الثلاثاء، 17 فبراير 2015

حقيقة مصطلح الصحبة

حقيقة مصطلح الصحبة

مقدمة
إن موضوع المصطلحات من أخطر الأمور في التاريخ الإنساني على كافة المستويات الدينية والمعرفية، وخطورة الأمر أن المصطلح يكتسب بالتقادم قوة هائلة وتأثيرا رهيبا على الناس مما يجعل من الصعب إن لم يكن من المستحيل على أحد مراجعته، وقد يتسبب المصطلح في مشاكل خطيرة، ومع ذلك لا يجرؤ أحد على إعادة النظر فيه فيظل يحوم فقط حول ما ترتب عليه أو يحاول فقط أن يحد من تأثيره.
وأخطر المصطلحات أثرا هي المصطلحات الدينية، ذلك لأنه انطلاقا منها يتم صياغة البنيان العام للدين وإضافة لبنات جديدة إليه، كما أنه يترتب عليه إعطاء المصداقية لبعض الأمور كأمور دينية أو سحبها منها، كما يترتب عليه التزامات دينية تتحدد بناءً عليها مصائر الأفراد والأمم.
ومشكلة المصطلح أنه لا يشير بالضرورة إلى تصور أو مفهوم حقيقي أو صحيح، بل إن كثيرا من المصطلحات وخاصة في المجالات الدينية والإنسانية تشير إلى مفاهيم وتصورات خاطئة أو باطلة أو خرافية أو وهمية أو تشكل خليطا من بعض ذلك مع شيء من الحقانية أيضا، ويكون على الإنسان الأخذ به كله.
والحق هو أن الكثير المصطلحات الدينية تشير إلى مفاهيم متشابهات (Ambiguous concepts) أو ذات طبيعة باطنة أو غيبية، وذلك بحكم طبيعتها وبحكم الطبيعة الإنسانية، لذلك يلزم بيان الحد الأدنى الذي يمكن الاعتداد به بخصوص هذه المصطلحات، وهو الذي يضع الإنسان على بداية الطريق القويم ويحدد له الاتجاه الصحيح.
ويجب العلم بأن كل مفهوم تكون لدى إنسان على مدى التاريخ هو محفوظ في عالم المعاني أو العالم البرزخي أو عالم الخيال، وهذا العالم ليس باطلا أو عدما، إنه عالم مؤثر وفعال، ومنه يستمد الإنسان كثيرا من الأمور شاء أم أبى، والإنسان الذي تيقظت لديه الملكة القلبية الخيالية يتلقى إمدادات من هذا العالم، وخطورة هذا العالم أن الحق فيه ممتزج بالباطل، فلا يمكن التعويل على كل ما يمكن أن يأتي منه.
والإنسان بحكم طبيعته يتلقى من هذا العالم ما يوافق حالته الجوهرية، فهو يتلقى مثلا من العقائد ما يتلاءم مع ما يجزم هو بصحته وما يؤمن به إيمانا لا يتزعزع مهما كانت هذه العقائد باطلة.
وهذا العالم هو محل العقائد والأفكار التي تربط مجموعة من الناس ببعضهم البعض وفق أي إطار.
وتقييد الناس بمصطلحات متخلفة تجاوزها التطور والتقدم هو من أكبر العقبات في سبيل التقدم والتطور، فما بالك بمصطلحات خاطئة أو باطلة تجعل الإنسان يعيش في صراع يائس مع الحقائق الدامغة.
والمصطلح الديني هو ما يترتب عليه التزامات دينية، وهو بذلك له أكبر التأثير على حياة الإنسان في البلدان المحسوبة على الإسلام، فهو يُبرمج على مفهومه ومعناه منذ صغره، ويظل من بعد متمسكا به طوال حياته، وتتحدد مواقفه من كل شيء بناءً عليه.
ومن البديهي أن يكون القرءان هو المصدر الأوحد للمصطلحات الشرعية الدينية أو بالأحرى القرءانية، فهو النص الذي تعهد الله تعالى بحفظه وأعلن أنه لا اختلاف فيه وأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أما قولهم بأن "السنة" ويقصدون بها المرويات الظنية قاضية على القرءان وحاكمة عليه أو أن حاجة "القرءان للسنة أشد من حاجة السنة للقرءان" ... الخ فهو من الكفر البواح، ويجب أن يُضرب بقولهم هذا عُرض الجدار أو في وجه قائله؛ أيهما تيسر.
ومن يتبع دين الحق ومنهجه لن يجد أية فوضى في المصطلحات، ذلك لأن من أسسه أن القرءان هو المرجع الأوحد لكل المصطلحات الدينية؛ أو بالأحرى القرءانية، وكل المصطلحات لها معانيها القرءانية الدقيقة المحكمة والتي تغني عن مصطلحات الناس الضحلة والتي تسبب الغموض والمشاكل.
ولقد أعلن الله تعالى عن مقاصده في القرءان بأجلى بيان، وله وحده -وليس للناس- حق تحديد معاني مصطلحاته المذكورة في كتابه، أما قاعدة "لا مشاحة في الاصطلاح" فهي تصلح بين أرباب أي فن أو تخصص من الناس أو لما لم يرد صراحة في القرءان الكريم.
فلا حرج من إحداث مصطلح موجز أو التعبير بمصطلح موجز مألوف للناس عن مفهوم قرءاني محدد تحديدا دقيقا، وهذا بالطبع أمر اختياري، فطالما لا يوجد نص صريح في القرءان أو ذكر صريح لهذا المصطلح فالناس مخيرون بشأنه، ولا يجوز لأحد أن يفرضه على الناس فرضا، ويظل من حق أي إنسان أن يرفضه أو أن يبحث لنفس المفهوم القرءاني عن مصطلح أفضل.
ومن ذلك مثلا مصطلح "الركن الديني" فهو يمكن أن يُستعمل للدلالة على أمر قرءاني هام أو كبير أو مُشدد، كما يُمكن أيضاً أن يُكتفى بالقول عن هذه الأركان إنها الأوامر القرءانية الكبرى أو العظمى، فهذا أمر اختياري طالما تم تعريف المقصود به جيدا، وطالما هو مصدق لما هو في القرءان، وطالما لن يسبب للناس لبسا، وطالما لا يتضمن خداعا أو تدليسا أو أهواء مذهبية، ولكن يجب التأكيد دائماً على أن مصطلح "الركن" ليس مصطلحا قرءانيا أو دينيا، وأنه من حق أي إنسان أن يبحث لنفس المفهوم القرءاني عن مصطلح أفضل.
ولكن من المرفوض تماماً أن يضع أحدهم مصطلحا من عنده لا يقابله أي مفهوم قرءاني وليس له أي مدلول قرءاني ثم يزعم أن مصطلحه هو مصطلح ديني يترتب عليه التزامات دينية.
ومن المرفوض أيضا تحريف معنى مصطلح قرءاني أو تحميله بما يوافق الأهواء الشخصية أو المذهبية.
ومن يكتشف شيئا أو يضع نظرية أو يخترع جهازا من العلماء والمهندسين يكون له حق التسمية ووضع المصطلحات لما اكتشفه أو وضعه أو اخترعه، فلا يجوز بالأولى لأحد منازعة الله تعالى حقه في وضع وتقدير المصطلحات الخاصة بدينه!
وموضوع المصطلحات الدينية هو أمر على أعلى درجة من الخطورة، فلا يمكن أن يُترك المصطلح الديني فارغا ليملأه كل واحد وفق هواه أو وفق توجهاته المذهبية، كما لا يجوز لأحد الزعم بأن كلمة لم يكسبها القرءان أية دلالة اصطلاحية هي مصطلح ديني، وكذلك لا يجوز ملأ المصطلح بأمور ظنية.
ومن أخطر الأمور في تاريخ الأديان إحداث مصطلح ديني خاطئ أو تحريف معنى مصطلح ديني موجود، إن ذلك أشبه بوضع ألغام في أساس بناء أو دس فيروس خطير في جهاز حاسب.
ومصطلح "الصحابة" الذي أحدثه بعض السلف وجعلوه عمليا وواقعيا المصطلح الديني الأقدس كان له ومازال آثاره المدمرة الهائلة على دين الحق وعلى أمة الإسلام وعلى البشرية جمعاء، ولا يكاد يعادله أي مصطلح آخر في اتساع وخطورة آثاره على أعداد هائلة من البشر والشعوب، وهذا الكتاب يهدف إلى بيان حقيقة مصطلح الصحابة من كافة جوانبه وما ترتب عليه، كما يقصد إلى بيان كيفية إنقاذ دين الحق من آثاره القاتلة.
فمسألة مصطلح "الصحابة" ليست مسألة هينة، بل هي من أخطر المشاكل ذات الصلة المباشرة بدين الحق، والاختلاف بشأنها كان من أسباب تمزيق الأمة وتفريق الدين، وهي التي أدت إلى ظهور المذاهب التي حلَّت محلّ الإسلام.
وتعريف الصحابي وما ترتب على ذلك من القول بما يسمونه عدالته هو الذي أعطى للمرويات الظنية والآثار شرعيتها ومصداقيتها ثم جعلها قاضية على القرءان وحاكمة عليه.
ولقد لعبت الخلافات السياسية وتطلع بعض عبيد الدنيا إلى محاولة الاستيلاء على ما هو ليس بحق لهم إلى التضخيم من حجم المشكلة، ولقد أدى تصدي السابقين الأولين لمحاولات أهل البغي الاستيلاء على السلطة إلى لجوء أنصار أهل البغي الذين كانوا من الطلقاء أو الأعراب إلى تحويل مصطلح الصحابة التاريخي إلى مصطلح ديني وتوسيع هذا المصطلح لحساب الطلقاء والمنافقين، وقد حرَّفوا المصطلح ليسمح لهم بمكانٍ بسيط فيه ثم سرعان ما أصبحوا هم في ذروته وأصبحوا هم المنتفعين الأساسيين به!
وكل ما أحدثوه في الدين كان دائما لحساب الشياطين والمتسلطين وضد المصلحين المخلصين، فكأنهم أحدثوا ما هو مخالف للدين الخالص والمنطق لكي يستدرجوا هؤلاء المصلحين وليوقعوا بهم وليسلطوا عليهم الدهماء والغوغاء وغيرهم من القوى العمياء، ومن ذلك ما أحدثوه بخصوص الصحابة وما ترتب عليه من مشروعية ومصداقية المرويات وعصمة من جمعوها.
ولو كان الأمر أمر حجة من القرءان أو دليل منطقي أو برهان لما كان ثمة اختلاف في هذا الشأن، ولكن المشكلة هي في وجود مذاهب متناحرة يتصور أتباع كل مذهب منهم أنهم الفرقة الناجية، وأكثر الأتباع هم من الغوغاء الذين لا يتبعون إلا ما ألفوا عليه أسلافهم، وهم -مهما علت مراتبهم الدنيوية- في أمور الدين لا عقل ولا منطق لهم، فهم يتبعون كل غر ساذج تخرج من أحد مراكز نشر الجهل والتخلف، وهم يظنون أنه اكتسب بذلك هوية جديدة دائمة أو سرا يجعله حجة في كل أمور الدين ومعصوماً من كل خطأ، هذا لسان حالهم، وهم لا يتصرفون إلا بمقتضى ذلك.
والمتكسبون بالدين يهولون للناس أمر الاختلافات فيما بين المذاهب المحسوبة على الإسلام، حتى يتوهم دواب الغوغاء أن من لا يعتنق مذهبهم من المسلمين الآخرين هو شيطان مريد وأنه أخطر على الإسلام من عتاة الكفار والمشركين!
ولا يجوز أبدا القول بأن أي فرد هو حجة على الإسلام والمنطق، بل لابد أن يكون توقير الشخصية التاريخية بقدر ثبوت التزامها بالإسلام، وليس لأحد أن يجعل من أعمالهم التي تتضمن اقترافا لكبائر الإثم اجتهادات مأجورة.
*******

معنى المصطلح
المصطلح بصفة عامة هو كَلِمَة لَهَا دَلاَلَةٌ مُعَيَّنَةٌ أو مفهوم معين مُتَّفَقٌ عَلَيْه بَيْنَ العُلَمَاءِ فِي عِلْمٍ مَّا، أي هو لفظ يطلق على مفهوم معين للدلالة عليه عن طريق الاصطلاح أي الاتفاق، وفي العلم الحديث قد يكون المصطلح مجرد رمز لغوي يُطلق على تصور ذهني أو رياضي لا يمكن التعبير عنه بالألفاظ المألوفة لكونه يتعلق بسلوك الجسيمات الدقيقة مثلا، والتي هي خارج نطاق الخبرة البشرية العادية.
فالمصطلح يشير إلى تصور أو مفهوم متعدد اللوازم والمعاني بطريقة موجزة.
وتترادف كلمتا "مصطلح" و"اصطلاح" في اللغة العربيّة، وهما مشتقتان من الفعل "اصطلح" (وجذره صلح)، و"اصطلح" هي بمعنى: "اتفق"؛ لأنّ المصطلح أو الاصطلاح يدلُّ على اتفاق أصحاب تخصصٍ ما على استخدامه للتعبير عن مفهوم محدد، و"الاصطلاح" هو اتفاق القوم على وضع الشيء؛ أي: تحميل الكلمة اللغوية بمعنى جديد بالإضافة إلى المعنى اللغوي لإيصال مفهوم معين بطريقة موجزة.
وفقه المصطلحات من أهم ما يلزم لفقه العلم؛ ذلك لأن المصطلح هو لفظ يعبر عن مفهوم (Concept)، والمعرفة مجموعة من المفاهيم التي يرتبط بعضها ببعض في شكل منظومة، وهذه الارتباطات متضمنة في معنى المصطلح؛ أي هي مترتبة عليه، وقد ازدادت أهميّة المصطلح وتعاظَم دوره في المجتمع المعاصر الذي شهد تولد وإنتاج ما لا حصر له من المصطلحات في كل فرع من فروع العلم.
أما المفهوم فهو فكرة أو صورة ذهنية تتكون من خلال الخبرات المتتابعة التي يمر بها الكيان الإنساني العام؛ سواء كانت هذه الخبرات مباشرة، أم غير مباشرة حتى وإن لم تتوفر أصلا الألفاظ اللازمة للتعبير عنها، والأمر مثل الكثير من الخبرات الذوقية الإنسانية المادية منها والمعنوية والوجدانية التي لا يمكن التعبير عادة عنها، وإنما يشار إليها بكلمة لغوية تستدعي عند المستمعين خبراتهم الخاصة المشار إليها بهذه الكلمة.
ويتَّسم كل مفهوم بمجموعة من الصفات والخصائص التي تميزه عن غيره، كما يشترك جميع أفراد المفهوم في الصفات والخصائص التي تميزه عن غيره من المفاهيم الأخرى، فالإلكترون مثلا هو أحد أفراد مفهوم الجسيمات الدقيقة، كما أن له مفهومه الخاص، وهو يختلف عن مفهوم الخلية الحية مثلا، وما يعلمه العلماء المختصون عن الإلكترون هو ما تقدمه القوانين العلمية عنه، فهي تشكل بنية المفهوم الخاص الذي يشير إليه ما اصطلح على أنه "إلكترون".
ويتسم المفهوم بدرجات من التجريد والتعميم، وقد يكون حسيا أو معنويا، وقد يتصف بالأمرين بدرجات متفاوتة.
والمفهوم هو كائن مجرد (Abstract object)، وهو صورة ذهنية أو تمثيل ذهني لما يُفترض أن له وجودا حقيقيا واقعيا؛ فهو تجريد لما هو في الحقيقة أو الواقع، أي هو ما يُستعمل للإشارة إلى طبقة من الأشياء في العالم، نتحدث بالطبع عن العالم الطبيعي المألوف.
فالمفاهيم هي التمثيلات العقلية التي تسمح للإنسان باستخلاص استنتاجات مناسبة عن هذا النوع من الكيانات التي يتناولها أو يتعامل معها، وهي تقدم للعلماء معلومات مركزة دقيقة عما يشير إليه المصطلح المميز للمفهوم، وهو يتيح لهم تبادل المعلومات والتعامل مع المعطيات العلمية بكفاءة واقتصاد.
ولا تشمل المفاهيم كل التأكيدات العقلية، بل هي مجرد مجموعة فرعية منها، واستخدام المفاهيم ضروري للعمليات المعرفية مثل التصنيف، والذاكرة، وصنع القرار، والتعلم، والاستدلال.
وهناك طبقة خاصة من المفاهيم فيها يمكن تحقق التساوي بين المفهوم وكلمة واحدة، هي المفاهيم المعجمية (Lexical concepts)
والتعريف الكافي للمفهوم يأخذ شكل قائمة من الملامح والخصائص، هي ما يلزم لإعطاء تعريف شامل أو جامع مانع، والخصائص يجب أن تكون ضرورية وكافية، الخاصية تكون لازمة أو ضرورية إذا تحققت في كل من ينطوي تحت التعريف، وهي تكون كافية إذا كان هناك ما لديه كل الخصائص، والتعريف يخضع لقانون الثالث المرفوع.
وللتحقق من عضوية شيء ما للطبقة التي يتضمنها التعريف يجب مقارنة صفاته بالخصائص المذكورة في التعريف.
وعملية تحليل المفهوم هو فعل من يحاول التوضيح والتعبير عن الشروط الضرورية والكافية للعضوية في فئة المرجع.
ويختلف المفهوم عن المصطلح في أن المفهوم يركز على الصورة الذهنية، أما المصطلح فإنه يركز على الدلالة اللفظية للمفهوم، كما أن المفهوم أسبق من المصطلح، فكل مصطلح يشير إلى مفهوم ويعبر عنه حتى وإن كان المفهوم خاطئا أو باطلا، فالمفهوم ليس هو المصطلح، وإنما هو مضمون هذه الكلمة ودلالة هذا المصطلح في ذهن المتعلم؛ ولهذا يعتبر التعريف بالكلمة أو المصطلح هو "الدلالة اللفظية للمفهوم".
ويوجد علم مختص بالمصطلحات واستعمالاتها، والمصطلحات يمكن تعريفها بأنها الكلمات والكلمات المركبة التي ترد في سياقات محددة المعاني، هذه المعاني قد تختلف عنها في سياقات أخرى أو في اللغة الدارجة، وعلم المصطلحات هو نظام يتضمن الأسس اللازمة لدراسة -مع أشياء أخرى- تطور المصطلحات وعلاقاتها التبادلية داخل المنظومة الثقافية، وهو يتضمن دراسة المفاهيم والنظم المفاهيمية والمصطلحات المستعملة لتمييزها والإشارة إليها، هذا في حين أن الدراسات المعجمية تتعلق بالكلمات ومعانيها اللغوية.
وعلم المصطلحات هو نظام الدراسة المنهجية لكيفية تمييز المفاهيم بوضع العلامات والتسمية وتعيين الرموز اللغوية اللازمة للإشارة إلى مجال المصطلح، ويتضمن علم المصطلحات تحليل المفاهيم وهياكل المفاهيم في مجالاتها وتحديد شروط تخصيص المصطلحات للمفاهيم؛ أي تعيين العنوان اللازم للمفهوم أو بالأحرى للإشارة إلى المفهوم.
والكلمة يمكن تعريفها أنها أصغر عنصر من الكلام يمكن أن يلفظ لوحده ويكون له محتواه الدلالي الحرفي أو العملي، والمصطلح "كلمة" قد يشير إلى كلمة متلفظ بها أو مسموعة أو كلمة مكتوبة أو أحياناً إلى المفهوم المجرد الذي هو وراء أيٍّ منهما، والكلمة قد تكون مفردة أو مركبة.
*******
المصطلح القرءاني (الديني)
من البديهي أن يكون تقدير وإحداث المصطلح الديني هو حق خالص لمن له الدين الخالص ولمن له الحكم في الأمور الدينية، والله وحده هو الذي له كل ذلك، لذلك فمن حقه وحده أن يقتضي أو يُحدث المصطلحات الدينية، ولما كانت الرسالة التي ألزم الناس باتباعها هي القرءان الكريم فلابد من وجود "المصطلح الديني" نصاً فيه، ولأخذ هذه الحقيقة في الاعتبار يجب الالتزام بالقول "مصطلح قرءاني" بدلا من "مصطلح ديني"، وبذلك يتم تلقائيا الالتزام بأن القرءان هو المصدر الأوحد لأمور الدين الكبرى، ويتم أيضاً تلقائياً استبعاد المصادر الظنية الثانوية من تحديد شيء مما يتعلق بأمور الدين الكبرى.  
وبالطبع، يظل للكلمة اللغوية معناها اللغوي الموجود في المعاجم الأصلية للغة، بالإضافة إلى معناها الاصطلاحي، وقد تُستعمل الكلمة بأكثر من معنى اصطلاحي في القرءان، والسياق هو الذي يحدد المعنى المقصود، ومن الأمثلة على ذلك كلمة "النفس".
فالمصطلح الديني أو بالأحرى القرءاني هو كلمة لغوية أكسبها القرءان دلالة اصطلاحية بالإضافة إلى معناها اللغوي، وهذا يستلزم أن يرد المصطلح أو مشتقاته على الأقل في القرءان مشيرا إلى معانٍ ومفاهيم يمكن أن تحل محله تماما أينما ظهر، وذلك بمعنى أنه في العبارة القرءانية يمكن أن يستبدل بالمصطلح العبارة اللغوية الدالة على مفهومه أو معناه بيسر وسلاسة ودون إحداث أي خلل في معنى العبارة، والقول بأن مصطلحاً ما هو مصطلح قرءاني يعني بالضرورة أنه موجود نصاً ولفظا في القرءان، ولابد من وجود ما يبين مفهومه في القرءان أو ما يبين السبيل إلى معرفته.
وهذا يعني أيضاً أنه ليس من حق أحد وضع مصطلحٍ ما من عنده ثم محاولة فرضه على القرءان أو ليّ عنق الآيات لتقول به، هذا إثم مبين وخطير، ويعادله في الخطورة التحريف المتعمد لمعنى مصطلح قرءاني وتحميله بمفاهيم خاطئة لأسباب مذهبية أو شخصية أو دنيوية بصفة عامة.
والمصطلح القرءاني (الديني) بذلك يكون له مكانه في النسيج الحي للدين الملزم للناس كافة، وله بذلك بالضرورة مقتضياته الدينية الملزمة للناس، ومن البديهي أن يكون القرءان هو المرجع الأوحد للمصطلحات الدينية، كما أن إجماع أهل الأرض بافتراض حدوثه لا يمكن أن يلزم الله تعالى بمصطلح لا وجود له في القرءان أو أن يفرض على المصطلح القرءاني معاني من خارج القرءان تحقيقا لمكاسب أو مقاصد دنيوية.
فالمصطلح الديني هو ما يترتب عليه التزامات دينية، والقرءان هو المصدر الأوحد للمصطلحات الشرعية الدينية أو بالأحرى القرءانية، فهو النص الذي تعهد الله تعالى بحفظه وأعلن أنه لا اختلاف فيه وأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وموضوع المصطلحات الدينية هو أمر على أعلى درجة من الخطورة، فلا يمكن أن يُترك المصطلح الديني فارغا ليملأه كل واحد وفق هواه، كما لا يجوز لأحد الزعم بأن كلمة لم يكسبها القرءان أية دلالة اصطلاحية هي مصطلح ديني، وكذلك لا يجوز ملأ المصطلح بأمور ظنية.
ومن أخطر الأمور في تاريخ الأديان إحداث مصطلح ديني أو تحريف معنى مصطلح ديني موجود، إن ذلك أشبه بوضع ألغام في أساس بناء أو دس فيروس خطير في جهاز حاسب.
فالمصطلح القرءاني الديني يجب أن يكون مذكورا بلفظه في القرءان كما يجب أن يكون له مدلوله ومفهومه ومعناه القرءاني.
مثال لتوضيح الأمر:
إن لفظ الجلالة هو رمز ورد في القرءان مشيرا إلى إله الكون، والله سبحانه هو الذي يشير به إلى نفسه، فهو بذلك مصطلح قرءاني هو معبر عنه في القرءان بالأسماء الحسنى والسمات والأفعال والشئون المنسوبة إليه، فما هو في القرءان هو مفهوم الألوهية الواجب الإيمان به، وهو ما يجب الالتزام به والعمل بمقتضاه، وما هو فيما دون القرءان لا يؤخذ به إلا إذا أمكن اندراجه في سياق ما هو مذكور في القرءان وثبوت اتساقه معه، ويجب الإعراض عما لم يحقق هذه الشروط، فلا يجوز لأحد أتباع المذاهب أو الأديان الأخرى أن يفرض على المصطلح القرءاني تصوراته ومفاهيمه الخاصة فيقول مثلا إن الإله له طبيعة ثنائية أو ثلاثية، أو إنه مثل الإنسان وإن كانت مادته نورانية مثلا أو أن حجمه أكبر مثلا أو أنه يجلس في مكان ما من الكون على عرش ضخم!
وكل ما يملأ به سدنة ما يُسمى بأصول الدين من أشعرية أو سلفية أو معتزلة هذا المصطلح لا يرقى إلى المفهوم الذي يقدمه القرءان، فكل هؤلاء ما عبدوا الله الذي أنزل القرءان وإنما عبدوا تصوراتهم المذهبية عنه.
وخطأ أئمة وسدنة المذاهب العقائدية يتمثل في تصورهم أن لفظ الجلالة هو مصطلح عادي، بمعنى أنه يمكنهم الاصطلاح على معناه ويكون على كل الحقائق الإلهية والوجودية أن تخضع لتصوراتهم ومصطلحهم!! وهم بذلك يجمعون بين ألوان شتى من الكفر والضلال، فلله وحده حق التحدث عن نفسه وبيان أسمائه وشئونه وأفعاله، ولذلك يجب القول بأن لفظ الجلالة وسائر الأسماء هي أسماء أو مصطلحات قرءانية يجب التماس معانيها ومفاهيمها من آيات القرءان وحده.
مثال ثان: كلمة "الشرك" وردت كثيرا في القرءان الكريم كمصطلح ديني، كما ورد التحذير الشديد من هذا الشرك، والقول بأنه مَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُون، ولذلك يجب التماس مفهوم هذا المصطلح من القرءان وحده حتى يمكن أخذ الحذر منه والعمل على التطهر منه.
مثال ثالث: ذكر الله تعالى أنه إذا نسخ آية أو أنساها يأت بخير منها أو مثلها، ومصطلح "آية" ورد بمعانٍ عديدة في القرءان، فلا يجوز الزعم بأن الآية المنسوخة هي بالضرورة هي آية قرءانية، هذا التفسير والقصر كان من إلقاءات شياطين الجن والإنس، والسياق يبين بوضوح أن المراد بآية هنا هو نص من نصوص الرسائل السابقة يتضمن حكما، ومعنى الآية أن الحكم الجديد هو بصفة عامة أفضل من القديم، وسورة البقرة بصفة عامة تتحدث عن نسخ شريعة أهل الكتاب وإحلال شريعة القرءان محلها، ومن ذلك تغيير القبلة وجعلها شطر المسجد الحرام.
مثال لبيان إمكانية أن يكون للمصطلح معنيان: أمر الله تعالى الناس بالتزكي وحث عليه بشدة، وهذا يتضمن أن يزكي الإنسان نفسه، ولكن ثمة نهي مشدد عن أن يزكي الناس أنفسهم! وهذا يبين أن لنفس الكلمة معنيين اصطلاحيين من الناحية الدينية.
مثال آخر: نسب الله تعالى إمكانية الهدى للرسول في آيات ونفاه عنه في آيات، فلابد أن لمصطلح "الهدى" معنيين أو مفهومين.
ولقد كان إحداث مصطلح الصحبة كمصطلح ديني واحدا من أخطر الأمور في تاريخ الأديان وأشدها معاداة للدين والقيم والمنطق وطبيعة الأمور، ولا يدانيه في العواقب الكارثية أي مصطلح آخر، وكان ذلك أكبرَ خطوة في إحداث المذاهب التي حلَّت محل الإسلام، وفي اختلاق دين أرضي بديلا عن الدين الإلهي يختلف عنه في مفاهيمه وهيكله ومنظوماته وعناصره وقيمه، هذا الدين الأرضي متجسد في المذاهب الأثرية السلفية اللاسنية بطبيعتها الشرسة العدوانية الإقصائية الإجرامية المعادية بحكم طبيعتها للحضارة والتقدم والتطور والإنسانية.
فالحقيقة هي أن الدين الذي تم اختلاقه بعد إحداث مفهوم الصحبة الديني واختلاق مصطلح "الصحابة" والنفخ فيه ليكون واقعيا المصطلح الديني الأقدس وكذلك ما ترتب على هذا المصطلح لا يمكن اعتباره دينا بالمفهوم المعروف للدين، وإنما هو أيديولوجية للقهر والظلم والعدوان والتوسع الإمبريالي وتوثين البشر وعبادة الماضي ونشر الاستبداد والجهل والتخلف والتصدي بشراسة لكل تطور وتقدم واضطهاد المصلحين والمجددين واغتيالهم معنويا وماديا.
ولكن هل يمكن وجود مفهومٍ ما أو معنى ما يقابل هذا المصطلح في القرءان وإن لم يكن له وجود فيه؟ كلا، وهذا الكتاب ينفي هذا الاحتمال نفيا باتاً.
إنه لا يجوز لأحدهم أن يضع مصطلحاً ما من عنده ثم يرتب عليه نتائج خطيرة إلا إذا أثبت أن هذا المصطلح معبرٌ عنه بمقتضيات ولوازم هي في القرءان، ولم يرد في القرءان أبداً ما يدل على مرتبة دينية اسمها صحبة، بل استعملها بمعناها اللغوي المعلوم فقط.
*******
مصطلح "الصحابة"
إن مصطلح "الصحابي" الشائع الآن قد ساهم في وضعه مجموعة من أتباع المذهب السني، ومنهم على بن المديني شيخ البخاري فهو القائل: "من صحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو رآه ولو ساعة من نهار فهو من أصحاب النبي"، هذا الرجل كان من مجموعة صغيرة أعطت لنفسها دون تفويض أو توكيل أو تكليف من الله تعالى أو من أية سلطة دينية رسمية الحق المطلق لتعديل من تشاء من أهل القرون الإسلامية الأولى وتجريح من تشاء منهم، يقول في (اعتقاده) الذي رواه عنه اللالكائي بإسناده في كتابه المسمى (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة): "مَن صَحِبَه سَنةً أو شهراً أو ساعةً، أو رآه أو وفد إليه فهو من أصحابه، له من الصُّحبة على قدر ما صحبَه، فأدناهم صحبةً هو أفضلُ من الذين لَم يروه، ولو لقوا الله عزَّ وجلَّ بجميع الأعمال، كان الذي صحب النَّبِيَّ ورآه بعينيه وآمن به ولو ساعة أفضلَ بصُحبته من التابعين كلِّهم، ولو عملوا كلَّ أعمال الخير".
والمديني –ربما دون أن يتعمد- يدلس على الناس، فهو يقصد بالصاحب الصديق والخليل والحميم، وهو لم يقدم بين يدي زعمه الخطير هذا أي دليل أو برهان يعتد به، بل قدمه كعقيدة ملزمة، وهو بذلك قد اختلس لنفسه سلطة من سلطات ربه وكذب بآيات كتابه واعتدى على حقوق الرسول واستكبر في نفسه وعتا عتوا كبيرا وجني علي الإسلام والمسلمين.
والمصطلح الشائع الآن عند أكثر الناس وخاصة السلفية وأهل اللاسنة منهم من بعد القرن التاسع الهجري هو "الصحابي كل من رأى النبي أو لقِيَه من المسلمين"، والمتأخرون يرددون تعريف ابن حجر العسقلاني: "كل من لقي النبي مؤمناً ومات على الإسلام".
وكل هذه الصور من التعريف ليس فيها أية ضرورة دينية ولا منطقية، وهي تتضمن في بنيتها استحالتها، فلا يمكن لأحد أن يقطع بأن إنساناً ما مضت عليه عدة قرون قد مات على الإسلام، وإذا كان ذلك يمكن من باب حسن الظن افتراض تحققه لبعض السابقين الأولين فلا يمكن ضمان تحققه لأكثر من 117 ألفا أسلموا في أواخر العصر النبوي بعد انتصار الإسلام والمسلمين!
ولا يمكن إلزام المنطق والتاريخ بمصطلح وكل ما يترتب عليه بأثر رجعي، وقد كان الناس في العصر النبوي يطلقون تسمية الصحابي على المؤمن والمنافق، البر والفاجر، ومن ذلك الحديث المشهور "حتى لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه"، والحديث الآخر في صحيح مسلم "في أصحابي اثنا عشر منافقاً".
أما المروية التي ورد فيها تحذير لخالد بن الوليد من التعرض للأصحاب الرسول من بعد أن تطاول على عبد الرحمن بن عوف وفحواها أنه لا سبيل لمن هم في طبقته من اللحاق بهم فهي تبين أن المصطلح يعني من الناحية التاريخية على أقصى تقدير ممكن من أسلموا قبل خالد؛ أي من حضروا فتح الحديبية، أما في التقدير المتحفظ فقد لا تعني إلا من هم في طبقة عبد الرحمن بن عوف من السابقين الأولين، ولو كان هذا المصطلح مصطلحا دينيا لبادر أحدهم بالسؤال عن المراد بالأصحاب؛ فقد كانوا أحرص الناس على الخير، ولكن الأمر كان معلوماً لديهم أنه ليس أمراً دينيا، وإنما هو متعلق بالأسبقية إلى الإسلام وطول الملازمة للرسول، ومن الواضح أن الرسول لم يستعمل هذا المصطلح إلا بمعناه اللغوي أو على سبيل العهد، ولذلك لم يستغرب أحدهم عندما رأى الرسول يستعمل نفس اللقب للإشارة إلى عبد الله بن أبي بن سلول أو للإشارة إلى من تآمروا عليه عند عودته من غزوة تبوك.
ويقول بعضهم:
(نعم يقال لكل من آمن بالرسول ورآه في حياته انه صحابي بدليل عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ َقَالَ: " وَدِدْتُ أَنِّي رَأَيْتُ إِخْوَانِي "، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلَسْنَا بِإِخْوَانِكَ ؟ ، قَالَ : " بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي ، وَإِنَّمَا إِخْوَانِي الَّذِينَ يَأْتُونَ مِنْ بَعْدِي" والحديث يدل على أن المؤمنين به بعد وفاته إخوانه وأن أصحابه من آمن به في حياته ورآه-وإن لم تكن الرؤية مذكورة)!
وهم بذلك يظهرون جهلهم بأنه لا يجوز الاستناد إلى مروية لتعريف مصطلح إذا كانت شروط صحة المروية مستندة إلى تعريف نفس المصطلح، فهذا هو المعروف بالدور المنطقي، وهو خلف من القول وباطل!! ولا يجوز الاستناد إليه لإثبات أي شيء!!!!! فهذه المروية لا تصح إلا بثبوت وجود المسمى "أبي هريرة"، وأنه ينطبق عليه تعريف الصحابي ومنه أنه مات مؤمنا، وكل ذلك لا يثبت إلا بمرويات!!!
وفي الحقيقة نحن نتمنى أن تكون المروية الصحيحة، بل هي بالفعل ترجع بالفعل إلى أصل صحيح، فإذا كان "الصحابة" قد تحولوا إلى أرباب مقدسين فما بالك بإخوان النبي، فنحن بنص هذه المروية أفضل بكثير جدا من الصحابة!!! ولذلك لا يجوز لأحد أن يطالبنا بتقديسهم واتخاذهم أربابا!! هل يجوز لك أن تطالب أخاك بعبادة صاحبك؟ وهل يجوز لك أن تقتله إن أبى أن يفعل؟!
وبالطبع كان الرسول يخاطبهم من حيث الواقع الماثل أمامه، ولكنه بالطبع لن يقدم عنهم إلا الشهادة الصادقة، وسيتبرأ من كل من بدَّل وانقلب على عقبيه منهم!
والدور هو توقف الأول على الثاني، والثاني على الأول في الوجود، أو بعبارة أخرى: إن الدور هو أن يكون شيئان، كلّ واحد منهما علّة للآخر بواسطة أو دونها، فلا يمكن استناد كل واحد من الشيئين على صاحبه وذلك لأن العلَّة متقدمة على المعلول، فلو كان كلُّ واحد من الشيئين علّة لصاحبه أو لعلّة صاحبه، لزم تقدم الشيء على نفسه بمرتبة واحدة أو بمراتب، وهذا أمر مستحيل على المستوى البشري والكيانات الكبرى  والأمور الواقعية التاريخية، ومن الدور أن يقولون إن المروية تكون صحيحة إذا انتهت سلسلة رواتها إلى صحابي، ولكن إثبات أن شخصا بعينه ينطبق عليه تعريفهم للصحابي يحتاج إلى مروية صحيحة.
ولا يجوز الاستناد إلى ما يسمونه بشهادة "تابعي"، فهذا أمر أشد تهافتا من الدور المذكور، فتعريف التابعي يعتمد على تعريف الصحابي!
ويقولون: (نريد مصطلحا مقبولا بديلا عن مصطلح "الصحابة")، والحق هو أن القرءان يقدم البديل الممكن استعماله، فيمكن إطلاق لقب القرون الإسلامية الأولى على من حضر العصر النبوي، والقرن هو الجيل، قال تعالى:
{ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِين} [المؤمنون:31]، {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلاَدِ هَلْ مِن مَّحِيص}[ق:36]، ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِين (42) مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُون(43)}[المؤمنون]
والقرن الإسلامي الأول هو بذلك الجيل الذي كان معاصرا للرسول ومقاربا له في السنّ، أما القرن الثاني فهو أبناؤهم سواء أرأوا الرسول أم لم يروه، أما القرن الثالث فهو أحفادهم.
وقد يُهرعون إلى القول بأن تعريف الصحابي المذكور قد أجمعت عليه الأمة وتلقته بالقبول، والحق هو أن أكثر السابقين الأولين قد ورد عنهم ما يقوضه، كما أن هذا التعريف لا تأخذ به إلا طائفة من أهل الحديث ويرفضه الأصوليون، فلم تجمع هذه الأمة على شيء بهذا الخصوص.
ولقد حمَّل سدنة المذاهب السلفية والأثرية واللاسنية مصطلح "الصحابة" بما لا يحتمله وغلوا في شأنه حتى صار عمليا وواقعيا المصطلح الأقدس في دينهم، ولذلك تراهم لا يبالون إذا تطاول الناس على الله وكتابه ورسوله، ولكنهم يقومون قومة جاهل واحد على أي مسلم آخر إذا تلا عليهم آية قرءانية تذكر شيئا من كبائر الإثم التي اقترفها أحد (الصحابة)! وقد زعم الشيخ طنطاوي شيخ الأزهر السابق أن احترام وتبجيل وتوقير (أي باختصار تقديس) الصحابة هو ركن الإسلام السادس!! (الأهرام: 9-5-2007).
ورغم أنه توجد تعريفات مختلفة للـ"الصحابي" متحفظة بعض الشيء عن هذا المصطلح الشائع الآن فقد أبى أكثر الناس إلا التمسك بهذا المصطلح لكون نتائجه أشد كارثية.
وقولنا –في مصطلح (الصحابة) أنه ليس بمصطلح ديني بل هو مجرد لفظ لغوي أو تاريخي، وقولنا هذا هو قول غير مسبوق ولم يجرؤ أحد على القول به من قبل بل لم يخطر ببال أحد، ذلك لأن القرءان عندنا هو المرجع الأوحد للمصطلحات الدينية، فلا يجوز إحداث مصطلح ديني غير منصوص عليه صراحة فيه، ولا حاجة بعد ذلك لمناقشة ما يترتب على هذا المصطلح مثل (عدالة الصحابي) أو تعريف (الصحابي)، فنحن نجتث الباطل من جذوره ولا نبحث عن حلول وسط مع اهله! بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ، والفرق بين النوعين من المصطلحات هو أن المصطلح التاريخي متروك أمره لعلماء التاريخ الحقيقيين يبحثون فيه كيف يشاؤون وفقا للأسس والمناهج التاريخية، ولا يترتب على ذلك أي إلزام ديني، أما المصطلح الديني فيترتب عليه لوازم ومقتضيات دينية.
ومصطلح "الصحابة" كمصطلح تاريخي لا يجوز إطلاقه إلا على الفئة المحدودة التي كان يقصدها الرسول عندما كان يحذر خالد بن الوليد من التعرض لهم.
والقول بأنه ليس بمصطلح ديني يعني أنه لا يجوز لأحد أن يرتب من عنده عقائد أو التزامات دينية مبنية عليه، ويبقى بذلك القرءان الكريم المرجع الأوحد في كل ما يختص بأمور الدين الكبرى كما أراد الله ورسوله والراسخون في العلم من عباده.
ولا يجوز لأي شخص الاحتجاج بمروية منسوبة إلى (صحابي) لإثبات وجود مثل هذا المصطلح، فهذا هو الدور المنطقي، وهو باطل وخلف، ولكن هذه الأمة التعسة لا منطق لها وهي تعشق ما سبَّب لها ما هي فيه من الوهن والذل والمهانة!
فلابد في كل الأمور الكبرى والخطيرة من الاستناد إلى مصدر قطعي الورود، وليس ثمة إلا القرءان، ولا وجود في القرءان لهذه الكلمة أصلا لكي يعطيها أي معنى مع توفر الداعي لذلك، فلم يستعمل القرءان مشتقات كلمة (صحب) خارج معناها اللغوي أبدا، والقرءان لم يرتب أية ميزة لأحد لصلته بأحد الصالحين، وأشد الناس صحبة للإنسان هي امرأته، ولقد ذكر القرءان للناس كيف أن مصير زوجتي نبيين كان النار كما حذر زوجتين من زوجات الرسول تحذيرا شديدا وتوعدهن بعد أن صغت قلوبهن! بل إن القرءان حذَّر زوجات النبي من اقتراف الفواحش وتوعدهن بمضاعفة العذاب! ولقد أمر الله تعالى زوجات النبي ألا يغادرن بيوتهن، ولقد رأى العالم كله أن السيدة عائشة على ما لها من فضل ومكانة قد خالفت هذا الأمر القرءاني الرهيب فاشتعلت الفتن التي راح ضحيتها الكثير من خيرة المسلمين ومن السابقين الأولين من المهاجرين!
ولقد أثنى القرءان على الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ ووعدهم بالخير، ولكنه لم يذكر أبداً أي شيء عن الصاحبين والصاحبات!!!!
وإذا كان القرءان قد أثنى على البعض منهم بأعمالهم وصفاتهم الحسنة فقد ندد أيضا بكبائر الإثم التي اقترفوها وبصفات بعضهم السيئة، ولا يجوز الكفر بالكثير من آيات القرءان اتباعا لأهواء الناس ومذاهبهم!
ويقول عبيد "الصحابة" لتبرير ما هم فيه من شرك وضلال مبين إن مقام الصحابة قد تعالى علوا كبيرا، ذلك لأن الله تعالى هو الذي اختار هؤلاء (الصحابة) لصحبة الرسول، وبالتالي يجب -باختصار وبصراحة وبدون نفاقهم وتقيتهم- اتخاذهم أربابا مشرعين وجعلهم فوق كتاب الله والقيم والسنن والقوانين، فهل كلامهم صحيح؟ كلا للأسباب الآتية:
1.            قولهم أصلا لا وجود لأي دليل قرءاني عليه، ولا يمكن هاهنا الاحتجاج بالمرويات التي من شروط صحتها أن تكون منسوبة إلى صحابي! وهذا هو الدور المنطقي، وهو باطل وخلف.
2.            قولهم يعني أنه كان للناس كلهم وجود حقيقي قبل وجودهم فاختار الله تعالى بعضهم ليكونوا (صحابة) للرسول، وهذا قول خطأ وباطل، وهو يتضمن شركا لما فيه من زعم تعدد القدماء.
3.            قولهم هو الجبرية المحض، وهي خطأ محض.
4.            قولهم يتضمن معرفتهم بحقيقة الاختيار الإلهي، فهم يزعمون أن الله تعالى اختار للرسول أفضل الناس وأحسن الناس وأكمل الناس وأعلاهم في الدرجات، فكيف كانوا كذلك من قبل أن يوجدوا أصلا؟ إن كل ما زعموه مترتب على الوجود والتحقق الحقيقي!
5.            قولهم يتضمن اتهاماً لله تعالى في حقانيته وعدله، فهم يزعمون أنه اختار للرسول مسبقا أفضل الناس وأحسن الناس ليكونوا صحابته، وهم بذلك أيضاً يقلبون الأمور رأسا على عقب!
6.            ومن أدراهم أن الله تعالى اختار للرسول (صحابة) من أفضل الناس؟ لماذا لا يكون قد اختار له أشد الناس شراسة ومن كانوا في ضلال مبين ابتلاءً له، ألم يقل الرسول ما معناه إنه كان أشد الناس تعرضاً للابتلاء؟
7.            ولم يثبت تاريخيا أبدا أن كل من زعموا له مرتبة (الصحابة) كانوا الأفضل مطلقا، والقرءان حافل بالآيات التي تندد بأفعالهم في مواطن عديدة وخاصة أواخر السور نزولا!!!
8.            إن الله تعالى قد شاء أصلا أن يكون أهل القرن الأول شديدي التنوع ويمثلون الناس من كافة الأنواع وألا يكونوا معصومين لكي يتم بهم إظهار وتجسيد التشريع للناس على اختلاف أنواعهم، وهذا ما حدث بالفعل، وهذا ما ذكره القرءان بالفعل، فالقرءان يتحدث عن بشر طبيعيين؛ يطيعون ويعصون، يخطئون ويصيبون، يثبتون في المعارك ويفرون، منهم من يريد الدنيا ومنهم من يريد الآخرة ومنهم من يبتغي وجه ربه الأعلى، منهم من يبخل ومنهم من يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومنهم من يطعم الطعام على حبه مسكيناً ويتيما وأسيرا، منهم من يتصدق ومنهم من يلمز النبي في الصدقات، منهم من صدق من عاهد الله عليه ومنهم من انقلب على عقبيه، ..........
أما من يسيء الأدب مع خاتم النبيين زاعما أنه بذلك غير واقع في الشرك فقد جمع إلى شركه الأصلي الذي هو مغمور فيه ما يوجب قطع الصلة بينه وبين خاتم النبيين، ولن يفلح بذلك أبدا، بل يُخشى عليه من سوء الخاتمة.
وأكثر من أساء إلى النبي المعاصرون له، وكان منهم من فروا من حوله في أشد لحظات القتال حرجا ومن قذفوا بالإفك أهل بيته ومن انفضوا عنه إلى اللهو والتجارة وتركوه قائما يصلي ومن تآمر على قتله ومن أقسم ليتزوجن امرأته من بعده ومن رفعوا أصواتهم فوق صوته ومن آذى أهل بيته ومن حاول إبادتهم، ثم أساءوا إليه بما يسمونه بالسيرة التي اختلقوا أكثر ما فيها، ثم أساءوا إليه بمرويات كارثية لصد الناس عن رسالته.
وها هم الخلف الطالح يقدسون كل من أساء إلى النبي وكل مروية تسيء إلى النبي، ويطالبون بمعاقبة كل من حاول الدفاع عنه!
=======
إن مهام الرسول الأعظم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ منصوص عليها في القرءان الكريم، ومن الآيات التي تذكر تلك المهام:
{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ }البقرة119، {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ }البقرة151، {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَـنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ }الرعد30، {رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً }الإسراء54، {وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً}الإسراء105، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}الأنبياء107، مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً{40} الأحزاب، يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً{45} وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً{46} وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً{47}، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }سبأ28، {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ }فاطر24، {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ}الشورى48، {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }النحل44، {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }النحل64، {الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ }إبراهيم1، {وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكُواْ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ }الأنعام107، {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ }الرعد7، {إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ }الزمر41، {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَولِيَاء اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ }الشورى6، {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقرءان مَن يَخَافُ وَعِيدِ }ق45.
وهكذا فقد كان الرسول شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وبَشِيراً يَتْلُو عَلَيْهمْ آيَاتِ الله تعالى وَيُزَكِّيهمْ وَيُعَلِّمُهمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُهم مَّا لَمْ يكُونُواْ يعْلَمُونَ، وكان من مهامه أن يبيِّن الذكر بالذكر وأن يبين للناس (ولأهل الكتاب) بالكتاب العزيز ما اختلفوا فيه وأن يُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، ونفى الله تعالى عنه أن يكون عليهم جبارا أو حفيظا أو مصيطرا أو وكيلا، وأبى عليه أن يكرههم على الإيمان أو أن يكون أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِهمْ، فهو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، لم يُرسل ليتخذ منهم خلانا أو أصدقاء أو أصحابا، وكيف يفعل ومن مهامه العظمى أن يكون شهيدا وشاهدا عليهم، وإذا كان يبشرهم أحياناً فقد كان ينذرهم أيضاً في أحيان أخرى، والقول بأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ شهيد عليهم يقوِّض كل الأساطير التي حيكت حول مصطلح الصحبة الذي أحدثوه في الدين وضمنوه ما يُعدّ تكذيبا بالكثير من آيات القرءان الكريم.
*******
الصحبة لغويا
الفعل "صاحَب" (To accompany, to be with somebody or something ) لا يعني أكثر من التقاء في الزمان والمكان بين كائنين دون أن يكون هناك بالضرورة أي تجانس بينهما، هذا الالتقاء قد يقصر وقد يطول، قد يكون عابرا عارضا، وقد يكون لازما لأي سبب من الأسباب.
والقواميس تعرف المصاحبة بأنها المرافقة والمعاشرة والملازمة، وكل هذه التعريفات غير دقيقة، فلا يوجد مترادفات في اللغة، ولو سألتهم عن معنى شيء من هذه الكلمات مثل المرافقة مثلا لعبروا عنها بالمصاحبة والمعاشرة والملازمة ... الخ مثلما يعمل شارحو الكلمات القرءانية؛ فهم يقولون لشرح معنى "ختم" انها "طبع"، فإذا بحثت عن "طبع" وجدت أنها تعني "ختم"، وهكذا يمكن أن تجد في القاموس: "رافق الشَّخصَ" = "صار مصاحباً له في سفره أو سيره"، وكذلك: "صاحب الشَّخصَ" = "صار مرافقاً له في سفره أو سيره"!!!!  
وعلى العموم فلم يزعم أحد منهم أن المصاحبة هي الصداقة أو الخلة أو الحميمية.
فالصداقة هي علاقة أشد خصوصية من الصحبة، وإن كان الاستعمال العرفي يكاد يخفي كلمة "صديق" لحساب كلمة "صاحب"، و"الحميم" أعلى درجة من درجات "الصديق"، أما الخلة فهي ارتباط وثيق وتفاعل بين الخليلين يسمح بالتأثر والتأثير المتبادل فيما بينهما، لذلك يجب أن يحسن الإنسان اختيار أخلائه، فالمرء بالفعل على دين خليله.  
والصحبة لا تعني الصداقة ولا الخلة، فهي مجرد تجاور أو اقتراب في العالم الزمكاني رباعي الأبعاد (أو العالم المادي الطبيعي أو عالم الشهادة) بين خطين يمثل كل منهما شخصا:
(A closeness or nearness between two world lines; each line is representing a person in the 4-dimensional space-time or in the real physical world).
والكلمة التي تكافئ الكلمات Friend, Intimate, Comrade, Ami, Intime, Camarade في اللغة العربية هي خليل أو حميم (أو صديق) وليس "صاحب".
والخلة من حيث ذلك هي أيضا تجاور واقتراب، ولكن ذلك يكون في عالم أكثر أبعادا، فهو يتضمن أيضاً بعض الأمور الذهنية والوجدانية، وهذا يعني أنه بين الأخلاء يوجد نوع من التجانس في الصفات والطباع والمعتقدات والأفكار والمشاعر، والمرء بالفعل يكون على دين خليله، فالصفات المتشابهة تؤدي إلى تجاذب أصحابها.
وبالطبع يمكن أن يتعدد الأشخاص الذين يمكن أن يكونوا في صحبة، فالصحبة لا تعني أبداً أي تجانس أو التقاء في الآراء، وقد يكون أحد الصاحبيْن مؤمناً والآخر كافرا ولا يترتب عليها أية مرتبة دينية ولا التزامات دينية ولا درجة علميةً، وبالطبع فزوجة الرجل هي صاحبته وهو صاحبها، وقد تكون على دين غير دينه.
نحن الآن في صحبة، مع وجود اختلافات وتباينات في العقائد الميول والصفات، هذا لا ينفي تحقق الصحبة، ستنتهي هذه الصحبة بمجرد الخروج من هنا، ولكن يمكن أن يقرر أحد الحضور أن يتلقى مني هذا العلم، هذا مع إمكانية أن يكون كافرا يريد أن يدرس مثلا شيئا عن الإسلام، هذا التعلم قد يستلزم وقد لا يستلزم صحبة، فيمكن له أن يتعلم عن طريق الكتب أو أية وسيلة أخرى، فهاهنا يستجد مفهوم جديد، هو مفهوم طالب العلم، ويمكن أن يؤمن أحد الحضور بأني على حق فيما قلته أو ما يمكن أن أقوله من بعد، فيكون في هذه الحالة مؤمنا بي وتابعا لي، ولكن يستجد هاهنا مفهوم جديد هو مفهوم المؤمن، وهو مفهوم مستقل لا يستلزم أيضاً صحبة، والدرجات الدينية مرتبة على الإيمان بالرسول، وليس على الصحبة المذكورة، ولا على مجرد الرغبة في العلم بالشيء، وصاحبة النبي أي زوجته يمكن أن تكون كافرة.
وهكذا الأمر فالقول بأن المؤمن المتبع للرسول هو مجرد صاحب هو تقليل من مكانته الحقيقية ومساواة له مثلا بزعيم المنافقين "عبد الله بن أبي بن سلول"، أو بزعيم أهل البغي "معاوية"، وعندما طلب بعضهم من النبي أن يقتل عبد الله بن أبي، لم يقبل، قال: "حتى لا يتحدث الناس أنَّ محمدا يقتل أصحابه".
*******
لا وجود لمصطلح "الصحابة" في القرءان
إن الفعل "صحِب" ومشتقاته لم يرد أبداً في القرءان كاصطلاح شرعي ديني أو كصفة لطائفة خاصة من الناس، فلقد وُصِف الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ بأنه صاحب قومه من آمن منهم ومن كفر، قال تعالي: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى(2)}(النجم)، {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ(22)}(التكوير)، وورد للدلالة على أبى بكر أثناء مرافقته للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ في الهجرة، وقد يصاحب الكافر المؤمن، قال تعالى: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلا(37)} (الكهف)، وكذلك ورد اللفظ كصفة لمن لزم أمرا وكان من أهله، {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(82)} (البقرة).
بل إن كلمة "صاحب" يمكن أن تُضاف في القرءان إلى الجماد؛ فيقال: "صاحب الحوت" أو "صاحبا السجن" أو "أَصْحَابَ السَّفِينَةِ" أو "أصحاب الأيكة" أو "أصحاب الرسّ" أو "أصحاب الأخدود" أو "أصحاب الفيل".
فلا تفيد كلمة "صاحب" مدحاً ولا ذمَّاً، فهي من الناحية اللغوية كلمة محايدة، وقد تكون الصحبة صحبة حسنة، وقد تكون صحبة سيئة.
وها هي بعض الآيات التي وردت فيها مشتقات كلمة "صحب":
{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِين}[الأعراف:184]، {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيم}[التوبة:40]، {يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّار}[يوسف:39]، {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً}[الكهف:37]، {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيد}[سبأ:46]، {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى}[النجم:2]، {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَر}[القمر:29]، {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُوم}[القلم:48]، {يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيه[المعارج:11] وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيه}[المعارج:12]، {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيه}[عبس:34] {وَأُمِّهِ وَأَبِيه}[عبس:35]{وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيه}[عبس:36]، {وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُون}[التكوير:22]، {وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون}[البقرة:39]، {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون}[البقرة:82]، {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيم}[البقرة:119]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولا}[النساء:47]، {قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَىَ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِين}[الأنعام:71]، {وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُون}[الأعراف:48]، {أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وِأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُون}[التوبة:70]، {وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ لَظَالِمِين}[الحجر:78]، {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ الْمُرْسَلِين}[الحجر:80]، {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا}[الكهف:9]، {قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى}[طه:135]، {وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا}[الفرقان:38]، {فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُون}[الشعراء:61]، {فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِّلْعَالَمِين}[العنكبوت:15] {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِير}[فاطر:6]، {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُون}[يس:13]، {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَة}[الواقعة:8]، {وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَة}[الواقعة:9]، {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِين}[الواقعة:27]، {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَال}[الواقعة:41]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُور}[الممتحنة:13] {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِين}[القلم:17] {قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُود}[البروج:4]، {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيل}[الفيل:1]
فمن الواضح أن مشتقات كلمة "صحب" لم تُستعمل قطّ خارج معناها اللغوي في القرءان، وآية [الشعراء:61] تجعل كل من خرج مع موسى من بني إسرائيل أصحابه، وهؤلاء هم الذين سيقولون بمجرد نجاتهم: {اجْعَل لَّنَا إِلَـهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ}، وهم الذين اتخذوا العجل وحُكِم عليهم أن يتيهوا في الأرض.
وقد وُصف النبي في القرءان كما يتبين من الآيات المذكورة بأنه صاحب قومه مؤمنهم وكافرهم ومشركهم ومنافقهم، وهذا يقوِّض أية محاولة لجعل المصطلح "صاحب" مصطلحا دينيا بمثل ما يقوض تعريفهم للصحابي.
ولم يتحدث القرءان أبدا عمن اتبع النبي بصفتهم أصحابه، فلم يرد أبدا قول مثل: "قل لأصحابك"، أو "يا أصحاب النبي"، رغم أن ثمة آيات عديدة لا تتحدث إلا عنهم حصرا وقصرا.
ولقد نصَّ القرءان بطريقة قطعية الدلالة على أن أكثر قوم النبي لم يؤمنوا، قال تعالى: { وَالْقرءان الْحَكِيمِ{2} إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ{3} عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ{4} تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ{5} لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ{6} لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ{7}}يس7، {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ }يوسف103، {بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ }فصلت4
فهذه الآيات تتحدث بالتحديد وحصرا وقصرا عن قوم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه وسَلَّمَ، وتقرر أنه قَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ، وثمة آية أخرى تنص على أن الأعراب أسلموا ولما يؤمنوا وثمة آية أخرى تقرر أنه كان منهم منافقون لا يعلمهم إلا الله تعالى، قال تعالى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} التوبة101، وهؤلاء الأعراب كانوا أكثر أهل القرن الأول.
وهذه الآيات لا تتضمن أحكاماً شرعية، فلا يمكن للمغضوب عليهم والضالين أن يقولوا بنسخها كما تعودوا أن يفعلوا بكل ما لا يوافق أهواءهم من الآيات القرءانية، بل هي تتضمن أنباءاً وأخبارا، والقول بنسخها يتضمن لا محالة تكذيبها والكفر بها، والآيات تقول بكل وضوح أن من آمن حقاً هم فئة قليلة، أما السابقون فهم كما قال القرءان مجرد ثلة من هذه القلة، وكذلك أصحاب اليمين، ولقد نص القرءان علي أن الأعراب لم يؤمنوا وإنما أسلموا بمعنى أنهم أذعنوا وانقادوا إذ لا دين بلا إيمان، {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }الحجرات14.
وكل ذلك يجعل من التعريف المشهور للصحابة الذي أحدثه بعضهم في القرن الثالث الهجري فصاعدا تكذيباً بآيات الله وكفراً ينبغي أن يتوب المسلمون منه وأن يثوبوا إلى رشدهم.
أما المخلفون من الأعراب ومعتنقو مذاهبهم فيقولون إنهم كلهم صحابة عدول لأن الله تعالى عدَّلهم، فهم أصلا لا يعبئون بالقرءان ولا بآياته خاصة تلك التي تقوض مزاعمهم، وسيحاولون عبثا صرف الآيات المحكمة عن معانيها وتحريف الكلم عن مواضعه، وسيقولون إن التعريف يتحدث عمن مات على الإيمان دون أن يبينوا للناس كيف يمكن التحقق من ذلك، وسيقولون: نعم إن الرسول لم يكن يعلمهم ولكن البخاري الذي جاء بعدهم بأكثر من مائتي سنة كان يعلمهم هو ويحيى بن معين وعلي بن المديني وبضعة أشخاص آخرون لا يدري أحد من عينهم أربابا مطلعين على ما تخفي الصدور!!!!!!!!!!!!
فالصحبة لها معناها المعلوم؛ فهي مجرد التقاء في الزمان والمكان، فمن مشي مع أحد الناس إلى مكانٍ ما يقال إنه قد صحبه إليه، ومن تصادف وسافر مع من لم يكن يعرفه إلى مكان آخر يقال إنه صحبه إليه، والصحبة أو الالتقاء في الزمان والمكان لا تعني بالضرورة أبداً تطابقاً بين المتصاحبين، وهي لا تعنى ولا تقتضي أي تشابه أو اتفاق أو اشتراك في الصفات فيما بينهم.
وتعريف "الصحابي" يتضمن كفراً بآيات القرءان ومقاصد الإسلام، فلقد جعل الله تعالى مناط التفاضل هو التقوى والعمل الصالح وليس صحبة أحد الصالحين أو رؤيته أو حتى الالتصاق به، ولقد قال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ}التحريم10، وقال موجهاً الحديث للسيدتين عائشة وحفصة: {إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ }التحريم4، ولقد قال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ لابنته التي هي من صلبه: "اعملي فإني لا أغني عنك من الله شيئاً"، وهو لم يحتفظ بمن أسلم من أعمامه وأبنائهم بجانبه بحجة أنهم يكفيهم رؤيته بل جعلهم دائما في الصف الأول أمام الأخطار، وقد استشهد ثلاثة من أصل أربعة من السابقين إلى الإسلام منهم.
فالانتفاع برؤية وصحبة أحد الصالحين هي تفاعل بين طرفين، ولابد من وجود رغبة في الاستفادة والانتفاع لدى الرائي، ولو كانت رؤية أحد الصالحين كافية بذاتها لانتفعت بها امرأة نوح عليه السلام الذي عمِّر مئات السنين وكان من أولي العزم من الرسل أو لانتفعت به امرأة لوط التي هلكت مع قومها.
ويجب العلم أولا بأن كل ما يتعلق بمصطلح "الصحابي" مستند إلى آثار ومرويات هي بذاتها تفترض صحة هذا المصطلح وما ترتب عليه وما حملوه إياه من معان لكي يكون لها أدنى مصداقية، وهذا هو الدور الباطل وهو خلف،
والدور هو توقف الشيء على ما يتوقف عليه كما يتوقف أ على ب وبالعكس، فالدور في علم المنطق أن يعتمد الأمر على أمر يعتمد هو عليه من الجهة نفسها، فهذا الكلام يخالف القواعد المنطقية، فالقول بصحة المروية يستلزم القول بصحة تعريف الصحابي ومصاديقه وما يترتب عليه، ولكن صحة هذه الأمور لا تثبت إلا عن طريق المرويات!! ولا خروج من هذه الحلقة المفرغة إلا بالرجوع إلى ما كان يجب أولا الأخذ به وهو القرءان الكريم، وكل مسلم هو ملزم بالإيمان بالقرءان الكريم والتسليم بمصداقيته وحقانيته وصدقه المطلق، وإلى هذا المسلم المؤمن نوجه خطابنا.
إن اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا زوجتين لرسولين كريمين، والزواج هو أعلى درجات الصحبة وأشدها خصوصية وحميمية، فالزوجة بنص القرءان هي صاحبة الرجل وأشد الناس التصاقا به، ومن المعلوم أن الرسل الأنبياء هم أفضل البشر، ومع ذلك لم تنتفعا بهذه الصحبة، ولم يعصمهما ذلك من الخيانة والكفر، كما أن شدة قرب زوجتين من زوجات الرسول إليه لم تكسبهما أية عصمة من الذنوب بل من اقتراف الخطأ الجسيم في حقه هو، فكيف يكتسب العدالة والضبط -وهما من العصمة- أحد الأعراب لمجرد أنه قد قيل إنه رأى الرسول؟ وكيف يتم اعتبار الكلام المنسوب إلى هذا الأعرابي من السنة القاضية على كتاب الله والحاكمة عليه؟
فشدة قرب أحد الناس من نبي من الأنبياء لا تعصم الإنسان من الذنوب والشطط، بل لا تعصمه من الكفر، فكيف يأتي أحدهم بعد حوالي مائتي سنة ويجعل من قول منسوب لأحد رجال القرن الأول نصاً دينياً ملزما وقاضياً على آيات القرءان لمجرد أنه قيل إنه رأى الرسول ولو للحظة وعن طريق مروية أيضا؟
ولم يعط القرءان لأحد مزية معينة لوجود صلةٍ ما له بأحد الصالحين وإنما نص على مضاعفة التبعات والمسئولية عليه، من البديهي ألا يكون في دين الحق محسوبيات أو أي شيء مضاد لقواعد العدالة المطلقة!! وهذا ما تقتضيه الفطرة الإنسانية السليمة وهذا ما ارتقى الإنسان إلى إدراكه باطراد التقدم.
ولم يرد في القرءان ما يدل على اكتساب الإنسان أية عصمة من الذنوب لمجرد وجود صلةٍ ما له بأحد الصالحين، ولقد حذَّر القرءان نساء النبي وقد كن أشد الناس التصاقاً به من اقتراف الذنوب وجعل ذلك قرءاناً يتلى، قال تعالى:
{يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً{30} وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً{31} يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً{32} وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً{33} وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً{34} }الأحزاب، {إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ{4} التحريم.
إنه لا وجود لمصطلح الصحابة في القرءان، فالكلمة بذلك باقية على أصل معناها اللغوي، فهي ليست مصطلحاً دينيا، بل هو مصطلح محدث تم تحميله بكثير من الأباطيل، وما بني على باطل فهو باطل، ومن أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو ردّ كما قال الرسول الأعظم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه وسَلَّمَ.
فلفظ "صحابة" لم يرد في القرآن الكريم أبدا، ولم يرد فيه بالطبع أي ثناء مطلق عليهم، أما قولهم "إن الله أثنى على الصحابة أو عدَّل الصحابة في كتابه" فهو محض كذب وتقول وافتراء على الله تعالى، فهو سبحانه لم يمتدح إلا الصفات والأفعال الحسنة كما ندد بالصفات والأفعال السيئة.
إنه على من زعم أن الصحبة هي مرتبة دينية شرعية يترتب عليها أحكام دينية ملزمة للناس أجمعين أن يأتي للناس ببرهان مبين ولا بد من الاستناد إلى نصوص قطعية الدلالة والثبوت، وبالطبع لا يمكن الاستناد إلي المرويات لأنها منسوبة إلى أحد (الصحابة)، فالمروية لا تثبت إلا بثبوت الصحبة، والصحبة لا تثبت إلا بثبوت المروية، وهذا هو الدور المنطقي، وهو باطل وخلف، فلم يبق إلا الاعتماد علي نصوص الكتاب العزيز الذي هو المرجع الأوحد لكافة المصطلحات الدينية الشرعية، ولكن الله تعالى لم يذكر أبدا أن ثمة مرتبة بهذا الاسم ولا أن من زعموها لهم قد اختصوا بأي نوع من العصمة أو العدالة وإنما خاطب أهل القرن الأول خطابا حقانيا واقعيا فأثني علي أعمالهم الصالحة وأخلاقهم الحسنة وأنَّبَهم على مخالفاتهم وندد بأخطائهم التي ذكرها في قرءان سيظل يتلى ويفسر، وسيظل كل المسلمين مأمورين بتدبره.
أما من يريد الاستناد إلى الثناء وحده فمثله كمثل المسيحيين الذين يحتجون على المسلمين بالآية التي تذكر أن المسيح كلمة من الله وروح منه ويتجاهلون الآيات التي تذكر بأجلي بيان أن الله تعالي ما اتخذ ولدا وأن المسيح كان مخلوقا من تراب ويأكل الطعام، وتحكم بالكفر على من اتخذ غير الله ربا، إنه لا يجوز الاحتجاج ببعض الكتاب وترك البعض.
ولقد نص القرءان أيضا علي وجود منافقين عديدين غير معروفين بين رجال أهل القرن الأول وليس لدي من استحدث تعريف الصحابة قائمة بأسمائهم، ومن عجيب أمر هذه الأمة أن يقرر أحد الرجال ويحدث في الدين تعريفا من عنده فتسير الأمة وراءه كالقطيع ولا يراجعه فيه أحد، ولقد دعا الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الناس إلى الإيمان فآمن البعض وكفر البعض وأظهر البعض الإيمان نفاقا فليس ثمة بشر اكتسبوا أية مرتبة دينية لمجرد أنهم رأوا الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وآمنوا به وصحبوه ولو لساعة من النهار، ويجب العلم بأنه لا بد للتزكية من استعداد لدي الإنسان للاستجابة لتأثير المزكي وإلا فانه لن يزداد من ربه بلقائه إلا بعدا، ولهذا يضل بالقرءان من ليس له قلب أو لم يلق السمع أو كان من الظالمين بل هو في آذان من لم يؤمنوا وقر وهو عليهم عمى، ولقد كانت زوجة نوح تصاحبه آناء الليل وأطراف النهار وكذلك كانت زوجة لوط مع زوجها، فلم تنتفع أيهما بشيء من تلك الصحبة، قال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ{10}}، التحريم.
-------
أما الرسول فمهامه محددة ومبينة في القرءان، ولا يجوز لأحد أن يفترض له مهاماً أخرى من عنده، فهو الشاهد والمبشر والنذير، وهو الشهيد على أمته، وقد أُرسل فيهم ليتلو عليهم آيات الكتاب ويعلمهم ويزكيهم ويخرجهم من الظلمات إلى النور وليكون ولي أمورهم، وهذه مهام خطيرة وجادة، وحسن القيام بها يتنافى مع اتخاذ بعضهم خلانا، هل يتخذ الأستاذ من تلامذته خلانا؟ وبالأحرى، هل يتخذ النبي والمعلم والمزكي من تلامذته المنوط به تقويمهم والشهادة عليهم خلانا؟ وكيف سيؤدي الشهادة بحياد عنهم أمام ربه وخالقه؟ ولذلك أعلن الرسول بكل قوة ووضوح أنه لم يتخذ أحداً خليلا، وقال الله تعالى: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} الأحزاب40.
والرسول عندما كان يستعمل كلمات غير واردة في القرءان مثل العترة أو الصحبة فقد كان المعنيّ بها أساسا هم قومه، وهو عندما كان يوصي بأصحابه أو يحذر الناس من التعرض لهم فكان يحذِّر من أسلم من بعدهم مثل خالد بن الوليد مثلا، وهو من قبيلة مخزوم من أشرف قبائل قريش، وكان يقصد بهم حينها من هم في طبقة عبد الرحمن بن عوف من السابقين الأولين أو على أقصى تقدير من أسلموا قبل خالد؛ أي من حضروا فتح الحديبية أو بيعة الرضوان، وهو كان يوصي قومه بالأحياء منهم حتى يعرفوا لهم قدرهم ولا يتطاولوا عليهم خاصة وأن أكثر المتفوقين منهم كعمار وابن مسعود وأبي ذر وسلمان وصهيب كانوا من المستضعفين ولم يكونوا من سادة قريش أو ثقيف المتغطرسين، ومن المعلوم أن نسبة السابقين الأولين إلى العدد العام للمسلمين كانت آخذه في التناقص الشديد بتتابع دخول الطلقاء والأعراب في الدين، ومن المعلوم أيضا أن السابقين الأولين من هذه الطبقات هم أقل من نُسِبت إليهم مرويات عن الرسول!!! فالناس تاجروا بأسمائهم ليفرضوا على الناس ما هو منسوب إلى من هم من دونهم!!!!
أما العترة فهم أهل بيت الإمام علي والسيدة فاطمة عليهم السلام، وكان منوطاً بهم استكمال مهامه بالنسبة لقومه مثل التعليم والتزكية، وهؤلاء كانوا أولى الناس بأن يوصي بهم ولهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه وسَلَّمَ وصية مشددة، وهؤلاء أيضاً كان لهم مزية خاصة انفردوا بها عن السابقين الأولين، ولقد أشار النبي إليها أحياناً وألمح إليها أحيانا، وهي أن أكثر المتفوقين على المستوى الجوهري سيكونون من ذريتهم، ولذلك دُبِّر الأمر بحيث ينتشرون في الأرض.
إن لمن وضع المصطلح وحده أن يبينه تماما للناس، وعندما أراد الرسول أن يبين من المقصود بالأهل والعترة فعل ذلك وبيَّن ووصل العلم بذلك للناس، فهو لم يكن ليخشى أحدا من الناس وقد عصمه الله تعالى منهم، ولم يرد أبدا أي نص متواتر أو قطعي الدالة يبين المقصود بكلمة "أصحاب"، ولذلك فهي في أحسن أحوالها مجرد مصطلح تاريخي يُطلق على أقصى تقدير على من أسلموا قبل فتح الحديبية.
وهكذا، إذا كانت كلمة "الصحبة" هي مجرد كلمة لغوية فليس من حق أحد أن ينفيها عن الكفار والمشركين والمنافقين بل والجمادات، ولا يحق له بالأحرى أن يرتب عليها أية أمور دينية، وإذا كانت هذه الكلمة مجرد مصطلح تاريخي فلا يحق لأحد أن يبني عليها أمورا دينية، أما إذا زعم أحدهم بلسان الحال أو بلسان المقال أن "الصحبة" هي مصطلح ديني فالقرءان يقوِّض زعمه، فالقرءان لم يستعملها أبدا خارج معناها اللغوي.

*******


هناك 3 تعليقات:

  1. جزاك الله خيرآ على بسط القول في هذا المسأله اجتثاث الباطل من اصلة

    ردحذف
  2. جزاك الله خيرآ على بسط القول في هذا المسأله اجتثاث الباطل من اصلة

    ردحذف