الأحد، 1 فبراير 2015

سورة المجادلة

سورة المجادلة

قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ(1) المجادلة

قد يتعجب البعض من إنزال آيات تتضمن أحكاما تفصيلية خاصة بأمر قد يندر حدوثه بسبب مجادلة امرأة غير مشهورة في حين لم تنزل ولو آية واحدة لتفصِّل كيفية إقامة الصلاة ولا حتى لتنص على عدد الصلوات، ولكن هذا يبين كيف أنه سبحانه يعتني بخلقه ويحرص على صيانة حقوقهم وكرامتهم ويصغى إلى توسلاتهم ويسمع أحاديث أنفسهم وما يدور في بواطنهم كما يدبر أمورهم.
ومع ذلك حاول واضعو المرويات إظهاره كسلطان شرقي لا يبالي بمصائر الناس بل ويفرضها عليهم فرضا ويعاقبهم على ما حملهم على فعله ويحابي بعضهم دون البعض وتصدر عنه الأوامر والتشريعات دون حكمة أو مقصد ويسمح لبعض مخلوقاته بالتدخل في أموره والعلو على قوانينه وسننه، ألا يتعظ أو يرتدع كل من استحوذ على سلطة ما عندما يقرأ تلك الآيات ويتعلم كيف يصغى إلى الناس وكيف يتسع صدره لهم؟ ومن ناحية أخرى ألا يدل ذلك على مدى احترام كرامة المرأة وكيانها؟ إن الآيات لم تقرِّع المرأة لأنها جادلت الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ في زوجها وإنما اتجهت مباشرة إلى معالجة الأمر وبيان حكمه، وكل ذلك يبين أن الاحتفال بمشاعر الناس والإصغاء عليهم ومحاولة علاج مشاكلهم أعظم أهمية من التفاصيل الشكلية للشعائر.
وتبين الآية أيضاً أن الإدراك السمعي للأصوات إنما هو له سبحانه من حيث المثني السميع البصير، فمن مجالات ذلك المثني الكائنات والكيانات الكثيفة والتي يحتويها العالم المادي المشهود وتكوِّن لبناته.
=====================
المجــادلة : 7
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(7)
إن معيته مع الأشياء إنما هي بهويته ولقد صرح بذلك بقوله إنه رابعهم وأكد ذلك في الآية بما لا يدع مجالا للشك، فهو مع الأشياء بذاته، وهذا يقتضى أن يعلم ما يتناجون به، وعلمه بهم هاهنا مترتب علي حضوره الذاتي معهم دون أن يتقيد بهم ولا بغيرهم، وإثبات الأمر المحكم المحيط بالنسبة إليه يتضمن إثبات التفاصيل والمقتضيات، ولو كان المراد بالمعية هي مجرد العلم بنجواهم لاكتفي بأول الآية وبآخرها ولما كان ثمة داعٍ إلى التأكيدات المتتابعة فيما بينهما، ولقد علم الناس الآن أن علم إنسان ما بما يتناجى به ثلاثة لا يعنى بالضرورة أنه معهم أو أنه رابعهم، فلكي يكون كذلك لابد من وجوده الحقيقي معهم، فهو سبحانه مع هؤلاء المتناجين دون أن يتقيد بهم فهو معهم وهو أيضا مع غيرهم مما لا يتناهى عدده من المخلوقات، ومعيته معهم أيضا إنما تكون من حيث أن كلا من المتناجين آلة من آلاته لإدراك ما به يتناجون، فهو يدرك نجواهم من حيث ذاته ومن حيث أنهم آلاته، أما من نفي حضوره بهويته مع عباده فهو مكذب بظاهر الآية.
=======
سورة المجادلة 12-13

قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{12} أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ{13}}المجادلة.
الأمر الوارد في الآية 12 واضح تماما؛ على من أراد أن يناجي الرسول أن يقدم بين يدي نجواه صدقة، وهذه الصدقة كما هو معلوم كانت تُردّ عليهم، فلم يكن النبي يبيت وفي بيته أموال أو حتى دريهمات قليلة أبدا.
ومن المعلوم أن الإنسان مكلَّف بالحكم الشرعي بقدر وسعه واستطاعته، فغير المستطيع داخل في قوله تعالى: {فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، ولكن من الواضح أن (الصحابة) بصفة عامة استثقلوا هذا الأمر وعصوه، ولا توجد أية غرابة في ذلك، فالقرءان يسجل عليهم اقتراف العديد من كبائر الإثم ومنها أخطاء جسيمة في حق الرسول.
لذلك تتضمن الآية التالية تأنيباً وتقريعاً بل وتهديدا مبطناً لمن لم يلتزم بالحكم مع استطاعته، فهي لا تعفي القادر من تقديم الصدقة، بل تعتبر ذلك ذنباً يستوجب التوبة وإلا فإن كل مسلم ملزم بإقامة الصَّلَاةَ وإيتاء الزَّكَاةَ وطاعة اللَّهَ وَرَسُولهُ، فأين النسخ هاهنا؟ إنه لكي ينسخ الحكم المذكور كان يجب أن يرد أمر النسخ كمثل هذا: (لا جناح عليكم ألا تقدموا بين يدي نجواكم صدقة)، والسؤال الوارد في الآية هو سؤال لم تُذكر إجابته، ذلك لأنه سؤال استنكار وتبكيت وتنديد بمسلكهم.
أما السلف الطالح ومن تابعهم من الخلف المنافق الفاسد فقد رأوا أنه من الأسلم لهم التطاول على الله وكتابه ورسوله فزعموا أن الآية الثانية نسخت الأولى بمجرد امتناع (الصحابة) عن تقديم الصدقة!!!! هذا مع أنهم يزعمون للناس عن طريق مروياتهم أن هؤلاء (الصحابة) كانوا ينفقون أكثر أموالهم إن لم يكن كلها في سبيل الله وأنهم كانوا هم الذين ينفقون على الرسول وأن الرسول كان يجلس في بيته يتضور جوعا إلى أن يأتيه بالغوث أبو بكر أو عثمان!!!
ولقد قال المضلون من المفسرين عبيد النسخ: "أشفق الصحابة أن يقدموا صدقة للنبي فأنزل الله لتوه {فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم} وهذا معناه أن المستطيع الذي لم يقدم الصدقة لم يأثم بذلك"، فمن أين أتوا بتفسيرهم هذا؟ أليس كل مسلم مأموراً بالطاعة المطلقة لله وللرسول؟ ألا تتضمن نفس الآية أمراً بطاعة الله والرسول؟ هل من يعصي أمراً إلهيا واضحاً بيناً لا يأثم بذلك؟ بلى، لقد أثموا بذلك ولكن الله الغفور الرحيم تاب عليهم وجدد أوامره لهم بالقيام بأركان الدين وذكرهم بأنه يجب عليهم دائماً طاعة الله ورسوله، قال تعالى: {فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}، وكيف يشفق كل من يسمونهم بالصحابة من أن يقدموا صدقة؟ إن الخطاب بالطبع كان موجهاً لمن لم يفعل مع استطاعته، وإلا فقد كان من بينهم من قدم ماله أو نفسه طواعية في سبيل الله تعالى.
وهل يعتقدون أن الله تعالى يكون ملزماً لتوِّه بتغيير أوامره ونسخ آياته لمجرد أن (الصحابة) أبوا أن يستجيبوا لأوامره؟ وكيف يكون القرءان إذاً هو كلام الله القديم غير المخلوق كما هي عقيدتهم؟ ومع ذلك فليعلموا أن القول بالنسخ باطل بطلاناً مطلقاً دون الحاجة إلى تلك التفاسير، ذلك لأن القرءان هو كلام الله وقوله وروح من أمره، ولا يوجد نص أعلى منه ليقرر أي شيء بخصوصه، ولا يجوز تحكيم الأدنى في الأعلى، وأهل السنة يؤمنون بأنه في لوح محفوظ وأنه أنزل إلى السماء الدنيا جملة واحدة، ولم يكن الله تعالى بحاجة إلى دراسة أحوال الناس ليغيِّر من أحكامه وينسخ من كلامه، فالقائلون بالنسخ لابد وأن يتورطوا في شيءٍ من الكفر، ولكنهم أشربوا في قلوبهم هذا القول فلم يعودوا يشعرون أو يبالون بالعواقب الوخيمة لسلوكهم.
ويجب التأكيد دائماً على أنه لا يوجد مصدر للمعلومات الدينية أعلى من القرءان ليقرر أي شيء بخصوصه، ولا يجوز الاحتجاج بالمصدر الأدنى لتقرير شيء بخصوص الأعلى، فللقرءان الهيمنة على كل المصادر الأخرى، والقرءان هو المصدر الأوحد الذي يمكن معرفة سماته منه.
إن القول بوجود آيات قرءانية منسوخة هو كفر جزئي مؤدٍّ إلى كفر كلي، لماذا؟ ذلك لأن المسلم ملزم بالإيمان بكتاب الله بكل سماته المذكورة فيه، وبكل ما وصفه القرءان به، وهذا القول -الذي هو أصلا لا دليل عليه- مضاد تماما لسمات القرءان، كما أنه مضاد تماما للمنهج القرءاني اللازم لاستخلاص القول القرءاني في أية مسألة، ومن يقولون بالنسخ يتصورون أنه يوجد تعارض بين الآيات واختلاف فيما بينها لا يزيله إلا القول بالنسخ، وهم بذلك يكذبون بالتأكيدات الإلهية بأنه لا اختلاف في القرءان، فهذا القول يتضمن خللا في مفهومهم عن الألوهية.
إن القائل بوجود آيات منسوخة في كتاب الله ما آمن بالإله الحقيقي ولا بكتابه الحقيقي ولا اتبع الإسلام الحقيقي!

وإذا كان (الصحابة) قد استمروا مثلا (كما تقول كتب التفسير) في تعاطي الخمر رغم نزول الآية التي تذكر أن فيها إثماً كبيرا فما هو ذنب الآية ليقولوا بنسخها؟ ولقد فرَّ بعض كبار (الصحابة) في معركتي أحد وحنين معرضين النبي لأشد الأخطار رغم أن الفرار من القتال هو من كبائر الإثم، ولقد نص القرءان على ذلك نصاً واضحا بينا، فهل أخطأت الآيات التي تأمر بالثبات في القتال أم أخطأ من ولى الكفار دبره؟ ولقد كان من مقاصد ذلك ألا يتخذهم البعض من بعد أرباباً من دون الله أو آلهة معه، ولقد عفا الله عنهم، فهل يعني ذلك أنهم لم يأثموا أصلاً؟ وهل ينهض ذلك حجة على الأوامر القرءانية المشددة بوجوب الثبات عند مواجهة الأعداء؟ أم أن الحقيقة هي أن الشيطان قد استزلهم ببعض ما كسبوا كما جاء في الآية: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ }آل عمران155، ربما كان بعض ما كسبوا هو استمرارهم مثلا في تعاطي الخمر، ولقد خاض بعضهم في حديث الإفك فاكتسب بذلك إثما استوجب جلده في تلك الدنيا وتوعده ربه بالعذاب الأليم في الآخرة، اقرأ قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}النور11
والآية هي حجة على من غالى في تقديس من يسمونهم بالصحابة وهي تفند حجج من زعم أنهم كانوا ينفقون على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، وهي تكشف الأمر للناس لعلم الله تعالى المسبق بما سيلهج به الظالمون من بعد الذين سيتطاولون على الرسول لرفع شأن من يسمونهم بصحابته.

=====================



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق