نفي
اسم الفاعل ظلَّام لنفي الظلم عن الله
قال تعالى،
{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ
بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيد}، [فصلت:46]، {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا
أَنَا بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيد} [ق:29].
المنفي هنا أن
يكون الله ظلاما للعبيد، فالمنفي هو كل دلالات الصيغة "ظلام" بهذا
الوزن، وما له من خصائص.
والله تعالى له الأسماء الحسنى، لذلك فالظلم هو منفي عنه نفيا أصليا مطلقا،
كما نفى عن نفس الظلم بصيغ فعلية.
فإثبات الحقانية والرحمة والرأفة واللطف والبرّ .... يتضمن نفي اتصافه
الظلم أو فعله للظلم.
وكل أمر له بالحكم بالعدل والقيام بالقسط وتأدية الأمانات إلى أهلها يتضمن
نفي اتصافه بالظلم أو فعله للظلم.
ولقد نفى الله عن نفسه "الظلم" بصيغ متعددة.
ونفي الصيغة "فعَّال" والتي مجالها التفاصيل المترتبة على الصفة
يتضمن نفي الصفة ذاتها كما يتضمن نفي الأفعال العارضة التي يمكن أن يُظن أنها ترجع
إلى وجود الصفة.
فنفي "ظلام" يتضمن نفي الظلم بكافة صوره بما في ذلك الظلم
العارض.
كما ينفي كل ما تحمله هذه الصيغة من دلالات خاصة.
فالنفي بهذه الصيغة يعني نفي أن يكون الظلم حرفة أو عملًا يمتهنه رب
العالمين، ولقد نفى عن نفسه أيضًا أن يظلم مثقال ذرة.
ولا يجوز لأحدهم أن يقول مثلا بأن نفي الظلم الكثير لا يعني نفي القليل،
ففي هذه الصيغة ما يتضمن نفي الظلم مطلقا، كما أن آيات القرءان يبين بعضها بعضا،
فمن أراد القول في هذه المسألة عليه أن يتدبرها كلها وألا يتعمد اتباع المنهج
الكفري الذي يصرّ على اقتطاع جزء من آية والإصرار على تفسيره بمعزل عن كافة
سياقاته الممكنة وعن الأسس العامة الحاكمة على المسألة.
فتنزيه الله تعالى عن أن يكون ظلاما للعبيد يعني تنزيهه عن كل المعاني التي
يعطيها اللفظ "ظلام" ويشير إليها، ومن معاني كلمة ظلًّام تكرار فعل
الظلم والإصرار عليه وتعمده واحترافه واتخاذه صنعة، فكل هذه المعاني منفية
بالأصالة عن الله سبحانه، فمن له الكمال المطلق لا يصدر عنه ما هو من لوازم النقص
مثل الظلم وغيره.
ولا يتنافى ذلك مع طلاقة القدرة أو سعة المشيئة، فطلاقة القدرة تكون في
مجالها المذكور في القرءان، والقدرة إنما تكون على الأشياء التي نتجت عن فعلٍ إلهي
كامل كمالًا مطلقًا؛ ألا وهو المشيئة، والمشيئة هي جماع مقتضيات منظومة الأسماء
الحسنى الإلهية التي لها الوجود المطلق والكينونة المطلقة، التي هي من لوازم الذات
الإلهية، فهي كمال وحسن من كمالٍ وحسن من كمالٍ وحسن، فلا يمكن أن يتطرق إليها أي
أمرٍ عدمي، ومن هذه الأمور العدمية الظلم، كما أن سمة القدرة تعمل باتساق مع كل
السمات الحسنى التي هي لوازم وتفاصيل الحقيقة الإلهية الواحدة الأحدية، والتي هي
الحسن المطلق، ولا يجوز الحديث عن سمة إلهية بمعزل عن كل السمات الإلهية، ولا يحق
لأحد إلزام الحقّ بالأوهام والتخيلات البشرية.
*****
عندما ينفي الله
تعالى عن نفسه أنه ظلام فهو ينفي أن تكون وظيفته الفعلية أو حرفته هي أن يظلم
عبيده، ولا يوجد هاهنا أي مبرر لإقحام مسألة القليل والكثير.
والظلم منفي
بصيغ أخرى، ويجب دائمًا التعامل مع القرءان وفق منهج قرءاني حقيقي، وذلك يستلزم
استفتاء كل الآيات التي تذكر أي شيء عن المسألة محلّ النظر، ولا يحق لأحد الإمساك
بعبارة واحدة والإصرار على تأويلها بمعزل عن الآيات الأخرى.
فالظلم ليس
منفيًّا فقط بقوله تعالى {..... وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيد} [فصلت:46]،
{مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيد} [ق:29]
ولكنه منفي
أيضًا بآيات عديدة، منها:
{وَمَا
أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ (208) ذِكْرَى وَمَا كُنَّا
ظَالِمِينَ (209)} الشعراء، {وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ
ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُون} [البقرة:281]،
{إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا
وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء:40]، {أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ
يُظْلَمُونَ فَتِيلا} [النساء:49]
{وَمَن يَعْمَلْ
مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ
يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} [النساء:124]
{مَن جَاء
بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ
يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُون} [الأنعام:160]، {إِنَّ اللّهَ
لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَـكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُون}
[يونس:44]، {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ
وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً
وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلاَ
يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف:49]، {وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ
يُظْلَمُون} [الجاثية:22]
وبذلك يتبين أن
التركيز هو على نفي فعل الظلم، ونفي الصيغة ظلام هو لأنها تدل على احتراف هذا
الفعل، فالظلم منفي نفيًا باتا.
وقد نفى الله
تعالى أيضًا عن نفسه أن يكون ظالمًا في قوله تعالى: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ
قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ (208) ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ (209)}
الشعراء
فنفي "اسم
الفاعل" يتضمن نفي الفعل وصفته ومعناه.
ولم يرد نفي
الفعل بصيغة يغلب عليها الجانب الوصفي مبالغة في التنزيه، فإنه يجب أن يتأدب العبد
مع ربه الذي هو الحقّ والذي له الكمال المطلق وألا يتصور أصلا أنه يمكن أن يتصف
بالظلم.
فصفة الظلم
منفية عنه أصلا بإثبات كل أسماء وسمات وأفعال الكمال المطلق له.
فإثبات أنه
الحقّ وأنه القدوس ينفي عنه أن يتطرق أي باطل إليه.
ومن الآيات التي
تثبت الأفعال الكمالية له:
{وَلَوْ أَنَّ
لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّواْ
النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ
لاَ يُظْلَمُون} [يونس:54]، {تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ
نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِين}[آل
عمران:108] {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلاَّمُ
الْغُيُوب}[سبأ:48]، {وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ
وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لاَ
يُظْلَمُون}[الزمر:69]، {وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن
دُونِهِ لاَ يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير}
[غافر:20]، {.... فَإِذَا جَاء أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ
هُنَالِكَ الْمُبْطِلُون}[غافر:78] {اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ
بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيب}
[الشورى:17]، {.... وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ
يُحِبُّ الْمُقْسِطِين} [المائدة:42] {قُلْ أَمَرَ رَبِّي
بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ
مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُون} [الأعراف:29].
إن الله تعالى
أعلن أنه لا يحب الظالمين، بل يلعنهم، فكيف يتصورون أو يخطر ببالهم أنه بحاجة إلى
نفي الظلم عن نفسه؟!
إن لله تعالى
الكمال المطلق، أما ورود عبارات لنفي النقص ولوازمه عنه فهو من فضله ورحمته، ولم
يكن من السائغ أن يتصور أحد نقصًا عنده لينفيه عنه.
*******
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق