الأربعاء، 16 أغسطس 2017

لا يجوز نكاح الكتابي لمسلمة

لا يجوز نكاح الكتابي لمسلمة

لا يجوز زواج المسلمة من الكتابي لما يلي:
a.      الأصل في دماء الناس وأعراضهم وأموالهم الحرمة، وليس الإباحة، فالأصل في الفروج الحرمة، فهي لا تثبت إلا بنص قطعي الثبوت والدلالة، ولا وجود لنصٍّ كهذا.
b.      لذلك فمن يزعم أنه يجوز زواج المسلمة بغير مسلم هو المطالب بإحضار نصّ قطعي الدلالة بقول بذلك، فالإباحة في مثل هذه الأمور هي التي تحتاج إلى دليل، ولا دليل.
c.      الكتابي (بالذات) لا يعترف بدين المسلمة ولا بكتابه ولا برسوله أصلا، هذا في حين أنها هي تعترف بدينه وبكتابه وبنبي دينه، ولا يمكن في أكثر الأحيان لشخص نشأ على اعتبار الإسلام هرطقة أو كفرا وربما تشرب بكراهيته، وهو في كل الأحوال لا يعترف به كدين كاليهودية مثلا، أن يعامل المسلمين معاملة سوية مهما زعم الحيادية والموضوعية.
d.      القرءان يجعل للرجل حق القوامة على النساء في الأسرة، فمن تتزوج الكتابي ستجد نفسها في معضلة مستمرة معه.
e.      دفع الضرر مقدم على جلب المصلحة.
ويقولون إن المعول هو على علاقة الحب بين الرجل وبين المرأة، الواقع يكذب كل هذه المزاعم الرومانسية، أفلام هوليود شيء، والواقع شيء آخر، وكل الناس يعلمون أن هذا الشعور سرعان ما يتبخر، إلا في حالات استثنائية نادرة، لا يمكن الاحتجاج بها، وكم من كوارث كبرى تسبب فيها التعلق بالأوهام، والضحية دائمًا تكون هي المرأة لأسباب معلومة.
*******
قلنا إن الأصل في دماء الناس وأعراضهم وأموالهم الحرمة، وليس الإباحة، وأن تحليل الفروج هو لذلك الذي يحتاج إلى نص صريح.
فهبّت الأبواق الجوفاء هبة خنزيرٍ واحد، وقالوا: الأصل في الأشياء الإباحة!
وقول هؤلاء أن الأصل في الأشياء الإباحة يعني أن أمهاتهم وأزواجهم وبناتهم مباحة للناس كافة! هذا فضلا عن دمائهم وأموالهم! إذا كان تحريم أمك عليك كان لوجود نصّ، فهي غير محرمة على غيرك ولو بدون نكاح، فلا يوجد نص يحرمها عليه.
وهم بذلك يثبتون أَنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَسْمَعُونَ ولا يَعْقِلُونَ، وإِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا.
يجب العلم بأن القرءان يخاطب أقوامًا يفقهون ويعقلون.
إنه يجب العلم بأن هناك تحريمان على الرجل في هذا الشأن:
فروج الغير محرمة عليه بالحرمة الأصلية.
ويحرم عليه نتيجة الصلات الأصلية والحادثة نكاح بعض النساء.
*******
قال تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (22) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23) وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24) وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25)} النساء
الآيات تتحدث عن تحريم نكاح فئات معينة من النساء وتحليل نكاح أخريات، فهي لا تتعارض مع الحرمة الأصلية للفروج، الأصل في الفروج الحرمة، والآيات تتضمن تحريما إضافيا خاصًّا بالنكاح.
فالآيات هي لتبيين الفئات التي يحرم نكاحها، ولتبيين تراتبية الفئات (التاريخية) من حيث التحريم، فأحدث تحريم هو تحريم نكاح أختين معًا، أي تحريم الجمع بينهما في النكاح، فمن كان متزوجًا بامرأة يحرم عليه أن يتزوج أختها، ومن بعد ذلك استعملت الآيات لفظ "التحليل" لكل ما هو دون ذلك بشرط الإحصان وغير المسافحة، فالتحليل هو تحليل النكاح، فالتحليل يكون بنكاح شرعي فقط، ويجب أن تكون الفئة التي يحل نكاحها منصوصًا عليها.
