الجمعة، 20 فبراير 2015

التقوى ج1

التقوى ج1

التقوى هي جماع ما يتصف به الإنسان قياما بمقتضيات ذكر الله أو بمقتضيات الإحساس بالحضور الإلهي، والتقوى هي بذلك الشعور القلبي الذي يجب أن يتحلى به المسلم في علاقته بربه.
وكل أوامر الدين ونواهيه وأعماله وعباداته وترديد الأدعية والأذكار هي وسائل لتحقيق المقصد الأكبر وهو ذكر الله تعالى أي الإحساس بالحضور الإلهي أي عدم الغفلة عن الله، وذلك يقتضي أموراً ويترتب عليه أشياء يجمعها كلها كلمة التقوى، فالتحقق بالتقوى هو المقصد من كل العبادات ومن كل أوامر الدين وتعاليمه، والتقوى هي الخلق اللازم للإنسان الرباني الفائق.
والتقوى هي ركن فرعي من لوازم أركان دينية عديدة، والتحقق بها يقتضي أنماطاً سلوكية يجب أن يلتزم بها المسلم؛ أي نهجاً يجب عليه اتباعه، وهي أيضاً صفة كلية جامعة شاملة، ولأهميتها الشديدة ولكونها مناط الأكرمية عند رب العالمين فإن اكتسابها يستلزم القيام بأكثر أركان الدين ومنها الصيام مثلا.
والتقوى هي خير زاد يمكن أن يتزود به إنسان في سعيه نحو ربه وفي حياته.
إنه يجب على كل إنسان أن يعلم أن الله تعالى معه بهويته بلوازمها من أسماء وسمات، وأن تلك المعيَّـة أمر يتعالى على كل إدراك وتصور ويترتب عليها أن الله بصير بالعباد وبكل أعمال العباد، أي أنه محيط بتلك الأعمال من كل حيثية وبكل كيفية، فهو يدرك الأعمال ويدرك الدوافع والمقاصد والنوايا والهيئات النفسية التي صدرت عنها، فالإله الأقدس ليس بمنزوٍ هناك في ركن قصيّ، بل له الإحاطة الشاملة الكاملة بكل شيء، والغرض من كل الأوامر والتعليمات الدينية هو توطين الإنسان على الإحساس الدائم بهذا الحضور والعمل بمقتضياته، وكل تلك المقتضيات يجمعها أمر واحد هو التقوى.
إن التقوى هي من أعظم أركان الدين الفرعية ومقاصده في نفس الوقت، ذلك لأن الحق سبحانه قد جعل التقوى مناط التفاضل والأكرمية عنده، والتقوى هي جماع مقتضيات إحساس الإنسان الصادق بحضور ربه معه بذاته وبمنظومة أسمائه الحسنى، ومنها أسماء الرحمة والهدى، وهذا يستلزم منه القيام بمقتضيات ذلك من الالتزام بمنظومات القيم والسنن والأوامر الشرعية، أما العلم بالمنقولات والآثار وقصص السلف وأسماء الرجال وما زعموا أنه الفقه وما زعموا أنه أصول الدين … فلن يرفع من شأن أحد ولن يعلى من قدره فوق الناس ولا عند ربه إلا بمقدار ما يمكن أن يترتب عليه من سمو باطني، فالعلم بتلك الأمور كالعلم بغيرها، ويمكن للحاسب الآلي الآن أن يختزن كل ما لديهم من المعلومات وأن يتفوق عليهم في تحليلها وتمحيصها، وكذلك الأمر بخصوص ما في التراث من تفسيرات الأقدمين للآيات والتي حشدوا فيها وأرهقوها بكل وما وصل إليهم من خزعبلات وأساطير وأباطيل أهل الكتاب وبكل ما كان شائعا في عصرهم من العلوم والمصطلحات والمعارف البدائية، وكل ذلك لم يعد يجدي الآن إلا في تكريس هجران الناس للقرءان ومنعهم من التفاعل الحي معه وتلقى إمداداته من علوم وأحوال وأخلاق، واتخاذ القرءان مهجورا هو الإثم الأكبر الذي وقعت فيه كل طوائف الأمة وانهارت بسببه حضارتهم وتدهورت مكانتهم وامتهنت كرامتهم.
ولعلم الله سبحانه بطبيعة النفس الإنسانية فإنه أعلن من قبل أن مناط التفاضل والأكرمية عنده هو التقوى والتحقق بها هو أمر ممكن لمن كان له قلب أو ألقى السمع لآيات الكتابين؛ الكتاب المقروء والكتاب المشهود، وهو لم يسمح لأحد من الفضوليين أن يتطفل على العلاقة بينه وبين عباده ولا أن يقحم نفسه عليها.
ومن لوازم التقوى ألا يتعدى المرء حدود الله تعالي؛ والعلاقة بين الله سبحانه وبين عباده محددة وفق نسق من القوانين والسنن والأحكام والأوامر والتعليمات، وكل إنسان ملزم بالتوافق مع كل ذلك والعمل وفق مقتضياته، فأي إنسان لم يلتزم بذلك يكون قد تعدَّى حدود الله تعالى، ولقد بيَّن الله في الكتاب العزيز للناس تلك الحدود وأمرهم ألا يتعدوها أو يعتدوا عليها، وهذا الأمر يتضمن بيانا بأن الإنسان حر مريد مختار فيما يتعلق بتلك الحدود، والنسق المذكور هو ما اقتضته منظومة أسماء الرحمة والهدى والإرشاد، فهي التي اقتضت كل ما يتعلق بالإنسان المكلف المختار من أوامر شرعية دينية، أما القوانين والسنن الكونية فلا يملك الإنسان ترف العلو عليها أو تعديها.
*******
إن التحقق بتقوى الله هو جماع تحقق الإنسان بمقتضيات ذكر الله؛ فالمسلم التقي هو من يحب ربه ويجله ويوقره ويخشاه ولا يتعدى حدوده، فالتقوى هي جماع مقتضيات الإحساس القلبي الصادق بالحضور الإلهي، والتقوى هي من ثمار العمل بأركان الدين، وهي مناط الأكرمية والتفاضل بين الناس، ومن كبائر الإثم المضادة لهذا الركن كراهية ما أنزل الله وتعدي حدود الله وألا يقيم الإنسان وزناً لأوامر الله ونواهيه، ومن لوازم التقوى المبادرة بالتوبة والاستغفار كلما صدر عن الإنسان معصية.
أما علم العقيدة الذي أسموه بعلم الكلام فقد صاغوا فيه تلك العقيدة وفق مقتضيات المنطق الصوري ومطالبه ووفق مصطلحات الفلسفات الغابرة، وهكذا حولوا العقيدة الإسلامية الحية النابضة الموحية إلى تمارين كلامية وتدريبات على هذا المنطق الشكلي الأجوف الذي لا يمكن أن يقدم أية معرفة جديدة.
ولعلم الحق سبحانه بطبيعة النفس الإنسانية فإنه أعلن من قبل أن مناط التفاضل والأكرمية عنده هو التقوى والتحقق بها هو أمر ممكن لمن كان له قلب أو ألقى السمع لآيات الكتابين الكتاب المقروء والكتاب المشهود، وهو لم يسمح لأحد من الفضوليين أن يتطفل على العلاقة بينه وبين عباده ولا أن يقحم نفسه عليها.
إن التحقق بالتقوى هو من مقتضيات القيام بحقوق الأسماء الحسنى وإجلال وتعظيم السنن الإلهية واحترام الحقائق الوجودية، والتقوى لا تعني بالضرورة التباكي ولا سكب الدموع مدراراً، ولكن التقوى هي جماع ما يترتب علي الوعي والإحساس الصادق بالحضور الذاتي الإلهي من أقوال وأعمال ومشاعر، والتقوى تدفع الإنسان إلى النظر في الظواهر الطبيعية المألوفة من حيث هي آيات إلهية تشير إلى سمات إلهية، وللتحقق بالتقوى يجب الالتزام والعمل بمقتضيات كل ما ورد مصاحباً للأمر بالتقوى والعمل علي اكتساب ما وصف به المتقون في القرءان الكريم، أما من تحقق بالتقوى وصارت كل أفعاله بمقتضاها فهو موعود ومبشر بالجنة.
والتقوى من أركان المنظومة الأمرية الرحمانية؛ أي منظومة القيم الإسلامية، والتحقق بالتقوى هو على رأس مقاصد الأوامر القرءانية، وهي من الأهمية بحيث قال الله تعالى إنها من مقاصد إنزال القرءان وجعله عربياً ومن مقاصد الظواهر الطبيعية والآيات الكونية والأركان دينية، وهي من الأركان الفرعية لأركان دينية عديدة مثل ركن إقامة صلة وثيقة بالله وركن التزكي، والآيات الآتية تبين أهمية التقوى كمقصد:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }البقرة21  *  {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }البقرة179  *  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }البقرة183  *  {وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }الأنعام153  *  كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }البقرة187  *  {وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }الأنعام51  *  {وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَلَـكِن ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}الأنعام69  *  {إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ }يونس6 {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قرءاناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً}طه113  *  {قرءاناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }الزمر28
والأمر بالتقوى من أسباب الفوز بالمعية الإلهية الخاصة وهو مستند إلى الأسماء والشؤون الإلهية، فالإنسان ملزم بالتحقق بها والعمل بمقتضياتها، قال تعالى:
وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ }البقرة194-*-وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}البقرة196-*-وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }البقرة203 -*- وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}البقرة223-*- وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}البقرة231-*- وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}البقرة233-*- وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }البقرة282-*- وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }النساء1-*- وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }المائدة2-*- وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ }المائدة4-*- وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }المائدة7  *  وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }المائدة8  *  وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }المائدة96  *  المجادلة9  *  وَاتَّقُوا اللّهَ وَاسْمَعُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}المائدة108  *  وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }الأنفال69 وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ}الشعراء184  *  وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }الحجرات1  *  وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}الحجرات12  *  وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }الحشر7 وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}الحشر18  *  وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }المائدة2  *  وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}المائدة8  *  {وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ }المدثر56.
وثمة مراحل ثلاث للوصول إلي المراتب العليا للمتقين: المرحلة الأولية-المرحلة المتوسطة-المرحلة النهائية، والمرحلة الأولي تتضمن أوامر صريحة مباشرة يجب الالتزام بها، أما المرحلة المتوسطة فهي لمن بدأ يجني ثمار العمل بالأوامر، فهم طائفة في سبيلهم إلى أن يكونوا من المتقين، فهم ما زالوا في مرحلة جهاد النفس وتزكيتها، ويذكرون في الآيات بأنهم الذين اتقوا أو يتقون، فهم الذين يحملون أنفسهم على العمل بمقتضى التقوى، ولذلك تتضمن الآيات حثاً لهم وتحريضاً على متابعة العمل بمقتضى التقوى وبياناً بأنها خيرٌ عاقبة وسبب للنجاة والفوز والفلاح ووجوب الرحمة، ومن كان من الذين يتقون ومات على ذلك فهو من أهل الجنة وإن ولم يتحقق بالمراتب العليا للمتقين، قال تعالى:
وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ}الأعراف156  *  {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }الأنعام32  *  وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }الأعراف169  *  {وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ}يوسف57  *  {وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ }النمل53  *  {وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}فصلت18 {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }البقرة103  *  {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }البقرة212  *  لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ }آل عمران15  *  لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ}آل عمران172  *  {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللّهِ وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ }آل عمران198  *  {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }الأعراف96  *  {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}يوسف109  *  {مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ }الرعد35{إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ}النحل128 *  {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً }مريم72{لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ }الزمر20  *  {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}الزمر61  *  {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ }الزمر73
وأعلي المراتب هي لمن كان من المتقين، والمتقي هو من تحقق بالتقوى؛ أي هو من تزكى بالعمل بمقتضى الأوامر القرءانية التي تتضمنها الآيات التي ورد فيها كلمة التقوى ومشتقاتها، فهو الذي صارت سمة التقوى وصفاً لازماً له وعلماً عليه وصار هو من تمثلاتها ومظاهرها، فمثل هذا سيجد هداه في كتاب الله، فله بذلك حسن العاقبة والقبول، وله أن ينعم بالولاية والمحبة والمعية الإلهية، وهو مبشر بالجنة بل هو يحيا فيها بالفعل، فالتقي هو من أصبحت التقوى سجية له وملكة راسخة في كيانه الجوهري، والآيات الآتية تبين ما يتعلق بهذا المصطلح ومقتضياته:
{ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ{2} الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ{3} والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ{4} أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{5} البقرة  *  {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ }البقرة177  *  {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ }البقرة194  *  {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ }آل عمران76  *  {وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ }آل عمران115  *  {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ }آل عمران133  *  {هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ }آل عمران138  *  قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ }المائدة27  *  {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}الأعراف128  *  {وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }الأنفال34 {فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ }التوبة4  *  {فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ }التوبة7 {وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ }التوبة36  * {لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ }التوبة44  *  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ }التوبة123  *  {فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ }هود49  *  {مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ }الرعد35  *  {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ}الحجر45  * {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ }النحل30  *  {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللّهُ الْمُتَّقِينَ }النحل31  *  {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً }مريم85 {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً }مريم97  *  {وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلاً مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ }النور34  *  {قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاء وَمَصِيراً }الفرقان15  *  {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ }الشعراء90  * {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }القصص83  *  {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ }ص28  *  {هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ }ص49  *  {وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ }الزمر33  *  {وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ }الزخرف35  *  {الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ }الزخرف67  *  {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ }الدخان51 {وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ }الجاثية19  *  {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاء حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ }محمد15 {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ }ق31 *  {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ}الذاريات15  *  {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ }الطور17 *  {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ }القمر54  *  {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ }القلم34 *  {وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ }الحاقة48  *  {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ}المرسلات41 *  {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً }النبأ31.
*******
إن المقصد الأعظم للدين هو أن يعلم الإنسان أسماء الله تعالى وسماته حتى يقوم بحقوق تلك الأسماء أي بحقوق التجليات الإلهية، والتجلي الأعظم الذي يجب على الكل القيام بحقه هو الحضور الذاتي الإلهي مع كل شيء، قال تعالى: { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} ( الحديد: 4 )، يجب على كل إنسان أن يعلم أن الله تعالى معه بهويته بلوازمها من أسماء وسمات، وأن تلك المعيَّـة أمر يتعالى على كل إدراك وتصور، ويترتب عليها أن الله بصير بالعباد وبكل أعمال العباد، أي هو محيط بتلك الأعمال من كل حيثية وبكل كيفية، فهو يدرك الأعمال ويدرك الدوافع والمقاصد والنوايا والهيئات النفسية التي صدرت عنها، فالإله الأقدس ليس بمنزوٍ هنالك في ركن قصيّ، بل له الإحاطة الشاملة الكاملة بكل شيء، والغرض من كل الأوامر والتعليمات الدينية هو توطين الإنسان على الإحساس الدائم بهذا الحضور، ولذا فلا قيمة للالتزام بآلاف الأوامر وأداء العبادات بل والمغالاة فيها إذا انشغل الإنسان بها عن هذا الحضور أو ظنّ أنها مقصودة لذاتها، بل أنها تصبح وبالاً على الإنسان إذا ما صدَّته عن المقصد الأعظم، وهكذا فلا قيمة للصيام مثلاً إذا انشغل الإنسان بجوعه وبمقتضياته وبإحكام الصيام عن رب العالمين، فالإحساس بالحضور الذاتي الإلهي هو ذكر الله، أي عدم الغفلة عنه، وهو الهدف الأكبر من كل الأوامر والتعليمات والعبادات، قال الله تعالى لموسى عليه السلام : { وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذكْري}  (طه: 14)، وقال : { إِنَّ الصَّلاّة تَنْهَى عَنْ الفَحْشَاءِ والمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ } ( العنكبوت: 45)، أما ترديد الأسماء أو التسابيح أو الأدعية أو الأذكار المأثورة فهو ليس إلا وسيلة للوصول إلى هذا الذكر.
إن كل مقتضيات ذكر الله تعالى أو الإحساس بالحضور الإلهي يجمعها أمر واحد هو التقوى، فالتقوى هي القيام بمقتضيات ذكر الله أو بمقتضيات الإحساس بالحضور الذاتي الإلهي، وهكذا فالمعادلة واضحة تماماً: كل أوامر الدين ونواهيه وأعماله وعباداته وترديد الأدعية والأذكار وسائل نحو الهدف الأكبر وهو ذكر الله تعالى أي الإحساس بالحضور الإلهي أي عدم الغفلة عنه سبحانه، وذلك يقتضي أموراً ويترتب عليه أشياء يجمعها كلها كلمة التقوى، فالتقوى هي العلة الغائية لكل صور العبادات ولكل أوامر الدين وتعاليمه، قال تعالى :{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقكُم وَالَّذِين مٍنْ قَبْلِكُم لَعَلَّكْم تَتَّقُونَ } (البقرة: 21)، { خُذُوا مَا ءاتَيْنَاكُمْ بقُوَّةٍ واذْكُرُوا مَا فيه لَعلَّكُم تَتَّقُونَ } ( البقرة : 63 )، { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوليِ الأَلبْابِ لَعَلَّكم تَتَّقُونَ } ( البقرة: 179 )، { كُتِبَ عَليكُم الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِين مِنْ قَبْلِكُم لَعَلَّكم تَتَّقُونَ } ( البقرة : 183 )، { ذَلِكُم وصَّاكُم به لَعَلَّكم تَتَّقونَّ } (الأنعام : 153 ).
وهكذا فكل التعاليم والتشريعات والعبادات الدينية وسائل، ولا ينبغي أبداً أن تتحول إلى طقوس تقليدية، أو إلى أهداف مقصودة لذاتها، وحتى يكون كل إنسان على بصيرة من أمره فإن لذكر الله تعالى علامات على المرء أن يفتش عنها في نفسه، قال تعالى :{ الّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ } ( ‏آل عمران191)، {يَـأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ } (المنافقون : 9)، {رِجَالٌ لاّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللّهِ } ( النور: 37).
وهكذا فعلامات ذكر الله ألا ينشغل المرء عن ربه بمال أو بولد أو بعمل أو بحالة يكون عليها، كذلك قال تعالى: {إِنّمَا الْمُؤْمِنُونَ الّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} ( الأنفال : 2 )، { الّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنّ الْقُلُوبُ } ( الرعد : 28 )،{ ثُمّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىَ ذِكْرِ اللّهِ } ( الزمر: 23)، { أَلَمْ يَأْنِ لِلّذِينَ آمَنُوَاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّهِ } ( الحديد : 16).
فعلامات ذكر الله يجدها المرء في قلبه أي في جوهره ولبِّه، وهي الطمأنينة والخشوع والوجل واللين، ويجدها أيضا إذا ذكر الله أمامه أو تليت عليه آياته فيعمل بما يقتضيه هذا الذكر فيكون بذلك من المتقين، وذاكر الله تعالي هو المؤمن الحقيقي كما تبين الآيات فهو الذي أمن من الارتداد أو الشكوك والريب، أما الجائزة الكبرى للذاكر فهي أن يذكره الله تعالي ذكرا خاصا إذ هو أصلاً لا يضلّ ولا ينسى، قال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ } ( البقرة : 152 )، فالله تعالى بهذا التعهُّد قد أوجب على نفسه أن يكون ذاكره دائماً بباله، يعمل على قضاء حاجاته وصلاح أمره ورفع ذكره وشرح صدره وضمان النجاة والسعادة له.
وفي الجانب المقابل فإن من يفتقد الإحساس بالحضور الإلهي أي يغفل عن ذكر الله تعالى سيجد لذلك علامات في نفسه، وسيراها الناس فيه، قال تعالى :{وَإِذَا قَامُوَاْ إِلَى الصّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَىَ يُرَآءُونَ النّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاّ قَلِيلاً}(النساء : 142)، {وَإِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزّتْ قُلُوبُ الّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالاَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } (الزمر : 45)، { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرّحْمَـَنِ نُقَيّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } (الزخرف : 36)، {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللّهِ } ( المجادلة : 19)،{ وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتّبَعَ هَوَاهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً }( الكهف : 28 )، { فَأَعْرِضْ عَن مّن تَوَلّىَ عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاّ الْحَيَاةَ الدّنْيَا } (النجم : 29)،{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمَىَ} ( طه: 124 ).
فالإعراض عن ذكر الله يؤدي إلى فساد القلب وعماه، وهذا هو عين النفاق، وهو مرض خطير يصيب جوهر الإنسان فتنطمس بصيرته؛ التي هي عين كيانه الباطن، فيحشر يوم القيامة أعمى، ذلك لأن الأمر سيكون هناك لما كان عليه باطن الإنسان وجوهره، فمن كان كذلك فإنه لا يؤدِّي الصلاة إلا رياء طمعاً في مرضاة إنسان مثله أو نفاقاً إذا كان مغلوباً على أمره، ولا يطيق أن يذكر الله أمامه، بل يتلذَّذ دائماً بذكر من هم دونه، فلا تعلق له إلا بالدنيا ولا اتباع إلا لهواه، يسير كما تتقاذفه الدنيا بلا هدى وبلا دليل وبلا برهان، لقد استسلم مثل هذا بمحض اختياره لعدوه ومكَّنه تماماً من نفسه، فاستحوذ عليه الشيطان وأنساه ذكر ربه، وصار له قريناً يقوده إلى ما فيه هلاكه وحتفه، ولذا لا انتفاع له بمتاع دنياه القليل بل هو في هم وغم وضنك.
إن ذكر الله تعالى يجعل كل عمل يؤديه الإنسان قياماً بمقتضيات التقوى وتحققاً إضافياً بها، وطبقاً للقوانين والسنن الإلهية لابد من نتيجة لتلك التقوى، فما هي؟ قال تعالى: {وَاتّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنّ اللّهَ مَعَ الْمُتّقِينَ }(البقرة: 194)، { إِنّ اللّهَ مَعَ الّذِينَ اتّقَواْ }( النحل: 128)، وهكذا فإن المتقي يظفر بالمعيِّة الإلهية الخاصة، وتلك المعيِّة الخاصة تكون بأن يحب الله عبده وبأن يكون ولياً له فينصره ويتولى أمره، قال تعالى: { إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُتّقِينَ} (التوبة:  4 ، 7)، {وَاللّهُ وَلِيّ الْمُتّقِينَ }(الجاثية: 19 )، وتلك المحبة الإلهية للمتقين تعني أن يضمن لهم سبحانه أن يكون لهم فرقان يعرفون به الحق من الباطل، وأن يجعل لهم نوراً يمشون به، وأن يضمن لهم الأمن والنجاة والفوز وحسن العاقبة في الدنيا والآخرة، وأن يضمن لها الدرجات العلى في الجنة وأعلاها أن يكونوا في مقعد صدق عنده، قال تعالى :{ قُلْ مَتَاعُ الدّنْيَا قَلِيلٌ وَالاَخِرَةُ خَيْرٌ لّمَنِ اتّقَىَ }(النساء : 77)،{ فَمَنِ اتّقَىَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}(الأعراف: 35)،{ لِلّذِينَ اتّقَوْا عِندَ رَبّهِمْ جَنّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ } (آل عمران : 15)، { إَن تَتّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفّرْ عَنكُمْ سَيّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ }‏(الأنفال: 29)، {وَيُنَجّي اللّهُ الّذِينَ اتّقَوْاْ بِمَفَازَتِهِمْ لاَ يَمَسّهُمُ السّوَءُ } ( الزمر: 61 )، { إِنّ الأرْضَ للّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتّقِينَ }( الأعراف: 128)، { فَاصْبِرْ إِنّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتّقِينَ } ( هود : 49 )، { إِنّ الْمُتّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَنَعِيمٍ } ( الطور : 17 )، { لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللّهُ الْمُتّقِينَ }( النحل: 31)، { وَالاَخِرَةُ عِندَ رَبّكَ لِلْمُتّقِينَ } ( الزخرف: 35)، {إِنّ الْمُتّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مّقْتَدِرِ }( القمر: 54، 55)، { يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ وَآمِنُواْ بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ } ( الحديد: 28 )، وتُبيِّن هذه الآيات أن التقوى درجات، وأعلى درجات التقوى هي مقتضيات أعلى درجات الذكر، فأعلى درجات الذكر أن لا يغفل الإنسان عن ربه طرفة عين، وهذا يستلزم أن تكون صلاة الإنسان ونسكه ومحياه ومماته لرب العالمين وحده بلا شريك، فمن كان كذلك فهو في جناتٍ ونهر في مقعد صدق عند مليكٍ مقتدر.
ومن كل هذا يتضح أن ذكر الله والتقوى هما العلامة الفارقة بين المؤمن وبين غيره، على مستوى الشعور والإحساس والوجدان.
وهكذا فإن المتقين قد فازوا بحب رب العالمين، أما المنافقون فقد باءوا بخسران مبين، إن المتقين في معية رحمن رحيم، أما المنافقون ففي معية شيطانٍ مجرمٍ ورجيم، لقد فاز المتقون بالأمن وجنات النعيم وباء المنافقون بالعمى والخزي وعذاب الجحيم.
*******


هناك تعليقان (2):