السبت، 28 مارس 2015

المقصد الديني الأعظم الرابع (ج1)

المقصد الديني الأعظم الرابع (ج1)
إعداد وبناء الأمة الخيرة الفائقة

المقصد الديني الأعظم الرابع هو إعداد الأمة الخيرة الفائقة التي تجسد المثل الإسلامي الأعلى علي المستوي الأممي، وهي التي تسعى لتحقيق مقاصد الدين بالقيام بأركان الدين الملزمة للأمة ومنها الدعوة إلي الله تعالى والقيام بمقتضيات حمل الأمانة والاستخلاف في الأرض والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهي تمثل الإنسان المستخلف والمكرم وحامل الأمانة على المستوى الأممي، وهي الأمة الداعية إلي الخير المجاهدة لإعلاء كلمة الله تعالى الساعية إلى إظهار دين الحق المدافعة عن المستضعفين في الأرض والمقاومة للفتن والتعصب والاضطهاد الديني والاستعلاء العنصري والإفساد في الأرض والساعية إلى نشر الأمن والسلام والدفاع عن حقوق وكرامة الإنسان.
-------
إن المقصد الديني الأعظم الرابع يتضمن إعداد وبناء الأمة الخيرة الفائقة التي تجسد المثل الإسلامي الأعلى على المستوي الأممي، وهي التي تسعى لتحقيق مقاصد الدين بالقيام بأركان الدين الملزمة للأمة ومنها الدعوة إلي الله عزَّ وجلَّ والقيام بمقتضيات حمل الأمانة والاستخلاف في الأرض والعمل الصالح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدفاع عن القيم الإسلامية وحماية حقوق المستضعفين.
-------
لقد عامل القرءان الأمة المؤمنة به ككيان واحد، وناط بهذا الكيان مسؤوليات جسيمة ومهام عديدة لا يستطيع الإنسان بمفرده القيام بها، ومن تلك المسؤوليات قيام الأمة بأعباء الخلافة على المستوي الأممي، وكذلك خلافة الأنبياء والمرسلين في الدعوة إلى دين الحق وإلي الخير وكذلك في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي الجهاد في سبيل الله تعالي وفي القيام بالشهادة لله تعالى، قال تعالي:
{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ(104)} (آل عمران)، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (البقرة: 143)، {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ(55)} (النور)، {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمْ الْفَاسِقُونَ(110) (آل عمران)، {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(71)} (التوبة)، {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ(41)} (الحج)، {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً }النساء75،  {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }الحجرات10،  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{77} وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ{78} الحج.
فمن كل تلك الآيات يتبين أن المقصد الديني الأعظم علي مستوي الجماعة هو إعداد الأمة الخيرة الفائقة المستخلفة في الأرض الداعية إلي الله عزَّ وجلَّ والداعية إلى الخير الآمرة بالمعروف الناهية عن المنكر الشهيدة لله تعالي علي سائر الأمم وعلي نفسها والقائمة بالقسط والتي يمكن لها أداء المهام المنوطة بالإنسان الخليفة على المستوى العالمي، فهي تظهر بصفات الكمال الممكن اللائقة بالأمة وتؤدي المهام المنوطة بها والتي تقتضيها سماتها المذكورة، فمن مهامها الدعوة إلى الخير ونصرة الحق والدفاع عن المستضعفين في الأرض وإقرار السلام والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والذي من أشد أنواعه الإثم والبغي والظلم والجور والإفساد في الأرض، وتلك الأمة هي التي توفر لأبنائها العلم الديني الصحيح بأسماء الله الحسني وبكل ما نسبه الله عزَّ وجلَّ إلي نفسه في الكتاب العزيز والتي توفر لكل فرد فيها ما يلزم ليكون إنساناً فائقا، وهي التي يتحقق فيها قيام الناس بالقسط الذي هو من مقاصد إنزال الكتاب، قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ(25)} الحديد، فالقيام بالقسط من لوازم ومبررات وجود الأمة الفائقة الخيرة، وهو من الأركان الواجبة عليها، فالأمة الفائقة تعمل على تحقيق العدل والقيام بالقسط على كافة المستويات الداخلية والخارجية.
والأمة الخيرة لا تعتدي ولا تبادر بإيقاد نيران الحروب ولا تسعى إليها، وإنما تقاتل عند الضرورة في سبيل الله والمستضعفين في الأرض، وتقاتل لدفع الفتن ومقاومة الاضطهاد الديني، وتقاتل المفسدين في الأرض، وتقاتل لتكفَّ بأس الذين كفروا، وتقاتل لتسترد ديارها التي أخرج أبناؤها منها، وتقاتل دفاعا عن حقوق وكرامة الإنسان، ولكنها تتجنب العدوان، كما تتجنب سفك الدماء بقدر الإمكان، وتجنح للسلم لدى أول بادرة تلوح لها، وتدافع عن الحرية الدينية والتسامح الديني، ويكون جهادها خالصا لوجه الله سبحانه وتعالى لا طلباً لمزيد من الأموال والعبيد والجواري الحسان ولا تطلعا إلى المزيد من السلطان.
والأفراد في الأمة الخيرة تتحقق فيما بينهم المساواة، فهم يخضعون لقانون واحد يكيل بمكيال واحد ويحظون بفرص متكافئة وينال كل إنسان المكانة اللائقة بقدراته وإمكاناته، وكل ذلك يمكن أن يتحقق باتباع الميزان القرءاني وبإعمال القوانين المنصوص عليها فيه أو المستنبطة منه.
فتلك الأمة هي التي تؤدي أركان الدين المنوطة بالأمة والتي هي فوق طاقة الإنسان الفرد أو الجماعة القليلة من المؤمنين، فهي الأمة التي تعمل على تحقيق مقاصد الدين العظمى بالقيام بأركان الدين الملزمة للكيانات الإنسانية الكبرى.
-------
إن الأمة هي جماعة من الناس تجمعهم منظومة مقاصد واحدة ومنظومة قيم واحدة ومنظومة قوانين وسنن واحدة، ويرتبط كل فرد أو كيان إنساني فيها بالآخر برابطة الولاء والأخوة، والأمة الخيرة الفائقة هي التي تجمع مكوناتها وعناصرها منظومات دين الحق، وتلك المنظومات تشمل كل الأمور الكبرى التي تمثل ما لا يجوز الاختلاف بشأنه.
------------
إن المجتمع بالمعنى المعاصر هو كيان إنساني حقيقي تتعدد مكوناته، والأمة تشكِّل كياناً داخل هذا المجتمع يجمعها وحدة القصد ووحدة منظومة القيم والصفات الحاكمة، ولابد لسلامة الكيان من قوته وصلابته ومرونته وتماسك مكوناته واتساقها وسلامة شبكة العلاقات والروابط بينها، ولا سبيل إلي تحقق ذلك داخل أمة إسلامية إلا بالعمل وفق مقتضيات دين الحق، ولا يمكن أن يتحقق ذلك بأن تتخلى تلك الأمة عن دينها علي أي مستوى من المستويات، ومن مقاصد الدين العظمى إعداد وبناء الأمة الخيرة السوية الفائقة، وكذلك تحديد أنماط العلاقات بين تلك الأمة وبين الكيانات الأخرى المكونة للمجتمع.
-------
إن من مقاصد الدين وأركانه بناء أمة واحدة صالحة خيِّرة مفلحة، لذلك فهو لم يكتف بأن يجعل حياة كل أفرادها قائمة على منظومة قيم واحدة وموازين واحدة فحسب وإنما عمد إلى جمع الأمة علي مجموعة من الأفعال الواعية كالعبادات الجماعية واستخدام التأثير الجماعي لتبادل المشاعر الوجدانية مع الحرص علي الحفاظ علي فردية كل إنسان وتميزه، فالأمة هي الإنسان الكبير وخلاياه هم الأفراد الذين يعرف كل منهم دوره في البنية العامة لهذا الإنسان الكبير.
------------
إن الأمة ليست بجماعة تسعى إلى مجرد إشباع الحاجات المادية لأبنائها ولا إلى الاستحواذ على القدر الأعظم من الأشياء المادية ولا إلى الاستعلاء على سائر الأمم ونهب خيراتها، وإنما تسعى إلى الاستكثار من الثروة الأمرية المعنوية من القيم والمبادئ والمثل العليا والأفكار والمفاهيم والتصورات السليمة والثقافات الرفيعة والقيم الإيجابية، كما أنها تحقق للإنسان كل ما يهفو إليه من عزة وكرامة وسمو ورقي وتحقق بكماله المنشود.
-------
إن الأمة الفائقة الصالحة المفلحة هي كيان له جسد واحد متماسك يشد بعضه بعضاً ويرتكز بعضه على البعض ويكون لكل عضو فيه مهمته التي يعلمها جيداً ويعمل على تنفيذها، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }الحجرات10، وقال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ ما معناه: (المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، المؤمنون في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى )، وهذا الكيان يعرف مسؤوليته جيدا ويأخذها مأخذ الجد؛ فهو خليفة الأنبياء والمرسلين بالإضافة إلى الخلافة العامة التي هي لبنى آدم أجمعين، وكما تشعر الأمة بمسؤوليتها تجاه الناس أجمعين يشعر كل عضو فيها بمسؤوليته عن الجماعة والأمة، ولتلك الأمة حقوق علي كل فرد فيها.
والأمة الخيِّرة الفائقة هي التي تقوم خير قيام بما هو منوط بها من مهام أهمها:
1.      إعلان الإيمان بالله تعالى والمجاهرة به والدعوة إليه، فيكون معلوما لدى سائر الأمم أن تلك الأمة قد كرَّست حياتها لربها فهي تجاهد كل دعوة إلى الكفر والشرك والإلحاد وتفندها وتدحض حججها، كما تدعو كافة الأمم إلى نبذ الشرك وإلى ألا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله تعالى، وهذا يعنى الجهاد ضد الطغيان والاستبداد والكهنوت، أما أوجب أمر على الأمة والذي يمكنها أن تجتمع عليه وأن تدعو كافة الناس إليه فهو دعوة الناس أجمعين إلى الإيمان برب العالمين الذي له الأسماء الحسنى الواردة في القرءان الكريم.
2.      الدعوة إلى الخير وهو الاسم الجامع لكل القيم والمبادئ والمثل العليا التي تتضمنها المنظومة الأمرية الإسلامية، فهي دعوة إلى الحق والعدل والمساواة والحرية.
3.      الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وهذا يعني الممارسة العملية التي يقتضيها ما سبق بيانه.
4.      حمل رسالة الإسلام للعالمين بأن تكون الأمة تجسيداً حياً لمنظومة القيم والمبادئ والمثل العليا والسنن الإسلامية والتي تتضمن الحق والعدل والقيام بالقسط والتراحم والتكافل والتسامح وإيثار السلام والدعوة إليه ورعاية حقوق الإنسان وكرامته ورعاية حقوق الكائنات المسخرة للإنسان وعدم إبادة دواب الأرض دون مبرر أو تحميلها فوق طاقتها، وعدم الإفساد في الأرض بل تعميرها وإصلاحها والحفاظ على التوازن البيئي فيها، وحماية حقوق الأقليات وعدم إكراههم على اعتناق ما لا يرضون من الدين والتسامح معهم والبر بهم والإقساط إليهم، فالدين الذي قرر بكل صراحة ووضوح أنه لا إكراه في الدين وقرر حرية الإنسان في اختيار الكفر أو الإيمان لا يأمر باضطهاد أتباع الديانات الأخرى، ولقد قام الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحية واحتراماً لجثمان يهودي، وقال الإمام علي رضي الله عنه في وصيته للأشتر عندما ولاه أمر مصر: "أشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم فإنهم صنفان أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق"، وشهد للخوارج بأنهم طلبوا الحق فأخطئوه رغم أنهم قاتلوه ولم يمنعهم شيئا كان مقررا من قبل لهم، ويجب إعداد وتمويل مؤسسات تعمل على دعوة الناس إلى الإسلام باتباع كافة السبل المشروعة وبالانتفاع في سبيل ذلك بالوسائل العصرية.
5.      توفير كل ما يلزم لإعداد الإنسان الرباني الفائق وذلك يستلزم حماية حقوق الإنسان وتوفير احتياجاته الأساسية مثل حقه في الحياة الكريمة، وهذه تتضمن حق الأمن علي الدين والنفس والعرض والمال والمأوي وحقه في تكوين أسرة وحقه في التملك والعمل وفقا لقدراته وإمكاناته وتأهيله وحقه في النصح وإبداء الرأي والشورى والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وكذلك توفير كافة السبل لتنمية ملكات الإنسان القلبية وإمداده بالتعليم اللازم والمتوافق مع قدراته وإمكاناته.
6.      العمل على الحفاظ على قوة الأمة على كافة المستويات وعلى الزيادة المطردة لهذه القوة.
7.      الجهاد لتكون كلمة الله هي العليا على كافة المستويات، وهذا يتضمن الدفاع عن القرءان الكريم وعن حقوقه في أن يكون المرجع الأوحد لأمور الدين الكبرى والأعلى لأموره الثانوية ضد من اتخذوا كتب الناس قاضية وحاكمة عليه وتطاولوا عليه وقالوا بأن فيه آيات بطلت أحكامها لكونها منسوخة أو لكونها من القصص المحمدي.
8.      مقاومة الاضطهاد والفتن والظلم والتمييز العنصري، وكذلك الدفاع عن حقوق وكرامة الإنسان ونصرة المستضعفين.
9.      الاستكثار من الثروة الأمرية المعنوية من القيم والمبادئ والمثل العليا والأفكار والمفاهيم والتصورات السليمة والثقافات الرفيعة والقيم الإيجابية، كما أنها تحقق للإنسان كل ما يهفو إليه من عزة وكرامة وسمو ورقي وتحقق بكماله المنشود.
-------
إن المنوط به تحقيق مقاصد الإسلام العظمى ليس الأفراد فقط وإنما أمة لها نظامها وهيئاتها ومؤسساتها، وثمة أركان دينية منوطة بالأمة وحدها، ورقيّ الأمة أمر لازم لصلاح وفعالية وجدوى كل ما ذكر، فلا يجوز أن يترك كل شيء تحت رحمة تقلبات وأهواء أفراد محدودين، ولابد أن يتضمن كل ذلك آليات تصحيح ورقابة ومحاسبة وتوازن واتساق، ويمكن أن يتم تفعيل كل ذلك في هذا العصر عن طريق مؤسسات المجتمع المدني وأجهزة الإعلام.
-------
إنه من المطلوب لصالح الإنسانية وجود أمة تحمل راية الدين الحق وتكون مسئولة عن تجسيده للعالمين وتكون حجة على الناس وشهيدة عليهم ولو كانت هذه الأمة فرداً واحدا أو مجموعة قليلة من الأفراد المخلصين المترابطين، والأمة التي كانت تحمل الرسالة ثم تقاعست عن نصرتها وأخلدت إلي الأرض لن تضر إلا نفسها وسيستبدل بها غيرها.
------------
إن الأمة هي جماعة من الناس تجمعهم مقاصد واحدة ومنظومة قيم واحدة ومنظومة قوانين وسنن واحدة، فتلك المنظومات تشمل كل الأمور الكبرى التي تمثل الحد الأدنى الواجب الاتفاق عليه، وهى تسمح بالاختلاف في الأمور الفرعية والتنفيذية التي لا توجب شقاقا ولا تنازعا، وهذا الاختلاف هو من السنن التي لا مفر منها لاختلاف الملكات والإمكانات والماهيات، ولكن لابد أن تحتوى منظومة القيم والسنن على عناصر تسمح بهذا الاختلاف وتوظفه لمصلحة الأمة، والشورى هي الآلية الرئيسة التي تسمح بذلك، ومن مقاصد الدين إعداد وبناء الأمة الخيرة الفائقة، وتلك الأمة هي بالأصالة بنيان مدني متماسك، وهو لا يسعى إلي فرض تسلط سياسي أو دنيوي على الآخرين، بل ينبغي أن يترفع تماماً علي هذه الأمور وأن يحاول أن يحقق مقاصد الدين بالقيام بالأركان الملزمة للأمة، وما يتضمنه المقصد الديني الأعظم الرابع يعلِّم هذا الكيان كيفية التعايش السلمي مع الآخرين لتحقيق المقاصد الوجودية وتحقيق مقاصد الدين، ودين الحق يلزم الأمة بالقيام بنسق خاص من الأركان.
------------
إن الأمة ليست مجرد الجمع البسيط لمن ينتمي إليها من الأفراد ولكنها كيان عضوي حقيقي له أجهزته وله أنماط تفاعل واتصال متميزة وتسيطر عليه منظومة مفاهيم وتصورات ومبادئ وقوانين واحدة، والمعول هو علي الأمور السائدة بالفعل وليس علي الأمور التي يتشدق بها بعض الأفراد، ولذلك فإن القائمين علي أمر أي أمة يمثلونها بالفعل تمثيلاً صادقا من حيث أنهم يمثلون منظومة المفاهيم والتصورات والأخلاق السائدة علي تلك الأمة، فمن وجد فيهم ضلالاً أو فساداً فليس له أن يناطحهم وإنما عليه أن يدعو إلي سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، ولكن عندما يريد الله عزَّ وجلَّ أن يخرج أمة للناس أي لتحقيق طفرات حضارية فإنه يدبر الأمر بحيث يتولى أمورها  خيارها والصفوة منها.
فالأمة هي مجموعة من الناس تؤلف بينهم منظومة أمرية واحدة، وهذا يعنى اجتماعهم على عقيدة واحدة ومقاصد واحدة وتوجهات واحدة وغايات واحدة وكذلك يعني سيادة نمط معين من الأخلاق الفردية والاجتماعية فيما بينهم، وكل هذا إنما يكون بفعل انتمائهم إلى ثقافة متميزة واحدة، وهذا المفهوم للأمة هو الذي أتى به الدين الخاتم مفتتحاً به عصر الرشد العقلي للإنسانية جمعاء، وبه حارب التصورات القبلية والقومية والعنصرية المتخلفة، فإن أمثال تلك التصورات إنما تعوق التقدم الإنساني بجذبها الإنسان إلى مستوي الكائنات الأدنى منه وبإعلائها لقيم ذاتية على القيم الموضوعية وبجذبها الإنسان إلى عالم الخلق الأكثف بعيدا عن عالم الأمر الألطف، والأمة الخيِّـرة هي تجمع من أفراد وجماعات يتفقون معاً في هذا التوجه ويتناغمون ويتفاعلون مع بعضهم البعض تفاعلا بناء هو المعبر عنه بالتواصي بالحق والتواصي بالصبر، ومن آليات التفاعل الكبرى حرية إعلان الأفكار وتبادلها وكذلك  الشورى في الأمر؛ فبها تزداد المنظومة الأمرية للأمة ثراء وثقلاً بقدر عدد المنتمين إليها من أفراد.
والثراء الأمري المعنوي هو الثراء الحقيقي وهو مناط تفوق الأمم وسيادتها ورقيها وعلوها، وبكل ذلك يكون الاختلاف الطبيعي للأفراد وتميز كل منهم وفرديته مدعاة لزيادة قوة الأمة ومنعتها وثرائها، فإذا ما أنيط بتلك الأمة حمل رسالة إلى الإنسانية جمعاء قيل أن تلك الأمة أخرجت للناس، وطبقا لما تقرر هنا فإنه ما من جماعة تجاهر بأنها تدين بالإسلام إلا وتعين عليها الإئتمام بمنظومتة الأمرية ووجب عليها ذلك النسق من القوانين والتعليمات الخاص بالأمة المسلمة، ومن البديهي أن تلك الأمة لابد أن تكون مكونة من أعراق وقوميات مختلفة وطبقات اجتماعية متعددة ولكن كل هذا لا ينبغي أن يؤثر على وحدة الأمة وتماسكها وإنما ينبغي أن يوظف لزيادة الثقل الأمري للأمة، ومناط التفاضل بين الأمم هو في سمو واتساق المنظومة الأمرية التي لديها ونجاحها في تحقيق ما نيط بها من مهام اقتضتها تلك المنظومة مثل الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والأمة الفائقة الخيرة هي الأمة الوسط التي يمكن أن يكون فيها لسائر الأمم أسوة حسنة لمن كان يرجو السعادة والتقدم والدرجات العلي في الدنيا والآخرة.
-------
إن الأمة الخيرة الفائقة هي جماعة من الناس –وليس تنظيما سياسيا ولا دولة- يجمعها الولاء للحق وتكون قادرة على حمل رسالة الحق والقيام بمتطلباتها، فهي تلك الأمة التي تنشأ وفق منظومة القيم والمثل العليا الإسلامية وتكون تجسيدا لها وخير داعٍ إليها بعملها وسلوكها  والتي لديها من الآليات ما يكفل لها الاستفادة من قدرات ومجهودات كل فرد فيها، والأمة قد تكون فرداً واحدا مثلما كان إبراهيم عليه السلام، وكذلك كان الرسول الأعظم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، أما إذا انضم إلى الفرد الواحد غيره فلابد من وجود قيم وآليات تضمن التوافق والتناغم بحيث يكون التفاعل بنَّاءً وليس هداما، وهذا لا يتحقق إلا إذا كان الإنسان ربانياً كما هو مبين في الكتاب، ذلك لأنه يجب أن يعلم واجباته تجاه أمته والقيام بها القيام الأمثل، والأمة الفائقة هي الأمة الوسط الشهيدة علي الناس، قال تعالي:
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (البقرة:143)، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْن}ِ (النساء: 135)، {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ(78)} (الحج)، فكل المهام المنوطة بالأنبياء والمرسلين قد أعطيت لتلك الأمة بمقتضى ختم النبوة وتمام الاستخلاف، فختم النبوة إيذان ببلوغ البشرية رشدها وبالتالي استعدادها لتلقى الدين الكامل وعدم حاجتها إلى طفرات جديدة على المستوى النفسي الباطني.
والعنصر الأساسي للأمة الخيرة الفائقة هو فرد مؤمن يعي أنه يحمل رسالة، والفرد المؤمن لابد له من عمل صالح هو كل عمل يقتضيه التزامه بالمنظومة الأمرية الخاصة بالأمة، وهذا العمل الصالح لابد أن تترتَّب عليه آثار طيبة ليس علي مستوي الفرد العامل فحسب بل علي مستوى أمته أيضا، والفرد المؤمن يعمل على أن يمارس رسالته بكافة السبل؛ فالإيجابية هي خلقه الأمثل السائد، ولذا فهو لا يستهلك كل نفسه ووقته في أداء شعائر وانتظار الموت وإنما يقتحم كل أمور الحياة ويؤثِّر في كل من هم حوله ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويدعو إلى الخير ويدعو إلى سبيل ربه بالوسائل المذكورة في الكتاب، فمثل هذا الفرد تكون لأفعاله الحسنة آثارها الطيبة المتميزة فهو يجنى ثمار كل من تسبب في هداهم ويذكر ربه بألسنتهم وقلوبهم ويشكره بأعمالهم.
والأمة الفائقة هي أمة موحدة، فهي الإنسان الهائل الممتد لأنها ترى بأعين كل أفرادها وتسمع بكل آذانهم وتفكر وتفقه بكل قلوبهم وتبطش بأعدائها بكل قواهم، ذلك لأن اتحاد مجموعة كبيرة من الأفراد في المنظومة الأمرية (منظومة القيم) يخلق من الأفراد الكثيرين المشتتين فردا واحدا بعيد المدى شديد القوى قادراً على الإنجاز، أما إذا كان السائد علي كل منهم منظومة ذاتية عشوائية فسيكون الناتج مجموعات متطاحنة مبددة الموارد مبعثرة القوى، ويمكن تشبيه أمر الأمة الفائقة بالليزر؛ إذ فيه يتم توحيد أعداد هائلة من الفوتونات فى الخواص لينتج هذا الشعاع الفريد المتسق المركز القادر علي النفاذ والإنجاز، والمنظومة الأمرية الراقية والفعالة هي التي تقوم بدور المحفز (Stimulus) أو المؤلف بين القلوب، وهذا يستلزم اتفاق كل أفراد الأمة علي مثل أعلي واحد يتأسَّى به الكل، فبقدر سمو هذا المثل الأعلى وصدقه ومصداقيته وبقدر تعظيم الناس لقَدْره وإيمانهم به يكون أثره التوحيدي أقوي، كما يجب الحرص على منظومة القيم الخاصة بالأمة ودعمها، والأدوات والأجهزة الناتجة من التقدم العلمي والتكنولوجي تؤدى أيضا إلي تعاظم قوى الأمة، فيضاعف جهاز الحاسب من إمكانات حافظتها وأدوات الاستشعار من مدى وإحاطة حواسها والمعدات العسكرية من قوتها، كذلك تقوم بعض الآليات الشرعية التي تتضمنها المنظومة الأمرية بجانب كبير من عمل المحفز كالشورى في الأمر والتي تعمل علي توحيد المنظومة، فهي تضاعف الثروة الأمرية والثقل الأمري مضاعفة شديدة بالإضافة إلي مضاعفة قدرات ملكات وحواس الإنسان الممتد الذي هو الأمة.
-------
إن الأمة ملزمة بالقيام بالأركان الواجبة عليها كأمة، فعليها أن تكون أمة واحدة أي علي قلب رجل واحد وأن تقدم لسائر الأمم المثل الأعلى فيكون لكل فرد فيها أسمي الحقوق؛ فالإنسان في الإسلام مقدس ومكرم من حيث هو إنسان، ومن كبائر الإثم كل ما يمس حقوقه الأساسية أو ما يحول بينه وبين مطالبه المشروعة، والأمة الخيرة تعلم أن الإنسان هو أثمن الثروات والموارد الطبيعية وهي تحسن الانتفاع بتلك الثروة، وعلي الأمة أن تمثل وتجسد للناس منظومة القيم الإسلامية وعليها أن تدعو الناس إلي دين الحق بالوسائل الشرعية المعلومة أي بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن وبتقديم المثل والأسوة الحسنة، ويجب لذلك استعمال كل ما يستجد من الوسائل، والأمة ملزمة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله عزَّ وجلَّ بالأموال والأنفس، فيجب عليها أن تتصدي لكل ظلم أو جور أو عدوان.
والأمة ملزمة بموجب الأركان الواجبة عليها بأن توفر لكل فرد فيها ما يكفل له العيش الكريم وتحقيق مقاصد الدين، لذلك فمن كبائر الإثم على مستوي الأمة عدم المبالاة بأمور الفرد.
------------
إن الحرص على وحدة جماعة المؤمنين لا يقتضي بالضرورة أن يتحولوا إلى قطيع ولا أن يُصبُّوا في قوالب متطابقة، ولكنهم ملزمون بألا يفرقوا دينهم وألا يكونوا شيعا وبأن يعتصموا بكتاب الله وأن يعقدوا العزم علي الالتزام بكل ما ورد فيه والعمل بمقتضياته، فلا يجوز أن يتفرقوا بسبب ما هو دونه من الآثار والآراء المذهبية والأحداث التاريخية، فوحدة الأمة تكون بوحدة المنظومة الأمرية (المعنوية) السائدة عليها والمسيرة لها؛ فهي وحدة المقاصد والقيم، وكيان الأمة يجب أن يكون من القوة بحيث يتحمل ويفيد من تنوع الآراء والاتجاهات ويستطيع استخلاص الأمثل والأفضل منها، وهذا يتضمن أن تكون كل عناصرها كياناً واحداً في مواجهة الآخرين وأن يتعاونوا علي البر والتقوى والدعوة إلى الخير والدفاع عن المستضعفين، ولزوم الجماعة لا يعني بالضرورة الخضوع المطلق لمن قهر الأمة بسيفه من المتسلطين الفاجرين كما يزعم أهل اللاسنة والأثريون، فالتمسك بالجماعة هو شعور وجداني ينبع من إحساس الإنسان بانتمائه إلى أمة واحدة وبأنه يمكن أن يعوِّل عليها وبأنها مسئولة عنه.
إن الله تعالى لم يأمر المسلمين بأن يكونوا قطيعاً من السوائم أو الأنعام يجلد ظهورهم ويأخذ مواردهم كل من يقهرهم بسيفه ويتسلط عليهم ولا حشدا من الببغاوات يرددون هتافات يلقيها أحدهم عليهم، وإنما أمرهم أن يكونوا أمة تعتصم به وبما أنزل إليهم أمة قوية عزيزة مرهوبة الجانب.
------------
إن النصر النهائي في الدنيا هو للمؤمنين؛ أي للجماعة المؤمنة، فلا يمكن عادة لفرد مؤمن واحد أن ينتصر في الدنيا، فلابد طبقا للسنن من وجود نصاب يعتد به من الذين آمنوا أي لابد من وجود أمة مؤمنة، ولقد بينت الآيات أدني نسبة لازمة ليتحقق النصر للفئة المؤمنة وهي أن تتمكن من حشد ولو جزء من عشرة أجزاء بالنسبة إلى ما لدى أعدائهم، والإمداد بالملائكة يعني إعمال نسق من القوانين غير مألوف للإنسان، ومن المعلوم أن كثيرا من الأمور أثناء القتال تكون ذات طبيعة عشوائية وقد تضاعف العوامل المناخية من عشوائية هذه الأمور، ولله وحده أن يوجه عمل تلك العوامل لصالح الفئة المؤمنة، فهذا يعني إدخال نوع من الانحياز المسبق في طبيعة تلك الأمور لصالح الفئة المؤمنة، هذا بالإضافة إلى العوامل المعنوية والتي تؤدي إلى ثبات وصمود الفئة المؤمنة وإلى قذف الرعب في قلوب الكافرين.
------------
إن الأمة هي جسد واحد مترابط الأعضاء والمكونات موحد القصد والاتجاه وهذا ما لا ينطبق الآن علي أي تجمع إسلامي في أي بلد، فكل تجمع الآن هو عبارة عن مجموعات متناحرة متمانعة متنافية متدافعة إقصائية لا يمكن أن يتعايشوا ولا يمكن أن يسود بينهم السلام، وإن من أوجب الواجبات الآن أن يتعلم المسلمون كيف يتعايشون مع بعضهم البعض وكيف يتعايشون مع الآخرين، والحق هو أنه لا يمكن تحقيق ذلك إلا بأمر مما يلي:
  1. إما أن يتخلى المسلمون عما يفرقهم وهذا يعني أن يتخلوا عن مذاهبهم، ولما كانت هذه المذاهب هي الدين لديهم فهذا سيفضي إلى تخليهم واقعيا عما يعتبرونه دينهم ولن يحتفظوا به إلا كمكوِّن ثقافي وتراث حضاري كما هو الحال في الغرب مثلا.
  2. وإما أن يتبعوا دين الحق الذي يتضمنه القرءان الكريم.
فإذا لم يتحقق هذا ولا ذاك فلا محيص من بقائهم حيارى مذبذبين متفرقين وعندها فمن الأفضل لهم الالتزام بنظام علماني قانوني صارم يحمي بعضهم من شر البعض الآخر ويحمي البشرية من شرهم جميعا.
------------
إنه علي كل مجموعة من المسلمين في كل بلد سواء أكانوا أقلية أو أكثرية أن يكونوا أمة واحدة وأن يعلموا أن معتنقي الأديان والمذاهب الأخرى هم شركاء في الديار والموارد أي في الوطن بلغة العصر الحديث، ولذلك عليهم أن يعاملوهم بما تقتضيه منظومة القيم الإسلامية أي أن يعاملوهم بالحسنى وأن يبروهم وأن يقسطوا إليهم وألا يبخسوهم أشياءهم وألا يحاولوا إكراههم أن يكونوا مسلمين وألا يتدخلوا في قوانينهم الخاصة بأحوالهم الشخصية إلا إذا طلبوا هم ذلك بمحض إرادتهم، ولكن لا يجوز أن يجاملهم المسلم علي حساب دينه أو أن يعطيهم الدنية من أمره أو أن يتولاهم من دون المسلمين.
=======

رقي الأمة
إن رقي الأمة يكون بتحقيق كل ما من شأنه أن يحقق مقاصد الدين العظمى، وهذا يستلزم زيادة ثروة الأمة البشرية فكل إنسان جديد هو ثروة حقيقية أسمى من كافة الثروات الأخرى، والأمة التي تنشد الرقي هي التي تعرف كيف تستثمر تلك الثروة وتنميها، كما يستلزم ذلك زيادة ثروة الأمة من الناحية القيمية والعلمية، ولا يكون ذلك بتكديس المعارف وإنما بالإفادة منها، والثروة تتضمن الجانبين الكمي والكيفي فليس لكل القيم والمعلومات نفس الوزن.
ورقى الأمة يستلزم:
1-          وجود منظومة قيم راقية، وأسمى تلك المنظومات هي المنظومة الأمرية الرحمانية؛ أي منظومة القيم والسنن الإسلامية.
2-          تفعيل تلك المنظومة بأن يعرفها كل الناس وأن يتشبعوا بها وأن يعملوا وفق مقتضياتها، وبذلك يتم حشد وتجميع وتركيز كل جهودهم بكافة صورها بطريقة إيجابية بناءة وتوجيهها إلى ما يحقق رقيهم وتقدمهم.
3-          معرفة مقاصد الدين العظمى وهي معرفة الله تعالى بأسمائه الحسنى وبناء وإعداد الإنسان الرباني الفائق وبناء الأمة الفائقة الداعية إلي الخير الآمرة بالمعروف الناهية عن المنكر.
4-          وجود الآليات اللازمة لتحقيق تلك المقاصد.
5-          التغلب على تأثير المنظومة الشيطانية وكذلك على سدنتها والمنتفعين بها.
6-          متانة البنيان النفسي لأفراد الأمة.
7-          متانة نسيج العلاقات الممكنة وأنماط التفاعلات بين مكونات الأمة.
ويجب القول بأنه بقدر علو المقاصد والغايات بقدر ما يرقى كيان الإنسان والأمة.

*******


هناك تعليق واحد: