الأحد، 21 مايو 2017

آية سورة الحجرات 6

آية سورة الحجرات 6
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)
الآية ظاهرة وبينة ومحكمة وقطعية الدلالة، ولا إبهام ولا إشكال فيها، ولكن المشكلة هي في متبعي الأهواء الذين يريدون فرض تأويلهم على الآية.
هذه الآية تأمر الَّذِينَ آَمَنُوا بألا يبادروا بتصديق أي خبر يُساق إليهم، يجب دائما التثبت وعدم المبادرة بالتصرف بافتراض صدق ما ورد من أخبار، وهذا ما فعله سليمان عندما ساق إليه الهدهد خبرا، عندما قال له:
{قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِين} [النمل:27]
هذا مع أن الطيور لا تكذب، بل لا يعرف الكذب إلا الثقلان.
ووصف مورد الخبر بالفاسق لا يعني إلغاء حكم الآية بالنسبة لغيره، بل هو وصف لازم لصاحب الخبر الكاذب، فما كذب في أمرٍ خطير كهذا إلا لفسقه اللازم، وفي ذلك حجة على من سيولونه من بعد أمر المسلمين وبرهان على انحرافهم عن الدين القويم وحجة على من سيؤلهون وسيقدسون كل هؤلاء تحت مسمَّى الصحابة.
ومن المعلوم أن شياطين الإنس والجن اتخذوا من التأويل السيئ لهذه الآية حجة لتقويض الدين عن طريق إعطاء الشرعية للمرويات الآحادية، وقد قالوا طبقا لمنطقهم الشيطاني الصارم:
بما أن الآية تطالبك بالتثبت من الخبر الذي يورده الفاسق فهي بالضرورة تأمرك بتصديق خبر من حكَمْنا نحن بعدالته، يجب عليك أن تؤمن بما يورده من أخبار وأن تعتبرها وحيًا ثانيا ومثلا للقرءان وحاكمًا وقاضيا عليه أيضا!!!!
هذا هو المنطق الذي دفعهم لاتخاذ شركاء يشرعون في الدين ما لم يأذن به الله تعالى وليضعوا الأسس للأديان التي حلَّت محل الإسلام.
ومن الضلال والمنطق المغلوط أن يستدل من ينفون الأخذ بخبر الواحد ومن يلزمون الناس به بنفس الآية لإثبات كلامهم، والآية بالطبع بريئة من النافين والمثبتين، فالآية تتحدث عن الأخبار بصفة عامة، وهي تأمر بالتثبت خشية العواقب الوخيمة، والتثبت لازم في كل الأحوال، وبالأحرى إذا كان ناقل الخبر غير ثقة لأي سبب من الأسباب.
أما خبر الواحد فسيظل مجرد خبر ما لم يثبت اتساقه التام مع دين الحق المستخلص من القرءان، ولكن من المعلوم أن بنية الدين الأعرابي الأموي مأخوذة من أخبار الآحاد، وكذلك أكثر مادته، وقد سموا جماع الأخبار بأسماء مهولة للتدليس على الناس، فسموها بالسنة، وبالحكمة، وبذلك اعتدوا على مصطلحات قرءانية وصادروها لحساب دينهم، وحرفوا الكلم عن مواضعه ومن بعد مواضعه، وضلوا وأضلوا وضلوا عن سواء السبيل.
ولكن طالما كان التثبت من النبأ مطلوبًا في كل الأحوال فلماذا جاء الوصف فاسق في الآية؟ إن الآية تتعلق بواقعة معلومة، ولا يستطيع أحد إنكارها بأي حالٍ من الأحوال، فهي ثابتة بمقدر ثبوت كل الوقائع التي أعقبت فتح مكة، ومن وُصِف بالفاسق معلوم، وهو الوليد بن عقبة بن أبي معيط الأموي، وكان من الطلقاء، وقد تسلط الأمويون على الناس، وحكموهم بالإرهاب الفاجر المجنون، ولكنهم لم يستطيعوا محو هذه الآية، ولا الواقعة التي تتحدث عنها الآية، مما يدل على ثبوتها الشديد، وقد تبنى العباسيون من بعد الدين الأعرابي الأموي لكونه أصلح دين للحفاظ على تسلط الطغاة وانفراد الفجار بالسلطة.
وكان هذا الوليد، بالطبع، وفقًا للدين الأعرابي الأموي الشركي صحابيًّا جليلا، كما كان من ظرفاء قريش وسكيرا خطيرا، وخبر صلاته بالناس وهو سكران، وقوله لأهل الكوفة الذين ولاه عثمان عليهم:‏ "أزيدكم؟" بعد أن صلَّى الصبح أربعًا، مشهور من رواية الثقات من أهل المرويات، فهو حجة على المغضوب عليهم من أتباع الدين الأعرابي الأموي، وسيظل حجة على الضالين المشركين، كما ستظل هذه الآية علامة ومصدر هداية للباحثين عن الحق ولمن أخلصوا دينهم لله تعالى‏.

*******

أسماء ما أُنزل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ

أسماء ما أُنزل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ

كلمات "الكتاب، القرءان، الفرقان، الذكر، النور، ..... " لها معانيها اللغوية الخاصة بها، كما أن لها معانيها الاصطلاحية التي تتضح تماما من السياق بالسياق لمن لديه إلمام كافٍ باللسان العربي، ولا يرغب في فرض آراء مسبقة على القرءان اتباعًا للهوى.
وأهل الكتاب يُسمَّون بهذا الاسم لأن كل طائفة منهم يتبعون كتابًا منزلا، ومن المعلوم أن المسلم مأمور بأن يؤمن بكتب الله، وكتب الله هي المذكورة في القرءان، وآيات القرءان تذكر بكل وضوح في آيات محكمة أن الله تعالى أنزل الكتاب على رسله، قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيز} [الحديد:25].
ولقد ذكر الله تعالى أنه أنزل الكتاب على المرسلين من قبل أو آتاهم الكتاب، قال تعالى:
{وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون} [البقرة:53]، {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ..... }[البقرة:87]، {وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُون} [الأنعام:91]، {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُون}[المؤمنون:49]، {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا}[الفرقان:35].
وما أُنزل على خاتم النبيين صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ يُسمَّى بأسماء عديدة من حيثيات عديدة، فكل اسمٍ منها يشير إلى سمة خاصة من سمات التنزيل، فلا يحق لأحد أن يتصور أنه لتعدد الأسماء يجب تقسيم ما أُنزل على الرسول إلى أجزاء، فوصف كائنٍ ما كالإنسان مثلا بعدة أوصاف لا يعني وجوب تقسيمه إلى عدة أجزاء كل جزءٍ منها يقابل صفة معينة!
ولكن على الناس أن يتدبروا وأن يعلموا لماذا ذُكر اسمٌ معين للتنزيل في سياق معين، فالذي أوحي إلى الرسول هو القرءان، قال تعالى:
{..... وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقرءان لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُون} [الأنعام:19]، {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقرءان وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِين} [يوسف:3]، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقرءان تَنزِيلاً}[الإنسان:23].
وهو الذكر:
{وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُون} [الحجر:6]، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون} [الحجر:9]، {..... وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون} [النحل:44]، {أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَاب}[ص:8]، {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيز} [فصلت:41]، {وَهَذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنتُمْ لَهُ مُنكِرُون} [الأنبياء:50]
وهو الفرقان:
{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان:1]
وهو النور:
{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون} [الأعراف:157]، {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِين} [المائدة:15]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا} [النساء:174]
وهو الكتاب:
{إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا} [النساء:105]، {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ .....} [المائدة:48]، {وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُون} [الأنعام:92]، {وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون} [الأنعام:155]، {الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيد} [إبراهيم:1]، {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُون}[النحل:64]، {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلاَء مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ الْكَافِرُون}[العنكبوت:47]، {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُون}[العنكبوت:51]، {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَاب} [ص:29]، {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّين}[الزمر:2]، {إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيل} [الزمر:41].
وهو روحٌ من أمر الله:
{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم} [الشورى:52]
ويلاحظ أن نفس الآية قد تستعمل نفس اللفظ بمعنيين اصطلاحيين كآية المائدة 48 مثلا، فالذي أُنزل إلى الرسول هو الكتاب، وهذا الكتاب هو نفسه مصدق لما بين يديه من الكتاب، فهو مصدق للتوراة والإنجيل والزبور ومهيمن عليهم.
ولكل ما سبق لا يحق لأحد أن يأخذ في تقسيم ما تلقاه الرسول من الآيات، فيقول مثلا إن هذه الآية من الكتاب ولكنها ليست من القرءان، أو إن هذه الآية من الفرقان، وليست من الكتاب.
ملحوظة: الزوبعة التي أثارها بعض المجتهدين الجدد في هذا الأمر معلومة لدينا، ولا نسمح للأبواق الجوفاء الذين يرددونها بلا ملل ولا كلل وكأنها من أركان الإيمان بأن يضيعوا ولو فيمتو ثانية من وقتنا في الجدل بخصوصها! سيقولون: وهل أنت تمتلك الحقائق المطلقة؟ الجواب: الحقائق لا تُمتلك بل تُعلم، وآيات القرءان المذكورة هي البرهان، وهي الصدق، وهي الحق، وهي محكمة وقطعية الدلالة.
*******

الخميس، 18 مايو 2017

من الردود على الملحدين والمشككين 1

من الردود على الملحدين والمشككين 1

يقول الملحدون والمشككون:
كيف كانت توجد عملات معدنية ترجع إلى عصر المتسلطين الأمويين الأوائل (معاوية ويزيد ومروان) عليها رموز وشعارات مسيحية وأحيانًا يهودية؟ وكيف لا توجد أية وثيقة كنسية تذكر اسم الإسلام مثلا أو تشتكي من اعتناق المسيحيين للإسلام أو من التضييق على المسيحيين كما سيحدث من بعد؟ ألا يدل ذلك على أن معاوية كان مسيحيا مثلا، أو إنه كان حاكمًا عربيًّا تمرد على سادته البيزنطيين واستقل بسوريا، وأن الإسلام قد تم تطويره وصناعته في هذه الفترة للسيطرة على الإمبراطورية في عهد عبد الملك بن مروان المؤسس الثاني للإمبراطورية الأموية؟
الردود عليهم:
1.        قبل أن يبدأ العرب في غزو الشام كانت الإمبراطورية البيزنطية في حالة يُرثى لها رغم انتصارها على الفرس، فهذا الانتصار لم يكن البيزنطيون يستحقونه أبدًا، بل كان بمحض تدبير إلهي لأسباب معلومة، أما البيزنطيون فظلوا على ما كانوا عليه، وكانوا أيضًا يواجهون تمرد الكنائس المشرقية وأتباعها في الشام ومصر ورفضها للمذهب (الوسطي) الذي حاول هرقل فرضه عليهم بالقوة لتوحيد الإمبراطورية فزادها انشقاقًا وتمردا، وتورط جنوده في اقتراف بشاعات جعلتهم هم أنفسهم في شكٍّ من أمرهم، وجعلتهم أقرب إلى توقع انتقام إلهي، هذا مع العلم بأن جيوش البيزنطيين لم يكونوا أبدًا بنفس تعصب الصليبيين الذين سيأتون من بعد، وكانوا أقرب إلى الجيوش المهنية المحترفة، أما الرعية فقد أصبحوا يتوقون إلى الخلاص من عسف الحكم البيزنطي، وكان الرومان قد طردوا الفرس لتوهم من الشام، وكان الناس يتوقعون حكمًا أفضل، فخاب أملهم.
2.        وعندما شرع العرب في غزو الشام وجدوا أنفسهم أما حشود جاءت لتُذبح وليس لتقاتل قتالا شرسا، ووقف السكان المحليون يراقبون بحياد نتيجة الصراع الجديد، انتصر العرب على الرومان واكتسحوهم وألقوا بجيوشهم خارج الشرق الأوسط.
3.        ساعدت الظروف معاوية إذ فتك الطاعون بالناس، وعلى رأسهم رجال قريش الأقوياء مثل أبي عبيدة بن الجراح والفضل بن العباس وشرحبيل بن حسنة، كما خلصه عمر بن الخطاب من رجلٍ لا قبل له به، وهو خالد بن الوليد، كان معاوية جنديا في فرقة من الجيش الذي أرسله أبو بكر لفتح الشام، كانت هذه الفرق بقيادة أخيه يزيد بن أبي سفيان الذي هلك أيضًا في نفس الطاعون.
