مصادر دين الحقّ
مصادر الدين هي التي تتضمن
عناصره وعلومه وأموره، أحكامه؛ الشرعية والتشريعية، أي كل ما يجب العلم به كعنصر
ديني، والإيمان به، والعمل بمقتضاه.
أولا:
كتاب الله؛ أي القرءان، هو المصدر
المستقل الأوحد للدين، ولا يجوز أن يُقرن به أي مصدر آخر، ولا أن يُذكر معه في نظم
واحد، فكما تعالى الخالق على خلقه كذلك علا كتابه على كل المصادر الأخرى، وأي مصدر
آخر إنما هو لخدمته، ويظل للقرءان الهيمنة المطلقة عليه.
واستخلاص عناصر الدين من
القرءان يتم وفق منهج قرءاني منطقي صارم، يتضمنه علم أمور الدين، ومن أسسه:
1. القرءان هو المصدر الأوحد لأمور الدين الكبرى، والمصدر
الأعلى لأمور الدين الثانوية، والميزان من الأمور الكبرى، فهو في القرءان، فمنه
يعرف وزن كل أمر، والأمور الكبرى هي التي أعطاها القرءان وزنًا عظيما، أما ما لم
يذكره القرءان فليس بشيء، ولا يجوز فرضه على الناس كعنصر ديني.
2. لكل آيات القرءان كامل المصداقية والحجية، فهي تتكامل
ويصدق بعضها بعضا، توجد في القرءان آيات متشابهات تُرد إلى آياته المحكمات، ولكن
لا توجد فيه آيات منسوخات، والقول بأن آية قرءانية منسوخة هو من الكفر ببعض كتاب
الله.
ثانيا:
مصادر الدين الأخرى
مصادر الدين الأخرى هي من
أمور الدين الكبرى، ولذلك يجب أن يكون لها ذكر فيه، فهي
إنما تستمد شرعيتها مما ذكره كتاب الله عنها، أما ما لم يذكره من مصادر ذكرًا
صريحًا فليست بشيء.
1.
السنة النبوية
العملية
السنة النبوية العملية هي عين عمل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ
وَسَلَّمَ بمقتضي الأوامر القرءانية بحيث صار ذلك العمل سلوكا
لازما له عُرِف وتواتر عنه، ومن السنة النبوية العملية ملة إبراهيم المذكورة في
القرءان الكريم، مثل إقامة الصلاة والصيام وحج البيت وسنن الفطرة، والرسول مأمور
باتباع هذه الملة في القرءان، وقد تلقاها الرسول وحيًا من ربه.
2. الأقوال المنسوبة إلى الرسول
يجب أولًا التأكيد على أن للكتاب
العزيز الهيمنة على كل ما هو دونه من المصادر وكلها لا تستمد مصداقيتها ولا
شرعيتها إلا منه، والأقوال المنسوبة إلى الرسول ليست هي سنته، وإنما هي أقوال
احتمال نسبتها إليه بالغ الضآلة، ولذلك لابد من قرينة إضافية ليمكن الأخذ بأي قولٍ
منها، وذلك بأن تكون متسقة اتساقًا مطلقًا مع عناصر الدين المستخلص من القرءان،
ولذلك يجب رفض أي مروية تتعارض مع أي عنصر قرءاني.
3.
السنن الإلهية
الكونية
أساس الدين ومقصده الأعظم هو العلم بالله وبأسمائه
الحسنى وأفعاله، وكل علمٍ بسنة إلهية كونية هو طريق إلى العلم بذلك، وهو علمٍ
بأسلوب الله في الخلق والتدبير وتصريف الأمور، وعلى سبيل المثال تحسن إدراك
الإنسان لكثير من الآيات المتشابهات بعد إدراك نسبية الزمان والمكان، وقوانين
ميكانيكا الكم..
4.
الكتب الإلهية
المنزلة
ما لدى أهل الكتاب هو من آثار الكتب الإلهية المنزلة
التي يجب الإيمان بها، لذلك فحكمها حكم المرويات، للقرءان الهيمنة المطلقة عليها،
ولا يؤحذ منها إلا ما هو متسق معه اتساقًا مطلقا.
وهناك أمور أخرى زعموا أنها مصادر
للتشريع الديني، وقبل الحديث عتها يلزم بيان بعض المصطلحات:
1.
أولو الأمر: هم
المؤهلون التأهيل اللازم في أي أمر من
أمور الحياة البشرية، فهم المؤهلون تأهيلا عاليا في العلوم الاجتماعية والإنسانية
والعلوم الطبيعية والتطبيقية، ومن ذلك كل فروع الهندسة والطب ... الخ، بالإضافة
إلى علمٍ كافٍ بدين الحق، ولديهم الثقافة اللازمة للعصر.
2.
أركان الدين
المفتوحة، هناك أركان يتطور تعريف عناصرها ومصاديقها مع مضي الزمن واطّراد التقدم
مثل إيتاء الزكاة والإنفاق في سبيل الله والعمل الصالح، فيلزم، مثلا، للقيام بركن
إيتاء الزكاة تعريف ما يلي: الفقير، المسكين، المؤلفة قلوبهم، نصاب الزكاة، ما
يلزم فيه إيتاء الزكاة، نسبة الزكاة .... الخ، فالفقير في دولة أفريقية فقيرة ليس
كالفقير في دولة غربية غنية مثلا.
3.
الشورى، وهي
تبادل الآراء بين أولي الأمر للتوصل إلى القرار الأمثل في أي مسألة.
ولذلك فهناك أصول للتشريع قالوا بها،
ويغني عنها العمل بأوامر القرءان، وخاصة الأوامر المفتوحة، وكذلك إعمال الشورى بين
أولي الأمر، ومنها المصلحة المرسلة، سد الذرائع، العُـرف الاجتماعي، الاستصحاب، القياس،
الاستحسان.
أما الإجماع، فلا
أصل ولا معنى له.
وبعض المذاهب يقول بأن العقل مصدر من مصادر الدين أو التشريع،
وبعضهم يقدمونه على القرءان، والحقّ أن العقل، أو بالأحرى ملكات الإنسان الذهنية،
أداة لفقه وعقل مصادر الدين، وهناك فرق هائل بين المصدر وبين أداة فقهه وفهمه، فلا
يجوز أن يُدرجا في نظم واحد بمثل ما أنه لا يجوز إضافة وحدة زمن إلى وحدة وزن
مثلا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق