*الكَذِبُ: ركنٌ من أركان منظومة الصفات
الشيطانية
الكذب ليس مجرد خطأ عابر في اللفظ
أو الموقف، بل هو من أركان منظومة الصفات الشيطانية، ومن أمهات الرذائل الوجودية
التي تُناقض الحق وتُخرّب كيان الإنسان من داخله. وهو ضدُّ الصدق، سواء باعتباره
صفةً أو فعلًا. فالكاذب هو من يقول ما يُخالف الحقيقة مع علمه بها، أي أنه ينطق
بما يعلم أنه باطل، ويُزيّن الباطلَ بكلمات تُوهِم بالحق، فيكون بذلك قد خان فطرته
وخرق ميثاقه مع الحقيقة.
ومن يتحرّى الكذب ويُمارسه بوعيٍ
وتكرار، تترسّخ فيه هذه الصفة حتى تصبح جزءًا من بنيانه النفسي، ويتحول الكذب عنده
من فعلٍ إراديّ إلى عادةٍ تلقائية، بل إلى سمةٍ جوهرية يُنتجها قلبه دون تكلّف،
ومن كانت هذه حاله، فقد انقلبت فطرته، وتحول إلى كيانٍ يحجب النور ويأنس بالظلام.
الكذب وانفكاك
الإنسان عن الحقانية
الكذب مضادّ مباشرٌ لمقتضيات
منظومة الأسماء الإلهية الحقّانية:
- (الْحَقّ):
الذي يقتضي المطابقة التامة للوجود الثابت.
- (الْمَلِكُ
الْحَقّ): الذي هو المالك المُطلق للوجود الحقيقي.
- (الْحَقُّ الْمُبِين): الذي يقتضي ويقدر الحقائق الظاهرة البينة.
- (الْمَوْلَى
الْحَقّ): الذي هو السيّد المُطلق الذي يقوم بالقسط ويحكم بالعدل ويقضي بالحق.
فمن يكذب عمدًا فقد نأى بنفسه عن
ربّه، أي ابتعد عن مصدر وجوده وبقائه وقوّته. الكذب انقطاعٌ عن العهد الإلهي،
وتمزيقٌ لوشائج النور، واختيارٌ واعٍ للارتماء في أحضان العدم.
الكذب: نصرةٌ للباطل على حساب
الحق
إن الكذب ليس مجرد تبديلٍ للحقائق
أو تشويهٍ للوقائع، بل هو انحيازٌ عميق للباطل في وجه الحق، وللعدم في وجه الوجود،
وللوهم في وجه الحقيقة.
الكذبُ هو ادّعاء الوجود لما ليس
بموجود، وتزيين العيب على حساب الكمال، وتقديم ما لا ينبغي أن يُقال على ما يجب أن
يُقال.
الكذب خيانة للواقع، وتآمر على
الحقيقة، ومُمالأة للشيطان ضد الرحمن.
فالكاذب، في كل مرةٍ يكذب فيها،
إنما يُعلن عداءه للمُطلق الحق، ويُشعل نار الباطل في كيانه، ويُفسد ميزان نفسه.
إن الكذب هو قُربانٌ يُقدَّم
للشيطان، وعقدُ ولاءٍ مع أعدى أعداء الإنسان.
إبليس: أول من كذب
لقد كان إبليس – لعنه الله – أوّل
من اقترف إثم الكذب، بل أول من حوّله إلى وسيلةٍ للإغواء. كذب على آدم وزوجه، بل
وأقسم بالله كاذبًا، فجمع بين جُرمي الكذب واليمين الغموس. وهكذا كان الكذب أول
خيانة تُرتكب في تاريخ الإنسانية، وأول سلاح استُعمل لخرق العهد مع الله، وأول
خطوة في طريق الغواية الكبرى.
الكذب: مخالفةٌ
لقوانين الفطرة والوجود
الكون كلّه مخلوقٌ بالحق
والميزان، والإنسان مفطورٌ على الصدق. فحين يكذب الإنسان، فإنه يخالف قوانين
الوجود، ويشقّ على فطرته، ويجلب على نفسه حربًا من قِبل السنن الإلهية التي لا
تحابي أحدًا، إذ الكذب يناقض بنية الواقع، ويُفسد توازن النفس، ويستجلب عواقب
وخيمة في الدنيا والآخرة.
فمن افترى الكذب، فقد خان
الأمانة، وسار في طريق التدمير الذاتي، وما أقسى أن يُصبح المرءُ عدُوّ نفسه،
ومُهلكَ كيانه بيده!
الكذب: فسادٌ
للفطرة، وتشويهٌ للوعي
الكذب صفة عدمية تنقض سِمة الحقّ
الوجودية، وتفسد بناء الإنسان النفسي والمعرفي. ومن يتحرى الكذب، إنما يهرول نحو
العدم، ويُدير ظهره للنور، ويُؤثر الظلمة. إن الكاذب يفرّ من وجه الرحمن، ليُلقي
بنفسه في أحضان الشيطان. وكفى بالمرء جهلًا وخسّةً أن يختار الزيف على الصدق،
والعدم على الوجود، والعدو على الحبيب!
آثار الكذب على
النفس
الكاذب الذي يُداوم على الكذب
يدمر كيانه الجوهري، بما يجلبه من أمراض نفسية وأخلاقية وروحية، ويُمهّد لتفاقم
خطرها. ومن استمرأ الكذب، فإنه يُفسد فطرته، حتى تنقلب عليه آثار كذبه، فلا يحتمل
نور الحقيقة، ويستطيب ظلام الباطل، ويُصبح مهيّأً، في نهاية المطاف، ليتبوأ مكانه
في جهنم.
فالإنسان إما أن يسعى في اتجاه
النور، أو يَسقط في مهاوي العدم؛ ومن يُصدّق الكذب أو يُروّجه أو يُجاريه، إنما
يُشارك في مشروع الخراب، ويخون الله وضميره والإنسان.
في الختام
الكذبُ جريمةٌ وجودية، وخيانةٌ للأخلاق
الربانية، ومظلمةٌ أخلاقية. وهو نقيض الصدق الذي به قُوّمت السماوات والأرض.
فليحذر
الإنسان أن يُصبح عبدًا للكذب، مُنحازًا للعدم، مُستحقًّا للغضب الإلهي.
وليكن
من أهل الصدق، فإن الله مع الصادقين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق