الاثنين، 30 يناير 2017

الفرقة الناجية

الفرقة الناجية

يتحدث الكثيرون عمَّا يسمونه بالفرقة الناجية، ويدعي هذا اللقب لأنفسهم كل طائفة من طوائف المغضوب عليهم والضالين ومتبعي الشيطان الرجيم وعبدة أهل البغي والمنافقين والْمُشْرِكِين مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُون، وهؤلاء بالطبع اتخذوا من قديم القرءان مهجورا، وأشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا، ولو عادوا إلى القرءان مؤمنين متدبرين لعلموا أن الناجين قلة من قلة، وأن القرءان يقدم البديل الأرقى والأسمى، الناجون بل الفائزون هم:
1.    من بشَّرهم الله تعالى في القرءان بالجنة؛ وهم الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، والإيمان هو بما هو مذكور في القرآن من الأمور الغيبية كلها، وكل الطوائف المحسوبة على الإسلام يبنون مذاهبهم على الكفر بالكثير منها.
2.    من أعلن أنهم هم المفلحون، وقد وصف أقوالهم وأفعالهم.
3.    من أعلن أنهم عباد الرحمن، وقد وصف أقوالهم وأفعالهم.
4.    من أعلن أنهم المتقون، وقد وصف أقوالهم وأفعالهم.
5.    من كانوا حريصين على تجنب الصفات والأفعال التي لا يحبها والتحلي بما يحبه، وكل ذلك مذكور في القرءان.  
أما المحسوبون ظلما على الإسلام من غثاء السيل وعتاة الشياطين من تجار الدين والطغاة والمستبدين فعليهم أن يعلموا أنهم مجرد أدوات شيطانية لصدّ الناس عن سبيل ربهم وتكريس كفر الناس بربهم بدلا من أن يحملوا رسالة الحق إليهم، وأنهم خير عذر لهؤلاء المساكين عند الحساب في يوم الدين، فلم يتحقق بالنسبة لهم شرط البلاغ المبين.
وعلى كل الناس أن يقرؤوا هذه الآيات المزلزلة:
{فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117) وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)} هود
والفرقة الناجية على المستوى الإنساني العام هم كل من كان حريصًا على طلب الحق واتباعه أو كرَّس نفسه لخدمة ربه في خلقه وتحقيق مقاصده.
أما الفرقة الناجية من المحسوبين على الإسلام فأمرهم أصعب وأحمالهم أثقل بحكم أنهم هم الذين أورثوا الكتاب ليحملوه إلى الناس كافة وليدعوهم إلى سبيل ربهم، وليس ليصدوهم عنه.
هذه الفرقة تضم كل من كان حريصًا على القيام بأركان الدين الحقيقية لتحقيق مقاصده الحقيقية بقدر وسعه، وأركان الدين الحقيقية هي:
1.            الإيمان بالإله الواحد الذي له الأسماء الحسنى المذكورة في القرءان.
2.            عبادة الله تعالى بالسعي للقيام بحقوق الأسماء الحسنى والحياة وفق مقتضياتها.
3.            ذكر الله، وذلك يتضمن الدعاء والذكر بالأسماء الحسنى والتسبيح والحمد والتسبيح بالحمد.
4.            العمل على إقامة صلة وثيقة بالله تعالي وعلاقة حميمة معه سبحانه ودعمها وترسيخها.
5.            الإيمان بالقرءان ككتاب منزل من لدن رب العالمين والقيام بحقوقه وتلاوة آياته وتعلمه وتعلم ما يتضمنه من الحكمة وقراءته وتذكره وتدبر آياته وتزكية النفس به وتعلم منهج التعامل معه.
6.            الإيمان بأن محمدا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله سَلَّمَ هو رسول الله إلى الناس كافة وخاتم النبيين والمرسل رحمة للعالمين والعمل بمقتضى ذلك.
7.            الإيمان بالغيب المذكور في الكتاب العزيز، وعلى رأس ذلك الإيمان باليوم الآخر وبكل ما يتضمنه مما أورده القرءان عنه والإيمان بملائكة الله وكتبه ورسله.
8.            التزكي؛ أي تزكية الكيان الإنساني بكل ما يتضمنه من قلب ولطائف ونفس وجسد، وهذا يتضمن التحلي بمكارم الأخلاق الإسلامية.
9.            الالتزام بالشريعة الإسلامية في كافة الأمور الحياتية وفي كافة المعاملات والعلاقات؛ أي العيش وفق منظومة القيم الإسلامية، (برّ الوالدين، صلة الرحم، احترام حقوق وكرامة الإنسان، تأدية الأمانات إلى أهلها، الحكم بالعدل، القيام بالقسط، إقامة الشهادة لله، الوفاء بالعهود والمواثيق، مراعاة حقوق دواب الأرض وحقوق البيئة، طاعة أولي الأمر من المؤمنين، الالتزام بالشورى في كل أمر، القيام بحقوق الأسرة والأمة.
10.         اجتناب كبائر الإثم والفواحش والانتهاء عن المنكر.
11.         إقامة الصلاة، ومنها الصلوات الخمس المعلومة.
12.         إيتـاء الزكاة.
13.         الإنفاق في سبيل الله.
14.         العمل الصالح وهو كل عمل يقوم به الإنسان للوفاء بمقتضيات أنه حامل للأمانة وخليفة في الأرض.
15.         الدعوة إلى الله؛ وهي تتضمن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير.
16.         استعمال الملكات الذهنية والحواس الإنسانية للنظر في الآيات الكونية والنفسية وفي عواقب الأمم السابقة ولفقه واستيعاب السنن الإلهية والكونية والإفادة منها ولتحقيق المقاصد الدينية.
17.         الجهاد في سبيل الله؛ الجهاد في سبيل الله؛ وهذا يتضمن كل ما يجب القيام به لمواجهة كل ما يعوق تحقيق مقاصد الدين العظمى من الكيانات وعلى رأسها كيان الإنسان نفسه، ومن الجهاد القتال المشروع ضد المعتدين ودفاعا عن النفس والأهل والمال والعرض والديار (الوطن).
18.         الصيام، وحده الأدنى صيام شهر رمضان.
19.         حِجُّ الْبَيْتِ لمَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا.
أما مقاصد الدين العظمى فالذي يعني الفرد هو المقاصد الخاصة به، وكل مرتبة من الكيانات الإنسانية لها مقصدها الخاصة بها، والمقاصد العظمى هي:
1.    إمداد وتزويد الإنسان بالعلومِ اللازمة لصلاحِ أمره في الدنيا والآخرة وعلى رأسها العلمُ بالله عزَّ وجلَّ أي العلمُ بأسماء الله الحسنى وبسماته وشؤونه وسننه ومقتضيات ذلك من الأمور الغيبية، ومنها كلُ ما يتعلقُ باليوم الآخر، وكذلك العلمُ بما يتضمنه كتابه من الأوامر والوصايا والمعلومات والبينات.
2.    إعداد الإنسان الربانيِّ الفائق (أي الصالح المفلح المحسن الشاكر) أي الإنسان الذي يجسدُ المثلَ الإسلامي الأعلى على المستوي الفردي والمؤهلِ للعيش السعيد والفلاح في الدنيا والآخرة، وهو الذي يسعى لتحقيق مقاصد الدين بالقيام بأركان الدين الحقيقية الملزمة للفرد، وإعداد هذا الإنسان يقتضي من الكيانات الأكبر الحفاظَ على كافة حقوقهِ وكرامته كإنسانٍ مستخلفٍ في الأرض وحاملٍ للأمانة ومكرمٍ ومفضلٍ وعلةٍ غائية لخلقِ السماوات والأرض، والإنسانُ الفائق هو الذي يتميز بأرقى ملكات ذهنية ووجدانية ممكنة وبأعلى تأهيل علمي ومهني ممكن وبأسلم وأصلح بنيانٍ مادي، هذا الإنسان الصالح هو الذي يمكن أن يباهي به الله ملائكته، وهو الذي يحق له أن يقول: "إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ"، إنه الإنسان الحرّ الفائق؛ The superhuman.
3.    إعدادُ الأسرةِ الصالحة المفلحة، والأسرةُ الصالحة هي أسرةٌ شرعيةٌ قانونية تتسم بالتماسك وبسلامة ومتانة البنيان وبارتباط كل فرد منها بالآخرين بأواصر المودة والرحمة والاحترام، يقوم الوالدان بحقوق أولادهما، ويوقر الأولاد الوالديْن ويقومون بحقوقهما، فوجود هذا الكيان الإنساني المسمى بالأسرة هو أمرٌ لازم لإعداد الإنسان الرباني الفائق المفلح وهو المدرسةُ الأولى والمعملُ الأول الذي يتم فيه تربيته وإعدادُ وتنمية شخصيته وتوفيرُ البيئةِ اللازمة لكي تتفتحَ ملكاتُه ومداركُه وكذلك يتمُ منه تزويده بالعلوم والمهارات الأساسية والأولية اللازمة لكل ذلك، وفي الأسرة يجب أن يتلقى الطفل ويألفُ المنظومةَ المعنوية الإسلامية؛ أي منظومة القيمِ والتصوراتِ والمفاهيم والسننِ والأوامر الإسلامية.
4.    إعدادُ الأمة الخيرة القوية الفائقة التي تجسِّد المثل الإسلامي الأعلى علي المستوي الأممي، وهي التي تسعى لتحقيق مقاصد الدين بالقيام بأركان الدين الملزمة للأمة ومنها الدعوةُ إلي الله تعالى والقيامُ بمقتضيات حمل الأمانة والاستخلاف في الأرض، والأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر واحترامُ حقوق وكرامة الإنسان ومعاملةُ كل من ينتمي إليها أو يحتمي بها وفق الأوامر والقيم والسنن الدينية، ومن مهامها توفير كل ما يلزم للقيام بالمقاصد السابقة من العلوم والوسائل والإمكانات، فالأمةُ تمثل الإنسان المستخلفَ والمكرمَ وحاملَ الأمانة على المستوى الأممي، وهي الأمةُ الداعية إلي الخير المجاهدةُ لإعلاء كلمة الله تعالى الساعيةُ إلي إظهار دين الحق المدافعة عن المستضعفين في الأرض والمقاومة للفتن والتعصب والاضطهادِ الديني والاستعلاءِ العنصري والإفسادِ في الأرض.
5.    تزويدُ كل كيانٍ إنساني -بما في ذلك الفرد والأسرة والأمة وكل ما يمكن أن يستجدَ من كيانات والبشرية جمعاء- بالمنظومة المعنوية (القيم، القوانين، السنن،...) التي تمكنه من التعايشِ السلمي المثمر مع الكيانات الأخرى رغم الاختلاف في الدين والمذهب وأسلوب المعيشة والوطن والقومية والسلالة....إلخ، وهذا يتضمنُ التوظيفَ الإيجابيَّ للاختلافات بين الفرق المختلفة، وهذه العلوم لازمةٌ لصلاحِ أمر البشرية وازدهارها وقيامِها بمقتضياتِ حمل الأمانة والاستخلاف في الأرض وحتى يتحقق الأمن والسلام والتعايشُ السلمي بين الناس وحتى تتحققَ الاستفادةُ الأمثل من موارد الأرض والحفاظ عليها والانتهاء عن الإفساد فيها، والمنظومة المعنوية تشمل العلوم والقيم والمناهج والأوامر والسنن والأحكام والمعايير الأسس والآليات والسلوكيات، ومن فروع هذا المقصد تزويدُ الجماعةِ المسلمة في أي بلد من البلدان بالمنظومة المعنوية اللازمة لتمكينها من أداء المهام المنوطة بالأمة بقدر وسعها ومن التعايش مع شتي الأحوال الممكنة.
إن كل متبعٍ لدين الحق يجب أن يعلم هذه المقاصد وأن يضعها نَصبَ عينيه وأن يبذل كل ما هو في وسعه لتحقيقها.
وكل مسلم مطالب بأن يحقق هذه المقاصد لنفسه ولغيره بقدر وسعه، فالمقصد الأول يعني أن على المسلم أن يقوم بمقتضياته فيتزود بالعلومِ اللازمة لصلاحِ أمره في الدنيا والآخرة وعلى رأسها العلمُ بالله عزَّ وجلَّ وينقل إلى غيره هذه العلوم.
والمقصد الثاني يستلزم منه هو أولا أن يجسدُ المثل الإسلامي الأعلى على المستوي الفردي وأن يؤهل نفسه للعيش السعيد والفلاح في الدنيا والآخرة بالقيام بأركان دينه، ومن ذلك أن يزكي نفسه بالتطهر من مساوئ الأخلاق والتحلي بمكارمها وأن يكون حريصا على القيام بكل ما أمره الله تعالى به حتى يحق له أن يقول: يحق له أن يقول: "إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ".

