الخميس، 31 يوليو 2025

إنَّ منكم مَن يُقاتِلُ على تَأْويلِه، كما قاتَلتُ على تَنزيلِه

 إنَّ منكم مَن يُقاتِلُ على تَأْويلِه، كما قاتَلتُ على تَنزيلِه

الحديث النبوي الشريف:

"رووا أن النبي ﷺ قال: "إنَّ منكم مَن يُقاتِلُ على تَأْويلِه، كما قاتَلتُ على تَنزيلِه"، فقام أبو بكْرٍ، وعمرُ فقال: "لا، ولكنَّه خاصِفُ النَّعلِ"، وعليٌّ يَخصِفُ نَعلَه.

الراويأبو سعيد الخدري المحدثشعيب الأرناؤوط المصدرتخريج المسند لشعيب

الصفحة أو الرقم: 11289 | خلاصة حكم المحدثصحيح

التخريجأخرجه النسائي في ((السنن الكبرى)) (8541)، وأحمد (11289) واللفظ له

معنى "يقاتل على تأويله":

أي يُجاهد ويخوض الصراع دفاعًا عن الفقه الصحيح للقرءان الكريم، أي عن تفسيره وتأويله الحقاني، حين تختلط الفهوم أو تنحرف الجماعات عن مراد الله، ويتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة، ويحاولون فرض أهوائهم عليه.

فالتأويل هنا لا يُقصد به "التفسير النظري" فقط، بل العمل السياسي والشرعي والاجتماعي الذي ينبني على فقه الدين وتأويل النصوص واستخلاص القول القرءاني، ويُراد به إحقاق حقّ القرءان في الواقع، في مواجهة من حرّف المعاني أو زوّر الدين.

 وقول النبي ﷺ "كما قاتلتُ على تنزيله" يبين كيف اضطر إلى قتال الكفار والمشركين ليُمكِّن لتنزيل القرءان في الأرض، وليقيم أمةً خيرة على هديه.

أما من سيقاتلهم على تأويله، وهو الإمام علي، فسيفعل للدفاع عن التأويل الحقاني للقرءان وفقهه الصحيح بعد انقلاب الناس على الأعقاب وتسلط أهل النفاق وعبيد الدنيا عليهم.

وقد تحقّق ذلك حين قاتل الإمام عليّ:

  • الخوارج (في النهروان)، وهم من حرّفوا معاني القرءان واستعملوه لقتل المسلمين.
  • الناكثين (أهل الجمل)، الذين نقضوا بيعته.، وكانوا أول جيش محسوب على الإسلام يغزو مدينة إسلامية، ويقترف فيها جرائم حرب.
  • القاسطين وعبيد الدنيا (معاوية وأتباعه في صفين)، الذين أرادوا إقامة نظام سلطاني باسم الدين.

دلالات مهمة:

1.   النبي قاتل الكفار على نزول الدين، وعلي قاتل الناكثين والخوارج والمنافقين المنحرفين عن تأويله؛ فالانحراف عن تأويل القرءان أشد خطرًا من الجهل به.

2.   الصراع الحقيقي ليس صراعًا على السلطة، بل على فقه الدين وتطبيقه، وليس في الإسلام نظم تسلطية

3.   الحديث يُعطي شرعية واضحة لقتال الإمام علي رضي الله عنه ويجعل موقفه امتدادًا للموقف النبوي.

4.   في ضوء مفهوم "حروب التأويل"، نجد أن ما حدث في عهد الإمام عليّ هو بداية الصراع التاريخي بين الدين النبوي الأصيل والدين السلطاني المزيف.

*******

إن هذا الحديث الشريف ليس مجرد نبوءة، بل هو تشريع مستقبلي، يُقرّ بأن هناك صراعًا قادمًا أخطر من صراع الكفار: صراع داخل الأمة نفسها، على فهم الدين وتفسيره وتأويله وتطبيقه. والنبي ﷺ يحسم موقفه ويُعلن بوضوح أن الإمام علي سيكون الوارث الشرعي لجهاد التأويل، كما كان هو ﷺ المجاهد في جبهة التنزيل.

إذًا، ليس كل من حمل شعار "القرءان" كان على نهجه، وليس كل من نافح عن "الإسلام" كان صادقًا في تأويله.

 

كشف حقيقة الانحراف الأموي في ضوء هذا الحديث

أولًا: العداء للتأويل الرسالي

النبي ﷺ أثبت أن الصراع الحقيقي بعد وفاته سيكون على "تأويل القرءان"، وهو الفقه التطبيقي العملي لمقاصده.
بينما نرى أن الانحراف الأموي منذ معاوية بن أبي سفيان قام على:

  • تحريف التأويل الرسالي للقرءان.
  • تقديم تأويل بديل يخدم الدولة لا الحق.
  • تشويه التأويل الحقاني، ووصم أصحابه بالبدعة والخروج.
  • تقديم تأويل يتضمن إنشاء دين (دنيوي) بديل.

وبذلك أصبح الدين أداة في يد السلطان، لا العكس.

 

ثانيًا: قلب معايير الشرعية

النبي ﷺ يجعل التأويل الحقيقي معيارًا للحق.
أما الانحراف الأموي فقد:

  • أقصى هذا المعيار تمامًا، واستبدل به شرعية الأمر الواقع: "الخليفة من غلب".
  • استباح دماء أولياء التأويل النبوي (أصحاب علي وشيعته)، في مقابل تمجيد البغاة وعبيد الدنيا (أهل الشام ومعاوية، ومن تحلق حوله من عبيد الدنيا).
  • نقل مركز الشرعية من الوحي إلى السلطان، ومن الحق إلى القوة.

فحلّ منطق الطغيان محل منطق البيان.

 

ثالثًا: صناعة دين بديل

الفكر الأموي لم يكن مجرد اجتهاد سياسي، بل:

  • أنتج نسقًا دينيًا كاملاً يُبرّر قهر الأمة باسم "الجماعة" و"السُّنَّة".
  • روّج مرويات كاذبة تُفسّر القرءان بما يخدم نظام الحكم.
  • استعمل فقهاء السلطة لتكريس الطاعة العمياء، وتشويه أي معارضة دينية بزعم أنها "فتنة".

فانفصل الخطاب الديني عن الخط النبوي الأصيل، والتحق بركب السلطان.

 

رابعًا: التحايل على القداسة النبوية

في الحديث، النبي ﷺ يُشير إلى الإمام علي بخاصف النعل، وهو مقام التواضع والخدمة.
لكن الفكر الأموي:

  • طمس صورة علي في الوعي العام، حتى لُعن على المنابر عقودًا.
  • اختطف رمزية النبوة لصالح العائلة الأموية، فصار يزيد وريثًا للدين بالوراثة لا بالكفاءة!
  • أُعيد بناء الرواية الإسلامية، بحيث يبدو الإمام عليّ هو المخطئ، ومعاوية هو "الحليم"، الأدرى بما يصلح الأمة والدين.

هكذا جُعل أعداء التأويل النبوي هم المدافعون عن الدين، وأهله خوارجَ ومارقين.

 

خلاصة

الحديث الشريف الذي يُثني فيه النبي ﷺ على من "يقاتل على تأويل القرءان"، ويقصد به الإمام علي، يضع ميزانًا يُحاكم به التاريخ السياسي والديني.

وبهذا الميزان، يظهر الفكر الأموي كالتالي:

 

المعيار

المنهج النبوي ؛الإمام علي

المنهج الأموي (معاوية وما بعده)

مركز الصراع

على تأويل القرءان

على السلطة والهيمنة

الشرعية

سابق الأمة وأساس العترة وشهادة الرسول له، افقه الحقاني للقرءان

التمكن والغلبة بأساليب دنيوية

الدين

رسالي حقاني أخلاقي

وظيفي سلطوي شكلي

التأويل

فقه القرءان في ضوء القرءان

تأويل القرءان ابتغاء الفتنة ولصالح الدولة

الأنصار

أهل الحق؛ العترة النبوية والسابقون الأولون الحقيقيون من المهاجرين والأنصار، الذين لم يبدلوا، بل صدقوا ما عاهدوا الله عليه

المنافقون وعبيد الدنيا والأعراب غلاظ الأكباد.

 

دعوة لإحياء تأويل الحق

نقد الفكر الأموي ليس ترفًا تاريخيًا، بل ضرورة لفهم:

  • لماذا تكرّست ثقافة الاستبداد في عقول المسلمين.
  • كيف انقلبت الأمة على جوهر الرسالة النبوية.
  • ما السبيل لإحياء الخط الرسالي التأويلي الأصيل، الذي عاشه الإمام علي، وأُقصي في الأمويين، وشُوّه حتى صار مظلومًا في وجدان المسلمين.

وبهذا يظهر أن الصراع الحقيقي كان مترتبا أساسًا على تأويل الرسالة.

ومن الجدير بالذكر أن القتال على تأويل الرسالة لم يتوقف، وإنما أصبح دعوة سلمية بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، يقوم بذلك كل من له وراثة جوهرية من الإمام عليّ عليه السلام.

 

*******

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق