا الشريعة تماما لتكون رسالته ملائمة للأمميين.
وفعله هذا هو أيضًا تشريع، يجب تغليب جانب الرحمة والتصدي بإيجابية للكهنة وتجار الدين وكشفهم للناس، ولكن لم يصدر عنه نهي صريح عن تطبيق الشريعة
وحاصل الأمر أنه لم يلغ الحكم التوراتي، الذي ألغاه ونسخه هو القرءان عندما جعل العقوبة هي الجلد، ولكن المذاهب التي حلت محل الإسلام أعادت العقوبة التوراتية لكونها أكثر قبولا لديهم
وثمة مروية تبين أن الرسول قد حكم على اليهود بما هو موجود في توراتهم، وكان ذلك عندما حكّموه في أمر رجل وامرأة من اليهود اقترفا الفاحشة، وسواء أصحت المروية أم لم تصح أو حدث رجم أم لم يحدث فقد نزلت الآية القرءانية لتنسخ الحكم التوراتي ولتفرض الحكم القرءاني، قال تعالى:
{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ} النور2.
فالقرءان هو الكتاب الناسخ والمهيمن، وهو مبين ومبيِّن وتبيان لكل شيء، فلا توجد عقوبة رجم في الإسلام البتة.
وطالما يوجد حكم قرءاني قطعي الدلالة ورد في آية بيِّنة مبيِّنة كما وصفها الله تعالى وفي سورة فرضها الله تعالى فيجب الإذعان لها، ولا يجوز تكذيبها أو تقييدها، ومن العجيب أن المحسوبين على الإسلام قد سخَّرهم الشيطان ليدافعوا عن شريعة بني إسرائيل المنسوخة -والتي يحاولون هم؛ أي بني إسرائيل، التبرؤ منها- وليصدوا الناس بها عن سبيل الله تعالى.
*****
لقد قال الله تعالى في مطلع سورة النور:
سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ{1} الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ{2}
ثم أخذ يذكر الأحكام ويحث على العفة والآداب ومكارم الأخلاق وعلى تجنب الإفك والفواحش، وذلك في آيات بينات محكمات ليس فيها أي غموض، وذكَّر الناس خلالها بأنه يُبَيِّنُ لَهمُ الْآيَاتِ فقال: {وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ{18}
ثم ختم هذه الآيات المحكمات زيادة في التأكيد بقوله: {وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلاً مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ{34}}
ثم أتى بآية متشابهة مطلعها: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، ولأنه النور كان به البيان ومنه البيان، ولكن أبى الأعراب إلا كفورا، وخدعهم الشيطان وأضلهم وأعمى أبصارهم فقالوا بنسخ تلك الآية المحكمة المحصنة البينة بآية لا وجود لها لأن داجن الحي قد أكلتها!!!!!!!!!!!!!!!!!! فيا للضلال المبين!!!أو لأن عمر بن الخطاب خشي أن يقول الناس أن عمر زاد في كتاب الله!!!
*****
ويجب العلم بأن المرويات الظنية والآثار لا تنسخُ آيات الله تعالى المحكمة! فحتى على قول المغضوب عليهم والضالين القائلين بالنسخ فالنسخ يكون بما هو خير من المنسوخ، ولا يمكن أن تكون مروية أو آية (الشيخ والشيخة) الركيكة التي أكلتها داجن الحيّ أو اختفت في ظروف غامضة!!! أفضلَ من آية النور المبينة والمبيِّنة.
وبالطبع يمكن تمحيص الآثار التاريخية التي وردت في كتب الآثار بخصوص الرجم، هذا أمر منوط بعلماء التاريخ الحقيقيين وليس بالمتمذهبين، ولكن لا شأن للدين ولا للمسلم بها، وعلى المسلمين ألا ينتظروا جهود الجهابذة والممحصين في هذا الأمر، فالحكم القرءاني واضح وثابت ولا يجوز إثارةُ اللغط من حوله تأثرا بالآثار، فكل الآثار الواردة بهذا الخصوص لا مكان لها في دين الحق، ولا يجوز أن تُذكر في وثائقه.
أما القصة المنسوبة إلى عمر بن الخطاب والتي زعموا فيها أنه كان يودّ أن يكتب عقوبةَ الرجم في القرءان لولا مخافة كلام الناس فهي سُبَّة لمن رواها، وسبة لمن نُسبت إليه إن صحَّت، وهي لا تلزم أحدًا بشيء، وهي أيضا تتضمن الزعم بأن ثمة قرءانا لم يُدوَّن، فهي معارضة للتعهد الإلهي بحفظ الذكر، وحتى لو كان ما هو مذكور في المروية قد حدث بالفعل فعمر بن الخطاب لم يكن إلها ولا معصوما ولا مشرعا في الدين، ولكن من المعلوم أنه هو بالذات صاحب القول المشهور "حسبنا كتاب الله"، فلماذا لا يأخذون بكلامه هذا في هذه المسألة؟؟!! وإذا كان لديه علم بوجود آية لم تُكتب في القرءان فلماذا لم يتقدم بشهادته هذه إلى اللجنة التي قيل إنها شُكِّلت لجمع القرءان؟!!
ويوضح موضوع الرجم حقيقة الخديعةِ الكبرى التي (شربتها) هذه الأمة والصفعةِ المذلة التي تلقتها على قفاها الكبير العريض، فالمحسوبون على الإسلام أقحموا المرويات في الدين تحت اسم السنة (في الحقيقة الآثار والمرويات) التي هي بالمرَّة الوحي الثاني ومثل القرءان والحكمة المتلوة وذلك بحجة أن القرءان مشكل مجمل مبهم غامض مشفر يحتاج إلى ما يشرحه ويفصله ويبينه، وهم بذلك يكفرون بما ذكره الله تعالى من أن القرءان نور ومبين ومبيِّن وتبيان لكل شيء، فهل يستطيع أحد أن يقول للناس ما هو الغموض الرهيب والإبهام العجيب في هذه الآية: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ}النور2؟
ولكنهم بمجرد أن فتحوا ثغرة في جدار الدين لسنتهم حتى قاموا عمليا بالقضاء على القرءان بها وإحلالها محله!!! وهكذا أصبت بنية الدين وأكثر مادته مأخوذة من المرويات كما هو معلوم وكما يتباهون هم بذلك ويعتبرونه حجة على من يطالب بالإصلاح الديني.
ربما يقول قائل كما قال بنو إسرائيل من قبل: "وما هو نوع أداة الجلد؟ ومن أي مادة يجب أن تصنع؟؟!!" ولكنهم تفوقوا بجدارة على بني إسرائيل بل سحقوهم سحقا وأتوا بما لم يأتوا به؛ فقد ألغوا الحكم القرءاني بالنسبة للمحصنين وقالوا بأنه يجب رجمهم، وهم لم يستعملوا هنا المرويات لنسخ آيات الكتاب المنزل كدأبهم وإنما استعملوا آية لا وجود لها!!! فهل بيان الآية يكون بإلغائها كليا أو جزئيا، وما أشبهم بمن وجدوا عملاقا هائلا يبجله الناس ويتبعونه فزعموا للناس أنه مريض وبحاجة إلى دواء فمكنوهم منه فاستعملوا دواءهم المزعوم لمحاولة قتله!!!! وهكذا تم هجر القرءان المحفوظ بحجج واهية وتمت صياغة الدين باستعمال المرويات التي يمكن تحريفها ووضعها كما ثبت بالأدلة القاطعة.
أما أداة الجلد فهي من المسكوت عنه، ولما كان الله تعالى قد قال في كتابه العزيز أن كتابه تبيان لكل شيء وقال في هذه السورة بالذات أن آياته بَيِّنَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ فهذا يعني أن المسكوت عنه ليس بشيء ديني أصلا، فما يتعلق بالجلد وأداته وكيفيته مفوض لأولي الأمر، ولا يوجد أي مبرر للبحث والاستقصاء التاريخي أو إقحام المرويات بخصوصه، وقصة بقرة بني إسرائيل تبين حقيقة الأمر، ومن مآثر القرن الأول أنهم لم يكونوا كبني إسرائيل، فلم يروَ عنهم أنهم قد اقترفوا أي استقصاء أو محاققة في مثل هذه الأمور.
والآن لنقرأ الآيات: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ{6} وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ {7} وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ{8} النور
إن السياق يدل على أن عقوبة الجلد هي للمتزوجين بالتحديد!! والعذاب المذكور هنا هو الجلد كما سبق أن نصَّت عليه الآية الثانية من نفس السورة.
والآية التي تقرر عقوبة الزنى لم تفرق بين أحوال الزاني أو الزانية، فالجرم واحد، ولو أن سياق الآيات يدل على أنها خاصة بالمحصنين، وهذا يشبه عقوبة السرقة، فالآية لم تفرق بين الغني وبين الفقير في العقوبة.
أما الآية التي تدحض تماماً حجج القائلين بالرجم فهي:
{وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } النساء25
فمن الواضح أن الموت رجما لا يمكن تنصيفه، والعذاب المعرف هنا هو نفسه العذاب المذكور في الآية:
{وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8)} النور
وهذا العذاب هو الجلد كما سبق بيانه، أما الموت رجما فهو عملية قتل، ولو كانت عقوبة المحصنة هي الموت لذُكر صراحة هنا ولقيل: "ويدرأ عنها الموت".
وكذلك لا يمكن مضاعفة الموت رجما لو كان هو عقوبة اقتراف الفاحشة، فالعذاب في الآية الآتية هو أيضا نفس العذاب المذكور في آية النور بالنسبة للمحصنات:
{يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [الأحزاب:30]
والزنا هو فاحشة بلا شك:
{وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلا} [الإسراء:32]
فالجلد –وليس الموت رجما- هو الذي يمكن تنصيفه أو مضاعفته.
وقال تعالى:
{الزَّانِي لاَ يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِين} [النور:3]
والزاني والزانية في هذه الآية هما المذكوران في الآية السابقة على هذه الآية:
{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِين} [النور:2]
ومن البديهي أن المقتولة رجما لا يمكن أن تتزوج مشركا ولا غيره، وبذلك لا يمكن أن تكون العقوبة هي الموت رجما.
ولقد وردت كلمة "رجم" ومشتقاتها ست مرات في القرءان، ولم يرد الرجم في هذه الآيات أبدا كعقوبة على اقتراف أي إثم، بل لم يلوح باستعماله إلا المشركون ضد الأنبياء والصالحين، قال تعالى:
{قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيز}[هود:91]، {إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا}[الكهف:20]، {سَيَقُولُونَ ثَلاَثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاء ظَاهِرًا وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا}[الكهف:22]، {قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا}[مريم:46]، {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيم}[يس:18]، {وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُون} [الدخان:20]

ومن الكوارث التي ترتبت على إصرارهم على أن الرجم هو عقوبة الزنى أنهم نسخوا بذلك التشريعات القرءانية الخاصة بتفصيلات هذه العقوبة وما يترتب عليها.
وموضوع الرجم كعقوبة والتي أخذ بها أكثر أتباع المذاهب التي حلَّت محل الإسلام يوضح لكل إنسان الحقيقة البشعة لهذه المذاهب، وإذا كان وجود هذه العقوبة هو سبة في جبين المذاهب، فلهم من الأخطاء في حق الله وكتابه ورسوله ما هو أبشع من ذلك.
*****
وعقوبة الزنى هي من الأمور التي تبين الفرق الهائل بين دين الحق وبين المذاهب الضالة التي حلت محله؛ فهؤلاء الضالون ينسخون ويبطلون آية قرءانية محكمة في سورة فرضها الله تعالى على الناس بالآثار والمرويات، فهم لا يأخذون من القرءان إلا ما يتوافق مع الآثار، وقد قال لهم شياطينهم إن السنة (الآثار والمرويات) حاكمة وقاضية على كتاب الله تعالى فآمنوا بذلك وعضوا عليه بالنواجذ، وهؤلاء الذين كفروا بالقرءان وأحكامه وسننه يقذفون من آمن به بأنه يترك "السنة"!!!!! فهم في ظلماتهم يعمهون.
فهذه العقوبة تبين الفارق بين دين الحق الذي يتخذ من القرءان المصدر الأوحد لأمور الدين الكبرى وبين المذاهب التي حلت محله والتي تقدم عليه مصادرها الثانوية.
*****
لا يجوز رجم أحد في الإسلام، وعقوبة الزاني هو الجلد كما هو منصوص عليه في القرءان، أما ديانة الظن، التي تغلب الظن على اليقين فتقول بالرجم، ثم يستخفُّون العامة والغوغاء بزعمهم أن الرجم هو السنة القاضية والحاكمة والناسخة والمخصصة والموضحة والمبينة ... إلى آخر الهراء الذي لا يملون من تكراره، والقرءان قد نسخ الحكم التوراتي الذي كان موجودا من قبل، فيجب اتباع القرءان والإعراض عما يتناقض معه.
وإذا كان الذين يمتهنون الدين ويتربحون به ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويؤمنون بداعش كأهل قبلة وإخوان في الدين يؤمنون بأن الرجم هو فعلا عقوبة الزاني في الإسلام فلماذا لا يطالبون السلطات بالنص عليه في القانون وتطبيقه؟ ولماذا لا يتهمون هذه السلطات بالامتناع عن تطبيق النص الدستوري الذي يجعل من الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع؟! لماذا النفاق والجبن والهلع وخداع العامة؟!
*****
تفاصيل أكثر عن آية الرجم المزعومة
جاء في البخاري:
[ 6442 ] حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثني إبراهيم بن سعد عن صالح عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن بن عباس قال كنت أقرئ رجالا من المهاجرين منهم عبد الرحمن بن عوف فبينما أنا في منزله بمنى وهو عند عمر بن الخطاب في آخر حجة حجها إذ رجع إلي عبد الرحمن فقال لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين اليوم فقال يا أمير المؤمنين هل لك في فلان يقول لو قد مات عمر لقد بايعت فلانا فوالله ما كانت بيعة أبي بكر الا فلتة فتمت فغضب عمر ثم قال إني إن شاء الله لقائم العشية في الناس فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم قال عبد الرحمن فقلت يا أمير المؤمنين لا تفعل فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم فإنهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيرها عنك كل مطير وأن لا يعوها وأن لا يضعوها على مواضعها فأمهل حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسنة فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس فتقول ما قلت متمكنا فيعي أهل العلم مقالتك ويضعونها على مواضعها فقال عمر والله إن شاء الله لأقومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة قال بن عباس فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة فلما كان يوم الجمعة عجلت الرواح حين زاغت الشمس حتى أجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالسا إلى ركن المنبر فجلست حوله تمس ركبتي ركبته فلم أنشب أن خرج عمر بن الخطاب فلما رأيته مقبلا قلت لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ليقولن العشية مقالة لم يقلها منذ استخلف فأنكر علي وقال ما عسيت أن يقول ما لم يقل قبله فجلس عمر على المنبر فلما سكت المؤذنون قام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فإني قائل لكم مقالة قد قدر لي أن أقولها لا أدري لعلها بين يدي أجلي فمن عقلها ووعاها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته ومن خشي أن لا يعقلها فلا أحل لأحد أن يكذب علي: إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل الله آية الرجم فقرءاناها وعقلناها ووعيناها رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم أو إن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم ألا ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تطروني كما أطري عيسى بن مريم وقولوا عبد الله ورسوله ثم إنه بلغني أن قائلا منكم يقول والله لو قد مات عمر بايعت فلانا فلا يغترن امرؤ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت ألا وإنها قد كانت كذلك ولكن الله وقى شرها وليس فيكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر من بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي تابعه تغرة أن يقتلا وإنه قد كان من خبرنا حين توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة وخالف عنا علي والزبير ومن معهما واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر فقلت لأبي بكر يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار فانطلقنا نريدهم فلما دنونا منهم لقينا منهم رجلان صالحان فذكرا ما تمالأ عليه القوم فقالا أين تريدون يا معشر المهاجرين فقلنا نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار فقالا لا عليكم أن لا تقربوهم اقضوا أمركم فقلت والله لنأتينهم فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة فإذا رجل مزمل بين ظهرانيهم فقلت من هذا فقالوا هذا سعد بن عبادة فقلت ما له قالوا يوعك فلما جلسنا قليلا تشهد خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام وأنتم معشر المهاجرين رهط وقد دفت دافة من قومكم فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا وأن يحضنونا من الأمر فلما سكت أردت أن أتكلم وكنت قد زورت مقالة أعجبتني أردت أن أقدمها بين يدي أبي بكر وكنت أداري منه بعض الحد فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر على رسلك فكرهت أن أغضبه فتكلم أبو بكر فكان هو أحلم مني وأوقر والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قال في بديهته مثلها أو أفضل منها حتى سكت فقال ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل ولن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسبا ودارا وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا فلم أكره مما قال غيرها كان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك من إثم أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر اللهم إلا أن تسول لي نفسي عند الموت شيئا لا أجده الآن فقال قائل من الأنصار أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى فرقت من الاختلاف فقلت ابسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون ثم بايعته الأنصار ونزونا على سعد بن عبادة فقال قائل منهم قتلتم سعد بن عبادة فقلت قتل الله سعد بن عبادة قال عمر وإنا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلا منهم بعدنا فإما بايعناهم على ما لا نرضى وإما نخالفهم فيكون فساد فمن بايع رجلا على غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا
أورد البخاري هذه المروية الضخمة التي لا يدري أحد كيف حفظها الرواة وظلوا يتداولونها شفهيا علي مدي أكثر من مائتي عام، ولقد نسبوا فيها إلي عمر بن الخطاب أنه قال من ضمن ما قال: (إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل الله آية الرجم فقرءاناها وعقلناها ووعيناها رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم أو إن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم)!!!!
والخطبة تتعلق أساسا بأحداث يوم السقيفة ولا يدري أحد ما الداعي إلى إقحام الكلام عن الرجم في أولها، أما الذي يخشى عمر بن الخطاب أن يقوله الناس فهو حق، فلا وجود لآية الرجم المزعومة في القرءان، بل توجد آية محكمة قطعية الدلالة تنص علي عقاب الزاني، ولا يوجد الكلام الآخر الذي زعم أنه من كتاب الله، ولا يدري أحد من أين أتى هو أو الرواة به؟ وهو لا يعني إلا التشكيك في حفظ الله لكتابه!!!
ولم يبين عمر بن الخطاب سبب اختفاء آية الرجم من الكتاب ولم يشر إليه بتصريح أو حتى بتلميح وهو أمر لم يكن معلوما بالضرورة حتى لا يضطر  إلي ذكره، ولكن ثمة مرويات تزعم أن داجن الحي أكلتها ؟!! وقال آخرون إن تلك الآية مما نُسخ لفظه وبقي حكمه!!!!؟؟؟؟؟؟ وبذلك يكون هناك فيما يختص بالآيات من حيث النسخ كافة التباديل الممكنة: ما بقي لفظه وحكمه، ما بقي لفظه ونُسخ حكمه، ما نُسخ لفظه وبقي حكمه وما نسخ لفظه وحكمه؛ أي ما أُنسي؟ ولكن لماذا كل هذه الأحاجي؟ ولقد أعلن الله تعالي أنه أنزل الكتاب بالحق وأنه كتاب مبين وأنه تبيان لكل شيء، فلماذا إثارة اللغط حول نصوصه قطعية الدلالة؟ ألم يجد هؤلاء من يصرخ في وجوههم كفاكم عبثا بكتاب الله تعالي؟
والخليفة عمر بالطبع بريء مما دسوه عليه في خطبته، ولو كان يخشى على سنةٍ ما من الضياع لكان عليه بعد أن جُمِع كتاب الله ودوِّن تدوينا موثقا بناء على اقتراح منه هو شخصياً كما قالوا!!! أن يتبع السبيل المعهود للحفاظ على المعلومات وهو أن يعهد إلى لجنة من أكابر السابقين الأولين الموثوق بهم بتدوين تلك السنن والأحكام التي كان يخشى عليها الاندثار ومنها حكم الرجم العزيز علي اليهود ومن نافق من الأعراب، ولكن الثابت أنه عمل بكل قواه علي ألا يكون ثمة كتاب مع كتاب الله ولقد نجح في مسعاه، والذي يثبته فعله أيضا أنه كان لديهم يقين مطلق أنه ما لا وجود له في كتاب الله لا مصداقية له وأنه سينسى بعد حين!
*****
ويقدم عبيد النسخ مثالا لنسخ التلاوة دون الحكم بما نُسب إلى عمر بن الخطاب وإلى أبيّ بن كعب أنهما قالا: (كان فيما أنزل من القرءان: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة) (البخاري ومسلم)، ولا وجود لعبارة كهذه في القرءان، وهي ليست إلا الترجمة العربية لما ورد في التوراة، وربما يكون المسلمون قد أعملوا هذا الحكم قبل نزول الآية القرءانية الناسخة في سورة النور لأن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ كان مأموراً بالاقتداء بهدى الأنبياء من قبله، ولكن الذي يعني المسلمين الآن هو الحكم المنصوص عليه في آية النور: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِين} [النور:2].
 ولم توضح المروية سبب عدم وجود آية الرجم هذه في القرءان ولا كيف يمكن أن ينسخ الكلام المذكور آية مكتوبة ومدونة في الكتاب المحفوظ وقد وردت في سورة بدأت بنص صريح على أن الله سبحانه قد أنزلها وفرضها علي المؤمنين، قال تعالى: {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}النور1،  كما انتهت مجموعة آيات الأحكام في السورة بقوله تعالى: {وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلاً مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ }النور34، فآيات النور بنص القرءان بينات مبينات، فهي ليست بحاجة إلى آية لا وجود لها لتقرر شيئًا ما بخصوصها، فلا يوجد أدنى غموض في الآية القرءانية التي تنص على عقوبة الزانية والزاني حتى يهرع الناس علي المرويات لرفعه، فقولهم المذكور لا يثبت نسخا في القرءان وإنما يشكك في التعهد الإلهي بحفظه ويكشف عن حقيقة موقف بعض السلف من القرءان ونظرتهم إليه.
*******
زعم السلف المقدس أن الآية {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً }النساء15 منسوخة بالآية: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ }النور2، وهذه الآية بدورها منسوخة (بالنسبة للمحصنة والمحصن) بآية مزعومة لا وجود لها والتي أسموها بآية الرجم، وهي "إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم"، وبالطبع فلم يكن ألد أعداء الإسلام بقادر على أن يأتي بمثل هذا الإفك والمفتريات.
أما آية النساء فتحدد عقوبة (اللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ) وهن مختلفات عن (الزَّانِيَة) من حيث المبنى والمعنى، فهي تتحدث عن فاحشة نسائية، وأنواع الفواحش لا حصر لها وستظل تتجدد عبر العصور، ويلاحظ أيضا أن الحديث في آية النساء كان عن جمع وليس عن مفرد كما في آية النور، فالآيتان تتحدثان عن أمرين مختلفين فلا تعارض بينهما، أما الزعم بأن آية النور نفسها منسوخة (بالنسبة للمحصنة والمحصن) بآية الرجم فلا علاج له إلا أن يرجم كل من يروِّج لهذا الإفك بتهمة ازدراء القرءان حتى وإن كان يرتدي عمامة ارتفاعها متران.
وبالطبع لا قيمة لأية مروية تخالف القرءان، بل إن من شروط صحة المروية أن تكون مصدقة للقرءان.
*******
وقال مؤلف البرهان (من أمهات الكتب في علوم القرءان) في قول عمر بن الخطاب "لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها؛ يقصد بذلك (آية الرجم)":
"ظاهره أن كتابتها جائزة وإنما منعه قول الناس والجائز في نفسه قد يقوم من خارج ما يمنعه فإذا كانت جائزة لزم أن تكون ثابتة لأن هذا شأن المكتوب، وقد يقال لو كانت التلاوة باقية لبادر عمر ولم يعرج على مقالة الناس لأن مقالة الناس لا تصلح مانعا، وبالجملة هذه الملازمة مشكلة ولعله كان يعتقد أنه خبر واحد والقرءان لا يثبت به وإن ثبت الحكم ومن هنا أنكر ابن ظفر في الينبوع عدّ هذا مما نسخ تلاوته قال لأن خبر الواحد لا يثبت القرءان، قال وإنما هذا المنسأ لا النسخ وهما مما يلتبسان والفرق بينهما أن المنسأ لفظه قد يعلم حكمه".
فإن صحت هذه المروية، فهل كان الناس أشد رهبة في صدر عمر من الله تعالى؟ وهل كان عمر بن الخطاب يعلم موضوع خبر الواحد وغير ذلك من المصطلحات التي سيختلقونها من بعد؟ وهل لم يستطع أن يجد شخصا غيره يؤيده في وجود (آية الرجم)، وهل تم تدوين القرءان بالطريقة العشوائية غير المسؤولة التي اتبعوها بعد أكثر من مائتي سنة مع المرويات؟ ولماذا لم يأمر عمر بتدوين مثل هذه الأمور في كتاب آخر وعلى رأسها آية الرجم التي كان يخشى على حكمها من الاندثار؟ ألم يكتشف الناس من قبله بآلاف السنين أن التدوين هو وسيلة حماية الأخبار من الاندثار؟!
وعلى العموم لقد نسبت المرويات إلى عمر أنه كان يطالع التوراة أمام الرسول حتى أغضبه، وبالطبع فإن القرءان أجلّ وأعظم من أن يتمكن أحد من أن يستغل سلطته ليضيف إليه ما يحلو له، ولو حاول عمر حقا أن يكتب ما ليس من القرءان فيه لفتكوا به، وبالنظر إلى مكانة عمر في القرن الأول ولكونه من السابقين الأولين فمن الواضح أنهم كذبوا عليه، أما من دسّ حكم الرجم في التراث الإسلامي ونسخ به آية قرءانية بينة محكمة مفروضة فيتحمل وزر هذه الجريمة النكراء، إن عرض فيديو يصور عملية الرجم الوحشية في قرية بدائية في الصومال أو أقاسي آسيا يقوض كل ما يبذله الدعاة لاجتذاب الناس إلى الإسلام.
*****
وأخرج الحاكم من طريق كثير بن الصامت قال كان زيد بن ثابت وسعيد بن العاص يكتبان المصحف فمرّا على هذه الآية فقال زيد سمعت رسول الله يقول: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة"، فقال عمر لما نزلت أتيت النبي فقلت أكتبها؟ فكأنه كره ذلك!!!!، فقال عمر ألا ترى أن الشيخ إذا زنى ولم يحصن جلد وأن الشاب إذا زنى وقد أحصن رُجم؟ قال ابن حجر في شرح المنهاج: "فيُستفاد من هذا الحديث السبب في نسخ تلاوتها لكون العمل على غير الظاهر من عمومها"، فهل كانوا يحكِّمون منطقهم والمصطلحات التي ستستحدث من بعدهم في آيات الكتاب؟ وما هو دخل الإحصان هنا؟ لماذا لا يكون هذا مثلا حكما خاصا بالشيخ والشيخة الزانيين بغض النظر عن عملية الإحصان؟ وهل من المعقول أن يكره الرسول قرءانا أُنزل عليه من ربه حتى يمتنع عن تدوينه؟ وهل كان تدوين الآيات يخضع للأهواء والمزاج الشخصي؟
قال صاحب الإتقان: "وخطر لي في ذلك نكتة حسنة وهو أن سببه التخفيف على الأمة بعدم اشتهار تلاوتها وكتابتها في المصحف وإن كان حكمها باقيا لأنه أثقل الأحكام وأشدها وأغلظ الحدود وفيه الإشارة إلى ندب الستر"، فيا للجرأة على كتاب الله تعالى! وهل إذا كان الحكم ثقيلا أو شديدا يبرر حذف الآية القرءانية من القرءان مع الاستمرار بالعمل بها؟ أليس ذلك هو الكفر البواح؟!! وهل الرجم أشد من حد الحرابة؟!!
وجاء في الإتقان للسيوطي:
4140 - وأخرج النسائي أن مروان بن الحكم قال لزيد بن ثابت ألا تكتبها في المصحف قال ألا ترى أن الشابين الثيبين يرجمان ولقد ذكرنا ذلك فقال عمر أنا أكفيكم فقال يا رسول الله اكتب لي آية الرجم قال لا تستطيع
قوله اكتب لي أي ائذن لي في كتابتها أو مكني من ذلك
ها هو مروان بن الحكم (الحكم بن العاص هو الوزغة وطريد الرسول والمسؤول الأول عن تأجيج الفتنة التي راح ضحيتها عثمان بن عفان وعشرات الألوف من المسلمين، وهو والي مكة الأموي ومؤسس الدولة الأموية المروانية من بعد) يقول لزيد بن ثابت: ألا تكتبها في المصحف (يقصد ما يسمونه بآية الرجم)؟ فيقول زيد: ألا ترى أن الشابين الثيبين يرجمان؟ ولقد ذكرنا ذلك فقال عمر أنا أكفيكم فقال: يا رسول الله اكتب لي آية الرجم قال لا تستطيع، قوله اكتب لي أي ائذن لي في كتابتها أو مكني من ذلك.
حتى مروان بن الحكم الوزغة مضروب القفا وقاتل طلحة (المبشر بالجنة) يفتي في القرءان، وها هو يقترح إضافة ما يُسمَّى بآية الرجم على القرءان، وكأن القرءان كان مباحا لكي يضيف إليه أمثال مروان ما يحلو لهم، وها هو السبب، إنهم يريدون أن يستمروا في رجم الشباب المتزوج لأن آية الرجم المزعومة تنطبق على الشيوخ فقط، بينما الحكم القرءاني هو الجلد فقط، فهم يريدون أن يفرضوا على القرءان ما يحلو لهم، ويبدو أن الشيوخ الذين كانوا يقتنون في بيوتهم مئات الجواري كانوا يخشون عليهن من الشباب المتزوج الذي لا يستطيع هو الآخر أن يقتني ما لذ وطاب من أنواع الجواري.
وجاء في الإتقان أيضًا للسيوطي:
4141 - وأخرج ابن الضريس في فضائل القرآن عن يعلى بن حكيم عن زيد بن أسلم أن عمر خطب الناس فقال لا تشكوا في الرجم فإنه حق ولقد هممت أن أكتبه في المصحف فسألت أبي بن كعب فقال أليس أتيتني وأنا أستقرئها رسول الله فدفعت في صدري وقلت تستقرئه آية الرجم وهم يتسافدون تسافد الحمر
4142 - قال ابن حجر وفيه إشارة إلى بيان السبب في رفع تلاوتها وهو الاختلاف
وها هي مروية توضح أن عمر بن الخطاب الذي جعلته المرويات المدافع عن آية الرجم هو الذي منع كتابتها حيث أن المذهب السني كان قد عينه مصححا رسميا للرسول ورقيبا عليه، ولقد قدم عمر سببا لمنع الكتابة وهي أنهم –أي من يسمونهم بالصحابة- كانوا (يتسافدون تسافد الحمر)!!؟؟؟؟؟؟! هذا مع أن المذهب الأعرابي الأموي قد أحاط (الصحابة) بسياج هائل من التقديس والتنزيه واتخذهم بلسان الحال أربابا مع الله سبحانه، فكأن السبب في منع تدوين الآية المزعومة هو الخوف من هلاكهم، ذلك لأنهم كانوا (يتسافدون تسافد الحمر!!!!!)، فكيف يمكن أن تكتب آية لو طُبِّقت لرُجِم جلُّهم؟
ولكن ما هو الفارق؟ ألم يكونوا يطبقون الرجم على أية حال بوجود الآية المزعومة في القرءان أو بدون وجودها؟ فماذا كان يضيرهم لو كتبوها؟؟؟!!!
من الواضح أن من سيستغرق في تحليل قصة آية الرجم المزعومة (التي أكلتها الماعز) سيكفر بالقرءان وأهل القرن الأول وسيتودع منه الإيمان، لذلك تجد العامة الذين لا يعرفون شيئا عن هذه الهرائيات والكفريات والمؤتفكات التراثية أصدق إيمانا ممن تعاطى شيئا من هذا الجهل وتوغل فيه.
*****
ادعوا أنهم لم يكتبوا آية الرجم المزعومة لأنها تنص على رجم الشيخ إذا زنا بينما قد يزني الشاب المحصن!!! والحكم الذي يتبعونه الآن هو رجم الزاني المحصن شيخا كان أو شابا، بينما آيتهم الأثيرة و(المكروهة كما يقولون) في نفس الوقت تأمر برجم الشيخ الزاني حتى وإن لم يكن محصنا، فهم لا يتبعون إذًا الآية المزعومة، أو هم يكذبون بها ويقولون إن صحتها هي "المحصن والمحصنة" وليس "الشيخ والشيخة"، فمن أين أتوا بالحكم الذي نسخوا به آية النور؟ هذا مع أن دليلهم يقول إن الآية تنسخ بآية، والآية التي يحتجون بها للقول بالنسخ يقول إن النسخ يكون بآية خير من الآية المنسوخة أو على الأقل مثلها، فكيف نسخت العبارة المكروهة التي لا وجود لها الآية القرءانية البينة المبينة المحكمة؟؟!! إن عبيد النسخ قد أساءوا الظن بربهم وألحدوا في آياته وألقوا بأنفسهم في ظلمات بعضها فوق بعض.
*****
لقد نسبوا إلى الخليفة عمر أنه كان يود لو أضاف ما أسموه بآية الرجم إلى القرءان لولا مخافة أن يقول الناس إنه زاد في كتاب الله، ولا يمكن أن يصدر قول كهذا عنه، ولا يمكن أن يكون خوفه من الناس أكبر من خوفه من ربه، أما عبيد الأسلاف فبدلا من أن يرتعدوا هلعا من هول ما نسبه أسلافهم إلى الخليفة عمر فإنهم استخدموا هذه الآية المزعومة لنسخ آيات القرءان الحقيقية.
*******
لا وجود لعقوبة اسمها الرجم في الإسلام، عقوبة الزانية والزاني هي الجلد مائة جلدة، وهذه نتيجة أصيلة ومنطقية لمنهجنا للأسباب الآتية:
1.         لوجود نص في آية من آيات الأحكام، وكلها آيات محكمة.
2.         هذه الآية لا يوجد في القرءان ما يقيدها وإنما يوجد ما يؤكدها.
3.         النص موجود في سورة قال الله إنه أنزلها وفرضها ووصف آياتها بأنها مبينات مبيِّنات.
4.         النص موجود في سياق ينتهي بقوله تعالى وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ، والآيات ليست بحاجة إلى من يبينها، والآيات المبينات لا تنسخها مروية ظنية.
5.         طالما يوجد نص صريح بخصوص العقوبة في القرءان فلا يجوز البحث فيما هو من دونه.
6.         لا وجود لآيات قرءانية منسوخة، وإنما يتضمن القرءان الآيات الناسخة فقط.
7.         زعم عبيد المرويات أنه لابد من الأخذ بما يسمونه بالسنة المطهرة (كتب البخاري وشركائه) لأنها موضحة لمشكل القرءان مقيدة لمطلقة مفصلة لمجمله مبينة لمبهمه شارحه لغامضه، فما هو الأمر المشكل أو المطلق أو المبهم أو الغامض في آية سورة النور والذي توضحه المرويات؟ وهل إبطال الآية وإلغاء حكمها يُعتبر توضيحا لمشكلها أو بيانا لمبهمها ...الخ؟
8.         من الكفر الفاجر والضلال المبين الزعم بأن مروية أو ما يسمونه بالـ"سنة" أو آية لا وجود لها نسخت آية قرءانية محكمة.
9.         القول برجم الزانية حتى الموت يتعارض مع آيات قرءانية تضاعف العذاب على نساء وتخففه عن الإماء، فالموت لا يُضاعف ولا يُخفف.
10.    العذاب شيء والموت رجما شيء آخر.
11.    المقتولة رجما لا يمكن أن تتزوج مشركا ولا غيره.


*******