*******

الأربعاء، 25 يناير 2017

أخت هارون

أخت هارون

أم السيد المسيح هي السيدة العذراء مريم الهارونية، والتي يعني اسمها (أمة الرب)، وهذا يتضمن أنها خادمة الله وخادمة بيته، أي خادمة الهيكل، وهي من سلالة هارون، وبالتالي من سلالة ليفي (لاوي)، وهي سلالة الأنبياء والكهنة، والتي منها سلالة هارون المعروفة (سلالة الكوهين) والتي ثبت أن لها الهابلوجروب J-M267، وهو الخاص بهم وبالعرب الأصلاء أيضا، وكانت هي تنتمي إلى سلالة هارون.
وقولهم لها "يَا أُخْتَ هَارُونَ" كما في الآية القرءانية: {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} [مريم:28] يعني "يا هارونية"، وذلك مثل القول: "يا أخا العرب"، فهي لا تعني إلا: "يا عربي"، ومن المعلوم أن سلالة هارون (الكوهِن) هي سلالة الكهنة من بني إسرائيل، وهم من ذرية هارون.
أما أخت موسى، فليس اسمها مريم، وإنما مِرْيام، وفي الترجمات الإنجليزية الصحيحة Miriam بينما اقترف الذين ترجموا العهد القديم خطأً فادحا عندما كتبوها مريم، وليس هذا هو الخطأ الوحيد الذي اقترفوه.
فالأصل العبري المرسوم في التوراة لأخت موسى وهارون هو مِرْيام، وليس ماري أو مَرْيَم، وقال علماء التوراة إن معناه هو المراء أو التمرِّي من الجذر العبري "مرا"، فهو "فعلان"؛ أي "مِرْيان" أُبدلت نونه ميما كما يحدث عادة من إبدال بين العبرية وبين العربية، وكما هو واضح لا علاقة له من حيث المعنى بالاسم "مريم".
وقد جاء في إنجيل لوقا:
5كَانَ فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ مَلِكِ الْيَهُودِيَّةِ كَاهِنٌ اسْمُهُ زَكَرِيَّا مِنْ فِرْقَةِ أَبِيَّا، وَامْرَأَتُهُ مِنْ بَنَاتِ هارُونَ وَاسْمُهَا أَلِيصَابَاتُ. 6وَكَانَا كِلاَهُمَا بَارَّيْنِ أَمَامَ اللهِ، سَالِكَيْنِ فِي جَمِيعِ وَصَايَا الرَّبِّ وَأَحْكَامِهِ بِلاَ لَوْمٍ. 7وَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا وَلَدٌ، إِذْ كَانَتْ أَلِيصَابَاتُ عَاقِرًا. وَكَانَا كِلاَهُمَا مُتَقَدِّمَيْنِ فِي أَيَّامِهِمَا.
وطبقًا لإنجيل لوقا فإن إليصابات أم يحيى خالة المسيح كانت من مِنْ بَنَاتِ هارُونَ، وبذلك فقد كانت السيدة مريم من سلالة هارون أخي موسى، وكان المسيح نفسه هارونيا، فليس له والد بشري، ومن المعلوم أن سبط هارون هم المتخصصون في السدانة والكهانة من بعد موسى.  
ولقد كانت السيدة مريم ابنة عمران الهارونية منذورة لله عزَّ وجلَّ، وذلك ما يشير إليه اسمها (أمة الرب)، ولذلك عاشت خادمة للمعبد، ولم يكن لأحد أن يتقدم لخطبتها، وبالتالي لم يكن لها أبناء أشقاء أو إخوة للمسيح، وهذا يعني بالضرورة أنها ليست هي ماري المذكورة في الأناجيل التي كان لها أبناء عديدون، واسمها (أمة الرب، L'esclave de Dieu) حجة على من سيقولون إنها أم الرب La mère de Dieu أو إنها هي مريم (خطيبة ثم زوجة يوسف النجار) الواردة في الأناجيل والتي كان لها أبناء عديدون.
والكلمة اليونانية التي تُرجمت إلى "النجار" وهي tekton قد تعني شيئا آخر، وقال بعضهم إن ترجماتهم غير دقيقة، فهي قد تعني البنَّاء أو المعماري، والحق هو أن يوسف بن هالي كان نجارا بالفعل، ولا يعنينا ذلك في شيء، فكل هذه الأقاصيص إنما تتعلق بالمسيح المزيف. 
فأسرة المسيح البشرية في القرءان هي أمه السيدة مريم فقط، وإليها وحدها ينتسب، قال تعالى:
{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذَلِكَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (36)} مريم
وحمل مريم عليها السلام للمسيح تمَّ بطريقة غير مألوفة للناس، ولكنه تمَّ أيضا وفق قوانين الله وسننه والتي لا يعلمها الناس، ومثله كمثل آدم، فمادة الخلق واحدة، وهي التراب، والزيجوت Zygote تم بطريقة تختلف عن الطريقة التقليدية في الحالتين ومختلفة فيما بين الحالتين أيضًا، وتخصيب البويضة في حالة المسيح تم بفعل إلهي مرموز إليه بالنفخ من الروح المنسوب إلى الله، قال تعالى:
{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُون} [آل عمران:59]، {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِين} [الأنبياء:91]
وبالطبع من الممكن أن يعلم الناس هذه السنن يوما ما، ولا يوجد في الآيات ما يفيد بأن مدة الحمل كانت أقل مما هو معلوم وفقاً للسنن المعلومة، والفاء في القرءان تفيد الترتيب مع التعقيب، ولا تتضمن بالضرورة أي اختصار أو إلغاء للسنن الكونية.
والسيدة مريم الحقيقة بحكم أنها منذورة لله عزَّ وجلَّ لم تتزوج أبدا، بينما تزعم الأناجيل أنه كان لها أبناء غير المسيح وتذكرهم بأسمائهم، وقد ورد في الإصحاح الثالث لمرقص:
31فَجَاءَتْ حِينَئِذٍ إِخْوَتُهُ وَأُمُّهُ وَوَقَفُوا خَارِجًا وَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ يَدْعُونَهُ. 32وَكَانَ الْجَمْعُ جَالِسًا حَوْلَهُ، فَقَالُوا لَهُ: «هُوَذَا أُمُّكَ وَإِخْوَتُكَ خَارِجًا يَطْلُبُونَكَ». 33فَأَجَابَهُمْ قِائِلاً: «مَنْ أُمِّي وَإِخْوَتِي؟» 34ثُمَّ نَظَرَ حَوْلَهُ إِلَى الْجَالِسِينَ وَقَالَ: «هَا أُمِّي وَإِخْوَتِي، 35لأَنَّ مَنْ يَصْنَعُ مَشِيئَةَ اللهِ هُوَ أَخِي وَأُخْتِي وَأُمِّي».
والنص التالي من الإصحاح السادس لمرقص ينص عل أسماء الذكور منهم ويبين مهنته ومهنة والده:
1وَخَرَجَ مِنْ هُنَاكَ وَجَاءَ إِلَى وَطَنِهِ وَتَبِعَهُ تَلاَمِيذُهُ. 2وَلَمَّا كَانَ السَّبْتُ، ابْتَدَأَ يُعَلِّمُ فِي الْمَجْمَعِ. وَكَثِيرُونَ إِذْ سَمِعُوا بُهِتُوا قَائِلِينَ: «مِنْ أَيْنَ لِهذَا هذِهِ؟ وَمَا هذِهِ الْحِكْمَةُ الَّتِي أُعْطِيَتْ لَهُ حَتَّى تَجْرِيَ عَلَى يَدَيْهِ قُوَّاتٌ مِثْلُ هذِهِ؟ 3أَلَيْسَ هذَا هُوَ النَّجَّارَ ابْنَ مَرْيَمَ، وَأَخُو يَعْقُوبَ وَيُوسِي وَيَهُوذَا وَسِمْعَانَ؟ أَوَ لَيْسَتْ أَخَوَاتُهُ ههُنَا عِنْدَنَا؟» فَكَانُوا يَعْثُرُونَ بِهِ. 4فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «لَيْسَ نَبِيٌّ بِلاَ كَرَامَةٍ إِلاَّ فِي وَطَنِهِ وَبَيْنَ أَقْرِبَائِهِ وَفِي بَيْتِهِ».
وهذا مما يقوِّض كل مزاعمهم بخصوصها، والخلاصة هي أنه لا توجد أية علاقة بين مريم المذكورة في القرءان وبين ماري المذكورة في الأناجيل إلا في الاسم فقط، وقد كان هذا الاسم شائعا بين كل بني إسرائيل.
ومن الغريب أن إنجيل يوحنا لم يورد اسم والدة المسيح، وتحاشى ذلك تماما، بل لقد أورد ما يفيد استحالة أن يكون اسمها مريم!!! إذ ذكر أن خالة يسوع كان اسمها مريم! جاء في إصحاحه التاسع عشر:
25وَكَانَتْ وَاقِفَاتٍ عِنْدَ صَلِيبِ يَسُوعَ، أُمُّهُ، وَأُخْتُ أُمِّهِ مَرْيَمُ زَوْجَةُ كِلُوبَا، وَمَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ. 26فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ أُمَّهُ، وَالتِّلْمِيذَ الَّذِي كَانَ يُحِبُّهُ وَاقِفًا، قَالَ لأُمِّهِ: «يَا امْرَأَةُ، هُوَذَا ابْنُكِ». 27ثُمَّ قَالَ لِلتِّلْمِيذِ: «هُوَذَا أُمُّكَ». وَمِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ أَخَذَهَا التِّلْمِيذُ إِلَى خَاصَّتِهِ.
فاسم خالة المصلوب هي "مَرْيَمُ زَوْجَةُ كِلُوبَا" فهل يمكن أن يكون اسم أمه مريم أيضا؟


*******

الاثنين، 9 يناير 2017

النبي الملك داود

النبي الملك داود

تحول بنو إسرائيل إلى مملكة بناءً على طلبهم، كان أول ملوكهم طالوت (شاؤول)، اعترضوا عليه كعادتهم، كان لابد من رؤية آياتٍ ليكفوا عن إثارة المشاكل، أتاهم التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبهمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ، ومع ذلك لم يتمكن طالوت عند الجد إلا من جمع عدد محدود من الجنود المخلصين، تمكنوا من هزيمة الفلستيين وسطع نجم داود لكونه هو الذي قتل قائد جيش الفلستيين، قتله في صراعٍ خطر وليس برميه بحجر كما يقول كتاب اليهود، تولى الملك من سنة 1004 إلى سنة 965 ق.م.
و"داود" اسم عبري معناه –كما يظنون- الحِبّ أو المحبوب، والحق هو أن معناه الحقيقي هو الذي ذكره القرءان في الآية: {اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17)} ص، وهكذا: داود = ذو الأيد، فالقرءان أعلم بمعاني العبرية من علماء العبرية.
وقد قبلته القبائل العبرانية كافة ومن ضمنها قبائل الشمال، فأسس مملكة إسرائيل المتحدة، وبعد بضع سنين من حكمه فتح أورشليم وحوَّلها إلى عاصمة لمملكته، وبدأ محاولة بناء معبد ليهوه أودع فيه تابوت العهد مؤكدا بهذا توحيد المملكة والقبائل العبرانية، وقد أصبح اللاويون الذراع الإدارية والتنفيذية للدولة، ثم أسس جيشاً محترفا بعد تركيز السلطة في أورشليم، وحارب الفلستيين والمؤابيين والآراميين (السوريين) والعمونيين، وقد استمرت الحروب سجالاً بينه وبين قبائل المنطقة في أرض كنعان، ولقد ساعدت إسرائيل على تحقيق إنجازاتها حالة غياب القوى العظمى في ذلك الوقت، كانت الإمبراطورية الحيثية قد انهارت من قبل على أيدي شعوب البحر، أما مصر فكانت منقسمة إلى مملكتين من بعد انهيار أسرة الرعامسة.
ويتميَّز حكم داود بتَحوُّل القبائل العبرانية من الحياة القبلية الرعوية شبه الزراعية إلى حياة مستقرة نوعا ما تتميَّز بوجود ملكيات كبيرة للأرض. ومـع هـذا، لم يَخلُ الأمر من متاعـب داخلية، مثل ثورة ابنه ضده وهو ما يدل على أن النمط القَبَلي لم يكن قد فقد تأثيره بعد.
وقد أراد اليهود جعل مدة حكم كل من شاول وداود وسليمان أربعين سنة، وهذا غير صحيح.
وبدءاً من الآن يمكن أن تزداد الثقة في التواريخ المعلومة وفي التواريخ الواردة في العهد القديم، ولكن يجب النظر بحذر في التفاصيل والمعلومات!
*****
صار داود ملكا على إسرائيل بعد مقتل طالوت وأبنائه، وحكم فيهم بشرع الله في توراة موسى عليه السلام، وظهرت على يديه المعجزات المتتاليات منها تسبيح الجبال والطيور معه، وحَّد داود بني إسرائيل في مملكة قوية واحدة، ووسِّع حدود مملكته، وانخرط في معارك كثيرة؛ هزم المؤابيين والعمونيين والأدوميين، آتاه الله تعالى زبورا.
كان عصر مملكة إسرائيل الموحدة في العصر التاريخي المعروف بالعصر الحديدي، وكان داود ماهرا في التعامل مع الحديد؛ ذلك المعدن الذي غير مسار الحضارة، وكان يستعمله في صناعة الدروع والملابس الخاصة بالجنود، قال تعالى:
{وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11)} سبأ
ولقد بالغ اليهود في تشويه صورة داود عليه السلام في كتبهم، وكان من مقاصد ذلك بيان أن حب يهوه لإسرائيل هو فوق كل اعتبار، وأنه سيقبل منهم كل أفعالهم مهما خالفت القوانين التي ألزمهم هو بها، فهم في النهاية شعبه الوحيد، وهو مضطر لأن يقبلهم على علاتهم، ويمكن عادة للكهنة أن يسترضوه أو أن يحذروه من شماتة الأمم –وخاصة المصريين- بشعبه.
كما كانوا مولعين بقتل النبيين ماديا ومعنويا، ومن الاغتيال المعنوي ما أوردوه عن قصة داود مع بثشبع زوجة أحد جنوده، وهي بصورتها لديهم لا يمكن أن تكون صحيحة.
وقد جاء في سفر صموئيل الثاني الإصحاح الحادي عشر عن داود:
1وَكَانَ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ، فِي وَقْتِ خُرُوجِ الْمُلُوكِ، أَنَّ دَاوُدَ أَرْسَلَ يُوآبَ وَعَبِيدَهُ مَعَهُ وَجَمِيعَ إِسْرَائِيلَ، فَأَخْرَبُوا بَنِي عَمُّونَ وَحَاصَرُوا رِبَّةَ. وَأَمَّا دَاوُدُ فَأَقَامَ فِي أُورُشَلِيمَ. 2وَكَانَ فِي وَقْتِ الْمَسَاءِ أَنَّ دَاوُدَ قَامَ عَنْ سَرِيرِهِ وَتَمَشَّى عَلَى سَطْحِ بَيْتِ الْمَلِكِ، فَرَأَى مِنْ عَلَى السَّطْحِ امْرَأَةً تَسْتَحِمُّ. وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ جَمِيلَةَ الْمَنْظَرِ جِدًّا. 3فَأَرْسَلَ دَاوُدُ وَسَأَلَ عَنِ الْمَرْأَةِ، فَقَالَ وَاحِدٌ: «أَلَيْسَتْ هذِهِ بَثْشَبَعَ بِنْتَ أَلِيعَامَ امْرَأَةَ أُورِيَّا الْحِثِّيِّ؟». 4فَأَرْسَلَ دَاوُدُ رُسُلاً وَأَخَذَهَا، فَدَخَلَتْ إِلَيْهِ، فَاضْطَجَعَ مَعَهَا وَهِيَ مُطَهَّرَةٌ مِنْ طَمْثِهَا. ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى بَيْتِهَا. 5وَحَبِلَتِ الْمَرْأَةُ، فَأَرْسَلَتْ وَأَخْبَرَتْ دَاوُدَ وَقَالَتْ: «إِنِّي حُبْلَى». 6فَأَرْسَلَ دَاوُدُ إِلَى يُوآبَ يَقُولُ: «أَرْسِلْ إِلَيَّ أُورِيَّا الْحِثِّيَّ». فَأَرْسَلَ يُوآبُ أُورِيَّا إِلَى دَاوُدَ. 7فَأَتَى أُورِيَّا إِلَيْهِ، فَسَأَلَ دَاوُدُ عَنْ سَلاَمَةِ يُوآبَ وَسَلاَمَةِ الشَّعْبِ وَنَجَاحِ الْحَرْبِ. 8وَقَالَ دَاوُدُ لأُورِيَّا: «انْزِلْ إِلَى بَيْتِكَ وَاغْسِلْ رِجْلَيْكَ». فَخَرَجَ أُورِيَّا مِنْ بَيْتِ الْمَلِكِ، وَخَرَجَتْ وَرَاءَهُ حِصَّةٌ مِنْ عِنْدِ الْمَلِكِ. 9وَنَامَ أُورِيَّا عَلَى بَابِ بَيْتِ الْمَلِكِ مَعَ جَمِيعِ عَبِيدِ سَيِّدِهِ، وَلَمْ يَنْزِلْ إِلَى بَيْتِهِ. 10فأَخْبَرُوا دَاوُدَ قَائِلِينَ: «لَمْ يَنْزِلْ أُورِيَّا إِلَى بَيْتِهِ». فَقَالَ دَاوُدُ لأُورِيَّا: «أَمَا جِئْتَ مِنَ السَّفَرِ؟ فَلِمَاذَا لَمْ تَنْزِلْ إِلَى بَيْتِكَ؟» 11فَقَالَ أُورِيَّا لِدَاوُدَ: «إِنَّ التَّابُوتَ وَإِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا سَاكِنُونَ فِي الْخِيَامِ، وَسَيِّدِي يُوآبُ وَعَبِيدُ سَيِّدِي نَازِلُونَ عَلَى وَجْهِ الصَّحْرَاءِ، وَأَنَا آتِي إِلَى بَيْتِي لآكُلَ وَأَشْرَبَ وَأَضْطَجعَ مَعَ امْرَأَتِي؟ وَحَيَاتِكَ وَحَيَاةِ نَفْسِكَ، لاَ أَفْعَلُ هذَا الأَمْرَ». 12فَقَالَ دَاوُدُ لأُورِيَّا: «أَقِمْ هُنَا الْيَوْمَ أَيْضًا، وَغَدًا أُطْلِقُكَ». فَأَقَامَ أُورِيَّا فِي أُورُشَلِيمَ ذلِكَ الْيَوْمَ وَغَدَهُ. 13وَدَعَاهُ دَاوُدُ فَأَكَلَ أَمَامَهُ وَشَرِبَ وَأَسْكَرَهُ. وَخَرَجَ عِنْدَ الْمَسَاءِ لِيَضْطَجِعَ فِي مَضْجَعِهِ مَعَ عَبِيدِ سَيِّدِهِ، وَإِلَى بَيْتِهِ لَمْ يَنْزِلْ.
