الاثنين، 14 أغسطس 2017

آيتا سورة البقرة 240 و234

آيتا سورة البقرة 240 و234

قال تعالى:
وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ{240} البقرة
وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجا أوصى الله تعالى لهن أن يتمتعن عاما كاملا في بيت الزوجية، ولا يحق لأقارب الزوج ولا لأية سلطة أخرى إخراج الزوجة من بيت الزوجية (سواء أكان البيت مملوكا للزوج أو مؤجَّرا)، ولكن لا يأثم أحد إذا خرجت هي من تلقاء نفسها، ولا يأثم أحد فيما يختص بما تختاره لنفسها مما استقرت عليه الأعراف، فالكلام موجه إلى أقارب الزوج وذويه، ولقد اقتضى الأمر ختم الآية بالاسم المهيب "العَزِيز الحَكِيم"، ذلك لأنه كان معلوما أن تلك الحقوق المقررة للمرأة ستكون من أوائل الأحكام الدينية التي سيتم تجاهلها بسبب غلبة التقاليد الأعرابية ثم الشرقية بصفة عامة على القرون الإسلامية الأولى.
ولقد زعم بعض المضلين أن هذه الآية منسوخة بآية سابقة عليها، هي: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} البقرة234.
والحق هو أنه لا يوجد أي اختلاف أو تعارض بين الآيتين، فالكلام هاهنا موجه إلى المرأة، وليس إلى أقارب الزوج، فالمرأة التي توفي عنها زوجها ملزمة بأن تتَرَبَّصَ بِنفسِها أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرا ولها مع ذلك حق المتاع والبقاء في بيت الزوجية مدة حول كما تقول الآية 240، فَإِذَا بَلَغت أَجَلَها (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرا) فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْها فِيمَا فَعَلت فِي نفسِها بِالْمَعْرُوفِ، فمن حقها أن تخرج بعد انقضاء الأجل؛ فلا إشكال ولا اختلاف.
فالتربص بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا شيء والمتاع إلى الحول والبقاء في منزل الزوجية شيء آخر، ولكل منهما مقصده! لا اختلاف في القرءان، ذلك ظن الذين كفروا! ومن قال بأن إحدى الآيتين تنسخ الأخرى يكون قد كفر بالاسم الإلهي الذي حصًّن الله تعالى به الآية!
فالتربص يعني أن عليهن أن ينتظرن انقضاء عدتهن فيحبسن أنفسهن عن الزواج وعن التزين وعن التعرض للخطاب مدة أربعة أشهر وعشر ليال، وفاء لحق الزوج المتوفى، واستبراءً للرحم.
والأمر بالوصية عند التوفي يعني أنه على المسلم قبل أن يحضره الموت أن يوصى لزوجته التي على قيد الحياة بما تنتفع به انتفاعا مستمرا لمدة حول من وفاته، ولا يصح أن يخرجها أحد من مسكن الزوجية.
فلا يصح لورثة المتوَفَّى أن يخرجوهن من مسكن الزوجية بغير رضاهن، لأن بقاءهن في مسكن الزوجية حق شرعه الله لهن، فلا يجوز لأحد أن يسلبه منهن بغير رضاهن.
وهي مخيرة بين السكنى في بيته حولا ولها النفقة، وبين أن تخرج منه ولا نفقة لها.
 ولا تتحدث الآية الثانية عن عدة المتوفى عنها زوجها وإنما تتحدث عن حقها في البقاء في منزل الزوجية بعد وفاة زوجها، وتقرر أن هذا الحق ثابت لها فإن شاءت بقيت فيه، وإن شاءت خرجت منه على حسب ما نراه مصلحة لها، ولأنها لا يوجد من ألفاظها أو معانيها ما يلزم المرأة بالتربص والامتناع عن الأزواج مدة معينة.
أما الآية الأولى فنراها واضحة في الأمر بالتربص أربعة أشهر وعشرا، وهي العدة التي يجب أن تمتنع فيها المرأة التي مات عنها زوجها عن التزين والتعرض للزواج. إذًا فلا تعارض بين الآيتين.
فثمة فرق هائل بين أمرٍ موجه للزوج بأن يكتب وصية بألا تُخرج أرملته من بيت الزوجية لمدة عام مع توصية لها بما يلزم من متاع من ناحية وبين أمر موجه إلى الأرملة لتتربص بنفسها مدة كافية قبل أن تتزوج مرة ثانية من ناحية أخرى! وكل آية محصنة باسم إلهي لكيلا يتم إلغاء أي حكم من الحكمين، فقد كان العرب لا يريدون أن تنال المرأة أية حقوق!
وليس المقصود بألا تخرج حبسها في منزل الزوجية، ولكن ضمان حقها فيه طوال المدة المذكورة!
ويجب العلم بأنه لم يكن للأرمل عند العرب أية حقوق وكان أقارب الزوج يطردونها ويستولون على كل ما هو لها.
وللمرأة أن تخرج قبل عام بإرادتها.
أما إذا كانت ترغب في الزواج فيجب أن تتربص التربص المذكور حتى لو خرجت.
فالتربص بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا شيء والمتاع إلى الحول والبقاء في منزل الزوجية شيء آخر، ولكل منهما مقصده! لا اختلاف في القرءان، ذلك ظن الذين كفروا! ومن قال بأن إحدى الآيتين تنسخ الأخرى يكون قد كفر بالاسم الإلهي الذي حصًّن الله تعالى به الآية!
بصياغة أكثر اختصارا:
فرق هائل بين أمر موجه للزوج بأن يكتب وصية بألا تُخرج أرملته من بيت الزوجية لمدة عام مع توصية لها بما يلزم من متاع وبين أمر موجه إلى الأرملة لتتربص بنفسها مدة كافية قبل أن تتزوج مرة ثانية! وكل آية محصَّنة باسم إلهي لكيلا يتم إلغاء أي حكم من الحكمين، فقد كان العرب لا يريدون أن تنال المرأة أية حقوق! هذا ولا يوجد أي تناقض بين الآيتين أصلا، والمطالب بتنفيذ الحكم في إحدى الآيتين غير المطالب به في الأخرى؛ إن قدرة عبيد النسخ على التخريف لا حدَّ لها.

*******

هناك تعليق واحد: