الأربعاء، 30 أبريل 2014

أسباب النهي عن كتابة غير القرءان في العصر النبوي

أسباب النهي عن كتابة غير القرءان في العصر النبوي

النهي عن كتابة غير القرءان كان له أسباب عديدة، منها:
  1. كان المقصود ألا يكون هناك كتاب رسمي معتمد للدين إلا القرءان الكريم، وهذا قد تحقق بالفعل.
  2. كان التشريع يتدرج بالناس، فكيف كان يمكن تدوين مروية تتحدث عن كل أركان الإسلام دون اكتمال فرض هذه الأركان أو تتضمن الأمر باجتناب شرب الخمر مثلا وتحريمه قبل أن ينزل أمر قرءاني بذلك؟ وقد تكون هناك مروية تتولى تقرير أمر ما تم نسخه أو تعديله من بعد بالقرءان، فوجودها سيسبب لا محالة لبساً للناس.
  3. الدين لم يكتمل إلا قبيل انتقال الرسول ولو تم تدوين مرويات بطريقة رسمية قبل اكتمال الدين لسببت للناس لبسا! وربما كان المسلمون ينفذون أحكاماً ما أخذوها عن أهل الكتاب قبل أن ينزل الحكم القرءاني، فوجود مرويات تتحدث عن ذلك ستسبب لبسا، وقد يكفر الناس بالآية القرءانية في سبيل المروية التي تتضمن الحكم الكتابي، وهذا ما حدث في موضوع عقوبة الزنا!
  4. كان بعضهم يدون في مصحفه الخاص بجوار الآية بعض ما سمعه من الرسول أو بعض ما استخلصه هو، فكان يُخشى أن يُظن أن هذه الأقوال هي التفسير الوحيد المعتمد للآية.
  5.  وجود حزب قوي من المنافقين الذين لم يكن الرسول نفسه –بنص القرءان- يعلمهم، قال تعالى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} التوبة101، لذلك فوجود تصريح رسمي بالكتابة كان يعني أن يكتب هؤلاء ما يشاءون ويصبح كلامهم جزءا من الدين لا يملك أحد إنكاره أو انتقاده.
  6. ثبت من سلوك الأولين وسننهم ومن سلوك المحسوبين على الإسلام أن ما يكتبونه عن أنبيائهم وصالحيهم يتحول إلى كتب يعطونها التقدم والحكم والقضاء على كتاب الله تعالى، ولذلك صدرت عن سدنة ومؤسسي المذهب اللاسني أقوال شنيعة بشعة مثل: "السنة قاضية على كتاب الله"، "لولا السنة لهلك القرءان"، "حاجة الكتاب للسنة أشد من حاجة السنة إلى الكتاب"، "للسنة أن تنسخ آيات الكتاب"!!!!! ومازال الخلف الضال يتعبدون بممارسة هذه الضلاليات والكفريات، ومازال القطيع الذي يتبعهم يهاجم بوحشية وضراوة كل من يحاول أن يعيد للقرءان مكانته، لذلك كان من المقصود بالفعل ألا تتحول كتب الآثار إلى كتب دينية مقدسة بل إلى مجرد كتب تاريخية يتولى أمرها الصفوة من علماء الأمة الحقيقيين ويستخرجون منها ما هو متسق مع دين الحق.
  7. أما السنن العملية وما يلزم معرفته من أمور الدين الأخرى لكل المسلمين فلم يكن ثمة خوف عليها، وقد نقلها ألوف المسلمين المعاصرين للرسول إلى عشرات الألوف إلى مئات الألوف...
  8. كان من المعلوم مسبقاً أن الأمة ستختلف وتتفرق وأن كل طائفة نبتت ستحاول الانتصار لمذهبها بأية نصوص دينية، وكذلك كان من المعلوم أنه سيكون هناك الكثير من الموتورين، كل أولئك كان يُخشى منهم على الدين إذا كان ثمة إذنٍ عام بالكتابة عن الرسول.

وموقفنا من المرويات متسق تماماً مع المنهج القرءاني العلمي وهو لا يعبأ بغلو من جعلوا المرويات عمليا وواقعيا كآيات القرءان ولا بغلوّ من يتعاملون مع الرسول وكأنه وجد صحفا فيها القرءان فبلغه للناس ثم انتهى أمره، إن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ كان مأمورا بأن يعلم قومه ويزكيهم ويعلمهم ما لم يكونوا يعلمون، فلابد أنه قد صدرت عنه أقوال لهم بمقتضى ذلك، وقد كان منوطاً به أن يحقق فيهم وبهم المقصد الدين الأعظم بأن يجعل منهم الأمة الخيرة الفائقة، فلابد أنه فعل أفعالا وقال أقوالا بمقتضى ذلك.
وقد كان مأمورا بأن يعلمهم آيات القرءان والقول القرءاني في كل مسألة باعتبار أنه أعلم الخلق به وبمنهجه في إيراد الحقائق، فالقرءان بالفعل مبين ومبيِّن وتبيان لكل شيء لمن كان على درجة عالية من العلم والرقي الذهني والوجداني ولمن يعلم كل آيات القرءان ويجيد التعامل معها، فلابد أن الرسول كان يبيِّن لهم ما غمض عليهم، خاصة وأن أكثرهم لم يكن يحفظه كاملا ولم يكونوا كلهم متساويين في الملكات والقدرات.
لكل ذلك فلا يمكن أبداً أن يكون كل هذا التراث باطلا بطلانا مطلقا، ولذلك لابد من معيار دقيق وصارم للحكم على المروية، هذا المعيار المنطقي هو ضرورة اتساقها مع دين الحق المستخلص من القرءان الكريم وإمكان اندراجها في إطاره، ودين الحق ممثل في منظومات سننه وقيمه وسماته، والتأكيد على ذلك لأن القول القرءاني بخصوص أية مسألة موزع بصفة عامة –وفقا للنهج القرءاني- على آيات عديدة، فنحن نأخذ بالمروية التي تحقق هذا الشرط حتى وإن ضعَّفها الرواة، كما نرفض المروية المتعارضة مع القرءان الكريم رفضا تاما، أما المرويات التي تتعرض لأمور لم يرد لها ذكر أو أصل في القرءان فتُعتبر من الأمور غير المطروحة أصلا، ويُترك أمرها للعلماء المتخصصين في اللغات ومقارنة الأديان والتاريخ...الخ، والأمة بالطبع ليست ملزمة بانتظار نتائج أبحاثهم.

ونحن نقول دائما: لا يجوز رفض مروية منسوبة إلى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ رفضاً مطلقاً دون تقديم أسباب قوية كتعارض لا يمكن دفعه مع القرءان الكريم أو مع أي عنصر من عناصر دين الحق المستخلص منه.

الثلاثاء، 29 أبريل 2014

أسرى بدر

أسرى بدر

قال تعالى: { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ{67} لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ{68} فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{69} }الأنفال67

الآيات تتحدث بكل وضوح عن عملية أخذ الأسرى قبل الإثخان في الأرض، وهي تقرِّع وتؤنِّب أولئك الذين أرادوا عَرَضَ الدُّنْيَا بالانشغال بأسر كفار قريش -طمعاً في أخذ الفداء منهم- بدلا من التركيز على القتال، وهي توضح أن ذلك لا يجوز في وجود نبي يحمل رسالة، وهذا ما لم يدركه من وضعوا المروية الباطلة التي تجعل لعمر بن الخطاب التقدم على النبي وعلى أبي بكر الصديق وتجعله هو الوحيد الذي عرف الحكم الشرعي السليم (من وجهة نظر واضعي المروية طبعاً) وهو قتل الأسرى!!!!!!!!!!!!!!
والتأنيب كان موجهاً إليهم لأنهم خالفوا ما لديهم بالفعل من أحكام وردت في سورة القتال: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ}محمد4
ومن تمادي واضع المروية في السخرية من المسلمين والنيل من قدر الرسول الكريم قوله على لسان عمر بن الخطاب: "فلما كان من الغد جئت، فإذا رسول الله وأبو بكر يبكيان، فقلت: يا رسول الله، أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك!!!!!!!!!!!!!!؟؟ فإن وجدت بكاء بكيت!!!!!!!! وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما!!!!!!!!!! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أبكي على أصحابك من أخذهم الفداء.
وبعد التهديد والوعيد الوارد في الآيات تغمدهم ربهم برحمته وسمح لهم بأن ينتفعوا بما نالوه من الغنائم، وهذا التفضل الإلهي لا يعني أبداً أنهم لم يخطئوا بمخالفة أوامره، وإنما يعني أنهم أخطئوا فغفر لهم لأنه هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
والذي لم يدركه واضع المروية هو أن وجود النبي بين الناس هو أمان لهم من العذاب الذي حاق بالأمم السابقة لتمردهم وعصيانهم، قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}الأنفال33.  
فأى مسلم يقرأ الآيات الخاصة بأسري بدر دون تقيد بآراء مسبقة يرى أنها تقريع لأولئك الذين حرصوا أثناء موقعة بدر على أسر المشركين بدلا من الإثخان فى قتلهم، ولقد أوضح العليم بذات الصدور أنهم كانوا يريدون بذلك عرض الدنيا، وكان من الأجدر بهم أن يريدوا ما أراد الله لهم من ثواب الآخرة، وأوضح أيضا أنهم بسبب ذلك كان من الممكن أن يعذَّبوا عذابا شديدا لولا أنه سبحانه كان قد سبق منه الكتاب بالمغفرة لمن شهد الموقعة ثم زادهم الله فضلاً على فضل بأن أحل لهم أن ينتفعوا بالغنائم التى أخذوها من الأسرى، فالآيات تنوه بعظم الفضل الإلهي وتحذر المؤمنين من أن ينشغلوا أثناء القتال فى سبيل الله بالغنائم الدنيوية، إن الخطاب فى الآيات للنبى ليس لخطأ اقترفه ولكن اقترفه الجنود الذين يعملون تحت إمرته، فالخطاب دائما يوجه إلى القائد فى مثل هذه الظروف فيقال انتصر القائد فلان أو ما كان للقائد فلان أن يفعل كذا رغم صدور الفعل من جنوده مخالفة عن أمره، كما أنه قد يوجه الخطاب إلى المجموع رغم أن بعضهم فقط هم الذين أخطئوا كما هو الحال فيما وجه إلى بنى إسرائيل من ذم وتقريع رغم وجود الأنبياء والصالحين فيهم، فالآيات إنما تقرع المسلمين بسبب ما صدر من بعض القرشيين بعد أن لاحت بشائر النصر فى موقعة بدر إذ صار جل همهم أخذ الأسرى طلبا لعرض الدنيا وذلك بدلاً من الإثخان فى قتل المشركين، بل إن بعضهم دافع عن أسراه ضد باقي المسلمين كما حدث من عبد الرحمن بن عوف كما ورد فى سيرة ابن هشام إذ أخذ يذبّ عن أمية بن خلف رأس الكفر وابنه بل وشتم بلالا عندما ما تعرف على أمية وأخذ يحرض  الأنصار عليه ثم قال متحسراً على الغنيمة: (يرحم الله بلالا  ذهبت أدراعى وفجعني بأسيرى).
ولكن  ما هو التفسير التقليدى للآيات؟ لقد زعم المفسرون أن الآيات نزلت لتلوم النبى بسبب القرار الذى اتخذه بشأن أسرى بدر وكان النبى قد استشار أصحابه فأشار الصديق بقبول الفداء منهم بينما أشار الفاروق بقتلهم فنـزلت الآيات كما زعموا محبذة رأى الفاروق فقعد النبى والصديق يبكيان !!!!!!؟؟، فقال الفاروق ( يا رسول الله أخبرنى من أي شئ تبكى أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد تباكيت لبكائكما !!، فقال رسول الله: أبكى على أصحابك فى أخذهم الفداء )، وهكذا انقلب المعلم تلميذا والتلميذ معلما على أيدي الرواة، إن القرآن ينص بكل وضوح على أن الله تعالى بعث النبي محمدا فى الأميين ليتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ويعلمهم ما لم يكونوا يعلمون بعد أن كانوا فى ضلال مبين، فلقد أرسله ربه إليهم رحمة بهم وليعلمهم لا ليتعلم منهم، فليت المسلمين يعرفون لرسولهم الكريم قدره ويتأدبون معه، ومن العجيب أن يزعموا أن الرسول قال: "لونزل بنا عذاب لما نجا إلا عمر!!!"، هذا مع العلم أن الرسول كان أماناً لأمته من العذاب، قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }الأنفال33، ولا يجوز هاهنا أية محاولة للحديث عن تواريخ النزول، فالرسول كان أماناً لقومه من العذاب بواسطة آية كونية كالتي كانت تهلك الكافرين من القرون الأولى كعاد وثمود.
ولكن ما الحكمة فى حث المسلمين على الإثخان فى قتل المشركين فى تلك المعركة؟ إنه يجب العلم بأن المسلمين لم يقتلوا من المشركين فيها إلا حوالى سبعين رجلا وهذا لا يتناسب أبدا مع ما كان من الممكن أن يتحقق، ولو التـزم المؤمنون بأوامر الله ورسوله لتضاعف عدد القتلى من المشركين وربما لأبيد جيشهم كله، ولو حدث ذلك لما جرؤ المشركون من بعدها أبدا على مهاجمة المؤمنين ولما كانت أحد وما بعدها ولما تجرأ اليهود على المسلمين ولما جرؤت قبيلة عربية على التعرض للمسلمين، ولقد أعلن الله تعالى مقصده من تدبير أمر معركة بدر، قال تعالى: وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ{7} لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ{8}الأنفال فقد كان يريد أن يقطع دابر الكافرين، وكان هذا يقتضي إبادة شبه تامة لجيش الكفر تجعل الطريق مفتوحا إلى مكة وعندها كان سيتم حسم الأمر تماما وقطع دابر الكافرين، ومن المعلوم أن الإرادة التي محلها الكائنات المخيرة تعني المقصد الذي سيتحقق بمقدار عمل هذه الكائنات وفق السنن الدينية وإلا فإن الله تعالى قادر على حسم الأمر بقول "كن"، وهو الغني عن العالمين.
كما أنه لو التـزم المؤمنون بالحرص علي الإثخان أكثر من الحرص علي الغنائم لما هُزموا فى أحد التى استغل فيها كفار قريش ذلك الحرص للإيقاع بالمسلمين وزحزحتهم عن مواقعهم الحصينة، ومن العجب أن هذا الداء الجاهلى لم يتخلص منه المسلمون أبدا وكان سبب هزيمتهم من بعد فى موقعة بواتييه بفرنسا، فليس للآيات أية علاقة بالتفسير الذى وضعوه والذى يتضمن تطاولا على الرب الرحيم بتصوير أنه كان حريصا على قتل الأسرى وكذلك يتضمن إقلالا من شأن الرسول لحساب الفاروق مع أن الرسول لم يفعل إلا ما يليق به من حيث هو رحمة للعالمين، وهو –بافتراض صحة مرويتهم- إنما التـزم بالشوري التي أمره الله بها، أما الحق فهو أنه التزم بحكم الله فيهم، ذلك لأنه كان مخيراً من قبل بين المن عليهم وبين قبول الفداء منهم، ولولا مراعاته لحال أصحابه لفضَّل المن عليهم كما فعل من بعد كثيرا، أما الآيات الخاصة بأسري بدر فلم تتعرض أبدا لموضوع  فداء الأسرى بل تقول إنه ما كان للمسلمين أن يأخذوا أسرى أثناء المعركة وإنما أن يثخنوا فى قتل المشركين أما وقد فعلوا فعليهم ألا يعودوا لمثلها وإلا لمسهم العذاب الأليم وعليهم أن يكون حرصهم على الإثخان فى قتل المشركين أكثر من حرصهم على أخذ الغنائم، وفى ذلك تغليب للجانب الإستراتيجي على الجانب التكتيكى، ولقد كان الجزاء الوفاق أن يؤمروا بألا يقربوا الغنائم، ولكن الله سبحانه لعظيم رحمته وفضله أحلها لهم.
-------
من البديهي أن يكون الكارهون للقتال هم من أكابر القرشيين، فهم بالطبع لم يكونوا يريدون قتل أقاربهم أو أفراداً من قبيلتهم، وقد كانت القبيلة عندهم من قبل هي الوطن والدين، وتذكر الكتب الأصلية منهم أبا بكر وعمر وسعد ابن أبي وقاص، فهم أرادوا العير، وهم كرهوا القتال ولم يشاركوا فيه مشاركة جادة، ولكن الله تعالى أراد أمراً آخر: وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ{7} لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ{8} الأنفال.
وهؤلاء بالطبع لم يكونوا ليفتوا بقتل الأسرى أبدا! وهم الذين رفضوا الإثخان في القتل! فتلقوا تحذيرا شديدا:
قال تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ{67} لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ{68} فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{69} الأنفال
وذكر اسم النبي هو للدلالة على أن هذا الحكم خاص بالحالة التي يكون فيها النبي هو قائد الجيش، فهي تأكيد على خصوصية الأمر، وليست عتاباً للنبي نفسه؛ فليس هو الذي أراد الحياة الدنيا وإنما بعض من كانوا معه من القرشيين بالذات، أما الأنصار فقد كانوا أشد الناس تشوقا إلى إبادة الكفار! وهم الذين حملوا عبء المعركة ومعهم قلة من أهل بيت الرسول.
ولكن محدثي أسطورة (الصحابة) جعلوا العتاب والتحذير موجهين إلى شخص الرسول مجاملة لهم على حسابه

إن الآية تقول: {ما كانَ لنبيٍّ أنْ يكونَ لهُ أسْرَى} ولا تقول ما كان لنبي أن يسمح بفداء الأسرى كما أنها توجه الخطاب للمؤمنين قائلة تريدون عرض الدنيا ومن المعلوم قطعاً أن الرسول المصطفى الذي شهد له ربه بالخلق العظيم لم يرد أبدا عرض الدنيا عند ما سمح بفداء الأسرى بل كان بذلك يبتغى وجه ربه الأعلى، أما من أراد عرض الدنيا بأخذ الأسرى فهم بعض القرشيين كما سبق القول (وليس كلهم بالطبع)، أما من وافق الوحي في هذه المعركة والتزم بالأوامر وأثخن في القتل فهم الإمام على وحمزة والزبير وأبو عبيدة بن الجراح (رضي الله عنهم أجمعين) و كثير من الأنصار وعلى رأسهم سعد بن معاذ فهو القائل للرسول: ( كانت أول وقعة أوقعها الله بأهل الشرك فكان الإثخان في القتل بأهل الشرك أحب إلى من استبقاء الرجال).
ولما كانت الآيات بهذا الوضوح المذهل فلماذا ضل المسلمون عن تفسيرها؟ إن ذلك للأسباب الآتية:
-             الإصرار على الإعراض عن القرآن وعدم التفاعل المباشر معه.
-             الإصرار علي قراءة القرآن على ضوء روايات واهية متعلقة بأسباب النزول مما أوجد سوقا رائجة للمتكسبين و الوضاعين.
-             كونهم ما قدروا الله حق قدره وما عرفوا سعة رحمته وفضله.
-             جهلهم بقدر النبي وسعى بعض المنافقين إلى الإقلال من شأنه لحساب من هم دونه.
-             سذاجة بعض المسلمين وانخداعهم بكل من تظاهر بالإسلام.
-              حرص بعض المغرضين من الحزب القرشي والأمويين على إظهار الفاروق عمر على أنه المصحح الدائم لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمقوم لأخطائه والمرشح البديل للنبوة بدلا من أن يكون هو التلميذ الذي يتلقى العلم متواضعاً من معلمه  العظيم، وما ذلك إلا لأن الفاروق هو الذي عين معاوية واليا على الشام وكان ذلك بداية التمكين للأمويين في الأرض، بل إنهم حاولوا أن يستمدوا الشرعية من هذا التعيين، ويجب القول بأن الفاروق كان من السابقين الأولين من المهاجرين ومن خيار تلك الأمة، وهو ليس مسئولا عما أحدثه الأمويون من بعده ولا عما نسبه الرواة إليه.
-              حرص الأمويين على النيل من الأنصار الذين بجهادهم وإخلاصهم هُزِم أئمة الشرك من قريش، ولم يهدأ للأمويين بال إلا بعد أن أرسل يزيد من معاوية من بعد جيشا كثيفا اقتحم المدينة وفعل الأفاعيل بأهلها المؤمنين.
إنه يجب القول بأن من يتبنى التفسير التقليدي للآيات السابقة يرتكب خطيئة مزدوجة بادعائه أن الله سبحانه كان يريد قتل أسري بدر ولكنه غلب علي أمره وأن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فضل قبول الفداء منهم ابتغاء عرض الدنيا، ولمثل هؤلاء يجب القول أنهم {ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز}.
 أما أنت يا سيدي يا رسول الله فإنا نعتذر إليك عما نسبه إليك من لم يعرف لك حقك ومن جهل عظيم قدرك ولم يتأس بك من حيث أنك رحمة الله للعالمين وإمام المجاهدين والداعين إلى الصراط المستقيم.
-------
{فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} محمد4
هذا هو الأمر الذي عصاه الناس في غزوة بدر، ولذلك عوتبوا كما سيعاتبون على الفرار في أحد وحنين من بعد.
إن الله سبحانه لا يعاتب الناس على ما لم يأمرهم به أمرا بينا، لقد كان من المفترض أن يثخنوا في القتل أولا ثم يبدءوا في الأسر، ولكنهم ما إن انهزم القرشيون أمامهم إلا وبدءوا في الأسر طمعا في الفدية (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ) أما حكم من وقع في الأسر فمعلوم: (فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء)، والرسول لن يستفتي أحدا فيما هو معلوم من الدين
وبالمناسبة، كرروا نفس الخطأ في أحد فعوقبوا بالهزيمة المريرة هذه المرة.
ما ورد في موضوع أسرى بدر:
قال ابن إسحاق - وهو يحكى أخبار غزوة بدر -: " فلما وضع القوم أيديهم يأسرون ورسول الله - صلى الله عليه وآله سلم - فى العريش، وسعد بن معاذ قائم على باب العريش الذى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متوشحاً السيف، في نفر من الأنصار يحرسون رسول الله، يخافون عليه الكرة. ورأى رسول الله - فيما ذكر لي - في وجه سعد الكراهية لما يصنع الناس، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " والله لكأنك يا سعد تكره ما يصنع القوم "؟ فقال: أجل والله يا رسول الله: كانت هذه أول وقعة أوقعها الله بأهل الشرك، فكان الإِثخان في القتل أحب إلى من استبقاء الرجال".
هذا المروية صحيحة تماماً، وهي توضح حقيقة الأمر، كان الإِثخان في قتل المشركين أفضل من أسرهم طمعا في عرض الدنيا؛ أي في الفدية.
-------
ما أخرجه مسلم في صحيح عن ابن عباس قال: حدثني عمر بن الخطاب: " أنه لما كان يوم بدر نظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً، فاستقبل القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه: اللهم أنجز لي ما وعدتني، فقتل المسلمون من المشركين يومئذ سبعين وأسروا سبعين.
قال ابن عباس: فلما أسروا الأسارى قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لأبى بكر وعمر: ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية تكون لنا قوة على الكفار فعسى أن يهديهم الله إلى الإِسلام.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما ترى يا ابن الخطاب؟ قال: قلت لا والله يا رسول الله، ما أرى الذى رأى أبو بكر، ولكن أرى أن تمكننا فنضرب أعناقهم، فتمكن علياً من عقيل فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من العباس فيضرب عنقه، وتمكنني من فلان - نسيب لعمر - فأضرب عنقه، - حتى يعلم الله أن ليس فى قلوبنا هوادة للمشركين: فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديده. فهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت. 
فلما كان من الغد جئت، فإذا رسول الله وأبو بكر يبكيان، فقلت: يا رسول الله. أخبرني من أي شيء تبكى أنت وصاحبك!!!!!!!!!!!!! فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أبكي على أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض على عذابهم أدنى من هذه الشجرة لشجرة قريبة منه - صلى الله عليه وسلم - وأنزل الله - عز وجل -: { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ} 
من يروج لهذه المروية يجب أن يُعاقب لتطاوله على الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، والهدف من وضع هذه المروية هو تكريس الصورة النمطية اللاسنية في نفوس أتباع المذهب، والغلو في شأن من لم يكن لهم أي دور يُذكر في المعركة!!!
-------
وروى الترمذي عن عبد الله بن مسعود قال: " لما كان يوم بدر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ما تقولون في هؤلاء الأسارى "؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله! قومك وأهلك استبقهم واستتبهم لعل الله أن يتوب عليهم.
وقال عمر: يا رسول الله! كذبوك وأخرجوك فقدمهم فاضرب أعناقهم.
وقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله، أنت بواد كثير الحطب فأضرم الوادى عليهم ناراً ثم ألقهم فيه
قال: فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يرد شيئاً. ثم قال فدخل فقال ناس: يأخذ بقول أبى بكر. وقال ناس: يأخذ بقول عمر. وقال ناس: يأخذ بقول ابن رواحة.
ثم خرج عليهم رسول الله فقال: " إن الله ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللين؛ ويشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم إذ قال {فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } وكمثل عيسى إذ قال: { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ}
وإن مثلك يا عمر كمثل نوح إذ قال: { رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً } ، وكمثل موسى إذ قال: {رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ}
ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: " أنتم عالة فلا ينفلتن أحد إلا بفداء أو ضربة عنق".
قال ابن مسعود: فقلت يا رسول، إلا سهيل بن بيضاء، فإنه يذكر الإِسلام، فسكت رسول الله ثم قال: " إلا سهيل بن بيضاء ". وأنزل الله - عز وجل - { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ}"
هذه هي الرواية النمطية لهذا الحدث، وهي بالطبع لم تحدث إلا في خيال الرواة، ومن وضعها يخلط بين الأمور ولا يفقه عبارات القرءان أصلا، ولم يحدث أن خُيِّر أحد الأسرى بين الفداء وبين القتل.
وهذه المروية وأمثالها هي أمضى سلاح بيد أعداء الإسلام والرسول الآن.
-------
قال ابن جرير: قال ابن زيد: لم يكن من المؤمنين أحد ممن نصر إلا أحب الغنائم إلا عمر بن الخطاب، جعل لا يلقى أسيراً إلا ضرب عنقه وقال: يا رسول الله مالنا وللغنائم؟ نحن قوم نجاهد فى دين الله حتى يعبد الله فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لو عذبنا في هذا الأمر يا عمر ما نجا غيرك"
وهذه مروية تزعم أن عمر بن الخطاب كان يضرب أعناق الأسرى من تلقاء نفسه!!!!!! ولكن ما هي أسماء الأسرى الذين ضرب عمر أعناقهم؟؟!!
وهكذا يجعلون الرسول الذي كان أماناً لقومه من العذاب حتى وإن كانوا كفارا مشركين، يجعلونه عرضة للعذاب!!!! ألم يقرءوا قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }الأنفال33، {وَإِذَا جَاءتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللّهِ اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ اللّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ }الأنعام124.
-------
قال ابن اسحاق: لما نزلت { لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ } الآية. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لو نزل عذاب من السماء لم ينج منه إلا سعد بن معاذ لقوله: يا نبي الله، كان الإِثخان في القتل أحب إلى من استبقاء الرجال".
 هذا هو القول الصحيح المتسق مع آيات القرءان ومجريات الأحداث، ولكن جرى الغطرشة عليه لأن الأنصار كانوا قد أبيدوا أو تشتتوا في الأمصار، ولم يعد لأبطالهم التاريخيين من يوفيهم حقهم، فالذي كان مطلوبا هو الإثخان في القتل أثناء المعركة وليس التوقف عنه انشغالاً بأخذ الأسرى.

=======
الآيات واضحة ومتسقة، الأمر كان هو الإثخان في القتل أثناء المعركة لسرعة حسم الأمر، كان الله تعالى يريد أن يقطع دابر الكافرين في بدر كما ذكر في القرءان، ولو حدث ذلك لتم حسم الأمر في معركة واحدة ولكان بإمكان المسلمين الزحف على مكة ولما كانت التضحيات الهائلة التي حدثت من بعد!!
قال تعالى: { وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ{7} لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ{8}}الأنفال7
فقطع دابر الكافرين لم يكن بقتل سبعين منهم فقط مع القدرة على القضاء عليهم كلهم!! ولكنه الانشغال بأسر الأثرياء منهم والتنافس في ذلك!!!
والصحيح فيما يتعلق بالمروية هو ما رواه ابن إسحاق، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم بعد أن نزلت آيات الأنفال - " لو نزل عذاب من السماء لم ينج منه إلا سعد بن معاذ لقوله: يا نبى الله، كان الإِثخان فى القتل أحب إلى من استبقاء الرجال ". كان هذا القول من سعد للرسول أثناء المعركة، وقد كان يتولى حراسته ويراقب سير المعركة حتى لا يخلص الناس إلى الرسول.
-------
لم يُقتل الأسرى لوجود الحكم الوارد في سورة القتال: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ }محمد4
القتل يكون أثناء القتال فقط! أما من بعده فهو جريمة قتل عادية.
والأمر في سورة القتال هو أمر مطلق سارٍ على الناس إلى يوم القيامة، أما إرادة قطع دابر الكافرين فكانت متعلقة بمعركة بدر فقط! ولو استمع المؤمنون للأوامر القرءانية لتم حسم الأمر كله في موقعة بدر ولما قاسوا الأمرين في أحد والخندق.

*******


الاثنين، 28 أبريل 2014

حقائق عن تدوين المرويات

حقائق عن تدوين المرويات

1.             نهى الرسول نهيا باتا عن كتابتها كما ثبت بالأدلة القاطعة ومنها الالتزام التام من الخلفاء الراشدين بذلك وإبادتهم لما لدى الناس منها، أما القول بأن النهي كان لمخافة اختلاط حديث الرسول بالقرءان فهو يتضمن طعنا في القرءان وتشكيكا في تميزه الذي تحدى الله تعالى به الإنس والجن، كما يتضمن تشكيكا في جدوى وجود هيئة كتبة الوحي المنوط بهم كتابة الآيات بمجرد نزولها، وكذلك يتضمن تشكيكا في كفاءة كل أهل القرن الأول، ولو كان المطلوب التمييز بين كلام الله وبين كلام الرسول فما كان أيسر أن يتم تكليف أفراد معدودين بكتابة كلام وخطب الرسول يكون معلوماً للناس أجمعين أن هؤلاء فقط هم المنوط بهم كتابة أقوال الرسول، ولو تمَّ ذلك لكان لدى المسلمين الآن أصل هذا الكتاب! وبذلك أيضاً لا تكون هناك فرصة للمنافقين غير المعلومين أن يكذبوا على الرسول!! أما وجود النهي عن كتابة أي شيء غير القرءان فهو حقيقة تاريخية راسخة لا سبيل إلى المراء فيها، ولقد تصدى الخلفاء الراشدون بحزم لأية محاولة لجعل كتاب مع كتاب الله، ولم يحاول أية خليفة آخر الأمر بذلك إلا محاولة لم تتم من عمر بن عبد العزيز، وما كان أيسر من أن يكلف أي خليفة لجنة رسمية لجمع أقوال الرسول بطريقة موثقة، ولكن هذا لم يحدث أبدا!!
2.             لم يدون شيء يعتد به في حياة الرسول ولا في حياة الخلفاء الراشدين.
3.             لم يرد أن الله تعالى تعهد بحفظ كلام الرسول، ولذلك اختلفوا فيما نسبوه إليه وأحدثوا ما يُسمى بدرجات الصحة المعلومة.
4.             لم يأمر الله ورسوله أحدا بالتعبد بتلاوة كلام الرسول ولا بترتيله ولا بتدبره.
5.             لم يرد أبدا أن الرسول كان يراجع معهم أقواله ولا حتى خطبه الجامعة التي لم يدون منها شيء تقريبا.
6.             جُمعت المرويات بعد حوالي 250 سنة من الهجرة ولا يستطيع أحد أن يزعم أن الله تعالى قد أمر بذلك ولا أن ينسب هذا الفعل إلى الرسول.
7.              دونها بعض الأشخاص بعد خمسة أو ستة أجيال من وقوع الأحداث، وبالطبع لم تأمر بهذا التدوين سلطة دينية مسئولة ولم يعتمد هذا التدوين أو يوثق من الجيل الذي شهد الأحداث ولا من سلطة دينية مسئولة.
8.             لم يتوفر بالطبع للمدونين الشرط الشرعي وهو وجود وثائق موقعة من شهود عدول حقيقيين.
9.             قام بالتدوين بصفة عامة بعض الفرس المجهولين على مسئوليتهم الشخصية، ومن العجب ألا يتصدر لهذا العمل واحد من أهل المدينة مثلا!!!
10.         تم التدوين في وجود سلطة معادية للدين الحقيقي ولا يعنيها إلا استخدامه للتسلط على الناس باسمه.
11.         لم يكن ثمة إلا تراث شفهي ظل شائعاً طوال المدة المذكورة دون سياج يقيه أو سلطة تحميه، وكان تناقل المرويات يتم شفاهيا وبالمعنى وليس بنفس الألفاظ التي استعملها الرسول.
12.         لم يكن ثمة شهود عدول حقيقيون بل كان ثمة رواة زعمت حفنة من الناس أنها وحدها العليمة بسرائرهم وأعطت لنفسها من دون الناس حق تعديلهم وتجريحهم.
13.         كان التدوين بعد فتن وحروب أهلية بشعة وتمزق الأمة وتفرق الدين وكان المدونون متمذهبين.
14.         كان التدوين بعد الاحتكاك بالأمم الأخرى وتسرب كثير من تراثها إلى التراث الإسلامي، ومن السهولة المتناهية الآن اكتشاف الأصل الذي نقل عنه مدون المروية أو من رووها له.
15.         قام كل مدون على حدة بوضع بعض القواعد ليفحص ويمحص على أساسها المروية، ولقد أعمل هذه القواعد بنفسه، وهو لم يكن معصوما في قواعده ولا في أساليب إعمالها، ولقد شاب هذه القواعد قدر كبير من الذاتية والمذهبية على حساب الموضوعية، ومن أكبر الأدلة على ذلك إهمالهم لكل التراث الديني الذي كان لدى عترة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ رغم الأمر المشدد بالتمسك بهذه العترة والثابت لدى كل المذاهب، وهو من أصح ما هو منسوب إلى النبي، ولكون الأمر كذلك لم يستطع جامعو المرويات إلا تدوينه، ولكنهم حرصوا أيضا على تجاهله بقدر الإمكان عندما وضعوا مقاييسهم لفحص وتمحيص المرويات، ومنهم من عمل بعكسه، وهكذا إما إنهم تجاهلوا ما لدى العترة من أحاديث نبوية وإما إنهم عدَّلوا من ناصبهم العداء ورووا لهم بينما طعنوا فيمن أظهر حباً أو ولاءً لهم.
16.         ثبت أن كثيراً من الناس من شتى الأنواع وضعوا وزيفوا وحرفوا مئات الألوف من المرويات؛ أي ما يفوق عدده مائة ضعف ما زعم المدونون صحته.
17.         لم تجمع الأمة أبداً على قبول ما دونه جامعو المرويات، وكل طائفة تكذب ما لدى الآخرين من المرويات.
18.         لا يستطيع أحد أن يزعم بأن الكتب المنسوبة الآن إلى جامعي المرويات منقولة بالفعل عمن نسبوها إليه، أو لم يتطرق إليها تحريف قبل العصر الحديث!

ويجب العلم أن من أفضل الأمور وأنبل المقاصد التي دفعت جامعي المرويات للإقدام على عملهم هو الحرص على استخلاص أقوال الرسول وآثاره الحقيقية من بين ما وضعه المحرفون والمزيفون والمنافقون، وإنقاذ هذه الآثار من الضياع لكون ما هو محرف أو موضوع كان يعادل مائة ضعف أو أكثر مما هو صحيح، وهم بالطبع لا يتحملون مسئولية المغضوب عليهم والضالين الذين رفعوهم عمليا إلى مرتبة الآلهة!
ولكن هذا الدافع النبيل المذكور هو أيضاً ما يجب أن يحرك المسلمين الآن ويحفزهم لاستكمال عمل هؤلاء الجامعين بتنقية كتبهم من بعض ما لم يتمكنوا من كشف أمره من المرويات الموضوعة أو من التحريفات التي لحقت بمرويات ذات أصل صحيح.

الاثنين، 21 أبريل 2014

خلاصة الموقف من المرويات

خلاصة الموقف من المرويات:
1-         من الثابت أنه كان ثمة نهي صارم في العصر النبوي عن كتابة أي شيء غير القرءان، وبذلك التزم الخلفاء الراشدون وخير القرون من المسلمين، وقد تصدوا بقوة وحزم لكل من حاول أن يجعل كتاباً في الدين مع كتاب الله تعالى، وحقائق التاريخ الدامغة تقول بذلك، ولقد التزم المسلمون بالنهي النبوي طوال أكثر من قرنين، ولم يجرؤ أحد على مخالفته، ولذلك لا يوجد أي كتاب موثق (مثل القرءان الكريم) معتمد يتضمن أقوال الرسول أو سيرته، ولا يمكن لأعتى شيطان مريد أن يجادل جدالا حقيقيا في شيء من هذا.
2-         الشرط الشرعي المقرر للإلزام في أي أمر من أمور الحياة كالتداين مثلا هو وجود وثيقة مكتوبة بحضور شهود حقيقيين عدول، والإلزام في المجال الديني أشد خطورة بكثير خاصة وأن الرسالة المحمدية هي الرسالة الخاتمة، والله تعالى يرسل رسله مزودين بالبينات والحجج والبراهين وبسلطان مبين لكيلا يكون للناس عليه حجة، ولا توجد أية وثيقة حقيقية تنصّ على أقوال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، والمقصود بالوثيقة القول المنسوب إليه موقعا عليه من الشهود الحقيقيين بأمر من سلطة شرعية وباعتماد منها.
3-         الرسول كان ملزما ومأمورا بالبلاغ المبين، ولذلك كان يجب أن تصل كل أوامر الدين لكافة المسلمين إما في كتب موثقة وإما بالتواتر الحقيقي المانع لأي اختلاف، وإقرار جامعي المرويات أن أكثر مروياتهم آحادية وأنهم كانوا يضربون أكباد الإبل ليحصلوا علي بعضها عند واحد في أقصى الأرض يُدينهم ويُقيم الحجج عليهم، فالإسلام ليس ديانة سرية!!
4-         الإسلام لم يبدأ من الصفر في العصر النبوي؛ ذلك ظن الذين كفروا، ولكن الرسالة المحمدية كانت تتويجا لرسالات الأنبياء السابقين الذين كانوا مأمورين بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والصيام والركوع والسجود....الخ، والرسول كان مأمورا في القرءان باتباع ملة إبراهيم، وكيفيات أداء بعض العبادات كالصلاة والحج ترجع على هذه الملة، وقد تم إجراء بعض التعديلات فيها بالرسالة المحمدية، ولقد انتقلت العبادات العملية بالتواتر العملي الجماهيري، فقد أدَّاها مع الرسول عشرات الألوف نقلوها إلى مئات الألوف، نقلوها إلى ملايين، ودونها أئمة "الفقه" قبل مولد جامعي الآثار والمرويات، ولم يكن للمتسلطين أية مصلحة في المخاطرة بتحريف كيفيات الصلاة ولم يرو التاريخ أن أيهم حاول ذلك إلا ما كان من فعل بعض مجرمي الأمويين، وقد تصدَّت الأمة لهم في حينه، بل كان للمتسلطين مصلحة في حمل الناس على الغلو في أمر الطقوس وتوثينها.
5-         لا يمكن إلزام العالمين إلى يوم الدين بتراث شفهي ظل ملقى على قارعة الطريق لأكثر من مائتي سنة يضع فيه من يضع ويحرِّف فيه من يحرف ويدلس فيه من يدلس، خاصة وأنه قد عصفت بالأمة فيها فتن مظلمة مدلهمة وكان هناك الكثيرون ممن يكيدون لهذا الدين، كان هناك المنافقون والموتورون، وكان هناك فئات تتصارع وتريد أقوالا دينية تجتذب بها الأنصار، بل كان هناك تجار يريدون الترويج لبضاعتهم، وكان هناك أيضاً بعض من أراد جذب الناس لأداء بعض العبادات بالتفنن والمبالغة في وصف ثوابها من النعيم وعدد الحور العين!!
6-          من الثابت أنه لأسباب لا مجال لذكرها الآن أن الوضع والتحريف في المرويات كان هو القاعدة، وأن وجود مروية صحيحة كان هو الاستثناء النادر، فكان الموضوع والمحرف من المرويات حوالي مائة ضعف الصحيح منها كما أقر الجامعون بذلك، ولقد قال البخاري إنه كان يحفظ 600000 مروية لم يصحح منها إلا حوالي 6000، أي أن النسبة 1%، ورُوي كلام مماثل عن غيره.
7-         ولقد ظهر فجأة بعض العجم في أزمان متقاربة في القرن الثالث الهجري وأسندوا إلى أنفسهم –دون تكليف من سلطة دينية رسمية- مهمة جمع ما هو متداول من آثار وتمحيصها وفق معايير وضعوها بأنفسهم وطبقوها بأنفسهم في إطار مذهبهم، ولم يقم بذلك أحد من عرب المدينة الذين كانوا بالتأكيد أعلم بالآثار من هؤلاء الفرس بحكم أنهم أحفاد من رووها، أما نتائج عمل هؤلاء فلم تعتمدها من بعد أية سلطة رسمية، ولا يجوز القول بأن الأمة قد تلقت عملهم بالقبول، ذلك لأن الأمة كانت قد تمزَّقت من قبل، وعامة الناس لم يكن لهم أي شأن بعمل هؤلاء الرواة، ولا يوجد حتى ما يثبت أن الكتب المتداولة الآن منسوخة عن النسخ الأصلية التي كتبها جامعو المرويات، أما من يسمونهم بأصحاب الشأن، ولم يعينهم أحد أصحابا للشأن فهم لم يُجمعوا أبداً على تلقي هذه المرويات بالقبول، كما أنه ليس من حق أتباع مذهب واحد أن يزعموا أنهم الأمة ويطبقوا الحرم Excommunication على كل أتباع المذاهب الأخرى.
8-         جلّ المرويات التي جمعوها كانت مرويات آحادية لا تحقق الشرط الشرعي اللازم وهو وجود شاهدي عدل، فزعموا أن كل من قالوا إنه "صحابي" عدل ويمكن القبول بشهادته لوحده، وهذا القول (باطل X باطل)باطل، فلا قيمة له، فلا توجد مرتبة دينية اسمها الصحبة، وآيات القرءان تقوِّض تعريفهم واصطلاحهم، وتعريفهم يتضمن ادعاء صفات إلهية لعلماء الجرح والتعديل، والآية الآتية تدحض ما يُسمَّى بعلم الجرح والتعديل وتجتثه من جذوره: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ }التوبة،101 فالآية تنفي عن الرسول العلم بالمنافقين، فلن يكون جامعو المرويات بأعلم بالمنافقين من الرسول في العصر النبوي وفيما تلاه من العصور.
9-         وضع كل محدث لنفسه مجموعة من القواعد للحكم على المرويات، وطبقها بنفسه، ولا يوجد ما يضمن الكمال المطلق لهذه القواعد ولا في أسلوب تطبيقها، وهذا يقلل مصداقية عملهم ويجعله مشوباً بأخطاء فادحة كما أن ذلك يقلل إلى أدنى حد من احتمال صحة المروية.
10-     تصحيح المرويات كان يستند إلى بعض الأباطيل وعلى رأسها تعريفهم لمن يسمونهم بالصحابة وما رتبوه عليه من القول بعدالتهم والتي بها أبطلوا الشروط القرءانية الواجبة للأخذ بالقول وهي وجود البرهان المبين أو الآية البينة أو الكتاب الموثق بمحضر شهود حقيقيين عدول، وتعريفهم للصحابة باطل بطلانا مطلقاً، فهو ليس بمصطلح ديني، ومن يحاول أن يعمله يختلس لنفسه سلطات إلهية ويزعم لنفسه ما نفاه الله تعالى عن نبيه ويزعم لنفسه أو لغيره القدرة على الاطلاع على السرائر، واستعمال هذا المصطلح لتصحيح مروية يتضمن دوراً باطلا، وهو خلف!
11-     ليست الخطورة فقط فيما قبلوه من الخطأ بل أيضاً فيما استبعدوه مما يُحتَمل أن يكون صحيحا، فإذا كانوا قد صححوا على سبيل الخطأ مئات المرويات فقد رفضوا خطأً أيضاً عشرات الألوف منها، وكان الرفض أساساً لأسباب مذهبية وخوفاً من بطش الحكام.
12-     لم يرد في القرءان أي تبشير بظهور هؤلاء الجامعين لكي يتم فرض الإيمان بهم وبأفعالهم على الناس، ولا يجوز لأحد إحداث عقائد لا أصل لها في القرءان وبالأحرى لا يجوز له إلزام الناس بها، وأقصى ما يمكنه قوله: "هذا هو رأيي في هذه المسألة والذي ترجح عندي"!
13-     من الثابت بالقرءان الكريم أن الدين لم يكتمل إلا قبيل انتقال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ وأن التشريع كان يتدرج بالناس، فلم تُفرض عليهم الأوامر دفعة واحدة، لذلك قد توجد مروية صحيحة بالفعل ولكن لا يجوز العمل بها خاصة وأن جامعي المرويات لم يدوِّنوا معها بصفة عامة زمن صدورها ولا ملابساتها.
14-     ما سبق ذكره يعني أنه لا يمكن أن تمثل المروياتُ الدينَ تمثيلاً صادقا ولا أن تُظهِر الأوزان النسبية لأوامره.
15-     ومع كل ذلك فلابد أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ كان يعلم قومه ويزكيهم فلابد أنه قد صدرت عنه أقوال لهم، ولابد أنه كان يعلمهم ويزكيهم ويعلمهم ما لم يكونوا يعلمون، وقد كان يعلمهم القول القرءاني في كل مسألة باعتبار أنه أعلم الخلق به وبمنهجه في إيراد الحقائق، فالقرءان بالفعل مبين ومبيِّن وتبيان لكل شيء لمن كان على درجة عالية من العلم والرقي الذهني والوجداني، فلابد أن الرسول كان يبيِّن لهم ما غمض عليهم، لكل ذلك فلا يمكن أبداً أن يكون كل هذا التراث باطلا بطلانا مطلقا، لذلك لابد من معيار دقيق وصارم للحكم على المروية، هذا المعيار المنطقي هو ضرورة اتساقها مع دين الحق المستخلص من القرءان الكريم وإمكان اندراجها في إطاره، ودين الحق ممثل في منظومات سننه وقيمه وسماته، والتأكيد على ذلك لأن القول القرءاني بخصوص أية مسألة موزع بصفة –وفقا للنهج القرءاني- على آيات عديدة، فنحن نأخذ بالمروية التي تحقق هذا الشرط حتى وإن ضعفها الرواة، كما نرفض المروية المتعارضة مع القرءان الكريم رفضا تاما، أما المرويات التي تتعرض لأمور لم يرد لها ذكر أو أصل في القرءان فتُعتبر من الأمور غير المطروحة أصلا، ويُترك أمرها للعلماء المتخصصين في اللغات ومقارنة الأديان والتاريخ...الخ، والأمة بالطبع ليست ملزمة بانتظار نتائج أبحاثهم.
16-     لا يجوز رفض مروية منسوبة إلى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ رفضاً مطلقاً دون تقديم أسباب قوية كتعارض لا يمكن دفعه مع القرءان الكريم أو مع أي عنصر من عناصر دين الحق المستخلص منه.
17-     يجب التمييز بين المرويات المتعلقة بأمور دينية وبين المرويات المتعلقة بمحض وقائع تاريخية، فهذه يكون الحكم عليها لعلماء التاريخ المتخصصين.

بالطبع سيرفض إبليس ومن اتبعه من شياطين الإنس والجن مجرد النظر في هذه الخلاصة، وسيرفضون بكل قوة عرض المروية على دين الحق المستخلص من القرءان الكريم!! ولن يتركوا المسلمين ليخرجوا من الهوة السحيقة التي تردوا فيها والتي تجعلهم الآن شر أمة أخرجت للناس!! وسيرفضها أيضاً من –لأسباب شتى- كفروا كفرا مطلقاً بالمرويات!!