4.        وجد السكان أنفسهم أحرارا في دينهم، ولم يجدوا من يذكر أمامهم شيئا عن الإسلام ولا من يدعوهم إليه، فلم يكن العرب معنيين بذلك أصلا، كان شغلهم الشاغل التسلط والأموال ومتاع الدنيا وتدعيم أركان دولتهم، لذلك كان من الطبيعي أن يحظى الحكم الجديد برضا الجهاز البيروقراطي الذي كان قائما بشقيه الديني والمدني فوضعوا أنفسهم في خدمة المتسلطين الجدد، وجد هذا الجهاز البيروقراطي نفسه مطلق التصرف، وتمتعوا بحريات لم يحظوا بمثلها أيام البيزنطيين، وتعلم منهم معاوية كيف يكون بالأساس حاكما سياسيا، وما يقتضيه ذلك من استغلال الدين وليس خدمته، ولكل ذلك لم تتحدث وثائق الكنائس عن العرب كقوم أتوهم بالإسلام، فلم يكن أكثر من دخلوا الشام من العرب يعلمون عنه شيئا يُعتد به ولا يدعون أحدًا إليه، لذلك بقيت الأغلبية الساحقة من السكان في الشام على دينهم القديم، وظلت نسبة المسيحيين في الشام أعلى نسبة في الشرق الأوسط إلى الآن، ولم يتعرض لهم أحد إلا في العصر المملوكي، وذلك عندما انضم بعضهم إلى المغول والتتار ثم إلى الصليبيين في الصراعات المهولة التي ستنشب من بعد، كما تعرضوا لبعض الاضطهادات بل والمجازر في العهد العثماني أيضًا.
5.        وهكذا ترك معاوية الناس في الشام على نظمهم القديمة، وتولى طرد أي متحمس ديني يأتي إلى الشام بهدف دعوة الناس إلى الإسلام، وأصبح الدين هو ما يقوله هو للناس هناك، واستمر صك العملة على ما كان عليه، وكان بإمكانه أن يحظر وضع رموز مسيحية على العملة، ولكنه لم يفعل، وفضَّل بقاء الحال على ما هو عليه، واستمرت اليونانية هي لغة الدواوين، لذلك لا غرابة في أن يظن بعض المشككين أنه كان واليا عربيا لبيزنطة على الشام، أو يظن أنه كان مسيحيا.
6.        ومن الطبيعي أن يشرع بعض سدنة الدينين اليهودي والمسيحي في الكيد للدين الجديد وتحريفه خدمة لدينهم القديم، خاصة بعد أن رأوا قلة اكتراث الحكام المحسوبين على الإسلام، وكان أول كتاب يهاجم الإسلام في التاريخ من وضع (القديس) يوحنا منصور سرجون الدمشقي (دفاق الذهب)، وهو ينحدّر من أسرة مسيحية كبيرة جدّا؛ كان أبوه مدير إدارة بيت المال عند الفتح العربي، وكان وزيرًا عند معاوية وعند ابنه يزيد، وقد نشأ وترعرع مع يزيد فتكوّنت بينهما علاقة طيبة، ومنهم تعلم معاوية توظيف الدين لخدمة السلطة، وأنشأ طائفة القصاص في المساجد لتشغل الناس بأساطير أهل الكتاب عن أمور الدين الكبرى، وكان هؤلاء بحاجة مستمرة إلى مادة جديدة لإبهار الغوغاء والدهماء وجذب اهتمامهم، ووجدوا ضالتهم بالطبع عند أهل الكتاب، كما بدأت حركة تحريف ووضع المرويات لحساب معاوية، ولحساب مركز حكمه، وهذا هو الاتجاه الذي سيتمخض من بعد عن بناء قبة الصخرة في عهد عبد الملك بن مروان لتكون بديلا عن الكعبة.
7.        لكل ذلك فالأمويون لم ينشئوا الإسلام، وإنما أنشأوا دينًا جديدًا حلَّ محله، هو الدين الأعرابي الأموي في صورته الأولى النقية الخالصة، وفي إطار صراع الأمويين مع السابقين الأولين ومن تابعهم تفاقم العداء للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ولأهل بيته وللأنصار، ولم يجرؤ الأمويون على الجهر بموقفهم من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ وإلا لانهار أساس ملكهم ولفتحوا على أنفسهم أبواب الجحيم، فاكتفوا بمحاولة النيل منه عن طريق المرويات الموضوعة، وهكذا تشكلت أسس الدين الأعرابي الأموي الناصبي، وفُرض على الناس بقوة السلطة شيئا فشيئا.
8.        تمكن عبد الملك بن مروان من القضاء على كل خصومه، وعلى رأسهم عبد الله بن الزبير، كانت ثورة عبد الله بن الزبير آخر انتفاضة قرشية حجازية ضد التسلط الأموي، وهو لم يفعل إلا أن هزم للأمويين خصومهم من أنصار أهل البيت وزاد من تفاقم التيار الناصبي لصالحهم أيضًا!!! وحتى لا تتكرر مثل هذه الثورات بدأت سياسة إغراق أهل الحجاز بالمال وشغلهم بمتاع الدنيا، فأصبحت مكة والمدينة بمثابة لاس فيجاس الجزيرة العربية.
9.        وجد عبد الملك نفسه على رأس إمبراطورية هائلة، لا تهددها إلا الإمبراطورية البيزنطية المتاخمة لها، كما وجد أن جهازه البيروقراطي وأركان دولته العميقة يتحدثون بلغة أعدائه، أما في الجناح الشرقي فكانت الفارسية هي المستعملة، وقد كان يتوجس بالطبع خيفة من هؤلاء الفرس المتربصين بدولته، وباعتباره رجل دولة وسياسيا بارعًا أصدر أمره بتعريب الدواوين، فبدأ التذمر المستتر يتصاعد ضده، وبدأ الناس في الشام يتحدثون عن الإسلام واضطهاده للمسيحيين، ثم جاء المشككون ليعتبروه هو المؤسس الحقيقي للإسلام، وكل ما فعله هو أنه بدأ يكسب دولته الصبغة العربية، وتابعه في ذلك ابنه الوليد، والذي أطلق الجيوش العربية شرقا وغربا لتصل إلى أقصى مدى يمكنها الوصول إليه.

10.    الزعم بأن الإسلام منبثق عن النصرانية هو زعم مضحك، لا يثير إلا الرثاء لمن يقول به أو يروج له، الإسلام، الماثل في القرءان وما يصدقه، هو بنيان هائل شامخ متماسك، ولديه كتاب هو الذروة في الإتقان والإحكام والبلاغة والعلوم الدينية الجديدة، ويقدم مفهومًا عن الإله لا يرقى إلى شيءٍ منه دين من قبله، ويقوض تحريفات اليهود والنصارى، كما يقدم منظومة قيم وأخلاق لا يرقى إليها أي نظام ديني آخر.

*******

الاثنين، 1 مايو 2017

سورة الغاشية 17-20

سورة الغاشية 17-20
الغاشية 17-20
أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ {17} وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ{18} وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ{19} وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ{20} الغاشية
هذه الآيات تتضمن الحث على معرفة علوم الحياة والفلك والجيولوجيا.... الخ، فهل يوجد دين غير هذا الدين حثَّ أتباعه على النظر الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ؟ إن تلك الأوامر جاءت في سورة من أكثر السور التي يرددها المسلمون ويحفظها صغارهم قبل كبارهم عن ظهر قلب، وورد كل أمر في آية مفردة بيانا لأهميته وعظم شأنه، فماذا فعل السلف بتلك الآيات؟ لقد اكتفوا بالترديد الآلي لها وربما بإعرابها، وربما اكتفوا بالقول بأن الأشياء المذكورة تدل على عظمة الخالق، وربما استعرض البعض قدراته اللغوية ومعلوماته السطحية فانطلق يحدث الناس عن عجائب أفعال الإبل وأشكالها وهكذا، ولكن بالرغم من أهمية كل ما ذكر فإن ذلك لا يغني عن الحق شيئا، فإنه كان لابد من التنفيذ المباشر لما حُثَّ المسلمون على النظر فيه، وكان عليهم أن ينتدبوا طائفة منهم للقيام بذلك، ولكن هيهات ، إن من قام بتنفيذ أوامر الآيات القرءانية هم أهل أوروبا فهم الذين شرَّحوا الإبل ودرسوا وظائف أعضائها وكيفية توافقها مع ظروف بيئتها، وهم الذين درسوا كيف رفعت السماء وكيف نصبت الجبال وكيف سطحت الأرض، وبالمناسبة.
وخلافًا لما أشاعه البعض، فإن المراد بالأرض في القرءان ليس الكوكب الأرضي بالضرورة، وإنما ذلك السطح الذي يسير عليه الناس! فالأرض هي بصفة عامة ما يقل الإنسان، ولكل كوكب أو مكان أرضه، فيجب الحذر من محاولة فرض معاني المصطلحات الحديثة على المصطلحات القرءانية.
فالتعبد لله تعالى من حيث التعرف على آياته من الظواهر الطبيعية والسنن الكونية في العالم المشهود هو أمر لم يقم به حق قيامه إلا العلماء الطبيعيون في العصر الحديث، فترى العالم منهم يواصل البحث ليل نهار ليفهم التركيب الدقيق للنملة مثلاً، وكيف تمارس حياتها، وكيف يعمل كل عضو في جسمها، فيشاهد ويدرك آيات الله في خلقه، ويقف مشدوهًا أمام ما يطالع من عظمة وحكمة وسموّ، فتلك الدهشة وذلك التأمل والتعجب هو عين عبادته لخالق النملة وإن لم يشعر أو يقرّ بذلك، وإن نسب ذلك الإبداع إلى الطبيعة مثلا، أما أتباع الدين الأعرابي الجهلوتي الأموي فلا يقيمون للسنن الكونية وزنا، وسيسخرون من مثل هذا الباحث الذي يشغل نفسه بهذه الأمور عن اللذَّات البهيمية التي يتمرغون هم فيها.
فمن حيث أن الله تعالى هو رب العالمين فهو يمدّ تلك الأمم -التي احترمت العلم والعلماء ووفرت لهم سبل البحث وقامت بأوامره وإن لم تعلم- بكل أسباب القوة المادية والثراء، وبذلك علوا على كافة الأمم، فإن الإنسان يرقى والأمم تسمو بقدر ما تدرك وتوقِّر السنن الإلهية الكونية وتفهها وتنتفع بها.


*******