منهج استخلاص الأركان القرءانية
يُقصد
بـ الركن القرءاني كل أمر إلهي ورد في كتاب الله وله وزن كبير في بنية الدين، أي
أن له منزلة محورية ضمن النسق القرءاني، سواء من حيث التكرار، أو السياق، أو
الارتباط بالمقاصد الكبرى للدين. ويهدف منهج استخلاص الأركان القرءانية إلى إعادة
الاعتبار لهذه الأوامر العظمى، التي ربما أُهملت أو غُيِّبت عبر التاريخ، ومنحها
منزلتها الحقيقية وفق معيار الوزن القرءاني لا وفق الأعراف أو التقاليد المتوارثة.
ولا
يهدف هذا المنهج إلى استبعاد أي أمر إلهي ورد في كتاب الله أو التقليل من شأنه، بل
يسعى إلى ترتيب الأوامر وتنظيمها بحسب أوزانها الحقيقية كما أظهرها النص القرءاني،
بحيث تتجلّى صورة الدين في صورتها الكاملة المتوازنة.
كما
أن الأركان المشهورة –كإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة– مذكورة بصيغٍ صريحةٍ مؤكدةٍ في
القرءان، وهي بمثابة بطاقة الهوية الأولى للمؤمن، ولا يمكن بحالٍ من الأحوال
تجاوزها أو الانتقاص منها. لكن المقصود أن المنهج القرءاني يتسع لاكتشاف أركان
أخرى كبرى لم تحظَ بالاهتمام الكافي، رغم مركزيتها في البناء القرءاني.
مرتكزات
منهج الاستخلاص
يستند
منهج استخلاص الأركان القرءانية إلى مجموعة من المبادئ المنهجية والبديهيات، وهي:
1.
حصرية المرجعية القرءانية:
القرءان
الكريم هو المصدر الوحيد لاستخلاص أركان الدين، كما هو المصدر الوحيد لكل أمور
الدين الكبرى. فلا يُعتمد في تحديد الأركان على المرويات أو الآراء، بل على نصوص القرءان
وسياقها.
2.
تعريف الركن:
الركن
هو الأمر القرءاني الكبير، أو ما جاء بتوكيدٍ شديد يدلّ على مركزيته، وقد يتضمن
أمرًا واحدًا أو مجموعة مترابطة من الأوامر التي تشكل في مجموعها وحدة دينية
متكاملة.
3.
تكامل النسيج القرءاني:
كل
أمر إلهي ورد صراحةً أو ضِمنًا في القرءان، له موقع في نسيج الأركان القرءانية؛ إذ
لا يوجد أمر بلا سياق أو غاية أو ترابط.
4.
الاقتران
الدلالي بالأركان المشهورة:
كل
ما ورد في القرءان مقترنًا بأحد الركنين المشهورين (إقامة الصلاة، إيتاء الزكاة)،
أو مرتبطًا بهما بطريقة دالة، يُعدّ على الأقل ركنًا فرعيًا، وقد يكون ركنًا
كبيرًا. ومن صور هذا الارتباط:
o
أن يُذكر
مقترنًا في نفس الجملة بالعطف أو التتابع.
o
أن يكون من مقاصد
الركن، مما يمنحه أولوية في الترتيب لكون المقصد أسبق من الوسيلة.
5.
السمات التي
تشير إلى القيمة الركنية:
يُعدّ
كل أمرٍ وُصف به المؤمنون الذين أنعم الله عليهم، أو أثنى عليهم، أو بشرهم بالجنة،
أو أعلن رضاه أو حبه لهم، مرشحًا لأن يكون ركنًا فرعيًا أو كبيرًا.
وكذلك
ما يقابل ذلك في جانب الذمّ: كمن نزل بهم غضب الله، أو لعنهم، أو أعلن عدم محبته
لهم.
6.
الركن الجامع:
الركن
الكبير قد يتضمن مجموعة من الأوامر الفرعية المرتبطة ارتباطًا مباشرًا؛ وهذه
الأوامر قد تكون –كل على حدة– ذات وزن كبير، بل قد يفوق بعضها وزن أركان أخرى
معروفة. التقوى مثالٌ واضح: فهي من لوازم عدة
أركان، وموقعها الزمني والمقاصدي أسبق من أمر الصيام.
7.
مرجعية التفاصيل
القرءانية:
ما
فصّله القرءان من الأوامر أو الشروط أو السمات المرتبطة بالركن يُعدّ من أهم
تفاصيله، ويدخل في مفهومه.
8.
أولوية التصريح
على التضمين:
ما
ورد في القرءان بالنص الصريح أقوى مما يُفهم ضمنًا أو يُستنبط بالفحوى، مع أهمية
السياق العام في دعم الفهم.
9.
ما لم يذكره القرءان
لا يُعدّ ركنًا:
لا
يمكن اعتبار ما لم يرد في القرءان، نصًا أو تضمينًا، من الأركان، مهما كان له من
شأن في غيره من المصادر. فالقرءان هو الميزان، كما قال تعالى:
{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ
تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89].
نتائج
المنهج
بتطبيق
هذا المنهج يمكن استخلاص الأركان القرءانية الكبرى، أي تلك الأوامر الجامعة التي
تُكوّن معًا بنية الدين الحقّ كما أرادها الله. وهي تشمل:
- ما
هو ظاهر في صورة أركان معلومة.
- وما
هو متوزع في نسيج النصوص القرءانية.
- وما
هو مستنبط من المقاصد الكبرى.
ويمكّن
هذا المنهج من استجلاء معالم الدين الحقّ في ضوء الكتاب وحده، مع احترام التراتبية
الحقيقية للأوامر، دون تقديم أو تأخير بناءً على أهواء أو أعراف، مما يضع المؤمن
على طريقٍ واضحٍ في تلقي الدين، وفقهه، والعمل به.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق