منظومة السُّنن
التشريعية في دين الحق
أولًا: المنظور
البنيوي لدين الحق
يتّسم دين الحق ببنية
متكاملة، تتكوّن من منظومات وعناصر مترابطة، تُشكّل في مجموعها نسيجًا دينيًا
عقلانيًا وأخلاقيًا وواقعيًا، ومن أبرز هذه المنظومات:
- منظومة
الشؤون الإلهية
- منظومة
القيم الأمرية الرحمانية
- منظومة
السنن الوجودية
- منظومة
الميزان
- منظومة
السنن الشرعية
- منظومة
السنن التشريعية، التي تشكّل محور هذا القسم.
ثانيًا: تعريف
منظومة السنن التشريعية
تُعد منظومة
السُّنن التشريعية:
تجسيدًا
تفصيليًا للميزان القرءاني، وأحد الركائز المركزية في دين الحق، باعتبارها الآلية
القرءانية الضامنة لاستمرارية الفاعلية الأخلاقية والاجتماعية للدين في مواجهة
المستجدات.
إنها منظومة
المبادئ والمقاصد والضوابط التي:
- يجب
على أولي الأمر الحقيقيين مراعاتها عند الحاجة إلى سنّ تشريع جديد.
- تتأسس
على القرءان نصًا ومقصدًا وفحوى واستقراء.
- لا
تُضيف عناصر جديدة للدين، وإنما تُفَعِّل عناصره الراسخة في واقع متجدد.
ثالثًا: الحاجة
إلى المنظومة
بما أن الدين
الخاتم عالميٌ وخالدٌ، فلا بد أن يتضمن ضمن بنيته آلياتٍ ذاتية للتجدد والانطباق
على الواقع، دون الحاجة إلى مصادر موازية أو سلطة خارجية عليه.
وهذا يعني أن
الدين:
- لا
يتوقف عند النصوص المجردة، بل يُقَدِّم من داخله الوسائل الكفيلة باستيعاب
المتغيرات.
- يحتوي
في بنائه الداخلي منظومة تُمَكِّن أولي الأمر الحقيقيين من الاستنباط المعاصر
دون خرق لثوابت الدين ولا تسلط عليه.
رابعًا: تطبيقات
واقعية للمنظومة
إن المستجدات
كثيرة، وتشمل مجالات مثل:
- إدارة
مؤسسات الدولة الحديثة (البرلمان،
القضاء، الدواوين، الوزارات)
- تنظيم
المؤسسات التعليمية والعلمية ومراكز الأبحاث
- تنظيم
المعاملات المالية والاقتصادية
- ضبط
العلاقات الدولية، وأنظمة الجيوش، وأنظمة المرور
- قوانين
الإعلام، الفضاء السيبراني، الذكاء الاصطناعي، الملكية الفكرية، الأمن
السيبراني، البيئة... وغيرها.
وكل هذه تحتاج
إلى تشريعات يجب أن تكون منضبطة بالميزان القرءاني ومنظومة السنن التشريعية، بحيث:
- تأخذ
شرعيتها من مرجعيتها القرءانية
- وتظلّ
أحكامًا وضعية بشرية قابلة للمراجعة والتطوير
خامسًا: ضوابط
وأمثلة من تطبيقات المنظومة
ومن المبادئ
التي تحكم هذه المنظومة:
إثبات
الظلم
إذا أثبت أولوا
الأمر أن معاملة ما تتضمّن ظلمًا لطرف ما، فإن ذلك يكفي لتحريمها وفق السنن
القرءانية.
إدراج المستجدات
ضمن المصطلحات الشرعية
مثل إدخال نظامٍ
مالي حديث تحت مفهوم "الرِّبا" أو "الزكاة" أو
"الإنفاق"، بناءً على اشتراكه في السمات المنصوص عليها.
التوسعة
في المصاديق الشرعية المتجددة
مثل اعتبار
الفساد السيبراني من ضمن "الفساد في الأرض"، أو إدراج الصور المعاصرة
للإذلال والاستعباد ضمن "الرق".
إثبات
الصفات المؤثرة في الحكم
مثل تحليل مادة
حديثة تحتوي الكحول، فيُسري عليها حكم الخمر، أو إثبات أنها من ميتة أو أُهلّ لغير
الله بها.
التأصيل العلمي
للأسماء والمفاهيم الشرعية
مثل تصنيف فئة
اجتماعية جديدة ضمن مصطلح "الفقراء" أو "المساكين"، اعتمادًا
على ضوابط دقيقة مستنبطة من القرءان.
سادسًا: العلاقة
بين السنن التشريعية والسنة النبوية
- كثير
من السنن التشريعية مذكورة أو مشروحة في الأحاديث الصحيحة، لكن الأصل فيها هو
القرءان.
- إذا
ثبت أن سُنّة نبوية تنطق بمبدأ ينسجم مع السنن التشريعية القرءانية، فهي سنة
حقيقية وجزء من دين الحق.
- أما
ما يناقض السنن القرءانية فلا يمكن نسبته للدين ولو ورد في أمهات الكتب.
سابعًا: خاتمة
في القيمة الفلسفية للمنظومة
إن منظومة السنن
التشريعية في دين الحق:
- تمنع
التحجر والتكلس في فهم النصوص.
- وتمنع
التسيب والتحلل باسم التجديد.
- وتضمن
التوازن بين الثبات والمرونة، بين المبدأ والمصلحة، بين الشرع والعقل.
وهي بذلك تُجسد الحضور
الحي للقرءان في كل عصر، وتُثبت أن الدين الخاتم ليس كيانًا مغلقًا، بل منظومة
ديناميكية قابلة للتفعيل الأخلاقي المتجدد دون أن تُضاف إليه أو يُنتقص منه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق