الأحد، 13 أبريل 2014

الصورةُ الموجزة لأركان دين الحق الملزمةِ للفرد



لكي يتمَّ استخلاصُ أركانِ دين الحق من القرءان لابد من نظرية مكتملة لهذه الأركان؛ أي لابد من منهجٍ قرءانيٍ دقيق لاستخراجها من القرءان، هذا هو منهجنا للتعامل مع الأمورِ الدينية والذي اتبعناه للتعرف على السبع المثاني والأسماء الحسنى ومقاصد الدين العظمى ومنظومات قيم وسنن وسمات الدين.
وشرح وإثبات هذه النظرية وهذا المنهج وشرح نتائجه متضمنٌ في الكثيرِ من كتبنا وبصفة خاصة كتاب أركان الإسلام وبالطبع لا يمكن الحديثُ عن كتابٍ ضخمٍ كهذا في محاضرة واحدة، ولذلك سيتم الاكتفاء باستعراضٍ سريع لأركان الإسلام الملزمة للفرد فقط حيث توجد أركان ملزمة للأمة أيضا.
ونظرية الأركان تنتمي لفئة النظريات الاستقرائية، وذلك من حيث أن محتواها يمكن التعبير عنه في إطار نسق منطقي تؤخذ مسلماته وبيناته وبديهياته من القرءان والمنطق الصوري واللُغوي، أما مصدرُ عناصرها فهو القرءانُ وحده.
والنظرية توفي ما هو مطلوب من أية نظرية ناجحة، فهي تستوعب ما هو موجود من نظريات وتقدم ما يبرر وجودها وتفسر كل ما يدخل في نطاقها، ونظرية الأركان تستوعب كل الأوامر القرءانية وتعطي لكل أمر وزنه الحقيقي وفقا للقواعد القرءانية والمنطقية واللغوية، فكل أمرٍ قرءاني له مكانه في نسيجها.
فنظرية الأركان تمثل القرءان من حيث أنه ملزم للناس للكافة، فهي تقدم لهم بغض النظر عن عدم معرفتهم أو تمكنهم من اللسان العربي الأنموذجَ أو النسقَ القرءاني الواجبَ اتباعُه.
والنظرية هي كذلك لأنها تقدم تفسيرا للمعطيات القرءانية وتنسيقاً منطقياً لها.  
ونظرية الأركان تتسم بقلة عدد المسلمات وبالوحدة والاتساق وخصوبةِ النتائج.
والأركان التي نريد استخلاصها هي أركان الإسلام من حيث أنه دين الحق الملزم للناس كافة والذي يتضمنه القرآن الكريم، والذي كان الرسول مجسدا له بأقواله وأفعاله وحياته، وهذا الإسلام هو الدين الكامل الجامع الخاتم، وهو أيضاً الدين العالمي والرسمي والاصطلاحي، فهذا الدين هو الصورة الكاملة التامة للدين الذي أرسل به كل الأنبياء، وهو الذي أعلن الله تعالى في القرآن أنه أكمله للناس وأنه سيظهره على الدين كله، {....الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً.....}المائدة3، ولهذا الدين سماته وعلومه وبيناته ومقاصده وقيمه وأركانه وسننه، ولكل عنصر من العناصر الواردة في القرآن مكانه في هذا الدين، وأركانه هي كل ما ورد به أمرٌ شرعي ملزمٌ ومشددٌ وحرص القرآن علي تأكيده وبيان أهميته، ولا نجاة لإنسان الآن إلا بالالتزام بهذا الإسلام طالما بلغه البلاغ الوافي الكافي، ومن كان حريصاً على الالتزام المطلق بهذا الإسلام قلباً وقالباً فهو من المؤهلين لجني ثماره وهو من المبشرين بالجنة، وهو الذي تحقق له المقصد الديني الأعظم الخاص بالفرد، وهو أن يكون الإنسان ربانيا فائقا؛ أي تقيا صالحا مفلحا محسناً شاكرا مؤهلا للعيش السعيد الآمن في الدنيا والآخرة.

أركان الدين الملزمة للفرد


1.      الإيمان بالإله الواحد الذي له الأسماء الحسنى والشئون والأفعال والسنن الواردة في القرآن الكريم، (والحد الأدنى اللازم للوفاء بهذا الركن هو في الإسلام الظاهري: شهادة أن لا إله إلا الله).
2.      عبادةُ الله تعالى بإخلاصٍ وذلك بطاعته والاستجابة له؛ أي القيامُ بحقوق أسمائه الحسنى ومقتضياتها، ومن ذلك العمل بمقتضى سننه وأوامره وإسلامُ الوجه له والشكرُ له والاستقامةُ كما أمر والتوجهُ إليه بالدعاء، والإخلاص يعني ابتغاء وجه الله في كل عمل.
3.      ذكر الله، والذكرُ هو الوعي والإحساس الصادق بالحضور الإلهي، والركن الملزم هو جماع كلِّ ما يؤدي إلي تنميةِ وتزكية هذا الإحساس، وهو يتضمن ذكرَ أسماءِ الله الواردةِ في القرآن وذكرَ الآياتِ التي ورد فيها الأسماءُ والتسبيحَ لله والتسبيحَ بأسماءِ الله والتسبيحَ لأسماءِ الله والتسبيح بحمد الله والتكبير والاستغفار والحمدَ لله والشكر لله والتفكر في خلق الله والنظر في آياته وسننه، وذكرُ الله يستلزم ذكر نعمته والقيام بواجب الشكر عليها وحسن استثمارها والانتفاع بها.
4.      العملُ على إقامةِ ودعمِ وترسيخ صلةٍ وثيقة بالله تعالي وعلاقةٍ حميمة معه سبحانه، وهذا الركن يقتضي إسلامَ الوجه لله والولاءَ لله والإخلاصَ لله والتوبة والإنابة إلي الله والإخبات إلي الله وحب الله وتقوى الله وذكر الله والاعتصام به والتوكلَ عليه وتفويضَ الأمر إليه وإجلالَه وتعظيم قدره والاستعانة به والاستعاذة به والفرار إليه والشكرَ له واتخاذَه ولياً والعمل لإعلاء كلمته والإقرار بنعمته والمبادرة بالاستغفار عند اقترافِ أيِّ خطأ في حقه.
5.      القيامُ بحقوق الكتابِ العزيز بالإيمان به، وتلاوتِه باتِّباعه واتخاذِه إماما وتلاوةِ آياته وتعلمِّه وتعلم ما يتضمنه من الحكمة وقراءته وتذكره وتدبر آياته وتزكية النفس به وتعظيم قدره واتخاذه إماما، وكل ذلك يقتضي اتخاذَه المرجعَ الأوحد في أمور الدين الكبرى والمرجعَ الأعلى في الأمور الثانوية.
6.      الإيمانُ بأن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ هو رسولُ الله إلى الناسِ كافة وخاتمُ النبيين والمرسلُ رحمة للعالمين والعملُ على إقامةِ صلةٍ وثيقة به والقيامِ بما يقتضيه ذلك من تعظيم قدره والصلاةِ والتسليمِ عليه وطاعتِه والتأسِّي به والتمسكِ برسالته وسنته.
7.      الإيمانُ بالغيبِ الواردِ في الكتاب العزيز، وعلى رأس ذلك الإيمانُ باليوم الآخر وبكل ما يتضمنه مما أورده القرآن عنه والإيمانُ بملائكة الله وكتبه ورسله والعمل بمقتضى ذلك، ومن ذلك احترامُ وتوقير ملائكةِ الله مثل الحفظة والكرام الكاتبين وعدمُ تكذيب ما ورد في الكتب السابقة مما يكون متسقا مع القرءان الكريم.
8.      التزكِّي؛ أي تزكيةُ الكيان الإنساني بكل ما يتضمنه من قلبٍ ولطائف ونفسٍ وجسد، وذلك بالعمل علي التطهر من كل عناصر وآثار منظومة الأخلاق الذميمة والصفات الشيطانية وعلى اكتسابِ وتنمية كلِّ عناصر المنظومة المعنوية الإسلامية من القيم والمبادئ والمثل والصفات الحسنى ومكارم الأخلاق، ومن الأركان الفرعية لهذا الركن الجوهري الكبير التحققُ بالتقوى والصبرِ والحكمةِ والإحسانِ والشكرِ والصلاحِ وطلبِ العلم والصدق والولاءِ للحق.
9.      الالتزام بالأوامر الدينية والقيم الإسلامية في كل الأمور الحياتية وفي التعامل مع كافة الكيانات المخلوقة ومنها الكيانات الإنسانية وهي الإنسانُ نفسُه والأسرةُ والأمة والأفراد والكيانات الأخرى والخارجية وكل ما يمكن أن يستجدَ من كيانات، ومن الأركان الفرعية لهذا الركن الكبير الشامل:
a.                  احترام حقوق وكرامة الإنسان، وهذا يتضمن مراعاةَ واحترامَ وأداء كافة الحقوق الشرعية الواجبة عليه لأي إنسان آخر أو لأي كيان إنساني، كما يتضمن احترامَ كرامةِ الإنسان من حيث أنه إنسانٌ مكرمٌ وحاملٌ للأمانة ومستخلفٌ في الأرض ومفضل، فيجبُ أن يتأسَّى الإنسان بربه في ذلك، قال تعالى:{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }البقرة30، {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً }الإسراء70،  {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }الأنعام165، {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً }الأحزاب72
b.                 إعطاءُ كل ذي حق حقه، وهذا يتضمن القيام بالواجبات نحو كل الكيانات الأخرى، فالفرد ملزم بالقيام بالواجبات نحو والديه وذوي القربى ونحو من يعول ونحو كل الكياناتِ الإنسانية التي هي أكبر منه والتي تحتويه كعنصر من عناصرها كالأسرة والأمة وكل ما يمكن أن يستجد من كيانات.
c.                  تأديةُ الأمانات إلى أهلها، وهذا يتضمن أن يؤدِّي كلُ إنسان ما أؤتمن عليه أو ما لديه من أمانة إلى صاحب هذه الأمانة وإلى من هو أحقُ بالأمانة، ومن ذلك إسناد كل أمر إلى من هو أهل له.
d.                 الحكمُ بما أنزل الله؛ أي الحكمُ بالعدل والقيام بالقسط والقيامُ لله والشهادةُ بالقسط وإعطاءُ كلِّ أمر وزنَه الشرعي والحكمُ على كل فعل إنساني بما حكم الله تعالى عليه به والتوصيفُ الشرعي للأمور.
e.                   طاعةُ أولي الأمرِ من المؤمنين، أي طاعةُ كل من له وِلاية علي الإنسان بحكم صلة قربى أو بحكم تأهيله وعمله وتخصصه، فأولو الأمر هم المؤهلون لإصدار الأوامر كلُّ طائفةٍ منهم في مجالهم الخاص.
f.                   إعمال الشورى في كل أمر.
g.                   القيام بكل ما يدعِّم وحدةَ الأمة وقوتها وعزتها ويقوي كيانها، ومن ذلك التواصي بالحق والتواصي بالصبر والتعاونُ على البر والتقوى وإتقانُ العمل والتكافل.
h.                 مراعاةُ العهودِ والمواثيق.
i.                    أن تكون كافة الأمور الحياتية (الأكل والشرب...الخ) والمعاملات الشخصية والأسرية والتجارية والوظيفية والعلاقات الاجتماعية وفقاً لمنظومة القيم الإسلامية والأوامر والسنن الشرعية.
j.                   التعامل بمقتضى الحكمةِ والرحمة والرأفة وخفض الجناح واللين والصفح الجميل وكافة مكارم الأخلاق مع الناس كافة.
k.                 الالتزامُ بالأوامر الدينية والقيم الإسلامية في التعاملِ مع معتنقي المذاهب والأديان الأخرى فيبرُّهم ويقسط إليهم ولا يعتدي عليهم ويدعوهم إلي سبيل الله وفق القيم والسنن الشرعية أي بالحكمة والموعظةِ الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، ولكن عليه ألا يجاملَهم علي حساب دينه وأمته وألا ينخدع بباطلهم وألا يمجد أوثانهم وألا يتخذهم أولياءَ إذا ما أظهروا العداء للمسلمين.
l.                    مراعاةُ حقوق الكائنات غير البشرية من الدواب والنباتات وهذا يقتضي الإحسان إلى دواب الأرض والامتناع عن الإفساد في الأرض ومراعاة حقوق البيئة، ويجب العلم أن الإفساد في الأرض هو من كبائر الإثم لتضمنه عدواناً سافراً على حقوق أجيال إنسانية قادمة.
10.  اجتنابُ كبائر الإثمِ والفواحش والانتهاءُ عن المنكر، وكبائرُ الإثم إما أن يكون منصوصاً عليها صراحة في القرءان وإما أنها مضادة لركنٍ ديني كبير أو قيمةٍ دينية كبرى أو مقصدٍ ديني عظيم.
11.   إقامةُ الصلاة، وهي تتضمنُ إقامةَ الصلواتِ الخمس، كما تتضمن وصلَ ما أمر الله به أن يوصل؛ أي إقامةَ شبكات من الوصلات والعلاقات الشرعية بين الإنسان وبين الكيانات الأخرى التي هو مأمور أن يقيم صلاتٍ بها.
12.   إيتـاءُ الزكاة، وهذا يتضمن إعطاء الأمة جزءا معلوماً من ثمار عمله ودخله أداءً لحقِّها عليه، كما يتضمنُ صيانةَ وتزكيةَ الوصلات والعلاقات المذكورة في ركن إقامة الصلاة ومدَّها بما يحييها ويصونها ويقويها.
13.   الإنفاق في سبيل الله؛ بمعنى أن يكونَ كلُّ إنفاق للمال بقصد تحقيق مقصدٍ شرعي وليس عبثاً أو تحقيقاً لمأَرب شيطاني، كما يتضمن إنفاقَ المال لمساعدة الآخرين وفي كافة أبواب الخير، وهذا الركن يتضمن عدمَ محاولة عرقلة دورة رأس المال، وبذلك يكون كنزُ المال أو تبديدُه أو التبذيرُ من كبائر الإثم.
14.   العملُ الصالح وهو كل عمل يقوم به الإنسان للوفاء بمقتضيات كونه حاملاً للأمانة والرسالة ومستخلفاً في الأرض ومسئولاً، فهو يتضمن كل ما يؤدي إلى إصلاح وتعمير.
15.   الدعوةُ إلى الله، والدعوة إنما تكون بالحكمةِ والموعظةِ الحسنة والجدالِ بالتي هي أحسن وتقديمِ الأسوة الحسنة والعملِ الصالح وتأليف القلوب.
16.   استعمالُ الملكاتِ الذهنية والحواسِ الإنسانية للنظرِ في الآيات الكونية والنفسية وفي الوقائع التاريخية ولفقهِ واستيعابِ السنن الإلهية والكونية والإفادةِ منها ولتحقيق المقاصد الدينية والوجودية، وهذا يتضمن التفكير في خلقِ السماوات والأرض والنظر في كيفية بدأ الخلق وفي كيفية خلق المخلوقات وفي كونها على ما هي عليه وفي عواقب الأمم الخالية.
17.   الجهادُ في سبيلِ الله، وهذا الجهاد يتضمنُ كلَّ ما يجب القيامُ به لمواجهة ومغالبة كلِّ ما يعوق القيام بأركان الدين الكبرى وتحقيقِ مقاصد الدين العظمى من الكيانات وعلى رأسها كِيانُ الإنسان نفسه.
18.   الصيام، وحده الأدنى هو صيام شهر رمضان.
19.   حج البيت لمن استطاع إليه سبيلا.





هناك تعليق واحد:

  1. كتب الله اجرلكم وأحسن إليكم واصلح لكم كل عمل في سبيله

    ردحذف