14وَفِي الصَّبَاحِ كَتَبَ دَاوُدُ مَكْتُوبًا إِلَى يُوآبَ وَأَرْسَلَهُ بِيَدِ أُورِيَّا. 15وَكَتَبَ فِي الْمَكْتُوبِ يَقُولُ: «اجْعَلُوا أُورِيَّا فِي وَجْهِ الْحَرْبِ الشَّدِيدَةِ، وَارْجِعُوا مِنْ وَرَائِهِ فَيُضْرَبَ وَيَمُوتَ». 16وَكَانَ فِي مُحَاصَرَةِ يُوآبَ الْمَدِينَةَ أَنَّهُ جَعَلَ أُورِيَّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي عَلِمَ أَنَّ رِجَالَ الْبَأْسِ فِيهِ. 17فَخَرَجَ رِجَالُ الْمَدِينَةِ وَحَارَبُوا يُوآبَ، فَسَقَطَ بَعْضُ الشَّعْبِ مِنْ عَبِيدِ دَاوُدَ، وَمَاتَ أُورِيَّا الْحِثِّيُّ أَيْضًا. 18فَأَرْسَلَ يُوآبُ وَأَخْبَرَ دَاوُدَ بِجَمِيعِ أُمُورِ الْحَرْبِ. 19وَأَوْصَى الرَّسُولَ قَائِلاً: «عِنْدَمَا تَفْرَغُ مِنَ الْكَلاَمِ مَعَ الْمَلِكِ عَنْ جَمِيعِ أُمُورِ الْحَرْبِ، 20فَإِنِ اشْتَعَلَ غَضَبُ الْمَلِكِ، وَقَالَ لَكَ: لِمَاذَا دَنَوْتُمْ مِنَ الْمَدِينَةِ لِلْقِتَالِ؟ أَمَا عَلِمْتُمْ أَنَّهُمْ يَرْمُونَ مِنْ عَلَى السُّورِ؟ 21مَنْ قَتَلَ أَبِيمَالِكَ بْنَ يَرُبُّوشَثَ؟ أَلَمْ تَرْمِهِ امْرَأَةٌ بِقِطْعَةِ رَحًى مِنْ عَلَى السُّورِ فَمَاتَ فِي تَابَاصَ؟ لِمَاذَا دَنَوْتُمْ مِنَ السُّورِ؟ فَقُلْ: قَدْ مَاتَ عَبْدُكَ أُورِيَّا الْحِثِّيُّ أَيْضًا».
22فَذَهَبَ الرَّسُولُ وَدَخَلَ وَأَخْبَرَ دَاوُدَ بِكُلِّ مَا أَرْسَلَهُ فِيهِ يُوآبُ. 23وَقَالَ الرَّسُولُ لِدَاوُدَ: «قَدْ تَجَبَّرَ عَلَيْنَا الْقَوْمُ وَخَرَجُوا إِلَيْنَا إِلَى الْحَقْلِ فَكُنَّا عَلَيْهِمْ إِلَى مَدْخَلِ الْبَابِ. 24فَرَمَى الرُّمَاةُ عَبِيدَكَ مِنْ عَلَى السُّورِ، فَمَاتَ الْبَعْضُ مِنْ عَبِيدِ الْمَلِكِ، وَمَاتَ عَبْدُكَ أُورِيَّا الْحِثِّيُّ أَيْضًا». 25فَقَالَ دَاوُدُ لِلرَّسُولِ: «هكَذَا تَقُولُ لِيُوآبَ: لاَ يَسُؤْ فِي عَيْنَيْكَ هذَا الأَمْرُ، لأَنَّ السَّيْفَ يَأْكُلُ هذَا وَذَاكَ. شَدِّدْ قِتَالَكَ عَلَى الْمَدِينَةِ وَأَخْرِبْهَا. وَشَدِّدْهُ».
26فَلَمَّا سَمِعَتِ امْرَأَةُ أُورِيَّا أَنَّهُ قَدْ مَاتَ أُورِيَّا رَجُلُهَا، نَدَبَتْ بَعْلَهَا. 27وَلَمَّا مَضَتِ الْمَنَاحَةُ أَرْسَلَ دَاوُدُ وَضَمَّهَا إِلَى بَيْتِهِ، وَصَارَتْ لَهُ امْرَأَةً وَوَلَدَتْ لَهُ ابْنًا. وَأَمَّا الأَمْرُ الَّذِي فَعَلَهُ دَاوُدُ فَقَبُحَ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ.
1فَأَرْسَلَ الرَّبُّ نَاثَانَ إِلَى دَاوُدَ. فَجَاءَ إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: «كَانَ رَجُلاَنِ فِي مَدِينَةٍ وَاحِدَةٍ، وَاحِدٌ مِنْهُمَا غَنِيٌّ وَالآخَرُ فَقِيرٌ. 2وَكَانَ لِلْغَنِيِّ غَنَمٌ وَبَقَرٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا. 3وَأَمَّا الْفَقِيرُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ إِلاَّ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ صَغِيرَةٌ قَدِ اقْتَنَاهَا وَرَبَّاهَا وَكَبِرَتْ مَعَهُ وَمَعَ بَنِيهِ جَمِيعًا. تَأْكُلُ مِنْ لُقْمَتِهِ وَتَشْرَبُ مِنْ كَأْسِهِ وَتَنَامُ فِي حِضْنِهِ، وَكَانَتْ لَهُ كَابْنَةٍ. 4فَجَاءَ ضَيْفٌ إِلَى الرَّجُلِ الْغَنِيِّ، فَعَفَا أَنْ يَأْخُذَ مِنْ غَنَمِهِ وَمِنْ بَقَرِهِ لِيُهَيِّئَ لِلضَّيْفِ الَّذِي جَاءَ إِلَيْهِ، فَأَخَذَ نَعْجَةَ الرَّجُلِ الْفَقِيرِ وَهَيَّأَ لِلرَّجُلِ الَّذِي جَاءَ إِلَيْهِ». 5فَحَمِيَ غَضَبُ دَاوُدَ عَلَى الرَّجُلِ جِدًّا، وَقَالَ لِنَاثَانَ: «حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ، إِنَّهُ يُقْتَلُ الرَّجُلُ الْفَاعِلُ ذلِكَ، 6وَيَرُدُّ النَّعْجَةَ أَرْبَعَةَ أَضْعَافٍ لأَنَّهُ فَعَلَ هذَا الأَمْرَ وَلأَنَّهُ لَمْ يُشْفِقْ».
7فَقَالَ نَاثَانُ لِدَاوُدَ: «أَنْتَ هُوَ الرَّجُلُ! هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: أَنَا مَسَحْتُكَ مَلِكًا عَلَى إِسْرَائِيلَ وَأَنْقَذْتُكَ مِنْ يَدِ شَاوُلَ، 8وَأَعْطَيْتُكَ بَيْتَ سَيِّدِكَ وَنِسَاءَ سَيِّدِكَ فِي حِضْنِكَ، وَأَعْطَيْتُكَ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا. وَإِنْ كَانَ ذلِكَ قَلِيلاً، كُنْتُ أَزِيدُ لَكَ كَذَا وَكَذَا. 9لِمَاذَا احْتَقَرْتَ كَلاَمَ الرَّبِّ لِتَعْمَلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيْهِ؟ قَدْ قَتَلْتَ أُورِيَّا الْحِثِّيَّ بِالسَّيْفِ، وَأَخَذْتَ امْرَأَتَهُ لَكَ امْرَأَةً، وَإِيَّاهُ قَتَلْتَ بِسَيْفِ بَنِي عَمُّونَ. 10وَالآنَ لاَ يُفَارِقُ السَّيْفُ بَيْتَكَ إِلَى الأَبَدِ، لأَنَّكَ احْتَقَرْتَنِي وَأَخَذْتَ امْرَأَةَ أُورِيَّا الْحِثِّيِّ لِتَكُونَ لَكَ امْرَأَةً. 11هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هأَنَذَا أُقِيمُ عَلَيْكَ الشَّرَّ مِنْ بَيْتِكَ، وَآخُذُ نِسَاءَكَ أَمَامَ عَيْنَيْكَ وَأُعْطِيهِنَّ لِقَرِيبِكَ، فَيَضْطَجعُ مَعَ نِسَائِكَ فِي عَيْنِ هذِهِ الشَّمْسِ. 12لأَنَّكَ أَنْتَ فَعَلْتَ بِالسِّرِّ وَأَنَا أَفْعَلُ هذَا الأَمْرَ قُدَّامَ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ وَقُدَّامَ الشَّمْسِ».
وبالطبع، لا يمكن أن يكون هذا ما قد حدث، ولا يمكن أن تكون هذه العقوبات حقيقية، و بَثْشَبَعَ هذه هي أم سليمان، وهي التي وردت في سلسلة النسب المزعومة التي تقدمها الأناجيل للمسيح:
وَدَخَلَ إِلَى بَثْشَبَعَ وَاضْطَجَعَ مَعَها فَوَلَدَتِ ابْنًا، فَدَعَا اسْمَهُ سُلَيْمَانَ، وَالرَّبُّ أَحَبَّهُ، 25وَأَرْسَلَ بِيَدِ نَاثَانَ النَّبِيِّ وَدَعَا اسْمَهُ «يَدِيدِيَّا» مِنْ أَجْلِ الرَّبِّ.
ويُلاحظ أيضًا أن السفر يذكر وجود نبي في عهد داود هو النبي نَاثَانَ، والسفر يقدمه كنبي أحكم وأعلم من داود.
وفي الحقيقة إن ما ذكره القرءان عن هذه المسألة هو الحق الذي لا ريب فيه، وهو بيِّن مبين، ولكن الناس هم الذين يصرون على أن يروا القرءان بعيون أهل الكتاب والسلف، قال تعالى:
{وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ (25) يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28)} ص.
لقد ضرب الله تعالى لداود مثلا حتى يحكم على نفسه بنفسه، كان داود قد أعجب بزوجة أحد جنوده وهو أوريا الحثي وأراد أن يتزوجها، فاستدعاه وطلب منه أن يتخلى عنها له، وأغلظ له القول، فقبل الرجل مضطرا وطلقها له، فلم يكن له أن يرفض أوامر مليكه وقائده، فأرسل الله تعالى أولئك الخصم (وليس ناثان كما يقول كتاب اليهود) إلى داود يمثلون له ما بدر منه، بدأ الرجل الذي يمثل خصمه الكلام، سمع داود منه نفس كلماته التي استعملها ليرغم أوريا على التخلي له عن امرأته، وعندها بادر بالنطق بالحكم الصائب دون انتظار سماع قول الطرف الآخر الذي يمثله هو شخصيا!!! وما إن نطق بالحكم حتى أيقن بأنه أدان نفسه بنفسه فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ، فغفر الله له ذلك لما كان له من سابقة عبادة وجهاد، ولكن اقتضى الأمر تحذيره تحذيرا شديدا، وليكون هذا التحذير تهديدا ووعيدا لكل من استخلفه الله تعالى في الأرض من بعد، هذا التحذير هو المذكور في الآيات القرءانية السابقة!
أما اليهود فتلقفوا القصة وانتهزوا الفرصة ليتطاولوا على نبي كريم وليبرروا لأنفسهم ما هم عليه من خسة وانهماك في التمرد على الأوامر الإلهية، فبنو إسرائيل لم يكونوا يقتلون النبيين ماديا فقط، بل معنويا أيضًا.
وجاء في الإصحاح الأول، الملوك الأول:
1وَشَاخَ الْمَلِكُ دَاوُدُ. تَقَدَّمَ فِي الأَيَّامِ. وَكَانُوا يُدَثِّرُونَهُ بِالثِّيَابِ فَلَمْ يَدْفَأْ. 2فَقَالَ لَهُ عَبِيدُهُ: «لِيُفَتِّشُوا لِسَيِّدِنَا الْمَلِكِ عَلَى فَتَاةٍ عَذْرَاءَ، فَلْتَقِفْ أَمَامَ الْمَلِكِ وَلْتَكُنْ لَهُ حَاضِنَةً وَلْتَضْطَجعْ فِي حِضْنِكَ فَيَدْفَأَ سَيِّدُنَا الْمَلِكُ». 3فَفَتَّشُوا عَلَى فَتَاةٍ جَمِيلَةٍ فِي جَمِيعِ تُخُومِ إِسْرَائِيلَ، فَوَجَدُوا أَبِيشَجَ الشُّونَمِيَّةَ، فَجَاءُوا بِهَا إِلَى الْمَلِكِ. 4وَكَانَتِ الْفَتَاةُ جَمِيلَةً جِدًّا، فَكَانَتْ حَاضِنَةَ الْمَلِكِ. وَكَانَتْ تَخْدِمُهُ، وَلكِنَّ الْمَلِكَ لَمْ يَعْرِفْهَا.
ومثل هذه القصص إنما هي من مفترياتهم، ولكن يبقى في كتابهم شيء من الحقيقة مثلما جاء في الإصحاح السَّادِسُ عَشَرَ من سفر الأيام الأول، وهو مما يبين كيف أن داود كان ممجدا لربه معظما لشأنه:
7حِينَئِذٍ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَوَّلاً جَعَلَ دَاوُدُ يَحْمَدُ الرَّبَّ بِيَدِ آسَافَ وَإِخْوَتِهِ:
8«اِحْمَدُوا الرَّبَّ. ادْعُوا بِاسْمِهِ. أَخْبِرُوا فِي الشُّعُوبِ بِأَعْمَالِهِ. 9غَنُّوا لَهُ. تَرَنَّمُوا لَهُ. تَحَادَثُوا بِكُلِّ عَجَائِبِهِ. 10افْتَخِرُوا بِاسْمِ قُدْسِهِ. تَفْرَحُ قُلُوبُ الَّذِينَ يَلْتَمِسُونَ الرَّبَّ. 11اطْلُبُوا الرَّبَّ وَعِزَّهُ. الْتَمِسُوا وَجْهَهُ دَائِمًا. 12اذْكُرُوا عَجَائِبَهُ الَّتِي صَنَعَ. آيَاتِهِ وَأَحْكَامَ فَمِهِ. 13يَا ذُرِّيَّةَ إِسْرَائِيلَ عَبْدِهِ، وَبَنِي يَعْقُوبَ مُخْتَارِيهِ. 14هُوَ الرَّبُّ إِلهُنَا. فِي كُلِّ الأَرْضِ أَحْكَامُهُ. 15اذْكُرُوا إِلَى الأَبَدِ عَهْدَهُ، الْكَلِمَةَ الَّتِي أَوْصَى بِهَا إِلَى أَلْفِ جِيل.
ويبين ذلك أيضا الإصحاح التَاسِعُ وَالْعِشْرُونَ:
10وَبَارَكَ دَاوُدُ الرَّبَّ أَمَامَ كُلِّ الْجَمَاعَةِ، وَقَالَ دَاودُ: «مُبَارَكٌ أَنْتَ أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ ربنا مِنَ الأَزَلِ وَإِلَى الأَبَدِ. 11لَكَ يَا رَبُّ الْعَظَمَةُ وَالْجَبَرُوتُ وَالْجَلاَلُ وَالْبَهَاءُ وَالْمَجْدُ، لأَنَّ لَكَ كُلَّ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ. لَكَ يَا رَبُّ الْمُلْكُ، وَقَدِ ارْتَفَعْتَ رَأْسًا عَلَى الْجَمِيعِ. 12وَالْغِنَى وَالْكَرَامَةُ مِنْ لَدُنْكَ، وَأَنْتَ تَتَسَلَّطُ عَلَى الْجَمِيعِ، وَبِيَدِكَ الْقُوَّةُ وَالْجَبَرُوتُ، وَبِيَدِكَ تَعْظِيمُ وَتَشْدِيدُ الْجَمِيعِ. 13وَالآنَ، يَا إِلهَنَا نَحْمَدُكَ وَنُسَبِّحُ اسْمَكَ الْجَلِيلَ. 14وَلكِنْ مَنْ أَنَا، وَمَنْ هُوَ شَعْبِي حَتَّى نَسْتَطِيعَ أَنْ نَنْتَدِبَ هكَذَا؟ لأَنَّ مِنْكَ الْجَمِيعَ وَمِنْ يَدِكَ أَعْطَيْنَاكَ. 15لأَنَّنَا نَحْنُ غُرَبَاءُ أَمَامَكَ، وَنُزَلاَءُ مِثْلُ كُلِّ آبَائِنَا. أَيَّامُنَا كَالظِّلِّ عَلَى الأَرْضِ وَلَيْسَ رَجَاءٌ. 16أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُنَا، كُلُّ هذِهِ الثَّرْوَةِ الَّتِي هَيَّأْنَاهَا لِنَبْنِيَ لَكَ بَيْتًا لاسْمِ قُدْسِكَ، إِنَّمَا هِيَ مِنْ يَدِكَ، وَلَكَ الْكُلُّ. 17وَقَدْ عَلِمْتُ يَا إِلهِي أَنَّكَ أَنْتَ تَمْتَحِنُ الْقُلُوبَ وَتُسَرُّ بِالاسْتِقَامَةِ. أَنَا بِاسْتِقَامَةِ قَلْبِي انْتَدَبْتُ بِكُلِّ هذِهِ، وَالآنَ شَعْبُكَ الْمَوْجُودُ هُنَا رَأَيْتُهُ بِفَرَحٍ يَنْتَدِبُ لَكَ. 18يَا رَبُّ إِلهَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَإِسْرَائِيلَ آبَائِنَا، احْفَظْ هذِهِ إِلَى الأَبَدِ فِي تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قُلُوبِ شَعْبِكَ، وَأَعِدَّ قُلُوبَهُمْ نَحْوَكَ. 19وَأَمَّا سُلَيْمَانُ ابْنِي فَأَعْطِهِ قَلْبًا كَامِلاً لِيَحْفَظَ وَصَايَاكَ، شَهَادَاتِكَ وَفَرَائِضَكَ، وَلِيَعْمَلَ الْجَمِيعَ، وَلِيَبْنِيَ الْهَيْكَلَ الَّذِي هَيَّأْتُ لَهُ».
والذي تلقى إلقاءات الشياطين بخصوص ما حدث كانوا منهم، وكتبوه في كتابهم المقدس، وقد شاع ذلك بحيث لم يعد من الممكن حذفه، وهم يرتلون ما ألقاه الشيطان إلى أسلافهم وكأنه آيات مقدسة، وبالطبع سيوجد منهم من يقول إن ذلك دليل على صحة كتابهم المقدس، وإلا لكان من الواجب حذف هذه القصة، أو من يقول إن اليهود كانوا أمناء في بيان أن الأنبياء كانوا بشرا تعتورهم كل العوارض البشرية.
ومنهج بعض المفسرين التقليديين هو اتباع سنن اليهود، وهم مولعون بأساطير بني إسرائيل ويشعرون تجاههم بالنقص والدونية، لذلك فهناك من نقل قصتهم بحذافيرها وضمنها تفسيره موهما الناس بأنه أخذها عن أحد (الصحابة) المكثرين من الحديث بالإضافة إلى أن منهم من يميل إلى تأليه البشر، وهم أيضًا يتخيلون أن علو المرتبة يجعل الإنسان فوق القوانين، فلما جاء المتكلمون وقالوا بعصمة الأنبياء كان عليهم أن يجدوا مخرجا من الورطة التي أوقعهم فيها بعض السلف

*******