الاثنين، 9 فبراير 2015

العلق: 1 – 5

العلق: 1 – 5

اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ*

ثمة أمر إلهي موجه إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بأن يقرأ، وللأمر شعبه وتجلياته العديدة، والله تعالى يحث ويأمر الرسول هو ومن اتبعه على قراءة القرءان، قال تعالى:
{وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقرءان عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيم} [المزمل:20]، {وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون}[الأعراف:204]، {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم}[النحل:98]، {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا}، [الإسراء:45] {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}[الإسراء:78].
فقراءة القرءان وتدبره والتفكر في آياته والإيمان بما ذكره هو من لوازم وتفاصيل أركان دينية عديدة.
ولقد وُجد من السلف من تجرأ فقال ( كما جاء في الإتقان) إن جبريل إنما نزل بالمعاني فعبر عنها الرسول بلغة العرب، والصحيح أن المعاني المحكمة والتفصيل من لدن بعض الأسماء الحسنى ومنها الحكيم العليم والحكيم الحميد والرحمن الرحيم ورب العالمين والعزيز الحكيم والعزيز العليم والحكيم الخبير، وأن الله سبحانه هو الذي تولى التنزيل من حيث تلك الأسماء، وكان محل التنزيل هو الروح الأمين ومن تبعه من الملائكة السفرة الكرام البررة.
أما محل التنزيل النهائي والإنزال والتفصيل فهو قلب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أي أن الآيات كانت تنتقش على لوح قلبه، وإنما أنزل عليه الملك من بعد ليتلو عليه ما هو لديه، لذلك كان يحرك به لسانه ليعجل به، فإن العالم المعنوي عالم الشهادة لا يتسع لما هو في عالم الباطن عالم الغيب، لذلك قال له الملك: اقرأ أي اقرأ ما هو مكتوب على لوح قلبك، فكان الملك وسيلة له لاستخراج ما هو لديه مما أوحاه ربه إليه، وكان يعالج في ذلك شدة لعلمه بثقل القول الملقى عليه وبما يحمله اللفظ ويتضمنه من معان تكل عن حملها الجبال، وقد يقول بعضهم وما الذي تحمله آيات الوحي الأولي مما تنوء عن حمله الجبال؟ والجواب هو: إن الأمر الأول هو اقرأ، وهو كما سبق بيانه يعنى أن يقوم النبي بنفسه بقراءة ما أنزل على قلبه من كلمات الإله الأقدس، وما كان الروح الأمين بالنسبة إليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا لطيفة منه تمثلت خارجة عنه، وهذا لا ينفي أيضاً أنه كائن علوي له كينونته الخاصة، وكان هذا يستلزم أن يقرأها كما ينبغي أي يقرأها باسم ربه الذي خلق، فكل شيء إنما خلق باسم ربه.
والقراءة لذلك إذا أريد لها أن تؤتى ثمارها وأكلها إنما تكون باسمه سبحانه، فبالأمر (اقرأ) افتتح عصر الرشد وأعطى الإنسان مفتاح الحضارة الحديثة، ولكن الإنسان لم يلتزم بنص الآية فكانت تلك الحضارة الشوهاء العرجاء التي توشك أن تقضى على الإنسانية جمعاء، فالآية تتضمن أن الله سبحانه هو الخالق المطلق بمعنى المقدر (المصمم) والمنفذ ولو سلم الإنسان بتلك الحقيقة لفاز بالسعادتين ولنجا من العذابين.
والآية الثانية وهي تتضمن أربع كلمات لم يدرك الإنسان معناها إلا في العصر الحديث، والآية التالية تكرر الأمر بالقراءة بيانا لعظم تلك المهمة المنوطة بإنسان تم استخلافه في الأرض وجعلت القراءة وسيلة لازمة للتطور الحضاري الوشيك، ولكن لكي تؤتي تلك القراءة أكلها وينتفع الناس حقا بثمارها ينبغي أن تكون مع تذكر واستحضار صفات الحسن المطلق والمجد والشرف التي هي للإله الأعظم.
فالقراءة ينبغي أن تكون باسم الرب الأكرم الذي له الأسماء الحسنى والمثل الأعلى، فبهذا الاسم يبلغ الأمر مداه، والاسم "الأكرم" هو الذي علم الإنسان بالقلم، والقلم هو أداة التفصيل التمييز والانتقاء والكتابة، وحواس الإنسان وملكاته هي من تجليات هذا القلم، أما شكله الصوري فإنما يناسب العالم الذي يكون فيه، ولقد رأى الإنسان في هذا العالم صورا عديدة وجديدة له، فبهذا القلم الذي من تفاصيله حواس الإنسان وملكاته القلبية الذهنية يتعلم الإنسان ما لم يعلم، فالعلم يتعلق بالتفاصيل وبالتفصيل يتم ظهور الكمال.
ولأن الذي علم الإنسان بالقلم هو الاسم "الأكرم" كان الإنسان هو الكائن المكرم، وكان ثمة ارتباط موجب بين العلم وبين كون الإنسان مكرما، كما يتبين أن الكيانات الإنسانية التي تجلّ العلم وأهله ستكون هي الأكرم، والآية تبين للكائنات حقيقة الإنسان ولماذا كرم، ولقد كُرِّم الإنسان لأنه قابل لأن يتعلم بالقلم، وما ذلك إلا لأنه الأداة المثلي للتفصيل والتمييز وإظهار الكمالات.

*******




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق