الثلاثاء، 30 ديسمبر 2014

المولد النبوي الشريف

المولد النبوي الشريف

إن من أركان دين الحق العملَ على إقامة صلة وثيقة بالنبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، وهذا يقتضي الإيمان بأنه خاتم النبيين ورسول الله إلى الناس كافة والمرسل رحمة للعالمين، كما يقتضي تعظيمَ قدره وتوقيرَه والصلاة والتسليم عليه وطاعتَه والتأسِّيَ به وكذلك الإيمان بأنه جاء بالرسالة الكاملة التامة المتممة وبدين الحق والعمل بمقتضى ذلك.
إن الإيمان بأن سيدنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ هو رسول الله وخاتم النبيين وتعظيم قدره هو من أهم أركان دين الحق، وهو الحد الفاصل بين من يرجى لهم الخير وبين المغضوب عليهم والمنافقين، ومن كان في قلبه غل دفين له سيدفعه ذلك إلى إنكار كل فضيلة ممكنة له، فمن كان كذلك فلينتظر سوء العاقبة.
إن تعظيم قدر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ بكثرة الصلاة والتسليم عليه وكذلك بحسن الثناء عليه وإبداء أسمي آيات الحب تجاهه والتمسك بالكتاب الذي أرسل به هو خير رد على عملاء الشيطان وعلى الجبت والطاغوت الذين عملوا على النيل منه، ولكن للأسف إن هؤلاء وجدوا دائما في مرويات عبيد الأسلاف المادة التي يستخدمونها كسلاح ضد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ وضد الإسلام.
إن الصلاة على النبي تتضمن العمل على توثيق الصلة به، والصلاة اللفظية بتركيز وحضور ذهن هي من وسائل ذلك، والطلب من الله تعالى أن يصلي هو على النبي مع أنه هو يفعل ذلك كما قال في كتابه هو إقرار من الإنسان بالعجز عن القيام بمقتضيات الأمر الإلهي، فهو من القيام بهذه الصلاة.
أما التسليم على النبي فهو قيام بحقه كعبد مصطفى اصطفاه الله تعالى لنفسه، وهو تعهد من المسلِّم بأن يكون سلَماً له.
ولقد زعم السلفية وبعض المجتهدين الجدد أن الاحتفال بالمولد النبوي ليس من الدين في شيء وتربَّصوا شرا بكل من أظهر سروراً بمقدم هذا اليوم الكريم، وفى الحقيقة أن البشرية قد فُطرت على الاعتراف بالجميل لكل من أسدى إليها معروفا ولكل من حقق لها إنجازات عظيمة كما أنها فطرت على الإعجاب بالبطولة والتأسي بالأبطال والتغني بسيرتهم، والإسلام هو دين الفطرة، ومازالت كل جماعة من الناس أو أمة من الأمم تحيي ذكرى أبطالها وعظمائها كوسيلةٍ من وسائل تربية أبنائها، ففي دول أوروبا مثلا يتبارى الكتاب والأدباء في تناول سيرتهم وصياغتِها بما يشحذ الهمم ويلهب الخيال ويربى النشء كما ينتهزون كل فرصة لإحياء ذكراهم، ولذلك فلا أقل من أن تحيي الأمة الإسلامية ذكرى قائدها العظيم سيدنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ بشتى السبل، إن الاحتفال بكل ما يتعلق به من أيام وذكريات هو من الوسائل اللازمة لذلك، ونفع ذلك إنما يعود على تلك الأمة لا عليه هو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، وهذا الاحتفال ليس إلا التزاما بالأمر الإلهي بتوقيره واحترامه وعرفان قدره وفضله والصلاة عليه، وكل ذلك من لوازم ركن ديني ركين.
إن هذا النبي العظيم والرسول الكريم هو الذي أخرج تلك الأمة من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد، فالاحتفال به هو من باب عرفان الفضل لأهله، والمسلمون بهذا الاحتفال لا يقترفون أمرا منهياً عنه ولا يؤلهون نبيهم ولا يتخذونه رباً من دون الله تعالى، فإن قيل إن في ذلك تشبها بالنصارى الذين يحتفلون بميلاد المسيح عليه السلام فإن هذا القول ليس بحجة فثمة فرقان هائل ومعلوم بين طبيعة الاحتفالين، كما أن تشابه الأمم في بعض الأمور لا يعنى بالضرورة بطلان تلك الأمور، فالمسيحية مثلا تأمر بالرحمة وتحث عليها فهل يعنى ذلك أنه ينبغي ألا يتصف المسلمون بتلك الصفة الكريمة حتى لا يتشبهوا بالنصارى؟ ألم يثن الله تعالى على من اتبعوا المسيح عليه السلام لاتصافهم بالرحمة والمودة؟ لقد سبق القول بأن الإعجاب بالعظماء والاحتفال بهم والتأسي بهم هو فطرة بشرية أصيلة لا سبيل إلى دفعها أو كبتها وإنما يمكن حسنُ توجهيها وإلا فإن المسلمين إن لم يحتفلوا برسولهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ فسيحتفلون قطعاً بمن هم من دونه وبمن لا يساوون التراب الذي وطأته قدماه، أليس الاحتفال بذكراه العطرة هو أمر يمكن أن يوحد تلك الأمة؟
والذين يتصدون للاحتفال بالمولد النبوي بحجة أنه لم يرد به أي أمر قرءاني هم يجهلون مقتضى وفحوى آيات قرءانية عديدة ولا يعلمون شيئا عن المنهج القرءاني ويطالبون القرءان بأن ينزل إلى مستواهم الصبياني في الصياغة.
ويقول عبيد السلف: "ولكن (الصحابة) كانوا أدرى بمكانة النبي وبقدره، ولم يحتفلوا بمولده"، وهؤلاء العبيد يتصورون أن كل ما هو منسوب إلى (الصحابة) هو من عناصر هذا الدين وأنه يجب ألا يفعل المؤمن إلا ما فعلوا وأن يمتنع عن فعل ما لم يفعلوه! وهذا وهم واضح البطلان.
أما ما قد يصاحب هذا الاحتفال من أمور مخالفة لأصول الدين فيجب على من عرفها أن ينكرها وأن يعمل على تغييرها بالوسائل الشرعية المعلومة لا أن يطالب بإبطال الاحتفال وإلا لكان على كل إنسان أن يتجنب كل أمر طيب خوفاً من أن يدس فيه شيء من الضلال، أما ما يسمى بقاعدة سد الذرائع فهي ليست بأصل شرعي وإنما هي قاعدة اجتهادية يجوز لأولي الأمر إعمالها للأمر والنهي ولكن لا يجوز لهم استخدامها لاستحداث أوامر تكتسب صفة دينية مثل التحليل أو التحريم، وعلى كل من يريد الإصلاح أن يتحلى بالرحمة وأن يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة وبالجدال بالتي هي أحسن وألا يبادر إلى تكفير الناس ورميهم بشر ما في جعبته من التهم البشعة وأن يتحلى ولو بالنزر اليسير من الخلق الرفيع وألا يوقع بنفسه في أكبر الكبائر هربا من الوقوع في الصغائر.
إن الاحتفال بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ هو فرصة لإحياء القيم والمبادئ والمثل والأخلاق التي جسدها هو وأظهرها للناس بسيرته وأقواله وأفعاله، إن حاجة الإنسان إلى التقليد والتأسي والاتباع هي أمر فطرى فيه لابد من إشباعه، والإنسان في مرحلة الشباب إذا لم يتبع أعلام الهدى فسيتبع عبيد الباطل وبدلاً من أن يتأسى بأبطال الإسلام العظام فسيتأسى بمن هم أَضل من الدواب والحشرات والهوام، إن الاحتفال بمن جسدوا القيم والمبادئ والمثل العليا هو وسيلة مجربة ومضمونه لتزكية أنفس الخاصة والعامة على السواء ولشغلهم بالحق منعا من اشتغالهم بالباطل، فإن قيل إن السلف الصالح لم يحتفلوا بهذا اليوم فالجواب هو أن احتفالهم بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ لم يكن في يوم واحد بل كان في كل يوم إذ كانوا يجتمعون لتدارس سيرته وأقواله وأفعاله وكان كل ذلك يشكل البيئة الثقافية التي يتربى فيها أبناؤهم.
وختاما يجب القول بأن المسلم مأمور بأن يحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ أكثر من نفسه وأهله، وسيظل خيرة المسلمين إلى يوم الدين يبدعون ويتفننون في التعبير عن حبهم لرسولهم الكريم وعن إجلالهم لقدرة العظيم مهما حاول أن يصدهم عن ذلك الكارهون الشانئون.



هناك 5 تعليقات:

  1. إن الاحتفال بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ هو فرصة لإحياء القيم والمبادئ والمثل والأخلاق التي جسدها هو وأظهرها للناس بسيرته وأقواله وأفعاله، إن حاجة الإنسان إلى التقليد والتأسي والاتباع هي أمر فطرى فيه لابد من إشباعه، والإنسان في مرحلة الشباب إذا لم يتبع أعلام الهدى فسيتبع عبيد الباطل وبدلاً من أن يتأسى بأبطال الإسلام العظام فسيتأسى بمن هم أَضل من الدواب والحشرات والهوام، إن الاحتفال بمن جسدوا القيم والمبادئ والمثل العليا هو وسيلة مجربة ومضمونه لتزكية أنفس الخاصة والعامة على السواء ولشغلهم بالحق منعا من اشتغالهم بالباطل، فإن قيل إن السلف الصالح لم يحتفلوا بهذا اليوم فالجواب هو أن احتفالهم بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ لم يكن في يوم واحد بل كان في كل يوم إذ كانوا يجتمعون لتدارس سيرته وأقواله وأفعاله وكان كل ذلك يشكل البيئة الثقافية التي يتربى فيها أبناؤهم.

    ردحذف
  2. صلاة الله وسلامه عليك يا خير الأنام وخاتم اﻷنبياء..

    ردحذف
  3. آللهم صل على محمد و على آل محمد

    ردحذف
  4. صل الله عليه وآله وسلم❤️

    ردحذف
  5. عليه الصلاة والسلام
    مقال رائع

    ردحذف