الأحد، 15 فبراير 2015

قدر الرسول ومهامه


قدر الرسول ومهامه

النبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ هو خاتم النبيين وأعظم المرسلين ورحمة للعالمين والإنسان الكامل الأكمل، فهو الكمال متمثلا في صورة بشرية، ومن الكمال أن يواصل الإنسان اكتساب الكمال إلى ما لا نهاية، ولذلك عندما وُجِد في عالم الشهادة كان لابد أن يرقى في مراتب الكمال وفقاً للسنن المعلومة، ولذلك قصّ القرءان على الناس بعض مراحل رقيه والتي استلزمت أن يُبتلى فكان أشد الأنبياء ابتلاءا، وفي هذه المراحل كانت الآيات تنزل عليه تأمره بالاقتداء بمن سبقه من الرسل والأنبياء والصبر كما صبر أولو العزم من الرسل واتباع ملة أبيه إبراهيم عليه السلام، ولقد نجح في كل ما نيط به من مهام نجاحا باهرا وتحقق بكل ما قدره الله تعالى له من الدرجات العلى وتجاوز كل مراتب من سبقه من الرسل والأنبياء بعد أن تحقق بها، وكان المعراج –وهو من الأمور المتشابهات- إشارة إلى أمور كهذه، ولقد ذكر القرءان صراحة بعض مقتضيات سموه المطلق على سائر الخلق، بينما ألمح إلى بعضها الآخر.
والنص على أنه خاتم النبيين يعني أنه أعلى الرسل الأنبياء من حيث الدرجة والمكانة والمرتبة وأنه زينتهم وسيدهم، والنص على عالمية رسالته وعلى أن ربه أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وعلى أنه قد تلقى الكتاب المهيمن يعني أن لرسالته التقدم والسيادة والبقاء وأن له هو السيادة على سائر الأنبياء، وحفظ رسالته هو وليس رسالة غيره يشير إلى تقدمه المطلق عليهم، ولقد شاء الله تعالى أن يكون هو الرسول النبي الوحيد الذي ثبت وجوده تاريخيا لكي يكون حجة على الناس كافة، فالمسلم لا يؤمن بأي رسول آخر إلا لورود ذكره في القرءان، فكلهم الآن من عالم الغيب! وآية كهذه: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}الفتح10 تتضمن تكريما لم يحظ به ملك مقرب ولا نبي مرسل لمن يفقه، ولو نزلت آية تقول صراحة: "اعلموا أن محمدا أفضل خلق الله" لقال أكثر الناس إنه يمتدح نفسه في الكتاب الذي كتبه بنفسه! فيجب ألا يرتاب إنسان في السمو المطلق لخاتم النبيين صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ.
ولقد قال تعالى: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقرءان عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} الحشر21
والمثل المضروب هنا يلمح ويشير إلى مكانة وقدر خاتم النبيين صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، فهو الذي صنعه الله تعالى على عينه واصطنعه لنفسه و قدَّر حقيقته قبل خلق الخلق وجعله مهيأ ليتلقى الرسالة الخاتمة، وكل من جاء قبله كان تمهيدا له ولبنة في البناء الذي هو زينته وذروته وتتويج له.
وهذا القول هو تعبير عن حقيقة وجودية، فعندما قدر الله تعالى الماهيات كان لابد من ماهية هي الأقرب إليه من حيث الكمال، تلك هي ماهية النبي الخاتم.
*******
قال تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ{84} وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ{85} وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ{86} وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ{87} ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ{88} أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ{89} أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ{90} الأنعام
الرسول هاهنا مأمور بالاقتداء بهدي كل من سبقه من الأنبياء الذين لو أشركوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ، أليس كذلك؟ هل هؤلاء كلهم أفضل منه؟ ولقد تحدث القرءان بكل إجلال عن أكثر الأنبياء والمرسلين ولم يعاتبهم ولم ينسب إليهم ذنبا، هل كل هؤلاء أفضل من الرسول لأنه عاتبه؟ لكي يمكن إدراك مدلول هذه الآيات يمكن ضرب المثل التالي:
يولد إنسان معين، يكون مقدرا له بحكم إمكاناته أن يكون أطول الناس قامة وأعلمهم، لن يتحقق ذلك بمجرد ولادته، ولكن بمضي الزمن ستزداد قامته طولا حتى يصبح بالفعل أطول الناس، مثل آخر: يولد طفل مزود بقدر هائل من الملكات الذهنية، سيؤمر بالتعلم من بعض الأساتذة الأكبر سنا، هؤلاء المعلمون سيلاحظون إمكاناته الهائلة  ويسلمون بأنه بانتهاء فترة التعليم سيمضى قدما ويسبقهم، والعبرة في النهاية هي بمن وصل إلى المرتبة الأعلى لا لمن تقدم ظهوره في عالم الشهادة.
*******
كلما تطورت البشرية كلما استلزم الأمر مزيدا من التشريعات لمواكبة التطور، وهذا أمر طبيعي، فالدين كان كاملا للقوم الذين تلقوه، فالكمال نسبي، وإلا لنزل الدين مرة واحدة، ولما بلغت البشرية المرحلة التي تؤهلها لتلقي رسالة عالمية خاتمة جاء خاتم النبيين واكتمل الدين، وكان لابد من إعلان ذلك النبأ السعيد: {.....أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }المائدة3
*******
إن الاسم الجليل "أحمد" هو من أسماء النبي الخاتم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، لا ريب في ذلك، بل هو اسمه العلوي المحكم الذي لا يطلع عليه ولا يدرك شيئا من حقيقته إلا أكابر النبياء المرسلين مثل عيسى بن مريم عليه السلام، وفيه من الأسرار ما لم يخطر ببال ملك مقرب ولا نبي مرسل، ويلاحظ أن الفرق بينه وبين الاسم الإلهي "أحد" هو حرف الميم، وفي ذلك من الأسرار ما فيه! ولذلك كان هو النبي الأمي مطلقا.
والتلميح يكون أبلغ في أحيان كثيرة من التصريح، وكذلك الإشارة هي في أحيان كثيرة أبلغ من العبارة.
*******
لقد عصم الله تعالى رسوله من أن يُعبد من دونه حتى لا يعرضه للمساءلة مثل غيره، ولكن لم ييأس شياطين الإنس والجن، فحملوا الناس على عبادة ما نسبوه إليه أو أهل بيته أو من سموهم بصحابته.
إنه لا يجوز تأليه الرسول ولكن لا يجوز لأحدهم أن يشكك في أنه الشهيد على أمته وعلى شهداء الأمم، وهذا يلزم الناس بالإيمان بأنه حي عند ربه يتبوأ من الجنة حيث يشاء، ويجب على كل مؤمن أن يعمل على توطيد صلته به بالقيام بركن الدين الذي يلزمه بتوقيره وبالصلاة والتسليم عليه، ومن غرائب الأمور أن من يحاولون التسلط على الناس بحجة أنهم أهل سنة الرسول هم أشد المسلمين استهانة به وجهلاً بقدره، ولا يدري لأحد لماذا تشمئز قلوبهم وقلوب كثيرين من المحسوبين على الإسلام كلما سمعوا عن فضيلة ممكنة لمن هو خير الأنام؟ ولماذا يحاولون التمسك بمرويات مشكوك فيها تحاول النيل منه؟ والحق أنه توجد طائفتان ضالتان هما على طرفي النقيض ولا يكاد يجمعهما إلا موقفهما من النبي الخاتم:
  1. السلفية وخاصة الوهابية فهؤلاء قد أشربوا كراهية النبي في قلوبهم، وهذه الكراهية لا يستطيعون إظهارها صراحة، ولا يجدون مجالا لممارستها إلا في العمل بمقتضى بغضهم لأهل بيته وعترته وتكفيرهم لمن أحبهم وقذفه بما في جعبتهم العفنة من التهم وكذلك يمارسون هذه الكراهية بإظهار إيمانهم المطلق بكل من كان عدوا للنبي ولعترته وحبهم الشديد لهم.
  2. الكثير من المجتهدين الجدد ودراويشهم وخاصة من يسميهم الناس بالقرءانيين، وقد وصل الأمر ببعضهم إلى إنكار وجود العترة لأن أسماءهم لم تُذكر عند البيزنطيين!!!
*******
إن الأمر بالصلاة على الرسول وتوقيره هو أمر قرءاني مطلق، ولم يقيده الله تعالى بصيغ معينة، بل هو كالأمر بذكر الله تعالى، هو مجال للإبداع الإنساني المطلوب والمحبب، وقد أبدعت الأمة بالفعل وأجادت في هذا المجال، وخاصة المتصوفة منهم، فلا حرج في الصلاة على الرسول بأية صيغة.
لقد كان الرسول شديد التواضع مع كافة الأنبياء وخاصة أبيه إبراهيم، وهذا واضح في صيغة الصلاة الإبراهيمية، والرسول حي وشهيد على أمته، والصيغ التي يرددها المتصوفة إنما هي من بحره وفيضه، وقد عرفنا رجالا لا يجيدون العربية الفصحى يتلقون من عالم الغيب صيغا فائقة الجمال لا يستطيع أحدهم أن يدعيها لنفسه ولا يستطيع أحد أن يدعيها لمن تلقاها.
*******
الرسول محمد هو النبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، وهو رحمة للعالمين على الإطلاق، وقدره العظيم هو فوق تصورات البشر، وهو مع ذلك أول العابدين وأول المسلمين، وكونه أفضل الخلق هو عين كونه أول العابدين وأول المسلمين وخاتم النبيين هو عين كونه الإنسان المهيأ ليتلق القرءان من لدن حكيم عليم!
ولقد وصفه ربه بأنه ذِكر منزل ونور وسراج منير وألمح إلى مقامه الرفيع في آيات عديدة، فاصطفاؤه ليكون خاتم النبيين هو أمر عظيم، والسعيد هو من أدرك ذلك أو على الأقل لم يحاول أن ينكر ذلك!
*******
قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }الأنبياء
فمن هو رحمة للعالمين على إطلاقهم يكون خيراً منهم كلهم، والإرسال على إطلاقه.
وقال: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً}الأحزاب40، ومن كان خاتم النبيين بكل معنى من المعاني هو تاجهم وسيدهم وزينتهم والمهيمن عليهم وأولهم في عالم الغيب والباطن وآخرهم في عالم الشهادة والظاهر حتى تكون لرسالته الأولوية والسيادة.
وقال: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً }الفتح10،  {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً }النساء80.
وهذا هو أعظم تكريم ناله إنسان، ولمن قيلت في حقه الأفضلية المطلقة على سائر المخلوقات!
ولم يكن يخطر ببالي أبداً أنه يوجد مسلم يمكن أن يرتاب في أفضلية النبي الخاتم على سائر الأنبياء والمرسلين إلى أن اشتركنا في الفيسبوك 2011 وعرفنا شيئا عن المجتهدين الجدد!
وأدلة التفوق المطلق لسيدنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ على سائر الأنبياء والمرسلين لا حصر لها، وعلى رأسها الرسالة الخاتمة ومنطوق وفحوى آيات القرءان وكون رسالته هي الرسالة العالمية الخاتمة الباقية التي لا فلاح إلا لمن آمن بها واتبعها، وهذا وحده يكفي دليلا على تفوقه المطلق، وأهل الكتاب ملزمون باتباع رسالته لأن الرسائل الحقيقية  للأنبياء والرسل الحقيقيين متضمنة فيها، فرسالته هي الصورة الكاملة التامة للدين الواحد الذي أنزله الله تعالى وألزم به البشر، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً }النساء47، فهل ثمة تهديد هو أقوى من هذا، وقال: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} الأعراف157، فلا فلاح إلا باتباعه، هذا أمر محسوم ولا يجوز المجادلة فيه.
ولقد نصَّ القرءان على أنه رحمة للعالمين؛ أي لكل ما خلق الله تعالى بما في ذلك الملائكة المقربون والأنبياء المرسلون، فهو إمامهم وزينتهم، فمن هو رحمة للعالمين على إطلاقهم يكون خيراً منهم كلهم.
إن من تلقى القرءان من لدن حكيم عليم ومن أوتي سبعاً من المثاني والقرءان العظيم ومن جاء بالرسالة الكاملة التامة الخاتمة هو الأفضل على الإطلاق، هذه بديهيات.
والأنبياء الذين أرسلوا قبل خاتم النبيين أرسلوا إلى أقوامهم فقط، والنبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ أُرسل للناس كافة وليس إلى قومه فقط، هو مرسل رحمة للعالمين وهو شهيد على العالمين! فلا يجوز قياسه عليهم!
أما التصريح بأنه حي الآن حياة تفوق الحياة الحسية فهو لمن أراد التحقق بالكمال من المسلمين، ويجب التمييز بين الموت المعلوم وبين ما يحدث بعده، فالشهداء الحقيقيون أحياء حياة تكاد تكون حسية!
أما الإيمان بالرسالات السابقة وبمن سبق من الأنبياء والرسل فهو من فروع الإيمان برحمة الله تعالى وعنايته بخلقه وعمله على هدايتهم، وهو يستلزم الإيمان بما ذكره الله تعالى عنهم في الرسالة الخاتمة، واحترام حقوق وكرامة الإنسان هو من عناصر الرسالة الخاتمة وليس من عناصر الرسالات السابقة كما هو معلوم، فقد كانت رسالات قومية محلية، وليست رسالات عالمية! وهذا مدوَّن في كتبهم من قبل أن يتطوع أحد لمجاملتهم على حساب دينه وعلى حساب الحقائق، ولا يجوز الغطرشة على الحقائق مجاملة لهم ولا النكوص عن واجب الدعوة إلى الإسلام؛ أي إلى الرسالة العالمية التي جاء بها الرسول الأعظم!
*******
هناك نص الخطاب وفحوى الخطاب ومقتضى الخطاب وإشارة الخطاب، والمرسل للعالمين عليه أن يقدم شهادته على العالمين! وانفراده بكونه الرسول إلى العالمين يقتضي ذلك، فكل رسول شهيد على كل من أُرسِل إليهم.
قال تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً} النساء41، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً}الأحزاب45
فالشهادة في آية الأحزاب مطلقة، وليست مقيدة بقومه، و"هؤلاء" تعود أولا على الأقرب وهم شهداء الأمم.
وكون الله تعالى شهيدا على الناس لا ينفي وجود شهداء معتمدين عنده كما ذكر ذلك في كتابه، أليس كذلك؟ كما أن كونه هو الملك لا ينفي وجود ملوك وكونه هو الخالق لا ينفي وجود خالقين آخرين، ولكنه هو أحسن الخالقين، والفرق هائل بين السمات الإلهية والصفات البشرية.
*******
من نوادر المجتهدين الجدد ودراويشهم:
ما إن نكتب في رسالة "الرسول الأعظم أو النبي الخاتم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ" أو نحاول أن نبين للناس شيئا عن عظمة قدره إلا وينبري لنا أحدهم قائلا: "لا تفرق بين الرسل"، أو "صل على النبي ولا تصل على الرسول!!"، ثم يدور الحوار شبه المكرر، وسرعان ما يتضح أن قولهم هو تمهيد ليقولوا بأفضلية عيسى وإبراهيم وربما موسى ونوح على الرسول!!! بل إن منهم من يحاول أن يجعل من المسيح شبه إله!!!  ومنهم من يحاول التشكيك في عقيدة ختم النبوة والتشكيك في أن الرسالة المحمدية هي الرسالة الخاتمة، وبالطبع لا يغيِّر الحوار معهم شيئاً من عقائدهم، فهم يعتبرونها من أعظم إنجازاتهم ومن أسباب تميزهم!!! ولذلك سنوضح ما نقول به حتى لا يخوض أحد معنا من بعد في حوار لا جدوى منه:
1-        سيدنا محمد هو رسول الله وخاتم النبيين المرسلين بكل ما يعنيه ذلك.
2-        هذا يعني أنه أفضل الأنبياء والمرسلين وزينتهم وأفضلهم وأكملهم؛ أي إنه أفضل البشر.
3-        ويعني أنه لا نبي بعده، وهذا يعني أنه لن يرسل الله تعالى إلى الناس أنبياء من بعده.
4-        وهذا يعني أن كل من يدعي النبوة من بعده هو دجال.
5-        والقرءان هو الرسالة التامة الخاتمة التي بها اكتمل الدين الواحد وهو الإسلام.
6-        وللقرءان الهيمنة على سائر الكتب المنزلة، وهذا يشير إلى سيادة وتفوق من تلقاه على من تلقوا الكتب الأخرى.
7-        ونحن نؤمن بالرسل والأنبياء والكتب السابقة لأن القرءان ذكرهم، ولا نفرق بين أحد منهم.
8-        ولا يجوز التفريق بين الرسل في أمر الإيمان كما تقول الآية، والمسلمون لم يفرقوا في ذلك بين الرسل إذ آمنوا بهم كلهم، ولكن الذين فرقوا هم أهل الكتاب الذين رفضوا الإيمان بخاتم النبيين، وهذا هو التفريق المنهي عنه.
9-        وليس معنى ذلك أنه يجب تسويتهم ببعضهم في الدرجة، فالمسلم ملزم بالإيمان بأن الله تعالى قد فضَّل بعضهم على بعض.
10-    والقرءان بذاته يقدم البرهان على صدق آياته.
11-    والقرءان يقدم الأدلة على التفوق المطلق لخاتم النبيين على كل الأنبياء والرسل، بل إن مجرد النص على أنه خاتم النبيين يعني بالضرورة أنه أفضلهم وزينتهم.
12-    سيدنا محمد شهيد على أمته وعلى شهداء كل الأمم، وهذا يعني أنه حي عند ربه الآن حياة تفوق الحياة الحسية، فهو متقدم من حيث المرتبة على من قُتلوا في سبيل الله والذين هم أحياء عند ربهم يُرزَقون.
*******
يتورط بعض رافعي راية الإصلاح الديني في التهجم على مقام الرسول الأعظم بحجة أنه لا يجوز التفريق بين الرسل ثم يحاولون هم أن يقدموا الرسل الآخرين عليه!!! والتفريق المنهي عنه هو التفريق بين الرسل (وليس الأنبياء) في أمر الإيمان، فلا يجوز الكفر بأحدهم!!!! والمسلمون لم يفرقوا في ذلك بين الرسل إذ آمنوا بهم كلهم، ولكن الذين فرقوا هم أهل الكتاب الذين رفضوا الإيمان بخاتم النبيين، وليس معنى ذلك أنه يجب تسويتهم ببعضهم في الدرجة، فالمسلم ملزم بالإيمان بأن الله تعالى قد فضَّل بعضهم على بعض.
والتفضيل ليس حقاً للبشر، التفضيل حق لله تعالى وحده، وقد أشار إليه في القرءان، وكل إنسان ملزم بالإيمان بما ذكره الله في القرءان وبمقتضى وفحوى ما ذكره.
وفي الحقيقة أن من قرأ القرءان وتدبره سيدرك أن الرسول قد استوعب كل درجات ومراتب من ظهر قبله من الأنبياء المرسلين وتجاوزها، وأنه هو الذي اصطفاه الله تعالى لحمل الرسالة الخاتمة التي بها تمت كلمات الله تعالى صدقا وعدلا والتي هي تتويج للدين العالمي واحد الذي هو الإسلام، وإذا كان هذا الدين قد بدأ رسميا بإبراهيم عليه السلام، والذي كان الرسول مأمورا باتباع ملته فإن الرسالة التي تلقاها الرسول هي هذا الدين في ذروته الكاملة التامة التي لا يمكن أن يأتي نبي من بعد ليغير فيها شيئا، ولقد حقق الله تعالى له وعده ورفع ذكره، فهو النبي الذي يُذكر اسمه مع اسم ربه من فوق ملايين المآذن في كل البلاد، ولعلو قدره كان آخر الأنبياء والمرسلين لتبقى رسالته وحده هي الدين المعتمد عند رب العالمين.
ويمكن لأي باحث محايد أن يعقد مقارنة بينه وبين الرسل الذين يقدمونهم عليه، وعندها سيعرف مدى علو قدره عليهم، بل هناك من الباحثين في الغرب من ينفي مجرد وجودهم نفسه!
*******
يتحدث بعض المجتهدين الجدد عن الرسول وكأنه وجد كتابا اسمه القرءان في طريقه أو أنه قُذِف عليه من أعلى فبلغه للناس وانتهى أمره وأن كل ما يميزه عن الناس هو ذلك، ألم يقرءوا قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللّهِ اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ اللّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ }الأنعام124
إن الذي اصطفاه الله تعالى لتلقي القرءان هو ذلك الإنسان الذي اصطفاه الله تعالى لنفسه وصنعه على عينه وأيده بروح القدس، بل وأيد أتباعه ومن اهتدى بهديه به، فمن تلقى الكتاب الخاتم المهيمن هو الذي له التقدم والسيادة، ومن أُرسل إلى الناس كافة له التقدم على من لم يُرسل إلا إلى قومه خاصة، ولمن أراد أن يعرف قدره أن يقرأ: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقرءان عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}الحشر21،  {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً }الفتح10، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }الأنبياء107، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }سبأ28.
*******
لو كان الرسول ملكاً على مملكة أو دولة لما استلزم الأمر إنزال آيات تأمرهم بطاعته وتحذر من المخالفة عن أمره، فكلمات الملوك في الزمن القديم كانت هي القوانين، كان يكفي نزول آية تعلنه ملكاً على العرب، ولكن الذي حدث أنه رفض شيئاً كهذا رفضا باتا، كما أن القرءان نفى عنه كل ما يلزم لمرتبة الملوك، فهو لم يكن عليهم جبارا ولا مصيطرا ولا حفيظا ولا وكيلا.
*******
كان الرسول مأموراً باتباع ملة إبراهيم وليس باتباع إبراهيم، وكان مأمورا بالاقتداء بهدي الأنبياء من قبله وليس بالاقتداء بهم، ولكنه تجاوزهم كلهم وحقق من الإنجازات الهائلة ما لم يحققه أحد منهم، وقد كانوا كلهم ممهدين له مبشرين به مأمورين باتباعه حال ظهوره، ولا يمكن أن يظهر نبي من بعده، فإذا لم يستطع أحد أن يعرف له قدره الذي هو من منطوق وفحوى رسالته فمن الخير له ألا يحاول التقليل من قدره ولا تقديم أحد من الأنبياء عليه، هذا مع العلم بأنه هو النبي الوحيد الذي ثبت وجوده تاريخيا، ولقد شاء الله تعالى أن يجعل كل قصص الأنبياء من قبله من أمور الغيب!
*******
لم يرد في القرءان ما يتعارض مع ما روي عن تعبد الرسول في غار حراء قبل البعثة، بل ورد أن الله تعالى قد أوحى إليه أن يتبع ملة إبراهيم، ثم تلقى القرءان الذي هو كلمة الله التامة وبه أصبح خاتم النبيين المرسل رحمة للعالمين.
ولا يجوز رفض الوقائع التاريخية المدونة دون وجود أسباب قوية للرفض.
*******
ردود على أحد المجادلين:
-        هل تظن أن الاصطفاء الإلهي هو عمل عشوائي اعتباطي؟
-        بل كان مسلما حنيفا بنص القرءان ومنطوقه وفحواه، وليتك تنشغل بإصلاح نفسك وإصلاح عقيدتك بدلا من محاولة تقويم خاتم النبيين ومن إقحام نفسك في العلاقة بينه وبين ربه.
-        لم يكن الرسول أبداً على دين القرشيين الوثنيين المشركين، ولكنكم تحاولون تأويل آية الضحى لتقول بذلك، أليس كذلك؟ وقد كان عليكم أن تفقهوها في سياقها، وقد قال تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} النحل123، هذه هي ملته من قبل أن يتلقى رسالته الخاصة، نعم كل إنسان ضال إن لم يهده الله تعالى، وقد أوحى الله تعالى لنبيه أن يتبع ملة إبراهيم فعصمه مما كان عليه قومه، ولقد تلقى كل الإعداد الإلهي اللازم الذي لم يتدخل فيه بشر ليكون أهلا لحمل الرسالة الخاتمة، والله أعلم حيث يجعل رسالته.
*******
العلاقة بين الله ورسوله هي من الأمور المتشابهات التي تعلو على مدارك البشر، فله أن يخاطبه كما يشاء ليحقق مقاصد معلومة عنده، وقد يأمره بالتقوى وهو يعلم أنه أتقى الناس، وقد يحذره من عملٍ ما ويكون المراد به غيره، وقد يأمره بعبادته وهو يعلم أنه أول العابدين، فلخاتم النبيين مكانة لا تخطر ببال مخلوق هالك، فيجب التزام الأدب معه حتى يكون للإنسان حظ من هديه على المستوى الجوهري.
ويجب العلم بأن الرسول الأعظم هو بشهادة كل المنصفين الأعظم أثراً في التاريخ البشري فضلا عن أنه نجح نجاحاً مطلقا في رسالته وفي إنجاز المهام المنوطة به، وكان ذلك بالطبع معلوما مسبقاً لله تعالى، ولكون رسالته هي الرسالة الخاتمة فقد اقتضى الأمر إبراز بشريته وعبوديته لله تعالى أكثر من أي رسول ممن خلوا قبله من الرسل حتى لا يتخذه الناس إلها مع الله تعالى، ولقد حفظه الله تعالى من أن يؤلهه الناس بالفعل، ولقد علم الناس كيف تفوق نجاحه على نجاح من كان قبله من الرسل تفوقاً تاماً ومع ذلك فلقد غلا الناس في أمر بعضهم واتخذوهم آلهة أو أربابا مع الله تعالى.
ومن المعلوم أن أقرب الناس إلى الله تعالى هو أشدهم عبودية له وأقدرهم على تحمل الصدمات الجلالية التي يسببها هذا القرب، ولذلك تحمل الرسول بإجلال وخشوع سطوات التجلي الإلهي والتي يتبدى بعضها في القرءان وتلقاها بالأدب اللازم.
ومن المعلوم أن الإنسان في حال وجوده في الدنيا مطالب بالسعي ليتحقق بكماله المنشود، ولذلك قد يطالب بالتأسي بمن كان قبله في بداياته مع العلم بأنه سرعان ما سيتجاوزهم ويتحقق بما يفوق كمالاتهم شيئا فشيئا إذا كان أبعد منهم من حيث المدى وأشد من حيث القوى
*******
يقول بعض المهاوييس من المحسوبين على الإسلام إنه لا يجوز القول بأن الرسول محمد هو الرسول الأعظم لأنه لا يجوز التفرقة بين الرسل ثم يقومون هم بتفضيل الرسل والأنبياء عليه تحت شتى المزاعم والدعاوى، فمنهم من يقول بما إنه كان مأمور باتباع إبراهيم عليه السلام فإبراهيم أفضل منه وهو إمامه، وومنهم من يقول بما أن المسيح عليه السلام كان كلمة من الله وروح منه فهو أفضل منه وبما أنه كان مأمورا بالاقتداء بهديهم فكلهم أفضل منه، وبما أن الله تعالى عاتبه ولم يعاتبهم وعاتبه فكلهم أفضل منه.....الخ فأحدثوا فتنة بين المسلمين، ولذلك يجب العلم بما يلي:
1-       إنه لم يكن من الممكن أن تأتي آية تنص نصَّاً صريحا على أن الرسول هو أفضل الأنبياء والمرسلين، فهذا الكتاب أنزل عليه، فكلهم بمثابة ضيوف عنده، فكان يجب إكرام ذكراهم وعدم ذكر بعض ما يستوجب العتاب مما فعلوه إلا للضرورة القصوى، ولو أتت مثل هذه الآية لاتخذها بعض المغرضين حجة لرفض كتاب الله ولتأكد عندهم زعمهم بأن الرسول هو الذي كتبه ولفتنوا الناس بذلك.
2-       إن النص على أنه خاتم النبيين يعني بالضرورة أنه أفضل الأنبياء والمرسلين وأعلاهم في مقام النبوة والرسالة.
3-       وكذلك النص على أنه برسالته اكتمل الدين وتمت كلمة الله صدقاً وعدلا، وبذلك أصبح الدين بالصورة التي وصل إليها برسالته هو الدين الذي من يبتغ غيره لن يُقبل منه، فمن لم يتخذه إماماً هو هالك لا محالة.
4-       والنص على أنه أُرسل للناس كافة يجعله أفضل من كل من خلا من قبله من الرسل الذين كانوا يُرسلون إلى أقوامهم خاصة.
5-       وكونه أُرسل للناس كافة يجعله شهيدا على الناس كافة وليس على قومه فقط كما هو حال سائر الرسل.
6-       وكونه هو الذي أُنزل عليه القرءان يجعله أسمى من كل البشر ومن كل الأنبياء والرسل.
7-       وكونه أوتي سبعا من المثاني يجعله فوق كل المخلوقات لمن فقه معنى المثاني.
8-       وتوجد نصوص كثيرة تجعل له مقاماً فوق مقامات كل الخلائق، منها: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} الفتح10،  {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }الأنبياء107،  {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ }القلم4، .....الخ
إن الأمر بالصلاة على النبي يعني الأمر بالعمل على إقامة صلة وثيقة به، وهذا يتضمن دعمه وتأييده ومناصرته هو والرسالة التي حملها من ربه إلى الناس كافة، والتوجه إلى الله تعالى ليصلي عليه هو من لوازم هذا الركن الديني الملزم، أما الأمر بالتسليم للرسول فهو يعني القبول به وبالرسالة التي أتي بها بامتنان وعرفان وإقرار بالفضل وعدم منازعته في أي شيء يتعلق بها، وذلك أيضا من لوازم القيام بهذا الركن.
من علامات الشقاء وسوء الخاتمة: إنكار أي فضيلة ممكنة للنبي الخاتم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، ومن علامات النفاق: إضمار أي بغض لولي المؤمنين الإمام عليّ، ولا علاقة لهذا الكلام بالمذاهب المحسوبة على الإسلام، وإنما نقوله من باب النصح للمسلمين
*******
مهام الرسول
كان للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ مهام عديدة مذكورة في القرءان، وها هي بإيجاز حتى يعرف الحق من جهله ويرعوي عن الغيّ من لهج به:
1.      الدعوةُ إلى الله.
2.      التبشير.
3.      الإنذار.
4.      التبليغ.
5.      تبيين آيات القرءان.
6.      تلاوةُ القرءان عليهم.
7.      تزكيةُ أنفسهم.
8.      تعليمُهم الكتاب والحكمة.
9.      تعليمهم ما لم يكونوا يعلمون.
10.  ولايةُ كافة أمورهم.
11.  الحكم (القضاء) بينهم.
12.  أخذُ الصدقات منهم وتوزيعُها عليهم.
13.  الصلاة عليهم.
14.  تشريعُ بعض الأمور بإذن ربه مثل جعل الحج مرة واحدة في العمر.
15.  سن بعض الأذكار والأدعية مثلما هو الحال في الصلاة.
16.  الشهادةُ على أمته.
17.  الشهادةُ على شهداء الأمم.
18.  ختم النبوة.
ويجب على الناس أن يعلموا أن القرءانَ يستعملُ أساليب الحصر أحياناً للتأكيد أو للتركيز على المهمة التي يقتضيها السياق أو للتسرية عن الرسول.
ويملأ أكثر المجتهدين الجدد ودراويشهم والمسمون بالقرءانبين الدنيا صراخاً بأنه لم تكن للرسول إلا مهمة واحدة هي تبليغ الرسالة، ويكادون يتحدثون عنه وكأنه وجد القرءان فبلغهم به وانتهى دوره عند هذا الحد، والحق هو أنه كان له كل المهام المذكورة آنفا.
والجهلة بالأساليب القرءانية يوقعون أنفسهم في ظلمات فوقها ظلمات وفي مستنقع من الضلالات والتناقضات سيودي بهم إلى التهلكة لا محالة، ولذلك نقول إن عامة المسلمين الذين يعرفون للرسول قدره أفضل منهم!
إن القرءان الكريم قد نص على كل المهام المنوطة بالرسول، ودين الحق يوجب الرجوع إلى القرءان وحده لمعرفة هذه المهام، ولقد كان الرسول مكلفاً بمهام خاصة بقومه ورد ذكر بعضها في الآيات الآتية: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ}البقرة129، {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ }البقرة151، {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ }آل عمران164، {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }الجمعة2.
ولقد كان منوطا بالرسول أن يشرِّع لأمته بإذن ربه في بعض الأمور وأن يسن لهم بعض السنن، وفي تلك الأحوال فإنه كان حريصاً على البلاغ المبين وعلى أن يُحفظ ما سنَّه لكي ينتفع به سائر المسلمين، وليس لأحد أن يطرح سؤالاً مثل هل كان ذلك بوحيٍ مباشر أو كان منه مباشرة، فإن مقام النبوة والرسالة أجلُّ من أن يوجهَ إليه سؤالٌ كهذا، لقد كان الرسول علي صلة وثيقة بربه وعلى بصيرة من أمره وكان بمثابة آلةٍ إلهية معتمدة لتشريع ما يلائم البشر أجمعين، وهو عندما قال (لو قلت نعم لوجبت) لمن سأله عن عدد مرات الحج (أفي كل سنة؟) كان محقا، فلقد كان الأمر مفوَّضاً إليه فاختار أدني حد ممكن، والأصل الحقيقي لقصةِ فرض الصلاة يبيِّـن أيضاً كيف اختار أدني حد ممكن، فلقد كان بحق رحمة للعالمين، ولقد كان يعلم أن من ظن أن ثمة أمراً لابد منه لكي يتقربَ إلي ربه وليفوزَ بمرضاته ووقر ذلك في صدره فإنه سيُكتب عليه، وربما لن يتمكن من رعايته حق رعايته فيؤاخذ بذلك، ولقد كان الرسول بالطبع مؤيدا بالوحي الإلهي، ولكنه كان أيضا إنسانا كامل البشرية يمارس الاختيار في الحدود التي حدها له ربه، فكمال كل إنسان لا يتحقق إلا بآثار أعماله الاختيارية.
ومن مهام الرسول ومراتبه أنه الشهيد على أمته وعلى شهداء الأمم، ولأن الرسول هو حامل الذكر المنزَّل وكان من مهامه تلاوته عليهم فلقد صار هو بمثابة الذِكْر لهم، قال تعالى:
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }البقرة143  *  {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً }النساء41  *  {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَـؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ }النحل89  *  {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ }الحج78  *  {فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً{10} رَّسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}الطلاق.
*******
وبالنسبة لمهام الرسول يجب العلم بما يلي:
1-          مهام الرسول موضحة بكل دقة في القرءان، ولقد تم تأكيدها تأكيدا شديدا بكل صور التأكيد المعروفة ومنها التكرار، ومن هذه المهام أنه رسول ونبي ومبشر ونذير وداعٍ إلى الله بإذنه ومعلمٌ يتلو القرءان على قومه ويعلمهم آياته ويزكيهم ويعلمهم ما لم يكونوا يعلمون ويخرجهم من الظلمات إلى النور.
2-          من أعظم مهام الرسول التبيين، ومن التبيين تلاوة آيات القرءان عليهم، وهو بذلك يخرجه من بطون وكتمان إلى ظهور، ومن التبيين تفصيل آيات القرءان بآيات القرءان واستخلاص الأحكام الموزعة على آيات القرءان، وكذلك تبيين إشارات ومقتضيات وفحوى الآيات.
3-          كان الرسول على علم بالصحيح من ملة إبراهيم التي هي ملزمة للمسلمين، لذلك كان يبين لهم بعض الأحكام منها، والقرءان يخاطب النبي ومن اتبعه على أساس أن لديهم علماً بها، والقرءان يعتبر أنهم كانوا ملتزمين ضمنا ببعضها وبعض أحكام الشرائع السابقة، ومن ذلك مثلا التزامهم بالقبلة القديمة وببعض أحكام الصيام القديمة قبل أن تُنسّخ.
4-          كان الرسول يسنّ لهم بعض تفاصيل الأوامر المفتوحة أو المطلقة مثل سنه لبعض صيغ الذكر والتحميد والتسبيح، ولا يجوز هنا توجيه أسئلة مثل: وهل كان ذلك بوحي أم لا؟ كما سنَّ لهم أن الحج مرة واحدة، وذلك من فحوى النص على أنه لمَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا مع أن هذا الشرط معلوم ضمنيا في كل الأمور التكليفية كما هو منصوص عليه، لذلك كان من المنطقي أن يختار لهم أدنى قدر ممكن.
5-          كان الرسول حاملا رسالتين؛ إحداهما إلى قومه خاصة والأخرى إلى الناس كافة، فقومه تنطبق عليهم أحكامُ وقوانين أقوام الرسل ومنها أنهم من بعد أن رأوا رسولهم والبينات التي جاءهم بها أصبح لزاماً عليهم أن يسلموا له، ومن يشاقق الرسول من بعد أن أتاهم بالبينات لابد من حسم أمرهم في هذه الدنيا.
6-          من مهام الرسول بل كل كبارِ الرسل بناءُ أمةٍ مؤمنة داعيةٍ إلى الخير آمرةٍ بالمعروف ناهيةٍ عن المنكر، وكان منوطاً بالرسول الأعظم والنبي الخاتم بناءُ أمة تحملُ راية الحق للعالمين إلى يوم الدين، ولقد رباهم الرسول وعلمهم وزكَّاهم ليكونوا كذلك، ولقد نجح الرسول في مهمته وأوجد أمة قد تفجرت طاقاتها (إن صح التعبير)، فكل مسلم كان بصفة عامة عالما ومعلما ومحاربا وقاضيا وتاجرا وداعيا ومتعبدا متهجدا.....
7-          لا يعرف الإسلام مفهوم الحكم على الناس (To rule) ولكنه يعرف مفهوم الحكم بين الناس (To judge)، فلا مجال لأن يتسلط أي فرد على الأمة، وكل فرد في الأمة حاكم آمر في مجاله محكوم مأمور في المجالات الأخرى، ولقد نفى الله عن رسوله كل مفاهيم التسلط؛ فهو لم يكن عليهم بمصيطر ولا بجبار ولا بحفيظ ولا بوكيل ولا بملِك، والدين العالمي لا يحدد للناس ما لا يمكن تحديده وما هو قابل للتغير بشدة وفق درجة التطور الحضاري وظروف العصر والمصر.
8-          كان منوطاً بالرسول ولايةُ كافة أمور من اتبعه من قومه؛ القضائية والعسكرية والتنفيذية، وكانوا ملزمين أيضاً بطاعته من حيث ذلك، ولقد ألزمهم الله تعالى بطاعته كوليّ أمر وليس كملك عليهم بالإضافة إلى طاعته كرسول نبي، والفرق هائل، ولو عيَّن نفسَه ملكاً عليهم لكان له بذلك حق الطاعة بموجب كونه ملكا مثل كسرى أو قيصر ولصارت كلمته هي القانون، ولانتفى مبدأُ الثواب والعقاب ولما كان للرسالة والدعوة معنى، وهو البريء من كل هذا تماما، بل إن ما يحاول المحسوبون على الإسلام إلصاقَه به هو ما يرميه أعداء الله والإسلامِ به! إن الرسولَ النبي الداعي لا يمكن أن يكون ملكاً أبداً، أما سليمان مثلا، فلم يكن رسولا، بل كان نبيا من أنبياء بني إسرائيل. 
9-          لم يكن الرسول ملكا ولا رئيسَ دولة ولم يكن من مهامه تأسيس كيان سياسي أو دولة ليوصي بقيادتها لأحد من بعده، ولذلك امتنع امتناعا باتا عن تعيين أحدٍ من بعده، فهو لم يكن ليفوته أمر كهذا أبدا، ولو شاء لفعل، ولكنه كان يعرف طبيعة مهامه، وهو كان يكتفي من شيخ القبيلة أو حاكم المدينة بإعلان إسلامه ولم يتدخل في أساليب حكمهم وإنما كان يرسل قاضيا ليحكم بينهم ومعلما دينيا لهم، وهو لم يعمد أبداً إلى إدماج كل هؤلاء في كيان سياسي واحد.
10-      كان منوطاً بالإمام عليّ أن يتولى أمورهم الدينية (التعليم والتزكية) حيث أن أكثرهم (أكثر من مائة ألف) لم يؤمنوا إلا بعد فتح الحديبية ولم يتعلموا من الرسول شيئا يعتد به، وكان مطلوبا استكمال تعليمهم وتربيتهم وتزكيتهم على يديه، ولقد أخذ الرسول عليهم تعهدا بذلك على رءوس الأشهاد كما هو معلوم، وكان إعلان أن الإمام عليا هو سابق الأمة وولي كل مؤمن بمثابة إعلان النتيجة النهائية من المعلم على تلاميذه قبيل رحيله عنهم، فالإمام كان من المفترض أن يتولى أمر الأمة وليس ملك مملكة أو رئاسة دولة، وذلك لكي يستمر الأمر على ما كان في العصر النبوي، وكان ذلك بيان بأن الإمام هو الشخصية الدينية الرئيسة هو ومن والاه، وحيث أن الأمر لم يتم على هذا النحو، فكل ما حدث من بعد الرسول هو أمور تاريخية، ومن تولوا الأمر كانوا رجالا تاريخيين، وليس لأحد أن يتخذهم مشرعين في الدين.
11-      كلمات مثل الصحبة والصحابة ليس لها أي مدلولٍ ديني، ولم يستعملها القرءان خارجَ نطاق معناها اللغوي، فهي تعبر عن مجرد التقاء لفترةٍ ما في الزمان والمكان، فهي ليست بمصطلحات قرءانية، ولكن شياطين الجن والإنس (الأمويين ومن ناصرهم) نفخوا في كلمة "الصحابة" حتى أصبحت المصطلح الديني الأقدس، وبالطبع كان المقصدُ رفعَ شأن الطلقاء والمنافقين وفرضهم على الأمة كسلطة دينية واعتبار كل تصرفاتهم ومنها جرائمهم جزءا لا يتجزأ من الدين، أما الصفوة من الذين آمنوا فقد سماهم القرءان بالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، فهم في غنى بهذا الاسم القرءاني عن مصطلح يسوِّي بينهم وبين الطلقاء والأطفال والمرتدين والمنافقين.
12-      ولقد حاولوا جعل كلمة الصاحب أو الصحابي مرادفة لكلمة خليل أو صديق أو حميم فتطاولوا بذلك على الرسول كما هو دأبهم، وتواضعُ المعلم الأستاذ لا يجعل من تلاميذه خلانا له ولا أندادا له، ولقد أعلن الرسول أنه لم يتخذ أحداً خليلا.
13-      لم يتخذ الرسول منهم خلانا، وقد أعلن ذلك بكل وضوح، وكان من مهامه الشهادة عليهم، فلما انتقل أصبحت مهمته الأساسية الشهادة عليهم، وهو سيؤدي شهادته بكل صدق وأمانة، والفارق في الدرجة والمرتبة هائل بين خاتم النبيين وبين من اتبعه من قومه، ولقد أعلن القرءان مسبقا أول عناصر تلك الشهادة، وهي أنهم اتخذوا القرءان مهجورا.
14-      بعد انتقالِ الرسولِ أصبح أمرُهم منوطاً بهم، فهم مبتلون كغيرهم، وأعمالهم تُحسب لهم أو عليهم، وهي لا تُلزمُ من جاء من بعدهم بشيء، ولا يجوز أن تعتبرَ جزءا من الدين، وقد كان عملا كهذا هو الذي أودى ببني إسرائيل الذين جعلوا تاريخَهم دينا.
15-      الإسلامُ دين من أهم سماته العالمية، ولسمته تلك الحكمُ على كل مصادر الدين الثانوية، ويمكن لأي شخص في أي مكان في العالم أن يكون مسلما كامل الإسلام.
16-      للإسلام مقاصده العظمى التي لها الحكم على كل ما يختص به وعلى المصادر الثانوية.
17-      النظام الإسلامي هو نظام أولي الأمر، وهم الصفوة المؤهلون لإدارة وتصريف الأمور وليس للحكم بمعناه الحديث.
18-      الشورى آلية إسلامية ملزمة للناس كافة، فكل من تولى أمرا بدءا من رب الأسرة وانتهاءً بهيئات أولي الأمر ملزمون باستعمال تلك الآلية.
19-      وحدة الأمة المسلمة على أي مستوى حتى وإن كانت أقلية في بلد غير إسلامي ركن ديني ملزم، ولا علاقة لذلك بالوحدة السياسية، بل تعني الترابط والتماسك ووجود بنية تربطهم ببعض ووحدة المقصد.
20-      لم يكن من أهداف الرسول أبداً بناءُ دولة موحدة بالمفهوم الحديث ولا مملكة، وكان يترك كل شيخ قبيلة أو حاكم في مكانه طالما أسلم، وكان يكتفي بإرسال من يقضي بينهم ومن يعلمهم أمور دينهم، وهذا هو الأمر الطبيعي، فالدين الخاتم يجب أن يكون عالميا صاحا للتطبيق في كل زمان ومكان ملبيا لحاجات كل فرد في أي بيئة وُجد فيها، ولا يوجد في الإسلام ما يلزم المسلمين بإشعال الأرض نارا وإثارة الاضطرابات في كل مكان للاستيلاء على السلطة في أي مكان وُجدوا فيه.
21-      بالطبع كان الرسول يودّ لو عرفوا للإمامِ عليّ قدره، ولقد همّ في لحظات معينة أن يوليَّه عليهم بالمعنى العام لعلمه أن ذلك أفضل في المجال الديني، ولكنه كان يعلم جيدا أن ذلك ليس من مهامه، وكان الإمام عليّ على علم بذلك، ولقد حذَّرهم الرسول من فتن كقطع الليل المظلم، ولكنه كان يعلم أن التأليف بين قلوبهم كان نتيجة تدخل إلهي خاص لإنجاح الدعوة، وأنه سينقضي بانتقاله، ولقد حذرهم في خطبة الوداع من أن يرجعوا من بعده كفارا يضرب بعضهم رقاب بعض وأن يفتتنوا بالدنيا وأن يتنافسوها.
22-      إن ما سُمِّي بحروب الردة هي بالأحرى حروبُ تأسيسِ الدولة، وقد كانت نتيجةَ اجتهاد خاص بأبي بكر لم يكن أقرب الناس إليه وهو عمر بن الخطاب يعرفه أو يتوقعه، فأبو بكر هو الذي أعلنها مدوية أنهم لو منعوه شيئا كانوا يؤدونه للرسول لقاتلهم عليه! وهذه الحروب هي التي صبغت التاريخ الإسلامي من بعد بصبغة خاصة تميزه عن تاريخ الأديان الأخرى، والإسلام ليس مسئولا بالطبع عما شاب هذه الحروب من جرائم ومخالفات جسيمة، وقد ارتد بعض العرب والأعراب بالفعل، ولكن لم يكن كل من تعرض لتلك الحملات العسكرية الشرسة مرتدين بالمعنى الدقيق، بل كان منهم مسلمون أبوا أن يستأثر القرشيون بالسلطة وأن يتولى عليهم من لم يشاركوا هم في اختياره، وهم كانوا يعلمون أن الصدقات إنما تؤدى إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه وسَلَّمَ باعتباره نبيا بموجب الأمر القرءاني: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيم}[التوبة:103]، فهم لم يعرفوا ولم يفقهوا أي مبرر لأن يأخذ منهم أبو بكر أموالا خاصة وأن النبي لم يدمجهم في كيان سياسي واحد، بل تركهم على ما كانوا عليه، وهم بحكم طبيعتهم وعاداتهم لم يكونوا يألفون الخضوع لسلطة مركزية واحدة بعكس سائر الشعوب من حولهم.
23-      لو تولى الإمام علي لكان أصلح لهم على المستوى الديني الجوهري، ولكن كان ثمة احتمال كبير أن ترتد قريش ومعها الطائف مع سائر العرب والأعراب أو بالأحرى لتمردوا، فأكثرهم أسلموا ولما يؤمنوا، ولو حدث ذلك لتغير مجرى التاريخ.
24-      لا يتحمل الإسلام نتائج الاجتهادات البشرية، الإسلام دين عالمي اكتمل أثناء حياة الرسول، وهو تتويج للدين الإلهي الواحد، أما تاريخ المسلمين فهو شيء آخر.
25-      لقد بلَّغ الرسول الرسالة وأدَّى الأمانة ونصح الأمة، وأشهد قومه على ذلك فشهدوا، أما من بعده فهم يتحملون كافة تبعات أعمالهم واختياراتهم وتصرفاتهم، ولقد أصابوا وأخطئوا من بعده مثلما أصابوا وأخطئوا في حياته، وآيات القرءان كما تشهد لهم فكذلك تشهد عليهم، والتاريخ يسجل أنهم اقترفوا ما حذرهم منه، فقد حذرهم من أن يضرب بعضهم رقاب بعض فضربوا ومن أن يتنافسوا الدنيا ففعلوا، ولقد روى التاريخ كيف ترك بعض أكابرهم ذهبا كان يُقسم بين الورثة بالفئوس!! وكذلك حذرهم من اتباع سنن من قبلهم فبالغوا في هذا الاتباع، وقد حذرهم القرءان من تحريف وضلال بني إسرائيل، فوضعوا مروية "حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج" وجعلوها من أصح المرويات في كتابهم الأقدس؛ البخاري، فحدثوا عنهم بدون أي حرج، ونقلوا أسوأ ما في تراثهم إلى التراث المحسوب على الإسلام، والمطلوب من المسلمين الآن أن يستغفروا لمن سبق بالإيمان منهم لا أن يتخذوهم أرباباً من دون الله تعالى ولا أن يتقاتلوا حتى الفناء بسبب اختلافهم فيهم.
إنه يجب العلم بأن الرسول هو من مظاهر منظومة الهدى والإرشاد، وقد كان منوطاً به الكثير من المهام، وكل أفعاله وأقواله كانت لشرح وتفصيل وبيان السنن الموجودة في القرءان، ولكن يجب دائما التمييز بين ما صدر بالفعل عنه وبين ما نسبته شتى الطوائف من بعد تفريق الدين إليه.
وقد ورد التعبير " اللّهُ وَرَسُولُهُ" في القرءان حوالي 58 مرة، ومن ذلك قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُون}[المائدة:55، {وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُون}[المائدة:56]، {يَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِين}[التوبة:62]، وكان ذلك من مظاهر الوعد الإلهي لنبيه الخاتم الوارد في قوله تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَك}[الشرح:4].
ولم ينل أي مخلوق مثل هذا التكريم أبدا، ولقد فقه زعيم أهل البغي إلى مغزى هذا التكريم فامتلأت نفسه غيظا وغلا وحقدا وكمدا، وتوارث ذلك شياطين الإنس كابرا عن كابر وإن لم يصرحوا به، وكان من الواجب على المحسوبين على الإسلام أن يقروا بما هو للنبي الخاتم من المكانة والقدر العظيم، ولكنهم بدلا من ذلك تفننوا عبر القرون في الإساءة إليه، فقام المنافقون والمنقلبون على الأعقاب بمحاولة إبادة ذريته وأنصاره وناصبوه -ممثلا في دينه وآله- العداء، ثم جاء الخلف الطالح قديما فاتخذوا أعداءه أربابا من دون الله واستبدلوا بدينه مذهبا معاديا له مقوضا لمقاصده، والكتب المقدسة لهذا المذهب هي ما أحدثوه في الدين وما نسبوه إليه من مرويات وما كتبوه له من سيرة بزعم أن كل ذلك من سنته، وكلها حافلة بالتطاول على الله وكتابه ورسوله، ثم جاء الوهابية فكانوا أشد الناس تقديسا لأعدائه وتهوينا من قدره واعتبروه مجرد ساعي بريد، ثم جاء (القرءانيون) والمجتهدون الجدد، فأحدثوا من لدنهم مقولات جديدة ليستمر تطاول الناس على النبي الخاتم، فقالوا لهم إن محمدا الرسول ليس هو محمدا النبي، وأنه لا يجوز الصلاة ولا التسليم على الرسول وأنه كان مجرد حاملا لرسالة بلغها ومضى!!! وهكذا يحمل الضلال من كل خلف عدوله، ويتسلم الراية الشيطانية خلف إثر سلف.
إنه يجب أن يعلم الناس معنى وفحوى الآيات الآتية:
قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ(31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ(32) (آل عمران)، وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ(3)وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ(4) (القلم)، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ{107}}الأنبياء،*  يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا(45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا(46) (الأحزاب)  *  إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا(56) (الأحزاب)   *  إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا(10) (الفتح)، {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}الأعراف158، {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً }الأحزاب40  *  يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً{45} وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً{46}الأحزاب، {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}الأحزاب56، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ}البقرة143، {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً }النساء80،{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}النور56، {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}آل عمران101، {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً }الفتح28،{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }الأحزاب21، {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ }البقرة151   
ولقد نجح الرسول في كل ما نيط به من مهام نجاحا باهرا وتحقق بكل ما قدره الله تعالى له من الدرجات العلى وتجاوز كل مراتب من سبقه من الرسل والأنبياء بعد أن تحقق بها، وكان المعراج –وهو من الأمور المتشابهات- إشارة إلى أمور كهذه، ولقد ذكر القرءان صراحة بعض مقتضيات سموه المطلق على سائر الخلق، بينما ألمح إلى بعضها الآخر، والنص على أنه خاتم النبيين يعني أنه أعلى الرسل الأنبياء من حيث الدرجة والمكانة والمرتبة وأنه زينتهم وسيدهم، والنص على عالمية رسالته وأنها الدين الحقيقي الظاهر على الدين كله تعني أن لرسالته التقدم والسيادة والبقاء وأن له هو السيادة على سائر الأنبياء، وحفظ رسالته هو وليس رسالة غيره يشير إلى تقدمه المطلق عليهم، ولقد شاء الله تعالى أن يكون هو الرسول النبي الوحيد الذي ثبت وجوده تاريخيا لكي يكون حجة على الناس كافة، فالمسلم لا يؤمن بأي رسول آخر إلا لورود ذكره في القرءان، فكلهم الآن من عالم الغيب! وآية كهذه: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً }الفتح10 تتضمن تكريما لم يحظ به ملك مقرب ولا نبي مرسل لمن يفقه، ولو نزلت آية تقول صراحة: "اعلموا أن محمدا أفضل خلق الله" لقال أكثر الناس إنه يمتدح نفسه في الكتاب الذي كتبه بنفسه! فيجب ألا يرتاب إنسان في السمو المطلق لخاتم النبيين صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ.
ولقد قال تعالى: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقرءان عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}الحشر21
والمثل المضروب هنا يلمح ويشير إلى مكانة وقدر خاتم النبيين صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، فهو الذي صنعه الله تعالى على عينه واصطنعه لنفسه و قدَّر حقيقته قبل خلق الخلق وجعله مهيأ ليتلقى الرسالة الخاتمة، وكل من جاء قبله كان تمهيدا له ولبنة في البناء الذي هو زينته وذروته وتتويج له.
وهذا القول هو تعبير عن حقيقة وجودية، فعندما قدر الله تعالى الماهيات كان لابد من ماهية هي الأقرب إليه من حيث الكمال، تلك هي ماهية النبي الخاتم.
والرسول محمد هو النبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، وهو رحمة للعالمين على الإطلاق، وقدْره العظيم هو فوق تصورات البشر، وهو مع ذلك أول العابدين وأول المسلمين، وكونه أفضل الخلق هو عين كونه أول العابدين وأول المسلمين وخاتم النبيين هو عين كونه الإنسان المهيأ ليتلق القرءان من لدن حكيم عليم!
ولقد وصفه ربه بأنه ذِكر منزل ونور وسراج منير وألمح إلى مقامه الرفيع في آيات عديدة، فاصطفاؤه ليكون خاتم النبيين هو أمر عظيم، والسعيد هو من أدرك ذلك أو على الأقل لم يحاول أن ينكر ذلك!

*******

 



هناك تعليقان (2):