المقصد الديني الأعظم الخامس في دين الحق:
التعايش السلمي المثمر بين الكيانات الإنسانية
إن المقصد
الديني الأعظم الخامس في دين الحق يتمثل في تزويد كل كيان إنساني—سواء
كان فردًا أو أسرة أو مجتمعًا أو أمة أو أي بنية مستجدة من كيانات الوجود
الإنساني، وصولًا إلى البشرية جمعاء—بـالكيانات الأمرية اللازمة لتنظيم تعايشها
المثمر والسلمي مع سائر الكيانات الأخرى، رغم ما بينها من اختلافات في الدين
والمذهب واللغة والقومية والوطن والنمط المعيشي والسلالة وغير ذلك من الفروق
الطبيعية أو الثقافية.
وهذه "الكيانات
الأمرية" تُحيل إلى المنظومة المعنوية الكاملة، التي تشمل منظومات القيم
والسنن والمبادئ والأوامر الربانية، وهي التي تمكّن من تجاوز التوترات والصراعات
نحو بناء نظم تعايش قادرة على توظيف الاختلافات توظيفًا إيجابيًا في خدمة الإنسان
والعمران.
وهذا المقصد لا يخدم فقط غاية حمل
الأمانة والاستخلاف واستعمار الأرض وإصلاحها، بل يمثل شرطًا أساسيًا لـقيام السلام
العالمي، وازدهار المجتمعات، وتحقيق الاستخدام الرشيد لموارد الكوكب، والكف عن كل
صور الإفساد في الأرض.
أولويات هذا المقصد في تفعيل الأمة المسلمة
يشمل هذا المقصد في أحد فروعه
المهمة تزويد الجماعة المسلمة، حيثما وُجدت، بالمنظومة المعنوية المخصوصة، التي
تمكنها من أداء الوظائف المناطة بالأمة، وذلك بحسب ظروفها وطاقتها، وبما يسمح لها
بالتعايش مع شتى الأحوال الممكنة داخل محيطها الأكبر، دون أن تنعزل عنه أو تصطدم
به.
المبادئ والأسس التي يقرّرها
الإسلام لتحقيق التعايش السلمي
لقد قدم دين الحق للناس مجموعة من
المبادئ الوجودية والأخلاقية والسلوكية التي تكفل إمكانية التعايش السلمي المثمر
بين الأمم والطوائف، ويمكن إيجاز أبرز هذه المبادئ فيما يلي:
1.
ربوبية الله
الشاملة: الله تعالى هو رب العالمين، وليس رب
طائفة بعينها.
2.
وحدة الأصل
الإنساني: الإيمان بأن البشر جميعًا من نفس واحدة،
وأنهم متساوون في الأصل والكرامة الإنسانية.
3.
السِّلم هو
الأصل: حالة السِّلم هي الحالة الطبيعية،
والقتال استثناء يجب وقفه عند أول بادرة للصلح أو التفاهم.
4.
الحرية الدينية:
لا
إكراه في الدين، والاضطهاد الديني محرّم ومحظور.
5.
تأجيل الفصل بين
الأديان: الفصل النهائي بين المختلفين في العقائد
مؤجل إلى يوم القيامة، ولا يجوز لبشر أن يصادر على ذلك.
6.
سلمية الدعوة:
لا
يُفرض دين بالقوة، بل بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن.
7.
تحريم العدوان
والظلم: البغي والجور والعدوان والإفساد من كبائر
الإثم.
8.
ضرورة الاتفاق
على حد أدنى من القيم: مثل القسط،
والتعايش، والتكافؤ الإنساني.
9.
الكرامة
الإنسانية غير مشروطة: الإنسان مكرّم
من حيث هو إنسان، وله حقوق لا تمس.
10.
تنزيه الله عن
الانحياز الطائفي: الله لا يتخذ
صاحبة ولا ولدًا ولا يتحزّب لطائفة.
11.
تعدد الأفهام
سنة إلهية: الله زين لكل أمة ما هي عليه، وهو أعلم
بمن اهتدى.
12.
الأمر بالتسابق
في الخيرات: التفاضل بين
الناس في الإحسان لا في الشعارات أو الأنساب.
13.
الإنسان مكلف
بعمران الأرض: البشر مؤتمنون
على الأرض ومواردها، وهم مسؤولون عن إصلاحها.
14.
تسخير الموجودات
للإنسان الكلي: كل ما في
السموات والأرض مُسخّر للنوع الإنساني في إطار التكليف والاستخلاف.
15.
الانتماء لا
يعفي من التكليف: لا يحق لأي
طائفة أن تدعي النجاة فقط لمجرد الانتماء.
16.
ردّ العدوان
بضوابط: يجب رد الاعتداء دون تجاوز أو انتقام.
17.
التحرر من
النزعات الثأرية: من شروط الرقي
الإنساني تطهير النفوس من نزعات الانتقام.
18.
رفض التفوق
العرقي: اللون والعرق لا يمنحان الأفضلية، وإنما
هما من مقتضيات التنوع البيئي.
19.
الاختلاف سنة
كونية: لا يتشابه كيانان إنسانيان تمامًا،
والاختلاف مصدر ثراء وتكامل لا سبب صراع.
20.
الاستخلاف
البيئي والحضاري: الإنسان هو
الغاية من خلق الكون، ومسؤول عن البيئة وحمايتها وفق مقتضيات العلم الحديث.
21.
التكافل في حمل
رسالة الإنسان: يجب أن يتعاون
الناس جميعًا في مهمات الاستخلاف وإقامة القسط.
22.
الحق في الحياة
والأمان: لا خوف على من آمن وعمل صالحًا، ولا يجوز
الاعتداء عليه.
23.
إمكانية الاتفاق
مع أهل الكتاب: على كلمة سواء
في التوحيد ورفض التأليه البشري.
24.
المشترك بين
المسلمين وأهل الكتاب كبير: ويجب البناء
عليه في التعاون والتعايش.
25.
التطور الحضاري
يدعم التقارب: كثير من أهل
الكتاب يقتربون من المفاهيم الإسلامية اليوم.
26.
الولادة في
الإسلام تكليف لا تشريف فقط: المولود مسلمًا
لا يعفى من التكليف، بل يتحمل ميثاقًا غليظًا.
27.
رفض العنف في
نشر العقائد: لا يجوز نشر
الدين بالقهر أو الترويع، بل بالقدوة والكلمة الطيبة.
28.
مقاومة الإفساد
وتعظيم التعمير: من واجبات كل
البشر التعاون في البناء ومحاربة التخريب.
29.
القتال له شروط
صارمة: لا يكون إلا لردّ عدوان بيّن، وليس
لأهداف استعمارية أو اقتصادية.
30.
إرساء العدل
والبرّ في العلاقات الدولية: يجب أن يسود
التعاون، ويُعان الضعيف، ويُنصف الفقير.
31.
التكاتف في
مواجهة الكوارث: مسؤولية جماعية.
32.
المشاركة في
عمارة الكوكب: واجب الجميع.
33.
الدفاع عن كرامة
الإنسان عالميًا: بلا اعتبار
للدين أو العرق أو الجغرافيا.
34.
عالمية الرسالة
الإسلامية: الإسلام دين عالمي يسعى لإحقاق الحق لا
الهيمنة.
35.
بناء أمة حاملة
للقيم لا دولة توسعية: الغاية إعداد
أمة تمثل النموذج القيمي الأعلى.
36.
قابلية الأمة
المسلمة للاندماج الإيجابي: الأمة المسلمة
قد تكون في أي كيان، وتسعى للتعايش لا الصراع.
إن هذا المقصد الخامس يُمثل البعد
التمدني الكوني في دين الحقّ، وهو الذي يُفعّل ما تختزنه الإنسانية من استعدادات
عليا، ويُطوّر علاقاتها الداخلية والخارجية على نحو يفضي إلى التكامل الخلاّق
والتنافس في الخيرات بدلًا من التصادم المدمّر. وهو تعبير عن رحمة الدين وختم
النبوة وشمولية الرسالة التي جاءت لتكون هدى ورحمة للعالمين.
*******
بارك الله فيكم
ردحذفجميل دكتور ❤️
ردحذف