الأربعاء، 3 سبتمبر 2025

من كتابنا 116 نظرات في التاريخ العام 1، 2017

 

*المسجد الأقصى

كان المكان الذي يشغله المسجد الأقصى قبلةَ المسلمين الأولى، فالدين عند الله واحد؛ هو الإسلام به أُرسل كل الرسل، ولقد بدأ بصورة بسيطة ثم أخذ ينمو ويكتمل مع الزمن مواكبا لتطور الإنسان وتقدمه ودافعا إليه، وكان يتخللُ ذلك نزولُ شرعةٍ ومنهاجٍ من حينٍ لآخر لإصلاح الأحوال الخاصة بالأقوام والأمم، وهذه الشرائع والمناهج من الممكن أن تتعدد، ولكن كان التطور يمضي باتجاه الوفاء بكل ما يلزم الإنسانية الشاملة والعالمية ولقد بدأ الإسلام رسميا بإبراهيم عليه السلام، وبلغ في سياق اكتماله ذروة كبرى مع موسى عليه السلام، ثم ذروة مع مجمل أنبياء بني إسرائيل ثم ذروة كبرى مع المسيح عليه السلام، إلى أن آن أوان اكتمال الدينِ وتمامه، وقد حدث ذلك بالرسالة المحمدية، فبلغ الدين أوجَ كماله وعالميته، فجاء بعلوم جديدة وبشرائع جديدة، ونسخ ما نسخ من الشرائع الخاصة وأبقى ما أبقى.

فالمسجد الأقصى هو قبلة المسلمين الأولى، وهو البيت الذي كان مركز الرسالات السابقة، كما كان قبلتهم ومقر اعتكاف الأنبياء، ومحور اهتمام الأمة التي كانت تحمل الرسالة، فالدين واحد، ولا يستطيع أحد أن يجادل في أن قبلة اليهود كانت تجاه أورشليم وأن قبلتهم داخل أورشليم هي في اتجاه الهيكل، وكان المسلمون بهذا الاعتبار يتخذون المسجد الأقصى قبلة في مكة، وبعد الهجرة مكثوا على ذلك مدة 16 شهرًا تقريبًا، وكلمة "المسجد" هي بالأصالة اسم مكان، فالعبرة بالمكان وليس بالبنيان، وهذا المكان هو الذي أسرى الله تعالى بعبده خاتمِ النبيين إليه ليلا.

واتخاذ المسجد الأقصى قبلة لفترة من الوقت يعبر عن المرحلة الانتقالية التي كانت لازمة لتكوُّن الأمة الجديدة الحاملة للرسالة واكتمالها، كما يعبر عن استمرارية الدين الواحد، فلقد بدأ الأمر بأَوَّل بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ، وهو الَّذِي بِبَكَّةَ، ثم انتقل إلى البيت الثاني الذي كان أقرب إلى مركز العالم القديم، وهو أورشليم في فلسطين، ثم عاد إلى حيث بدأ بعد أن اكتمل الدين.

والمسجد الأقصى هو المرادف الإسلامي لما يسميه أهل الكتاب بالهيكل أو المعبد، وأهميته وبركته مستمدةٌ من كونه المكانَ الذي تبارك بوجود أنبياءِ بني إسرائيل الذين خُتموا بالمسيح عليه السلام، وهو الذي كان يعمل فيه النبي زكريا، وفي محرابه بُشر بيحيى، وفي محرابه اعتكفت مريم، وكان فيه يأتيها الرزق من حيث لا يعلم الناس، وقد دخله المسيح الحقيقي، وكل هذا لا يتوفر لأي مكان آخر يمكن أن يزعموا أنه المسجدُ الأقصى.

وبيان أهمية المسجد الأقصى في الإسلام هو بيان بأن الدين واحد. 

والهيكل الأول، هو الذي بناه النبي سليمان عام 960 ق.م وقد تم تدميره تدميرا عام 586 ق.م. على يد نبوختنصر ملك بابل الذي سبى اليهود إلى بابل، وفر نبيهم إرميا مع باقي الأسرة المالكة وأعيان اليهود إلى مصر.

والهيكل الثاني، بناه زروبَّابل بمساعدة الفرس بعد أن قضوا على مملكة بابل سنة 539 ق.م. وسمحوا لليهود بالعودة إلى فلسطين، وتم بناؤه عام 515 ق.م، وقام هيرودس الإدومي ملك اليهود بتوسيعه، سنة 20-18 ق.م، ومعبد هيرود هو الذي حلّ محل هيكل زروبابل وبنى حوله سورا، وحائط المبكى الحالي جزء من سور هيرود.

وقد دمر الجنرال الروماني تيتوس ابن الإمبراطور ڤسپاسيانوس الهيكل الثاني مع أورشليم عام 70 ميلادية، وذلك بعد ثورة اليهود الأولى سنة 66 ضد الرومان.

والجزء الباقي من أساسات سور هيرود قسم منه يعود إلى أواخر القرن السادس قبل الميلاد، وهو ما تبقى من سور هيكل زروبَّابل الذي كان واليا على اليهودية من قبل الفرس وقد أتم بناءه سنة 515 ق. م، وهو ليس في نفس مكان هيكل سليمان بالضبط، وقسم منه يعود إلى القرن الأول الميلادي وهو أساس سور هيرودس نفسه، وقد وسع هيرودس الإدومي معبد زروبابل.

وأرضية هذا المعبد هي التي أقيم عليها المسجد الأقصى وقبة الصخرة، والذي اصطحب الخليفة عمر إليه هم أهل إيليا، فهو لم يكن خافيا عنهم، وقد دمره القائد الروماني تيتوس سنة 70 م بعد ثورة اليهود الأولى على الرومان.

ومن المعلوم أنه من بعد قرار الإمبراطور هادريانوس بحظر دخول اليهود إلى أورشليم فقد سمح لهم الإمبراطور قسطنطين من بعده بالدخول إلى أورشليم (إيليا) مرة واحدة كل عام (في التاسع من آب) ليبكوا على أنفسهم ولينتحبوا عند ما تبقى من سور الهيكل، ولكن لا يوجد ما يؤكد بالضرورة أن حائط المبكى هو بالفعل من سور الهيكل القديم، وفي رأي أغلبية الحاخامين اليهود يكون الدخول إلى الحرم القدسي محظورا على اليهود منذ خراب الهيكل، فلذلك الحائط هو أقرب نقطة من مكان الهيكل التي يمكن لليهود الصلاة فيها حسب الشريعة اليهودية العصرية.

Following the Bar Kokhba revolt, Emperor Hadrian combined Iudaea Province with neighboring provinces under the new name of Syria Palaestina, replacing the name of Judea. The city was renamed Aelia Capitolina, and rebuilt it in the style of a typical Roman town. Jews were prohibited from entering the city on pain of death, except for one day each year, during the holiday of Tisha B'Av.

وهيكل سليمان موقعه مؤكد، وقد بُني خارج مدينة أورشليم اليبوسية على التل الأوسط، وقد تم تحديد خط السور الإضافي، وأمكن تحديد تاريخه بأنه تقريبا النصف الثاني من القرن العاشر قبل الميلاد، أي فترة حكم داود وسليمان.

قام الملك هيرود بتوسيع هيكل زروبابل والإضافة إليه حتى بلغت مساحته تقريبا ضعف المساحة الأصلية، لم يبق من هيكل زروبابل سوى أساسات سوره وأرضيته التي أُقيم عليها المسجد الأقصى وقبة الصخرة، والجزء الباقي مؤلف من قسمين قسم يعود إلى أواخر القرن السادس، وهو ما تبقى من سور هيكل زروبابل، وجزء يعود إلى القرن الأول وهو أساس سور هيرود نفسه، ويلتقي الأساسان بشكل واضح عند نقطة تقع على مسافة 33 م تقريبا إلى الشمال من الزاوية الجنوبية الشرقية لسور الحرم الحالي، والاكتشافات المتعلقة بسور المدينة وقناة سلوان تؤكد صحة روايات العهد القديم الخاصة بالملك حيزقيا Hezekiah الذي تعرض للهجوم الأشوري.

وتظهر البينات الأركيولوجية ما ورد من تفاصيل دمار أورشليم وخراب سورها في القرن في أوائل القرن السادس ق.م.، وكذلك في بقية مدن يهوذا، حيث ظهرت آثار انقطاع حضاري دامت قرابة قرن ونصف من الزمان.

وهناك أوصاف مفصلة لشكل المعبد وطريقة العبادة فيه كما كانت في القرن الأول للميلاد (فيما يسمى بـ"الهيكل الثاني" أو "هيكل هيرودس") في مؤلفات المؤرخ اليهودي الروماني يوسيفوس فلافيوس، وخاصة في مؤلفه "حروب اليهود" الذي يسرد سلسلة الأحداث التي أدت إلى التمرد اليهودي على الرومان وأحداث التمرد، كذلك توجد بعض الدلائل الأثرية التي تدعم أوصاف يوسيفوس فلافيوس مثل حجرتين تحملان نقوشا باللغة اليونانية تم العثور عليها في حفريات قرب الحرم القدسي (توجد إحداهما في متحف إسطنبول الأثري والأخرى في متحف روكفلر بالقدس)، وهي تحذر الرواد غير اليهود من الدخول في المكان المقدس، وبوابة تيتوس في روما المنقوش عليها صورة مسيرة جنود رومانيين يحمل كنوز الهيكل بعد انتصارهم على اليهود المتمردين عليهم في القدس وتدميرهم للهيكل سنة 70 م.

Many Jewish tombs from the Second Temple period have been rediscovered in Jerusalem. One example, discovered north of the Old City, contains human remains in an ossuary decorated with the Aramaic inscription "Simon the Temple Builder." The Tomb of Abba -also located north of the Old City- bears an Aramaic inscription with Paleo-Hebrew letters reading: "I, Abba, son of the priest Eleaz(ar), son of Aaron the high (priest), Abba, the oppressed and the persecuted, who was born in Jerusalem, and went into exile into Babylonia and brought (back to Jerusalem) Mattathi(ah), son of Jud(ah), and buried him in a cave which I bought by deed." The Tomb of Benei Hezir -located in Kidron Valley- is decorated by monumental Doric columns and Hebrew inscription, identifying it as the burial site of Second Temple priests. The Tombs of the Sanhedrin, an underground complex of 63 rock-cut tombs, is located in a public park in the northern Jerusalem neighborhood of Sanhedria. These tombs, probably reserved for members of the Sanhedrin and inscribed by ancient Hebrew and Aramaic writings, are dated to between 100 BCE and 100 CE.

المرجع:

https://en.wikipedia.org/wiki/Jerusalem#Overview_of_Jerusalem.27s_historical_periods

أما بالنسبة لأيام الهيكل الأول، فلا يوجد من غير الكتاب المقدس إلا دلائل أثرية وتاريخية غير مباشرة تذكر ملوك يهوذا في أورشليم (القدس) وعددا من وزراءهم وكهنتهم، بالأسماء المذكورة أيضا في الكتاب المقدس، كمن عبدوا الرب في الهيكل، ولكن دون ذكر الهيكل نفسه.

ولكن جود مملكة داود وسليمان ثابتة بالبينات التاريخية اللاحقة التي تثبت وجود مملكتي يهوذا وإسرائيل، ومما يثبت وجود هاتين المملكتين وجود أسماء بعض ملوكهما في السجلات الأشورية: عمري، أخاب، ياهو، منسي، منحيم.

*****

الذي قام بتدمير الهيكل الأول وسور أورشليم هو نبوختنصر البابلي، وبقيت المدينة خرائب لمدة قرن ونصف تقريبا، مما جعلها مفتوحة لأعداء كثيرين، وفي ذلك قال عزير عندما رآها وهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا: "أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا"، فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ.

وفي عام 458 ق.م. عادت دفعة من اليهود إلى أورشليم تحت قيادة عزير، وكان عزير هو النبي الذي أحيا الدين.

كان لنحميا دوره الهام كساقي للملك الفارسي ارتحشستا الأول Artaxerxes I حوالي عام 445 ق.م.، بعد حوالي 13 سنة من ذهاب عزرا إلى أورشليم. قام نحميا ببناء سور أورشليم، وقد تمَّ العثور على سور المدينة الجديد الذي بناه نحميا في أواسط القرن الخامس ق.م، وكذلك على جزء لا بأس به من سور هيكل زروبابل وسور معبد هيرود الموسع.

في عهد هيرودس اكتمل انحياز أورشليم نحو القدس الحالية، وقد تم العثور على العديد من البيوت والأبنية التي ترجع إلى تلك الفترة ومن بينها جزء من قصر هيرودس نفسه.

وقد تعرضت مدينة أورشليم للتدمير الروماني الانتقامي مرتين، كل مرة بعد ثورة عاتية ضد الرومان كبدتهم خسائر فادحة وضاع فيها شعار الرومان المقدس، وأصر اليهود في كل مرة على المقاومة حتى النهاية، وعندما قرر الإمبراطور هادريان محو كل أثر لليهود في فلسطين استعملت حجارة المدينة المدمرة لبناء المدينة الرومانية إيليا كابيتولينا.   

وبعد أن أعلن الله تعالى غضبه على اليهود ولعنهم وجعل النبوة في غيرهم، وهم العرب، أصبح المسلمون أولى بتراث الأنبياء منهم، وكان الإسراءُ بخاتم النبيين إلى المسجد الأقصى وصلاتُه إماما بالأنبياء هناك إعلانا بذلك.

وكان مكان المعبد أو المسجد الأقصى هو القبلة طوال العصر المكي، واستمر ذلك حوالي 16 شهرا من مطلع العصر المدني، وكان المؤمنون يعلمون جيدا مكانة الكعبة ويحبونها، فكانوا يجمعون بين القبلتين في مكة بأداء الصلاة جنوب الكعبة، ولكن بعد الهجرة إلى المدينة أصبح من المستحيل أن يجمعوا بين القبلتين لكون الكعبة أصبحت جنوبا والمسجد الأقصى شمالا، ولكن كان هذا التحويل إيذانا بالتطور الجديد الذي حدث وإعادة الاعتبار لأول بيتٍ وضع للناس، وفي ذلك أيضاً إشارةٌ إلى المكانة العظمى للنبي الخاتم!

*****

كانت المدينة التي يوجد فيها المسجد الأقصى أو الهيكل (أي أورشليم) تُسمَّى في العهد البيزنطي بـ"إيليا، Aelia Capitolina" على اسم الإمبراطور الروماني إيليانوس هادريانوس الذي سحق ثورة اليهود الثالثة ضد الرومان بقيادة المسيح (غير المنتظر) بركوخبا (ابن النجم بالسيريانية) في الفترة (132-135م)، وشتتهم في الأرض، وباع أكثرهم رقيقا، وقد بنى هادريان مكان الهيكل معبدا رومانيا وأقام لنفسه ولربه جوبيتر تمثالين فيه، تهدم كل ذلك فيما بعد، وأصبح مكانُ الهيكل أو المسجد خاويا، وكان ممنوعا على اليهود دخول إيلياء إلا يوما واحدا في السنة ليبكوا على أطلال الهيكل، فهي كانت معروفةً لهم.

وهادريانوس هذا هو واحد من عمالقة الإمبراطورية الرومانية، ويعتبر من الأباطرة الخمسة الجيدين، وهو الذي شتت اليهود في الأرض، وهو الذي سمَّى هذه المنطقة سيريا پالستينا(Syria Palaestina) ، والتي اختصرت إلى پالستين فيما بعد.

بعد سحق ثورة اليهود حاول الإمبراطور هادريان اجتثاث اليهودية من فلسطين باعتبارها مصدرا مستمرا للقلاقل والثورات، تم حظر تطبيق شريعة التوراة والتقويم اليهودي، تم حرق كتب اليهود المقدسة في مراسم احتفالية على جبل الهيكل، عندما يتم ذكر هادريان يقول اليهود: "May his bones be crushed" وهو تعبير لم يُستخدم حتى مع ڤسپاسيان أو تيتوس الذين سحقا أول ثورة يهودية ضد الرومان، فضلا عن قيام تيتوس بتدمير الهيكل الثاني.

سُمِح لليهود بأن يعلنوا الحداد وأن ينوحوا ويبكوا هزيمتهم وإذلالهم مرة في السنة عند الحائط الغربي، وهو المتبقي من سور هيرودس الخاص بالهيكل الثاني، وذلك في التاسع من آب.

وفي عهد الخليفة عمر بن الخطاب تولى أبو عبيدة بن الجراح قيادة الجيش المكلف بالاستيلاء على إيليا، ولكنها استعصت عليه لمناعة أسوارها، فحاصرهم حتى كلوا وأرسلوا يطلبون الصلحَ وتسليمَ المدينة بلا قتال، واشترطوا أن يأتي الخليفة بنفسه ليتسلّم مفاتيحها منهم، فخرج عمر بن الخطاب من المدينة المنورة حتى وصل إلى هناك عام 15 هـ الموافق 636 م، وأعطى أهلَها الأمن وكتب لهم العهدة العمرية، وقد صحبه البطريرك "صفرونيوس" فزار كنيسة القيامة، ومن ثم أوصله إلى المسجد الأقصى؛ أي إلى مكان الهيكل، فهو لم يكن سرا، وكان في تلك الأيام عبارة عن هضبة خالية في قلبها الصخرة المعروفة، ثم أمر الخليفة عمر بن الخطاب ببناء المصلّى الذي سيكون مكانَ الصلاة الرئيس، وهو موقع "الجامع القبلي" اليوم، ويقع في الجنوب في جهة القبلة، وكان المسجد في عهده عبارة عن مسجد خشبي يتّسع لحوالي 1000 شخص، وبقي على حاله إلى زمن معاوية بن أبي سفيان.

بعد قيام الدولة الأموية في عام 41هـ الموافق 661 م على يد معاوية بن أبي سفيان، قام بتوسيع وتجديد بناء المسجد القبلي داخل المسجد الأقصى الذي بناه عمر بن الخطاب، فجعله من الحجر بدلاً من الخشب، ثم حدثت حركة تعمير ضخمة للمسجد في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان الذي بدأ أيضًا بناء قبة الصخرة، وتواصلت في عهد ابنه الوليد بن عبد الملك، وقبة الصخرة هي عبارة عن قبة ذهبية فوق الصخرة الواقعة في قلب الأقصى، والتي تمثل أعلى نقطة في جبل البيت المقدس، والتي يزعمون أن معراج النبي إلى السماء تم منها، لتكون قبة للمسجد كاملاً.

فالخليفة الأموي عبد الملك بن مروان هو الذي أمر ببناء المسجد الأقصى وقبة الصخرة فوق الصخرة التي يقولون إنها صخرة المعراج!!!!، واكتمل البناء في عهد ابنه الوليد، والدليل عندهم على أن الصخرة هي صخرة المعراج هو أنها أعلى نقطة في المنطقة التي قيل إن المعراج حدث منها وكأن (البراق) لم يكن يستطيع الصعود إلى (السماء) إلا إذا اعتلى أعلى نقطة في المكان!!!!!!!! ولكن عبد الملك توفي قبل أن يتم بناء المسجد الأقصى فأكمله من بعده ابنه الوليد كما أكمل بناء قبة الصخرة، ولقد كان الناس يطوفون حول الصخرة من قبل اكتمال البناء كما يطوفون حول الكعبة وينحرون ضحاياهم يوم العيد، وكان عبد العزيز بن مروان من ناحيته يعرف في مصر أي يقف بالناس في المسجد الجامع يوم عرفة كما يقف الحجاج ليصرف الناس عن الحج!

وشدة اعتناء الأمويين بأمر فلسطين وأورشليم كان شأنا سياسيا، وكانت البيعة تتم لملوكهم في بيت المقدس، ذلك لأن مكة المكرمة كانت في يد عبد الله بن الزبير الذي نصب نفسه خليفة بمجرد هلاك اللعين بن الطليق يزيد بن معاوية، وكان الأمويون يخشون من ذهاب الحجيج إلى هناك فيميلون إليه، فجعلوا قبة الصخرة بمثابة الكعبة، وكان الناس يطوفون بها، وهي مصممة لذلك، وتم وضع ما يلزم من أساطير حولها لاجتذاب العامة والغوغاء إليها.

وقد استمرت الفتنة الكبرى فترة طويلة من 64 هـ إلى 73 هـ تخللتها حروب تبادلية مروعة بين كافة القوى المتناحرة، ولكن حتى بعدما دانت مكة المكرمة والمدينة المنورة بالولاء للأمويين فإن الخليفة السابع سليمان، نُصِبَ على كرسي الخلافة في بيت المقدس ثم في العاصمة دمشق بعد ذلك.

وكون بناء المسجد الأقصى قد تمَّ في عهد الأمويين لا يعني أنه تم بذلك إلغاء التاريخ والمسجد، فالعبرة بالمكان، ولقد تعرض المسجد الأقصى لزلازل مدمرة وأعيد بناؤه أو ترميمه عدة مرات في عهود الأمويين والعباسيين والفاطميين والمماليك والعثمانيين، وقد حدث نفس الأمر بالنسبة للكعبة فقد هدمت وأعيد بناؤها عدة مرات، وقد قام الأمويون بحرقها وتدميرها مرتين عند محاولتهم القضاء على ثورة عبد الله بن الزبير.

وقد كان الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك هو الذي بنى المسجد النبوي أيضًا، فهل يجوز اتخاذه مهجورا أو التشكيك في كل التاريخ الإسلامي الأول نتيجة لذلك؟

هذا مع العلم بأن البناء الذي أقامه عبد الملك وسُمِّي بالمسجد الأقصى لا يشمل بالضرورة كل مكان المعبد القديم، فالمنطقة كلها تمثل المسجد الأقصى، فهو مكان، وليس هو فقط البناء الذي أقامه عبد الملك وأكمله الوليد.

وقد تعرض المسجد الأقصى المبني للتدمير بفعل الزلازل عدة مرات، وأعيد بناؤه وتجديده عدة مرات، وامتلأ المكان حوله بالمنشآت التي حيك حول بعضها أساطير وخرافات، وأشهر الأبنية هناك هو قبة الصخرة، فهذه القبة هي مقامة أيضًا في الأرض التي هي المسجد الأقصى.

وموضوع قبة الصخرة هو شيء آخر، فلا صخور مقدسة في الإسلام، وحتى إن كانت هذه الصخرة قد وطأها بالفعل (البراق) عند صعوده إلى السماء فلا يجوز أن تُبنى عليها قبة، ولقد كان غار حراء الذي كان يتعبد فيه الرسول ونزل عليه فيه الوحي أو غار ثور أو حجرة النبي التي دُفِن جثمانه الشريف فيها أولى بالتقديس منها، ومن المعلوم أنه لم يهتم أي خليفة ببناء قبة على الحجرة النبوية، وكان من فعل ذلك هو الملك المصري قلاوون الصالحي ثم الملك المصري أيضا قايتباي أيام دولة المماليك.

فرغم روعة معمار قبة الصخرة فلا مكانة لها في الإسلام، إن الرسول لم يأمر أبدا ببناء أية قبة على أي شيء خاص به كان معلوما لقومه، ولم يبن أي خليفة راشد قبة على بيته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ أو على قبره رغم أنه كان معلوماً لهم، فكيف بني الأمويون قبة هائلة تكلفت ما لا حصر له من الأموال على صخرة كانت في بيت المقدس قيل إن المعراج كان من عندها؟ ولا يوجد أي دليل شرعي ثابت يقول بذلك أو يربط بين هذه الصخرة وبين الإسلام.

هذا مع العلم بأن كثيرًا من أهل السنة يقولون إن المعراج كان رؤية كما أن كتب المرويات أوردت ما يفيد بأن المعراج كان من بيته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ في مكة، كما أن المعراج غير الإسراء.

وكان هدف الخليفة السفاح عبد الملك بن مروان الذي من أقواله المأثورة: "من قال لي اتق الله ضربت عنقه" من بناء قبة الصخرة أن يجعل هذه القبة بديلا عن الكعبة وليصرف المسلمين عن الحج؛ حيث كانت مكة تحت سيطرة عبد الله بن الزبير بن العوام (وابن السيدة أسماء ذات النطاقين أخت السيدة عائشة)، وكان مسلمو الشام يطوفون حول الصخرة كما يطوفون حول الكعبة وينحرون ضحاياهم يوم العيد، وهي مصممة بحيث يطوف الناس بها، هذه حقائق تاريخية ثابتة، وبالطبع لن تعجب الجهل المتجسد وذوي المصالح، ولكن لا سبيل إلى إخفاء الحقائق.

وقد بدأ عبد الملك بن مروان ببناء القبة على صخرة بيت المقدس وعمارة الجامع الأقصى، وكملت عمارته‏ في عهد ابنه الوليد.

وفى كتاب "البداية والنهاية، الجزء الثامن" ينقل المؤرخ ابن كثير في أحداث عام 66: (وفيها‏: ‏ابتدأ عبد الملك بن مروان ببناء القبة على صخرة بيت المقدس وعمارة الجامع الأقصى، وكملت عمارته في سنة ثلاث وسبعين‏.‏)

ويقول عن سبب بنائه:

((وكان السبب في ذلك أن عبد الله بن الزبير كان قد استولى على مكة، وكان يخطب في أيام منى وعرفة، ومقام الناس بمكة، وينال من عبد الملك ويذكر مساوئ بني مروان، ويقول‏:‏ إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعن الحكم بن أبي العاص وما نسل، وأنه طريد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولعينه، وكان يدعو إلى نفسه، وكان فصيحا، فمال معظم أهل الشام إليه‏، وبلغ ذلك عبد الملك فمنع الناس من الحج فضجُّوا، فبنى القبة على الصخرة والجامع الأقصى ليشغلهم بذلك عن الحج ويستعطف قلوبهم، وكانوا يقفون عند الصخرة ويطوفون حولها كما يطوفون حول الكعبة‏، ‏وينحرون يوم العيد ويحلقون رؤوسهم، ففتح بذلك على نفسه بأن شنع ابن الزبير عليه، وكان يشنع عليه بمكة ويقول‏:‏ ضاهى بها فعل الأكاسرة في إيوان كسرى، والخضراء، كما فعل معاوية‏.

ولما أراد عبد الملك عمارة بيت المقدس وجه إليه بالأموال والعمال، ووكل بالعمل رجاء بن حيوة ويزيد بن سلام مولاه، وجمع الصناع من أطراف البلاد وأرسلهم إلى بيت المقدس، وأرسل إليه بالأموال الجزيلة الكثيرة، وأمر رجاء بن حيوة ويزيد أن يفرغا الأموال إفراغا ولا يتوقفا فيه.

فبثوا النفقات وأكثروا، فبنوا القبة فجاءت من أحسن البناء، وفرشاها بالرخام الملون، وعملا للقبة جلالين أحدهما من اليود الأحمر للشتاء، وآخر من أدم للصيف، وحفا القبة بأنواع الستور، وأقاما لها سدنة وخداما بأنواع الطيب والمسك والعنبر والماورد والزعفران، ويعملون منه غالية ويبخرون القبة والمسجد من الليل.

وجعل فيها من قناديل الذهب والفضة وسلاسل الذهب والفضة شيئا كثيرا، وجعل فيها العود القماري المغلف بالمسك وفرشاها والمسجد بأنواع البسط الملونة.

وكانوا إذا أطلقوا البخور شمَّ من مسافة بعيدة، وكان إذا رجع الرجل من بيت المقدس إلى بلاده توجد منه رائحة المسك والطيب والبخور أياما، ويعرف أنه قد أقبل من بيت المقدس، وأنه دخل الصخرة، وكان فيه من السدنة والقوم القائمين بأمره خلق كثير، ولم يكن يومئذٍ على وجه الأرض بناء أحسن ولا أبهى من قبة صخرة بيت المقدس، بحيث إن الناس التهوا بها عن الكعبة والحج، وبحيث كانوا لا يلتفتون في موسم الحج وغيره إلى غير المسير إلى بيت المقدس.

وافتتن الناس بذلك افتنانا عظيما، وأتوه من كل مكان، وقد عملوا فيه من الإشارات والعلامات المكذوبة شيئا كثيرا مما في الآخرة، فصوروا فيه صورة الصراط وباب الجنة، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووادي جهنم، وكذلك في أبوابه ومواضع منه، فاغتر الناس بذلك وإلى زماننا.

وبالجملة أن صخرة بيت المقدس لما فرغ من بنائها لم يكن لها نظير على وجه الأرض بهجة ومنظرا، وقد كان فيها من الفصوص والجواهر والفسيفساء وغير ذلك شيء كثير، وأنواع باهرة.))

ومن المعلوم أن خلافة بن الزبير قد انتهت بأن قتله جنود عبد الملك أبشع قتلة وصلبوا جسده مع جثة كلب منكسا، ولم يراعوا حتى مشاعر أمه التي جنوا هم ثمرة كفاحها وكفاح السابقين الأولين، ولقد كان أخوه عبد العزيز بن مروان يفعل مثل أخيه في مصر، فكان يقف بالناس يوم عرفة في المسجد الجامع كما يقف الحجاج.

إن هذا يبيِّن حقيقة نظرة الأسرة الأموية إلى الدين ومدى استهانتهم به وحرصهم على استغلاله لتوطيد ملكهم، لذلك كذبوا وافتروا على الدين وتركوا غيرهم من أكابر المنافقين والمفسدين يفعلون الشيء نفسه، فتكاثرت المرويات الموضوعة، ولقد أساءوا استغلال الدين لتوسيع أملاكهم، ولذلك يحبهم كل من يظن أن الإسلام هو مجرد سيف يضرب به الآخرين ويغزو ويستوطن بلادهم وينهب أموالهم ويسبي نساءهم.

ولا شك أن قبة الصخرة وكل ما أحيط بها أسطورة نفخ فيها الأمويون لمآرب خاصة بهم، والمسلمون الأوائل لم يبنوا أي قباب على بيت الرسل ولا على قبره، ومن الثابت أن الأمويين هم الذين بالغوا فيها لأسباب سياسية مثلما كانوا وراء وضع المرويات التي تجعل من الشام وأهله كيانات مقدسة لا يجرؤ أحد على المساس بها، ولقد كذبتهم الوقائع والأحداث على مدى التاريخ!!

يجب العلم بأن للمسجد الأقصى في القدس مكانته وقداسته في الإسلام، أما الصخرة وقبتها فهي أسطورة أموية.

*****

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق