الخميس، 19 فبراير 2015

سورة يوسف 103-108

سورة يوسف 103-108

وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (104) وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105) وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (107) قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)
الآية 103 تنصّ على حقيقة كونية لا ريب فيها: "أَكْثَرُ النَّاسِ ليسوا بِمُؤْمِنِينَ"، وذلك مهما بلغ حرص الداعين إلى الإيمان ومهما أخلصوا وعظمت جهودهم وجهادهم، إن ذلك نتيجة طبيعية للأصل العدمي للإنسان؛ أي بمعنى آخر نتيجة لكون كل ما سوى الله تعالى هو إعادة صياغة للعدم المطلق، فمجموع كل الأشياء في أي اتجاه أو بعد هو الصفر، والمطلوب من المسلم أن يفقه وأن يستوعب تلك الحقيقة وأن يعمل بمقتضاها؛ فلا تذهب نفسه حسرات عندما يرى مظاهر الكفر من الناس بل ممن يظنهم مؤمنين، فالمؤمنون الحقيقيون قليلون، والمؤمن الكيِّس لا يعول إلا على الحقائق الراسخة وليس على الأماني أو الأوهام أو الأمور المفترضة.
والإيمان المنفي عن أكثر الناس هو الإيمان الذي يُعتد به في دين الإسلام، والإيمان الذي يمكن أن يُعوَّل عليه وأن يكون مناط النجاة هو الإيمان بالغيب المذكور في القرءان الكريم، فهو الإيمان بالمعنى القرءاني الاصطلاحي، فهو الإيمان المعبر عنه بلوازمه في القرءان وفي حديث الرسول، وأول أركانه والذي هو أساس أركان الدين هو الإيمان بالله كما تحدث عن نفسه في القرءان الكريم، وهذا يقتضي أركان عديدة منها الإيمان بالكتاب العزيز وما تضمنه من علوم وبينات وأحكام وأوامر والإيمان بخاتم النبيين، هذا الإيمان لا يتصف به الآن إلا المسلمون، لذلك أفردوا بهذا الوصف في مقابل كل الآخرين في آيات عديدة، منها:
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد} [الحج:17]
ومناط النجاة ليس الإيمان بمعناه اللغوي، ولكنه الإيمان بما ذكره وفصَّله الله ورسوله، وهو ما ورد في القرءان وما يصدقه مما هو منسوب إلى الرسول.
وأركان الدين الكبرى التي هي أيضا أركان القرءان هي:
1.      الإيمان بالإله الواحد الذي له الأسماء الحسنى والشئون والأفعال والسنن الواردة في القرءان الكريم، (والحد الأدنى اللازم للوفاء بهذا الركن هو في الإسلام الظاهري: شهادة أن لا إله إلا الله).
2.      القيامُ بحقوق الكتابِ العزيز بالإيمان به، وتلاوتِه باتِّباعه واتخاذِه إماما وتلاوةِ آياته وتعلمِّه وتعلم ما يتضمنه من الحكمة وقراءته وتذكره وتدبر آياته وتزكية النفس به وتعظيم قدره واتخاذه إماما، وكل ذلك يقتضي اتخاذَه المرجعَ الأوحد في أمور الدين الكبرى والمرجعَ الأعلى في الأمور الثانوية والمرجع المهيمن في كل الأمور التي تضمنها.
3.      الإيمانُ بأن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ هو رسولُ الله إلى الناسِ كافة وخاتمُ النبيين والمرسلُ رحمة للعالمين والعملُ على إقامةِ صلةٍ وثيقة به والقيامِ بما يقتضيه ذلك من تعظيم قدره والصلاةِ والتسليمِ عليه وطاعتِه والتأسِّي به والتمسكِ برسالته وسنته.
4.      الإيمانُ بالغيبِ الواردِ في الكتاب العزيز، وعلى رأس ذلك الإيمانُ باليوم الآخر وبكل ما يتضمنه مما أورده القرءان عنه والإيمانُ بملائكة الله وكتبه ورسله والعمل بمقتضى ذلك، ومن ذلك احترامُ وتوقير ملائكةِ الله مثل الحفظة والكرام الكاتبين وعدمُ تكذيب ما ورد في الكتب السابقة مما يكون متسقا مع القرءان الكريم.
فالمعول عليه ليس مطلق الإيمان أو الإيمان بالمعنى اللغوي ولكنه الإيمان بالمعنى الاصطلاحي، لذلك يجب أن يعرف من أراد أن يؤمن بماذا يجب أن يؤمن، قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا} [النساء:136]
فمن لم يؤمن بالله وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ قد كفر بالضرورة رغم إيمانه بمن يتبعه من الأنبياء وبما هو منسوب إليه من كتاب، ومثل هذا قَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا.
والإيمان بالكتاب الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ يعني الإيمان به كله، وليس فقط ببعضه، فيجب أن يؤمن المسلم بالقرءان كله، ولا يجوز له مثلا أن يكتفي بالقرءان الذي نزل بمكة، ومن قال بذلك هو من الذين كفروا، والآية الآتية تبين حقيقة هؤلاء:
{...أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُون} [البقرة:85]
إن أكثر الناس بالفعل هم عبيد الدنيا، وهم لا يعترفون إلا بالمكاسب العاجلة، وهم قلَّما يتبعون الداعين إلى الحق إلا مضطرين أو من بعد أن يصبحوا على يقين من انتصارهم وذلك طمعا في غنائم الانتصار، وهم عادة الذين يستحوذون على المكاسب الدنيوية التي ستأتي نتيجة جهاد السابقين الأولين من المجاهدين المخلصين، وهذا ما حدث بالفعل حتى في تاريخ هذه الأمة، لقد قضى أكثر السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار دون أن ينالوا من الدنيا شيئا، أما من فاز بالملك والمكاسب فهم الطلقاء من الأمويين وعملائهم، ولكن هذه الأمة أبت إلا أن تتفوق في الخسة والنذالة والشر على الأمم الأخرى فقد قدست عمليا هؤلاء الطلقاء وأصبح كل ما أحدثوه في الدين سنة واجبة الاتباع، بل وتطاولوا على القرءان الكريم وعلى سيد المرسلين وعلى السابقين الأولين من أجلهم!! 
-------
تبين الآية (103) حقيقة كونية هي أن أكثر الناس مهما حرص النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومهما تفانى في الدعوة ليسوا بمؤمنين حقا، وذلك الأمر متحقق في كل زمان ومكان، وهذا يبين أن كثيرا من أهل القرن الإسلامي الأول مثل الأعراب لم يؤمنوا حقا وإنما أسلموا فقط، وتلك حقيقة لا مراء فيها، ولقد أكدتها آيات أخرى، ولقلة عدد المؤمنين الحقيقيين فإن الغلبة في النهاية كانت للطلقاء ولمن ظاهرهم من الأعراب فحُلَّت أولى عرى الإسلام وكان ما كان، ولقد كان الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علي علم تام بما سيؤول إليه الأمر عندما قال إنه ستأتي فتن كقطع الليل المظلم، ولقد بدأت تلك الفتن بمجرد انتقاله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
=======
وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ{104}
الآية تبين حكماً وحقيقة، فالرسول لا يسأل الناس أجرا على الرسالة وإنما يأخذ أجره ممن أرسله، وكل داعٍ إلى الخير يتأسى بالرسول، فلا يجوز اتباع من يسأل الناس أجرا، والضمير في "عَلَيْهِ" يعود على القرءان، فكل الضمائر التي لا يذكر قريبا منها ما تعود عليه تعود إما على لفظ الجلالة أو على القرءان الكريم، فالقرءان هو الرسالة التي حملها النبي إلى قومه وبها كان رسولا.
فالآية تبين حقيقة ثابتة وهي أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يسأل الناس أجرا ويبين الحرف (من) أنه لم يسألهم مطلقا أي أجر، وهذا يدحض قول الشيعة ومن شايعهم من أنه طلب أن يود الناس أهل بيته كأجر علي رسالته، ذلك لأن الكريم إذا أرسل رسولاً من لدنه إلي الناس لا يتركه لهم ليتكففهم ولا يكله أبداً إليهم، ولا يأمره بطلب الأجر منهم.
والآية تنص على عالمية رسالة القرءان الكريم، فالقرءان الكريم ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ وليس لطائفة خاصة من الناس، فالعالمية سمة راسخة للقرءان الكريم وسمة ما هو ماثل فيه من الدين، لذلك يجب رفض كل ما تناقض مع هذه السمة الثابتة مثل ربط الدين بعادات وتقاليد العرب والأعراب في القرن السابع الميلادي، وكان ذلك الربط مما أدى إلى نشوء واختلاق المذاهب التي حلت محل الإسلام، كما أدى إلى اصطباغ هذه المذاهب بصبغة فلكلورية وحشية دموية بدائية كبلت الأمة ومنعتها من تحقيق المهام التي كانت منوطة بها.
=======
وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ{105}
إن الآية تقرِّع وتندد بأولئك الذين يعرضون عن الآيات التي يمرون عليها في السماوات والأرض، وإعراضهم يعنى أنهم لا يدركون ولا يفقهون أن ما يرونه آيات فإن إدراك ذلك يقتضى فقها وعلما، فكلما ازداد ذلك كلما أدرك الإنسان وجه القدرة والإبداع فيما يراه، ويلاحظ أن الإنسان لم يدرك أن ما يراه من أمور مألوفة هو آيات إلا بعد أن تحققت الطفرة العلمية الهائلة في القرن العشرين، أما من أعرضوا عن الآيات فهم المحسوبون على الإسلام، ولقد ظلوا على ذلك ووضع لهم الكهنوت من القواعد والأسس ما يمنعهم من رؤية الآيات ويضمن استمرار إعراضهم عنها إلى أن وقعت الواقعة وبزغت شمس الحضارة من حيث تغرب الشمس فدفع المحسوبون على الإسلام والمنافقون الثمن غاليا من حريتهم وكرامتهم ودمائهم ومصائرهم.
إن من أعرض عن آية من آيات ربه سواء أكانت موجودة في الكتاب العزيز أو في الآفاق أو في الأنفس فإنما يفوته من العلم بالله بقدر ما أعرض، فإنه ما من آية ظاهرة أو سنة كونية أو واقعة تاريخية إلا وهي مستندة إلى حقيقة أو شأن إلهي، لذلك فإن من علامات الآيات أن تختم دائما بتوقيع الحقيقة المستندة إليها، وهي سمة يشير إليها اسم الهي قد يمكن التعبير عنه بلفظ عربي واحد وقد يقتضي ذلك أكثر من لفظ، هذا مع العلم بأن كثيراً من تلك الألفاظ العربية قد يستلزم التعبير عنها –بدورها- أكثر من لفظ باللغات الأجنبية.
=======
وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ{106}
والآية تنص على حقيقة كونية أخرى لا ريب فيها: مَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُ الناس بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ، لذلك فالموحدون الحقيقيون هم قلة من قلة، تلك هي الحقيقة التي يجب معرفتها والعمل بمقتضاها، ومن المعلوم أن كل متبع لشيعة أو حزب أو مذهب من المذاهب التي حلت محل الإسلام بحيث لا يبغي عن شيء من ذلك حولا ولا يرضى بغيره أبدا حتى وإن تبين له خطأه هو مشرك بالضرورة، فقد ادعى بالضرورة لإمامه ومذهبه سمات إلهية، وهذا من الشرك، ولا يجوز بصفة عامة أن ينتظر المسلم خيرا من مشرك، ولكن لا يجوز له أن يعامل متبع أي مذهب محسوب على الإسلام رسمياً كمشرك رغم علمه بما هو عليه من الشرك، بل يجب دائماً أن يعامله كمسلم له عليه كافة حقوق المسلم.
وهذا النوع من الشرك هو بالضرورة دون الشرك الغليظ الأكبر المخرِج من الإسلام، وهو أن يعبد الإنسان شيئا مع الله تعالى عبادة صريحة.
وهكذا فالآيات تبيِّـن أن أكثر الناس ليسوا بمؤمنين مهما حرص الدعاة المخلصون على دعوتهم إلى الإيمان ومهما بذلوا من جهد، وهذه الآيات الكتابية هي معجزة من آيات الله تعالى، ذلك لأنه قد ثبت صدقها علي مدي التاريخ، أما هؤلاء المؤمنون فإن المخلصين منهم قليلون، ويجب ملاحظة أن الإيمان يقابله الكفر أما الإخلاص فيقابله الشرك، والآية تبين أن معظم المؤمنين مشركون، والشرك لا حد لتنوعه وتلونه ولا لظهوره ولا لبطونه، ومعظم الناس لا يدركون ما هم عليه من الشرك: فمن الشرك الذي يقع فيه كثير من المؤمنين أن يزعموا للمخلوق السمات الخاصة بالخالق فيظنون أن ما يظهر على الناس من صفات الكمال هي ملك ذاتي لهم، ومن ذلك أن يظنوا أن لهم مقدرة ذاتية وتأثيرا من حيث أنهم مستقلون بالوجود لا من حيث أنهم آلات بيد الحق سبحانه هو آخذ بنواصيهم، وذلك يدفع بعضهم إلى ممارسة ألوان من العبادة تجاه البعض الآخر مثل المدح والثناء والمداهنة والتملق والتوسل والتذلل، ومن ذلك أيضاً التوجه إلى المقابر بالدعاء طلبا لنفع أو دفعا لضر، ومن ذلك تقديس الناس للزعماء وللمشهورين.... الخ، وكل أنواع الشرك لا تخرج الإنسان من الإسلام ما لم يتوجه إلى شركائه بعبادة غليظة ظاهرة وما لم ينكر بقلبه أن الله تعالى هو القاهر فوق عباده والمدبر والمفصل والفعال لما يريد، ولكن كل أنواع الشرك تحول بين الإنسان وبين بلوغ كماله وتزكية نفسه، وتجعله معرضا لغواشي من عذاب الله تعالى إما تنبيها له حتى يكف عن شركه وإما عقابا له على هذا الشرك لزم إنزاله به في تلك الحياة الدنيا، أما من قصد بعبادته مراءاة أو مداهنة الناس طمعا فيما لديهم فهو مشرك أيضا ولا حظ له في كل عمل أشرك فيه، بل إن مثل هذا العمل هو بالضرورة وبال عليه لأنه في الحقيقة لم يعبد الله تعالى وإنما عبد غيره.
إن تفريق الدين إلى مذاهب واتباع هذه المذاهب هو نوع من الشرك المذل المهلك، قال تعالى:
{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ{30} مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ{31} مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ{32}الروم، {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ}الشورى13.
ولقد برَّأ الله تعالى رسوله من الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً:
{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}الأنعام159
وقد نهى الله تعالى عن التفرق وحذَّر من الاختلاف، قال تعالى:
{وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} آل عمران105، {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ{118} إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ{119} هود.
ما كان رسول الله شيعيا ولا سنيا ولا أشعريا ولا سلفيا ولا وهابيا ولا معتزليا، ولكن كان حنيفاً مسلما، وكذلك لم يكن السابقون الأولون يعلمون شيئاً عن هذه المذاهب التي تفرَّق إليها الدين، ولقد تفرقت الأمة لأسباب عديدة أهمها وجود حزب قوي من المنافقين والمبدلين والمنقلبين على الأعقاب والأعراب الذين أسلموا ولما يؤمنوا وأهل البغي وكذلك وجود الموتورين من أهل الكتاب والمجوس الذين بالغ الأعراب في امتهانهم وقضوا على حضارتهم، والعصبية القبلية، هذا بالإضافة إلى عمل الشيطان الذي هو للإنسان عدو مضل مبين، وكانت نتيجة كل ذلك أن تفرق الدين، وظهرت المذاهب التي حلت محله.
=======
أَفَأَمِنُواْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ اللّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ{107}
المطلوب من الإنسان أن يقوم بركن التزكي وما يستلزمه من التطهر من كل صور الشرك؛ فصور الشرك تؤدي بمقتضى سريان السنن الإلهية الكونية إلى ألوان من العذاب على كافة المستويات، ومن أخطر ألوان العذاب أن يستعذب الإنسان ما هو عليه من الشرك، وكذلك قد تقوم الساعة قبل أن يتوب الإنسان أو يموت دون ذلك، ومن مات فقد أدركته الساعة؛ فلا أمل له في التوبة وإن أيقن وأقر بخطئه.
ومن الأمور المسببة لغواشي من عذاب الله تعالى في الدنيا والآخرة الإعراض عن آياته في السماوات والأرض، وهذا من كبائر الإثم التي اقترفتها هذه الأمة التعسة المحسوبة على الإسلام، لقد ساهمت كل المذاهب في الحيلولة بين الأمة وبين العمل بمقتضى الأوامر الإلهية الموجبة للنظر في آيات الله تعالى في السماوات والأرض.
وتبين الآية أن الساعة ستأتي لا محالة بغتة مهما تقدمها من أمور تنذر باقترابها، والحق هو أن علامة الساعة الكبرى كانت ختم النبوة، {فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُم} [محمد:18]، والذي يعني الإنسان هو ساعته هو، فبموته يكون قد حُسم عادة أمره، ومهما طال به الزمان البرزخي فعندما سينقضي لن يكون بالنسبة إليه إلا يوما أو بعض يوم.
=======
قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ{108}
إن الدعوة إلى الله تعالى هي من أشرف الأعمال المنوطة بالإنسان، وهي بالإضافة إلى ذلك ركن ديني ملزم، وأهميتها تتعاظم مع كبر حجم الكيان الإنساني الملزم به حتى تصبح مقصدا من مقاصد وجود الأمة المؤمنة ومهمتها الرئيسة، والداعي إلى الله تعالى يجب أن يكون على درجة مناسبة من سموِّ الكيان الجوهري بحيث يكون على بصيرة من أمره، ولقد كان الرسول أسوة حسنة لمن أراد أن يكون على بصيرة من أمره، ومن اتبعوه كانوا هم أيضاً على بصيرة من أمرهم به، فكل مقتد بهدي الرسول متأسٍّ به يجب أن يكون على بصيرة من أمره، لذلك يجب أن يتطهر من الشرك لكي يكون لدعوته فعاليتها ومصداقيتها، وتسبيح الله تعالى هو من الأعمال المزكية للقلب والمؤدية إلى التطهر من الشرك، إن انشغال القلب بالله تعالى تسبيحاً وتقديساً وحمدا هو العلاج الناجع لهذا الداء الخطير؛ داء الشرك، ومن وسائل التزكي والتطهر من الشرك أن يوحي الإنسان لذاته البراءة منه حتى يرسخ ذلك في نفسه ويتحول من ادعاء إلى حقيقة ثابتة.

*******


هناك تعليقان (2):

  1. تفسير موفق ..
    الذين اشركوا ,المذكورين في ايية ,17 من سورة الحج ..
    ليس هم المشركين بعبادة الله مع غيره ..
    وانما هم مؤمنين ومسلمين ,من العرب ومن غير العرب ..ولكنهم يتشاركوا في ....مع الاخرين ..

    ردحذف