الثلاثاء، 10 يونيو 2025

الصبر: ركنٌ تفصيلي لوازمي من أركان الدين

 

الصبر: ركنٌ تفصيلي لوازمي من أركان الدين

الصبر هو أحد الأركان التفصيلية واللوازمية من بنية الدين، وهو ركن أساس في منظومة القيم الإسلامية. وقد أولاه القرءان الكريم عناية فائقة، فقرنه بأركان دينية كبرى كالصلاة، بل قدّمه عليها أحيانًا، وأمر به في مواضع كثيرة بأشد العبارات وأوضحها، مما يدل على منزلته الجليلة وضرورته الوجودية.

تعريف الصبر ومجالاته

الصبر هو السِّمة المعبرة عن متانة البنيان النفسي، وهو يتجلى في التجلّد، والثبات، والتماسك، ومتابعة العمل، والقدرة على التحمل في مختلف مستويات الحياة. فهو يشمل:

1- تحمُّل أعباء إقامة الدين.

2- الثبات أمام الشدائد والمحن والابتلاءات.

3- ضبط النفس في مواجهة الانفعالات المدمرة كالغضب، والحقد، والرغبة في الانتقام.

ويُقابل الصبر على المستوى الصفاتي: الجزع والهلع.
ويُقابله على المستوى العملي: الارتداد على الأعقاب، والنكوص، والإخلاد إلى الأرض، والفرار من ميدان الجهاد أو القتال.

مكانة الصبر في بنية الدين

الصبر ليس مجرد خُلُق محمود، بل هو ركن تفصيلي لوازمي، أي أنّه:

  • من لوازم الأركان الكبرى الثلاثة:

1.   ركن التزكي

2.   ركن الجهاد في سبيل الله

3.   ركن عبادة الله

  • من مقتضيات أسماء إلهية عليا في كيان الإنسان، مثل: الصمد والقوي والمتين والسلام
  • الصبر بوصفه تجليًا لمتانة البنيان النفسي

الصبر هو المقابل النفسي للقوة الجسدية، وهو معيار تماسك الكيان الإنساني واستقامته. ومن لوازمه:

أ‌.      الجلد والثبات.

ب‌.  الصمود أمام الابتلاءات والمصاعب.

ت‌.  القدرة على تجاوز المثبطات والضغوط النفسية.

ث‌.  الاستمرار في العمل رغم الإخفاقات أو تأخر النتائج.

الصبر لا يعني الخنوع أو الاستسلام، بل هو المثابرة والعمل الدؤوب، والصمود أمام الصعاب، والارتقاء فوق المحن، والثقة بوعد الله، وعدم استعجال النصر.

الصبر والإيمان

يرتبط الصبر ارتباطًا وثيقًا بالإيمان والتوكل على الله والثقة بوعوده، كما أنه يرتبط بثقة الإنسان بنفسه وبقدراته التي هي أثر من آثار الأسماء الإلهية.
ومن يجتمع فيه الإيمان، والصبر، والفقه، فقد بلغ شرط الغلبة والانتصار.

آثار الصبر في الكيان الإنساني

الصبر هو أثر من آثار الأسماء الإلهية، مثل: الصمد والقوي والمتين والسلام في كيان الإنسان، ويظهر في:

1.   تحمّل أعباء الأمانة.

  1. الوفاء بالتكاليف.
  2. الاضطلاع بمهمة الاستخلاف في الأرض.
  3. الثبات في طريق تحقيق المقاصد الكبرى للدين.

العلاقة بين الصبر وبقية الأركان

  • ركن التزكي: يقتضي اكتساب هذه الصفة والتطهر مما يناقضها.
  • ركن اجتناب الكبائر والفواحش: يتطلب ألا يتصرف الإنسان وفق مقتضيات الجبن والهلع، اللذين يقودان إلى النكوص والفرار من مواجهة المحن.

أنواع الصبر

1.   الصبر على الطاعات: تحمّل مشقة الأوامر الشرعية، في ظل طبيعة النفس، وصعوبة الحياة، وغلبة الإعراض في الناس.

2.   الصبر على التكاليف والأمانة: المثابرة على أداء أركان الدين ومقاصده دون ملل أو فتور.

3.   الصبر في سبيل الله: تحمّل المشاق والمجاهدة في إقامة الدين.

4.   الصبر حين البأس: الثبات في ميدان المعركة ومواجهة الأعداء.

5.   الصبر في البأساء والضراء: القدرة على تجاوز المحن والشدائد دون انهيار.

6.   الصبر في متابعة العمل: الاستمرار حتى بلوغ الغاية وتحقيق الهدف.

الصبر بوصفه سِمة جماعية

الصبر ليس مجرد صفة فردية، بل هو صفة تلزم الجماعة كما تلزم الفرد. وقد يكون هناك أفراد صابرون لا تشكل جماعتهم كيانًا صابرًا، إذا غابت آليات الترابط والتكامل. والعكس أيضًا ممكن؛ فقد تتخلق جماعة بالصبر رغم ضعف بعض أعضائها، إذا وُجدت منظومة قيمية وروحية تربطهم وتشدّ أزرهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق