الاثنين، 9 فبراير 2015

الاسم الإلهي الرَّقيــب

الاسم الإلهي الرَّقيــب



قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا} النساء1  *  {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيباً }الأحزاب52

فهذا الاسم من الأسماء الحسنى، وهو من أسماء النسقين الأول والثاني.

الاسم الإلهي الرقيب يشير إلي سمة ذاتية لله سبحانه؛ فهو من لوازم وجوده الذاتي مع كل ما خلق ومع كل ما صدر عنه، وهو مع كل مخلوق أينما كان دون أن يتقيد بذلك أو بزمان أو بمكان، لذلك فهو ليس بحاجة إلى وسطاء لينقلوا إليه المعلومات عن المخلوقات أو ليدفعوا إليه ما لديهم من طلبات أو توسلات، ومن لوازم ذلك أنه الرقيب عليهم وعلى ما في أنفسهم وعلي أفعالهم، ولكن منظومة أسمائه التي هي من مقتضيات كنهه الذاتي اقتضت أن يتخذ أيضا من مخلوقاته أدوات وآلات له، ولكن تلك الآلات لا عمل لها إلا به فهو الغني عنهم وهم قائمون به يعملون بأمره، لذلك ليس لمخلوق أن يتوجه إلي أحد من دونه إلا عملاً بسننه في خلقه وإذا كان علي يقين من أنه آله بيد خالقه.
إنه يترتب علي قرب الله تعالى العام من كل شيء أنه الرقيب علي كل شيء من حيث هذا الاسم ومن حيث آلاته المعتمدة والمشار إليها بقوله تعالي: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } ق18، فما يحصله هؤلاء الرقباء هو ماثل عنده يقضي فيه بأمره ويستدعي هؤلاء الرقباء للإدلاء بشهاداتهم عنده إذا اقتضي الأمر ذلك، وهو أيضا الرقيب علي كل شيء من حيث كل شيء، فكل ما شهده عبد من عباده هو أيضا ماثل عنده حاضر بين يديه.
وهو الرقيب من حيث تقديره الصادق لكل ما يمكن أن يصدر عنهم من أفعال أو أقوال، وهو من حيث هذا الاسم يراقب مدى التزام عباده بأوامره التي اقتضتها منظومة أسماء الهدى والرحمة ويرتب على ذلك آثاره اللازمة.
ويشير الاسم "الرقيب" إلى عنايته بخلقه فهو لم يخلقهم عبثا ولم يتركهم سدي، ويشير أيضا إلى أنه خلقهم أحرارا مخيرين، فهو يراقبهم حتى يعلم الصادقين منهم والصالحين الملتزمين بأوامره الحافظين لحضوره، وهو يراقبهم ليعلم مدى تقواهم ومدى خشيتهم له، فهو الرقيب الذي يحصى عليهم أعمالهم، وهو الرقيب الذي يري كمالاته حال تفصيلها وتقديراته حال تحققها، وكونه رقيباً على كل شيء هو من لوازم حضوره التام مع كل شيء، ولذا فهو الرقيب من حيث أسماؤه وهو الرقيب من حيث آلاته كالملائكة الحافظين الكرام الكاتبين الرقباء العتيدين، وهو الرقيب من حيث كل شيء على كل شيء، ذلك لأنه هو الوارث المطلق.
-------
إن الله سبحانه هو القريب من كل شيء من حيث إحاطته المطلقة التامة بكل شيء، فهو المحيط بكل ما خلق من الأكوان مع أطرها الزمكانية، فلا توجد فواصل مكانية أو زمانية بينه وبين من هم من دونه لعلوه المطلق فوق الزمان والمكان بمفهومه ومقتضياته، فهو قريب من الناس الآن كما كان قريبا من أسلافهم من قبل آلاف الأعوام، وبذلك فهو الرقيب على كل شيء لحضوره التام مع كل شيء، فكفى به شهيدا على كل شيء.
-------
وليس المقصود بالعبارات مثل (حتى نعلم) أو (ليعلم) الواردة في القرءان أنه لم يكن عالماً ثم علم فإنه سبحانه لا يتغير عما هو عليه، ذلك لأن له سمة العلم الكاملة اللانهائية المطلقة، وإنما المقصود بيان أن ثمة فرقانا بين الأمور المقدرة السابقة وبين الأمور الظاهرة المتحققة، أي المعلومات اللاحقة المتعلقة بالأمر من بعد تحققه وحدوثه، وكلتا الطائفتين من المعلومات ماثلة عند الله تعالى يحيط بها على ما هي عليه، وهناك أمور ذات طابع عشوائي بحكم طبيعتها، فنتائجها تكون أيضاً من حيث طبيعتها محتملة بدرجات احتمال معينة، والله سبحانه محيط بكل هذه الاحتمالات، وكلها ماثلة عنده وهو يعلم كل احتمال مقترنا بدرجته، والمعلومات اللاحقة هي التي يترتب عليها الأحكام والأقضية والآثار والتقييم والحساب وبعض التشريعات، فسمة العلم تحيط بالأمر على ما هو عليه وفي حالته التي هو عليها، ولذلك فالعبرة هي بالتحقق الفعلي للأمر، وكثير من التشريعات الجزئية جعلت مترتبة على الأعمال الفعلية الصادرة من الناس وليست المقدرة لهم أو المتوقعة منهم، ويجب العلم بأن تغير مجال السمة لا يعني تغير السمة؛ فالسمة الكاملة كمالاً مطلقاً لا تتغير عما هي عليه، ويجب مع ذلك ألا تتناهي عناصر مجالها وألا يتناهى تغيرها.
-------
والرمز يشير إلى كونه مصدر كل خير ونور وإلى ظهوره المستمر والمتكرر في عين بطونه، كونه هو الخير الحقيقي والنور الحقيقي والقوة المطلقة، وبه يبدأ كل شيء.
*******
إن الله تعالى هو القريب الذي يجيب أخفى توسلات عباده، وهو القريب المجيب الداني دون كل شيء قربه، فهو أقرب إلى كل إنسان من نفسه، وله الإحاطة به كما هو حاضر في أعماقه دون أن يقيده زمان أو مكان، ولذلك فالاسم الإلهي الرقيب يقتضي من الإنسان التحقق بتقوى الله والخشية والرهبة والحياء ومراقبة الله تعالى والشعور بحضوره وتشديد الرقابة على النفس وأخذ الحذر من تقلباتها ودوافعها وأهوائها، كما يستلزم حرص الإنسان على العمل بمقتضى الأوامر الإلهية بقدر الوسع وإجلال الجناب الإلهي.
ولأنه سبحانه القريب المطلق فكل الأشياء حاضرة عنده مهما تباعدت هذه الأشياء، ومهما عظمت الفواصل الزمانية والمكانية فيما بينها، ومهما تنوعت من حيث اللطف والكثافة، والظهور والبطون، وكل ما يصدر عن إنسان أو يخفيه في أعماقه هو ماثل عنده، فهو سبحانه ليس بحاجة إلى بذل جهد ليسمعه أو يعلمه.

*******


هناك تعليق واحد: