الثلاثاء، 2 سبتمبر 2025

1. من كتابنا 140، من هدي القرءان الكريم 4، 2018

 

يونــس 17-18

فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ(17) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ(18)

أظلم الناس من تقول على الله الأقاويل أي نسب إليه ما لم يقله أو وصفه بوصف لم يصف به نفسه أو كذب بآياته بأن أنكر أنها له أو أعرض عنها أو جحدها أو جاءت أفعاله بمثابة تكذيب لها، وتلك الآيات نوعان فمنها المكتوبة ومنها الآيات الكونية والنفسية، فمن فعل شيئا مما ذُكِر فقد أجرم في حق نفسه وفى حق غيره فكيف يفلح مثل هذا، فالمجرم لا يفلح، فتلك سنة ماضية وقانون نافذ.

فالآية بذلك تنص على بعض أركان المنظومة المعنوية الشيطانية، وهي:

1.   الافتراء على الله كذبا.

2.   التكذيب بآيات الله.

3.   عبادة أشياء من دون الله.

وكل ركن من هذه الأركان له صوره المتعددة، وهو من كبائر الإثم التي يجب اجتنابها والتطهر منها.

ثم تستعرض الآية حال أولئك الذين كرسوا عبادتهم لأي شيء من دون الله تعالى، فهم لم يجحدوا وجوده وإنما ظنوا أنه لا يمكن الوصول إليه إلا بشفعاء ووسائط، فنسبوا إليه ما لم ينسبه إلى نفسه وكذبوا بآياته، ولقد أعلن أنه أقرب إلى عباده من أنفسهم.

بل إنهم وصفوا ربهم بما يأنف أحدهم أن يوصف به، فلو كان أحدهم مديرا لمؤسسة مثلا وقيل عنه إنه لا يمكن الوصول إليه إلا بشفعاء وإنه لا يعطى أحدا حقه إلا بواسطة أو محسوبية وإنه يفضل هذا على ذاك دون الاستناد إلى أسباب موضوعية لغضب وهاج وماج ولحاول أن يدفع عن نفسه كل ذلك ولو كان حقا، ولقد أخبرهم الحق أن ظنهم هذا هو عين الشرك وأنه لا يعلم أن شركاءهم المعبودين هم لديه شفعاء.

وفى ذلك أيضًا بيان للناس بأنه لا يخلق إلا ما يعلم، فالعلم أعظم إحاطة من صفة الخلق وبالتالي فإن مجال العلم أوسع وأعظم إحاطة من مجال الخلق، فنفى وجود الشفعاء في العلم أبلغ وأقوى من نفى وجودهم في الخلق.

ولقد أتاهم الظن بأن مع الله شفعاء من بعض رجال الكهنوت الذين أقحموا أنفسهم على العلاقة بين العبد وربه وأوهموهم أنه أوكل أمر العالم إلى طبقة من المعاونين المتصرفين، أما هو فقد شغل نفسه بأمور أهم وأسمى، وهكذا لجأ العامة الذين يستعجلون تحقيق ما يريدون إلى من بيده التصريف الحقيقي للأمور واتخذوا ربهم وراءهم ظهريا، فعبدوا الأحبار والرهبان والمشايخ والأضرحة من دون الله تعالى.

ولقد شجع هذا الاتجاه وزكاه كل من لديه مصلحة في ذلك فضلوا وأضلوا، وما أتاهم ذلك الظن إلا من جهلهم بسمات ربهم، وكان عليهم أن يعلموا أنه سبحانه يمارس ألوهيته دون عنت أو مشقة ودون أن يشغله شأن عن شأن، وهو ليس بحاجة إلى ولد أو شريك في الملك أو ولى من الذل أو متصرف ينوب عنه، فالحق هو أن كل مخلوق منوط به أداء المهمة التي خلقه الله لها وذلك هو عين تسبيحه.

أما فيما يخصّ تصريف الأمور فإنه له سبحانه من حيث أسماؤه ومن حيث آلاته أي مخلوقاته ومنها الإنسان المستخلف في الأرض، فكل إنسان مستخلف على نفسه وعلى ما آتاه الله تعالى وله حق التصرف فيه، وثمة عباد أوكل إليهم تصريف بعض الأمور في أكوانهم عن أمر الله تعالى فهم يتصرفون بمقتضى المشيئة الإلهية وما لديهم من مشيئة أو إرادة جزئية إنما هو من تفاصيلها ومقتضياتها، وهؤلاء إما أن يكونوا بلا أهواء أصلا كالملائكة وإما أن يكونوا قد تطهروا من أهوائهم بعد تزكية أنفسهم كبعض خواص العباد، وفى كل الأحوال لا يمكن حمل هؤلاء على مخالفة الإرادة الإلهية.

ثم يسبح الله تعالى نفسه منزها إياها عما يشركون، ونفع هذا التسبيح إنما هو عائد على تالي الآيات فهو من وسائل تزكية النفس بتطهيرها من النجاسات المعنوية التي تمنعها من تلقى العطايا والمنح الربانية، فالتسبيح بذلك من الأوامر الدينية الواجبة واللازمة، وهو ركن فرعي من تفاصيل ركن أصلي هو ذكر الله تعالي.

أما الشفاعة المقبولة عنده سبحانه فهي تلك التي تكون بمقتضى قوانينه وسننه، ولا يحظى بها إلا من انطبقت عليه شروطها ووفَّى بمقتضياتها، فالشفاعة المحمدية مثلاً لا يحظى بها إلا من قام بالأركان الدينية بصفة عامة وبركن الإيمان التفصيلي بالرسول الأعظم بصفة خاصة، ومن لوازم ذلك من الإقرار بأنه خاتم النبيين ومن الالتزام بالصلاة عليه والتسليم.

*****

هناك تعليقان (2):