الأحد، 20 أبريل 2014

القرية

القرية

القرية في القرءان ليست كالقرية وفقاً للمفهوم الدارج الآن، فهي تعني الدولة (State) بما تتضمنه من سكان وأرض وغير ذلك، فـ"الدَوْلة" كلمة غير قرءانية، و"القرية" هي التي تؤدي معناها، لذلك فهناك القرى الكبيرة، وهناك أيضا: المدينة-الدولة (City-State) ، فالقرية هي الكيان المستقل بأرضه وقومه أو ناسه بالمفهوم العصري، هذا الكيان قد يكون قبيلة أو قد يكون شعبا، فمن القرى الكبيرة: دولة عاد، دولة ثمود، مصر القديمة، دولة قوم لوط، دولة مدين...الخ، ومن القرى التي هي دولة-مدينة: مكة، الطائف،....
 هذه القرى هي المقصودة في الآيات:
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }الأعراف96، {ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ }الأنعام131، {وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ }الأنعام92، {تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلَىَ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ }الأعراف،101 {ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ }هود100 {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ }هود102 ، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ }هود،117 {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً }الكهف59، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ }القصص59، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ }الأنعام123، {وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَائِلُونَ }الأعراف4 ، {فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ }يونس98 ، {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ }يوسف82 ، {وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ }الحجر4، {وَإِن مَّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً }الإسراء58، {وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ }الأنبياء11، {وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ }الأنبياء74، {فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ }الحج45 {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ }الحج48، {وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُوراً }الفرقان40، {قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ }النمل34 ، {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ }القصص58 ، {وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ }العنكبوت31، {إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}العنكبوت34، {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ }سبأ34 {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ }محمد13، {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً }الطلاق8
فعاد المذكورون في القرءان لم يكونوا قرية بالمفهوم الدارج الآن، ولكنهم كانوا دولة عظيمة مرهوبة الجانب، وكذلك الأمر بالنسبة لثمود، قال تعالى:
{كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ{123} إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ{124} إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ{125} فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ{126} وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ{127} أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ{128} وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ{129} وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ{130} فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ{131} وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ{132} أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ{133} وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ{134} إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ{135}الشعراء
{كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ{141} إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ{142} إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ{143} فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ{144} وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ{145} أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ{146} فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ{147} وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ{148} وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ{149} فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ{150} وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ{151} الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ{152}الشعراء
فالكلام هو عن دول ضخمة هائلة.
ولذلك قال إخوة يوسف لأبيهم عند عودتهم من مصر: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ }يوسف82، فالمقصود بالقرية هو مصر المملكة العظيمة، وقولهم يعني أنك تستطيع التأكد من أي مصري.
لذلك إذا أريد توصيف أي كيان من الكيانات الحديث كفرنسا أو إيطاليا أو ألمانيا، فهي وفقا للمصطلح القرءاني: قرى (فلا وجود للمصطلح دُوَل في القرءان)، ينطبق عليها الآية: {وَإِن مَّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُورا } الإسراء58

وكما قلنا لا علاقة للحجم بمفهوم القرية بمثل ما أن كلمة دولة تنطبق على فرنسا كما تنطبق على قطر!!! والتعبير أم القرى يشير إلى القرية التي تتبعها بطريقةٍ ما أو لسببٍ ما مجموعة من المدن-الدولة المستقلة (Independent City-states)، مع احتفاظ كل مدينة باستقلالها (Its Independence)، كما هو الحال مثلا في اليونان القديمة حيث كانت توجد مدن مستقلة تعترف بنوع من التبعية لأثينا، فأثينا كانت بمثابة أم قرى العالم الهيليني أي العالم الإغريقي، وكما هو الحال في الحجاز حيث كانت الطائف ويثرب وبعض المدن الأخرى في الجزيرة العربية تبعا لمكة، على الأقل في الأمور الدينية، فمكة كانت أم القرى العربية.
*****
وقوله تعالى: {قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُون} [النمل:34] يبين معنى المصطلح "قرية"، فالملوك لا يدخلون مكانا يقيم فيه بعض الفلاحين، ولكنهم يدخلون مملكة كبيرة مثل مملكة سبأ التي أوتيت مليكتها من كل شيء، وكان لها عرش عظيم.

*****
إن الناس قد أخطأوا عندما قصروا استعمال كلمة "قرية" للدلالة على تجمع صغير من الفلاحين فقط، وهذا معنى يحتمله المعنى الأصلي للكلمة، فالقاف والراء والحرف المعتل أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على جمعٍ واجتماعٍ صغير أو كبير، وقد سُمِّيت القَرْية قريةً لاجتماع النَّاس فيها، ولكن كلمة قَرْية أو قِرْية يمكن أن تُستعمل أيضًا للدلالة على (المصر) الجامع، وهي مستعملة بهذا المعنى في القرءان، بينما لا وجود لكلمة "المصر" في القرءان بهذا المعنى لتحل محلها، وإنما وردت كلمة "مصر" اسم عَلَم Proper name للبلد المعلوم منذ أقدم العصور، ولكن ظهر بعض أكابر الجهلة الذين شغلوا الناس بلا جدوى وأهدروا طاقاتهم في محاولة تكذيب ذلك.
كذلك ظهر من يجهل كل ذلك ويحاول قصر معنى كلمة "قرية" على المعنى الشائع بين الناس، لذلك يجب التأكيد على ما يلي:
قرية = State ولا تعني Small village
وقول أبناء يعقوب له: "واسأَل القرية التي كنّا فيها" الذي حكاه القرءان عنهم المقصود به منهم التوكيد والاتساع لثقتهم من براءتهم، كما يقول الرجل لصاحبه الآن عن خبر مؤكد عنده بينما يشكك صاحبه فيه: "البلد كلها تعرف ذلك"، أو "اسأل البلد كلها"، فكلمة قرية هي الكلمة القرءانية التي تؤدي المعنى الحديث لكلمة دولة State، ولذلك تتبعها مدن لا حصر لها، قال تعالى:
{ فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54)}} الشعراء، {قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ{36}} الشعراء {قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112) الأعراف.

أما الكلمة المعاصرة "دَوْلة" فلم تُستعمل أبدا في القرءان بالمعنى المعاصر، والكلمة المذكورة في القرءان هي "دُولَةً" وذلك في الآية:
{مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب} [الحشر:7] 
و"الدُولَةُ" هنا هي في المال، يقال: صار الفَيْءُ دُولَةً بينهم يَتَداوَلونَهُ، يكون مرّةً لهذا ومرَّةً لهذا، والجمع دُولاتٌ ودُوَلٌ.
فالدُولَةُ: اسمُ الشيء الذي يُتَداوَلُ به بعينه.
أما كلمة "الدَوْلَةُ" فهي أن تُدالَ إحدى الفئتين على الأخرى في الحرب فيقال: كانت لنا عليهم الدَوْلَةُ.
والجمع هو الدُوَلُ أو الدِوَلُ، فالدولة العباسية سميت كذلك لأنه صارت الدولة للعباسيين على الأمويين، فلم يكن لدى العرب اسم عربي أصيل للكيانات السياسية التي أسسوها.
وفي العالم الغربي استلزمت الحضارة التحديد الدقيق لمعاني المصطلحات، وكلمة State عندهم تعني:
An organized political community living under a single system of government
وفي العصر الحديث اضطر أول من تحضروا منهم إلى استعمال كلمة "دولة" للدلالة على الكيان السياسي The political entity المقابل لمعنى الكلمة الإنجليزية State أو الفرنسية État، ولا شيء في ذلك، فالكلمة الإنجليزية لها أيضا معانيها الأصلية التي ما زالت مستعملة ومنها ما يقابل الكلمة العربية "حالة"، وذلك مستعمل في الطب والعلم بمعانٍ مختلفة، ولكن المشكلة أن يحاول أحد "المجتهدين الجدد" أن يفرض الاستعمال المحدث المعاصر على القرءان العربي المبين.
والمشكلة الأكبر هي فيمن يرفعون شعارات مثل: "الرسول أسس دولة"، أو "الإسلام دين ودولة"، وبالطبع كان من الممكن استغلال واستخفاف القطعان الهائلة من المحسوبين على الإسلام والبشرية بمثل هذه الشعارات لحملهم على تدمير أنفسهم بأنفسهم، أما الحق فهو أن كل مهام الرسول مبينة بكل وضوح في القرءان، وليس من بينها تأسيس دولة وإنما إعداد أمة خيرة صالحة يمكن أن تتواجد داخل أي كيان وأن تتعايش سلميا مع الآخرين، وأن الإسلام هو دين ملزم لكافة الكيانات الإنسانية.
وهكذا بسبب سوء استعمال المصطلحات الذي أحدثته المذاهب التي حلت محل الإسلام انشغل الناس عن تحقيق مقاصد الدين العظمى بالرقي بأنفسهم إلى محاولة القضاء على كل من لم يكن نسخة منهم!!! أي حولتهم المذاهب إلى دواب عدوانية خطرة.
*****
قال تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} القصص59، {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} الشورى7
فالرسول يُبعث دائماً في أم القرى، وذلك لضمان وصول الرسالة إلى كل أهل القرى.
فلا علاقة لمفهوم القرية القرءاني بالفهوم الدارج للقرية الآن والذي يعني تجمع من الزراع أو الفلاحين بالاصطلاح المصري، وهذا التجمع هو ما يُطلق عليه "كَفْر"، ومازالت هذه التسمية مستعملة إلى الآن.
أما المدائن فتكون تابعة للقرية أي للدولة ذات الطبيعة المركزية، لذلك يكون للملك حق التصرف فيها:
{فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ{53}} الشعراء، {قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ{36}} الشعراء.
ولم تكن هناك في عالم الشرق الأوسط القديم –قبل ظهور حاتي وآشور- قرية (دولة-State) ينطبق عليها وصف وجود مدائن متعددة تابعة لسلطة مركزية واحدة إلا مصر، أما الشام مثلا فكان مليئاً بالمدن-الدول (City-states) مثل دمشق وحلب وحمص وحماة وصور وصيدا وجبيل ومدن كنعان....الخ، ولذلك عندما تتحدث الوثائق المصرية عن حروب ملوك مصر هناك فإنها تتحدث عن حروب ضد تحالفات من عدد كبير من ملوك هذه المدن، وكذلك تفعل التوراة أيضا.
*****
القرية لا تشير إلى مكان فحسب بل تشير إلى تجمع من الناس لهم كيانهم، لذلك يمكن توجيه خطاب مثل: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} يوسف82، وذلك دون حاجة إلى تقدير محذوف هو: أهل".
*****
إن العرب عندما قالوا كما ذكر القرءان: {.....لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ }الزخرف31 لم يكونوا يقصدون مكة والطائف، فهم كانوا يعلمون أن الرسول من أشرف قبائل قريش، كما كانوا لا يعدلون بقريش قبيلة أخرى كثقيف بالطائف، ولم يكونوا ليتورطوا في التقليل من شأن بني هاشم لأن في ذلك تقليل من شأنهم هم، والعربي القديم كان بالغ الاعتزاز بنفسه، ولا يعدل بعروبته شيئا، بل كان يسمي من ليس عربيا أعجميا، ولكنهم كانوا يقصدون الدولتين العظميين في ذلك العصر؛ الدولة الفارسية والدولة الرومانية، وهذا مثلما يظهر الآن رجل في دولة صغيرة يقول إنه سيفتح العالم فيقول أهل بلده: ألم يكن من الأولى أن يقول مثل ذلك رجل من أمريكا أو من روسيا مثلا؟
*******

هناك تعليقان (2):