مثال: أخت أحد الأشخاص محرَّم فرجها عليه بالحرمة الأصلية، ومحرَّم عليه أيضًا نكاحها بالنصّ، بينما يكون فرجها محرما بالحرمة الأصلية على غيره، أما نكاحها فليس محرما على غيره إلا إذا كانت تندرج تحت إحدى الفئات المذكورة، كأن تكون أختًا من الرضاعة لهذا الغير.
وبالطبع حدث تدرج في تطبيق الأحكام إلى أن اكتمل الدين، والموجود في القرءان هو الآيات الراسخة الملزمة للناس، فالموقف الآن: الأصل في الفروج الحرمة، فالتحليل من وراء الفئات المذكورة يكون بنكاح شرعي فقط، ولا أدري كيف يمكن أن يجادل أحد في ذلك؟!
ولمزيد من التوضيح:
كل الفروج حرام، هناك فروج يمكن أن تحلل بالنكاح، وهناك فروج لا يمكن أن تحلل أبدا بالنسبة لرجل معين، من يجوز نكاحهن يجب أن يرد بهن نصٌّ شرعي صريح بالتحليل.
أما التراتبية التاريخية للنساء التي يحرم نكاحهن فتتضح من بيان أن الجمع بين الأختين في النكاح لم يكن محرَّمًا في شريعة إبراهيم عليه السلام، فيعقوب عليه السلام جمع بين الأختين ليئة وراحيل ابنتي لابان، فالتحريم حدث في شريعة القرءان، فهذا من آخر ما تمَّ تحريمه.
*******
إن الناس لم يستطيعوا التمييز بين أمرين: حرمة الفروج، وهي حرمة عامة، ومسألة من يحل نكاحهن، فالنكاح وسيلة لتحليل فروج فئات محددة من النساء هي بخلاف الفئات المحرمة: العفيفات من نساء المسلمين بعد إتيانهن أجورهن، العفيفات من أهل الكتاب بعد إتيانهن أجورهن، الفتيات (الإماء) بعد إتيانهن أجورهن وأخذ الإذن من أهلهنّ، وهذا يتضمن أنه ليس من حق أهلهن استباحة فروجهن.
*******
إن الأصل في الفروج الحرمة، وهي لا تحل إلا بنكاح شرعي، وهنا يتبين أنه هناك أيضًا من يحرم نكاحهن من فئات النساء، وهنا لابد من النص على من يحرم نكاحهن، فقد شهد هذا الأمر تغيرًا من شريعة إلى شريعة إلى أن اكتمل التحريم، فالجمع بين الأختين في النكاح لم يكن محرَّمًا في شريعة إبراهيم عليه السلام، وتمَّ تحريمه في الإسلام.
ولأن الأصل في الفروج الحرمة، فإنه كان لابد من النص على فئات النساء التي يمكن نكاحهن؛ أي اللاتي أحلت للنكاح بشروطه، وهنّ: العفيفات من نساء المسلمين بعد إتيانهن أجورهن، العفيفات من أهل الكتاب بعد إتيانهن أجورهن، الفتيات (الإماء) بعد إتيانهن أجورهن وأخذ الإذن من أهلهنّ، قال تعالى:
{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين} [المائدة:5]، {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيم}[النساء:25].
*******
الناس لم يستطيعوا التمييز بين حرمة الفروج كأمرٍ ثابت وأساسي مثل حرمة الدماء وحرمة الأموال، وبين تحريم نكاح بعض فئات النساء، فظنوا أن تحريم فروج كل نوع من النساء هو الذي يحتاج إلى نصّ! تحليل الفروج وتحليل النكاح هو الذي لابد له من نصّ.
*******
قال تعالى: {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)} البقرة
إنه محرَّم على المسلمين أن ينكحوا المشركات أو أن يُنكِحوا المشرِكين، والمقصود بالمشركين المشركون بالمعنى الاصطلاحي، وهم بالنسبة للقرن الأول هو من لم يؤمن من العرب والأعراب؛ فهم من اتخذوا الأوثان أربابا، وكانوا بذلك في حالة حرب مع الرسول والأمة المؤمنة، فقوم الرسول ملزمون بالإيمان به من بعد أن جاءهم بالبينات، وتلك هي سنة الله في خلقه، فإن لم يفعلوا وجب قتالهم حتى يذعنوا، وليس المراد بالمشركين هاهنا كل من أشرك بالله تعالى مثل أهل الكتاب أو أتباع المذاهب التي حلت محلّ الإسلام مثلا، ولقد ميَّز القرءان بين أَهْلِ الْكِتَابِ وبين وَالْمُشْرِكِينَ، ومن ذلك قول الله تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} البينة6.
ولقد نصّ القرءان صراحة على جواز نكاح نساء أهل الكتاب، وآيات القرءان يبيِّن بعضها بعضا، ومن المعلوم كما أعلن القرءان أنه: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ} يوسف106، فلا يجوز تحريم الزواج ممن يراءون بأعمالهم مثلا رغم أن الرياء نوع من الشرك، كذلك لا يجوز تحريم النكاح من المحسوبين على الإسلام الذين فرقوا دينهم، وكانوا بذلك من المشركين، قال تعالى:
{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)} الروم.
لكل ذلك فالمشركون الذين يحرم الزواج منهم هم كل من رفض الإيمان (الإسلام) وأصر على اتخاذ أرباب مع الله تعالى مع اتخاذ موقف عدائي من الإسلام، وينطبق نفس الحكم بالطبع على من هم في حالة حرب مع الأمة المسلمة وإن كانوا من أهل الكتاب، وينطبق بالأحرى على الكفار الذين يتبنون موقفا عدائيًا من الإسلام.
ولكن لا يجوز اتخاذ هذه الآية ذريعة لإبطال جواز الزواج من الْمُحْصَنَات مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ إبطالا مطلقًا، قال تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين} [المائدة:5].
ومن المعلوم أن القرءان يميز بين المصطلحات: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ، أَهْل الْكِتَابِ، الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ.
فمصطلح "أَهْل الْكِتَابِ" يتضمن كل من لديهم كتاب مُنزل ذكره القرءان يأخذون منه أمور دينهم، فهو يشمل اليهود والنصارى.
أما التعبير "الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ" ففيه ينسب الله تعالى إيتاءهم الكتاب إلى نفسه بصيغة الجمع المتكلم، فالتعبير هنا مظنة الثناء عليهم أو انتظار الخير والإيمان والشهادة بالحق منهم، وهو لذلك يشمل من تلقوا الوحي من أنبياء بني إسرائيل ومن آمن بهم كما يشمل آمنوا بالقرءان.
أما التعبير "الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ" الذي ينسب فعل الإيتاء إلى مجهول فهو يستعمل عندما يكونون مظنة الذم أو انتظار الشرّ منهم، إلا في آية واحدة هي:
{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين} [المائدة:5]
وفي ذلك إشارة إلى جواز تناول طعام أهل الكتاب والزواج منهم مهما تدنَّت حالتهم، ولو استعمل هنا التعبير "الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ" للزم البحث عمَّن هم مظنة الثناء ومن هم المتمسكون بالرسالات الأصلية.
وتشير الآية إلى المقصد من تبيين الآيات، وهو إيقاظ ملكة التذكر في الإنسان ومدها بما يلزمها، وذلك من لوازم أركان دينية عديدة، ومن تفاصيل تحقيق المقصد الديني على المستوى الفردي.
*******
زعموا أن آية البقرة 221 منسوخة بالآية: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين} [المائدة:5]
وقولهم هذا هو من خطئهم في إدراك المصطلح القرءاني، فالمقصود بالمشركين طبقًا للاصطلاح القرءاني هم الذين لم يؤمنوا من قوم الرسول، والقرءان يضعهم في مقابل أَهْلِ الْكِتَابِ ولا يسوي بين الطائفتين، قال تعالى:
{مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم} [البقرة:105]
وهذا لا يعني بالطبع المعنى العام للشرك، والذي يتصف به أكثر الناس حتى من آمن منهم، قال تعالى:
{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُون} [يوسف:106]
فلا يوجد أي اختلاف أو تعارض بين الآيتين، والآية التي قالوا بأنها منسوخة تتضمن حكمًا هاما أيضا، وهو أنه في حالة حرب مع دولة أخرى، لا يجوز الزواج منهم أو تزويجهم.
إنه لا يجوز القول بأن أهل الكتاب كفار أو مشركون أو مسلمون، هم أهل كتاب، وهم يهود أو نصارى، هذه هي أسماؤهم القرءانية.
والفرق كبير بين نسبة الكفر أو الشرك إلى شخص أو طائفة، أو تلقيبه اصطلاحيا بلقب كافر أو مشرك، فقد كفر وأشرك المسلمون واليهود والنصارى في الكثير من أقوالهم وأفعالهم وعقائدهم، ولكن هذا لا يغير من أسمائهم الشرعية القانونية. 
وَالله تعالى يُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون، فالوصول بالناس إلى حالة التذكر هو بذلك من مقاصد تبيين الآيات، والحرف "لعلّ" هو في منهجنا واصطلاحنا عندما يُنسب إلى الله يكون لبيان الحكمة أو المقصد من الفعل الإلهي، ولا يحق لأحد أن ينكر الحكمة الإلهية في أي طور من أطوارها، فالعل الإلهي محفوف بالحكمة، وتسري فيه الحكمة، فثمة حكمة سابقة عليه، وثمة حكمة مصاحبة لتحققه، وثمة حكمة ستظهر وتُفصَّل بالفعل، ومن تجلياتها المقصد من الفعل.  
*******
من جديد:
الأصل في الدماء والأموال والأعراض الحرمة، ليس من حقك أن تمس مال أو عرض غيرك أو أن تسفك دمه، لا تكن بوقًا أجوف، وكفّ عن الصراخ بأن الأصل في الأشياء الإباحة، فلا يوجد أي نصّ يقول بذلك، وأنت بصراخك هذا تجعل من حقّ غيرك أن ينهب مالك وأن ينتهك عرضك وأن يسفك دمك.
ولقد أثبت الموقف مما حدث في تونس ضحالة أكثر (التنويريين)، وتبيَّن أنهم لا يعلمون كيف يتعاملون مع القرءان الكريم، فهم مثل غيرهم يظنون أن القرءان مدونة قانونية للأطفال!!! وهم لا يعلمون الفرق بين "النصّ" بالمعنى اللغوي وبين "النصّ" في اصطلاح أصول الفقه!!!
إنه يجب العلم بأن للتحريم صور عديدة قد تخفى عليك، مثال: قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُون} [الأعراف:33]
ولذلك فكل ما ذكر القرءان أنه فاحشة أو إثم أو بغي بِغَيْرِ الْحَقِّ أو شرك أو تقول عليه هو محرَّم بالضرورة، وكذلك يكون محرما أي فعل يصف الله تعالى مقترفه بأنه أثيم أو مشرك أو ظالم ... الخ.
وكذلك يحرم عليك كل فعل ذكر الله تعالى في القرءان أنه أهلك قومًا بسببه أو توعدهم بالعذاب الأليم.
ومن العجيب أن الضالين (التنويريين) الذين يطالبون بالنص قد أيدوا ما يخالف النصّ بالمعنيين اللغوي والاصطلاحي، فقوله تعالى { يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ.....} [النساء:11] هو نص بالمعنيين اللغوي والاصطلاحي، وهم هللوا وصفقوا لما يخالفه، وهذا مما يكشف للناس حقيقة أمرهم!!!
والحقّ أن القرءان موجه إلى قومٍ يفقهون ويعقلون، ولا يخاطب الأنعام، لآيات القرءان مفاهيم وفحاوى وإشارات ومقتضيات، والرسول لا يحرم من تلقاء نفسه، بل بفحوى ومقتضى الآيات، فهو يبين الذكر بالذكر.
******* 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق