الاثنين، 14 أبريل 2014

الاسم الإلهي التَّوَّابُ الرَّحِيمُ

الاسم الإلهي التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
والاسم الإلهي التَّوَّابُ

الاسم الإلهي (التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) هو من المثاني ومن أسماء النسق الأول من الأسماء الحسنى؛ أي من الأسماء التسعة والتسعين.
والاسم الإلهي التَّوَّابُ هو من الأسماء المفردة وهو أيضاً من أسماء النسق الأول من الأسماء الحسنى، أي من الأسماء التسعة والتسعين؛ وهو أيضاً من نسق الأسماء المفردة التسعة والتسعين

قال تعالى:

{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ{159}إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ{160} البقرة  *  {أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}التوبة104  *  {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }التوبة 118 * {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }البقرة128  *  {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }البقرة37  *  {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }البقرة54  *  {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً }النساء64.


وقال:
{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً }النصر3


إن الله سبحانه من حيث الاسم التواب الرحيم يحثُّ عبادَه على الرجوع إليه والإنابة إليه ويُمهدُ لهم أسباب ذلك، فمنه يتلـقون كلمات التوبة، فالتوبة منهم تعنى الرغبةَ الباطنية الصادقة في الرجوع إليه والتقرب منه، وتعنى أيضا التحققَ الفعلي لذلك، ومصداق ذلك هو الإيمانُ والعمل الصالح والتشبُّـثُ بحبل الله تعالى والاعتصامُ به، ولذلك فلا بد من عزم باطني على المضىِّ قدماً إليه يقابله استجابةٌ إلهية طبقا للقوانين والسنن تكون بمثابةِ الإذن بالتوبة التي تعنى العودةَ الفعلية إليه سبحانه، فالعزم الباطني يكون بمثابة قرعِ البابِ طلباً للدخول، والتوبة عليهم هي الإذن بالدخول، ولذلك قال تعالى: {ثمَّ تابَ عَليهم ليتوبوا}، فهم قد ندموا وعزموا على التوبة فتاب عليهم، فالتوبةُ المذكورة في كلمة (ليتوبوا) هي التوبة التي تعنى الإنابة الفعلية إليه سبحانه.

إن توبة الله تعالى على عبده مترتبةٌ على شعور هذا العبد وإحساسه الوجداني بالحياء والخوف والندم بعد اقترافه معصيةً أو خطأً في حق ربه، فالعبد الصالح تضيق عليه الأرض بما رحبت بما جناه على نفسه بل تضيق عليه نفسُه، إذ يأخذ منه الندمُ كل مأخذ ويعرف عندها أنه لا مفر من الله تعالى إلا إليه وأن الأمل في الخلاصِ من حالته تلك ومن آثار المعاصي ليس إلا عنده، فعند ذلك يتوب الله تعالى على عبده بمعنى أن ييسر له أسباب التوبة وأن يفتحَ له أبوابها، وكان لابد من كل تلك المشاعر والأحاسيس لتهيئَ الإنسانَ لتقبُّلِ آثارِ توبة الله تعالى عليه ولكي ينتفع بها، وبذلك يمكن للعبد أن يتوب، وبذلك أيضاً تظهر آثار الاسم التواب الرحيم.
فالسمةُ الواحدة التي تفصيلها التوبةُ المقترنة بالرحمة بحيث تسبق التوبةُ الرحمة قد ظهرت وفُصلت بكل ما حدث، وعرف الناس بذلك وعاينوا كمالا لله تعالى ظهرت آثارُه ومقتضياته بما حدث ورأى الله سبحانه كماله في مظاهر خارجية، أما بالنسبة إلي العبد التائب فتوبةُ الله عليه قادته إلى رحمة الله تعالى فأصبح بتوبته مرحوما فلم يتأثرْ بنتائج معصيته أو خُففت آثارها أو أُبدل بها حسنات بمقدار ما اكتسبه بسببها من عبرة ومناعة وكمال وعلم، فالتوبة أدت إلى توثيق صلته بربه وهذا من معاني الرحمة الأصلية.
ولقد كان هذا الاسم هو الذي تولى آدمَ عليه السلام وهو الاسم الذي لاذ به بعد أن عصى ربه وغوى، فلكل آدميٍ نصيبُه من هذا الاسم، والمثنى الذي أوتيه آدم عليه السلام هو التواب الرحيم وقد ورد في الآية: {فَتَلَقّىَ آدَمُ مِن رّبّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنّهُ هُوَ التّوّابُ الرّحِيمُ } ( البقرة: 37 )، لقد ندم آدم على ما بدر منه من معصيةٍ فألهمه الله تعالى أن يقول مع زوجه: {رَبّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} ( الأعراف: 23 )، تلك الكلمات هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه، وهي اعترافٌ محض بالذنب وإقرارٌ بأن رحمةَ الله تعالى ومغفرتَه هما سببا النجاة، فآدمُ عصى ربه كما أخبر الحق سبحانه، ولا ينبغي تكذيبُ ما أخبر الله تعالى به اعتذاراً عن آدم لما بدر منه، فإن شرف آدم وعلوَّ قدره إنما ظهرا بسبب ذنبه، فهو لم يستكبر كإبليس بل ندم واستغفر وفرّ إلى ربه، فكان ذلك سبباً لاجتبائه وحبه، قال تعالى: {وَعَصَىَ ءَادَمُ رَبّهُ فَغَوَىَ * ثُمّ اجْتَبَاهُ رَبّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىَ} ( طه: 121 - 122 )، فبيَّن أن الاجتباء كان بعد المعصية، إذ بعدها أصبح آدم واعياً بالمسئولية الملقاة على عاتقه وبواجبه نحو ربه وبدأ استخلافُه في الأرض.
إن معصية آدمَ وتوبتَه كانتا سبباً في تجلّي المثنى التواب الرحيم وظهور آثاره، وتولى هذا المثنى المعبرُ عن التوبةِ المقترنةِ بالرحمة أمر آدم وبنيه من بعده ، فكل بني آدم لهم حظهم من تجلي هذا المثنى.
والقول بأن آدم أوتي المثنى التوابُ الرحيم يعني أن لديه في ماهيته الأولية الاستعدادَ لتلقي آثار هذا المثنى والاستجابةِ له والاستمداد منه والظهورِ به، وذلك كما يكون لدى الإنسانِ في ماهيته الاستعدادُ ليكون سميعا بصيرا، وهذا من آثار المثنى السميع البصير، فلدى كل إنسان الاستعداد الأولي للظهور بآثار هذا المثنى، وهذا لا يعني أبداً أن فيه من الألوهية شيئا.
------------
ولما كانت الأسماء الإلهية هي مصدر كل عناصر منظومة القيم والمثل الإسلامية كانت التوبة والرحمة من أهم هذه العناصر، ولما كان كل مسلم ملزماً بأن يتزكى، فإنه ملزم بأن يتحلى بالتوبة والرحمة وبأن يعمل على تنميتهما في نفسه.
ومن حيث الرمز فهذا الاسم يشير إلى إنه بفعل التوبة ينتقل خير كثير من الباطن إلي الظاهر ومن عالم الغيب إلى عالم الشهادة وتتاحُ للإنسان بدايةٌ جديدة.

والتوبة هي ركن ديني فرعي من لوازم القيام بحقوق الأسماء الحسني ومن لوازم ركن إقامة صلة وثيقة بالله تعالى ومن لوازم ركن التزكية، وهي واجبةٌ على الإنسان في كل ظروفه وأحواله، ولابد للإنسان عند سعيه نحو مرتبةٍ أعلي من التوبة مما كان عليه من نقصٍ في مرتبته الأدنى؛ فالأمر نسبي.
والتوبةُ من الإنسان لا تكون بالضرورة عقب اقترافِ معصيةٍ ما، أما التوبةُ من الرحمن فهي فعل إلهي يدل على إقباله على عبده، فهي علامة على مزيدٍ من القرب الإلهي، إذ لما كان له سبحانه الكمالُ اللانهائي المطلق، ولما كان القربُ منه يقتضى التحققَ بصفات الكمال الممكن الذي هو أصلا منه كان لا سبيل لعبدٍ إليه إلا بأن يتوب هو سبحانه عليه، وهذا يعنى أن يوالى إمدادَ عبده بالكمالات والنصر والتأييد و جبر النقص وغفران الذنوب كما يعنى معافاةَ العبد من تبعات النقص الكامن في أعماله المترتِّـب على النقص الكامن في ماهيته، لذلك كان لابد من التسبيح بالحمد والاستغفار مهما قدم الإنسان من عمل ومهما تفوق بكمالاته على غيره من الكائنات، فمن يسعى إلى من له الكمال اللانهائي المطلق يظل أمامه من الطريق دائما بقدر ما ترك خلفه فلابد من مدد منه سبحانه، ولذلك قال: (مَنْ أتَاني يَمشِى أتيْتُهُ هَرْوَلة)، فلا بد من التوبة منه علي عبده حتى يستمد هذا العبد منه ما يمكِّنه من متابعة السعي إليه.


إن الله وحده هو الذي يتوب علي الناس إذا شاء،  وهو الذي يتوب على المصطفين الأخيار منهم كالرسول الأعظم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، قال تعالى: {لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }التوبة117، فهو لم يعط السلطة لأحد ليتوب على الناس وإنما أمر رسولَه بالاستغفار لهم والدعاءِ لهم، ولقد كفر وأشرك أهل الكتاب الذين أقروا بسلطة كهذه لكهنوتهم، فلا وجود في الإسلام لموضوع الاستتابة، وأولى الناس بطلب المغفرة والتوبة هو من انتحل لنفسه سلطة إلهية.
إنه من أركان الدين الفرعية ومن أركان منظومة القيم الإسلامية: التوبةُ والإنابة والإخبات إلى الله، ولا يحق لمسلم أن يُهمل شأن هذه الأمور؛ فهي من لوازم إقامة صلة وثيقة بالله تعالى وعلاقةٍ حميمة معه سبحانه ودعمها وترسيخها، هذه الصلة هي خير للإنسان وأبقى، وهي وسيلته للفوز بالسعادة والأمن في الدنيا والآخرة.

وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى


هناك تعليق واحد:

  1. سبحان الله لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
    أستغفر الله العظيم الحي القيوم وأتوب إليه

    ردحذف