الأحد، 13 أبريل 2014

الإسلام

مصطلح الإسلام

كلمة "إسلام" هي أصلا مصدر أو اسم معنى للفعل "أسلم"، والسين واللام والميم أكثر بابه من الصّحّة والعافية؛ فالسّلامة: أن يسلم الإنسان من العاهة والأذَى. ومن الباب أيضا الإسلام، وهو الانقياد؛ لأنَّه يَسْلم من الإباء والامتناع، والسلم والسلام هما بذلك مضادان للحرب لما تسببه من عطب وأذى.
ولكلمة "إسلام" معانيها ومدلولاتها اللغوية والاصطلاحية، فالقرءان قد يكسب الكلمة بالإضافة إلى معانيها اللغوية معانيَ اصطلاحية، وهذه الكلمة ومشتقاتها مستعملة في القرءان بكافة معانيها، وذلك أمر على أعلى درجة من الأهمية، هذه المعاني والمدلولات هي:
1-           المعني اللغويُ ويتضمنُ الانقيادَ والخضوع والإذعان والمسالمة، وذلك في مثل قوله تعالى: {.... وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُون} [آل عمران:83].
2-           الدخول في السِلم، فهو إفعالٌ وتفعيل للسلام، وهو بذلك مضاد للإجرام، والإجرام يتضمن العمل على قطع أي صلةٍ أو انتهاك أي قانونٍ يضمن استمرارَ حالةِ السِلم، ولذلك فمن الأعمال الإجرامية الظلمُ وكذلك انتهاكُ المحرمات واقترافُ كبائرِ الإثم، أما الإسلام هنا فهو تدعيم كلِّ ما يؤدي إلى تحقيق الأمن والسلام، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِين} [البقرة:208]، أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) } القلم، فهذا المعنى يتضمن إيثارَ جانبِ السلام والمصالحة وإيجاد وتفعيل كافة الآليات التي تحققُ ذلك وتضمن استمراره، وهو من تجليات الله الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ.
3-            الدين الحنيف أي دين الفطرة الطبيعي(The natural religion)  الذي بُعث به كل الأنبياء ودعوا أقوامَهم إليه، وهو الدين الذي قال الله تعالى فيه: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُون} [الروم:30]، وهذا لا يعني أن الإنسان مبرمج عليه ويمكن أن يهتدي بنفسه إليه، ولكنه يعني أنه الدين المتوافق تماما مع الكيان الإنساني السوي؛ يلبي له كافة احتياجاته، ويحقق له كماله المنشود على كافة المستويات، وهو أيضًا الدين الواحد عند الله تعالى الذي ورد فيه: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ...}آل عمران19، {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }آل عمران85، {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ}الشورى13، {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}البقرة132، وهو يتضمنُ الإيمانَ بالله والإيمانَ باليوم الآخر وعبادةَ الله وحدَه والانقيادَ له والإخلاص له والإخبات له والتسبيحَ له والتسبيح بحمده وإقامةَ الصلاة وإيتاء الزكاة والصيامَ والحجَ والركوعَ لله والسجود له والعمل الصالح وفعل الخيرات والتزكي بالتحلي بمكارم الأخلاق والتطهر من الصفات الذميمة والإحسان إلي الوالدين والامتناع عن قتل الأبناء خشية الإملاق والوفاء بالكيل والميزان والقيام بالقسط والحكم بالعدل والوفاء بالعهد واجتنابَ الفواحش والانتهاءَ عن كبائر الإثم والأمرَ بالمعروف والنهي عن المنكر...، وهذا هو القدْر الأصلي المشترك بين كل الأديان، وهو الذي كان ينمو ويزداد كلما بُعِث رسولٌ جديد، فالدين كان ينمو مواكبا للتطور الإنساني ودافعا له وحافزا عليه.
4-           الإسلام الظاهري أو الشكلي  (Restricted or limited or superficial or minor or formal Islâm)، وهو جماع ما يعلن به الإنسانُ من الناحية الظاهرية على الأقل انتماءَه للأمة المؤمنة المسلمة ومسالمتَه لها وولاءَه لها، وكان يعني في العصر النبوي إظهار القبول والخضوع لما أتى به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، وفيه قال تعالى: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }التوبة5، {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }التوبة11، {قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} الحجرات: 14، وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ }آل عمران20، وهو يتضمن الأركانَ الثلاثة المذكورة في الآيات؛ أي التوبة إلى الله من الشرك؛ أي الجهر بالقول بأنه لا إله إلا الله، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وهو لا يتضمنُ بالضرورة إيمانا أو إحسانا، وهو الإسلام الذي كان قومُ الرسولِ مطالبين به، وبه يكتسب المرءُ الهوية الإسلامية؛ أي يكون من حقه أن يكون عضواً في الأمة الإسلامية، فأداء هذه الأركان كان بمثابة بطاقة الهوية The identity card للمسلم المنتمي إلى هذه الأمة، وبذلك تجب معاملته كمسلم يكون له كافةُ حقوقِ المسلم ولو كان يخفي نفاقا عريقا، ولكنه يكون أيضا ملزما بالقيام بما عليه من واجبات، ومثلُ هذا لا يجوز إخراجه من الجماعة المؤمنة وإن كان يجب أخذُ الحِذْرِ منه وجهادُه بالقرءان، والالتزام بالأركان المعلومة هو بمثابة بطاقة هوية لكل من ينتمي إلي الأمة، لذلك يجب مساءلة من لا يلتزم بها في حالة وجود تلك الأمة وامتلاكِها لمقدراتها ووجود ولاة أمر لها منها حتى يمكن إسداء النصح له، ولكن لا يجوز لأحد إنزال أي عقاب به، فلا إكراه في أي أمرٍ من أمور الدين، ذلك أمرٌ ديني ملزم، ومن الجلي أن إسلاما كهذا لا يضمن النجاة لصاحبه، أما من اعتنق هذا الإسلام رغبةً في الاهتداء وليس نفاقا ولا علي سبيل التقية فإنه بقيامه بأركانه وحرصه علي العمل بما فقهه من كتاب الله سيدخل الإيمان في قلبه شيئا فشيئا ويصبح مؤهلاً لكي كون مسلما بالمعنى الحقيقي.
5-           الإسلام الذي هو دين الحق الملزم للناس كافة والذي يتضمنه القرءانُ الكريم (The religion of truth, The official or the true Islâm)  ، والذي كان الرسول مجسدا له بأقواله وأفعاله وسنته وحياته، وهذا الإسلام هو الدين الكامل الجامع الخاتم، وهو أيضاً الدين العالمي والرسمي والاصطلاحي، فهذا الدين هو الصورة الكاملة التامة للدين الذي أرسل به كل الأنبياء والمذكور في البند الثالث، فهو يتضمن كلَّ ما هو مذكور هناك، وهو دين الفطرة في صورته الكاملة التامة؛ أي بعد أن بلغ ذروة تطوره وتمت الكلمة، وهو الذي أعلن الله تعالى في القرءان أنه أكمله للناس وأنه سيظهره على الدين كله، {....الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً.....}المائدة3، {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [الفتح:28]، ولهذا الدين سماتُه وعلومُه وبيِّناته ومقاصده وقيمه وأركانه وسننه، ولكل عنصر من العناصر الواردة في القرءان مكانه في هذا الدين طبقا لوزنه القرءاني، وأركانه هي كل ما ورد به أمر إلهي ملزِم ومشدَّد وحرص القرءان علي تأكيده وبيان أهميته، وعلي رأس تلك الأركان الإيمان بالإله الواحد الذي له الأسماء الحسني والأفعال والشئون والسنن المذكورة في القرءان، ولب هذه الأركان عبادة الله تعالى بإخلاص وذكر الله والعمل على إقامة صلة وثيقة به والتزكِّي، ولهذا الدين مقاصده الكلية، هي جماع مقاصده الجزئية والتي هي الحٍكم من كافة الأوامر الدينية، ولا نجاة لإنسان الآن إلا بالالتزام بهذا الإسلام طالما بلغه البلاغ الكافي، ومن كان حريصاً على الالتزام المطلق بهذا الإسلام قلبا وقالبا فهو من المؤهلين لجني ثماره وهو من المبشرين بالجنة، وكل صور الإسلام المذكورة سابقا هي أجزاء منه أما ما يليه فهو ثمرة له.
6-           الإسلام الذي هو العلاقة الخاصة بين العبد وربه، وهو من لوازم أركان دين الحق الجوهرية، وهو يتضمن تمسك الإنسان بما فُطِر عليه من الإقرار لله بأنه رب العالمين والخضوع التام له والانقياد له والإخبات له واتخاذه وليا والعمل بمقتضى ذلك، وهو يعني الولاء لله والإخلاص لله والتوبة والإنابة والقنوت والإخبات إلي الله وحب الله وتقوى الله وذكر الله والاعتصام به والتوكل عليه وتفويضَ الأمر إليه وإجلالَه وتعظيم قدره والاستعانةَ به والاستعاذةَ به والتسبيح له والفرار إليه والشكرَ له واتخاذَه ولياً والعمل لإعلاء كلمته والإقرار بنعمته واستغفاره والوفاء بعهده وميثاقه، وأعلى درجاته هو أول الإسلام؛ أي أعلى درجات الإسلام، وهو إسلام الوجهِ مطلقاً لرب العالمين، وهو ثمرة الالتزام بالإسلام الكامل أي بدين الحق، والثمرة هي جماع مقاصده على المستوى الفردي، ومن تحقق به فقد كتب الله في قلبه الإيمان وكتب في صدره آياتِه البينات وجعل له فرقانا وأحياه الحياة الحقيقية، وجعل له نورا يمشي به، وفيه قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{162} لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ{163}}(الأنعام)، والدرجات العلى هي لمثل هذا المسلم على المستوى الجوهري في هذه الحياة وفي الجنة في اليوم الآخر، وهذا المسلم هو الذي تحقق فيه المقصد الديني الأعظم؛ أي أصبح إنسانا ربانيا فائقا (تقيا صالحًا مفلحًا محسنا شاكرا).

والإسلام المطلوب من الإنسان الآن هو دين الحق المذكور في البند الخامس، وهو الدين التامّ الكامل الجامع الخاتم، وهو أيضا الدين العالمي والرسمي والاصطلاحي الملزم لكل من بلغه البلاغ المبين، فهذا الدين هو الصورة الكاملة التامة للدين وكل الأديان التي جاءت قبله كانت تمهيدا له، ولا يمكن أن يأتي دينٌ آخرَ بعده، ولا أن يظهر نبي بعد نبيه، وكل ما سيأتي بعده لا يمكن أن يكون إلا مندرجا في سياقه أو تفصيلاً لبعض عناصره أو تأويلاً لبعض آياته؛ أي من لوازم تفصيله وظهوره، وهذا الإسلام ماثل في القرءان الذي هو رسالة الرحمـن إلى كل بني الإنسان، فمرجعه الأوحد في الأمور الكبرى هو القرءان، وهو مرجعه الأعلى في الأمور الثانوية، وهو ملزم للناس كافة إلى يوم الدين، وهو الطريق الرسمي المتاح للكافة للفوز بالنجاة والأمن والسعادة في الدار الآخرة.
وكثير من تفاصيل دين الحق تتكشف للإنسان بمضي الزمن واطرادِ التقدم دون أن تتغير هويته أو أسسُه أو هياكله أو منظوماته أو معاني مصطلحاته، فالإسلام دين ديناميكي حي، أما العكوف على ما توصَّل إليه شخص من السلف أو الخلف باجتهاده البشري خوفا وتهيبا فهو كالعكوف على الأوثان، وهو بلا شك من ضروب الشرك، ذلك لأن يتضمن محاولة لإضفاء سمات إلهية على السلف وعلى مقولات السلف، ولذلك لا يخلو مذهب من المذاهب التي حلت محلَّ هذا الدينِ من شرك، قال تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}الأنعام159، {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ{30} مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ{31} مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ{32}الروم، {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ}الشورى13.
ولقد أعلن الله تعالى أن تأويلَ القرءان سيأتيهم شيئا فشيئا، فالشقيُّ التعسُ هو من حجَّر رحمة الله وفضلَه، وعكف على ما وصل إليه السلف لم يبغ عنه حولا ولم يحاول أن يتعلم من أئمة عصره.
*******
والإسلام المراد تبيينه أساسًا في كتاباتنا هو دين الحق؛ ذلك الدين العالمي الخاتم الذي أكمله الله تعالى وارتضاه لعباده وتمَّت به كلماته صدقا وعدلا والذي هو ملزم للناس كافة والذي بُعث به خاتم النبيين صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ والذي يتضمنه القرءان الكريم وما يصدقه مما تواتر عن الرسول من السنن وما نُسب إليه عن طريق المرويات، وهو دين الحق الجامع لكل الصور المعلومة للإسلام، فكلها أجزاء منه أو مراحل من مراحله أو من ثمار العمل به، فهذا الإسلام هو الدين الرسمي الاصطلاحي، والقرءان الكريم هو المرجع الأوحد لهذا الدين في كل الأمور الكبرى والمرجع الرئيس فيما هو دون ذلك من الأمور، فعناصر هذا الدين مبرهن عليها كلها بآيات القرءان الكريم، ذلك لأنه أصلا مستخلص منه وفق منهج قرءاني منطقي صارم.
أما المذاهب التي حلَّت محلّ الإسلام فقد اتخذت القرءان مهجورا وقدمت عليه ما شاء لها هواها أن تقدم من مصادر وحكَّمتها فيه وقضت بها عليه رغم كل دعاواهم وعبارات المدح المنمقة التي يكيلونها له، وقد أثبت التاريخ والواقع المرير والحالة المزرية للأمة وعمق الهوة التي تردت فيها وما زالت تتخبط فيها مدى زيف وضحالة وتهافت وفشل المذاهب التي حلت محلّ الإسلام، ولم تنجح هذه المذاهب إلا في تحقيق أشد أحلام الشيطان جموحا، ولكن ذلك لا يعني إحداث مذاهب جديدة تجرد الدين من معانيه وأسسه وجوهره ولبِّه وغيبياته وتجعله مجرد مذهب اجتماعي للتعايش مع الآخرين.
وإذا كان الناس قد اتخذوا القرءان مهجورا متذرعين بدعاوى ومزاعم قديمة فلا يجوز الآن اتباع منهجهم تذرعا بمزاعم جديدة، وليس من الأمانة أن يظل أحدهم يصرخ مطالبا ليل نهار بالعودة إلى القرءان وهو يبني كل كلامه على الكفر بأكثره.
*******
إن الدين عند الله واحد؛ هو الإسلام به أُرسل كل الرسل، ولقد بدأ بصورة بسيطة ثم أخذ ينمو ويكتمل مع الزمن مواكبا لتطور الإنسان وتقدمه ودافعا إليه، وكان يتخللُ ذلك نزولُ شرعةٍ ومنهاجٍ من حينٍ لآخر لإصلاح الأحوال الخاصة بالأقوام والأمم، وهذه الشرائع والمناهج من الممكن أن تتعدد، ذلك لأنها كانت تعالج ما غلب على كل قوم من الأقوام من ألوان الفساد والآثام، وهذا ما يظهر مثلا في رسالات الأنبياء هود وصالح ولوط وشعيب عليهم السلام لأقوامهم، قال تعالى:
{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (127) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آَيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131)} الشعراء
{كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (145) أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آَمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (152) قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153) مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآَيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (154)} الشعراء
{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (164) أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166) قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167) قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ (168) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169) فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170)} الشعراء
{كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (180) أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184) قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185) وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (186)} الشعراء
ولكن كان التطور يمضي باتجاه الوفاء بكل ما يلزم الإنسانية الشاملة والعالمية، إلى أن آن أوان اكتمال الدينِ وتمامه، وقد حدث ذلك بالرسالة المحمدية، فبلغ الدين أوجَ كماله وعالميته، فجاء بعلوم جديدة وبشرائع جديدة، ونسخ ما نسخ من الشرائع الخاصة وأبقى ما أبقى، وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.
*******
قال تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)} [القلم:35]
هذا تساؤل استنكاري، فلا يمكن أن يستوي المسلمون والمجرمون، هذه بديهية، ولقد حاول بعض المجتهدين الجدد ليّ عنق الآية واستنطاقها بما يؤمنون به مسبقا، وهو أن اليهود والنصارى مسلمون!؟؟؟!! وكان من الأولى بهم أن يعرفوا من هم المسلمون في القرءان، ومن هم المجرمون.
أما المسلمون فأكثر آيات القرءان تبيِّن حقيقتهم وما يجب أن يؤمنوا به وأن يعملوا به، وليس من بينهم بالطبع من كفر بالقرءان أو ببعض القرءان أو بالرسول الذي أُنزل عليه القرءان، فلا يمكن بذلك أن يكون اليهود والنصارى مسلمين.
فالْمُسْلِمونَ ليسوا كَالْمُجْرِمِينَ، هذا بالطبع أمر واضح وبديهي، ذلك لأن اختلاف المبني يعني اختلاف المعنى، وهو فوق ذلك النتيجة المنطقية لكل الآيات القرءانية التي تبين صفات وأفعال كل من الطائفتين، فلا يمكن أن يستوي المسلمون والمجرمون، ولكن هذه المعادلة لا تجعل بالضرورة كل من ليس مسلما مجرما، ولا تجعل كل من ليس مجرما مسلما، وبالطبع لا تجعل كل من ليس مجرما مسلما أو يهوديا أو نصرانيا، ومن المعادلات المنطقية والرياضية الثابتة:
لو كانت المجموعة {س} لا تساوي المجموعة {ص} فهذا لا يعني بالضرورة أن {س} = - {ص}، ولا يوجد في المقدمة ما يشير إلى أن المجموعة {س} تتضمن كل العناصر المضادة للمجموعة {ص} ولا ما يثبت العكس، ومن أراد القول بذلك فعليه أن يأتي ببراهين أخرى مستقلة.
كما أن ذلك لا يعني أيضاً أن {س} تتضمن بالضرورة المجموعتين {د} و {م} فهذه أمور أخرى يجب إثباتها ببراهين أخرى مستقلة، وبالطبع فإن ثبوت أن هاتين المجموعتين تتضمنان عنصر من المجموعة {ص} يكفي تماما لدحض أن تكونا من المجموعة {س} المضادة للمجموعة {ص}.
ومن تتبعِ واستقصاءِ واستقراء آيات القرءان التي تبين أفعال وصفات كل من المسلمين والمجرمين يتبين أن اليهود والنصارى لا يحققون الشرط الضروري الأدنى لكي يكونوا مسلمين، أما الذين بلغتهم منهم رسالة القرءان البلاغ المبين ثم أصروا مع ذلك على الكفر بها فتنطبق عليهم بعض صفات المجرمين، وأشدهم إجراما من عمل على إحباط رسالة النبي الخاتم وتقويضها.
ولمزيد من توضيح المعادلات السابقة:
قال تعالى: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14)} الجن.
فهذه الآية تجعل القاسطين مقابلين للمسلمين، وهاهنا ينطبق الكلام السابق أيضا، فالقاسطون هم الجائرون الظالمون، وبذلك فالمصطلح "مسلم" لا يتضمن فقط ما هو مضاد للمصطلح "قاسط"، بل هو أكبر من ذلك بكثير، أما المصطلح "قاسط" فلا يمكن أن يتضمن أبدا كل المعاني المضادة للمصطلح "مسلم"، هو أصغر من ذلك بكثير.
قال تعالى: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86)} مريم
فهذه الآية تجعل المجرمين في مقابل المتقين، وبالطبع لا يمكن أن تكون صفات وأفعال أيٍّ من الطائفتين هي العكس التام من الناحيتين المنطقية والدينية لصفات وأفعال الطائفة الأخرى.
وقال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا (75)} طه
وهذه الآية تجعل المجرم في مقابل المؤمن، وبالطبع لا يمكن أن تكون صفات وأفعال أيٍّ من الطائفتين هي العكس المنطقي والديني التام لصفات وأفعال الطائفة الأخرى.
فالمقابلة بين طائفتين في آيات القرءان لا تعني بالضرورة أن إحداهما تتصف بكل الصفات المضادة للطائفة الأخرى، ولكنها قد تهدف مثلا إلى التهويل من شأن صفة معينة لدى الطائفة السيئة وبيان مدى بشاعتها، كما قد تهدف إلى إظهار وبيان شأن إلهي، وكذلك إلى تقريع المخاطبين ودحض أقوالهم، ومن ذلك قوله تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)} [القلم:35].
فالمقصد بيان أن الله تعالى هو الحق، وأنه يحكم بالعدل، ولذلك هو لا يسوي بين المسلمين وبين المجرمين، وخواص كلتا الطائفتين مبينة في آيات قرءانية عديدة، يمكن للمسلم المتدبر أن يعرفها، والخطاب يبين مدى بشاعة صفة الإجرام ومدى سموّ صفة الإسلام ويتضمن تقريعا وتهديدا للمخاطبين، وهم كفار قريش، وكل من تبنَّى نفس قولهم هذا إلى يوم الدين.
ولا يجوز الخلط بين المعاني اللغوية وبين الدلالات الاصطلاحية، كما لا يجوز أبدا استغلال جهل الناس بالدلالات الاصطلاحية للكلمات، فالمقصود بالمسلم بالمعنى الاصطلاحي هو من يؤمن بما أُمِر بالإيمان به في القرءان وأن يقيم الصلاة وأن يؤتي الزكاة طبقا للمفهوم الإسلامي المعلوم، فهذا هو الحد الأدنى اللازم، ومن أركان الإيمان اللازم الإيمان بالله وكتابه القرءان ورسوله خاتم النبيين صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ وباليوم الآخر، فمن لم يوفِّ بشيء من ذلك ليس بمسلم، أما الزعم أو بالأحرى الهراء الذي أحدثه الضالون الجدد فهو أن يقولوا: المسلم هو عكس المجرم، واليهود والنصارى ليسوا مجرمين، إذاً هم مسلمون!!!! وهو بذلك يحاول أن يستقطع آية من القرءان ليضرب بها كل الآيات الأخرى والمنهج القرءاني والمنطق القرءاني.
فلا يحق أبدًا لبعض المضلين الجدد أن يفرض على الإسلام والناس رأيه الفاسد المقرر سلفا، وهو أن اليهود والنصارى مسلمون.
-------
إن أعلى درجة من درجات الإسلام هي درجة أول المسلمين، والمتحقق المطلق بها هو النبي الخاتم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، ولكنها متاحة لكل من وجه وجهه لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وجعل صلاته ونسكه ومحياه ومماته لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِين.


*******

هناك 3 تعليقات:

  1. بيان وتفصيل لمعاني مصطلح الإسلام طبقا للقرءان

    ردحذف
  2. يا الله اجعلنا مسلمين لك ذاعنين لربوبيتك مستسلمين لأوامرك.. بصًرنا يا الله بما يشرح صدورنا ويزيل الغشاوة عن ابصارنا وبصائرنا وجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه

    ردحذف