الخميس، 20 أبريل 2017

سورة الزخرف 61

سورة الزخرف 61
وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ  *
إن كل ضمير لم يذكر ما يعود عليه في الآية أو في الآيات التي ورد في سياقها إنما يعود بصفة عامة علي القرءان خاصةً إذا ذُكر اسم من أسمائه في مطلعها، ومطلع سورة الزخرف هو {حم(1)وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ(2)إِنَّا جَعَلْنَاهُ قرءانا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ(3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ(4)} (الزخرف)، فالضمير في تلك الآية يعود علي الكتاب المبين، ويلاحظ أن كل الضمائر المذكورة في لفظ ( إنه) في تلك السورة تعود على الكتاب المبين أي القرءان، فالقرءان هو في أم الكتاب عليٌّ حكيم، وهو ذكر للرسول ولقومه، وهو علم للساعة، والمتحدث في هذه الآية هو الرسول، فهو يتحدث عن الكتاب الذي أرسله ربه به عن أمره وبإذنه، وهو -وليس غيره- المأمور في القرءان بأن يقول لقومه: "اتبعون".
ولقد تكرر استعمال هذا الأسلوب للدلالة على القرءان في نفس السورة: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ{4}، {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ{44}.
فلا مجال لليّ عنق الآية للقول بأن المقصود هاهنا هو المسيح عليه السلام، ثم التمادي للزعم بأن سيُبعث ثانية أو سينزل لإكمال الأمر ونشر السلام وتحقيق ما عجز عنه أكابر الرسل، والقرءان وهو المصدر الرئيس للعقيدة لم يصرح بأن السيد المسيح عليه السلام سينزل قبيل يوم القيامة ليقوض نواميس الكون وليفسد في الأرض ويكسر الصليب وليقتل الخنزير وليبيد اليهود والنصارى وليكون ذلك إيذانًا باقتراب الساعة، بل إن القرءان صرَّح في نصوص قطعية الدلالة بأن اليهود والنصارى باقون إلى يوم القيامة، كذلك صرح بأن الساعة ستأتيهم بغتة، ولو كان هذا النزول أمرًا هاماً أو لازما بحيث يجب على المسلمين الإيمان به لصرَّحت به الآيات ولفصَّلته، ولِمَ لا وقد تحدثت الآيات بإسهاب وتفصيل عن علامات للساعة هي أقل شأنا من أمور مهولة كهذه، ولو كان ما سيترتب على هذا النزول حقا لاحتجَّ به المسيح عليه السلام عند استجوابه يوم القيامة على رؤوس الأشهاد، بل إن شهادته في سورة المائدة تؤكد أن صلته بالنصارى قد انقطعت منذ أن توفاه الله تعالى، اقرءوا جيدا: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }المائدة117.
وقاعدة إعادة الضمير لأقرب مذكور ليست أصلا قاعدة قرءانية، وهذه حجة على من يقول إنه يجب إعادة الضمير إلى أقرب مذكور:
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9) الفتح
فالتسبيح يكون لله تعالى وحده!
ويجب العلم بأن العقائد الملزمة لا تؤخذ إلا من نصوص قطعية الثبوت لا من المرويات الظنية الآحادية المفتقرة في ذاتها إلي دليل يقطع بصحتها، والمرويات المتعلقة بنزول المسيح تتسم بتناقضها التام مع العقائد المنصوص عليها في الكتاب العزيز مثل عقيدة ختم النبوة ولزعمها أن المسيح سيقضي على حرية العقيدة ويبيد أهل الكتاب مع أن الله تعالى يأمر المسلمين بأن يبروهم ويقسطوا إليهم طالما لم يعتدوا على المسلمين ولم يخرجوهم من ديارهم، وهذه المرويات الظنية التي تتحدث عن نزول المسيح ليست إلا إعادة صياغة لما لدى أهل الكتاب فهي تعبر عن أمنية يهودية تلمودية لا ريب فيها، وسيبقى النصارى واليهود إلى يوم القيامة، كذلك سيبقى إلى ذلك الحين تسلط النصارى على اليهود وتفوقهم عليهم.
وآيات القرءان تنصّ نصًّا قطعي الدلالة على أن المسيح تُوفِّي مرة واحدة وليس مرتين أو أكثر، ولكن ما هي قيمة القرءان عند المحسوبين ظلمًا على الإسلام؟!
أما من كان ينتظره أهل الكتاب بل كل الأمم والذي سيأتي بقوة ولا يكون لدينه نهاية فلقد أتى ولكنهم لم يؤمنوا به حسدا من عند أنفسهم إذ لم يكن منهم، فالمنتظر بل خاتم المنتظرين هو النبي الخاتم والرسول الأعظم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ فليس ثمة من منتظر بعده بعد أن ختمت النبوة واكتمل الدين وتمت كلمة الله تعالى صدقا وعدلا وتم استخلاف الإنسان في الأرض، وقد ألزم الله تعالى الناس بالإيمان به، قال تعالى: {... وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)} الأعراف
ومن أسباب تآمر بن إسرائيل على المسيح عليه السلام إعلانه عليهم أنه ليس هذا النبي المنتظر وأنه إنما أتى ليخبرهم بانقضاء أمرهم وانتهاء الأفضلية على الأمم التي كانت لهم وأنه قد استبدل بهم غيرهم، وما بشرهم إلا باقتراب ظهور الإسلام يأتي به أحمد الخلائق، وإلا فما هي البشرى التي حملها إلى الناس؟ لقد ندد بهم ببني إسرائيل وأفعالهم وكهنوتهم بأقوى العبارات، وضرب لهم الأمثلة التي تبين قرب انقضاء أمرهم وتدمير مدينتهم المقدسة!
أما المسيحية السائدة الآن فالمسؤول عنها كما يسلم العلماء المعتد بهم الآن هو المجامع المسكونية Ecumenical Councels وبولس، فهو الذي صاغها كخلاصة ملفقة ومركزة لكل عقائد وأساطير ما تبقى من ديانات منطقة الشرق الأوسط القديمة بعدما أتيح لها التفاعل الحر في ظل الإمبراطوريتين الفارسية واليونانية، ولقد أصبحت تلك الديانة الملفقة أكثر قبولا لدى أهالي الحضارات التي فقدت مجدها القديم على أيدي الرومان مثل المصريين والسوريين واليونانيين ووجدت فيها الأيديولوجية التي يمكن بها تحدى جبروت هؤلاء والصمود لبطشهم، كذلك أصبحت أكثر قبولا لدى الفئات المضطهدة والمهمشة كالعبيد والنساء وانتشرت فيما بينهم كالنار في الهشيم، وذلك هو عين ما فطن إليه بولس وسعى إليه، فلقد تخلى عن معظم ما يربط هذا الدين بالدين الإسرائيلي القديم حتى يجعله أكثر قبولا لدى كل هؤلاء وحتى لا يشعر من يعتنقه بالغربة والأسى على تراث الأجداد، ولقد كان انتشار ديانة بولس هو السبب الرئيس الذي أدي بالفعل إلى تقويض بنيان الامبراطورية الرومانية، ومن الجدير بالذكر هنا أن الأعراب قد فعلوا تماماً عكس ما فعله بولس عندما جعلوا المرويات الظنية أصل الدين ومرجعه الأساسي وجعلوا لها الحكم والقضاء علي الكتاب، فبذلك فرضوا تقاليدهم وعاداتهم علي الدين وحولوه من ديانة عالمية إلي ديانة محلية وجعلوا من المسلمين في شتي أنحاء العالم نسخا مكررة من الناحية الشكلية من أسلافهم فجمدوا علي ذلك وتخلفوا عن ركب الحضارة.
*****
قال تعالى: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) وَقَالُوا أَآَلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (59) وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (62) وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63) إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (64) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (65) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (66) الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آَمَنُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (73) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74) لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76) وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78) أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80) قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81) سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85) وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87) وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ (88) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89)} الزخرف
يلاحظ أن الآية 85 تقول: {وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ}، فالذي عنده علم الساعة هو الله وحده، وهو لم يجعل من أحد من خلقه علمًا للساعة، أما الذي هو علم للساعة حقًّا فهو كتاب الله العلي الحكيم، وهذا العلم هو الذي يمكن لتلك الأمة بل لكل الأمم أن تنتفع به وأن تهتدي به، فهو لا يعني بالضرورة وقت حدوثها، والإنسان لا يعنيه أساسا إلا لحظة انقضاء أجله هو، ولم يوجد كتاب ولن يوجد كتاب قدَّم هذا العلم التفصيلي لأحداث ووقائع هذا اليوم العظيم، وفى تلك السورة بالذات (سورة الزخرف) فإن القرءان يقدم مزيدا من العلم بالساعة اعتبارا من رقم 66، والآية رقم 77 كافية لإلقاء الرعب في قلوب أشد الكافرين ضلالا وعتوا، وهى تقص على الناس صراخ المجرمين الذين هم في عذاب جهنم خالدون ومبلسون: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ(77)} (الزخرف: 77)، ولكن بسبب دسائس أهل الكتاب وبسبب ما تلقاه السلف الطالح من إلقاءات شيطانية صُرفت الآية رقم 61 عن دلالاتها الحقيقية ليستنطقوها بعقيدة أهل الكتاب، ولم يفلح هؤلاء الذين زعموا أن السيد المسيح هو علم للساعة في بيان فحوي هذا ودلالاته، فإن زعموا أن نزوله سيكون إيذانا باقتراب الساعة فإن الكتاب قد أعلن منذ البداية أنها قريبة! ونزوله لن يمنع الساعة من أن تأتيهم بغتة، بل هو يتناقض مع ذلك، وماذا عن كتاب الله تعالى بعد نزول المسيح؟؟ هل ستظل الآيات التي يزعمون أنها تتحدث عن أنه سينزل صحيحة؟؟!! إن نزوله سيجعلها في حكم المنسوخة!!!!!
وإذا كانوا يقصدون أنه علم للساعة بمعنى أن نزوله من علاماتها وأنها ستقوم من بعد نزوله بقليل، فما هي جدوى ذلك؟ كما أن علم الساعة أعظم وأكبر وأجل من مجرد معرفة متى ستكون، فإن قالوا إن المسيح خُلق بطريقة إعجازية مما يدل على حتمية الساعة، فحتمية وقوع الساعة هي مجرد أمر من أمورها، وليس ثمة علاقة ضرورية بين الدليل والمدلول، وكان من الأولى أن يعود آدم!! فمن تلك الحيثية فإن خلق آدم يفوق في تلك الدلالة خلق عيسى عليهما السلام، بيد أن كلا الأمرين لم يشهدهما أحد ولا يمكن إقامة حجة على الناس بأمر ليسوا على يقين منه أو بدليل يفتقر في ذاته إلي دليل، وربما كان إحياء الأرض الميتة بالماء أعظم دلالة على الساعة من خلق عيسي عليه السلام الذي يمكن للناس أن ينكروا ما ورد بخصوصه فهم لم يروه، وهذا هو ما حدث بالفعل، أما إحياء الأرض الميتة بالماء فهو معجزة متكررة يراها الناس وينتفعون بها، وتلك هي الآية الحقيقية التي ضربها الله سبحانه للناس.
واستعمال كلمة "علم" وهي مصدر أو اسم معنى إنما هو بدلا من اسم الفاعل "مُعلم"، وذلك على سبيل التأكيد والمبالغة كما هو معلوم.
ويجب العلم بأن قاعدة إعادة الضمير إلى أقرب مذكور هي قاعدة نحوية اشتقها الناس من الشعر الجاهلي وغيره ولا تلزم القرءان في شيء، فهي قاعدة غير قرءانية، وأكثر الضمائر التي تعود على غير مذكور في القرءان تعود على القرءان نفسه، خاصة إذا بدأت السورة بالحديث عنه كما هو الحال في هذه السورة.
إن علم الساعة لا يعني وقت مجيئها، فالقرءان حسم الأمر وقال إنها لن تأتي إلا بغتة، وقولهم بأن المسيح علم للساعة بمعنى أنه علامة على قرب مجيئها ليس عليه أي دليل، وهو لا يعني المسلمين في شيء، فالمسلم قد ربَّاه ربه على ألا يسأل عن وقت مجيء الساعة بل على أن يقوم بما هو واجب عليه في وقته، والشخص لا يكون عِلْمًا، وإذا كان المقصود المبالغة بالقول بأن علم الساعة متحقق في المسيح فهذا القول لا يعني المسلم في شيء فهو لا يأخذ العلم ذا المصداقية عن الساعة إلا من القرءان الكريم، وبافتراض أن المسيح هو علمٌ للساعة، فهذا لا يعني بالضرورة أنه سينزل من مكانه المفترض (بجوار ربه كما يظنون) إلى الأرض، فقد يكون ما قام به من إحياء الموتى إشارة إلى إمكانية البعث مثلا، والمروية تقول إنه بعد نزوله لن يبقى إلا المسلمين، والقرءان يقول إن اليهود والنصارى باقون إلى يوم القيامة، فلابد من مرور زمن كبير ليرتد بعض هؤلاء المسلمين إلى اليهودية أو النصرانية!!! وبذلك ينتفي كون المسيح علما للساعة على تفسيرهم ويتبين تهافته!!! وفي كل الأحوال: لمن سيكون المسيح علمًا للساعة؟ وفقا لكلامهم لن يكون علما للساعة إلا لمن سينزل عليهم فقط!! ولكن ما هو علمٌ للساعة مذكور في جملة اسمية مؤكدة والقائل {وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيم} هنا هو الله أو رسوله، والخطاب هو لكل الناس وليس لمن سينزل عليهم المسيح فقط!!!
وما هو مصير مثل هذه الآيات من بعد نزول المسيح؟ حسب كلامهم فإنه لن يبقى بعد موته إلا المسلمون لأنه سيقاتل الناس على الإسلام، ولن يقبل منهم ما يسمونه بالجزية مقابل تركهم على دياناتهم، ولكن القرءان يقول بأن اليهود والنصارى باقون إلى يوم القيامة، فمتى سيرتد المسلمون الذين تركهم المسيح؟ وما هي إذًا جدوى أن المسيح نزل ليكون علمًا للساعة؟ وإذا كان يوجد في القرءان آيات تقول -حسب كلامهم- بأن المسيح سينزل، فما هو مصيرها بعد أن ينزل بالفعل؟ ومن الواضح جدًّا أن الآية لا يمكن اعتبارها نصًّا قطعي الدلالة على نزول المسيح، والعقائد لا تؤخذ من شبهات الناس وتأويلاتهم، والخلاصة أن علم الساعة عند الله وأن القرءان هو علمٌ للساعة لمتبع دين الحق، وهذا المؤمن لا يعلم عن المسيح إلا ما ذكره الله تعالى في كتابه عنه، وخلاصته أنه كان نبيا كريما مرسلا إلى بني إسرائيل وحدهم من دون الناس، وأنه كان مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيه مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِه اسْمُهُ أَحْمَدُ.

*******

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق