السبت، 21 فبراير 2015

المذاهب التي حلَّت محل الإسلام (ج1)



المذاهب التي حلَّت محل الإسلام 1

ما كان رسول الله شيعيا ولا سنيا ولا أشعريا ولا سلفيا ولا وهابيا ولا معتزليا، ولكن كان حنيفاً مسلما، وكذلك لم يكن السابقون الأولون يعلمون شيئاً عن هذه المذاهب التي تفرَّق إليها الدين، ولقد تفرقت الأمة لأسباب عديدة أهمها وجود حزب قوي من المنافقين والمبدلين والمنقلبين على الأعقاب والأعراب الذين أسلموا ولما يؤمنوا وأهل البغي وكذلك وجود الموتورين من أهل الكتاب والمجوس الذين بالغ الأعراب في امتهانهم وقضوا على حضارتهم، والعصبية القبلية، هذا بالإضافة إلى عمل الشيطان الذي هو للإنسان عدو مضل مبين، وكانت نتيجة كل ذلك أن تفرق الدين، وظهرت المذاهب التي حلت محله.
ومن هؤلاء المنافقين الذين تسببوا في انحراف الأمة كان هناك بعض الأكابر ممن يقدسهم الناس الآن ويتعبدون بتسييدهم والترضي عليهم!
والتمذهب هو الداء الوبيل الذي ضرب هذه الأمة، وتفريق الدين هو إثم من كبائر الإثم، ذلك لأنه مضاد للركن الأول الملزم للأمة وهو وحدة الدين، بل إنه ضرب من ضروب الشرك، قال تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}الأنعام159، {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ{30} مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ{31} مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ{32}الروم، {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ}الشورى13.
وقد نهى الله تعالى عن التفرق وحذَّر من الاختلاف، قال تعالى:
{وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} آل عمران105، {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ{118} إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ{119} هود.
*******
إنه مما لا شك فيه أن تفريقَ الدين هو إثم من كبائر الإثم، ولقد نهى الله تعالى عنه، قال تعالى:
{شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ}الشورى13، ولقد أعلن الله تعالى في القرءان براءة الرسول من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}الأنعام159، بل لقد أعلن الله تعالى أن الذين فرقوا دينهم الفرحين بما هم عليه من المشركين، قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ{30} مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ{31} مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ{32} الروم.
لذلك من اتبع مذهباً جازما أنه المذهب الصحيح لمجرد أنه ألفى عليه آباءَه هو ضال مشرك، وبالطبع يزعم أتباع كل مذهب أن لديهم الإسلام الصحيح، بل يزعم بعض عتاة المجرمين المتمذهبين أن من خالفهم من المسلمين هو أكفر من اليهود والنصارى!! ويبيحون لأنفسهم دمه، وهذا يكشف أنهم اتخذوا من سدنة مذاهبهم ومقولاتهم أرباباً من دون الله تعالى، فهم لا يعنيهم في شيء أن يكون أتباع المذهب الذي كفَّروه يؤمنون بالله وكتابه ورسوله واليوم الآخر!
والتشريع في الدين هو بالأصالة لله تعالى، فالشريعة تكون بالأمر الإلهي وبالجعل الإلهي، قال تعالى:
{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ }الجاثية18، {....لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}المائدة48، {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ }الشورى13، {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }الشورى21.
وبذلك فكل من ادعى لبشر سلطة التشريع يكون قد أشرك بالله تعالى لكونه قد زعم شأنا وحقا إلهيا لمخلوق من مخلوقات الله تعالى.
وآية الشورى 21 تلمح إلى أن التشريع ممكن ولكن بالإذن الإلهي، ولا يكون ذلك بالطبع إلا لمن يتلقى الوحي بالطريقة الشرعية الرسمية مثل الأنبياء المرسلين، فالرسول كان مأذوناً له بالاختيار لأمته في أمور العبادات العملية مثل الصلاة والحج فاختار الأيسر لأمته، ولقد أشار الرسول إلى ذلك بموقفه ممن قال في شأن الحج: "أفي كل عام يا رسول الله؟"، فأعرض عنه عدة مرات ثم قال ما معناه إن الحج مرة واحدة في العمر وأشار إلى إنه لو قال "نعم" لوجبت، وهذا التشريع يكون في إطار ما هو معلوم ومقرر ومذكور في القرءان.
ولكن بعد ختم النبوة لم يعد ممكناً لأي مخلوق أن يأتي بقول أو رأي أو تشريع ثم ينسبه إلى الله تعالى، فكل رأي أو قول نتج عن استعمال الإمكانات الذهنية البشرية أو الآليات البشرية مثل الإجماع أو القياس أو الاستحسان أو الاستصلاح لا يجوز أن يعتبر تشريعا دينيا، وإنما تلزم طاعته من حيث وجوب طاعة أولي الأمر إذا كان صادرا عن أولي أمر حقيقيين، ولكن لا يجوز لأحد اعتبارهم مشرعين في الدين.
والحق هو أن أي إحداث في الدين يكون عادة على حساب جوانبه الجوهرية، وهذا ما حدث وأدى إلى نشأة المذاهب التي حلت محلّ الإسلام، ولو مثلنا دين الحق بجهازٍ ما فأتباع أي مذهب لا يمكن أن ينتفعوا به حق الانتفاع، ذلك لأن كل مذهب استبعد منه بعض الأجزاء الأساسية أو حطم بعض الأجزاء الجوهرية كما استبدل ببعضها أجزاء أخرى من لدنه وأعاد ترتيب ما تبقى دون علم، هذا مع الحفاظ على بعض الشكل الخارجي وبعض المسميات، فلا يمكن للجهاز الناتج أن يؤدي دوره، ولا يمكن أن يقال إنه هو، فلا يمكن لجهاز الكومبيوتر مثلا أن يؤدي دوره بعد انتزاع وحدة المعالجة المركزية، ولا يمكن لأحد أن يشتريه على هذه الحال على أنه جهاز كمبيوتر، وهذا ما فعله سدنة المذاهب عندما استبعدوا أركان الدين الجوهرية ومقاصده العظمى الحقيقية وجعلوا غاية همهم ضبط الأمور الشكلية الخارجية أو الانتصار لبعض الشخصيات التاريخية.
أما دين الحق فهو غريب ولا يتبعه إلا قليل من الناس، وقد يكون ذلك بدون علمهم، ومنهم أولئك الذين عقدوا العزم على الالتزام بكل أمر قرءاني وعلى التحلي بالتقوى ومكارم الأخلاق، ولم يخوضوا خوضا في محدثات المذاهب ولم يتعمقوا فيها بل نأوا بأنفسهم عنها، هؤلاء هم الذين سبقت لهم الحسنى.
*******
إنه رغم حرص أتباع كل مذهب على أن يتخيروا لمذهبهم أحسن الأسماء فلا يوجد مذهب يحتكر الحقيقية، فالحق والباطل موزعان بنسب متفاوتة على شتى المذاهب.
ولكن كل ذلك لا يعني بالضرورة أن شتى المذاهب والشيع التي تفرق إليها الدين هي الباطل المحض، ذلك لأنه لابد في كل مذهب منها من قدر من الحق قد يكفي لزحزحة معتنقه عن النار وإدخاله الجنة إذا ما صلح عمله وحسُن خلقه وصدق عزمه على اتباع الحق واجتناب الباطل كلما تبيَّن له الأمر.
إنه لابد في كل مذهب إسلامي من جوانب إيجابية لا سبيل إلى إنكارها، فيتميز المذهب السني التقليدي الأشعري أو الماتوردي ببعده النسبي عن التشبيه والتجسيم والحشو وبموقفه المتحفظ والعقلاني من المرويات وبوسطيته واعتداله وعقلانيته مقارنة بغيره وبثراء مادته، ويتميز نهج المتصوفة بتركيزه علي بعض الجوانب الجوهرية والوجدانية من الدين وبتعظيمه لقدر الرسول الكريم، ومن الجوانب الجوهرية التي تميز بها التصوف منهجُه لذكر الله ولترسيخ الصلة به ومنهجُه للتزكي، ويتميز المذهب السلفي بحرصه علي سلامة النصوص الأصلية والتراثية وبتصديه الحاسم للشطط في التأويل وببعده عن غلو المذاهب الكلامية وعن بعض الضلاليات والخزعبلات الموجودة في المذاهب الأخرى، ويتميز المذهب الإمامي بمنهجه لتحقيق العدل والقسط وبشدة رفضه للطغيان والظلم وباحتفائه بالجوانب الكبرى من الدين مثل تلك الخاصة بالأمة وبإنصافه لأئمة أهل البيت النبوي وبحفظه لبعض وقائع العصر الإسلامي الأول التي غطرش عليها الآخَرون وحاولوا بشتى الطرق طمسها، ولكن كل هذه المذاهب أحدثت في الدين ما ليس منه واتخذت جزءا كبيرا من كتاب الله مهجورا واختزلت الدين بإهمال الكثير من عناصره واتخذت من سدنتها أربابا مشرعين.
ويجب الإقرار بأنه ليس لدى المسلمين الآن صياغةٌ حقيقية للدين تمكنهم من التعايش السلمي بين شتى مذاهبهم أو التعايشِ مع عصرهم أو مواجهةِ التحديات الكبرى التي تهدد وجودهم أو تحقيقِ أي تقدم جوهري حقيقي، وهم بالأحرى لا يمكنهم الانطلاقُ إلى آفاق التفوق والسيادة والعزة ولا امتلاكُ الأسباب الحقيقية للقوة، ذلك لأنهم ملزمون لتحقيق ذلك بمقاومةِ ومغالبة ما هو عزيز عليهم من الصيغ التي يتمسكون بها والتي ثبت علي مدي العصور فشلها، الموجود الآن هو صيغ مذهبية فاشلة، وليس لدى الأزهر ما يقدمه، فهو على مدى التاريخ كان مجرد سادن وحافظ للمذاهب السنية التقليدية التي تمّ تحنيطها عندما أغلقوا باب الاجتهاد، ولم يتمكن من اختراق الأزهر إلا أتباعُ المذهب السلفي الوهابي الجهولُ المتخلف، وهم أخطر شيء على الإسلام وعلى الأمة.
والأمم لا تتقدم إلا إذا كانت منظومات القيمِ والسننِ العزيزة عليها هي التي تدفعها نحو التقدم وتوفر لها الآليات اللازمة لذلك وليست هي التي تعوق تطورَها، ولذلك فإن رفع شعارات مثل العودة إلى الدين أو التأسي بالسلف أو إحياء الخلافة أو الإسلام هو الحل لن يؤدى إلا إلى ظهور فئات من المتعصبين والجهلة المضللين والمتكسبين بالدين والقتلةِ المجرمين والمفسدين والمهووسين الذين لن يجلبوا إلا الدمار لأنفسهم وأوطانهم ولن تؤديَ مجهوداتهم إلا إلى الفتّ في عضد الأمة وإضعافِها واستفحال قوة وجبروت النظم الطاغوتيةِ المجرمة وزيادة عداء الأمم للإسلام، وهم لن يكونوا إلا أدواتٍ بيد أعداء الأمة، لذلك فليس لهؤلاء المضلَّلين من ناصرين، إن أكثر الذين يرفعون شعارات دينية هم في أمس الحاجة إلى تزكية أنفسهم وتأهيلها في المجالات التي يتطلعون إليها.
ورغم أن أتباع المذاهب قد عصوا أمر ربهم وتفرقوا واختلفوا وأشركوا فإنه لا يجوز تكفيرُ أتباع أي مذهب الكفر المخرج من الإسلام، فهم مسلمون مؤمنون رغم ما هم متورطون فيه من الشرك الذي تتفاوت درجاته من مذهبٍ لآخر، بل من فرد لآخر، قال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ} يوسف106.
ولذلك يجب معاملة كل من ينتمي إلى الإسلام من أي مذهب على أنه مسلم؛ فيكون له كافة حقوق المسلم، وعليه واجباته، أما من يريد تكفير وقتل أي مسلم لمجرد أنه يعتنق مذهباً مخالفاً لما نشأ عليه هو فهو مجرم عات ومفسد في الأرض، ومن تورط في قتل مؤمن متعمدا لأي سبب فمصيره معلوم، قال تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً }النساء93، فالمسلم هو من سلم منه المسلمون الآخرون، أما من جعل من نفسه حرباً على المسلمين الآخرين فهو مجرم ومفسد في الأرض وحكمه معلوم.
ويجب دائما التفريق بين المذهب وبين أتباعه، فلا يجوز اتخاذ موقف العداء المطلق من طائفة لمجرد أنها تعتنق مذهبا معينا، فلم يختر أحد المذهب الذي كان عليه أبواه، ومن الصعب إن لم يكن من المستحيل أن ينفكَّ الإنسان عما ألفى عليه آباءه، وأكثر الناس لا يعلمون ما يُعتد به عن مذاهبهم، وأكثرهم ضالون ومشركون ولا يفقهون ولا يعلمون ولا يعقلون ولا يسمعون ولا يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون، ولذلك يجب أن يتعلموا كيف يتعايشون مع بعضهم سلميا في الدنيا لكيلا يجدوا أنفسهم يستأنفون مشاحناتهم هناك في جهنم في الآخرة، يكفي جهنمُ التي صنعوها بأنفسهم لأنفسهم في الحياة الدنيا.
ومعيارُ التفاضل بين الناس هو التقوى، ولا يعرف حقيقةَ ما لدى الإنسان منها إلا الله العليم الخبير، فيجب أن يضع المسلم في اعتباره أنه قد يكون أسوأ المسلمين من حيث نصيبه من التقوى، فعليه أولا أن يشتغل بإصلاح نفسه حتى يكون على بصيرة من أمره.
وإذا لم يستطع مسلمٌ ما تقبلَ حقيقة أن يوجدَ مسلم لا يتبع أي مذهب أو يختلف عنه في المذهب فليعامله على الأقل كأهل الكتاب، أي هو ملزم بأن يبره وأن يقسط إليه!
ولن يظهر دينُ الحق الجامع لأسمى العقائد والقيم والمبادئ والمثل والسنن ولن يحقق المسلمون مجدا جديدا فريدا إلا باختفاء هذه المذاهب المتنافية المتناحرة التي مزَّقت الإسلام والمسلمين وجعلت بأسهم بينهم وجعلتهم موطئ قدم لألد أعداء الإسلام.
ومن لم يكن على بينة من أمره فلن ينفعه أي مذهب، وعلى المسلم أن يكون حريصاً على طلب الحق واتباعه كلما تبيَّن له.
إنه لا يحق لأحد تكفيرُ معتنقي المذاهب بل إنهم من الكفر فروا، ولابد أن الخير هو في هذه الأمة، ولكنَّ المقصد من نقدنا للمذاهب هو إظهار دين الحق الذي طغت عليه هذه المذاهب وإنقاذ هذه الأمة من شر هذه المذاهب ثم بيان خطورة التمذهب وخطورة اندثار دين الحق والجهل به، ويجب ألا يرتاب أحد في أن الدافع إلى هذا النقد هو ولاء مطلق للإسلام وحب له ورغبة في ظهوره على الدين كله وفي أن تهتدي البشرية جمعاء بنوره وتسعد باتباع نهجه.
والكفر هو في الحقيقة درجات عديدة، فمن أنكر أي حكم ديني أو سعى إلى تجاهله وإخفائه فقد كفر به، ومن أنكر معنى أو فعالية أو مصداقية أية آية قرءانية فقد كفر بها، وإنما الكفر الخطير هو إنكار وجود الله تعالى أو إنكار الرسالة أو إنكار الرسول، فمن آمن بالله وبكتابه ورسوله وأعلن ذلك ليس لأحد أبدا أن يكفره، لذلك لا يجوز تكفير أتباع أي مذهب من المذاهب الإسلامية، ذلك لأنهم كلهم مجمعون على الإيمان بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله وخاصة القرءان والرسول الأعظم، ويجب ألا يسعى أي مذهب إلى تكفير أتباع أيّ مذهب آخر طالما أعلنوا إيمانهم، ومن الأفضل للمسلمين بدلا من التنابز بالألقاب وتكفير بعضهم البعض الاتفاق على نصرة الإسلام والرقي بالمسلمين والدعوة إلى الإسلام بالأساليب الشرعية المعلومة، وليعلموا أنهم ملزمون بأن يكونوا أمة واحدة، أما من زعموا أن الدَّار الآَخِرَة هي عِندَ اللّهِ خَالِصَةً لأتباع مذهبهم مِّن دُونِ النَّاسِ أجمعين فليتمنَّوا الْمَوْتَ إِن كانوا من الصَادِقِينَ.
*******
يظن بعضهم أننا عندما ننتقد المذاهب التي فرقت الدين ومزَّقت وحدة المسلمين إنما نقصد بذلك اختلافهم في شكليات العبادات (مثل وضع اليدين في الصلاة أو شكليات الوضوء) أو في بعض الأحكام والعقوبات!!!!! هذا الظن غير صحيح.
والمثل التالي يوضح حقيقة الأمر:
من المذاهب الموجودة والسائدة والتي تنتشر وتتمدد المذهب السلفي العدواني الشرس، ولذلك سنستعمله كمثال لتوضيح ما نقصده.
هذا المذهب من المذاهب التي حلت محلّ الإسلام، ماذا يعني هذا؟ يعني أنه عند أتباعه يُعتبر تماما هو الإسلام، كما يعني عند الآخرين مثل أتباع الأديان الأخرى أنه صورة ممكنة ومعتمدة للإسلام، فإذا أرادوا الحديث عن الإسلام سيذكرونه كما يذكرون المذهب الكاثوليكي مثلا عند الحديث عن المسيحية، فهل هذا صحيح؟ كلا بالطبع!
نحن نقول إن المذهب السلفي لا يمثل أبدا الإسلام، هذا القول لا يمسّ من يتبعونه في شيء، فالإنسان لا يختار المذهب الذي وجد عليه آباءه، ويجب دائما التمييز بين المذهب وبين أتباعه.
فالبنيان الهزيل الشائه المسمى بالمذهب السلفي لا يجوز أن يُقارن بالبنيان السامق الشامخ السامي لدين الحق أبدا، هو أخذ منه بعض الأمور الشكلية فقط، ولكنه يختلف عنه بعد ذلك في بنيانه وعقائده وأسسه وقيمه وسننه ومقاصده، هل يجوز مقارنة الجهل والتخلف بالعلم والتقدم، هل يجوز مقارنة عقيدة بدائية صبيانية بعقيدة راقية سامية؟ هل يجوز مقارنة الإثم والبغي والعدوان بالطاعة والعدل والقسط والسلام؟ هل يجوز مقارنة ديانة صحراوية فلكلورية بهيمية ذكورية بديانة عالمية راقية روحانية إنسانية، كذلك لا يجوز مقارنة المذهب السلفي بدين الحق أبدا!

*******



هناك تعليق واحد: