الأحد، 13 أبريل 2014

مقاصد الدين العظمى

مقاصد الدين العظمى

إن الله تعالى لا يفعلُ إلا ما تقتضيه أسماؤه التي هي لوازمُ ذاته وسماتِه والتي هي تفاصيلُ وتجلياتُ حسنِه وكماله، ومن يفعل ما تقتضيه أسماؤه وسماتُه لا يكون مُكرهاً على فعله، بل إنما يكون متسقاً مع نفسه، والله سبحانه هو الحكيم، فحكمتُه هي سمةٌ ذاتية واجبة مطلقة، وله سبحانَه منظومةٌ رئيسةٌ من منظومات الأسماء الحسنى هي منظومةُ الحكمة والتي تتضمن العديد من الأسماءِ الحسنى والحلقاتِ الإلهية، فلله سبحانه الحكمةُ المطلقة التامةُ الساريةُ في كل أمر والمحيطة بكل فعل.
فحكمة الله سبحانه محيطة بكل فعل من حيث المبدأ ومن حيث المنتهى أو المرجع أو المآل أو المقصد، وحكمته سبحانه مفصَّلةٌ بالمقاصد العظمى والكليةِ والجزئية المنصوصِ عليها في الكتاب العزيز أو التي يمكنُ استنباطُها منه، فلا بد من حكمةٍ أو مقصدٍ لكل قولٍ من أقواله أو فعلٍ من أفعاله أو أمر من أوامره أو سنة من سننه.
ومن أسماء منظومة الحكمة: الحكيم العليم، الحكيم الخبير، الحكيم الحميد، العليم الحكيم، العلي الحكيم، الحكيم (أحكم الحاكمين، خير الحاكمين)، التواب الحكيم
ومن الحلقات الإلهية المحكمة: (الحكيم العليم-العليم-العليم الحكيم-الحكيم)
فالحكمة سارية في كل الأفعال الإلهية، والفعل بصفةٍ عامة ينطلق من حكمة سابقة ليؤديَ إلى حكمة لاحقة، وكلها نقاط على الحلقات الكونية التي هي من مقتضياتِ الحلقات الإلهية.
والحكمة السابقة هي ما يسميه الناسُ بالسبب والحكمةُ اللاحقة هي النتيجة، والارتباط بين الأمرين بصلةٍ ما هو سنةٌ إلهيةٍ أو كونية.

تعريف المقصد الديني
المقصدُ الديني هو الحكمةُ أو الهدف أو الغاية من الالتزام بالأمر الديني والعمل بمقتضاه، فهو ما يترتبُ على الفعل الذي هو استجابة للأمر الديني، والمقصدُ الشرعي هو ما يريدُ الله تعالى للناس أن يحققوه بقيامهم به وممارستهم له؛ أما المقصد بالنسبة للإنسان فهو ما يكون حاضرا في وعيه وساعيا إليه عند قيامه بهذا الفعل، فهو يتوسل بالفعل (يتخذه وسيلة) إلى تحقيق المقصد.
وإذا كان الفاعل هو الإنسان فإن الفعل يكون مسبوقاً بسببٍ هو الدافعُ والحافز المترتب على علم بالنتيجة المرجوة من الفعل؛ أي المقصد منه، وقد يتحقق المقصدُ أو لا يتحقق، فالأمر محكوم بسنن إلهية كونية، وهذه السنن تقتضي مراعاة طبيعة الإنسان من حيث أنه كائن مكلف ومخير فيما يختص بالأمور التي تحدد مصيره النهائي؛ وهي الأوامرُ الدينية الملزمة.
والمقاصد هي الغايات التي تتحقق للإنسان بالتزامه بالأوامر الدينية التي يشكل جماعها الشريعة، ويجب الفقهُ والتدبر لإدراكها.
أهدافُ علم المقاصد
إن مقاصدَ الدين هي الغايات والأهداف والنتائج والحِكَم من الأمر الشرعي، والتي يجب أن تتحقق لمن يعملُ بمقتضاه، ومن البديهي أنها ستكون على شكل أنساق فتجتمعُ بعض المقاصد الجزئية في مقصد كبير واحد، أو تجتمعُ المقاصد الجزئية الخاصة بكِيان في مقصد كبير خاص بهذا الكيان.
فأهداف علم المقاصد هي:
1.          أن يعلم كل كِيان إنساني ما يريده الله تعالى منه وله وأن يكون على وعي دائم به.
2.          أن يحققَ كل كيانٍ إنساني بقدر وسعه ما يريده الله تعالى منه وله.
3.          أن يعرف كل كيان إنساني مدى نجاحه في تحقيقِ ما يريدُه الله منه.
4.          أن يعلم المقاصد من كل عمل هو مأمورٌ به.
5.          معرفةُ جدوى ومراتب وموازين الأعمال كما وردت في كتاب الله تعالى فلا يتضخم أمر فرعي جزئي على حساب أمر أصلي كلي.
6.    أن يتمكن ولاة الأمر في كل عصر ومصر من سنّ ما يلزمُ الناسَ من القوانين المتسقةِ مع دين الحق ومن التقدير السليم لكل ما يستجد من الأمور ومن الحكم الصائب عليها.
إن المقصدَ من الأمر الديني هو الغايةُ والحكمةُ منه والنتيجةُ اللازمةُ له (أي المرجوةُ منه) وفي نفسِ الوقت هي الأمر التالي له في الحلقة الكونية؛ فثمة ارتباط موجب بين الأمر الديني وبين المقصد منه؛ والأمور الكونية تأخذ شكل حلقات لكونها من مقتضيات الحلقات الإلهية، وكلما كانت الحلقة أقرب إلي الله كلما تحتمت وتحققت ورسخت ارتباطات عناصرها وأجزائها واشتد وجوبها، فالقصد الإلهي هو عين الغاية وهو عين الحكمة، والفعلُ الإنسانيُ اللازم هو تفصيلٌ وإظهارٌ وتحقيق له، وهو أيضاً مؤدٍ إليه، والقصدُ هو أصلُ الدافعٍ والباعثُ على الفعل، وللذاتِ الإلهية الإحاطةُ بكل ذلك.
فالمقصد من إقامة الصلاة هو التحقق بذكر الله، وهذا التحقق هو لازم لذكرٍ أرقى يؤدي إلى صلاةٍ أسمى، قال تعالى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} طه14، وقال: قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى{14} وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى{15} الأعلى.
فإقامة الصلاة جُعلت سبباً لذكر الله، وكان الذكر الغايةَ والمقصدَ منها، وذكر الله تعالى جُعل سببا للصلاة بمعنى توطيد الصلة بالله والتي هي الغاية من الذكر، فالحلقات صاعدة.
والمقاصد هي تفاصيل الإرادة الإلهية الهادية وهذا يتضمن أنها أيضاً جماع كثير من المقاصد الجزئية المذكورة في القرءان.
فالمقصد الديني هو الغاية من الأمر القرءاني أي هو ما يُرجى أن يتحقق للكيان الإنساني بالعملِ وفق مقتضيات الأمر الشرعي، وهو أيضا يستلزم ويتضمن النشاط الإنساني الذي حث الله تعالى الإنسان علي بذله وجعله غاية لأمر ما، ومن ذلك مثلاً أنه أعلن أنه يفصِّل الآيات لقوم يفقهون، فجعل فقه الآياتِ من مقاصد تفصيلها، والفقه في الوقت ذاته هو نشاط ذهني إنساني، ففي اللسان العربي يُستعمل اسم المعنى للإشارة إلى الفعل (وهو هنا الفقه) وإلى ما نتج عنه (وهو فقه الآية الكتابية أو الكونية)، لذلك فإن التعريف الأعم للمقصد هو ما يجب أن يبذله الإنسان من عمل أو نشاط للوفاء بمقتضيات الأمر القرءاني وما سيتحقق له نتيجة لذلك.
مثال: قال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}الزخرف3، فهو سبحانه يبين هنا أن الإرادة الهادية أو الشرعية أو المقصد من جعل القرءان عربيا هو لجعلهم يستعملون النشاط القلبي الذهني المعروف بالعقل لكي يعقلوا ما في القرءان أي يدركوه ويستوعبوه، فجعل الإنسان يعقل ما في القرءان هو المقصد من الفعل الإلهي، فالفعل الإنساني والغاية منه هما من المقاصد الدينية هنا.
مثال آخر: قال تعالى: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} البقرة242، فالله سبحانه يذكر المقصد الديني من بيان الآيات وهو جعلهم يستعملون النشاط الذهني المعروف بالعقل لكي يعقلوا ما ذكرته الآيات أي يدركوه ويستوعبوه، فالفعل الإنساني والغاية منه هما من المقاصد الدينية هنا.
وإذا ما بينت الآيات أن الصيام قد كُتب لعل الناس يتقون كان تحقق الكيان الإنساني بالتقوى من المقاصد، ولذلك أيضاً كان العلم والعقل والتدبر والفقه والتفكر والتذكر من مقاصد إنزال الكتاب وتصريف وتفصيل الآيات الكتابية والكونية وقَصّ القصص وضرب الأمثال، وهذه الآيات تبين ذلك:

{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً }الطلاق12،
{جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلاَئِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }المائدة97،
 {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }يوسف2،
{كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ }ص29،
 {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ }الأنعام65،
{وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ }الأنعام98،
 {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ }البقرة219،
{أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ }البقرة266،
 {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }الأعراف176،
 {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }يونس24،
 {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }الرعد3،
 {يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }النحل11،
 {......وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }النحل
44 {ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}النحل69،
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }الروم21،
 {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }الزمر42،
 {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }الجاثية13،
{لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }الحشر21،
{وَهَـذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ }الأنعام126،
 {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }الأنعام152،
{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ }الأعراف26،
{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }الأعراف57،
{تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }إبراهيم25،
 {وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ }النحل13
{أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ }النحل17،
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }النحل90،
 {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُواْ وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً }الإسراء41، {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }النور1،
 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }النور27،
 {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً }الفرقان50،
 {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }القصص43،
 {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }القصص46، {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }القصص51
{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ }السجدة4،
{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }الزمر27،
{فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }الدخان58،
{وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }الذاريات49،
{وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذكَّرُونَ }الواقعة62.
فالآياتُ تذكرُ العديدَ من المقاصد، ولابد لهذه المقاصد من مقصدٍ يكونُ هو جماعها وتكون هي تفاصيله ولوازمه؛ أي يكون هو إجمال تفاصيلها وتكون هي تفاصيل إجماله، وهذا المقصد هو تزكية الملكات القلبية الإنسانية، وهذا من لوازم إعداد الإنسان الرباني الفائق المفلح الذي هو المقصد الأعظم.

فالمقصد الديني بالنسبة للكيان الإنساني هو الأمر الذي يُقصد تحصيلُه أو تحقيقُه من شتى المساعي والأقوال والأفعال الاختيارية الصادرةِ عن هذا الكيان أو المستويات الإنسانية المختلفة من فردٍ أو أسرة أو جماعة أو أمة، وهذا المقصد يجب أن يكون منصوصاً عليه في الكتاب العزيز أو معبرا عنه بمقتضياته ولوازمه وتفاصيله أو يمكن استخراجه أو استنباطه طبقا لمنهج حقيقي صارم ودقيق، وثمة مقاصد كلية هي جماع للكثير من المقاصد الجزئية المعلنة.
ومقاصد الدين العظمى هي من الأمور الدينية الكبرى، لذلك يجب استنباطها من المرجع الأوحد لهذه الأمور الكبرى وهو القرءان الكريم، ولاستنباط المقاصد العظمى من القرءان الكريم لابد من اتباع منهجٍ قرءاني حقاني، ولابد أن يسبق ذلك العلم بالأسماء الإلهية الحسنى.
وهذا بيان موجز بنتائج إعمال هذا المنهج:

مقاصد الدين العظمى

  1. إمداد وتزويد الإنسان بالعلومِ اللازمة لصلاحِ أمره في الدنيا والآخرة وعلى رأسها العلمُ بالله عزَّ وجلَّ أي العلمُ بأسماء الله الحسنى وبسماته وشؤونه وسننه ومقتضيات ذلك من الأمور الغيبية، ومنها كلُ ما يتعلقُ باليوم الآخر، وكذلك العلمُ بما يتضمنه كتابه من الأوامر والوصايا والمعلومات والبينات.
2.   إعداد الإنسان الربانيِّ الفائق (أي الصالح المفلح المحسن الشاكر) أي الإنسان الذي يجسدُ المثلَ الإسلامي الأعلى علي المستوي الفردي والمؤهلِ للعيش السعيد والفلاح في الدنيا والآخرة، وهو الذي يسعى لتحقيق مقاصد الدين بالقيام بأركان الدين الحقيقية الملزمة للفرد، وإعداد هذا الإنسان يقتضي من الكيانات الأكبر الحفاظَ على كافة حقوقهِ وكرامته كإنسانٍ مستخلفٍ في الأرض وحاملٍ للأمانة ومكرمٍ ومفضلٍ وعلةٍ غائية لخلقِ السماوات والأرض، والإنسانُ الفائق هو الذي يتميز بأرقى ملكات ذهنية ووجدانية ممكنة وبأعلى تأهيل علمي ومهني ممكن وبأسلم وأصلح بنيانٍ مادي، هذا الإنسان الصالح هو الذي يمكن أن يباهي به الله ملائكته، وهو الذي يحق له أن يقول: "إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ".
3.   إعدادُ الأسرةِ الصالحة المفلحة، والأسرةُ الصالحة هي أسرةٌ شرعيةٌ قانونية تتسم بالتماسك وبسلامة ومتانة البنيان وبارتباط كل فرد منها بالآخرين بأواصر المودة والرحمة والاحترام، يقوم الوالدان بحقوق أولادهما، ويوقر الأولاد الوالديْن ويقومون بحقوقهما، فوجود هذا الكيان الإنساني المسمى بالأسرة هو أمرٌ لازم لإعداد الإنسان الرباني الفائق المفلح وهو المدرسةُ الأولى والمعملُ الأول الذي يتم فيه تربيته وإعدادُ وتنمية شخصيته وتوفيرُ البيئةِ اللازمة لكي تتفتحَ ملكاتُه ومداركُه وكذلك يتمُ منه تزويده بالعلوم والمهارات الأساسية والأولية اللازمة لكل ذلك، وفي الأسرة يجب أن يتلقى الطفل ويألفُ المنظومةَ المعنوية الإسلامية؛ أي منظومة القيمِ والتصوراتِ والمفاهيم والسننِ والأوامر الإسلامية.
4.   إعدادُ الأمة الخيرة القوية الفائقة التي تجسِّد المثل الإسلامي الأعلى علي المستوي الأممي، وهي التي تسعى لتحقيق مقاصد الدين بالقيام بأركان الدين الملزمة للأمة ومنها الدعوةُ إلي الله تعالى والقيامُ بمقتضيات حمل الأمانة والاستخلاف في الأرض، والأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر واحترامُ حقوق وكرامة الإنسان ومعاملةُ كل من ينتمي إليها أو يحتمي بها وفق الأوامر والقيم والسنن الدينية، ومن مهامها توفير كل ما يلزم للقيام بالمقاصد السابقة من العلوم والوسائل والإمكانات، فالأمةُ تمثل الإنسان المستخلفَ والمكرمَ وحاملَ الأمانة على المستوى الأممي، وهي الأمةُ الداعية إلي الخير المجاهدةُ لإعلاء كلمة الله تعالى الساعيةُ إلي إظهار دين الحق المدافعة عن المستضعفين في الأرض والمقاومة للفتن والتعصب والاضطهادِ الديني والاستعلاءِ العنصري والإفسادِ في الأرض.
5.   تزويدُ كل كيانٍ إنساني -بما في ذلك الفرد والأسرة والأمة وكل ما يمكن أن يستجدَ من كيانات والبشرية جمعاء- بالمنظومة المعنوية التي تمكنه من التعايشِ السلمي المثمر مع الكيانات الأخرى رغم الاختلاف في الدين والمذهب وأسلوب المعيشة والوطن والقومية والسلالة....إلخ، وهذا يتضمنُ التوظيفَ الإيجابيَّ للاختلافات بين الفرق المختلفة، وهذه العلوم لازمةٌ لصلاحِ أمر البشرية وازدهارها وقيامِها بمقتضياتِ حمل الأمانة والاستخلاف في الأرض وحتى يتحقق الأمن والسلام والتعايشُ السلمي بين الناس وحتى تتحققَ الاستفادةُ الأمثل من موارد الأرض والحفاظ عليها والانتهاء عن الإفساد فيها، والمنظومة المعنوية تشمل العلوم والقيم والمناهج والأوامر والسنن والأحكام والمعايير الأسس والآليات والسلوكيات، ومن فروع هذا المقصد تزويدُ الجماعةِ المسلمة في أي بلد من البلدان بالمنظومة المعنوية اللازمة لتمكينها من أداء المهام المنوطة بالأمة بقدر وسعها ومن التعايش مع شتي الأحوال الممكنة.


إن كل متبعٍ لدين الحق يجب أن يعلم هذه المقاصد وأن يضعها نَصبَ عينيه وأن يبذل كل ما هو في وسعه لتحقيقها.

هناك 3 تعليقات:

  1. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  2. إذًا، فالمقصد باختصار هو الحكمة أو الهدف من الالتزام بالأمر الديني.
    وأهداف علم المقاصد هي: أن يعلم كل كيان إنساني ما يريده الله تعالى منه، ووزنه طبقا للقرءان، والمقصد منه وأن يحققه، وأن يعلم مدى نجاحه في تحقيقه، وأن يتمكن ولاة الأمر في كل زمان ومكان من سن القوانين بناءً على هذه المقاصد.

    ردحذف