الجمعة، 20 فبراير 2015

كبائر الإثم

كبائر الإثم

كبائر الإثم هي كل عمل يناقض أو يخالف أو يؤدى الى تقويض مقصد من مقاصد الدين العظمى، فالكبائر المناقضة للمقصد الأول تتضمن كل ما يخالف المعرفة الصحيحة بالإله الأعظم والتى يتضمنها الكتاب العزيز، فمنها الشرك وكل إلحاد في الأسماء الحسنى أو إنكار أي اسم منها أو إنكار أي شيء من لوازم هذا الاسم أو مقتضياته من القوانين والسنن والآيات الكتابية أو الكونية ومن العوالم والأمور الغيبية التى أخبر عنها، وكل كبيرة من تلك الكبائر تشمل فروعا كثيرة فالشرك مثلا يتضمن نسبة أية صفة من صفات الإله الذاتية مثل الربوبية إلى من هم دونه، قال تعالي: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ(64)} (آل عمران).
ومن الكبائر المضادة للمقصد الثانى: انتهاك حقوق الإنسان أو الاعتداء على كرامته، إلزام الناس بالتقليد والتمذهب، فرض الآراء بالقهر والترويع، قتل النفس التى حرم الله ويتضمن هذا القتل الاغتيال المعنوى ووأد الأكفاء وازدراء العلم أو العمل أوالعلماء العاملين وازدراء القيم والمبادئ والمثل العليا، توسيد الأمر إلي غير أهله، إضاعة الأمانة، الاعتداء على حقوق الإنسان من حياة أو مال أو عرض أو بيت، انتهاك حقوق المرأة وكرامتها، احتكار ما هو حق للناس كافة.
ومن الكبائر المضادة للمقصد الثالث: تهديد كيان الأسرة، أحكام المذاهب فيما يتعلق بالطلاق، الاعتداء على الحقوق الشرعية للنساء، الاعتداء على حقوق الأطفال.
ومن الكبائر المضادة للمقصد الرابع: البغي و العدوان والعلو المقترن بالإفساد فى الأرض وترويع الآمنين وأن تكون الأمة فتنة للظالمين أوالكافرين وأن تكف عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وعن الدعوة إلى سبيل الله تعالى، الاعتداء على الآخرين، محاولة فرض المذاهب على الآخرين بالقوة.
ومن كبائر الإثم التي تستحق بيانا خاصاً:
أ‌-      الكفر، وهو إنكار أي شيء خاص بالله تعالى ذكره في كتابه من أسمائه أو أفعاله أو آياته أو سننه أو أوامره إو نعمه أو إحسانه، والكفر أمر بغيض كريه، فما أسوأ أن يسيء الإنسان إلى من أحسن إليه ولم يأمره إلا بما نفعه عائد عليه وهو الذي اعتنى به وأبرزه من عدم إلى وجود وهو الذى يمده فى كل حين بما يحفظ عليه أسباب الوجود، فالكفر يقضى على أمل الإنسان فى العيش الكريم فى العالم الأعلى والأرقى ويهوى به إلى الدركات السفلى.
ب‌-    الشرك، وهو نسبة السمات والحقوق والشئون الإلهية إلى ما هو من دون الله سبحانه من الكائنات، وهو أسوأ أنواع الظلم لتضمنه اعتداءً على حقوق الكائن الأجلّ الأعظم، والتشريع الديني هو حق خالص للإله وحده أو لرسوله بإذن منه، ولكنه ليس حقا شائعا للناس، ووجود أي مذهب معناه أن ثمة من اتخذه الناس مشرعا في الدين مما أدى إلى تفريق الدين.
ت‌-    الظلم، وهو كل اعتقاد أو عمل فيه اعتداء علي حقٍّ من حقوق كيانٍ ما، فهو بذلك وضع للشيء في غير موضعه، وأسوأ أنواعه عاقبة وأشدها شؤماً هو العدوان علي الحقوق الإلهية، ثم يلي ذلك ظلم الإنسان لنفسه.
ث‌-    الركون إلى الظلمة أو مساعدتهم على التمادي في ظلمهم.
ج‌-   النفاق، وهو نوعان: نوع علي المستوي الفردي، وهو مرض يصيب قلب الإنسان نتيجة لانهماكه في خطيئة واحدة أو في مجموعة من الخطايا وإقباله عليها بكل قوي وجوده مما يؤدي إلي تراكم آثارها علي قلبه حتي تحجب عنه نور الهدي بحيث لا يجدي معه علاج أو إصلاح، وهذا قد يضطره إلي إضمار الكفر وإظهار الإيمان، أما النوع الثاني فهو يصيب أمة من الناس نتيجةً لفساد المنظومة الأمرية (المنظومة المعنوية) السائدة عليهم وطول إهمالهم لنسق الأوامر الخاص بالأمة، فهذا يجعلهم يظهرون غير ما يبطنون ويقولون ما لا يفعلون، وهم مع هذا يظنون أنهم مهتدون ومصلحون، وهذا المرض هو الذي جعل المسلمين يألفون ويتقبلون أسوأ ما لديهم ولدي الآخرين من تصورات ومفاهيم بعد إعطائه اسماً إسلامياً لائقا، وهكذا أصبح الملك الاستبدادي العضوض الذي بدأ بالأمويين خلافة، وأصبح الخضوع للمفسدين درءاً للفتنة وحرصاً علي وحدة الأمة، وأصبح التمسك بعادات وتقاليد الأعراب (ومنها التمسك باستعباد الناس وانتهاك حقوق الإنسان والمرأة) حرصاً علي السنة، وأصبح تقديس الأسلاف وجعلهم القضاة الحاكمين علي كتاب الله حباً لخير القرون وتأسياً بالسلف الصالح، وأصبح إنزال الإنسان إلي ما دون مرتبة الأنعام بإلزامه بألا يستخدم أثمن ملكاته هو مقياس الصلاح والتقوي عند شتي المذاهب والفرق والطوائف، وبسبب هذا الداء أصبح الدين طقوساً شكلية ورسوماً ظاهرية، وأصبحت السيادة للأمور الفرعية والثانوية علي الأمور الكلية الجوهرية.
ح‌-   الخطأ فى الموازين والمعايير: ولقد اقتتلت تلك الأمة بسبب أمور تدخل فى باب اللمم أو بسبب أمور لم يكن لأفرادها أن يخوضوا فيها أصلا فى حين أنها لم تحرك ساكنا إزاء الجرائم الكبرى وكبائر الإثم التى تودى بالأمم مثلما هو الحال عندما تحولت الخلافة إلى ملك عضوض وصارت أمة الإسلام تورث كما يورث حطام الدنيا ومتاعها وكما يورث العبيد، وكذلك عند سفك الدماء بغير حق والتنكيل بالمؤمنين الأخيار، وكذلك عند أكل حقوق الإنسان وانتهاك كرامته وعند فرض الجزية على المسلمين، وبسبب موقف المسلمين تجاه تلك الجرائم الكبرى عبر القرون صارت تراثا مقدسا للمسلمين، فأصبحت ديارهم مرتعا للظلم والطغيان ومباءة للفساد والنفاق والعصيان حتى ضج العالم من فسادهم ويئس من إصلاحهم، وحتي استخف بأمرهم حثالات البشر ونفايات الأمم.
خ‌-   الاستبداد وهو مضاد لركن عظيم من أركان الدين وهو الشورى، وهو عدوان على حق الناس فى استخدام ملكاتهم وفى التعبير عن آرائهم، كما أنه مضاد للمقصد الأعظم الثالث وهو إعداد الأمة الفائقة إذ فيه القضاء على الآليات التى يمكن أن تؤدى إلى وجودها، وفيه فى النهاية القضاء على الأمة المتشبثة به؛ فبدلا من أن تكون الأمة إنسانا هائلا يرى بملايين الأعين ويسمع بملايين الآذان ويفقه بملايين القلوب فإنها تختزل إلى قطيع من الأنعام يقوده القلة إلى الهلاك المحتوم.
د‌-     الطغيان وهو أن يتجاوز الإنسان حده فيعتدى على حقوق غيره كما يدعى لنفسه ما ليس له، وأشد أنواع الطغيان شؤما أن يعتدى الإنسان على حقوق ربه فيدعى لنفسه ما هو بالأصالة لربه أو ينكر عليه حقا له وإن لم يصرح بذلك.
ذ‌-     العلو المقترن بالإفساد وهو أن يتصرف الإنسان المتسلط ضد قوانين الفطرة وقوانين الوجود فيحكم أهواءه وميوله الذاتية فى كل شئ، ويدعي امتلاك الأرض بمن عليها ويجعل الناس شيعا يضطهد بعضهم ويقضى على ذوي الكفاءات منهم ويسفك الدماء ويفسد المرافق والموارد.
ر‌-    التقليد وهو منهى عنه بآيات محكمة قطعية الدلالة، قال تعالى: {كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ(2)اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ(3) (الأعراف)، كما نهى عن تقليد الآباء : {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ(170) (البقرة)، وكذلك ندد بالأحبار والرهبان و بمن اتبعهم: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنْ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} (التوبة:34)، {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ(31)} (التوبة)، وكما هو معلوم لقد اعتبر الرسول أن استفتاء هؤلاء فى أمور الحلال و الحرام و اتباع آرائهم فيها هو عين اتخاذهم أربابا من دون الله تعالى، أما عند الاختلاف وهو أمر وارد فان الرد يكون إلى الله ورسوله، ذلك لأن الرسول لا يبدل شيئا من تلقاء نفسه وإنما هو مؤدٍّ ومبلغ لرسالة ربه، ولذا فحكم كل شيء هو بالأصالة إلي الله تعالي: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ(10)} (الشوري)، {إِنْ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ(40)} (يوسف)}، {إِنْ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ(67)} (يوسف)، ولذا فعلى كل إنسان أن يكون على بصيرة من أمره فى إيمانه وفى الدعوة إلى ربه، فهذه هى صفة متبع الرسول، قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ(108)} (يوسف)، فإن المسلم الحق إنما يتمسك بالإسلام لأنه وجد فيه ما يلبى حاجات قلبه وما يصلح به أمره و ما يحقق له كمال المنشود، إن التقليد فى الأمور الدينية هو من كبائر الإثم لأنه يحول بين الإنسان وبين تحقيق مقاصد الدين العظمى كما أنه يتضمن شركا جليا إذ قدم من يقلده وإن لم يشعر بين يدي الله ورسوله، كما أن من عقد العزم على أن يقلد وعلي أن يجعل التقليد شغله الشاغل سينزل حتما إلى مرتبة البهائم، ذلك لأن المقلد يعطل ملكاته الإنسانية العليا والتى تحثه الآيات دوما على استخدامها والانتفاع بها لتنمو وتتزكى، فمن رفض ذلك فقد أعرض عن الآيات ولم يؤد حق الشكر، وإنما يباح التقليد فقط فى حالة الاضطرار كما تباح بعض المحرمات إذا ما اضطر الإنسان غير باغ ولا عاد، فإن قيل إنه لابد من التقليد فى بعض الأمور كالصلاة مثلا فالصحيح هو أن الإنسان لا يقلد فيها وإنما يتبع ما أنزل إليه من ربه وما بينه الرسول، والإنسان لا ينتفع بالجانب الذي يمكن التقليد فيه إلا إذا أضاف إليه شيئا من ذاته، وهو أداؤه الصلاة بخشوع وإخبات وحب، فالأمور المعول عليها فى التفاضل لا يمكن التقليد فيها وإنما تنبع من ذات الإنسان نفسه ومن أعماق قلبه كالتقوى والحب الإلهى وذكر الله تعالى، فمن يتبع ما أنزل إليه من ربه ومن يعقد العزم على ذلك ثقة بربه سيهديه ربه إلى ما فيه صلاح أمره وسيؤتيه رشده.
=======
شر الأفعال
إن شر الأفعال هو كل فعل يحول بين الإنسان وبين ربه؛ وهي أيضا ما يحول بين الإنسان وبين تحقيق مقاصد الدين العظمى، أى كل فعل يمنع الإنسان من الرقى اللازم وتحقيق كماله المنشود، فمن تلك الأفعال كبائر الاثم والفواحش والظن الخاطئ برب العالمين أو برسوله الكريم أو الشرك وهو ظلم عظيم، ومنها أيضا المبالغة فى تحصيل الرغبات الدنيوية من مأكل ومشرب وملبس ومنكح حتى تصبح هى أكبر همه ومبلغ علمه وشغله الشاغل، فمن يتمادى فى ذلك سيستعبد لتلك الرغبات ولا يكاد يتصور سعادة فى غيرها فيغفل عن العالم الأعلى، ومن شر الأفعال الانشغال بزيادة الجاه والاستطالة على الناس والعلو عليهم وازدراؤهم وتحقيرهم فمن تمادى فى ذلك فستستعبده تلك الرغبات حتى يتحول إلى شيطان مريد.
=======
شر الناس
شر الناس هو من يحاول عمدا أن يحول بين الإنسان وبين ربه، أي هو من يمنع تحقيق مقاصد الدين العظمى بمعنى أن يحاول أن يحول بين الإنسان وبين سعيه ليكون إنسانا ربانيا فيتسلط عليه ظاهرا أو باطنا ويمنعه من استخدام ملكاته التى أمره ربه باستخدامها، وأكثر الكائنات شرا من يحاول إنزال الناس إلي مرتبة الدواب والأنعام فإن من يسعى إلى ذلك هم شياطين الإنس فهم آلات الشيطان يستخدمهم للثأر من الإنسان، أما من رضي لنفسه أن يكون دابة في قطيع، يفكر له أحدهم ويسيره كيف يشاء فهو من شر الدواب الذين أهملوا ملكاتهم القلبية فلم تنفعهم حواسهم الظاهرة، قال تعالي: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ(22)} (الأنفال).

*******



هناك تعليق واحد: