إن وجود الذات الإلهية هو الوجود المحيط بكل شئ المتعالى على كل شئ، فله الإحاطة بالوجود المطلق وكذلك بالوجود النسبى المقيد، ومعنى إحاطته بالوجود المطلق أن إطلاقه يعلو فوق الإطلاق المقابل للتقييد إذ هو من حيث المرتبة كان قبل أن يتميز مفهوم عن مفهوم، فهذا الوجود لا يمكن التعبير عنه بلفظ ما، فهو ليس بمقابل للعدم، ذلك لأن العدم هو أيضا مفهوم من المفهومات وتصور من التصورات، وهو يستمد معناه مما ترتب على وجود الذات.
ولله
سبحانه مرتبة يظهر فيها لنفسه بسمته المحكمة العليا التى تفصيلها كل الصفات الأخرى
التى لا تتناهى عددا ولا
تنوعا ولا مدي، ولا وجود لمخلوق فى تلك
المرتبة، كما أن له مراتب لا تتناهى عددا يتجلى فيها لنفسه بنفسه بكافة الصفات المحكمة والتفصيلية،
وذلك أمر متعال على الزمان والمكان، وإن كان هذان المفهومان مستندين من حيث
الحقيقة إلى ذلك التنوع والتتابع والتعدد فى التجليات، فالزمان هو الحقيقة الكونية
المترتبة على تنوع التجليات وعلي استناد كل تجلٍ أكثر تفصيلا إلى تجلٍ أكثر إحكاما وإلى ترادف وتتابع تلك التجليات، وإلى
ذلك الإشارة بقوله سبحانه {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْن}، وكلما ظهرت الذات لنفسها
بصفة من صفات كمالها كان ذلك اسما
لها، إلا أن التميز التام للأسماء وتمام جلائها واستجلائها اقتضى ترتب وتألف حقائق
الأشياء، إذ كان لابد من حقائق وماهيات يمتزج فيها النقص بالكمال وإلا لكان تمام
الظهور من المحال، فإن الظهور التام لصفات الكمال يقتضى تميزها بتفاوت الصفات،
فاختلاف وجود صفةٍ ما فى ماهية عنها فى ماهيةٍ أخرى بل وافتقادها فى ماهية ما كل
ذلك من لوازم الظهور، ولكنه ما كان ليحدث فى العالم الإلهى الأقدس.
فمنظومة
الأسماء الحسنى هى الكمال التام المطلق الذى لا يمكن أن يتطرق إليه نقص ما، فكان
لابد من ظهور الكائنات الغيرية وكان لابد من أن يكون كل منها مسبوقا بحقيقة ذاتية أو صورة علمية تسعى لأن
تتحقق وقابلة للظهور بالوجود وقابلة لأن يترتب عليها آثار وأفعال، وكان لابد من أن
تكون تلك الحقائق من مقتضيات السمات الإلهية، فمنظومة الأسماء وحقيقة كل اسم
ومعناه وكيفية ترتب الأسماء فى أنساق متدرجة من حيث الإحكام كل ذلك اقتضى وجود
كيانات غيرية، ولذا فمن حيث كل حقيقة كانت فى عالم الأسماء كان ثمة حقائق مقتضاة
محلها عالم الأمر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق