الثلاثاء، 26 أغسطس 2025

من كتابنا 147، من رسائلنا عن دين الحق المنشورة على شبكة المعلومات 1، 2018

 إن استخلاص عناصر ومنظومات دين الحق لا يستلزم النظر فيما هو موجود من مذاهب ولا في مسيرة هذه الأمة التاريخية ولا النظر في شيءٍ من التراث، فلا يلزم شيء من ذلك أبدا، فكل عنصر من عناصر هذا الدين يمكن استخلاصه من القرءان الكريم ومكانه الصحيح فيه ثابت بالقرءان الكريم.

فعندما نقول مثلا إن الأسماء: "رب العالمين"، "السميع العليم"، "التواب الرحيم" من الأسماء الحسنى يمكننا إثبات ذلك وفق منطق قرءاني صارم، وعندما نقول: "إن ذكر الله مقدم على إقامة الصلاة وعلى صيام رمضان والحج" أو نقول "إن التقوى أهم من صيام رمضان" فيمكننا كذلك إثبات ذلك وفق منطق قرءاني صارم يعلو فوق الأمور التاريخية والمذهبية، وكذلك الأمر عندما نقول "إن أداء الأمانات إلى أهلها والحكم بالعدل والقيام بالقسط أهم بكثير من موضوع الملابس وغض البصر".

فمن حيث دين الحق لا ضرورة للتعرض للأمور التاريخية المذهبية، ولا جدوى من ذلك أيضًا إلا من حيث دين الحق، ومن الممكن بالطبع تبيين كيف بدأ الانحراف وكيف توارى دين الحق خلف هذه المذاهب المتناحرة، ولكن لا يمكن ذلك دون التعرض لما ألفى الناس عليه آباءهم من المذاهب، وعندها سيوَلّي أكثرهم عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا، فلن يطلب الحق للحق إلا قلة قليلة من الناس، ولابد من التدافع بين الحق وبين الباطل!

*******

إن لدين الحق منظومة سمات ثابتة بالقرءان الكريم من أهم عناصرها العالمية، والتي تقتضي ألا يُقيَّد الإسلام بعادات وتقليد قوم من الأقوام، ودين الحق هو بالطبع الأصلح للبشرية جمعاء، وسيكون أكثر قبولا بصفة خاصة لأهل الغرب لاشتراكهم معنا في التاريخ والقيم والديانة الإبراهيمية.

*******

إن التصوف هو الذي أحيا الجانب الوجداني من الدين بعد أن ساد المذهب الأعرابي الأموي العباسي بمنا يتميز به من جمود وحرفية وهمجية وازدراء للأمور الوجدانية واحتفال بتقاليد الأعراب والطقوس وعداء لكل ما هو إنساني، فالتصوف هو الذي أحيا ما هو في دين الحق من أركانه الجوهرية مثل "ذكر الله" و"التزكي" و"إقامة صلة وثيقة بالله ودعمها وترسيخها"، وهو أيضا أصلح الكثير من الخلل الذي ضرب الموازين عند المذاهب التقليدية.

ولقد كان المتصوفة هم سبب انتشار الإسلام في كل الدول الأفريقية من البحر إلى المحيط، وكذلك في انتشاره بين المغول والتتار وأكثر الترك وفي أقصى جنوب شرق آسيا، ولكن لما كان التصوف قد نشأ بمعزل عن التيار السائد وربما كتحدٍّ صريح له –مثلما حدث مع المذهب الشيعي- فقد تسلل إليه منذ البداية العيوب التي تشوب عمل الطوائف السرية.

وكذلك تأثر بالكثير من تراث الأمم المتعايشة مع المسلمين، كما تأثر الخاصة منهم بآراء الفلاسفة وتأثر العامة بممارسات الشيعة، وهكذا أصبح التصوف مثقلا بالكثير من العقائد والممارسات البعيدة عن الإسلام، وبالإضافة إلى ذلك فقد حاول المتصوفة أن ينفوا عن أنفسهم الخروج على الخط العام بالغلو في محدثات وأباطيل هذا الخط العام.

والخلاصة أنه لم يعد لدى المتصوفة ما يقدمونه للنهوض بالأمة وقد أخذوا فرصتهم كاملة على مدى التاريخ في مصر قبل الحملة الفرنسية، وكذلك في دول المغرب العربي قبل الغزوات الأوروبية، أما في السودان فقد أخذوا أكبر فرصة لهم على مدى تاريخهم.

*******

دين الحق هو الحل، فهو البديل الأرقى والأسمى لكل الأديان والمذاهب التي حلَّت محله، هذه المذاهب هي المشكلة على كافة المستويات، دين الحق يغني عن المذاهب ويتضمن أسمى ما فيها ويتطهر من نقائصها ويعلو عليها علوا هائلا.

*****

الكتاب الديني الوحيد ذو المصداقية الدينية الكاملة في العالم كله هو القرءان الكريم، هو المرجع الأوحد لأمور الدين الكبرى والمرجع الأعلى في الأمور الثانوية، ولدين الحق المستخلص منه الحكم والهيمنة على كل ما هو من دونه، فلا يصح منها إلا ما كان متسقًا معه وما هو من الممكن أن يندرج في إطاره، ولا يجوز لأحد أن يضع القرءان مع كتب المرويات الظنية في جملة أو معادلة واحدة كما يفعل بعض المشركين، وذلك لعلو القرءان المطلق على كل ما هو من دونه من مصادر المعرفة الدينية، يمكن فقط مقارنة كتب المرويات الظنية فيما بينها.

ويجب اتباع القرءان واتخاذه إماما، قال تعالى:

{كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3)} الأعراف، {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} الأنعام106، {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} يونس109، {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرا}الأحزاب2، {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}الجاثية18

وقال تعالى:

{إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقرءان فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92)} النمل.

وأمْر الله لرسوله هاهنا هو بالفعل أن يتلو القرءان بمعنى أن يتبعه وأن يتخذه إماما.

ومن يتخذ القرءان إماما سيُدعى به، وكفى بذلك فخرًا، وكل أمة ستُدعى إلى كتابها الذي اعتصمت حقا به، وهو غير كتاب أفعالها الذي ستُحاسب عليه.

ولذلك كان يتعين على المسلمين أن يتخذوا القرءان المصدر والمرجع الأوحد في أمور الدين الكبرى والمصدر والمرجع الأعلى في الأمور الثانوية، وكونه المرجع الرئيس في الأمور الثانوية يفسح مجالا لما تبقى من ملة إبراهيم التي كان الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ مأمورا باتباعها أيضا، وملة إبراهيم تتضمن كل ما ذكره الله تعالى مقترنًا بإبراهيم عليه السلام، وهي تتضمن أساسًا إخلاص الدين لله، والسنن العملية مثل الصلاة والحج، قال تعالى:

{ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} النحل123، {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء}إبراهيم40، {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}الحج27.

ولكن كان الرسول مفوضا في تحديد بعض ما يتعلق بها فاختار لأمته الأيسر مثل الحج مرة واحدة، كما اختار ما يُقرأ في الصلاة وما يقال في الركوع والسجود بناءً على الهدي القرءاني، وبالطبع فالتلاوة غير الاتباع، فاختلاف المبنى يؤدي إلى اختلاف المعنى، ولكن الكلام هو على العبارة اللغوية ككل والتي يظهر فيها الفعل وليس اسم المعنى وصيغة الحصر والتأكيد الواردة وفحوى الخطاب وظلاله، فكل ذلك يؤدي معنى أن الرسول مأمور بأن يقدم القرءان أمامه وأن يتخذه إماما، وهذا هو معنى الاتباع والذي أكدته وصدقته آيات أخرى، وهذه الآية هي حجة على عبيد المرويات الظنية.

*******

القرءان هو الكتاب الوحيد الذي يتضمن مسلماته وبديهياته  Postulates & axiomsوبيناته Evidences، ومنهجه وآلياته، ويجب استخلاص عناصر الدين من القرءان وفق منهج قرءاني علمي منطقي، وليس وفق أي نهج تراثي.

فقبل البحث عن أهم أركان الإسلام مثلا يجب وجود نظرية حقيقية يمكن على أساسها البحث عنها، فلا يجوز استفتاء التراث في أمر كهذا أبدًا، وعندها سيتبين مثلا أن أمرًا مثل الحكم بالعدل والقيام بالقسط وأداء الأمانات إلى أهلها أهم بكثير من الأمر بالحج أو الأمر بغض البصر، وسيتبين أن الأمر باجتناب كبائر الإثم والفواحش هو أقوى من الأمر بإقامة الصلاة أو صيام رمضان.

وفي دين الحق يتقدم القرءان كله بكافة محتوياته على كل ما هو من دونه، فهو المهيمن على كل ما هو من دونه من الكتب في المجال الديني، وتلك هي مكانته المستحقة، وما حسم القرءان أمره لا يجوز النظر في التراث بشأنه على المستوى الديني، أما ورد في التراث بشأنه فيُترك أمره لأولي الأمر المتخصصين مثل المؤرخين وعلماء اللغة وعلماء تطور الأفكار وعلماء الدين المقارن وغيرهم، وبالطبع لا يجوز أخذ رأي المتمذهبين في أمرٍ كهذا أبدا.

*******

لا سبيل ولا حلَّ إلا اتباع دين الحق ونبذ المذاهب التي حلَّت محله، ودين الحق مصدره الأوحد في كل الأمور الدينية الكبرى هو القرءان الكريم، وهو أيضا مصدره الأعلى في الأمور الثانوية! ويندرج فيه ما يصدقه مما هو منسوب إلى الرسول، وكل عنصر من عناصره أو منظومة من منظوماته مبرهن عليه بآيات القرءان الكريم وبالمنطق القويم وليس بأقوال سلف أو خلف، فلا يجوز النظر في المرويات والآثار إلا إذا كان هناك أصل في القرءان الكريم.

وعلى سبيل المثال هناك أمر بالسجود في القرءان، وثناء على الساجدين، وبالطبع هناك دلالات معنوية للسجود؛ أي هناك سجود على المستوى القلبي الجوهري، ولكن هذا لا يتعارض مع السجود المعهود الذي تعلمه الناس وتوارثوه منذ أقدم العصور، وكان معلومًا لمتبعي ملة إبراهيم، فلا يوجد أي مبرر لرفض ما يعرفه الناس من السجود، ولكن يجب التأكيد على الجانب المعنوي الجوهري الذي شُغِل الناس عنه بالجانب الحسي.

*****

دين الحق هو الدين الذي مصدره الأوحد في الأمور الدينية الكبرى هو القرءان الكريم، وهو أيضا مصدره الأعلى والرئيس في الأمور الثانوية، وهو يأخذ بما هو منسوب إلى الرسول من الآثار إذا كانت متسقة تمام الاتساق مع ما هو ماثل في القرءان الكريم، وهو بحكم كونه صالحا لكل عصر ومصر يستوعب كل ما يستجد من علوم وتأويلات أصبح الناس مستعدين لها ومهيئين لقبولها، فلهذا الدين منظومة سمات ثابتة بالقرءان الكريم، ولها الحكم على كل المصادر الثانوية للدين.

ومنظومات الدين وعناصره وقيمه وسننه ماثلة في القرءان أو مستخلصة منه وفق منهج قرءاني منطقي صارم، ودين الحق هو بنيان كامل حي متنام، وهو يستوعب كل ما هو منسوب إلى الرسول مما يتسق مع العناصر القرءانية، ويمكن استخلاصه بطريقة منهجية علمية محض، وليس بالمقارنة بين المذاهب الموجودة، عناصر هذا الدين وسائر مكوناته هي الحق، وكل مذهب محسوب على الإسلام هو مزيج من الحق والباطل بنسب متفاوتة، ومن البديهي أن الحق واحد، ولكنها الأهواء عمَّت فأعمت.

والدواب السلفية هي بلا شك دوابّ غير سوية، فالسلفية مرض شديد الخطورة على أي كيان ابتلي به، والسلفية هي توليفة من سميات سريعة وسميات ممتدة المفعول وميكروبات وفيروسات، وخطورتهم شديدة على الإسلام وعلى الأوطان وعلى الإنسانية وعلى التقدم الحضاري وعلى الكوكب الأرضي والنظام الكوني، هم أخطر من الشيطان الرجيم نفسه.

*******

من الفروق بين دين الحق وبين المذاهب التي حلت محله

دين الحق هو الدين الذي مصدره كتاب الله، وهو الكتاب المهيمن على سائر الكتب بما فيها الكتب السماوية السابقة وكل مصادر المعرفة الدينية والآثار، فهو الذي يصدق بقوله تعالى:

{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ....} [المائدة:48]، {كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3)} الأعراف.

ولذلك فدين الحق يتخذ من القرءان المصدر الأوحد للأمور الكبرى والمصدر الأعلى للأمور الثانوية، ومن الأمور الكبرى موازين الأوامر الدينية، لذلك فهو يعظِّم ما عظمه القرءان، ولا يلزم الناس بشيءٍ ليس له أصل في القرءان. 

أما المذاهب الأثرية والسنية، وهي من المذاهب التي حلت محله فالعقيدة الأساسية عندها عمليا وواقعيا والتي صيغت على أساسها أن (السنة) حاكمة على القرءان وقاضية عليه وناسخة (مبطلة وملغية) لآياته عند التعارض، ويقصدون بالسنة الآثار والمرويات، هذه هي الحقيقة، ولا جدوى من التشدق بعد ذلك بأي كلامٍ آخر، لذلك فهم مثلا قد اتخذوا من مروية ابن عمر أساسًا لأركان دينهم متجاهلين القرءان، وهم قد أخذوا ما يُسمَّى بحدّ الردة من المرويات، وليس من القرءان، وأخذوا رجم الزاني المحصن من المرويات، ناسخين بذلك ما قرره القرءان.

وكذلك ألزموا الناس بالإيمان بأمورٍ لا أصل لها في القرءان ثم حاولوا ليَّ عنق الآيات لتقول بها.

كما أنهم تجاهلوا عمليا وواقعيا كل ما لم يرد بخصوصه شيء في المرويات، وألزموا الناس بالخضوع الذليل المهين للظلمة الفجرة.

ودين الحق لا يلزم الناس بأي شيء يتعلق بتاريخ المسلمين لا ذكر له في القرءان الكريم، بينما المذاهب التي حلت محله قد أثقلت كاهل المسلمين بعقائد وأحكام مستمدة من هذا التاريخ، فقد ألزمهم المذهب السلفي مثلا بالإيمان بأن بعض أكابر المجرمين والمفسدين في الأرض هم عمليا وواقعيا شخصيات مقدسة وأربابا مشرعين في الدين، ورتبوا على ذلك شريعة إجرامية دموية تستحل دم من لم يقل بأقوالهم، أو على الأقل تنتهك حقوقه الإنسانية الأساسية.

*******

دين الحق هو ذلك الدين الذي مصدر أموره الكبرى الأوحد هو القرءان الكريم، والقرءان هو أيضًا المصدر الأعلى لأموره الثانوية، فهو الدين الذي يشكل كل أمرٍ أو عنصر قرءاني أساسًا من أسسه أو لبنة من لبناته، ويأخذ كل أمرٍ فيه وزنه من القرءان.

والإسلام الذي هو دين الحق (The religion of truth, The official or the true Islâm)  ، الملزم للناس كافة هو الذي يتضمنه القرءانُ الكريم، وقد كان الرسول مُجسِّدًا له بأقواله وأفعاله وسنته وحياته، لذلك فمصدر أموره الكبرى الأوحد هو القرءان الكريم، وهو أيضًا المصدر الأعلى لأموره الثانوية.

وهذا الإسلام هو الدين الكامل الجامع الخاتم، وهو أيضًا الدين العالمي والرسمي والاصطلاحي، فهذا الدين هو الصورة الكاملة التامة للدين الذي أرسل به كل الأنبياء، والذي هو دين الفطرة، فهو يتضمن كلَّ عناصر دين الفطرة، فدين الحق هو دين الفطرة في صورته الكاملة التامة؛ أي بعد أن بلغ ذروة تطوره وتمت الكلمة صدقًا وعدلا، وهو الذي أعلن الله تعالى في القرءان أنه أكمله للناس وأنه سيظهره على الدين كله، قال تعالى:

{.... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينا ....} المائدة3، {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [الفتح:28].

ولهذا الدين سماتُه وعلومُه وبيِّناته ومقاصده وقيمه وأركانه وسننه، ولكل عنصر من العناصر الواردة في القرءان مكانه في هذا الدين طبقا لوزنه القرءاني، وأركانه هي كل ما ورد به أمر إلهي ملزِم ومشدَّد وحرص القرءان علي تأكيده وبيان أهميته، وعلي رأس تلك الأركان الإيمان بالله الذي لا إله إلا هو والذي له الأسماء الحسني والأفعال والشئون والسنن المذكورة في القرءان، ولبّ هذه الأركان عبادة الله تعالى بإخلاص وذكر الله والعمل على إقامة صلة وثيقة به والتزكِّي، ومن أركانه الإيمان بالقرءان باعتباره الرسالة الإلهية التي أكمل الله تعالى بها الدين، والإيمان بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ كرسول لله تعالى وخاتم للنبيين، ولهذا الدين مقاصده الكلية، هي جماع مقاصده الجزئية والتي هي الحِكَم من كافة الأوامر الدينية.

ولا نجاة لإنسان الآن إلا بالالتزام بهذا الإسلام طالما بلغه البلاغ المبين الكافي، ومن كان حريصًا على الالتزام المطلق بهذا الإسلام قلبا وقالبا فهو من المؤهلين لجني ثماره وهو من المبشرين بالجنة، وكل صور الإسلام المذكورة سابقا هي أجزاء منه أما ما يليه فهو ثمرة له.

*******

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق